عبقـرية مبكـرة لأطفالنا ::: 151 ـ 165
(151)
    النقطة الرابعة : الثقة بالنفس :
    إن الطفل الذي صارت عنده القدرة على تحليل فعله ، وتوقعاته التي ستحدث بفعله ، مثل هذا الطفل تجده يلتذ بالفعل الذي يفعله وبالخصوص إذا صار يحاكي أفعال الآخرين ويحاول أن يقلدها ، فترى ابنك مثلاً يقلد أخاه في الرسم الذي يرسمه ويحاول أن يفعل مثله بالضبط ، وبعد أن ينتهي من رسمه المتواضع يأخذ هذه الورقة ليريها أباه أو أمه لكي يريهما القدرة التي حصل عليها. فإذا كان الوالدان ذكيين تشاهدهما يفيضان على طفلهما المديح والتقدير ، أو بقبلة صادقة مع كلمة خفيفة تضفي على الولد السعادة والثقة بالنفس. فعندما يشجع على شيء فعله سواء برسم أو بناء بيت من المكعبات ، أو الطين ، ويحس بالثقة وأن أفعاله تنال إعجاب الكبار وتقديرهم ، وعندها يمضي قدماً أكثر ؛ فالطفل الذي يبدأ في خطواته الأولى من المشي ويكون والداه بالقرب منه يضحكان له ويشجعانه كلما يخطو خطوة نحوهما ، مثل هذا الطفل يجد أن محاولة المشي أمر يجلب له السعادة واللذة وأيضاً الثقة بأفعاله.

    النقطة الخامسة : تعليم القيادة وحسن التخطيط :
    إن من أهم المميزات التي يفيضها اللعب على الطفل هو تعليم القيادة وحسن التخطيط ، وذلك أن الطفل أول ما يبدأ بالألعاب أن يقسم بينها ، أو يجعل فريقاً للعب فيقود أنشطته ، ويحاول أن يوزع الأدوار بين اللعب فيعطي هذا دور الأب وهذا دور الابن أو هذا شرطي ، ذاك حرامي أو حارس أو لاعب إلى غير ذلك ، ويحاول أن يربط بين هذه اللعب ببعض الحوارات مما يقوي الثروة اللغوية عنده ، وينمي حسن الإبداع والخيال لديه أيضاً.
    ويمكن أن يحصل الطفل على حسن التخطيط بمساعدة الوالدين ، فهما يقومان بعمل معين ليشرح لابنهما كيف جرى هذا الشيء ، أو حدث ذلك


(152)
الشيء ، وما هي الخطوات المتبعة في ذلك ؛ فيقوم هو بعمل ذلك بينه وبين ألعابه أو الآخرين فيتعلم شيئاً فشيئاً كيف يجب أن تسير الأمور وتنظم.
    أما القيادة والتي تعني تنظيم الآخرين وقيادتهم حسب أفكار القائد ، هذه الصفة لا تحدث إلا بعد أن يدرك الطفل حسن التخطيط ؛ فيقوم في اللعب الجماعي الذي بينه وبين الأطفال الآخرين بترتيب أدوارهم كما رتب أدوار ألعابه ، يقوم بإصدار بعض الأوامر البسيطة التي تناسب شأنهم ، ولا يمكن أن يحصل الطفل على هذه القدرة ما لم يشارك الآخرين في اللعب ، ويشير بعض علماء التربية إلى أن هذه القدرة من تعلم القيادة تبدأ في السنة الثانية للطفل. لذا يجب أن تنمى هذه المهارة بإعطاء فرصة للطفل بأن يقوم ببعض السلوك القيادي عند تعامله مع الوالدين ، أو الأشخاص الذين يتناولون تربيته ، كأن يجعلوا الطفل يقرر بعض الأمور مثل ذهابه إلى الحديقة أو بيت الجدة ؛ فعندما يختار ينفذ اختياره وهكذا. ثم ينطلق بعدها إلى الواقع الخارجي في أثناء لعبه مع الأطفال حتى يستطيع بعد ذلك إدارة أموره والاعتماد على نفسه.

    النقطة السادسة : تقوية الروابط الاجتماعية :
    إن الطفل الذي يشارك غيره في اللعب يتعلم من خلاله أشياء كثيرة يكتسبها أثناء لعبه. منها معرفة الحاجة إلى التعاون مع الآخرين ، وكيف أن التعاون يؤدي إلى نجاح اللعب وعدم التعاون يؤدي إلى فشله. كما سيصطدم مع بعض الأطفال الذين لا يرغبون في تحقيق رغباته وطموحاته ؛ فيعي أنه لا يمكن أن يحصل على كل شيء كما كان يحصل عليه من والديه ، وأن هناك أموراً يشترك فيها مع الآخرين ، وأموراً يختلف فيها معهم ، فيتعلم ما هي نقاط المميزات التي حصل عليها ، وما هي نقاط ضعفه إلى آخره.
    وبعبارة مختصرة نقول : إن اللعب حياة قائمة بنفسها يتعلم الطفل من خلالها أخلاق وسلوك الناس حتى يستطيع في كبره التعامل مع هذا المجتمع أو ذاك ؛ فاللعب مع الأطفال كالغرفة التي يتعلم فيها الطيار الطيران فهو في غرفته كأنه في الفضاء يطير.


(153)
    إن ضرورة مشاركة المربي الطفل في لعبه أصبحت غير قابلة للجدال ، أو المناقشة فإن تنازل المربي ونزوله إلى عالم الطفل له معان كبيرة عند الطفل. من المربين ممن لم يلتفتوا إليها بعد ؛ فيحسبها البعض إضاعة للوقت ، ويظنها آخرون ترفاً لا يلزم الالتفات إليه. في حين أن الإسلام أعطى هذه المسألة الأهمية كبرى ، بحيث إن أعظم رسول على وجه الأرض النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم على جلالة قدره وشأنه يلاعب الحسنين في زمن صباهما حيث كان يحملهما على كتفه ويقول لهما : « نعم المطي مطيكما ونعم الراكبان أنتما ».
    إن هذا السلوك من النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم له دلالة كبيرة تدل على أهمية الأمر ، ولم يكتف النبي صلى الله عليه وآله وسلم بفعله هذا بل أمر كل من عنده صبي أن يتصابى له ، ويلعب معه ويشاركه في لعبه قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم : « من كان عنده صبي فليتصابى له ».
    ويمكننا على نحو الاختصار نذكر بعض الفوائد التي ترجع على الطرفين سواء كانت للمربي أو الطفل وهي كالتالي :

    1 ـ تقوية الروابط بين المربي والطفل :
    إن الأمور المشتركة من شأنها تقوية الروابط بصورة عامة خصوصاً ما كان فيه إثارة البهجة والمرح ؛ فإنها تطبع في ذهن الطفل الصورة الجميلة عن الأب أو الأم لا سيما أنهما يشاركانه في استكشافاته وتطلعاته ، ويجدهما قريبين منه لذا تغمر الطفل السعادة والإحساس بالحنان ، وتعيشه في جو


(154)
عاطفي أسري وأنه مقبول من قبل والديه ، أو المسؤولين عنه لا سيما أن تعلقه بهما كبير جداً مما يعطيه استقراراً روحياً وثابتاً عاطفياً فيكون شخصية ناضجة. ولقد أثبتت التجارب أن التلاميذ الكسولين دراسياً غير متأخرين ذهنياً ولكن يعوزهم الدفء العاطفي.
    والكل منا يحمل ذكريات جميلة في أيام صباه كيف أن والديه أو أحد أجداده كان يلاعبه ويحاول أن يكون قريباً منه سواء بالقصص والحكايات أو غيرها. وما أروعها من صورة تلك التي ينقلها التاريخ عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وتعامله مع أطفال المسلمين! حيث كان صلوات الله عليه وعلى آله إذا قدم من سفر يتلقاه الصبيان ، فيقف لهم ثم يأمر بهم فيرفعون إليه فيرفع منهم بين يديه وخلفه ، ويأمر أصحابه أن يجمعوا بعضهم فربما يتفاخر الصبيان بعد ذلك ، فيقول بعضهم لبعض : حملني رسول الله بين يديه وحملك أنت وراءه ، ويقول بعضهم : أمر أصحابه أن يحملوك وراءهم.
    نعم ، إنها صورة حية تبقى في مخيلة الأطفال ويستمتعون بذلك مما يغمرهم بالعطف والحنان الأبوي من شخصية عظيمة مثل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، ولقد أثبتت الدراسات الحديثة أن الطفل بحاجة ماسة إلى قرب والديه منه ، وهذا الأمر منذ الساعات الأولى لولادة الطفل فضلاً عن تجاوزه الرضاعة ؛ فقد دلت الدراسة على أن حمل الطفل واحتضانه ومداعبته والتحدث إليه واللعب معه بطريقة حنونة أمور مهمة للنمو العاطفي للطفل ، وأظهرت الاختبارات التي أجريت على الحيوانات أنه إذا لم يتلقى الطفل تدليلاً ومداعبة وحضناً من والدته خلال سنته الأولى ، فلن يتمكن من التصرف بصورة مناسبة عندما يكبر. كما أكدت هذه التجارب أن الطفل الذي ينمو في محيط تنقصه اللمسة الدافئة والمحبة العاطفية من والدته أو حاضنته قد يفشل صحياً ومن المحتمل أن يموت.


(155)
    2 ـ تنمية قدرات الطفل الذهنية :
    سبق أن ذكرنا أن اللعب بحد ذاته ينمي الذكاء ويطور الذهنية ، ولكن الطفل الذي يشاركه أحد والديه في اللعب يرتقي إلى الذكاء بشكل سريع وواضح ، وذلك لأن والديه سيقومان بتذليل الصعوبات التي يواجهها الطفل ويحاول أن يرقى بعقله وتفكيره.
    فعندما يقول أميرالمؤمنين علي عليه السلام : « من كان له ولد صبا » أي يتظاهر بنزوله إلى عالم الطفل وتفكيره حتى يأخذ إلى عالمه هو. لا مجرد اللعب المحض بل يحاول أن يغذي ذهن الصبي بالمعارف والعلوم.
    الأب أو الأم التي تلعب مع ابنها بسيارة صغيرة وتحاول أن تدفعها إلى الإمام أو إلى الخلف وتشير إلى الطفل أن السيارة تسير بأربع عجلات ، وأن العجلات شكلها دائري ، حتى يسهل حركة السيارة كل ذلك في أثناء اللعب. كم سيرتقي ذهن الصبي إلى الكمال. وهذا الأسلوب الذي اعتمدت عليه المدارس الحديثة من تخصيص المعلم كي يجيب على أسئلة الأطفال أثناء اللعب ويشبع فضولهم العلمي.
    كما أن اللعب مع الطفل يكشف لك المقدرة التي يتعامل بها مع الحوادث التي تقع له ، والمشاكل التي تواجهه ، وأيضاً من خلال ذلك يلاحظ المربي الأمور عن كثب ويرى التطور الذي بلغه الطفل في هذه المرحلة أو تلك ويعرف مقدار موفقيته.

    3 ـ تقوية القدرة اللغوية :
    إن اللغة هي الوسيلة التي يتم التخاطب بها بين البشر ، ومن خلالها يعبر الإنسان عما يختلج في فؤاده ويدور في خلده ، فكلما تمكن الإنسان من اللغة أصبح التعامل مع الغير أسهل.


(156)
    يقول بيرتون وايت : « ان اللغة هي المكون الأساسي لذكاء الأطفال والطفل المتمكن لغوياً يمتلك كل الأسباب ليكون كائناً بشرياً كاملاً ».
    وحيث إن اللغة أمر اكتسابي ، وإن الطفل في طور التعلم والاكتساب فهو بحاجة ماسة إلى من يحصل منه هذه اللغة ، ولا يوجد أقرب من الوالدين له ليفضي عليه اللغة ، ولا يكون ذلك إلا من خلال مشاركة الطفل في حياته التي مدارها اللعب ، ففي مشاركة الطفل اللعب يتعلم المخططات والمفردات اللغوية .. خذ السيارة .. أحضر المسدس .. هاك اللعبة .. ارفعها .. الخ.
    فهو من خلال حديثك معه ، والتحدث بلغة يتعامل معها ، ويشاهده يرسخ في ذهنه المفاهيم ، لذلك يرى علماء التربية أن على الوالدين أن لا يتحدثا مع الطفل عن الماضي ولا عن المستقبل ، بل يكثران من الحديث الحاضر المشاهد أمام الطفل ، فأنت عندما ترى طفلك يلعب بشيء معين يمكنك أن تتحدث عن الشيء الذي يشغل فضول طفلك بلغة مبسطة يفهمها ، أو قريبة من فهمه. وشيئاً فشيئاً حتى يتمكن الطفل من فهم الماضي والمستقبل ، ولا يمكن أن يفهم الطفل المغيبات أو المجردات ما لم توضع في قالب محسوس وملموس حتى يمكن تصوره وتعقله. وهذا لا يخص الطفل فحسب بل كل العقول المتعلقة بالمادة والتي تقصر النظر عليها.
    هذه بعض الأمور التي ترجع إلى المربي والطفل من مشاركته في اللعب معه ونكتفي بهذه الأمور للاختصار.


(157)


(158)

(159)
    يطمح بعض الآباء أن يتصف أبناؤهم بالنبوغ. لذا يعكفون على تعليمهم وتحفيظهم كماً هائلاً من المعلومات ، ويفرحون إذا وجدوا أبناءهم قد استحابوا إلى هذه الطريقة ، ولكي يطبقوا هذه النظرية على أبنائهم فهم يأخذون من أوقات لعبهم ومرحهم حتى يتعلموا.
    ولكن علماء التربية يرفضون ذلك رفضاً باتاً وقاطعاً ، فقد أثبتت التجارب أن هؤلاء الأطفال الذين يجبرون على التعلم في سن مبكر وإن أبدوا تفوقاً على أقرانهم إلا أنهم يعانون من نقص في كمال شخصيتهم واستوائها. يقول ربيرتون وايت :
    « إذا أردنا أن نعلم الطفل كيف يتعرف على الأرقام والحروف قبل الأطفال الآخرين بسنتين فلا بأس من ذلك شريطة أن لا نعرض نواحي النمو الأخرى إلى الخطر ، أما إذا كانت عملية تعليم الطفل ستؤدي إلى الإخلال بتوازنه ، كأن يكون هناك تركيز أكثر على المهارات اللفظية والعقلية مما يؤدي إلى حرمان الطفل من الوقت اللازم لعلاقاته الاجتماعية فهذا النوع من التعليم لن يخدم الطفل ».
    إن التعليم الإجباري الذي يلزم الطفل بالبقاء لكي يحفظ أو يردد أشياء وهو يرى الآخرين يلعبون يجلب له الملل ويفقده حب الاستطلاع.
    ونحن عندما نحاول أن نعرف ما هو العلم ؟
    نقول : إن العلم ليس جمع معلومات وتكديسها في الذهن ، بل هو الطريق المثلى من القدرة على الاستنباط من هذه المعلومات إلى حل المشاكل التي تواجهه في حياته ، أثره على الواقع الخارجي بمقدار تفاعله مع الأمور.


(160)
    وحقيقة التعلم تقوم على ثلاثة أركان :
    1 ـ الاستعداد النفسي والجسدي.
    2 ـ القدرة على التعلم.
    3 ـ الرغبة في التعلم.
    ونحن عندما نحاول أن نطبق هذه الأركان على طفل صغير لم يتجاوز سن اللعب ، ونريد أن نشحن ذهنه بالمعلومات والمعارف فهو يفقد كل هذه الأركان ؛ لأن الركن الأول وهو الاستعداد النفسي والجسدي يفقده ، فهو ما زال غضاً طرياً تسمو نفسه أن تأخذ كفايتها من اللعب والمرح ، وزيادة الخبرة من خلال اللعب لا من خلال قاعات الدرس ، أو التدريس.
    أما عن الركن الثاني وهو القدرة على التعلم إذا أردنا من التعلم قدرة الاستنباط لكي يتعامل مع المعلومات التي تعلمها في حياته ولتصحيح أموره فهو يفقد هذه القدرة. نعم ، قد يحفظ وتكون عنده قدرة على الحفظ ، ولكن ليس المراد من التعلم الحفظ فقط.
    وقد ذكرنا سابقاً أن الطفل يتعلم المقدرة على الربط والتحليل في أثناء اللعب وفي الميدان التجربي. لذا يقول علماء التربية أن أفضل طريق لتعلم الثروة اللغوية هو استخدام المحسوسات في أثناء اللعب. وأما الحديث عن الأمور المجردة أو الغيبيات فإن الطفل لم يصل إلى تعقلها وهو في قاعة الدرس لن يجد سوى المصطلحات الغريبة عنه والبعيدة عن عالمه لذا لا يوفق في إدراكها حق الإدراك.
    أما الركن الثالث وهو الرغبة في التعلم فهو غير موجود عند الأطفال لأن رغبتهم الحقيقة منصبة على اللعبة والحركة والقفز والتنقل من مكان إلى آخر.


(161)
    فتلخص من ذلك أن جميع أركان التعلم وأساسياته يفقدها هذا الطفل الصغير ، ولا يوجد حينها من فائدة في إرغامه على التعليم ، نعم إذا أردنا أن نعلمه وبشكل مدروس ومقنن فلنجعل من البيئة له مادة دراسية يتعلمها ويكتشفها وبشكل غير مباشر. وذلك عن طريق اللعب وقد أجمع على ذلك كثير من علماء التربية كشو مسكي ، وهجمسلان ، وهو مبولدت جاكوبسون ، ولوكاكس وبياجيه وغيرهم كثيرون ، بأن الثقافة العفوية التي يتشربها الولد من محيطه تساهم في إعطاء شخصيته طابعاً معيناً أكثر مما يفعل كل ما ينقل إلى الولد بالطريقة التعليمية الصرف.
    فالبيت هو المدرسة الحقيقية التي يتعلم فيها الطفل ، فبإمكان الأم أن تعلم ولدها في المطبخ كأن تعطيه درساً في العلوم من غير اسم الدرس ، كأن تقول له : أعطني الماء السائل ، أو الماء المتجمد ، وهي بهذه الطريقة علمته أن المادة قد تكون سائلة وقد تكون متجمدة. ثم تحاول أن تضيف إلى معارفه معارفاً بعد أن يعي المطلب ، أو تعطيه درساً في الحساب والرياضيات كأن تقول له : ناولني الصحن الأول والصحن الثاني والملعقة الثالثة. فإذا أخذت منه صحناً أو ملعقة تطرح عليه سؤالاً كم بقى من الصحون أو الملاعق ؟
    ثم تضيف إليه عدة صحون وتسأله عن عددها وهذه أوليات الرياضيات والحساب ، وكذلك بإمكانها أن تعلمه الألوان كأن تطلب منه إحضار حذائه الأسود وجوربه الأبيض والحذاء الآخر الأخضر أو الأحمر. وهكذا أو تعلمه كيفية سقوط المطر بسبب التبخر معتمدة على تبخر الماء في الإبريق. وبهذه الوسيلة تجعل البيت مدرسة ، والمطبخ فصلاً من فصوله الدراسة. وهذه الطريقة أفضل من امتحان الولد وإلزامه بطريقة معينة تحد من حريته ونشاطه.


(162)
    

نشأت في العصور الحديثة بعض المدارس التي تستخدم أسلوباً مغايراً عن الأساليب التقليدية في التعليم ، وذلك لفشلها أو عدم إثبات جدارتها عند مؤسسي المدارس الحديثة ، وجميع هذه المدارس تعاملت بطريقة توحي أن اليوم الدراسي ما هو إلا عبارة عن اللعب والاكتشاف بدلاً عن الوسيلة التي تعتمد التلقين كالطريق الوحيد للمعرفة والتعليم.
    وسنذكر هذه المدارس والطرق التي تعتمد عليها حتى نعرف أن المدارس الحقيقة للطفل ( دع ابنك يلعب سبعاً أو خلي عنه سبعاً ) كما جاءت به الروايات.
    1 ـ قام المربي الألماني ( فروبل ) برياض الأطفال واعتمدت طريقته في تعليم الأطفال على عدة نقاط :
    أ ـ الدائرة أو الكرة : وفيها يجد الأطفال السكون والحركة والسطح الواحد والسطح الكثير الجوانب وعنصري الظهور والخفاء.
    بـ ـ المكعب : وهو يشبه الكرة في أشياء ويختلف عنها في أشياء أخرى ، وفائدته أن يعلم الأطفال بعض الحقائق الأولية عن الشكل ، الحجم ، المساحة ، العدد ، بواسطة التجربة الحسية المباشرة.
    ج ـ الاسطوانة : وهي حلقة وسطى بين الكرة والمكعب أي بين الحركة والسكون إلى غير ذلك من الوسائل ، والتي أساسها المباشرة واللعب بهذه الأمور وملاحظة الفوارق بينها.


(163)
    2 ـ قام نفر من رجال التربية بوضع أساسيات التعليم والعمل بها وهم ( كلباتريك ، وكولنجز ، وستفنسون ، والفيلسوف جون ديوي ) ، وتقوم فكرتهم على أساس إنشاء وحدة نشاط يقوم المتعلم في محيط يشبه محيطه الاجتماعي وظروف شبهة تماماً بظروف الحياة. وله غرض محدد وهدف يجب تحقيقه من وراء هذا النشاط.
    والغاية من ذلك إثارة فضول الطفل نحو أشياء معينة من محيطه يقام تعريفه بهذا الشيء ، كما يعتمد هذا الأسلوب على كون المتعلم له كامل الحرية.
    والخلاصة : هذه المدرسة تريد أن تجعل المدرسة عبارة عن الحياة نفسها وليس إعداداً لها.
    وهذه المدرسة تعتمد على الإجابة على فضول الطفل عن البيئة الخارجية ، والشيء الذي قامت به فقط هو التوجيه الصحيح من إشباع فضول الطفل فقط ، أما فضوله وحب الاستطلاع فناتج عن البيئة الخارجية التي يلعب فيها الطفل ؛ فبلعبه يحتك مع الأشياء ويتعرف عليها ، وقد تقدم أن التصابي مع الولد يعطيه التوجيه الصحيح للمعرفة وإشباع فضوله.
    3 ـ قامت مربية إيطالية بإنشاء مدرسة أسمتها ( بيوت الأطفال ) واعتمدت في تعليمها على عدة نقاط :
    أ ـ توفير الجو المدرسي الفني بالوسائل الشيقة القادرة على إثارة اهتمام الطفل ( وهذا الذي يخلقه اللعب في نفسية الطفل ).
    بـ ـ يتمتع الطفل بقدر كبير من الحرية إذ لا يفرض عليه أي عمل لا يرغب فيه.
    ( حتى لا يصاب بالإحباط أو الملل مما يؤدي إلى عدم تعلمه الشيء الذي يراد تعليمه ).


(164)
    ج ـ أهمية اللعب ليس لمجرد تمضية الوقت بل للتعليم عن طريق اللعب.
    د ـ التركيز على الفروقات الفردية القائمة بين الأطفال.
    هـ ـ ليس النظام مشكلة بحد ذاته في المدرسة فرغبة الأطفال هي المهمة.
    و ـ تربية الحواس هي في أساسيات اهتمام مدرستها.
    ونحن عندما نتأمل نجد أن هذه النقاط المراد منها خلق جو مرح ليس فيه تقييد لحرية الأطفال مما يساعدهم على التعليم ، وهذا الذي نجده في اللعب تماماً. والفارق الوحيد هو التوجيه أي الحاجة إلى الموجة للإجابة على أسئلة الأطفال.
    4 ـ استفاد دالتون من تجربة مدرسة ريفية في الولايات المتحدة ، حيث كانت تدرس أربعين طالباً موزعين على ثمانية صفوف وكانت هي المعلمة الوحيدة ؛ فكانت تشرح الدرس وتراقب باقي الفصول فكان عليها أن تجد عملاً يشغل بقية الطلاب عن الفوضى ، فحولت المدرسة إلى مختبر ، أو معامل تربوية يشغل الطلاب بدلاً من الروتين.
    فاستفاد دالتون وجعل طريقة التعليم عنده تعتمد على الحرية والتعاون وتحمل المسؤولية.
    أقول : وهذا الشيء ما يولده اللعب الجماعي مع بقية الأطفال ، حيث يلعبون بكامل حريتهم مع التعاون القائم بينهم لنجاح اللعب ، وهو في حد ذاته تحمل المسؤولية.
    ومهما يكن من أمر سواء اعتمد النظام المدرسي نظام الفروقات بين الأطفال ، كما أوصى به المربي ( أكوزينبيه ) من الاتجاه الفرنسي ، أو تركز على الاهتمام على موضوع مشترك بين التلاميذ كما اقترح دوكر ولي ، أو


(165)
استهدف القيام بعمل جماعي كالمطبعة في بعض المدارس الفرنسية ، أو كان العمل المدرسي جزءاً من بنية اجتماعية كما في المدارس التعاونية اليوغوسلافية ، أو حتى المدرسة والأسرة التي ينتمي إليها التلاميذ ، والوسط الاجتماعي الذي يكتنفهم على المساهمة في العمل التربوي كما يحصل في مدارس الصين الشعبية الجماعية ، فإن الهدف التربوي يبقى هو الوصول إلى أفضل حالات اندماج الفرد بالجماعة. وهذا ما يحققه اللعب الجماعي بين الأطفال كما تقدم علاوة على الفوائد التي يقدمها اللعب ، والتي لا يحتاج إلى إعدادها. ومن خلال هذا البحث نقول أخيراً للآباء الذين يريدون أن يقحموا أبناءهم في المدارس والتعليم الإجباري أن يقوموا هم بتعليمهم ، وملاحظتهم وتشجيعهم من خلال مراقبة لعب الأطفال سواء كانت على شكل فرادي أو جماعي.
    ومن هنا نعرف السر الذي أولاه الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيته للعب الذي يمارسه الأطفال.
عبقـرية مبكـرة لأطفالنا ::: فهرس