أقول :
قال تعالى : ( وإذ ابتلى إبراهيم ربّه بكلمات فأتمهنّ قال إني جاعلك للناس إماماً قال ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين ) (1) .
وإذا عرفنا ( الظالم ) و ( العهد ) ظهر وجه الاستدلال .
فأمّا ( الظالم ) فهو عند أهل اللغة وكثير من العلماء : واضح الشيء في غير موضعه (2) وغيره المعصوم كذلك كما هو واضح .
وأمّا ( العهد ) فالمراد منه ـ كما ذكر المفسّرون ـ (3) هو ( الامامة ) .
فمعنى الآية : إن غير المعصوم لايناله الإمامة .
هذا وجه الاستدلال ، ولا يخفى الإضطراب في كلمات السّعد لدى الجواب .
قال ( 251) :
( الرّابع : إنّ الأمة إنما يحتاجون إلى الإمام لجواز الخطأ عليهم في العلم والعمل ، ولذلك يكون الإمام لطفاً لهم ... والجواب : إنّ وجوب الإمام شرعي ، بمعنى أنه أوجب علينا نصبه ... )
أقول :
وفيه ، إنّه مصادرة ... وهذا أيضاً منه تناقض ظاهر .
قال : (251) :
( الخامس : إنه حافظ للشّريعة ، فلو جاز الخطأ عليه لكان ناقضاً لها ... والجواب : إنه ليس حافظاً لها بذاته ، بل بالكتاب والسنّة وإجماع الامة واجتهاده الصحيح ، فإن أخطأ في إجتهاده أو ارتكب معصية فالمجتهدون يردّون
____________
(1) سورة البقرة : 118 .
(2) قاله الراغب في المفردات 315 .
(3) الرازي 3 | 40 ، البيضاوي 26 ، أبو السعود العمادي 1 | 156 .

( 168 )

والآمرون بالمعروف يصدّون ... ) .
أقول :
إنه حافظ للشريعة ـ أي ما في الكتاب والسنة ـ بذاته ، بأن يعلّمها المؤمنين بها ، ويدعو الآخرين إليها ، وينفي تحريفات المبطلين عنها ... كما أنّ النّبي صلّى الله عليه وآله وسلّم كذلك . وأمّا الكتاب والسنّة فلا يخفظان الشّريعة لأنّهما محتاجان إلى الإمام المبيّن لهما .
ثم إنّ الإمام ليس مجتهداً ، بل شأنه شأن النبي ووظيفته وظيفته كما ذكرنا ، فلا يجوز عليه الخطأ ألبتة فضلاً عن المعصية ... حتى يردّه المجتهدون ويصدّه الآمرون بالمعروف .
ثم من أين يؤمن المجتهدون ... والآمرون ... عن الخطأ والمعصية ؟ ومن يكون الرّاد والصادّ لهم عن ذلك ؟ وان كانوا لا يخطأون ولا يعصون كانوا هو الآئمّة ووجب على الإمام إطاعتهم !
قال (252) :
( السادس : إنه لو أقدم على المعصية فإمّا أن يجب الإنكار عليه ، وهو مضاد لوجوب إطاعته ... والجواب : إن وجوب الطاعة إنما هو فيما لا يخالف الشّرع ... ) .
أقول :
ومن المشخّص للمخالف للشّرع عن غير المخالف ؟ إن كان غير معصوم فهو كالأول ، وإن كان معصوماً فهو الإمام .
قال : (252) :
( السّابع : إنّه لابدّ للشرّيعة من ناقل ، ولا يوجد في كلّ حكمٍ حكم أهل التواتر معنعناً إلى إنقراض العصر ، فلم يبق إلاّ أن يكون إماماً معصوماً عن الخطأ . والجواب : إنّ الظنّ كافٍ في البعض ...وأمّا القطعي فإلى أهل التواتر أو جميع الأمة ، وهم أهل عصمة عن الخطأ فلا حاجة إلى معصوم بالمعنى الذي


( 169 )

قصد . ثمّ ـ وليت شعري ـ بأيّ طريق نقلت الشّريعة إلى الشيعة من الإمام الذي لا يوجد منه إلاّ الاسم ) .
أقول :
لو سلّمنا كفاية الظن في البعض ، فالرجوع في القطعي إلى أهل التواتر مع احتمال السّهو عليهم لا يفيد ، سلّمنا أنه لا يجوز عليهم السّهو فما المانع من عدولهم من النقل تعمّداً لبعض الأغراض والدواعي ؟ وكذا الكلام في الرجوع إلى جميع الأمة ، ودعوى عصمتهم عن الخطأ ممنوعة ، لانّ ما جاز على آحاد الأمة جائز على جميعها .
وأمّا الشّريعة فقد انتقلت إلى الشّيعة عن الأئمّة السابقين على الغائب عليه السّلام ، وهو حي موجود ينتفع به كالانتفاع بالشمس السحاب .
هذا ، واعلم أنّ جميع هذه الشبهات التي طرحها السّعد حول هذه الأدلة إنّما هي مأخوذة من كتاب ( المغني في الإمامة ) للقاضي عبدالجبار بن أحمد المعتزلي ، فالقوم في الردّ على الشّيعة عيال على المعتزلة ، لكن أصحابنا أجابوا عنها بأجوبة كافية شافية ، كما لا يخفى على من راجع ( الشافي ) و ( تلخيصه ) وغيرهما .
ثم إنّه يدل على اعتبار العصمة في الإمام من السنّة أحاديث ، منها : حديث الثقلين المتواتر بين الفريقين ، وحديث : « على مع القرآن والقرآن مع علي ، لا يفترقان حتى يردا عليّ الحوض » (1) فإنّه يفيد ثلاثة أمور : أحدها : معنى العصمة وهو عدم التخطّي عن القرآن . والثاني : اشتراط هذا المعنى في الامام . والثالث : وجوده في علي عليه السلام .
قال (252) :
( وأمّا اشتراط المعجزة والعلم بالمغيّبات ... فمن الخرافات ) .
أقول :
____________
(1) أخرجه الحاكم في المستدرك 3 | 124 والذهبي في تلخيصه وصحّحاه .
( 170 )

دعوى أنّ ذلك كله خرافات لا دليل عليها ، والأصل في إنكار ظهور المعجزة على يد الامام هو القاضي عبدالجبار المعتزلي أيضاً ، وقد أجاب عنه الشريف المرتضى الموسوي في كتاب ( الشّافي ) فليت السّعد لاحظ كلامه ...
وممّا قال رحمه الله : « إنّ المعجزة هو الدال على صدق من يظهر على يده فيما يدّعيه ، أو يكون كالمدعي له ، لأنّه يقع موقع التصديق ، ويجري مجرى قول الله تعالى له : صدقت فيما تدّعيه عليّ . وإذا كان هذا هو حكم المعجز لم يمتنع أن يظهره الله تعالى على يد م يدّعي الإمامة ليدّل به على عصمته ووجوب طاعته والانقياد له ، كما لا يمتنع على يد من يدّعي نبوّته ... » (1) .
وقال الشيخ أبو جعفر الطوسي : « فصل في إيجاب النص على الامام أو ما يقوم مقامه من المعجز الدال على إمامته » (2) .
وقال العلامة الحلّي : « الامام يجب أن يكون منصوصاً عليه ، لأن العصمة من الأمور الباطنة التي لا يعلمها إلاّ الله تعالى ، فلابدّ من نصّ من يعلم عصمته عليه أو ظهور معجزة على يده تدل على صدقه » (3) .
وأمّا أحاطة علمه فلم ينكره القاضي العضد والشريف الجرجاني .
وأمّا علمه باللّغات وغير ذلك ... فلا دليل على منعه ، بل الدليل على ثبوته كما هو الحال في النّبي صلّى الله عليه وآله وسلّم .

طريق ثبوت الإمامة
مذهب أصحابنا أن لا طريق إلى ثبوت الإمامة إلاّ النّص أو ما يقوم مقامه وهو ظهور المعجز على يد المدّعي لها ، وذهب القوم إلى ثبوتها بالنصّ والبيعة .
____________
(1) الشافي في الإمامة 1 | 196 .
(2) تلخيص الشافي 1 | 275 .
(3) الباب الحادي عشر : 48 .

( 171 )

قال (255) :
( لنا على كون البيعة والاختيار طريقاً : إنّ الطريق إمّا النص وإما الاختيار ، والنص منتف في حق أبي بكر مع كونه إماماً بالاجماع ، وكذا في حق علي على التحقيق . وأيضاً : إشتغل الصّحابة بعد وفاة النبي ... فكان إجماعاً على كونه طريقاً ، ولا عبرة بمخالفة الشيعة بعد ذلك ) .
أقول :
لقد أقرّ بانتقاء النص في حق أبي بكر .
وكونه إماماً دعوى تحتاج إلى إثبات ، والاجماع غير متحقق .
ونفي النص في حق علي عليه السلام لا يسمع ، لأنّ المثبت مقدّم على النافي .
ولا يخفى إختلاف تعبيره بين النّفيين .
هذا في الوجه الأول .
وفي الثاني : إنّ اشتغال ( الصحابة ) بعد وفاته صلّى الله عليه وآله وسلّم غير حاصل ، بل المشتغلون بعضهم ، والاجماع بين هذا البعض غير حاصل فكيف بالكلّ ؟ وإذ لم يتحقق الإجماع فلا عبرة بقوله ( لا عبرة بمخالفة الشيعة بعد ذلك ) .
هذا كلّه بغضّ النّظر عن المفاسد المترتبة على الإختيار ، وبغض النظر عن عدم الدليل على اعتبار إجماع الصحابة بل الأمة ما لم يكن بينهم معصوم .
ومن العجب أنهم يقولون بتفويض أمر الإمامة إلى ( الأمّة ) ويزعمون أن إمامة أبي بكر كانت بالاجماع ، ثم يقولون بأنّه يتحقق ( باختيار أهل الحلّ والعقد وبيعتهم ) و ( من غير أن يشترط إجماعهم على ذلك ) 254 ، ثم يقولون بأنّه ( ينعقد بعقد واحد منهم ) 254 !
فانظر كيف نزلوا من ( الخلق ) و ( الأمة ) و ( الإجماع ) إلى ( أهل الحلّ والعقد ) إلى ( الواحد ) !
وكيف يحلّ لمن يؤمن بالله واليوم الآخر إيجاب إتباع من لم ينص الله عليه ولا


( 172 )

رسوله ، ولا اجتمعت الأمة عليه ، على جميع الخلق ، في شرق الدّنيا وغربها ، لأجل مبايعة واحد ؟!
قال (255) :
( احتجت الشيعة بوجوه :
الأول : إنّ الإمام يجب أن يكون معصوماً أفضل من رعيّته ... وردّ بمنع المقدمتين ... ) .

أقول :
قد ثبت تماميّة المقدّمتين ، وتقدّم أنّه لولا العصمة والأفضلية بالأعلمية وأمثالها من الصّفات لم يبق فرق بين الإمام والمأموم ، فالأمران معتبران في الإمام ، ولا سبيل إلى معرفة ذلك بالاختيار ، فانحصر الطريق في النص .
قال (255) :
( الثاني : إنّ أهل البيعة لا يقدرون على تولية مثل القضاء ... وردّ بمنع الصغرى ... ولو سلّم فذلك لوجود من إليه التّولية وهو الإمام ... ) .
أقول :
أمّا ما ذكره أوّلاً فلا يخفى ما فيه ، إذ لا ولاية لقاضي التحكيم وللشاهد على القاضي .
وأمّا ما ذكره ثانياً ـ ولعلّه إنّما ذكره لالتفاته إلى المغالطة في كلامه ـ ففيه : أنه خروج عن الكلام ، فإنّه في طريق تعيين الإمام ...
قال (255) :
( الثالث : إنّ الإمامة لإزالة الفتن ، وإثباتها بالبيعة مظنّة إثارة الفتن ، لاختلاف الآراء ... وردّ بأنّه لا فتنة عند الانقياد للحق ... ) .
أقول :
ولكنّ المشخّص للحق ما هو ؟ هل البيعة أو النصّ ؟ إن كان الأول ففيه المحذور ، فلا مناص من الثاني .


( 173 )

وقوله : ( نزاع معاوية لم يكن في إمامة علي بل في أنه هل يجب عليه بيعته قبل الاقتصاص من قتلة عثمان ؟ ) باطل جداً :
أمّا أوّلاً : فلأنّه أخذ البيعة من أهل الشام لنفسه بالامامة .
وأما ثانياً : فلأنّه وصف هو وأتباعه بالفئة الباغية ، فلو كان توقفه عن البيعة للإمام عليه السلام لما ذكره لما وصفوا بذلك .
وأمّا ثالثاً : فلأنّ الإمام عليه السلام بايعه فضلاء الصحابة وعظماء المسلمين من غير منازعة في شيء ، ومن معاوية لينفرد بمنازعة الامام عليه السلام بما ذكر ؟
لقد كان الأولى بالسّعد أن يجلّ نفسه عن الدفاع عن البغاة !!
وكذا قوله ( ولو سلّم فالكلام فيما إذا لم يوجد النص ... ) لأنّ الكلام في طريق ثبوت الإمامة ، وهو إمّا النص كما هو الحق وإمّا الاختيار كما يقولون ، وإذ كان الاختيار منشأ المفاسد فالرجوع إلى النصّ هو المتعيّن ، وفرض عدمه أوّل الكلام ...
قال (256) :
( الرابع : إنّ الإمامة خلافة الله ورسوله ... وردّ بأنّه لمّا قام الدليل الدليل من قبل الشارع ـ وهو الاجماع ـ على انّ من اختاره الأمة خليفة الله ورسوله كان خليفة سقط ما ذكرتم ... ) .
أقول :
أولاّ : إنّه لم تتحقّق صغرى هذا الإجماع .
وثانياً : لو سلّمنا تحقّقه ، فأين النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم التام سنداً ودلالةً الكلّ على أنّ الأمّة إذا أجمعت على اختيار شخص خليفة لله ورسوله كان خليفة ؟
وثالثاً : لو سلّمنا وجود هكذا قول فقد عاد الأمر إلى النص .
ورابعاً : لو سلّمنا قيام الاجماع المذكور وكفايته عن النص فهو قائم ـ


( 174 )

بالفرض على أنّ من اختاره ( الأمة ) ... لا من اختاره ( الواحد ) .
وهذا من موارد تناقضاتهم ...
قال ( 256) :
( الخامس : إنّ القول بالاختيار يؤدّي إلى خلوّ الزمان عن الإمام ... وردّ بأنّه ... ) .
أقول :
نعم إنّ القول بالاختيار يؤدّى إلى خلوّ الزمان عن الامام ، فيتسلّط الجبابرة الأشرار ويستولي الظلمة والكفّار ... ولمّا كانت هذه المفسدة مترتبة على الاختيار فانّه يسقط عن الطريقية ويتعيّن النّص . وهنا يلتجأ القوم إلى تقييد الاختيار بحال ( الاقتدار ) ويقولون بوجوب إطاعة الكفّار والفجّار ... عند ( العجز والاضطرار ) ولم يعبأ حينئذٍ بعدم العلم والعدالة وسائر الشرائط ... 245 ... !
وهذا كلّه للفرار عن الرجوع إلى النّص والإنكار له !!
قال (256) :
( السّادس : إنّ سيرة النبّي وطريقته على أنّه كان لا يترك الاستخلاف على المدينة ... فكيف يترك الاستخلاف في غيبة الوفاة ... ؟ والجواب : إنّ ذلك مجرّد استبعاد . على أن التفويض إلى اختيار أهل الحلّ والعقد واجتهاد أرباب الألباب نوع استخلاف ... ) .
أقول :
هل إنّ ذلك مجرّد استبعاد حقاً ؟ ليته لم يقله واكتفى بما ادّعاه من التفويض ... لكن فيه :
أولاً : أين الدليل التام المقبول على هذا التفويض ؟
وثانياً : على فرض ثبوته فإنّه إلى ( إختيار أهل الحلّ والعقد ... ) كما ذكر ، لا إلى ( واحد ) منهم إن كان منهم .
وثالثاً : إنّ تفويض الأمر إلى الأصحاب محال ، لأنّه لا يخلو صلّى الله عليه


( 175 )

وآله وسلّم من أن يكون عالماً بما سيقع بين الأصحاب وسائر الأمة من الافتراق الاختلاف أو يكون جاهلاً بذلك ، فإن كان عالماً ففوّض الأمر إليهم مع ذلك فقد خان الله والاسلام والمسلمين ـ والعياذ بالله من ذلك ، وإن كان جاهلاً بما سيكون فهذا نقص كبير والعياذ بالله من نسبته إليه ... وإذا كان اللازم من الخيانة والجهل محالاً فالملزوم وهو التفويض محال .
قال ( 257) :
( السابع : إنّ النبي كان لأمّته بمنزلة الأب الشفيق لأولاده الصّغار وهو لا يترك الوصيّة في الأولاد إلى واحد يصلح لذلك ، فكذا النبي في حق الأمة .
الثامن : قوله تعالى : ( اليوم أكملت لكم دينكم ) (1) . ولا خفاء في أنّ الإمامة من معظمات أمر الدين ، فيكون قد بيّنها وأكملها ...
والجواب عنهما بمثل ما سبق ) .

أقول :
توضيح الوجه السّابع هو : إن نسبة عدم الوصيّة إلى النّبي صلّى الله عليه وآله وسلّم خطيئة كبيرة لا تغفر أبداً ، فالوصيّة ممّا ندب إليه الكتاب والسنة والعقل والاجماع ، قال الله تعالى : ( كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيراً الوصيّة ) (2) وقال رسول الله : « ما حق امرئ مسلم له شيء يريد أن يوصي فيه يبيت ليلتين إلاّ ووصيّته مكتوبة عنده » (3) .
وإذا كان هذا حكم الرّجل بالنسبة إلى أولاده ، وأمواله ، فالنّبي صلّى الله عليه وآله وسلّم الذي يريد مفارقة أمّته وهو بالنسبة إليهم كالأب الشفيق كذلك بل أولى .
وهل هذا مجرّد استبعاد ؟
____________
(1) سورة المائدة : 3 .
(2) سورة البقرة : 176 .
(3) راجع صحيحي البخاري ومسلم في كتاب الوصايا .

( 176 )

وتوضيح الوجه الثامن هو : إنّ هذه الآية نزلت في يوم غدير خم ، بعد أن خطب النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم ونصّ فيها على إمامة أمير المؤمنين علي عليه السلام ، وأوصى الأمة بالتمسّك بالثقلين وهما الكتاب والعترة ... وقد روى ذلك كبار الحفّاظ وأئمة الحديث والتفسير من أهل السنة في كتبهم ... فالنبي صلّى الله عليه وآله وسلّم ما مات بلا وصية ، بل أوصى ، وكانت وصيته بالكتاب وعترته أهل بيته ... (1) وكان النص ... ولا تفويض إل الإختيار ...
قال (257) :
( خاتمة ـ عقد الإمامة ينحلّ بما يخلّ بمقصودها كالرّدة ... ) .
أقول :
هذه أحكام إمامة البيعة والاختيار ... ولا يخفى أنهم يقولون بانحلاله في حال ( الاقتدار ) وأما في حال ( الاضطرار ) فيقولون بإمامة ( المرتد ) ولكن ما هو ملاك ( الاقتدار ) و ( الاضطرار ) ؟ ومن المرجع في تشخيصه ؟ ومن العجب أنّهم يشترطون في الامامة ( العدالة ) كما عرفت ، ثم يختلفون في انعزاله بالقسق ، قال : ( والأكثرون على أنّه ينعزل ، وهو المختار من مذهب الشّافعي وأبي حنيفة ، وعن محمد روايتان . ويستحق العزل بالاتفاق ) .
وأيضاً : يشترطون العقل ثم يجوّزون إمامة المجنون غير المطبق كما هو مفاد التقييد بالمطبق .
ثم إنّ المتسلّط بالقهر والغلبة إمام عندهم ... ولذا ذكروا حكمه ( ومن صار إماماً بالقهر والغلبة ينعزل بأن يقهره آخر ويغلبه ) . ولكن هل المراد من هذه الإمامة ( الخلافة عن النّبي ) ؟
____________
(1) ذكر حديث الغدير وحديث الثقلين في الكتاب وتوضيح الاستدلال بكلّ منهما في موضعه . وأما نزول الآية المباركة يوم الغدير فرواه من أئمّة أهل السنة جماعة كما ستعلم .
( 177 )

هل نصّ النّبي على إمام بعده ؟
أقول :
قد عرفت أن نصب الإمام بيد الله لا بيد الأنام ...
والطريق إلى العلم بنصبه منحصر في النّص عليه أو إظهار المعجز على يده ...
فلا بدّ من أن يوجد النّص عليه في الكتاب أو السنة المعتبرة أو كليهما ... فيجب النظر في الكتاب والسنّة المعتبرة .
أمّا النّص على أبي بكر ... فقد نصّ السّعد 255 كالقاضي العضد (1) وغيره على أنه منتف في حق أبي بكر ... وامّا على علي عليه السلام فموجود في الكتاب والسنّة المعتبرة كليهما .
أمّا السنّة النبوية المعتبرة عن طريق أهل البيت عليهم السلام ... فلا تعدّ وتحصى أخبارها في هذا الباب ... كما لا يخفى على من راجع كتب أصحابنا ... وبها الكفاية عندنا ... لكنّا لا نستدلّ في مقام البحث بتلك الأخبار ... بل نرجع إلى كتب أهل السنّة القائلين بإمامة أبي بكر ... فإنّ أدلّة مذهبنا موجودة في كتبهم أيضاً ... في التفسير والحديث والسّيرة ، فبها نستدلّ عليهم وبها نلزمهم ... وقد أورد السّعد في الكتاب شيئاً يسيراً من تلك النصوص والأدلة وتكلّم عليها ... ونحن نكتفي بدفع شبهاته عنها وإثبات دليليّتها ودلالتها ... والله المستعان .
قال (259) :
( ذهب جمهور أصحابنا والمعتزلة والخوارج إلى أنّ النبي لم ينص على إمام بعده . وقيل : نص على أبي بكر ... وقيل : نص على علي وهو مذهب الشيعة ... )
____________
(1) شرح المواقف 8 | 354 .
( 178 )

أقول :
قد عرفت تنصيصه على أنّ النّص منتف في حقّ أبي بكر ، أمّا هنا فلم ينص على ذلك ، ولعلّه لئلاً يورد عليه في استدلاله ببعض النّصوص المزعومة في أبي بكر .
وهذه النصوص التي قد يستدلّ بها على إمامة أبي بكر هي من موضوعات شرذمةٍ من الناس عرفوا بـ ( البكرية ) ، وضعوا أحاديث في فضل أبي بكر ... نصّ على وضعها علماء أهل السنّة حتى المتعصّب منهم كابن الجوزي في كتابه ( الموضوعات ) .
لكن لا يخفى أنها حتى لو تمّت سنداً ودلالةً لا تكون حجة على أصحابنا ، لانفراد أولئك بنقلها ... بخلاف اصحابنا فإنّهم لا يستدلّون إلاّ بما جاء في كتب أهل السنّة ، بالاضافة إلى وجوده عندنا بطرقنا .
وعلى الجملة فالقوم معترفون بعدم النّص على أبي بكر ، لكنهم يستدلّون لعدم النصّ من النّبي صلّى الله عليه وآله وسلّم مطلقاً بعمل الأصحاب بناء على حسن الظّن بهم .
قال ( 259) :
( ثمّ استدلّ أهل الحق بطريقين :
أحدهما : ـ إنّه لو كان نص جلّي ظاهر المراد في مثل هذا الأمر الخطير المتعلّق بمصالح الدين والدنيا لعامّة الخلق لتواتر واشتهر فيما بين الصّحابة ... فإن قيل : علموا ذلك وكتموه لأعراضٍ لهم في ذلك ... كحبّ الرياسة والحقد على علي لقتله آباءهم وعشائرهم وحسدهم إيّاه . ترك علي المحاجّة به تقيةً وخوفاً ... قلنا : من كن له حظ من الديانة والإنصاف علم قطعاً براءة أصحاب رسول الله وجلالة أقدارهم عن مخالفة أمره في مثل هذا الخطب الجليل ، ومتابعة الهوى وترك الدّليل ...
الثاني : ـ روايات وأمارات تفيد باجتماعها القطع بعدم النص ، وهو كثيرة


( 179 )

جدّاً ، كقول العبّاس لعلي : أمدد يدك أبايعك ... ) .

أقول :
النصّ الجلي الظّاهر المراد في مثل هذا الأمر الخطير ... موجود ، وقد رواه الرواة الثقات والعلماء الاثبات من القوم أنفسهم ... كما ستعلم ، حتى أنّ ظاهر السّعد نفسه الإقرار بالدلالة وعدم تمامية ما قيل في الجواب في بعض الموارد لو لا حسن الظن بالصّحابة ، فيقول في موضع مثلاً : ( ثم لا عبرة بالآحاد في مقابلة الاجماع ، وترك عظماء الصّحابة الاحتجاج بهما آية عدم الدلالة ، والحمل على العناد غاية الغواية ) 272 .
ويقول في آخر : ( لو كانت في الآية دلالة على إمامة علي لما خفيت على الصّحابه عامّة وعلى عليّ خاصة ، ولما تركوا الانقياد لها والاحتجاج بها ) 272
ويقول في ثالث : ( لو صحّت لما خفيت على الصحابة والتابعين ... ) 276 .
لكن في الكتاب والسنّة الصحيحة وأخبار الصّحابة الموثوق بها وكلمات العلماء الكبار ما يدعو ـ في الأقل ـ إلى عدم حسن الظنّ بالصحابة ... ونحن نكتفي هنا بآيات من كلام الله وببعض الأحاديث الثابتة عن رسول الله ، وبكلمات بعض الأصحاب ، وبعبارة السّعد التفتازاني نفسه ...
قال الله تعالى :
( ومنهم الذين يؤذون النّبي ... ) (1) .
( وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله ... ) (2) .
( منكم من يريد الدنيا ... ) (3) .
( واذا رأوا تجارةً أو لهواً انفضّوا إليها وتركوك قائماً ... ) (4) .
____________
(1) سورة التوبة : 61 .
(2) سورة الاحزاب : 53 .
(3) سورة آل عمران : 136 .
(4) سورة الجمعة : 11 .

( 180 )

( ومنهم من يلمزك في الصدقات ... ) (1) .
( ومن أهل المدينة مردوا على النفاق لا تعلمهم ... ) (2) .
( وما محمد إلاّ رسول الله قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ... ) (3) .
وقال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم :
« أنا فرطكم على الحوض وليرفعنّ رجال منكم ثمّ ليختلجنّ دوني فأقول : يا رب أصحابي : فيقال : إنّك لا تدري ما أحدثوا بعدك » (4) .
وقال :
« إنّي فرطكم على الحوض ، من مرّ عليّ شرب ومن شرب لم يظمأ أبداً ، ليردنّ عليّ أقوام أعرفهم ويعرفوني ثم يحال بيني وبينهم . قال أبو حازم : فسمعني النعمان بن أبي عياش فقال : هكذا سمعت من سهل ؟ فقلت : نعم ، فقال : أشهد على أبي سعيد الخدري لسمعته وهو يزيد فيها : فأقول إنهم مني . فيقال : إنّك لا تدري ما أحدثوا بعدك . فأقول : سحقاً سحقاً لمن غيّر بعدي » (5) .
وقال :
« يرد عليّ يوم القيامة رهط من أصحابي ، فيحلّون عن الحوض ، فأقول : يا رب ، أصحابي . فيقول : إنّك لا علم لك بما أحدثوا بعدك ، إنّهم ارتدّوا على أدبارهم القهقرى » (6) .
وقال :
____________
(1) سورة التوبة : 58 .
(2) سورة التوبة : 102 .
(3) سورة آل عمران : 138 .
(4) صحيح البخاري باب الحوض 4 | 96 .
(5) صحيح البخاري ـ باب الحوض 4 | 96 .
(6) صحيح البخاري ـ باب الحوض 4 | 97 .

( 181 )

« بينا أنا قائم إذا زمرة حتى إذا عرفتهم خرج رجل من بيني وبينهم فقال : هلمّ . فقلت : أين ؟ قال : إلى النار والله . قلت : وما شأنهم ؟ قال : إنّهم ارتدّوا بعدك على أدبارهم القهقرى . ثمّ إذا زمرة حتى إذا عرفتهم خرج رجل من بيني بينهم فقال : هلّم . قلت : أين ؟ قال : إلى النار والله . قلت : وما شأنهم ؟ قال : ارتدّوا على أدبارهم القهقرى ، فلا أراه يخلص فيهم إلاّ مثل همل النعم » (1) .
وقال :
« إنّي فرط لكم وأنا شهيد عليكم ، وإنّي والله لأنظر إلى حوضي الآن ، وإني أعطيت مفاتيح خزائن الأرض ، وإني والله ما أخاف عليكم أن تشركوا بعدي ولكني أخاف عليكم أن تنافسوا فيها » (2) .
وعن العلاء بن المسيب عن أبيه قال :
« لقيت البراء بن عازب فقلت : طوبي لك ، صحبت رسول الله وبايعته تحت الشجرة . فقال : يا ابن أخي إنّك لا تدري ما أحدثنا بعده » (3) .
وعن عائشة أنّها أوصت أن تدفن بالبقيع ، فقيل لها :
« ندفنك عند رسول الله ؟
فقالت :
إنّي قد أحدثت بعده ، فادفنوني مع أخواتي .
فدفنت بالبقيع » (4) .
وقال السّعد : 310 .
( إنّ ما وقع بين الصّحابة من المحاربات والمشاجرات على الوجه المسطور
____________
(1) صحيح البخاري ـ باب الحوض 4| 97.
(2) صحيح البخاري 4 | 97 .
(3) صحيح البخاري كتاب المغازي باب غزوة الحديبيّة 3 | 20 .
(4) المعارف لابن قتيبة : 80 وغيره .

( 182 )

في كتب التواريخ ، والمذكور على ألسنة الثقات ، يدلّ بظاهره على أن بعضهم قد حاد عن طريق الحق ، وبلّغ حدّ الظلم والفسق ، وكان الباعث له الحقد والعناد ، والحسد واللّداد ، وطلب الملك والرياسة ولميل إلى اللذات والشهوات ، إذ ليس كلّ صحابي معصوماً ، ولا كلّ من لقي النّبي بالخير موسوماً ) .
فظهر أن حسن الظنّ بالصّحابة لا يكفي جواباً عمّا إن قيل :
( علموا ذلك وكتموه لأغراض لهم في ذلك ، كحبّ الرياسة والحقد على عليّ ... وحسدهم إيّاه .. ) .
وإنّ دعوى القطع ببراءة الصّحابة عن حبّ الرياسة والحقد والحسد ومتابعة الهوى ... عارية عن الدليل ، بل الدليل على خلافها ...
وتلخص : إنّ النص موجود ، وقد علمه القوم ، لكنهم أعرضوا عنه وتركوه وكتموه ... ( وكان الباعث له الحقد والعناد والحسد واللداد وطلب الملك والرياسة ... ) كما قال ... ولعلّ ذلك هو « الإحداث » الذي أخبر عنه النّبي صلّى الله عليه وآله وسلّم واعترف به غير واحد من الأصحاب كعائشة بنت أبي بكر ... فهذا جواب حسن الظن بالصحابة وما ذكره في مدحهم ...
وإذا كان أكثرهم كذلك حتى أنه لم يخلص منهم « إلاّ مثل همل النعم » كما في الحديث ، كان من الطبيعي ترك علي عليه السلام المحاجّة معهم بالنص تقيةً وخوفاً على نفسه ... بل لقد هدّد بتحريق داره عليه وعلى أهله وبقتله ... بمجرّد تخلّفه عن البيعة ... كما هو مسطور في كتب التاريخ المعتبرة عند القوم (1) .
ثم إنّه وقومه وأتباعه كانوا مشغولين بأمر النّبي صلّى الله عليه وآله وسلّم ، ولم يكن حاضراً في السقيفة حتى يمنع أو يحتج بالنّص على الصّحابة ، ولم يفرغ من
____________
(1) تاريخ الطبري 2 | 443 ، الإمامة والسياسة 1 | 13 ، تاريخ اليعقوبي 2 | 115 ، العقد الفريد 3 | 63 ، مروج الذهب 2 | 308 .
( 183 )

ذلك إلاّ وقد فوجئ بخبر البيعة لأبي بكر ، فقال العبّاس : « فعلوها وربّ الكعبة » (1) .
وأيّ محاجّة أبلغ من عدم البيعة ... مع كلّ ذلك الإرعاب والإرهاب ... فلم يبايع هو ولا الصدّيقة الطّاهرة بضعة الرسول ، ولا أحد من بني هاشم ، مدة حياة الزّهراء بعد الرسول وهي ستة أشهر ، فما بايعت ولا حملها عليّ على البيعة ... حتى توفّيت ... (2) .
بل لقد حاجج عليه السلام في كلّ فرصة سنحت له ، من ذلك قوله لقنفذ لمّا قال له : « يدعوك خليفة رسول الله » قال : « لسريع ما كذبتم على رسول الله » فرجع قنفذ إلى أبي بكر وأبلغه بما قال (3) ... ومن ذلك خطبته المشهورة المعروفة في الشورى ، واحتجاجه على القوم ، الصريح في إمامته منذ أول يوم ، وقد قابله كلّهم بالسّكوت الدالّ على التسليم والقبول (4) .
هذا ، مضافاً إلى احتجاجات الزّهراء الطاهرة وبعض الأصحاب الذين عرفوا منذ حياة رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم بالتشيّع والولاء له عليه السلام ... وثبتوا على ذلك ، في مناسبات مختلفة ...
وهذا جواب ما ذكره من أن ( مثل عليّ مع صلابته في الدين وبسالته ، وشدّة شكيمته وقوة عزيمته وعلّو شأنه وكثرة أعوانه وكون أكثر المهاجرين والأنصار والرؤساء الكبار معه قد ترك حقّه ، وسلّم الأمر لمن لا يستحقه ، من شيخ بني
____________
(1) تاريخ اليعقوبي 2 | 115 .
(2) صحيح البخاري ـ كتاب المغازي . باب غزوة خيبر صحيح كتاب الجهاد ، باب قول النبي لا نورّث . تاريخ الطبري 2 | 448 الكامل لابن الأثير 2 | 224 .
(3) تاريخ الطبري 2 | 444 تاريخ أبي الفداء 1 | 165 الامامة والسياسة 1 | 13 .
(4) الاحتجاج في الشورى رواه علماء الفريقين بكامله أو قطع منه ، ومن رواته من أهل السنّة : الدار قطني ، الخوارزمي ، ابن عساكر ، الحمويني ، الكنجي ، ابن حجر المكي ، ابن المغازلي ، المتقي ، وأشار إليه السّعد في الكتاب 273 .

( 184 )

تيم ـ ضعيف الحال عديم المال قليل الاتباع الأشياع ـ ولم يقم بأمره وطلب حقه ) 260 .
مع ما فيه من أباطيل وأكاذيب ، فإنّ الإمام عليه السلام لم يكن معه أكثر المهاجرين والأنصار والرؤساء الكبار ، ولم يكن أبوبكر قليل الأتباع والأشياع ... وإلاّ فما معنى قول النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم لأهل بيته : « أنتم المستضعفون بعدي » (1) وما معنى قول علي : « إنّ مما عهد إليّ النّبي أنّ الأمّة ستغدر بي بعده » (2) ؟
وبه يظهر الجواب عن النقص بقيامه بأمره في مقابل معاوية ...
ومن العجب التناقضات الموجودة في كلماته :
فهو في هذا المقام يصف علياً بكثرة الأعوان وكون أكثر المهاجرين والأنصار والرؤساء الكبار معه ، وفي مقام الإستدلال على خلافة أبي بكر ... يدّعي الإجماع على خلافة !
وأيضاً : يصف أبابكر بضعف الحال وعدم المال ... وفي مقام تفضيله ينسب إلى الجمهور نزول آية : ( سيجنّبها الأتقى الذي يؤتي ماله يتزكى ) في أبي بكر، ويستدل بالحديث الباطل : « وأين مثل أبي بكر .. جهّزني بماله وواساني بنفسه وجاهد معي ساعة الخوف » 292 .
وأيضاً : يجعل من الأمارات على عدم النّص قول أبي بكر عند موته « ووت أني سألت النبي عن هذا الأمر فيمن هو » ويرسله إرسال المسلّم ، لكن حيث يستدل بهذا الكلام على شكّه في استحقاقه الإمامة هو صريح فيه يقول في الجواب : ( إنّ هذا على تقدير صحته لا يدلّ على الشك ... ) 280 .
وأما الأمارات الأخرى فلا يخفى ما فيها :
فقول العباس لعلي ( أمدد يدك أبايعك ) يدلّ على اعتقاده خلافة أمير
____________
(1) مسند أحمد 6 | 339 .
(2) المستدرك على الصحيحين 3 | 140 ، 142 ، ورواه غيره أيضاً .

( 185 )

المؤمنين عليه السلام دون غيره ، ولذا كان من المتخلّفين معه عن البيعة ، وإنّه لمّا سمع دعوى القوم البيعة لأبي بكر قال : « فعلوها وربّ الكعبة » .
و ( قول عمر لأبي عبيدة : أمدد يدك أبايعك » لا دلالة فيه على عدم النص ، على أنّه ليس بحجة ...
و ( قبول علي الشورى ) إنّما كان للاحتجاج على القوم والمطالبة بحقه ...
و ( احتجاجه على معاوية بالبيعة له دون النص ) كان من باب الالزام ، وإلاّ فمعاوية باغ طاغ يريد الأمر لنفسه ..
و ( معاضدته لأبي بكر وعمر في الامور ) كانت خدمةً للاسلام ، ولا دلالة فيها على عدم النّص عليه عليه السلام .
ودعوى ( سكوته عن النصّ عليه في خطبه وكتبه ) كاذبة .
وكذا دعوى ( إنكار زيد بن علي وكثير من عظماء أهل البيت ) وإلاً لذكر إنكاره وأسماءهم وما قالوه عن المصادر المعبترة ...
وأمّا ( تسمية الصّحابة أبابكر مدة حياته بخليفة رسول الله ) فقد عرفت إنكار علي عليه السلام لها ، أمّا ما عن غيره فليس بحجة .
وأمّا ( إتّهام ابن جرير الطبري بالتشيّع ) ... ودعوى أنّ ( دعوى النصّ الجلّي ممّا وضعه هشام بن الحكم ونصره فلان وفلان ) ... والاستشهاد بقول المأمون العبّاسي : « وجدت الكذب في الرافضة » فكلّ ذلك من العجز ... كما لا يخفى على المحصّلين ... ولا يليق بنا مقابلته بالمثل ... على أنه في ذلك تبع للقاضي عبدالجبار في ( المغني ) ، وليته لاحظ الجواب عنه في ( الشافي ) (1) .
____________
(1) الشافي في الامامة 8 | 81 فما بعد .
( 186 )

الإمام الحق بعد النبي
قال (364) :
( الامام الحق بعد رسول الله عندنا وعند المعتزلة وأكثر الفرق : أبوبكر . وعند الشيعة عليّ . ولا عبرة بقول الروندية ـ أتباع القاسم بن روند ـ إنه العباس .
لنا وجوه : الأول : وهو العمدة : إجماع أهل الحلّ والعقد على ذلك ، وإن كان من البعض بعض تردّد وتوقّف ... ) .

الكلام على أدلة خلافة أبي بكر
أقول :
نعم ، هذا عمدة أدلّتهم ، إذ النصّ على إمامة أبي بكر مفقود باعترافهم ، لكن فيه :
أولاً : إنّ إمامة أبي بكر انعقدت ببيعة عمر كما نصّ عليه هو وغيره كشيخه العضد ، فإن كان الشرط إجماع أهل الحل والعقد فهذا غير حاصل ، وإن كان يكلفي بيعة الواحد فلما ذا دعوى الاجماع ؟
وثانياً : قد أشرنا سابقاً إلى خلاف الواقع في السقيفة بين أهلها ، والخلاف الواقف بين أهلها ومن كان في خارجها ... فأين الاجماع ؟
وثالثاً : إنّه لا خلاف في وفاة الصّديقة البتول وبضعة الرّسول من غير بيعة لأبي بكر ، فلابدّ وأن تكون قد بايعت عليّاً بالإمامة والخلافة ، وإلاّ فقد ماتت ميتة جاهلية والعياذ بالله ، وفاطمة الزّهراء عليها السلام ، معصومة بالكتاب والسنة المعتبرة ،وهي وبعلها أحبّ الناس إلى رسول الله صلّ الله عليه واله وسلّم .
ورابعاً : إنّه لا سبيل إلى إنكار وجود الخلاف بين أهل الحلّ والعقد حول إمامته ، وحتّى السّعد يعترف بذلك وهو في مقام دعوى الإجماع منهم ، فيقول :


( 187 )

( وإن كان من البعض تردّد وتوقّف ) فأورد كلام أنصار ، وخلاف أبي سفيان ، وتخلّف علي والزبير والمقداد وسلمان وأبي ذر ... وأشار إلى ما أخرج في البخاري وغيره من الكتب الصحيحة من أنّ بيعة علي (1) عليه السلام كانت بعد وفاة الزهراء لستّة أشهر من وفاة النّبي ـ وانصراف وجوه الناس عنه ... وقد أشرت إلى موجز نصّ الحديث في بيعته قريباً .
قال (265) :
( الثاني : إنّ المهاجرين والأنصار اتّفقوا على أنّ الإمامة لا تعدو أبابكر وعليّاً والعبّاس ، ثمّ إنّ عليّاً والعبّاس بايعا أبابكر وسلّما له الأمر ، فلو لم يكن على الحق لنازعاه ... فتعيّن أبوبكر ، للاتفاق على أنّها ليست لغيرهم ) .
أقول :
هذا هو الوجه الثاني الذي استدل به في المتن ، أمّا في الشرح فقد جعل الأوّل هو العمدة ، وظاهره عدم الاعتماد على هذا الثاني الذي ذكره أيضاً شيخه القاضي العضد في ( المواقف ) ... وقد قلنا في جوابه :
إنه إن أريد ثبوت الاتفاق على إمامة أحد الثلاثة بعد موت النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم وقبل بيعة أبي بكر ، فهذا ممنوع ، لأن المسلمين أو أهل الحلّ والعقد منهم لم يجتمعوا حتى تعرف آراؤهم ، ومن اجتمع منهم في السقيفة كان بعضهم يرى أن سعد بن عبادة هو الحقيق بها ، فكيف يدعى وقوع الاجماع حينئذٍ على حقية أحد الثلاثة المذكورين ؟
على أنا لم نسمع أنّ أحداً ذكر العباس حينئذٍ .
وإن أريد ثبوت الإتفاق المذكور بعد بيعة أبي بكر ، فهو ينافي ما زعموه ـ في
____________
(1) قد قطع الكلام هنا ولم يذكر الحديث ، فجاء في النسخ : « وقع في هذا الموضع من المصنف بياض مقدار ما يسع فيه كلمتان » ولا ندري هل البياض من المصنف حقاً أو من غيره ؟ وكيف كان فأنا وأنت ندري سبب الحذف !