ثمّ إنّ التّعارض فرع الحجيّة ، ولا حجّية لأخبارهم التي ينفردون ، بها على أصحابنا ، بخلاف الأدلة التي يقيمها أصحابنا على أفضلية أمير المؤمنين عليه السلام ، فإنّها أحاديث متّفق عليها بين الطّرفين كما سنرى ... على أنّه لم نجد في أدلّتهم حديثاً واحداً يجوز الاستدلال به حتّى على أصولهم ...

ما استدل به لأفضليّة أبي بكر
قال (291) :
* ( لنا : إجمالاً : أن جمهور عظماء الملّة وعلماء الأمة أطبقوا على ذلك ، وحسن الظنّ بهم يقضي بأنّهم لو لم يعرفوه بدلائل وأمارات لما أطبقوا عليه ) .
أقول :
وفيه : أوّلاً : إنّه لو سلّم إطباق الجمهور ، ففي القرآن الكريم ذمّ الأكثر في موارد كثيرة .
وثانياً : إنّ القائلين بالخلاف وان كانوا أقل عدداً لكنّهم رجال عظماء قد وردت في حقّهم الأحاديث المعتبرة المتّفق عليها ... كما ستعرفهم .
وثالثاً : إنّ مبني اعتبار قول الجمهور ليس إلاّ حسن الظنّ بهم كما ذكر ، فإذا وجدناهم في كثيرٍ من الأمور على ضلالة وهم لا يعقلون زال حسن الظن ...
ورابعاً : لو سلّم أنّ حسن الظن بهم يقضي بأنهم لو لم يعرفوه بدلائل وأمارات ... فإنّ الدلائل والأمارات المزعومة أو المتوهمّة ليست إلاّ ما سيذكره هو تفصيلاً ، وإذا عرفنا سقوطها عن الدليليّة وعن كونها أمارة لم يبق مجال للاعتماد على إطباقهم ...
فننظر في تلك الدلائل والأمارات :
قال (291) :
( وتفصيلاً : الكتاب والسنة والأثر والأمارات . أمّا الكتاب فقوله تعالى : ( وسيجنّبها الأتقى الذي يؤتي ماله يتزكى ) ... ) .


( 251 )

أقول :
لم يذكر من الكتاب دليلاً على أفضليّة أبي بكر إلاّ هذه الآية ، ولو كان غيرها لذكر ... وتماميّة الاستدلال هذا موقوف على صحة القول بنزولها في أبي بكر ، وفيه :
أوّلاً : إنّه محلّ خلاف بين أهل السنّة أنفسهم ، فمنهم من حمل الآية لى العموم ، ومنهم من قال بنزولها في قصة أبي الدّحداح وصاحب النخلة (1) ومن هنا نسب القول بذلك في ( المواقف ) إلى أكثر المفسرين . وثانياً : إنّ القول بنزول الآية في أبي بكر إنما هو منقول عن آل الزبير ، وانحراف هؤلاء عن أمير المؤمنين عليه السلام معروف . وثالثاً : إنّ سند الخبر عن ابن الزبير غير معتبر قال الحافظ الهيثمي : « وعن عبدالله بن الزبير قال : نزلت في أبي بكر الصّديق ( وما لأحد عنده من نعمة تجزى الاّ ابتغاء وجه ربه الاعلى ولسوف يرضى ) رواه الطبراني وفيه : مصعب بن ثابت . وفيه ضعف » (2) .
وقوله : ( وليس المراد به علياً ... ) قد تبع فيه شيخه العضد وهو ـ كما قلنا في جوابه ـ خلط في المعنى ، فإنّ الضمير في « عنده » يرجع إلى المنعم ، والمعنى : إنّ « الأتقى » موصوف بكونه ليس لأحدٍ من المنعين عليهم عند المنعم يد النعمة ، يكون الإنعام منه من باب الجزاء ، فعلي عليه السلام كان في تصدّقه بخاتمه على السائل في حال الركوع كذلك في إطعام اليتيم والمسكين والأسير حيث تزلت سورة هل أتى ، فلم تكن لهم عليه يد النعمة . وأين هذا من المعنى الذي ذكر؟
قال ( 292) :
( وأمّا السنّة فقوله عليه السلام : إقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر ) .
____________
(1) الدر المنثور : 6 | 358 .
(2) مجمع الزوائد : 9 | 50 .

( 252 )

أقول :
قد سبق أنّ هذا الحديث باطل سنداً ودلالة ، كما نصّ عليه كبار علمائهم *
قال (292) :
( وقوله لأبي بكر وعمر : هما سيّدا كهول أهل الجنة ما خلا النّبيين والمرسلين ) .
أقول :
هذا الحديث ـ حتى لو كان صحيحاً عندهم ـ ليس بحجة علينا لكونه من طرقهم فقط ، فكيف ورواته ضعفاء متروكون بشهادة كبار علمائهم ؟ وهذه عبارة واحد منهم :
قال الحافظ الهيثمي : « عن أبي سعيد الخدري قال قال رسول الله لأبي بكر وعمر : هذان سيّدا كهول أهل الجنّة من الأولين والآخرين . رواه البزار والطبراني في الأوسط . وفيه : على بن عابس وهو ضعيف » .
وعن ابن عمر قال : إن النبي قال : أبوبكر وعمر سيّدا كهول أهل الجنّة من الأولين والآخرين إلاّ النّبيين والمرسلين . رواه البزار وقال : لا نعلم رواه عن عبيدالله بن عمر إلاّ عبدالرحمن بن مالك بن مغول . قلت : وهو متروك » (1) **
قال (292) :
( وقوله عليه السلام : خير أمتي أبوبكر ثم عمر ) .
أقول :
هذا الحديث مذيّل بذيل يدلّ على أفضلية أمير المؤمنين عليه السلام ، رووه عن عائشة قالت : « قلت : يا رسول الله ، من خير الناس بعدك ؟ قال : أبوبكر .
____________
* راجع الرّسالة المؤلّفة حوله ـ في هذه المجموعة .
* راجع البحث التفصيلي عن هذا الحديث في هذه المجموعة .
(1) مجمع الزوائد : 9 | 53 .

( 253 )

قلت : ثم من ؟ قال : عمر .
قالت فاطمة : يا رسول الله لم تقل في عليّ شيئاً !
قال : يا فاطمة ، علي نفسي ، فمن رأيتيه يقول في نفسه شيئاً؟ »
ولهذا فقد تكلّم في سنده بعض علمائهم (1) لكن السّعد أسقط الذيل تبعاً لشيخه العضد ليتم الاستدلال !
قال (292) :
( وقوله عليه السلام : ما ينبغي لقوم فيهم أبوبكر أن يتقدّم عليه غيره ) .
أقول :
لفظ هذا الحديث : « لا ينبغي لقوم فيهم أبوبكر أن يؤمّهم غيره » وهو حديث مكذوب موضوع على رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم . نصّ على ذلك غير واحد من أكابر أئمّة الحديث ، كالحافظ ابن الجوزي المتوفى سنة 597 فإنّه أورده في كتابه في الموضوعات وقال بعد روايته : « هذا حديث موضوع على رسول الله » (2) .
ومن المضحك فهم ابن الجوزي من الحديث أن المراد هو تقديم من اسمه « أبوبكر » في الصلاة والنّهي عن التقدّم عليه فيها ، فإنه ذكر في أبواب الصّلاة : « باب تقديم من اسمه أبوبكر » ثمّ ذكر الحديث ثم قال : « هذا حديث موضوع ... » (3) .
قال السّيوطي : هذا فهم عجيب ! إنّما المراد أبوبكر خاصّة (4) .
فالعجب من قؤلاء ؟ كيف يستدلّون بالأحاديث الموضوعة باعتراف علمائهم ، ويعارضون بها الأحاديث الصحيحة الثابتة باعتراف علمائهم كذلك ؟
____________
(1) راجع : تنزيه الشريعة 1 | 367 .
(2) الموضوعات 1 | 318 .
(3) الموضوعات 2 | 100 .
(4) اللآلي المصنوعة 1 | 299 .

( 254 )

قال (292) :
( وقوله : لو كنت متّخذاً خليلاً ... ) .
أقول :
قد أجاب أصحابنا عن هذا الحديث سنداً ودلالة (1) وهو في رواية البخاري قطعة من حديث يشتمل على جمل عديدة تعدّ كلّ واحدة منها فضيلة مستقلة من فضائل أبي بكر ... فهو أقواها سنداً وأدلّها دلالة ، لكنّ راويه هو : « اسماعيل بن عبدالله بن أبي أويس » ابن أخت مالك بن أنس ونسيبه وروايته ، وهذه طائفة من الكلمات فيه :
قال ابن معين : هو وأبوه يسرقان الحديث . وقال : مخلّط ، يكذب ، ليس بشيء .
وقال النسائي : ضعيف . وقال مرة أخرى : غير ثقة .
وقال ابن عدي : يروي عن خاله أحاديث غرائب لا يتابعه عليها أحد .
وذكره الدولابي في الضعفاء وقال : سمعت النصر بن سلمة المروزي يقول : ابن أبي أويس كذّاب ...
وقال الدار قطني : لا اختاره في الصحيح .
وذكره الاسماعيلي في المدخل فقال : كان ينسب في الخفة والطيش إلى ما أكره ذكره .
وقال بعضهم : جانبناه السنة .
وقال ابن حزم في المحلي : قال أبو الفتح الأزدي حدثني سيف بن محمد : أن ابن أبي أويس كان يضع الحديث .
وأخرج النسائي من طريق سلمة بن شبيب أنّه قال : سمعت إسماعيل بن أبي أويس يقول : ربما كنت أضع الحديث لأهل المدينة إذا اختلفوا في شيء فيما
____________
(1) تلخيص الشافي 3 | 217 .
( 255 )

بينهم (1) .
ثم إنه معارض بأحاديث موضوعة تنصّ على أنّه قد أتّخذه خليلاً مثل : « لكلّ نبي خليل في أمته وإنّ خليلي أبوبكر » (2) وبآخر ينصّ على أنّه اتّخذ عثمان خليلاً ، وهذا لفظه : « إنّ لكلّ نبي خليلاً من أمته و إنّ خليلي عثمان بن عفان » .
لكنها كلّها موضوعات ، وقد نصّ على وضع الأخير منها غير واحد (3) .
قال (293) :
( وقوله : وأين مثل أبي بكر ... ) .
أقول :
هذا الحديث كسابقه ، وممّا يؤكد بطلانه اشتماله على أن أبابكر أوّل من أسلم ، وهذا كذب ، فإنّ أول من أسلم أمير المؤمنين علي عليه السلام كما نصّ عليه غير واحد ودلّت عليه الأخبار والآثار .
أيضاً : إشتماله على أنه كان ذا مال . وقد نصّ السّعد على كونه ( عديم المال ) 260 .
وأيضاً : اشتماله على أنه كان ينفق على النبي بماله ، فإنّ هذا كذب قطعاً ، ولذا اضطرّ مثل ابن تيمية إلى تأويله فقال : « إنّ إنفاق أبي بكر لم يكن نفقةً على النبي في طعامه وكسوته ، فإنّ الله قد أغنى رسوله عن مال الخلق أجمعين ، بل كان معونة له على إقامة الدين ، فكان إنفاقه فيما يحبّه الله ورسوله ، لا نفقة على نفس الرسول » (4) ولو تمّ هذا التأويل لم يبق فرق بين أبي بكر وسائر الصحابة الذين كانوا ينفقون أموالهم في سبيل إقامة الدين ، فأين الأفضلية ؟
وقبل هذا كله ، فالحديث قد أورده الحافظ ابن عرّاق المتوفى سنة 963 في
____________
(1) لاحظ الكلمات بترجمته من تهذيب التهذيب 1 | 312 .
(2) كنز العمال 6 | 140 .
(3) تنزيه الشريعة 1 | 392 .
(4) منهاج السنة 4 | 289 .

( 256 )

الأخبار الشنيعة الموضوعة (1) والحافظ السيوطي في الأحاديث الموضوعة (2) .
قال (293) :
( وقوله لأبي الدرداء حين كان يمشي أمام أبي بكر ... ) .
أقول :
هذا الحديث ـ حتى لو كان صحيحاً عندهم ـ ليس بحجّة علينا ، لكونه ـ كغيره ـ من طرقهم فقط ، فكيف ورواته كذّابون مدلّسون بشهادة كبار علمائهم؟ وهذه عبارة الحافظ الهيثمي المتوفى سنة 807 :
« عن جابر بن عبدالله قال : رأي رسول الله أبا الدرداء يمشي بين يدي أبي بكر . فقال : يا أبا الدرداء تمشي قدّام رجلٍ لم تطلع الشمس بعد النّبيين على رجل أفضل منه ، فما رؤي أبو الدرداء بعد يمشي إلاّ خلف أبي بكر . رواه الطبراني في الأوسط وفيه : إسماعيل بن يحيى التيمي وهو كذّاب .
وعن أبي الدرداء قال : رآني رسول الله وأنا أمشي أمام أبوبكر فقال : لا تمش أمام من هو خير منك ، إنّ أبابكر خير من طلعت عليه الشمس ، أو غربت . رواه الطبراني وفيه : بقية ، وهو مدلّس » (3) .
وإذا بطل الحديث من أصله فلا موضوع لما ذكره السّعد في معناه .
قال : 293
( وعن عمرو بن العاص قلت الرسول الله ... ) .
أقول :
هذا الحديث في البخاري بهذا السند : « حدثنا معلى بن أسد حدثنا عبدالعزيز بن المختار قال خالد لحذّاء حدّثنا عن أبي عثمان قال حدّثني عمرو بن
____________
(1) تنزيه الشريعة المرفوعة عن الأخبار الشنيعة الموضوعة 1 | 344 .
(2) اللآلي المصنوعة في الأحاديث الموضوعة 1 | 295 .
(3) مجمع الزوائد 9 | 44 .

( 257 )

العاص ... » (1) .
في هذا السند :
1 ـ عبدالعزيز بن المختار ، وهو لم يتّفقوا على وثاقته ، فعن ابن معين : ليس بشيء (2) .
2 ـ خالد بن مهران الحذّاء وهو مقدوح جداً :
أ ـ كان قد استعمل على العشور بالبصرة (3) .
ب ـ كان مدلّساً (4) .
ج ـ تكلّم فيه جماعة كأبي حاتم حيث قال : يكتب حيدثه ولا يحتجّ به . رحماد بن زيد قال : قدم علينا قدمة من الشام ، فكأنّا أنكرنا حفظه . وأراد شعبة التكلّم فيه علناً فهدّد وسكت . ولم يلتفت إليه إبن عليّه وضعّف أمره . وقال ابن حجر : « والظاهر أن كلام هؤلاء فيه من أجل ما أشار إليه حماد بن زيد من تغيّر حفظه بآخره ، أو من أجل دخوله في عمل السلطان . والله أعلم » (5) .
3 ـ عمرو بن العاص . ابن النابغة ، أحد المصاديق الحقيقية لما قاله السّعد نفسه حول الصّحابة .
أقول : أليس من الجزاف والقول الزور الاستدلال بحديثٍ هذا سنده في أصحّ الكتب عندهم بعد القرآن فضلاً عن غيره من الكتب ؟
قال (293) :
( وقال النّبي : لو كان بعدي نبي لكان عمر ) .
أٌقول :
____________
(1) صحيح البخاري 5 | 64 كتاب فضائل أصحاب النبي .
(2) تهذيب التهذيب 6 | 317 .
(3) تهذيب التهذيب 3 | 105 .
(4) تهذيب التهذيب 3 | 105 .
(5) تهذيب التهذيب 3 | 104 ـ 105 .

( 258 )

عجباً للسّعد كيف يرتضي هذا الحديث ويستدلّ به وهو يرى أفضلية أبي بكر من عمر ؟ إنّ هذا الحديث معناه أن عمر صالح لنيل النبوة على تقدير عدم ختمها ، ولازمه أن يكون أفضل من أبي بكر ، كما هو واضح .
ثم كيف يصلح للنّبوة من قضى شطراً من عمره في الكفر .
ولننظر في سنده :
إنّ هذا الحديث لا يعرف إلاّ من حديث مشرح بن هاعان كما نصّ عليه الترمذي بعد أن أخرجه وهذه عبارته كاملة :
« حدثنا سلمة بن شبيب حدثنا المقرئ عن حيوة بن شريح عن بكر بن عمرو عن شرح بن هاعان عن عقبة بن عامر قال قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم : لو كان بعدي نبي لكان عمر بن الخطّاب . هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلاّ من حديث مشرح بن هاعان » (1) .
وهذه طائفة من كلمات أئمّة القوم لتعرف مشرح بن هاعان :
قال ابن الجوزي : « قال ابن حبان : انقلبت على مشرح صحائفه فبطل الاحتجاج به » (2) .
وقال الذهبي : « قال ابن حبان : يكنى أبا مصعب ، يروي عن عقبة مناكير لا يتابع عليها ... فالصواب ترك ما انفرد به . وذكره العقيلي فما زاد في ترجمته من أن قيل أنه جاء مع الحجّاج إلى مكة ونصب المنجنيق على الكعبة » (3) .
فتلخص :
1 ـ قدح جماعة من الأئمّة فيه :
2 ـ إنه جاء مع الحجاج إلى مكة ونصب المنجنيق على الكعبة .
3 ـ إنّه روى عن عقبة أحاديث لا يتابع عليها . ولا ريب أن هذا الحديث
____________
(1) صحيح الترمذي 5 | 578 باب مناقب عمر .
(2) الموضوعات . باب مناقب عمر 1 | 320 .
(3) ميزان الاعتدال ـ ترجمة مشرح بن هاعان 4 | 117 .

( 259 )

منها ، إذ لم يعرف إلاّ منه كما عرفت من عبارة الترمذي .
ثم إنّ الراوي عنه هو : بكر بن عمرو ، وقد قال الدار قطني والحاكم : « ينظر في أمره » (1) بل قال ابن القطّان : « لا نعلم عدالته » (2) .
وفي ( مقدمة فتح الباري ) في الفصل التاسع ، في أسماء من طعن فيه من رجال البخاري : « بكر بن عمرو المعافري المصري » .
ثمّ إنّ بعض الوضّاعين قلب لفظ هذا الحديث المفترى إلى لفظ : « لو لم أبعث فيكم لبعث عمر » وقد رواه ابن الجوزي بنفس سند اللفظ الأوّل في ( الموضوعات ) ونصّ على أنّه لا يصح (3) كما نصّ الذهبي على كونه مقلوباً منكراً (4) .
وبعضهم وضعه بلفظ : « قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم لعمر بن الخطّاب : لو كان بعدي نبي لكنته » رواه المتقي قال : رواه الخطيب وابن عساكر وقالا : منكر (5) .
قال (293) :
( وعن عبدالله بن حنطب : إن النبي رأى أبابكر وعمر فقال : هذان السمع والبصر ) .
أقول :
« هذان السّمع والبصر » من أيّ شيء؟
قد وضعوا هذا الحديث تارة بلفظ : إنهما السمع والبصر من الدين أو الاسلام ، وأخرى إنهما السمع والبصر من رسول الله صلّى الله عليه وآله
____________
(1) تهذيب التهذيب 1 | 426 ، ميزان الاعتدال 1 | 347 .
(2) تهذيب التهذيب 1 | 426 .
(3) الموضوعات 1 | 320 .
(4) ميزان الاعتدال ـ ترجمة رشدين بن سعد المهري 2 | 49 .
(5) كنز العمال 12 | 597 .

( 260 )

وسلّم ... وهو بجميع ألفاظه ساقط عن درجة الاعتبار ، وإليك البيان باختصار :
أخرج الحاكم بسنده عن حذيفة عن النبي في حديث : « إنّهما من الدين كالسّمع والبصر » قال الذهبي في تلخيصه : « هو واه » (1) .
وروى المقدسي : « إنّ أبابكر وعمر من الاسلام بمنزلة السّمع والبصر » ثم قال : « من موضوعات الوليد بن الفضل الوضّاع » (2) .
والحديث الذي استدل به السّعد مرسل ، لأنّ عبدالله لم يدرك النبي (3) لكن ابن عبد البر وراه بسنده عن المغيرة بن عبدالرحمن عن المطلب بن عبدالله بن حنطب عن أبيه عن جدّه ... ثم قال : « ليس له غير هذا إسناد ، والمغيرة بن عبدالرحمن هذا هو الحزامي ضعيف ، وليس بالمخزومي الفقيه صاحب الرأي ... » (4) وقال أيضاً : « حديث مضطرب الأسناد لا يثبت » (5) وتبعه ابن حجر فقال : « قال أبو عمر : حديث مضطرب لا يثبت » (6) .
قال (294) :
( وأمّا الأثر فعن ابن عمر ... ) .
أقول :
لقد عرفت أن لا شيء مّا استدل به من السنة بتامّ سنداً ، ومالا دليل عليه من الكتاب والنسة باطل بالاجماع ، فأيّ قيمةٍ لقول زيد أو عمرو ؟ وأيّ فائدة لقول مثل ابن عمر ؟
قال (294) :
( وعن محمد بن الحنفية ... وعن علي ... وعنه لمّا قيل له : ما توصي ؟ ) .
____________
(1) المستدرك 3 | 74 .
(2) تذكرة الموضوعات : 148 .
(3) الاصابة 2 | 299 .
(4) الاستيعاب 1 | 146 .
(5) الاستيعاب 1 | 347 .
(6) الاصابة 2 | 299 .

( 261 )

أقول :
إنّ الذين لا يخافون والدّار الآخرة فيضعون على رسول الله عليه وآله وسلّم ما لم يقله ، لا وازع لهم عن الوضع على علي أمير المؤمنين عليه السلام ... وليس الذي وضعوه على لسانه ما ذكره السّعد فقط ، بل الموضوعات عليه في هذا الباب يبلغ العشرات ، بل وضعوا على لسان أئمّة العترة ورجالات أهل البيت ما لا يعدّ ولا يحصى ...
قال (294) :
( وأمّا الأمارات ... ) .
أقول :
وإذ لا دليل من الكتاب والسنّة ولا اجماع ... فما فائدة الأمارات؟
قال (294) :
( وتشرّفه بقوله عليه السلام : عثمان أخي ورفيقي في الجنة ... ) .
أقول :
وهذا الحديث نظير ما وضعوه وافتروه في حق اللذين من قبله ... فقد أخرجه ابن ماجة عن : أبي مروان محمد بن عثمان الأموي العثماني عن أبيه عثمان ابن خالد حفيد عثمان بن عفان عن عبدالرحمن بن أبي الزنادعن أبيه ـ وهو مولى لعائشة بنت عثمان ـ عن الأعرج عن أبي هريرة : إن رسول الله قال : لكلّ نبي رفيق في الجنة ورفيقي فيها عثمان بن عفان (1) .
فهو حديث لآل عثمان ... عن أبي هريرة ؟!
وقد قال شارحه السندي : « اسناده ضعيف . فيه : عثمان بن خالد وهو ضعيف باتفاقهم » (2) .
____________
(1) سنن ابن ماجة 1 | 40 .
(2) سنن ابن ماجة 1 | 40 .

( 262 )

مذافاً إلى أن أبا مروان مقدوح وقال بعض أئمّة القوم : يروي عن ابيه المناكير (1) . وهذا منها ...
وأبوه عثمان بن خالد قال البخاري : عنده مناكير . وقال النسائي : ليس بثقة . وقال العقيلي : الغالب على حديثه الوهم . وقال أبو أحمد : منكر الحديث . وقال ابن عدي : أحاديثه كلّها غير محفوظة . وقال الساجي : عنده مناكير غير معروفة . وقال الحاكم وأبو نعيم : حدّث عن مالك وغيره بأحاديث موضوعة ... إلى غير ذلك من الكلمات (2) فهو ضعيف باتفاقهم كما ذكر شارح ابن ماجة ، بل قال ابن الجوزي : نسب إلى الوضع (3) .
وعبد الرحمن بن أبي الزّناد قال ابن معين : ليس ممّن يحتج به أصحاب الحديث ، ليس بشيء . وقال ابن صالح وغيره عن ابن معين : ضعيف : وقال الدوري عن ابن معين : لا يحتج بحديث . وقال صالح بن أحمد عن أبيه : مضطرب الحديث . وعن ابن المديني : كان عند أصحابنا ضعيفاً . وقال النسائي : لا يحتج بحديثه . وقال ابن سعد : كان كثير الحديث وكان يضعّف لروايته عن أبيه (4) .
وأمّا الحديث الآخر في حياء عثمان ، فهو من جملة عدّة أحاديث موضوعة في هذا الباب ، يكفي متنها دليلاً على وضعها فلا حاجة إلى النظر في أسانيدها ...
على أن هذا الحديث بالخصوص يشتمل على إهانة كبيرة للنبي الأقدس صلّى الله عليه وآله سلّم ، حيث نسب واضعه إليه الكشف عن أفخاده بحضور أصحابه ... فهو أراد صنع فضيلة لعثمان ـ وهي الحياء ـ ونسب إلى الرّسول عدم الحياء ! مع كونه كما وصفه أبو سعيد الخدري « أشدّ حياء من العذراء في خدرها » (5)
____________
(1) تهذيب التهذيب 9 | 336 .
(2) تهذيب التهذيب 7 | 114 .
(3) العلل المتناهية 1 | 206 .
(4) تهذيب التهذيب 6 | 171 .
(5) تجده في البخاري في باب صفة النبي ، وفي غيره من الصحاح .

( 263 )

لا سيّما وأن جمهور فقهائهم على أن الفخذ عورة ...
وأيضاً : يدل الحديث على أفضلية عثمان من أبي بكر وعمر ، فإنهما قد دخلا على النبي في تلك الحال فلم يغطّ دخل عثمان سترهما وقال هذه الكلمة؟!
قال (295) :
( القائلون بأفضليّة علي تمسّكوا بالكتاب والسنة والمعقول ... ) .
أقول :
الوجوه التي ذكرها أقلّ قليل من الأدلة التي يقيمها أصحابنا على أفضليّة أمير المؤمنين عليه السلام بعد رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم من جميع الخلائق .
قال (299) :
( والجواب : إنّه لا كلام في عموم مناقبه ... إلاّ أنه لا دليل على الأفضلية ... بعدما ثبت من الاتفاق ... والاعتراف من علي بذلك ) .
أقول :
كيف لا تكون هذه الأدّلة دالّة على الأفضلية ، وهو غير منكر لنزول الآيات التي ذكرها في شأن أمير المؤمنين عليه السلام ، ولا اعتبار الأحاديث المستدل بها ، ولا لشيء من صفات الامام وكمالاته ؟
إنه لا وجه لقوله : « لا يدلّ على الأفضلية » إلاّ التعصّب ، وإلاّ لأتى بالردّ . وأمّا رفع اليد عن الدلالة بالاتفاق والاعتراف فهو يعلم بأن لا اتّفاق فضلاً عن الاجماع على أفضلية أبي بكر ، ولا اعتراف من أمير المؤمنين عليه السلام بذلك ... وإنّه ليكفي ردّاً على دعوى الاتفاق والاعتراف ذهاب جماعة كبيرة من أعيان الصّحابة من بني هاشم وغيرهم إلى أفضلية علي ، ذكر بعضهم ابن عبدالبرّ حيث قال : « وروى عن سلمان وأبي ذر والمقداد وخباب وأبي سعيد الخدري وزيد بن أرقم أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أوّل من أسلم وفضّله هؤلاء على


( 264 )

غيره » (1) .
ولايخفى أن كلّ واحد من هؤلاء الذين ذكرهم يعادل مئات الآلاف من سائر الناس ، لعظمته وجلالته وقربه من رسول الله وجهاد وجهوده في سبيل الاسلام ...
على أنّ الاعتراف ثابت من أبي بكر ذلك ، في مواضع عديدة ، رواها علماء القوم أنفسهم ، منها : ما رواه هو عن النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم أنّه قال : « علي مني بمنزلتي من ربي » (2) . ومنها : ما رواه الشعبي قال : « بينما أبوبكر جالس إذ طلع علي فلمّا رآه قال : من سرّه أن ينظر إلى أعظم الناس منزلةً وأقربهم قرابةً وأفضلهم حالةً وأعظمهم حقاً عند رسول الله فلينظر إلى هذا الطالع » (3) ومنها : قول أبي بكر في خطبة له : « أما بعد أيّها الناس قد وليّت أمركم ولست بخيركم » (4) فإذا نفى عن نفسه الأفضلية فقد أثبتها لعلي عليه السلام اذ لا ثالث بالاجماع ، ويشهد به قوله : « أقيلوني فلست بخيركم » (5) وفي بعض الكتب بعده : « وعلي فيكم ».
وكأنّ السّعد ملتفت إلى ما ذكرناه من تماميّة الأدلة على الأفضلية وعدم وجود ما يصلح للمنع عن دلالتها ... ولذا عاد إلى البحث في دلالة بعض الأدلة ، لكن لم يأت إلاّ باحتمالات باردة وتخيّلات سقاطة وادّعاءات فارغة ...
قال (299) :
( على أنّ فيما ذكر مواضع بحث لا تخفى على المحصّل ، مثل : أنّ المراد ( بأنفسنا ) نفس النبي كما يقول : دعوت نفسي إلى كذا ) .
____________
(1) الإستيعاب 3 | 1090 ترجمة أمير المؤمنين .
(2) الصواعق المحرقة : 109 .
(3) الصواعق المحرقة : 109 .
(4) طبقات ابن سعد 3 | 182 قال ابن كثير : إسناده صحيح 5 | 248 .
(5) الإمامة والسياسة 1 | 14 .

( 265 )

أقول :
هذا من السّعد عجيب جداً ، وأيّ معنى لأن يدعو الإنسان نفسه؟ وعلى فرض وروده في شيء من الاستعمالات الفصيحة فهو مجاز قطعاً . وقد ذكر شيخه العضد في ( المواقف ) وكذا شارحها الجرجاني وجه الاحتجاج بالآية المباركة وهذه هي العبارة : « وجه الاحتجاج : إنّ قوله تعالى : ( وأنفسنا ) لم يرد به نفس النبي ، لأنّ الإنسان لا يدعو نفسه ، بل المراد به علي ، دلّت عليه الأخبار الصحيحة والروايات الثابتة » ثم ذكرا في الجواب : « وقد يمنع أن المراد بأنفسنا علي وحده ، بل جميع قراباته ... » فهما يسلّمان أنّ الإنسان لا يدعو نفسه ، وإنّما يمنعان أن يكون المراد علي وحده ... وقد أجبنا عن هذا المنع .
وعلى الجملة ، فما ذكره السّعد في غاية السخافة والسّقوط .
قال (299) :
( وإنّ وجوب المحبة وثبوت النصرة على تقدير تحققه في حق علي فلا اختصاص به ) .
أقول :
هذا إشكال في دلالة آية المودّة وآية ( وصالح المؤمنين ) ولا أحد من المسلمين ينكر كون علي ممّن نزلت فيه آية المودّة ، وكون فاطمة زوجته والحسنين ولديه شركاء معه في ذلك لا يضرّ بالاستدلال كما هو واضح . وأمّا كون المراد من ( صالح المؤمنين ) أمير المؤمنين عليه السلام وحده وأنّ الآية مختصة به فذاك ما اتّفقت عليه أخبار الفريقين وأقوال علمائها (1) ولكن السعد يجهل أو يتجاهل!
قال (299) :
( وكذا الكمالات الثابتة للمذكورين من الأنبياء ) .
أقول : هذا إشارة إلى حديث : « من أراد أن ينظر ... » لكن هذا الحديث
____________
(1) الدر المنثور 6 | 242 .
( 266 )

وارد في حق علي في أحاديث الفريقين ، وغير وارد في حق غيره كذلك بل مطلقاً ، فكيف لا يكون اختصاص به ؟
بل في بعض الأحاديث التي رواها القوم أيضاً أنّ أبابكر نفسه من رواه هذا الحديث عن رسول الله في حق علي ، فقد روى الحافظ الخطيب الخوارزمي المتوفى سنة 568 بسنده : « أنّ النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم كان في جمع من أصحابه فقال : أريكم آدم في علمه ونوحاً في فهمه وإبراهيم في حكمته . فلم يكن بأسرع من أن طلع علي . فقال أبوبكر : يا رسول الله أقست رجلاً بثلاثةٍ من الرسل ؟ بخ بخ لهذا الرجل ، من هو يا رسول الله؟ قال النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم ألا تعرفه يا أبابكر ؟ قال : الله ورسوله أعلم . قال : أبو الحسن علي بن أبي طالب . قال أبابكر : بخ بخ لك يا أبا الحسن ، وأبن مثلك ؟ » .
وبالجملة ، فإنكار دلالة هذا الحديث على اختصاص تلك الكمالات به دون غيره مكابرة واضحة ، ولذا لم يتفّوه به شيخه العضد وشارحه ، بل كان اعتراضهما بغير ذلك ، وقد أجبنا عنه في ( الطرائف ) بما لا مزيد عليه .
قال (299) :
( وإنّ أحب خلقك يحتمل تخصيص أبي بكر وعمر منه ، عملاً بأدلة أفضليتهما ، ويحتمل أن يراد : أحب الخلق إليك في أن يأكل منه ) .
أقول :
أمّا الإحتمال الأوّل ففيه :
أوّلاً : إنّ القرائن الحاليّة والمقالية الموجودة مع حديث الطير تفيد كونه آبياً عن أيّ تخصيص .
وثانياً : إنّ تخصيص أبي بكر وعمر منه ـ ولا يخفى أنّه لا يذكر عثمان معهما ـ موقوف على ثبوت أفضليّتهما ، وقد عرفت أنّه لا دليل عليها مطلقاً .
وثالثاً : إنّ بعض ألفاظ حديث الطير المروي في غير واحدٍ من كتبهم المعتبرة نصّ في عدم تخصيصهما ، فقد روى النسائي في ( الخصائص ) بسندٍ صحيح عن


( 267 )

أنس بن مالك : « إنّ النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم كان عنده طائر فقال : اللهم ائتني بأحبّ خلقك إليك يأكل معي من هذا الطائر ، فجاء أبوبكر فردّه ثم جاء عمر فردّه ثم جاء علي فأذن له » .
وأمّا الاحتمال الثّاني فيردّه وجوه :
الأوّل : إنّه قد تقرّر أنّ حذف المتعلّق يدلّ على العموم ، فالحديث ظاهر في الأحبيّة من جميع الجهات ، وتخصيصه بجهةٍ دون أخرى بلا مخصّص مردود .
وثالثاً : إنّ هذه الشبهة طرحها بعض المخالفين المتقدّمين على السّعد بقرون ، وتعرّض للجواب عنها المشايخ الكبار من أصحابنا ، قال الشيخ محمد بن محمد النعمان البغدادي المعروف بالمفيد المتوفى سنة 413 قال كما في ( الفصول المختارة ) : « هذا الذي اعترضت به ساقط ، وذلك أن محبة الله تعالى ليست ميل الطّباع وانّما هي الثواب ، كما أنّ بغضه وغضبه ليست باهتياج الطّباع . وإنما هما العقاب ، ولفظ أفعل في أحب وأبغض لا يتوجّه إلاّ معناهما من الثواب والعقاب ، ولا معنى على هذا الأصل لقول من زعم أنّ أحبّ الخلق إلى الله يأكل مع رسول الله توجّه إلى محبة الأكل والمبالغة في ذلك بلفظ أفعل ، لأنّه يخرج اللفظ ممّا ذكرناه من الثواب إلى ميل الطباع ، وذلك محال في صفة الله تعالى » .
وثالثاً : إنّ حديث الطير ممّا احتجّ به الامام عليه السلام في مناشدة أهل الشورى ، روى ذلك الحاكم النيسابوري ـ كما في كفاية الطالب ـ وجماعة من كبار المحدثين ، فلو كان مراد النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم الأحب في الأكل فقط لما تمّ احتجاجه ، أو لذكّره القوم بذلك وما سكتوا .
ورابعاً : لو كان النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم أراد الأحبّ في شيء دون شيء لجاء مع علي عليه السلام أناس آخرون يكونون أحبّ اليه في بعض الأمور ، بل لا يكون لدعائه فائدة ، لأن حال علي حينئذٍ كسائر المؤمنين الذين يحبّهم الله في بعض أعمالهم ، ففي أيّ شيء كان تأثير دعائه صلّى الله عليه وآله وسلّم المستجاب قطعاً؟


( 268 )

وخامساً : إنّه لو كان علي أحبّ إليه في بعض الاشياء كان وغيره أحبّ إليه في البعض الآخر ، وحينئذٍ لم يكن وجه لأن يردّ أنس عليّاً عليه السلام قائلاً في كلّ مرة يأتي « رسول الله على حاجة » ثم يعتذر بأنّه كان يرجو أن يكون الدعاء لرجلٍ من وقومه الأنصار !
قال (299) :
( وإنّ حكم الاخوة ثابت في حق أبي بكر وعثمان ... ) .
أقول :
ما ذكره دليلاً على هذا المدّعى باطل ، ولو صحّ على أصولهم فليس بحجة علينا . عى أنّ حديث « أخي ورفيقي في الجنة » قد عرفت بطلانه بإقرار علمائهم .
قال (299) :
( وأمّا حديث العلم والشّجاعة ... ) .
أقول :
لا يخفى أنّه لم يدّع لعثمان علماً ولا شجاعة ، ولم يدّع لعمر شجاعة .
وادّعى العلم لأبي بكر وعمر لكن عبارته : ( لم تقع حادثة إلاّ ولأبي بكر وعمر في رأي ) فأقول :
1 ـ هل يكون هذا الكلام جواباً عن أعلمية أمير المؤمنين ومرجعيّته في جميع العلوم المضروب بها المثل بين الأوّلين والآخرين ؟
2 ـ هناك موارد كثيرة سئل فيها الشيخان عن شيء فكانا جاهلين ... وتلك قضايا الأسئلة منهما مدوّنة يعلمها الكلّ ولا ينكرها أحد ؟
3 ـ على السّعد أن يذكر شيئاً من موارد إصابة رأيهما ومتابعة سائر الصّحابة لهما ، أمّا دعوى أنّه لم تقع حادثة إلاّ ولهما رأي فغير مسموعة .
وادّعى الشجاعة لأبي بكر وحده ولكن عبارته : ( ولم يكن رباط الجأش وشجاعة القلب وترك الاكتراث في المهالك في أبي بكر أقل من أحد ... ) فأقول :


( 269 )

إنّ أشجعيّة أمير المؤمنين عليه السلام يضرب بها المثل ويعترف بها الموافق والمخالف ، وما قلت للدّين الحنيف قائمة إلاّ بسيفه ... وتلك مواقفه في الغزوات والحروب يعرفها الجميع ... فمن يدانيه في شجاعته ... والسّعد لا يدّعي الأشجعيّة له خاصة من علي عليه السلام ، ولم يجرء على التصريح باسمه ، بل يقول ( لم يكن ... أقل من أحد ) .
قال (300) :
( وأمّا حديث زهدهما في الدنيا فغنّي عن البيان ) .
أقول :
هلاّ ذكر عثمان كذلك؟ وقوله : « غني من البيان » ليس إلاّ فراراً من الميدان ، وإلاّ فليأت بأدلّة وشواهد ... ولقد روى القوم أنفسهم عن النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم وصف الإمام عليه السلام بالزهد فقال له : « يا علي إنّ الله تعالى قد زيّنك بزينة لم يزيّن العباد بزينةٍ أحب إلى الله منها ، هي زينة الأبرار عند الله عز وجل : الزهد في الدنيا ، فجعلك لا تزرأ من الدنيا شيئاً ولا تزرأ الدنيا منك شيئاً ، ووهب لك حبّ المساكين فجعلك ترضى بهم أتباعاً ويرضون بك إماماً » (1) .
قال (300) :
( وأمّا السّابق إسلاماً فقيل : علي وقيل ... ) .
أقول :
ليس غرض السّعد إلاّ إنكار هذه الفضيلة للامام عليه السّلام ، وإلاّ فإنّ حديث سبقه إلى الاسلام رواه : الترمذي وأبو حنيفة والحاكم والبيهقي والطبري والسهيلي وابن هشام وابن الأثير وابن كثير وابن عبدالبّر وابن حجر العسقلاني والخطيب وابن سعد وأبو نعيم والزمخشري والسيوطي والمناويّ عن عدّة كبيرة من الأصحاب ، بل قال ابن حجر المكي : « نقل بعضهم الاجماع عليه ... ومن ثمّ
____________
(1) حلية الأولياء 1 | 71 ترجمته عليه السلام .
( 270 )

يقال كرّم الله وجهه » (1) بل أخرج الحاكم عن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم : « أوّلكم وروداً عليّ الحوض أوّلكم إسلاماً : علي بن أبي طالب » (2) ... وعن علي عليه السلام ـ فيما أخرجه البلاذري وابن عساكر وغيرهما ـ « أنا الصّديق الأكبر آمنت قبل أن يؤمن أبوبكر وأسلمت قبل أن يسلم » (3) .
هذا في إسلام علي .
وأمّا إسلام أبي بكر فقد روى غير واحد أنّه أسلم قبله أكثر من خمسين (4) .
وبعد هذا كلّه فإنّ السّعد لم يذكر دليلاً على دعوى سبق أبي بكر إلى الإسلام إلاّ شعر حسّان فإنّه قال :
( وقيل : أبوبكر ، وعليه الأكثرون على ما صرّح به حسان بن ثابت في شعر أنشده ... ) .
أقول : أين شعر حسّان؟ وما هو؟ ومن يرويه؟
ولو سلّم فهل يقاوم ما تقدّم؟
على أنّ من شعر حسان بن ثابت :

« جــــبريل نـادى معـلنـا * والـنـقـع لـيس بمـنـجـلي
والمـســلمـون قـد أحـدقـوا * حـول الـنـّبـي المـرســل
لا ســيف إلاّ ذو الــفـقــار * ولا فــتـى الاّ عــلـي » (5)

ومن شعره الثابت المرويّ في كتب الفريقين شعر ، يوم غدير خم وقد تعرّضنا له سابقاً .
____________
(1) الصواعق المحرقة : 72 .
(2) المستدرك على الصحيحين 3 | 136 .
(3) أنساب الاشراف 2 | 146 ، تاريخ دمشق 1 | 53 ترجمة أمير المؤمنين عليه السلام .
(4) تاريخ الطبري 3 | 420 .
(5) رواه سبط ابن الجوزي في التذكرة : 16 عن أحمد في الفضائل .