قوله (366) :
( الثالث : قوله عليه السلام لأبي الدرداء : والله ما طلعت شمس ولا غربت بعد النبيّين والمرسلين على رجل أفضل من أبي بكر ) .
أقول :
هذا الحديث ـ حتى لو كان صحيحاً عندهم ـ ليس بحجةٍ علينا لكونه من طرقهم فقط ، فكيف ورواته كذّابون مدلّسون بشهادة كبار علمائهم ؟ وهذه عبارة واحدٍ منهم :
قال الحافظ نور الدين الهيثمي المتوفى سنة 807 : « عن جابر بن عبدالله قال : رأي رسول الله أبا الدرداء يمشي بين يدي أبي بكر . فقال : يا أبا الدرداء تمشي قدام رجل لم تطلع الشمس بعد النبيّين على رجلٍ أفضل منه ، فما رؤي أبو الدرداء بعد يمشي إلاّ خلف أبي بكر . رواه الطبراني في الأوسط . وفيه : إسماعيل ابن يحيى التيمي وهو كذّاب .
وعن أبي الدرداء قال : رآني رسول الله وأنا أمشي أمام أبي بكر فقال : لا تمش أمام من هو خير منك ، إنّ أبابكر خير من طلعت عليه الشمس أو غربت . رواه الطبراني . وفيه بقية وهو مدّلس » (1) .
قلت : ولو شئت لذكرات كلمات علماء القوم في ذم « إسماعيل بن يحيى » و « بقية » ولكن المقصود هوالإختصار .
قوله (366) :
( الرابع : قوله عليه السلام لأبي بكر وعمر : هما سيّدا كهول أهل الجنة ما خلا النبيّين والمرسلين ) .
أقول :
وهذا الحديث كسابقه ، وقد حققنا حاله في بحثٍ لنا منفرد * ، ونكتفي هنا
____________
(1) مجمع الزوائد 9 | 44 .
* تجده في هذا الكتاب .

( 122 )

بما قال الحافظ الهيثمي فإنّه من ائمة صناعة الحديث والرجال عندهم :
« عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله لأبي بكر وعمر : هذان سيدا كهول أهل الجنة من الأولين والآخرين . رواه البزار والطبراني في الأوسط وفيه : علي بن عباس وهو ضعيف » .
« وعن ابن عمر قال : إن النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم قال : أبوبكر وعمر سيدا كهول الجنة من الأولين والآخرين إلاّ النبييّن والمرسلين . رواه البزار وقال : لا نعلم رواه عن عبيدالله بن عمر إلاّ عبدالرحمن بن مالك بن مغول . قلت : وهو متروك » (2) .
قوله (366) :
( الخامس : قوله عليه السلام : ما ينبغي لقوم فيهم أبوبكر أن يتقدم عليه غيره ) .
أقول :
لفظ هذا الحديث هو : « لا ينبغي لقوم فيهم أبوبكر أن يؤمّهم غيره » وهو حديث مكذوب موضوع على رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ، نصّ على ذلك غير واحدٍ من علمائهم الأعلام ، نذكر من ذلك عبارة الحافظ أبي الفرج ابن الجوزي المتوفى سنة 597 ، فإنّه أورده في الموضوعات فقال بعد أن رواه بسنده : « هذا حديث موضوع على رسول الله » (1) .
فالعجب من هؤلاء ، كيف يستدلّون بالأحاديث الموضوعة الباطلة باعتراف علمائهم ، ويعارضون بها الأحاديث الصحيحة الثابتة باعتراف علمائهم كذلك ؟
قوله (366) :
( السادس : تقديمه في الصّلاة مع أنها أفضل العبادات وقوله : يأبى الله
____________
(1) مجمع الزوائد 9 | 53 .
(2) كتاب الموضوعات 1 | 318 .

( 123 )

ورسوله إلاّ أبابكر ، وفي معناه قوله : يأبي الله والمسلمون إلاّ أبابكر ، وذلك أنّ بلالاً أذّن بالصلاة ... ) .
أقول :
أمّا حديث تقديمه للصلاة فقد عرفت حاله .
وأمّا قوله : يأبي الله ورسوله إلاّ أبابكر . فرواية عائشة وعبدالرحمن بن أبي بكر ... وهما لا سيّما في مثل هذا الحديث متّهمان .
وأمّا الحديث الذي أورده الشارح ففيه ـ مضافاً إلى ما ذكرنا ـ أنّ أمارات الكذب لائحة عليه ، وذلك :
أوّلاً : إنّه إذا كان النبي أمر عبدالله بن زمعة بأن يقول لأبي بكر يصلي بالناس ، فلماذا قال لعمر ؟
وثانياً : إنّه إذ لم يجد أبابكر فإنّ عمر بن الخطاب أيضاً كان مع أبي بكر في جيش أسامة كما نص عليه إبن حجر العسقلاني في شرح البخاري (1) . وثالثاً : إنّ الأخبار في صلاة عمر متنافية ، ففي هذا الخبر أن ابن زمعة هو الذي قال لعمر « صلّى بالناس » وفي آخر إن القائل له هو أبوبكر نفسه ، فإنه لمّا أبلغ أمر النبيّ قد عمر . وفي ثالث : إن النبي قال لإبن زمعة : « مر الناس فليصلّوا ، فلقي عمر بن الخطاب فقال له : يا عمر صلّ بالناس ... » (2) ومن هنا وقع الإضطراب بين شراح الحديث واختلفوا في كيفية الجمع بين هذه الأخبار المتضاربة (3) .
ورابعاً : إنّ الذي يهوّن الخطب كون راوي الخبر عن عبدالله بن زمعة هو « محمد بن شهاب الزهري » المعروف المشهور بانحرافه عن علي علي السلام .
قوله (367) :
( السابع : قوله عليه السلام : خير أمتي أبوبكر ثم عمر ) .
____________
(1) فتح الباري 8 | 124 .
(2) مسند أحمد 6 | 34 .
(3) لاحظ فتح الباري 1 | 123 ، الكواكب الدراري 5 | 70 .

( 124 )

أقول :
هذا الحديث له ذيل يدلّ على افضليّة أمير المؤمنين عليه السلام ، رووه عن عائشة قالت : « قلت : يا رسول الله من خير الناس بعدك ، قال : أبوبكر . قلت : ثم من ؟ قال : عمر .
قالت فاطمة : يا رسول الله لم تقل في علي شيئاً !
هال : يا فاطمة ، علي نفسي ، فمن رأيتيه يقول في نفسه شيئاً » .
ولهذا فقد تكلّم في سنده بعضهم (1) لكنّ الماتن والشارح اسقطا ذيله ليتم لهما الإستدلال !!
قوله (367) :
( الثامن : قوله عليه السلام : لو كنت متخذاً خليلاً دون ربّي لا تخذت أبابكر خليلاً ، ولكن هو شريكي في ديني وصاحبي الذي أوجبت له صحبتي في الغار وخليفتي في أمّتي ) .
أقول :
قد أجاب أصحابنا عن هذا الحديث سنداً ودلالةً فراجع (2) على أنه في هذا الحديث يقول « لو كنت متخذاً ... » أمّا في حديث آخر جعل عثمان هو الخليل وهذا نصّه : « إنّ لكلّ نبّي خليلاً من أمّته وإنّ خليلي عثمان بن عفان » لكنه حديث باطل كذلك كما نصّ عليه غير واحد (3) .
قوله (367) :
( التّاسع : قوله عليه السلام وقد ذكر عنده أبوبكر : وأين مثل أبي بكر ؟ كذّبني الناس وصدّقني . وآمن بي ، وزوّجني إبنته ، وجهّزني بماله ، وواساني بنفسه ، وجاهد معي ساعة الخوف ) .
____________
(1) لاحظ تنزيه الشريعة 1 | 367 .
(2) تلخيص الشافي 3 | 217 .
(3) لاحظ : تنزيه الشريعة الغرّاء 1 | 392 .

( 125 )

أقول :
هذا الحديث باطل حتى لو رووه بسندٍ معتبر ، لأنّ ظاهره أن أبابكر أول من أسلم وقد ثبت أنّ أول من اسلم أمير المؤمنين علي عليه السلام والمنكر مكابر ، ولذا اضطر إلى الإعترف بذلك كبار علماء القوم كما لا يخفى على من راجع أخبارهم وأقوالهم في ( الإستيعاب ) بترجمته عليه السلام وغيره من المصادر المعتبرة .
ولأنّ ظاهره أنّ أبابكر كان ينفق على النبي صلّى الله عليه وآله وسلم وهذا كذب ، ولذا اضطرّ مثل ابن تيمية غلى تأويله فقال : « إن انفاق أبي بكر لم يكن نفقة على النبي في طعامه وكسوته ، فإنّ الله قد أغنى رسوله عن مال الخلق أجمعين ، بل كان معونةً له على إقامة الدين ، فكان إنفاقه فيما يحبّه الله ورسوله ، لا نفقةً على نفس الرسول » (1) وحينئذٍ فلا فرق بين أبي بكر وسائر الصحاب الذين كانوا نفقون أموالهم كذلك فأين الأفضلية ؟
هذا ، ولقد أورده الحافظ ابن عرّاق المتوفى سنة 963 في الأحاديث الشنيعة الموضوعة (2) والسيوطي في الأحاديث الموضوعة (3) .
قوله (367) :
( العاشر : قول علي رضي الله عنه : خير الناس بعد النّبيين أبوبكر ثم عمر ثم الله أعلم . وقوله ـ إذ قيل له ما توصي ؟ ـ : ما أوصى رسول الله حتى أوصي ... ) .
أقول :
ولهذا الحديث نظائر موضوعة على لسانه عليه السلام ! ! أما هذا الحديث فآيات الكذب عليه لائحة وواضحة جداً ، عمدتها ما جاء فيه من أنه مات بلا وصية كما أن النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم مات بلا وصية ... فإنّ هذا كذب
____________
(1) منهاج السنة 4 | 289 .
(2) تنزيه الشريعة المرفوعة عن الاخبار الشنيعة الموضوعة 1 | 344 .
(3) اللآلي المصنوعة في الأحاديث الموضوعة 1 | 295 .

( 126 )

في الطرفين ، أما النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم فتلك وصاياه موجودة في الأحاديث المتفق عليها كحديث الثقلين الذي أخرجه مسلم وكبار المحدثين ، وأما علي علي السلام فقد أوصى إلى ولده الحسن السبط الأكبر عليه السلام ...
هذا ، وأنت تجد الجواب عن هذا الحديث وأمثاله في كتب أصحابنا بالتفصيل (1) .
وبعد هذا كله فإن الجواب الإجمالي المغني عن التفصيل هو :
1 ـ إنّ هذه الأحاديث باطلة سنداً ودلالةً .
2 ـ إنّها لو تمت فهم منفردون بها ، وليست حجة علينا .
3 ـ إنّها لو كانت عن رسول الله حقاً ـ لا من موضوعات حكومة بني أمية ـ فلماذا لم يحتج بها أبوبكر نفسه ولا غيره في السقيفة وغيرها من المواقف التي كات بي الصحابة ؟
4 ـ إنّها لو كانت ثابتة فلماذا قول أبي بكر عند موته : « وددت أنّي سألت رسول الله لمن هذا الأمر من بعده ؟ » وأمثال ذلك من كلماته كقوله : « أقيلوني فلست بخيركم » ؟
5 ـ إنّها لو كانت ثابتة عن رسول الله فلماذا قال قال جماعة كبيرة من الصحابة والتابعين وتابعيهم بأفضلية علي عليه السلام ؟ (2) .

مما يدل على أفضلية علي عليه السلام
قوله :
( لهم أي للشيعة ومن وافقهم فيه أي في بيان أفضلية علي مسلكان : الأول : ما يدلّ عليه إجمالاً وهو من وجوه ) .
____________
(1) تلخيص الشافي 3 | 224 .
(2) لا حظ مثلاً : الإستيعاب ، بترجمة علي عليه السلام : 3 | 1090 .

( 127 )

أقول :
هذا بحسب ما يذكره وهو في كيفية الإستدلال ووجوهه ، وإلاّ فإنّ مقتضى القاعدة أن يورد نصوص عبارات أصحابنا عن كتبهم في الدليل وتقرير الإستدلال به ثم يناقشه .

آية المباهلة
قوله (367) :
( الأول : آية المباهلة (1) ... وقد يمنع أن المراد بأنفسنا علي وحده ، بل جميع قراباته وخدمه داخلون فيه ) .
أقول :
لقد أجمعوا على أن المراد بالأنفس هو علي عليه السلام والأحاديث بذلك صحيحة صريحة (2) ، ولقد جاء صلّى الله عليه وآله وسلم بمن لو سألوا أن يزيل جبلاً من مكانه لأزاله (3) ولذا قال لهم « إذا دعوت فأمّنوا » (4) فكان المقصود حضور هكذا أفرادٍ لهم كرامة عنه الله ، وإلاّ فاقر باؤه كالعباس وبنيه وسائر بني هاشم كثيرون ... فمن أولئك الذين زعم أنهم « داخلون فيه » ؟
وكأنّ الماتن نفسه ملتفت إلى تعسف كلامه ، ولذا يقول « وقد يمنع » .
وكذا الشارح ... ولذا أراد دعم هذا الزعم بقوله : ( تدل عليه صيغة الجمع ) لكنه أيضاً يعلم بأن مجيء صيغة الجمع للمفرد في القرآن كثير فهي محاولة يائسة .
فظهر دلالة الآية على أفضلية الأربعة ، لا سيما أمير المؤمنين ، لأنها جعلته
____________
(1) سورة آل عمران : 61 .
(2) لاحظ : الدر المنثور 2 | 38 ـ 39 .
(3) لاحظ التفاسير بذيل الاية ، كالكشاف والرازي والبيضاوي .
(4) الدر المنثور 2 | 38 .

( 128 )

نفس النبي ... صلوات الله عليهم أجمعين ...

حديث الطير
قوله (367) :
( الثاني : خبر الطير ... وأجيب : بأنه لا يفيد كونه أحبّ إليه في كل شيء ... ) .
أقول :
كلامه ظاهر كل الظهور في أن لا شبهة في سند هذا الحديث ولا في دلالته إلاّ من الناحية التي ذكرها ، فلا يدل على الأفضلية مطلقاً ، وإذا زالت الشبهة المزبورة انقطع الكلام ، لكنها في غاية السقوط عند أهل العلم ، فإن العام أو المطلق مع عدم القرينة على التخصيص أو التقييد يقيد العموم أو الإطلاق ، ولذا كانت كلمة الشهادة دالةً على التوحيد ، مع أنها بالنظر إلى الشبهة المذكورة ـ لإمكان الاستفصال بأنه لا إله إلاّ الله في السماء أو في الأرض مثلاً ـ غير مفيدة لنفي الشريك مطلقاً ـ وهذا لا يقوله مسلم .
على أنه لو كان النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم أراد الأحبّ في شيء دون شيء لجاء مع علي عليه السلام أناس آخرون يكونون أحب إليه في بعض الأمور ، بل لا يكون لدعائه فائدة ، لأنّ حال علي حينئذ كسائر المؤمنين الذين يحبهم الله في بعض أعمالهم ، ففي أيّ شيء كان تأثير دعائه صلّى الله عليه وآله وسلّم المستجاب قطعاً ؟
مضافاً إلى أن الحديث في بعض ألفاظه نص في الأفضلية من الكلّ من جميع الجهات ، ففي رواية الفقيه ابن المغازلي الشافعي بسنده : « فقال : اللهم أدخل عليّ أحبّ الخلق من الأولين وألآخرين يأكل معي من هذا الطائر ... » (1) .
____________
(1) مناقب علي بن أبي طالب لابن المغازلي : 156 .
( 129 )

وأيضاً ، فلو كان علي عليه السلام أحبّ اليه في بعض الأشياء كان غيره أحب إليه في البعض الآخر ، وحينئذٍ لم يكن وجه لأن يردّ أنس علياً عليه السلام في كلّ مرة يأتي إلى الباب قائلاً : « رسول الله على حاجة » ثم يعتذر بأنه كان يرجو أن يكون الدعاء لرجل من قومه الأنصار !
وبعد ، فلو كان يتطرّق هذه الشبهة فلماذا استدل بالكتاب باطلاق ( الأتقى ) في قوله تعالى ( سيجنّبها الأتقى ) ؟ ولماذا استدل باطلاق ما نسبه إلى النبي من قوله : « خير أمتي ... » ؟
فظهر أن علياً عليه السلام ـ حسب دلالة هذا الحديث ـ أحب جميع الخلق إلى الله ورسوله ، وكلّ من كان أحب الخلق إلى الله ورسوله فهو أفضل من جميعهم عندهما ، وكلّ من كان كذلك فهو متعين للخلافة عندهما ، فعلي عليه السلام متعين لها عندهما .

علي خير الخلق
قوله (368) :
( الثالث : قوله عليه السلام في ذي الثدية ، يقتله خير الخلق ، وفي رواية : خير هذه الأمة ، وقد قتله علي . وأجيب : بأنه ما باشر قتله ... ) .
أقول :
لا يخفى قبولهما الحديث سنداً ، واضطرابهما في الجواب عنه دلالة ، فالماتن ذكر وجهين :
أحدهما : بأنه ما باشر قتله فيكون من باشره من أصحابه خيراً منه ، وجوابه ما في كلام الشارح من أن الصواب أن علياً قتله ، والعجب من الماتن كيف يحمل الكلام هنا على المباشرة ولا يحمله فيما ادّعاه لأبي بكر عليها ؟
وثانيهما : دعوى أن عموم الحديث مخصوص بالنبي ، فيضعف حينئذٍ عمومه للباقي . وفيه ـ مضافاً إلى عدم ارتضاء الشارح له ـ إن الكلام غير شامل


( 130 )

للنبي صلّى الله عليه وآله وسلّم ، وعلى فرضه فالعام المخصوص حجة في الباقي بالإجماع كما عرفت فيما سبق .
والشارح أعرض عن كلا الوجهين فذكر وجهاً ثالثاً وهو : إن علياً حين قتله كان أفضل الخلق ... لكنه تأويل في غاية السقوط ، ولعلّه لذا نسبه إلى القيل .
ثم العجب أنهما لم يتفوها في الحديث بما تفوّها به في سابقه مع أنه مثله !!

أخي ووزيري وخير من أتركه ...
قوله (368) :
( الرابع : قوله عليه السلام : أخي ووزيري وخير من أتركه بعدي يقضي ديني وينجز وعدي علي بن أبي طالب . وأجيب بأنه : لا دلالة للأخوة والوزارة على الأفضلية . وأما باقي الكلام فإنه يدلّ على ... ) .
أقول :
أمّا قوله : « أخي » فيدل على الأفضلية كما استعرف في حديث المؤاخاة .
وأمّا قوله « وزيري » فهو إشارة إلى قول موسى عليه السلام ( واجعل لي وزيراً من أهلي هارون أخي ) فالوزارة من جملة مناصب هارون التي نزّل فيها علي منزلته في حديث المنزلة ، الدال على أفضليته من جهات عديدة .
وأمّا باقي الكلام فما ذكره فيه تأويل بلا دليل .
فاندفع الإشكال في الدلالة ، وهو سنداً حديث متفق عليه بين الفريقين .

علي خير الأمّة
قوله (368) :
( الخامس : قوله عليه السلام لفاطمة : أما ترضين أني زوّجتك من خير أمتي . وأجيب : بأنه لا يلزم كونه خيراً من كل وجه ، ولعلّ المراد خيرهم لها ) .
أقول :


( 131 )

أمّا الوجه الأول فقد عرفت جوابه مما سبق في نظيره .
وأمّا الثاني فكذلك ، لأنه تأويل للكلام وتقييد بلادليل ، فأي مانع منعه من أن يقول لها : « زوجتك من خير أمتي لك » ؟ سلمنا : لكن ثبت أن الشيخين خطبا الزهراء عليها السلام فردّهما رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ، فيكون عليه السلام خيراً منهما ، لانه صلّى الله عليه وآله وسلّم زوجها منه ، وقد كان زواجها منه بأمر من الله سبحانه لا للإعتبارات الدنيوية !!

خير من أتركه بعدي علي
قوله (368) :
( السادس : قوله عليه السلام : خير من أتركه بعدي علي وأجيب بما مر ) .
أقول :
وهو مندفع بما مر .

علي سيد العرب
قوله (368) :
( السابع : قوله عليه السلام : أنا سيد العالمين وعلي سيد العرب ... أجيب : بأن السيادة الارتفاع لا الأفضلية ... ) .
أقول :
هذا عجيب جداً ، فإنّ الإرتفاع على وجه الاطلاق هو الأفضلية . على أن السيادة إن لم تدل على الأفضلية فقوله « أنا سيد العالمين » غير دالٍ عليها وهو باطل قطعاً فالمقدم مثله ، ولعلّة التفت إلى سقوط هذا الوجه فقال « وإن سلّم فهو كالخبر لا عموم له » لكنه تأويل بلا دليل .


( 132 )

اختيار الله علياً
قوله (368) :
( الثامن : قوله عليه السلام لفاطمة ... وأجيب ... ) .
أقول :
وفيه ما عرفت من أنه تقييد بلا وجه وتأويل بلا دليل ، وإنه بالنظر إلى ردّ الشيخين دليل الافضلية منهما .

حديث الاخوة
قوله (368) :
( التاسع : أنه عليه السلام لمّا آخى بين الصحابة ... قيل : لا دلالة لاتّخاذه أخاً على أفضليته ، إذ لعل ... ) .
أقول :
لقد كان الغرض من مؤاخاة النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم لعلي عليه السلام تعريف منزلته وبيان فضله على غيره ، لأنه كان يؤاخي بين الرجل ونظيره ، فيكون علي هو النظير لرسول الله ، ولذا تعرض صلّى الله عليه وآله وسلّم لدى المؤاخاة بينه وبين علي إلى أنه بمنزلة هارون من موسى ـ كما في الحديث المتقدم ـ ولذا أيضاً احتج أمير المؤمنين بهذه المؤاخاة على أهل الشورى .
روى الحافظ ابن عبدالبر المتوفى سنة 463 : « لما احتضر عمر جعلها شورى بين علي وعثمان وطلحة والزبير وعبدالرحمن وسعد . فقال لهم : أنشدكم الله هل فيكم أحد آخى رسول الله بينه وبينه ، إذ آخى بين المسلمين غيري ؟ قالوا : اللهم لا » .
قال : « وروينا من وجوه عن علي أنه كان يقول : أن عبدالله وأخو رسوله ، لا يقولها أحد غيري إلاّ كذّاب » .


( 133 )

قال : آخى رسول الله بين المهاجرين ثم آخى بين المهاجرين والأنصار ، وقال في كلٍّ منهما لعلي : أنت أخي في الدنيا والآخرة ، وآخى بينه وبين نفسه ، فلذلك كان هذا القول وما أشبهه من علي » (1) .
فهل يبقى مجال للإحتمال الذي أبداه بقوله : « لعلّ ... » ؟ ولعله يعلم بسقوطه ولذا قال « قيل ... » !
على أنه استدل للخلّة المفروضة على أفضلية أبي بكر ، فكيف لا تكون الأخوة المتحققة دليلاً على أفضلية علي ، والأخوة فوق الخلة ؟

حديث الرّاية
قوله (369) :
( العاشر : قوله عليه السلام بعد ما بعث أبابكر وعمر إلى خيبر ... فقيل : نفي هذا المجموع لا يجب أن يكون بنفي كلّ جزء منه ، بل يجوز أن يكون بنفي كونه كرّاراً غير فرار ، ولا يلزم حينئذٍ الافضلّية مطلقاً ، بل في كونه كراراً غير فرار ) .
أقول :
هذا من المواضع التي اضطربت فيها أفكار القوم وتضاربت كلماتهم ، فمنهم من ينكر أن يكون الشيخان قد أخذا الراية من قبل ورجعا منهزمين ، ومنهم من ينكر قوله في وصف علي : « كراراً غير فرار » لما فيه من المنقصة للشيخين ، ومنهم من لا يجد بداً من الاعتراف بأن هذا الحديث مما يدل على أفضليّة أمير المؤمنين ، ومن هؤلاء : ابن روزبهان الخنجي الشيرازي صاحب الرد على العلامة الحلي .
وعلى الجملة فإنّ الحديث يشتمل على ثلاث فقر :
أحدها : ما دلّ على انهزام الشيخين .
____________
(1) الإستيعاب في معرفة الأصحاب 3 | 1098 .
( 134 )

والثانية : ما دلّ على أنّ علياً يجب الله ورسوله ويحبه الله و رسوله .
والثالثة : قوله في وصفه : « كراراً غير فرار ... » وقد خلت جملة من ألفاظه من الفقرة الأخيرة . أما الثّانية فلا يخلو منها حديث ، وهو كاف في الإستدلال ، ولعل نسبة الجواب إلى « القيل » إشارة إلى ضعفه .
ومما يؤكّد دلالة الحديث على الأفضلية المطلقة اعتراف عمر بذلك حيث كان يقول : « لقد أعطي علي ثلاث خصال لئن تكون لي خصلة منها أحب إليّ من أن أعطى حمر النعم ، فسئل ما هي ؟ قال : تزويجه ابنته فاطمة وسكناه في المسجد لا يحل لي فيه ما يحل له ، والراية يوم خيبر » (1) .

علي « صالح المؤمنين » .
قوله (369) :
( الحادي عشر : قوله تعالى في حق النبي ( فإن الله هو مولاه وجبريل وصالح المؤمنين ) (2) والمراد بصالح المؤمنين : علي ... فقيل : معارض بما عليه الأكثر من العموم ، وقوم من أن المراد ابوبكر وعمر ) .
أقول :
لقد اعترف بأن ما نقله كثير من المفسرين هو أن المراد علي عليه السلام وهذا هو الذي عليه إجماع أصحابنا تبعاً لأئمة أهل البيت عليهم السلام ، فيكون هذا هو المتفق عليه ، ولا ريب في تقدم المتفق عليه على غيره .
مضافاً إلى أنه يتقدّم على الأول من القولين الآخرين تقدم الخاص على العام ، لا سيمّا وأن غير واحد من حفاظ القوم يروون عن غير واحد من الصحابة
____________
(1) الصواعق المحرقة 87 ، تاريخ الخلفاء للسيوطي 66 ، منتخب كنز العمال ـ هامش مسند أحمد 5 | 39 .
(2) سورة التحريم : 4 .

( 135 )

عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم قوله : « هو علي بن أبي طالب » (1) .
وعلى الثاني منهما من جهة أن لفظ « صالح المؤمنين » مفرد ، فكيف يحمله على الأكثر من الواحد من يمنع عن ذلك في المواضع الأخرى ؟

حديث التشبيه بالأنبياء
قوله (369) :
( الثاني عشر : قوله عليه السلام : من أراد أن ينظر الى آدم ... وأجيب : بأنه تشبيه ولا يدل على المساواة والاجماع على أن الأنبياء أفضل من الأولياء ) .
أقول :
لقد جاء في بعض ألفاظ هذا الحديث فهم أبي بكر المساواة وإقراره بذلك ، فقد روى جماعة منهم الحافظ الخطيب الخوارزمي المتوفى سنة 568 بسنده : « إنّ النبي صلّى الله عليه وآله كان في جمعٍ من أصحابه فقال : أريكم آدم في علمه ونوحاً في فهمه وإبراهيم في حكمته . فلم يكن بأسرع من أن طلع علي . فقال أبوبكر : يا رسول الله أقست رجلاً بثلاثة من الرسل!! بخ بخ لهذا الرجل ، من هو يا رسول الله ؟ قال النبي صلّى الله عليه وآله : ألا تعرفه يا أبابكر ؟ قال : الله ورسوله أعلم . قال أبو الحسن علي بن أبي طالب . قال أبوبكر : بخ بخ لك يا أبا الحسن ، وأين مثلك ؟ » ولذا ورد عن أبي بكر التصريح بأفضلية أمير المؤمنين عليه السلام منه مطلقاً في غير موضع .
منها : قوله في بدء الأمر : « أقيلوني فلست بخيركم وعلي فيكم » .
ومنها : ما عن الشعبي قال : « بينما أبوبكر جالس اذ طلع علي فلما رآه قال : من سرّه أن ينظر إلى أعظم الناس منزلةً وأفضلهم حالةً وأعظمهم حقاً عند رسول الله فلينظر إلى هذا الطالع » (2) .
____________
(1) الدرّ المنثور 6 | 242 .
(2) الصواعق المحرقة : 109 .

( 136 )

وأيضاً : فالإجماع قائم على أفضلية النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم عند الله من جميع الأنبياء ، وقد قال صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ فيما رواه أبوبكر كذلك أيضا عنه ـ : « علي مني كمنزلتي من ربّي » (1) .
إلى غير ذلك من الأدلة كتاباً وسنةً على أفضلية أمير المؤمنين عليه السلام من جميع الأنبياء ، ومنها حديث التشبيه الدال على المساواة بينه وبينهم ، لكونه جامعاً ما تفرق فيهم من الصفات ... وقد اعترف إبن روزبهان بدلالة الحديث على ذلك . فاضطرّ إلى الطّعن في سنده . لكن لا قدح فيه في الكتاب لا في المتن ولا في الشرح .
وبما ذكرنا من الحديث وإقرار أبي بكر بأفضلية علي ، وكذا ما رواه القوم عن الإمام الحسن السبط عليه السلام أنه خطب بعد وفاة علي فقال : « لقد فارقكم رجل بالأمس لم يسبقه الأولون بعلم ولا يدركه الآخرون » (2) يظهر أن أئمة أهل البيت عليهم السلام وأئمة السنة متفقون على أفضلية أمير المؤمنين عليه السلام من جميع الانبياء ، فأين الإجماع الذي ادعي في الكتاب ولم يدّعه إبن روزبهان وغيره ؟

علي عليه السلام أعلم الأمّة
قوله (370) :
( فلا يعارضه نحو : أفرضكم زيد وأقرؤكم أبي ، فإنّهما يدلاّن على التفضيل في علم الفرائض وعلم القراءة فقط ) .
أقول :
تفضيل زيد بن ثابت في علم الفرائض واُبي بن كعب في علم القراءة على
____________
(1) الصواعق المحرقة : 109 .
(2) مسند أحمد بن حنبل 1 | 199 .

( 137 )

مولانا أمير المؤمنين عليه السلام موقوف على ثبوت الكلامين عن رسول الله صلّى الله عليه وآله ، إلاّ إنّهما قطعة من حديثٍ طويل نصّ علماء الحديث منهم على ضعفه بل رجّح بعضهم وضعه ، ولو شئت لنظرت في رجاله ، وذكرت كلمات القوم ، وفصّلت الكلام عليه ، لكنّ ذلك يخرجنا عن وضع الكتاب ، ويكفيك أن تراجع ( الجامع الصغير وشرحه ) (1) .
قوله (370) :
( فقال عمر في كلّ واحدةٍ من القضيّتين : لو لا علي لهلك عمر ) .
أقول :
بل في عشراتٍ من القضايا مثلهما ... فبالله عليك ! لو نصب لك شخص لترجع اليه في المسائل الشرعية التي تبتلي بها يوميّاً لتعمل على طبق قوله ، فسألته يوماً عن مسألة فقال لا أدري ، ثم سألته في اليوم الثاني عن أخرى فقال : لا أدري ، ثم سألته بعد ذلك عن ثالثة فقال : لا أدري ... ألا تعترض على من أدري ، ثم سالته بعد ذلك عن ثالثة فقال : لا أدري ... ألاتعترض على من نصبه وتقول : أيّ عالمٍ هذا ؟ وما الفرق بيني وبينه ، وما الّذي رجّحه على غيره ؟
لقد قال عمر ـ غير مرة ـ : « كلّ النّاس أفقه من عمر حتّى المخّدرات » !!
هذا ، والأعلمية من شرائط الامامة ، وبها تنحقق الأفضلية كما نصّ عليه كبار العلماء كالتفتازاني ، فالمتصّدي للخلافة والنيابة عن رسول الله صلّى الله عليه وآله يجب أن يكون أعلم الامة بجميع ما يحتاج إليه ، وعلى ذلك دلّ الكتاب والسنّة والعقل ، وأمير المؤمنين أعلم الامة بجميع ما يحتاج إليه ، وعلى ذلك دلّ الكتاب والسنّة والعقل ، وأمير المؤمنين أعلم الأمة في جميع العلوم ويكفي للدّلاة على ذلك مطلقاً حديث ( أنا مدينة العلم وعلي بابها فمن أراد المدينة فليأتها من بابها ) .
وقوله عليه السلام : « لو كسرت لي الوسادة ... » وإن على إحاطة علمه بما في الكتب ، لكنّ المقصود ليس هذا ، بل إثبات إمامته وخلافته بعد النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم بلا فصل ، وأنّه لو أطاعته الأمة ومكّنته لاستفادت الأمم كلّها
____________
(1) فيض القدير ـ شرح الجامع الصغير 1 | 460 .
( 138 )

من علومه ، لا كالذي ولّوه فلم يعرف « الأب » و « الكلالة » ... !! وأين هذا المعنى من اعتراض أبي هاشم ودفاع الشّارح (370) !!

علي عليه السلام أزهد الأمّة
أقول :
لا خلاف في أنّ امير المؤمنين عليه السلام أزهد الأمة بعد رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم في ذلك الزمان ... ومن كان أزهد الناس كان أفضل ، فتعبير الكتاب ناقص . علي عليه السلام أسخى الناس قوله (371) :
( الثالث الكرم ... )
أقول :
لا ، بل كان أكرم الناس ، أي أسخاهم ، لفقد جاد بنفسه في سبيل الله فأنزل الله فيه الآيات ، وتصدّق بجميع ماله عدة مرّات وبخاتمه في الصلاة فأنزل الله فيه الآية : ( إنما وليّكم الله ... ) وجاد بقوته ثلاثة أيام فنزلت سورة هل أتى ...
وهذه الصفة تستلزم الأفضلية ...

علي عليه السلام أشجع الناس
قوله (371) :
( الرابع : الشجاعة ... ) .
أقول :
من فضائله البدنية جهاده في الحروب ، وهل تشدّت مباني الدّين وتثبتت


( 139 )

قواعده وظهرت معالمه إلاّ بسيفه ؟ أليس كان بإمكانه أن ينهزم يوم أحد كما انهزم غيره ؟ أليس كان بإمكانه أن يجلس في الخندق كما جلس غيره ؟ ألم يكن الفتح يوم خيبر على يده بعد أن رجع غيره يجبّن قومه ويجبنّونه ؟

علي عليه السلام أحسن الناس خلقاً
قوله (371) :
( الخامس : حسن الخلق ... وقد قال عليه السلام حسن الخلق من الإيمان ) .
أقول :
نعم حسن الخلق من الإيمان ، فمن لن يسجد لصنم قط ، بل كان أول من أسلم ، بل هو الذي كسر الاصنام الما صعد على منكب النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم لابد أن يكون أحسن خلقاً ممن قضى شطراً من عمره في عبادة الاوثان فكان فظاً غليظ القلب ...
وكان عليه السلام أيضاً : أحلم الناس ... كما شهد له بذلك النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم في قوله لفاطمة : « زوّجتك من أقدم الناس سلماً وأكثرهم علماً وأعظمهم حلماً » (1) .

عليه عليه السلام قالع باب خيبر
قوله (371) :
( السادس : مزيد قوّته حتى قلع باب خيبر بيده ... ) .
أقول :
أي بعد أن عجز عنه المسلمون كما روى الخطيب (2) وغيره .
____________
(1) مسند أحمد بن حنبل 5 | 26 .
(2) تاريخ بغداد 11 | 324 .

( 140 )

علي عليه السلام أقرب الناس إلى النبي
قوله (371) :
( السابع : نسبة وقربه ... ) .
أقول :
هذا من فضائله الخارجية ، فإن أحداً لم يلحقه في شرف النسب ... والقرب الذي طالما تمنّاه عمر بن الخطاب ... فكان عليه السلام أقرب الناس إلى رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم كما اعترف بذلك أبوبكر أيضاً كما في الحديث المتقدم ... وهي تستلزم الإمامة والخلافة كما تقدم سابقاً .

شرف زوجته وأولاده
قوله (371 ـ 372) :
( الثامن : اختصاصه بصاحبة كفاطمة وولدين ... ) .
أقول :
فضائل فاطمة الزهراء سيدة نساء العالمين وولديها الحسن والحسين عليهم السلام لا تعد ولا تحصى ، وهي ليست بفضائل تميّزوا بها في هذه الأمة فقط ، بل إنها أوجبت أفضليتهم حتى من الأنبياء ...
ثم إن الأئمة من ولد الحسين السّبط الشهيد عليه السلام كذلك ... مفضّلون على جميع الأنبياء بالأدلة العامة والخاصّة الواردة في كلّ واحد منهم ... بحيث لا يعدّ كون فلان سقاءً في داره وكون فلان بوّاباً لداره شيئاً في قبالها ...
خلاصة الكلام في هذا المقام :
أنه قد عرفت أن أمير المؤمنين عليه السلام لا يقاس به أحد من الأولين والآخرين عدا رسول رب العالمين صلّى الله عليه وآله وسلّم ... فإنّه كان معصوماً جامعاً لجميع صفات الكمال النفسانية والبدنية والخارجية ... وعلى


( 141 )

رأسها العلم والتقوى ، إذ كان أعلم الأمة وأتقالها بلا خلاف بين المسلمين ... وأما كمالاته وصفاته البدنية فقد استخدمها في تثبت الدين والدعوة اليه والدفاع عنه وعن رسوله ، فما خذل النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم في يوم من الأيام ، وما ادّخر جهداً في حفظه وفي النكاية من عدوه وفي أعلاء كلمة الإسلام ...
وكل ذلك ـ بغض النظر عن النصوص ـ مستلزم لأن يكون الإمام بعد النبي عليه السلام ... ليستمر الأمر على يده كما كان في عهده .
وأما أبوبكر ... فما كان له شيء من تلك الصفات كما يعترف بذلك العلماء من أتباعه ، كما يعترفون بعدم النص عليه من الله ورسوله ... نعم هناك في بعض كتبهم : إن أبابكر لمّا أسلم إشتغل بالدعوة إلى الإسلام فأسلم علي يده فلان وفلان ... وهذا لو ثبت لم يدل على شيء له ، إذ كان هذا شأن كل واحد من الصحابة ... ثم إن جهود كلّهم لو وضعت في كفة ووضعت جهود علي في كفة لرجحت كفته ، بل إن « ضربة علي يوم الخندق أفضل من عبادة الثقلين » كما في الحديث الصحيح الثابت المعترف به في الكتاب أيضاً .
فظهر أن أفضلية أمير المؤمنين عليه السلام بعد النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم أمر ثابت ، وليس لغسره فضيلة ثابتة سنداً تامة دلالة كي يتوهم وقوع التعارض .
وعلى هذا يسقط قوله : 372 .
( والجواب عن الكلّ : إنّه يدلّ على الفضيلة وأمّا الأفضلية فلا ... ) .
وقوله :
( واعلم أن مسألة الأفضلية لا مطمح فيها في الجزم واليقين ... ) .
فإن الأفضلية ثابتة بالقطع واليقين ... ولا أثر بعد عين ... !
وقوله :
( وليست هذه المسألة يتعلق بها عمل فيكتفى فيها بالظن ، بل هي مسألة علمية يطلب فيها اليقين )


( 142 )

فإن اليقين حاصل .
وقوله :
( والنصوص المذكورة من الطرفين بعد التعارض لا تفيد القطع ... ) .
فإن التعارض فرع الحجية ، ولم يتم شيء من أدلة القول بأفضلية أبي بكر وإمامته « كما لا يخفى على المنصف » ، فدعوى التعارض ساقطة ، والتشكيك في إفادة أدلة إمامة أمير المؤمنين عليه السلام للقطع ... مردود ، فإنه حتى الآحاد منها تفيد القطع لأنها أحاديث متفق عليها بين الفريقين ... فأمير المؤمنين عليه السلام هو أفضل الأمة ، والأفضل هو المتعين للإمامة كما ستعرف .
قوله : ( ولكنا وجدنا السلف قالوا ... ) .
أقول :
أولاً : السلف لم يقولوا كذلك ، فإنهم اختلفوا ، منهم من فضّل أمير المؤمنين عليه السلام على أبي بكر وعمر وعثمان ، ومنهم من فضّله على عثمان ، ومنهم من توقف ... فلاحظ كتب تراجم الصحابة وفضائلهم ، ولو سّلمنا أن السلف قالوا كذلك فما الدليل على حجية قولهم ؟
نعم يبقى شيء واحد ، وهو قوله :
( وحسن ظنّنا بهم ... )
وفيه أولاً : لا دليل على حسن الظن هذا .
وثانياً : سلمنا ، لكن ترفع اليد عنه إذا قام الدليل على خلافه .
وقوله :
( وتفويض ما هو الحق فيه إلى الله ) .
ظاهر في عدم جزمه بالمطلب ... وكذلك بعض كلماته السابقة على هذه الجملة ...
وكذلك الشارح ... ولعلة لذا اضطر إلى زيادة وجه آخر معتمداً فيه على الآمدي الذي عرفته سابقاً !!