كتاب الاثر الخالد في الولد والوالد ::: 111 ـ 120
(111)
الجنة
     لو فكّرنا قليلاً وامعنا النظر لرأينا الجنّة هي غاية الغايات ، وهي لا تحصل الاّ بأمور ، وأهمّها خدمة الوالدين ورضاهما ، فانّ الجنّة تحت اقدام الأمهات ، فلا يسعنا الاّ أن نخدم والدينا ، سواء في حياتهم او بعد وفاتهم ، وان كانت طريقة الخدمة تختلف عند الحياة وبعد الممات ، الاّ اننا مسؤلون في كلتا الحالتين ، فالنهيئ أنفسا ، ولنستمع الى ما جاء من كبرائنا ، اهل بيت العصمة ، وموضع الرسالة محمّد وآله الطاهرين ، صلوات الله عليهم اجمعين.
     1 ـ حدثنا محمد بن علي ماجيلويه ( رض ) قال : حدّثني عمّي محمد بن أبي القاسم ، عن احمدعن محمد بن خالد ، عن الحسن بن محبوب عن عبد الله بن سنان ، عن ابي حمزة الثمالي ، عن أبي جعفر عليه السلام ، قال : اربع من كنّ فيه ، بني الله له بيتا في الجنة : من آوى اليتيم ، ورحم الضعيف ، واشفق على والديه ، ورفق بمملوكه.. الخصال ، باب الاربعة ، ص 180 ، الحديث 53. وفي المحاسن البرقي عن ابن محبوب ، كتاب الاشكال والقرائن ، الحديث 23 ص7
     2 ـ حدّثنا احمد بن علي بن ابراهيم بن هاشم ، عن ابيه ، عن جدّه ، عن عبدالله بن ميمون ، عن جعفر بن محمد ، عن ابيه عليهما


(112)
السلام ، قال : قال رسول الله صلى الله وآله وسلّم : اربع من كنّ فيه ، نشرالله عليه كنفه وادخله الجنة في رحمته : حسن خلق يعيش به في الناس ، ورفق بالمكروب ، وشفقة على الوالدين ، واحسان الى المملوك ... الخصال باب الاربعة ، الحديث 57 ص181.
     3 ـ وقد ورد عن الرسول الأعظم محمد صلى الله عليه وآله وسلّم من اصبح مرضيا لأبويه ، اصبح له بابان مفتوحان الى الجنّة ، ومن أمسى فمثل ذلك ، وان ظلما ، وان ظلما ، وان ظلما .... ذرايع البيان ، الآفة الثامنة ، ص 178.


(113)
النار
     نعوذ بالله من النار ومن غضب الجبار ، ان المعاصي كثيرة ، وبعضها كبيرة ، ومن اكبرها سخط الوالدين ، فانه داء وبيل ، من ابتلى لا ينجيه ملك مقرّب ، فهذا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم يحذّرنا من سخط الوالدين وينذرنا النار وغضب الجبار. اللهم أرض عنا والدنيا بمحمّد وآله الأطهار صلواتك عليهم أجمعين.
     1 ـ وقد ورد عن الرسول الاعظم محمّد صل الله عليه وآله وسلّم : ومن اصبح مسخطاً لأبويه ، صبح له بابان مفتوحان الى النار ، ومن أمسى مثل ذلك ، وان كان واحداً فواحد ، وان ظلما ، وان ظلما ، وان ظلما .... ذرايع البيان الآفة الثامنة ، ص 178.


(114)
واله ، وقال للرسول : قل لها ان قدرت على المسير الى رسول الله صلى الله عليه وآله ، والاّ فقرّي في المنزل حتى يأبيك ، فجاء اليها الرسول فأخبرها بقول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم. فقالت : نفسي له الغداء ، انا احق بأتيانه فتو كأن على عصى ، واتت الى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم ، فسلّمت ، فرّد عليها السلام ، وقال لها : يا أم علقمة اصدقيني ، وان كذبتيني جاء الوحي من الله تعالى ، كيف كان حال ولدك علقمة ؟ قالت : يا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، كثير الصلاة وكثير الصيام ، وكثير الصدقة. قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : فما حالك ؟. قال : يا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم انا عليه ساخطة. قال صلى الله عليه وآله وسلّم : ولم ؟ قالت : يا رسول الله يؤثر على زوجته ويعصيني فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم : ان سخط أم علقمة حجب لسان علقمة عن الشهادة ثم قال صلى الله عليه وآله وسلّم : يا بلال انطق واجمع لي حطبا كثيراً ! قالت : يارسول الله صلى وما تصنع به ؟ قال صلى الله عليه وآله وسلّم : احرقه بالنار بين يديك قالت : يارسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم ولدي لا يحتمل قلبي أن تحرقه بالنار بين يدي. قال صلّى الله عليه وآله وسلّم : يا أم علقمة عذاب الله اشّد وأبقى ، فان سرّك أن يغفر الله له فارضى عنه فوالذي نفسي بيده لا ينتفع علقمة بصلاته ولا بصدقته ما دمت عليه ساخطة فقالت : يا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم : اني اشهد الله تعالى وملائكته ومن حضرني من المسلمين : اني قد رضيت عن ولدي علقمة. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم : انطلق يا بلال اليه فانظر هل يستطيع أن يقول: لا اله الاّ الله. أم لا ، فلعلّ أم علقمة تكلمت بما ليس في قلبها حياء


(115)
الجنّة من النار
     الوقاية خير من العلاج ، والحمية رأس السلامة ، فمن توقّى واحتمى سلم. هذه احاديث من الرسول والآل صلوات الله وسلامه وبركاته عليه وعليهم اجمعين أمامكم فتوقّوا بها ، واحتموا بمباديها ، فانها خير وقايه للمتقين ، وامنع حماية للمحتمين. قد اوضحوا لنا الطريق واناروه وعلّمونا ما لم نكن نعلم ، فها ، طرق الجنّة ، وذي مهاوي النار ـ والعياذ بالله ـ ومما علّمونا هو خدمة الأبوين فانها وقاية وحمية ، وجنّة من النار. اللهم اجعل محبتنا لآبائنا الكرام جنّة لنا من النار ، بمحمّد وعترته الطيبين الأطهار ، صلواتك عليهم اجمعين ، آمين.
     1 ـ محمد بن يحيى عن احمد بن محمّد بن عيسى عن علي بن الحكم عن سيف بن عميره ، عن عبد الله بن مسكان ، عن ابراهيم عن شعيب قال : قلت لأبي عبد الله عليه أفضل السلام : انّ أبي قد كبر جدا وضعف ، فنحن نحمله اذا أراد الحاجة ، فقال : ان استطعت أن تلى ذلك منه فافعل ، ولقّمه بيدك ، فانه جنّة لك غدا ... الكافي ج2 ، ص 129 ، باب البر ، الحديث 13.


(116)
كفران النعمة
     الانسان كفور ، لم يقم وزنا لأنعم الله تعالى ، في حين انّ نعمه جلّت عظمته لاتعد ولا تحصى ، واكثر من ذلك أنّه يكفر ، وهذا يكون سببا لقطع الرّحمة ، وقلّة البركة ، وعدم رضى المولى جلّ جلاله ، والى آخر ما ينشأ من هذه الفضية من مآسي ، ومحن يشيب لها الاطفال و اعظم الكفران ، أن الفجرة من بني الانسان نسبوا الى الله ما لا ينبغي ، طالع ما قاله رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم.
     1 ـ يا ابا ذر : ان الله جلّ ثناءه لمّا خلق الارض ، وخلق ما فيها من الشّجر ، لم تكن في الأرض شجرة يأتيها بنوا آدم الاّ اصابوا منها منفعة ، فلم تزل الأرض والشجر كذلك ، حتى تكلّم فجرة بني آدم بالكلمة العظيمة ، قولهم : ( اتخذ الله ولدا ) فلمّا قالوها اقشعرّت الأرض ، وذهبت منفعة الأشجار .... بندهاى كرانمايه بيغمبر ص 40 ، الحديث 82.


(117)
المضر
     أعاذنا الله تعالى من أن نكون من المضرّين أو المتضررين ، فالأنسان ان لم يحفظه الله تعالى من شرور نفسه الامّارة بالسوء ، سيكون والعياذ بالله امّا والد سوء ، أو ولد سوء ، وكلاهما مما يبعثان على شقاءه في الدنيا والآخرة ، اجارنا الله تعالى وأبنائنا من سوء السريرة وعقوق الوالدين.
     1 ـ من اقوال سيّد الوصيين أمير المؤمنين عليه السلام قال : والد السوء يعّرالسلف ويفسد الخلف. هذا بالنسبة الى الوالد ، وأمّا بالنسبه الىالولد : قال عليه السلام : ولد السوء يهدم السلف ويشين الشرف. وقال عليه السلام أيضا : ولد عقوق محنة وشوم .... درر الكلم ، حرف الواو ، ص 287.


(118)
لا ضررولاضرار
     من القواعد المسلّمة التي سنّها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم هي قاعدة لاضرر ولاضرار ، وهذه كانت في قصة سمره بن جندب مع أحد الأنصار الذي كان قد باعه دارا فيها نخلة ، وكان يأتيها سمرة كل يوم فاستثقل الأنصاري الأمر ، فشكا الى النبي صلى الله عليه وآله وسلّم ، فبعث النبي صلى الله عليه وآله وسلّم الى سمرة واحضره ، فقال له : بعه النخلة ، فأبي سمره ، واخيرا أمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم بقلع النخلة واعطائها ايّاه ، وقال : لاضرر ولا ضرار في الاسلام وفيما نحن فيه احدي مصاديق الضرروالضرار ، فقال العلي القدير جلّت قدرته :
     1 ـ والوالدات يرضعن اولادهنّ حولين كاملين لمن اراد أنّ يتمّ الرضاعة ، وعلى المولود له رزقهنّ وكسوتهن بالمعروف لا تكلّف نفس الاّ وسعها ، لا تضارّوالدرة بولدها ، ولا مولود له بولده ، وعلى الوارث مثل ذلك ، فان ارادا فصالا عن تراض منهما وتشاور فلا جناح عليهما ، وان اردتم أن تسترضعوا اولادكم فلا جناح عليكم اذا سلّمتم ما آتيتم بالمعروف واتقوا الله واعلموا أنّ الله بما تعملون بصير ( البقرة ـ 233 ).


(119)
الهرب بعد الطلب
     لقد خلق الانسان هلوعاً ، يحرص على سلامته مهما كلّف الأمر ، و يبخل بماله مهما قلّ أو كثر ، وتهزمه أصغر صعوبة ، ويخيفه أقلّ شين وليس له صبر ولاتصبّر على مكاره الدهر ، حتى ولو كان يضّره في دينه أودنياه ، وهذا ديدنه من قديم الزمان ، يمتنع عن الخير ، ويجزع من الشرّ ، فما صلح من هذا النوع الاّ القليل ، اولئك الذين هداهم الله تعالى فاهتدوا ، وهدوا الى صراط السويّ ، والباقون لا يعبئون بقول ولافعل ، ها هو القرآن الكريم يحدثنا عن بعضهم ، وهم الذين طلبوا من نبيّ لهم أن يبعث لهم ملكا يقاتلون معه في سبيل الله تعالى محتجين بطردهم عن ديارهم ، وابنائهم ، ولكن لمّا حصص الحق و حان وقت العمل تولّوا الاّ قليلا منهم ، فهربوا بعد الطلب.
     1 ـ ألم ترالى الملأ من بني اسرائيل من بعد موسى اذ قالوا النبّي لهم ابعث لنا ملكا نقاتل في سبيل الله ، وقد أخرجنا من ديارنا وأبنائنا ، فلما كتب عليهم القتال تولّوا الاّ قليلا منهم ، والله عليم بالظالمين .... . ( البقرة ـ 246 ).


(120)
اولاد ابليس
     هكذا اقتضت حكمة الله سبحانه وتعالى أن يكون المولّدون ثلاثة ، وكل يولد حسب ما بقتضيه طبيعتة الأولية ، ثم انه يمكن لاولادهم أن يختاروا غير ما هم عليه ، فمثلا ابليس لايلد الأ الكافر ، ولكن آمن أحد اولاده واسمه هام بن هنم بن لاقيس بن ابليس وهذا خلاف ما تقتضيه ذاته.
     1 ـ حدّثنا محمّد بن الحسن بن احمد بن الوليد ( رض ) قال : حدّثنا محمّد بن الحسن الصفار ، قال : حدّثنا احمد بن محمّد بن عيسى ، عن محمد بن اسماعيل ، عن الحسن بن طريف عن آبي عبد الرحمن ، عن معاويه بن عمّار ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : الآباء ثلاثه : 1 ـ آدم : ولد مؤمنا. 2 ـ والجان : ولد مؤمنا وكافرا. 3 ـ وابليس : ولد كافرا. وليس فنهم نتاج ، انمّا يبيض ويفرح ، وولده ذكور ، ليس فيهم اناث .... الخصال باب الثلاثة ، ص 120، الحديث 186.
الاثر الخالد في الولد والوالد ::: فهرس