تركوه مع ابن عيينة لاختلاطه » (1) .
وكان مدلّساً » (2) .
وكان يروى عن عمر بن سعد قاتل الحسين عليه السلام (3) .
وكان يروي عن شمر بن ذي الجوشن الملعون (4) .
وفي سند أحمد مضافاً إلى ذلك :
1 ـ سماع « ذكريّا » من « أبي إسحاق » بعد اختلاطه كما ستعرف .
2 ـ « زكريّا بن أبي زائدة » قال أبو حاتم : « ليّن الحديث ، كان يدلّس » ورماه بالتدليس أيضاً أبو زرعة وأبو داود وابن حجر ... وعن أحمد : « إذا اختلف زكريّا وإسرائيل فإنّ زكريّا أحبّ إليّ في أبي إسحاق ، ثمّ قال : ما أقربهما ، وحديثهما عن أبي إسحاق ليّن سمعا منه بآخره » (5) .
أقول : فالعجب من أحمد يقول هذا وهو مع ذلك يروي الحديث عن زكريّا عن أبي إسحاق في « المسند » كما عرفت وفي « الفضائل » (6) .
نعم ، رواه لا عن هذا الطريق لكنّه عن ابن عبّاس عن العبّاس ، فقال مرةً : « حدّثنا يحيى بن آدم » وأخرى « حدثنا أبو سعيد مولى بني هاشم » عن قيس ابن الربيع ، عن عبدالله بن أبي السفر ، عن أرقم بن شرحبيل ، عن ابن عبّاس ، عن العبّاس بن عبدالمطلب : « إنّ رسول الله صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم قال في مرضه : « مروا أبابكر يصلّي بالناس ، فخرج أبوبكر فكبّر ووجد النبي صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم راحته فخرج يهادي بين رجلين ، فلمّا رآه أبوبكر تأخّر ، فأشار إليه النبي مكانك ، ثمّ جلس رسول الله إلى جنب أبي بكر فاقترأ من المكان الذي
____________
(1) ميزان الاعتدال 3 : 270 .
(2) تهذيب التهذيب 8 : 56 .
(3) الكاشف ، ميزان الاعتدال ، تهذيب التهذيب 7 | 396 .
(4) ميزان الاعتدال 2 : 72 .
(5) تهذيب التهذيب 3 | 285 ، الجرح والتعديل 1 : 2 | 593 .
(6) فضائل الصحابة 1 | 106 .

( 312 )

بلغ أبوبكر من السورة » (1) .
لكنّ مداره على « قيس بن الربيع » الذي أورده البخاري في الضعفاء (2) .
وكذا النسائي (3) وابن حبّان في المجروحين (4) وضعّفه غير واحد ، بل عن أحمد أنّه تركه الناس ، بل عن يحيى بن معين تكذيبه (5) .

* حديث عبدالله بن مسعود :
وأمّا الحديث المذكور عن ابن مسعود فأخرجه النسائي ، ورواه الهيثمي أيضاً وقال : « رواه أحمد وأبو يعلى » .
وفي سنده عند الجميع « عاصم بن أبي النجود » قال الهيثمي : « وفيه ضعف » (6) .
قلت : وذكر الحافظ ابن حجر عن ابن سعد : « كان كثير الخطأ في حديثه » وعن يعقوب بن سفيان : « في حديثه اضطراب » وعن أبي حاتم : « ليس محلّه أن يقال هو ثقة ولم يكن بالحافظ » وقد تكلّم فيه ابن عليّه فقال : « كلّ من اسمه عاصم سيّئ الحفظ » وعن ابن خراش : « في حديثه نكرة » وعن العقيلي : « لم يكن فيه إلاّ سوء الحفظ » والدار قطني : « في حفظه شيء » والبزّار : « لم يكن بالحافظ وحمّاد بن سلمة : « خلط في آخر عمره » وقال العجلي : « كان عثمانياً » (7) .
____________
(1) فضائل الصحابة 1 | 108 ، 109 .
(2) الضعفاء ـ للبخاري ـ : 273 .
(3) الضعفاء ـ للنسائي : 401 .
(4) كتاب المجروحين 2 | 216 .
(5) تهذيب التهذيب 8 | 350 ، ميزان الاعتدال 3 | 393 ، لسان الميزان 4 | 477 .
(6) مجمع الزوائد 5 | 183 .
(7) تهذيب التهذيب 5 | 35 .

( 313 )

* حديث بريدة الأسلمي :
وأمّا حديث بريدة الأسلمي الذي رواه أحمد بسنده عن ابن بريدة عن أبيه ، فمع غضّ النظر عمّا قيل في رواية ابن بريدة ـ سواء كان « عبدالله »أو « سليمان » ـ عن أبيه (1) فيه :
« عبدالملك بن عمير » وقد عرفته .

* حديث سالم بن عبيد :
وأمّا حديث سالم بن عبيد الذي أخرجه ابن ماجة :
1 ـ فقد قال فيه ابن ماجة : « هذا حديث غريب » .
2 ـ وفي سنده نظر ... فإنّ « نعيم بن أبي هند » تركه مالك ولم يسمع منه ؛ لأنّه « كان يتناول عليّاً رضي الله عنه » (2) .
و« سلمة بن نبيط » لم يرو عنه البخاري ومسلم ، قال البخاري : « اختلط بآخره » (3) .
3 ـ ثمّ إنّ « سالم بن عبيد » لم يرو عنه في الصحاح ، وما روى له من أصحاب السنن غير حديثين ، وفي إسناد حديثه اختلاف!
قال ابن حجر : « سالم بن عبيد الأشجعي ، من أهل الصفّة ، ثمّ نزل الكوفة وروى له من أصحاب السنن حديثين بإسناده صحيح في العطاس . وله رواية عن عمر فيما قاله وصنعه عند وفاة النبي صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم وكلام أبي بكر في ذلك . أخرجه يونس بن بكير في زياداته .
____________
(1) تهذيب التهذيب 5 | 138 .
(2) تهذيب التهذيب 10 | 418 .
(3) تهذيب التهذيب 4 | 140 .

( 314 )

روى عنه هلال بن يساف ونبيط بن شريط وخالد بن عرفطة » (1) .
وقال أيضاً : « الأربعة ـ سالم بن عبيد الأشجعي له صحبة ، وكان من أهل الصفّة ، يعدّ في الكوفيّين . روى عن النبي صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم في تشميت العاطس ، وعن عمر بن الخطّاب . روى عنه . خالد بن عرفجة ـ ويقال ابن عرفطة ـ وهلال بن يساف ونبيط بن شريط . وفي إسناد حديثه اختلاف » (2) .
أقول : يظهر من عبارة ابن حجر في كتابيه ، ومن مراجعة الرواية عند الهيثمي (3) أنّ حديث سالم بن عبيد حول صلاة أبي بكر هو الحديث الذي عن عمر « فيما قاله وصنعه عند وفاة النبي صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم ... لكنّ ابن ماجة ذكر بعضه ـ كما نصّ عليه الهيثمي ـ ، وظاهر عبارة ابن حجر في « الإصابة » عدم صحّة إسناده ، ولعلّة المقصود من قوله في « تهذيب التهذيب » : « وفي إسناد حديثه اختلاف » إذا القدر المتيقّن منه ما يرويه نبيط بن شريط عنه ، وهذا الحديث من ذاك!

* حديث أنس بن مالك :
أمّا حديث أنس بن مالك ، فمنه ما عن الزهري عنه ، وقد أخرجه البخاري ومسلم وأحمد .
والزهري من قد عرفته .
مضافاً إلى أنّ الراوي عنه عند البخاري هو شعيب ، وهو : شعيب بن حمزة ، وهو كاتب الزهري وراويته (4) .
ويروي عن شعيب : أبو اليمان ، وهو : الحكم بن نافع .
____________
(1) الإصابة 2 | 5 .
(2) تهذيب التهذيب 3 | 381 .
(3) مجمع الزوائد 5 | 182 .
(4) تهذيب التهذيب 4 | 307 .

( 315 )

وقد تكلّم العلماء في رواية أبي اليمان عن شعيب ، حتّى قيل : لم يسمع منه ولا كلمةً (1) .
والراوي عن « الزهري » عند أحمد : سفيان بن حسين ، وقد اتّفقوا على عدم الاعتماد على رواياته عن الزهري ، فقد ذكر ذلك ابن حجر عن : ابن معين وأحمد والنسائي وابن عديّ وابن حبّان ...
وعن يعقوب بن شيبة : « في حديثه ضعف » وعن عثمان بن أبي شيبة : « كان مضطرباً في الحديث قليلاً » وعن ابن خراش : « كان لينّ الحديث » وعن أبي حاتم : « لا يحتجّ به » وعن ابن سعد : « يخطئ في حديثه كثيراً » (2) .
هذا ، وقد روى الهيثمي هذا الحديث فقال : « رواه أحمد وفيه : سفيان بن حسين وهو ضعيف في الزهري ، وهذا من حديثه عنه » (3) .
ومنه ما عن حميد عن أنس ، وقد أخرجه النسائي وأحمد ، وحميد هو : حميد ابن أبي حميد الطويل ، وقد نصّوا على أنّه كان « مدلّساً » وعلى « أنّ أحاديثه عن أنس مدلّسة » (4) وهذا الحديث من تلك الأحاديث .
مضافاً إلى أنّ الراوي عنه ـ عند أحمد ـ هو سفيان بن حسين ، وقد عرفته .
هذا ، وسواء صحّت الطرق عن أنس أو لم تصحّ فالكلام في أنس نفسه :
فأول ما فيه كذبه ، وذلك في قضيّة حديث الطائر المشويّ ، حيث كان رسول الله صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم قد دعا الله سبحانه أن يأتي بعليّ عليه السلام ، وكان يترقّب حضوره ، فكان كلّما يجيء عليّ عليه السلام ليدخل على النبي صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم قال أنس : « إنّ رسول الله على حاجة » حتى غضب رسول الله وقال له : « يا أنس ، ما حملك على ردّه؟! » (5) .
____________
(1) تهذيب التهذيب 2 | 380 .
(2) تهذيب التهذيب 4 | 96 .
(3) مجمع الزوائد 5 | 181 .
(4) تهذيب التهذيب 3 | 34 .
(5) أخرجه غير واحد من الأئمة في كتبهم ، راجع منها المستدرك 3 | 130 .

( 316 )

ثمّ كتمه الشهادة بالحقّ ، وذلك في قضية مناشدة الإمام أمير المؤمنين عليه السلام الناس عن حديث الغدير وطلبه الشهادة منهم به ، فشهد قوم وأبي آخرون ـ ومنهم أنس ـ فدعى عليهم فأصابتهم دعوته ... (1) .
ومن العلوم أنّ الكاذب لا يقبل خبره ، وكتم الشهادة إثم كبير قادح في العدالة كذلك .

* حديث عائشة :
وأمّا حديث عائشة ... فقد ذكرنا أنّه هو العمدة في هذه المسألة :
لكونها صاحبة القصة .
ولأنّ حديث غيرها إمّا ينتهي إليها ، وأمّا هو حكاية عمّا قالته وفعلته .
ولأنّ روايتها أكثر طرقاً من رواية غيرها ، وأصحّ إسناداً من سائر الأسانيد ، وأتمّ لفظاً وتفصيلاً للقصّة ...
وقد أوردنا الأهمّ من تلك الطرق ، والأتمّ من تلك الألفاظ ... فأمّا البحث حول ألفاظ ومتون الحديث ـ عنها ـ فسيأتي في الفصل اللاحق مع النظر في ألفاظ حديث غيرها .
وأمّا البحث حول سند حديثها ، فيكون تارةً بالكلام على رجال الأسانيد ، وأخرى بالكلام على عائشة نفسها .
أمّا رجال الأسانيد ... فإنّ طرق الأحاديث المذكورة عنها تنتهي إلى :
1 ـ الأسود بن يزيد النخعي .
2 ـ عروة بن الزبير بن العوّام .
3 ـ عبيدالله بن عبدالله بن عتبة بن مسعود .
4 ـ مسروق بن الأجدع .
____________
(1) لاحظ : الغدير 1 | 192 .
( 317 )

ولا شيء من هذه الطرق بخالٍ عن الطعن والقدح المسقط عن الاعتبار والاحتجاج :

أمّا الحديث عن الأسود عن عائشة :
فإنّ « الأسود » من المنحرفين عن أمير المؤمنين الإمام عليّ عليه السلام (1) .
والراوي عنه في جميع الأسانيد المذكورة هو إبراهيم بن يزيد النخعي ، وهو من أعلام المدلّسين ... قال أبو عبدالله الحاكم ـ في الجنس الرابع من المدلّسين : قوم دلّسوا أحاديث رووها عن المجروحين فغيّروا أساميهم وكناهم كي لا يعرفوا ـ قال : « أخبرني عبدالله بن محمّد بن حمويه الدقيقي ، قال : حدّثنا جعفر بن أبي عثمان الطيالسي ، قال : حدّثني خلف بن سالم ، قال : سمعت عدّة من مشايخ أصحابنا تذاكروا كثرة التدليس والمدلّسين ، فأخذنا في تمييز أخبارهم ، فاشتبه علينا تدليس الحسن بن أبي الحسن وإبراهيم بن يزيد النخعي ، لأنّ الحسن كثيراً ما يدخل بينه وبين الصحابة أقواماً مجهولين ، وربّما دلّس عن مثل عتي بن ضمرة وحنيف بن المنتجب ودغفل بن حنظلة وأمثالهم ؛ وإبراهيم أيضاً يدخل بينه وبين أصحاب عبدالله مثل هني بن نويرة وسهم بن منجاب وخزامة الطائي وربّما دلّس عنهم » (2) .
والراوي عن إبراهيم هو : « سليمان بن مهران الأعمش » . و« الأعمش » معروف بالتدليس (3) ، تلك التدليس القبيح القادح في العدالة ، قال السيوطي ـ في بيان تدليس التسوية ـ : قال الخطيب : وكان الأعمش وسفيان الثوري يفعلون مثل هذا . قال العلائي : فهذا النوع أفحش أنواع التدليس مطلقاً وشرّها . قال العراقي ـ وهو قادح فيمن تعمّد فعله . وقال شيخ الإسلام : لا شكّ أنّه جرح ،
____________
(1) شرح النهج لابن أبي الحديد 4 | 97 .
(2) معرفة علوم الحديث : 108 .
(3) تقريب التهذيب 1 : 231 .

( 318 )

وإن وصف بن الثوري والأعمش فلا اعتذار ... (1) .
قال الخطيب : « التدليس للحديث مكروه عند أهل العلم ، وقد عظّم بعضهم الشأن في ذمّه ، وتبجّج بعضهم بالبراءة منه » (2) .
ثمّ روى عن شعبة بن الحجّاج قوله : « التدليس أخو الكذب » .
وعنه : « التدليس في الحديث أشدّ من الزنا » .
وعنه : « لإن أسقط من السماء أحبّ إليّ من أن أدلّس » .
وعن أبي أسامة : « خرّب الله بيوت المدلّسين ، ما هم عندي إلاّ كذّابون » .
وعن ابن المبارك : لأن نخرّ من السماء أحبّ إليّ من أن ندلّس حديثاً » .
وعن وكيع : « نحن لا نستحلّ التدليس في الثياب فكيف في الحديث! » .
فإذن : يسقط هذا الحديث ، بهذا السند ، الذي اتّفقوا في الرواية به ، فلا حاجة إلى النظر في حال من قبل الأعمش من الرواة .
لكن مع ذلك نلاحظ أنّ الراوي عن الأعمش عند البخاري وأحمد ـ في إحدى طرقهما ـ وعند مسلم والنسائي هو « أبو معاوية » وهذا الرجل أيضاً من المدلّسين :
قال السيوطي : « قائدة : أردت أن أسرد أسماء من رمي ببدعةٍ ممّن أخرج لهم البخاري ومسلم أو أحدهما :
وهم : إبراهيم بن طهمان ، أيّوب بن عائذ الطائي ، ذرّ بن عبدالله المرهبي ، شبابة بن سوار ، عبدالحميد بن عبدالرحمن ... محمّد بن حازم أبو معاوية الضرير ورقاء بن عمر اليشكري ... هؤلاء رموا بالأرجاء ، وهو تأخير القول في الحكم على مرتكب الكبائر بالنار ... » (3) .
____________
(1) تدريب الراوي 1 : 226 .
(2) الكفاية في علم الرواية 1 | 188 .
(3) تدريب الراوي 1 | 278 ، وفي طبعة 1 | 328 .

( 319 )

وذكر ابن حجر عن غير واحد أنّه كان مرجئاً حبيثاً ، وأنّه كان يدعو إليه (1) .
والراوي عن « الأعمش » عند ابن ماجة وأحمد في طريقه الأخرى هو : وكيع ابن الجّراح ، وفيه : أنّه كان يشرب المسكر وكان ملازماً له (2) .
ثمّ إنّ الراوي عن أبي معاوية في إحدى طرق البخاري هو : حفص بن عياث ، وهو أيضاً من المدلّسين (3) .
مضافاً إلى أنّه كان قاضي الكوفة من قبل هارون ، وقد ذكروا عن أحمد أنّه : « كان وكيع صديقاً لحفص بن غياث فلمّا ولّي القضاء هجره » (4) .

وأمّا الحديث عن عروة بن الزبير :
فإنّ عروة بن الزبير ولد في خلافة عمر ، فالحديث مرسل ، ولابدّ أنّه يرويه عن عائشة .
وكان عروة من المشهورين بالبغض والعداء لأمير المؤمنين عليه السلام ـ كما عرفت من خبره مع الزهري ، والخبر عن ابنه ـ وحتّى حضر يوم الجمل على صغر سنّه (5) ، وقد كان هو والزهري يضعان الحديث في تنقيص الإمام والزهراء الطاهرة عليهما السلام ، فقد روى الهيثمي عنه حديثاً ـ وصحّحه ـ في فضل زينب بنت رسول الله جاء فيه أنّه كان يقول : « هي خير بناتي » قال : « فبلغ ذلك عليّ بن حسين ، فانطلق إليه فقال : ما حديث بلغني عنك أنّك تحدّثه تنقص حقّ فاطمة؟! فقال : لا أحدّث به أبداً » (6) .
____________
(1) تهذيب التهذيب 9 | 121 .
(2) تذكرة الحفّاظ 1 | 308 ، ميزان الاعتدال 1 : 336 .
(3) تهذيب التهذيب 2 | 358 .
(4) تهذيب التهذيب 11 | 111 .
(5) تهذيب التهذيب 7 | 166 .
(6) مجمع الزوائد 9 | 213 .

( 320 )

والراوي عنه ولده « هشام » في رواية البخاري ومسلم والترمذي وابن ماجة ... وهو أيضاً من المدلّسين ، فقد قالوا : « كان ينسب إلى أبيه ما كان يسمعه من غيره ، وقد ذكروا أنّ مالكاً كان لا يرضاه ، قال ابن خراش : بلغني أنّ مالكاً نقم عليه حديثه لأهل العراق ، قدم الكوفة ثلاث مرّات ، قدمةً كان يقول : حدّثني أبي ، قال : سمعت عائشة . وقدم الثانية فكان يقول : أخبرني أبي ، عن عائشة . وقدم الثالثة فكان يقول : أبي ، عن عائشة » (1) وهذا الحديث من تلك الأحاديث .

وأمّا الحديث عن عبيدالله بن عبدالله عن عائشة :
فإنّ الرّاوي عن « عبيدالله » عند البخاري ومسلم والنسائي هو « موسى بن أبي عائشة » وقد قال ابن أبي حاتم سمعت أبي (2) يقول : « تريبني رواية موسى بن أبي عائشة حديث عبيدالله بن عبدالله في مرض النبي صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم » (3) .
وعند أبي داود وأحمد هو : الزهري ـ لكن عند الأول يرويه عن عبيدالله ، عن عبدالله بن زمعة ـ والزهري من قد عرفته سابقاً .
هذا مضافاً إلى ما في عبيدالله بن عبدالله نفسه ... فقد روى ابن سعد ، عن مالك بن أنس ، قال : « جاء عليّ بن حسين بن عليّ بن أبي طالب إلى عبيدالله ابن عبدالله بن عتبة بن مسعود يسأله عن بعض الشيء !! وأصحابه عنده وهو يصلّي ، فجلس حتّى فرغ من صلاته ثمّ أقبل عليه عبيدالله .
فقال أصحابه : أمتع الله بك ، جاءك هذا الرجل وهو ابن ابنة رسول الله
____________
(1) تهذيب التهذيب 11 | 44 .
(2) هو : محمّد بن إدريس الرازي ، أحد كبار الأئمّة الحفّاظ المعتمدين في الجرح والتعديل . توفّي سنة 207 هـ تقريباً . توجد ترجمته في : تذكره الحفّاظ 2 | 567 ، تاريخ بغداد 3 | 73 وغيرهما من المصادر الرجالية .
(3) تهذيب التهذيب 10 | 314 .

( 321 )

صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم وفي موضعه ، يسألك عن بعض الشيء!! فلو أقبلت عليه فقضيت حاجته ثمّ أقبلت على ما أنت فيه !
فقال عبيدالله لهم : أيهات! لابدّ لمن طلب هذا الشأن من أن يتعنّى!! » (1) .

وأمّا الحديث عن مسروق بن الأجدع عن عائشة :
ففيه :
1 ـ « أبو وائل » وهو « شقيق بن سلمة » يرويه عن « مسروق » وقد قال عاصم ابن بهدلة : « قيل لأبي وائل : أيّهما أحبّ إليك : عليّ أو عثمان ؟ قال : كان عليّ أحبّ إليّ ثم صار عثمان!! » (2) .
2 ـ « نعيم بن أبي هند » يرويه عن « أبي وائل » عند النسائي وأحمد بن حنبل . و« نعيم » قد عرفته سابقاً .
ثمّ إنّ في أحدى طريقي أحمد عن « نعيم » المذكور : « شبابة بن سوار » وقد ذكروا بترجمة أنّه كان يرى الإرجاء ويدعو إليه ، فتركه أحمد وكان يحمل عليه ، وقال : أبو حاتم : لا يحتجّ بحديثه (3) وقد أورده السيوطي في الفائدة المذكورة ، وحكى ابن حجر في ترجمته ما يدلّ على بغضه لأهل بيت النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم (4) .
هذا ، ويبقى الكلام في عائشة نفسها ...
فقد وجدناها تريد كلّ شأن وفضيلةٍ لنفسها وأبيها ومن تحبّ من قرابتها وذويها ... فكانت إذا رأت النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم يلاقي المحبّة من إحدى زوجاته ويمكث عندها تارث عليها ... كما فعلت مع زينب بنت
____________
(1) طبقات ابن سعد 5 | 215 .
(2) تهذيب التهذيب 4 | 317 .
(3) تهذيب التهذيب 4 | 264 ، تاريخ بغداد 9 | 295 .
(4) تهذيب التهذيب 4 | 265 .

( 322 )

جحش ، إذ تواطأت مع حفصة أن أيتهما دخل عليها النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم فلتقل : « إنّي لأجد منك ريح مغافير حتّى يمتنع عن أن يمكث عند زينب ويشرب عندها عسلاً » (1) .
وإذا رأته يذكر خديجة عليها السلام بخير ويثني عليها قالت : « ما أكثر ما تذكر حمراء الشدق ؟! قد أبدلك الله عزّ وجلّ بها خيراً منها » (2) .
وإذا رأته مقدماً على الزواج من إمرأةٍ حالت دون ذلك بالكذب والخيانة ، فقد حدّثت أنّه صلّى الله عليه وآله وسلّم أرسلها لتطلّع على امرأةٍ من كلب قد خطبها فقال لعائشة : « كيف رأيت؟ قالت : ما رأيت طائلاً ! فقال : لقد رأيت خالاً بخدّها اقشعرّ كلّ شعرةٍ من على حدة فقالت : ما دونك من سرّ » (3) .
ولقد ارتكبت ذلك حتّى بتوهّم زواجه صلّى الله عليه وآله وسلّم ... فقد ذكرت : أنّ عثمان جاء النبي في نحر الظهيرة . قالت : « فظننت أنّه جاءه في أمر النساء ، فحملتني الغيرة على أن أصغيت إليه » (4) .
أمّا بالنسبة إلى من تكرهه ... فكانت حرباً شعواء ... من تلك مواقفها من الإمام أمير المؤمنين عليه السلام ... فقد « جاء رجل فوقع في عليّ وفي عمّار رضي الله تعالى عنهما عند عائشة . فقالت : أمّا عليّ فلست قائلةً لك فيه شيئاً . وأمّا عمّار فإنّي سمعت رسول الله صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم يقول : لا يخيّر بين أمرين إلاّ اختار أرشدهما » (5) .
بل كانت تضع الحديث تأييداً ودعماً لجانب المناوئين له عليه السلام ... فقد قال النعمان بن بشير : « كتب معي معاوية إلى عائشة قال : فقدمت على عائشة
____________
(1) هذه من القضايا المشهورة فراجع كتب الحديث والتفسير بتفسير سورة التحريم .
(2) مسند أحمد 6 | 117 .
(3) طبقات ابن سعد 8 | 115 ، كنز العمّال 6 | 264 .
(4) مسند أحمد 6 | 114 .
(5) مسند أحمد 6 | 113 .

( 323 )

فدفعت إليها كتاب معاوية . فقالت : يا بني ألا أحدّثك بشيء سمعته من رسول الله صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم ؟
قلت : بلى .
قالت : فإنّي كنت وحفصة يوماً من ذاك عند رسول الله .
فقال : لو كان عندنا رجل يحدّثنا .
فقلت : يا رسول الله ، ألا أبعث لك إلى أبي بكر؟ فسكت .
ثمّ قال : لو كان عندنا رجل يحدّث .
فقالت : حفصة : ألا أرسل لك إلى عمر؟ فسكت .
ثمّ قال : لا . ثم دعا رجلاً فسارّه بشيء ، فما كان إلاّ أقبل عثمان ، فأقبل بوجهه وحديثه فسمعته يقول له : يا عثمان ، إنّ الله عزّ وجلّ لعلّه أن يقمصك قميصاً ، فإن أرادوك على خلعه فلا تخلعه ، ثلاث مرار .
فقلت : يأ أمّ المؤمنين ، فأين كنت عن هذا الحديث؟!
فقالت : يا بني ، والله لقد أنسيته حتّى ما ظننت أنّي سمعته » (1) .
قال النعمان بن بشير : « فأخبرته معاوية بن أبي سفيان . فلم يرض بالذي أخرته ، حتّى كتب إلى أمّ المؤمنين أن اكتبي إليّ به . فكتبت إليه به كتاباً » (2) .
فانظر كيف أيّدت ـ في تلك الأيّام ـ معاوية على مطالبته الكاذبة بدم عثمان ! وكيف اعتذرت عن تحريضها الناس على قتل عثمان ؟ولا تغفل عن كتمها اسم الرجل الذي دعاه النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ بعد أن أبي عن الإرسال خلف أبي بكر وعمر ـ وهو ليس إلاّ أمير المؤمنين عليه السلام ... ولكنّها لا تطيب نفساً بعليّ كما قال ابن عبّاس ، وسيأتي .
فإذا كان هذه حالها وحال رواياتها في الأيّام العادية ... فإنّ من الطبيعي أن تصل هذه الحالة فيها إلى أعلى درجاتها في الأيام والساعات الأخيرة من حياة
____________
(1) مسند أحمد 6 | 149 .
(2) مسند أحمد 6 | 87 .

( 324 )

رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم وأن تكون أخبارها عن أحواله في تلك الظروف أكثر حسّاسية ... فتراها تقول :
« لمّا ثقل رسول الله صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم قال رسول الله لعبد الرحمن ابن أبي بكر : إيتني بكتف ولوحٍ حتّى أكتب لأبي بكر كتاباً لا يختلف عليه . فلمّا ذهب عبدالرحمن ليقوم قال : أبى الله والمؤمنون أن يختلف عليك يا أبابكر » (1) .
وتقول :
« لمّا ثقل رسول الله صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم جاء بلال يؤذنه بالصلاة . فقال : مروا أبابكر فليصلّ بالناس » .
وتقول :
« قبض رسول الله صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم ورأسه بين سحري ونحري » (2) .
تقول هذا وأمثاله ...
لكن عندما يأمر صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم بأن يدعى له عليّ لا يمتثل أمره ، بل يقترح عليه أن يدعى أبوبكر وعمر! يقول ابن عبّاس :
« لمّا مرض رسول الله صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم مرضه الذي مات فيه كان في بيت عائشة ، فقال : ادعوالي عليّاً . قالت عائشة : ندعو لك أبابكر ؟ قال : ادعوا قالت حفصة : يا رسول الله ، ندعو الك عمر ؟ قال ادعوه . قالت أمّ الفضلّ : يا رسول الله ، ندعو لك العبّاس ؟ قال : ادعوه . فلمّا اجتمعوا رفع رأسه فلم ير عليّاً فسكت . فقال عمر : قوموا عن رسول الله ... » (3) .
وعندما يخرج إلى الصلاة ـ وهو يتهادى بين رجلين ـ تقول عائشة : « خرج
____________
(1) مسند أحمد 6 | 47 .
(2) مسند أحمد 6 | 121 .
(3) مسند أحمد 1 | 356 .

( 325 )

يتهادى بين رجلين أحدهما العبّاس » فلا تذكر الآخر . فيقول ابن عبّاس :
« هو عليّ ولكن عائشة لا تقدر على أن تذكره بخير » (1) .
فإذا عرفناها تبغض عليّاً إلى حدٍ لا تقدر أن تذكره بخير ، ولا تطيب نفسها به ... وتحاول إبعاده عن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ... وتدّعي لأبيها ولنفسها ما لا أصل له ... بل لقد حدّثت أمّ سلمة بالأمر الواقع فقالت :
« والذي أحلف به ، إن كان عليّ لأقرب الناس عهداً برسول الله صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم . قالت : عدنا رسول الله غداة بعد غداة فكان يقول : جاء علي؟!! ـ مراراً ـ قالت : أظنّه كان بعثه في حاجة قالت : فجاء بعد ، فظننت أنّ له إليه حاجة ، فخرجنا من البيت ، فقعدنا عند الباب ، فكنت أدناهم إلى الباب ، فأكبّ عليه عليّ فجعل يسارّه ويناجيه ، ثمّ قبض رسول الله ... (2) .
إذا عرفنا هذا كلّه ـ وهو قليل من كثير ـ استيقنّا أنّ خبرها في أنّ صلاة أبيها كان بأمر من النبي صلّى الله عليه وآله ، وأنّه صلّى الله عليه وآله وسلّم خرج فصلّى خلفه ـ كما في بعض الأخبار عنها ـ ... من هذا القبيل ... وممّا يؤكّد ذلك اختلاف النقل عنها في القضية وهي واحدة ... كما سنرى عن قريب ...

* * *

____________
(1) عمدة القاري 5 | 191 .
(2) مسند أحمد 6 | 300 ، المستدرك على الصحيحين 3 | 138 ، ابن عساكر 3 | 16 ، الخصائص : 130 وغيرها .

( 326 )


(3)
تأمّلات في متن الحديث ومدلوله

قد عرفت أنّ الحديث بجميع طرقه وأسانيده المذكورة ساقط عن الإعتبار ...
فإن قلت : إنّه ممّا اتّفق عليه أرباب الصحاح والمسانيد والمعاجم وغيرهم ، ورووه عن جمع من الصحابة ، فكيف تقول بسقوطه بجميع طرقه ؟
قلت : أولاً : لقد رأيت في « النظر في الأسانيد والطرق » أنّ رجال أسانيده مجروحون بأنواع الجرح ولم نكن نعتمد في « النظر » إلاّ على أشهر كتب القوم في الجرح والتعديل ، وعلى كلمات أكابر علمائهم في هذا الباب .
وثانياً : إنّ الذي عليه المحقّقون من علماء الحديث والرجال والكلام أنّ الكتب الستّة فيها الصحيح والضعيف والموضوع ، وإنّ الصحابة فيهم العدل والمنافق والفاسق ... وهذا ما حقّقناه في بعض بحوثنا (1) .
نعم ، المشهور عندهم القول بأصالة العدالة في الصحابة ، والقول بصحّة ما أخرج في كتابي البخاري ومسلم ...
أمّا بالنسبة إلى حديث « صلاة أبي بكر » فلم أجد أحداً يطعن فيه ، لكن لا لكونه في الصحاح ، بل الأصل في قبوله وتصحيحه كونه من أدلّة خلافة أبي بكر عندهم ، ولذا تراهم يستدلّون به في الكتب الكلامية وغيرها :

من كلمات المستدلّين بالحديث على الإمامة :
قال القاضي عضد الدين الايجي ـ في الأدلّة الدالّة على إمامة أبي بكر ـ :
____________
(1) راجع الفصل الأخير من كتابنا « التحقيق في نفي التحريف عن القرآن الشريف »
( 327 )

« الثامن : إنّه صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم استخلف أبابكر في الصّلاة ومان عزله فيبقى إماماً فيها : فكذا في غيرها ، إذا لا قائل بالفصل ، ولذلك قال عليّ رضي الله عنه : قدّمك رسول الله صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم في أمر ديننا ، أفلا نقدّمك في أمر دنيانا ؟! (1) .
وقال الفخر الرازي ـ في حجج خلافة أبي بكر ـ :
« الحجّة التاسعة : إنّه عليه السلام استخلفه على الصلاة أيّام مرض موته وما عزله عن ذلك ، فوجب أن يبقى بعد موته خليفةً له في الصلاة ، وإذا ثبت خلافته في الصلاة ثبت خلافته في سائر الأمور ، ضرورة أنّه قائل بالفراق » (2) .
وقال الأصفهاني :
« الثالث : النبي استخلف أبابكر في الصلاة أيّام مرضه ، فثبت استخلافه في الصلاة بالنقل الصحيح ، وما عزل النبي أبابكر عن خلافته في الصلاة ، فبقي كون أبي بكر خليفةً في الصلاة بعد وفاته ، وإذا ثبت خلافة أبي بكر بعد وفاته في الصلاة ثبت خلافة أبي بكر بعد وفاته في غير الصلاة لعدم القائل بالفصل » (3) .
وقال النيسابوري صاحب التفسير ، بتفسير آية الغار :
« استدلّ اهل السنّة بالآية على أفضليّة أبي بكر وغاية اتّحاده ونهاية صحبته وموافقة باطنة وظاهره ، وإلاّ لم يعتمد عليه الرسول في مثل تلك الحاجة . وإنّه كان ثاني رسول الله في الغار ، وفي العلم لقوله صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم ما صبّ في صدري شيء إلاّ وصببته في صدر أبي بكر (4) . وفي الدعوة إلى الله ، إنّه عرض
____________
(1) هذا كلام موضوع على أمير المؤمنين عليه السلام قطعاً ، والذي جاء به ... مرسلاً كما في الاستيعاب 3 | 971 هو الحسن البصري المعروف بالإرسال والتدليس والانحراف عن أمير المؤمنين عليه السلام!!
(2) الاربعين : 284 .
(3) شرح طوالع الأنوار ، في علم الكلام : مخطوط .
(4) هذا من أحاديث سلسلتنا في ( الأحاديث الموضوعة ) .

( 328 )

الإيمان أولاّ على أبي بكر فآمن ، ثمّ عرض أبوبكر الإيمان على طلحة والزبير وعثمان ابن عفّان وجماعة أخرى من أجلّة الصحابة ، وكان لا يفارق رسول الله صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم في الغزوات وفي أداء الجماعات وفي المجليس والمحافل .
وقد أقامه في مرضه مقامه في الإمامة ...» (1) .
وقال الكرماني بشرح الحديث :
« فيه فضيلة لأبي بكر ، وترجيحه على جميع الصحابة ، وتنبيه على أنّه أحقّ بخلافة رسول الله صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم من غيره » (2) .
وقال العيني :
« ذكر ما يستفاد منه ، وهو على وجوه : الأول : فيه دلالة على فضل أبي بكر . الثاني : فيه أنّ أبابكر صلّى بالناس في حياة النبي ، وكانت في هذه الإمامة التي هي الصغرى دلالة على الإمامة الكبرى . الثالث : فيه أنّ الأحقّ بالإمامة هو الأعلم » (3) .
وقال النووي :
« فيه فوائد : منها : فضيلة أبي بكر وترجيحه على جميع الصحابة وتفضيله وتنبيه على أنّه أحقّ بخلافة رسول الله صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم من غيره ، وأنّ الإمام إذا عرض له عذر عن حضور الجماعة استخلف من يصلّي بهم ، وإنّه لا يستخلف إلاّ أفضلهم . ومنها : فضيلة (4) عمر بعد أبي بكر لأنّ أبابكر لم يعدل إلى غيره » (5) .
____________
(1) تفسير النيسابوري ، سورة التوبة .
(2) الكواكب الدراري ـ شرح البخاري 5 | 52 .
(3) عمدة القاري ـ شرح البخاري 5 | 187 ـ 188 .
(4) وذلك لأنّ أبابكر قال لعمر : صلّ الناس ... وكأنّ أقوال أبي بكر وأفعاله حجّه؟! على أنّهم وقعوا في إشكال في هذه الناحية ، كما ستعرف!
(5) المنهاج ، شرح صحيح مسلم ، هامش الرشاد الساري 3 | 56 .

( 329 )

وقال المناوي بشرحه :
« تنبيه : قال أصحابنا في الأصول : يجوز أن يجمع عن قياس ، كإمامة أبي بكر هنا ، فإنّ الصحب أجمعوا على الخلافته ـ وهي الإمامة العظمى ـ ومستندهم القياس على الإمامة الصغرى ، وهي الصلاة بالناس بتعيين المصطفى » (1) .
وفي « فواتح الرحموت ـ شرح مسلّم الثبوت » في مبحث الإجماع :
« مسألة : جاز كون المستند قياساً . خلافاً للظاهرية وابن جرير الطبري ، فيعضهم منع الجواز عقلاً ، وبعضهم منع الوقوع وإن جاز عقلاً . والآحاد أي أخبار الآحاد قيل كالقياس اختلافاً . لنا : لا مانع ... وقد وقع قياس الإمامة الكبرى وهي الخلافة العامة على إمامة الصلاة ... والحقّ أن أمره إيّاه بإمامة الصلاة كان إشارة إلى تقدّمه في الإمامة الكبرى على ما يقتضيه ما في صحيح مسلم ... » (2) .
لكنّك قد عرفت أنّ الحديث ليس له سند معتبر في الصحاح فضلاً عن غيرها ، ومجرّد كونه فيها ـ وحتّى في كتابي البخاري ومسلم ـ لا يغني عن النظر في سنده ... وعلى هذا فلا أصل لجميع ما ذكروا ، ولا أساس لجميع ما بنوا ... في العقائد وفي الفقه وفي علم الأصول ...

لا دلالة للاستخلاف في إمامة الصلاة على الخلافة :
وعلى فرض صحّة حديث أمر النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم أبابكر بالصلاة مقامه ... فإنّه لا دلالة لذلك على الإمامة الكبرى والخلافة العظمى ... لأنّ النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم كان إذا خرج عن المدينة ترك فيها من يصلّى بالناس ... بل إنّه استخلف ـ فيما يروون ـ ابن أمّ مكتوم للإمامة وهو
____________
(1) فيض القدير ـ شرح الجامع الصغير 5 \ 521 .
(2) فواتح الرحموت ـ شرح مسلّم الثبوت ، في علم الاصول 2 | 239 هامش المستصفى للغزّالي .

( 330 )

أعمى ، وقد عقد أبو داود في ( سننه ) باباً بهذا العنوان فروى فيه هذا الخبر ... وهذه عبارته : « باب إمامة الأعمى حدّثنا محمّد بن عبدالرحمن العنبري أبو عبدالله ، ثنا ابن مهدي ، ثنا عمران القطّان ، عن قتادة ، عن أنس : أنّ النبي صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم استخلف ابن أمّ مكتوم يؤمّ الناس وهو أعمى » (1) ... فهل يقول أحد بإمامة ... ابن أمّ مكتوم لأنّه استخلفه في الصلاة؟!
ولقد اعترف بما ذكرنا ابن تيميّة ـ الملقب بـ « شيخ الإسلام » ـ حيث قال : « الاستخلاف في الحياة نوع نيابة لابدّ لكلّ وليّ أمر ، وليس كلّ من يصلح للاستخلاف في الحياة على بعض الأمّة يصلح أن يستخلف بعد الموت ، فإنّ النبي استخلف غير واحد ، ومنهم من لا يصلح للخلافة بعد موته ، كما استعمل ابن أمّ مكتوم الأعمى في حياته وهو لا يصلح للخلافة بعد موته ، وكذلك بشير بن عبدالمنذر وغيره » (2) .
بل لقد رووا أنّه صلّى الله عليه وآله وسلّم خلف عبدالرحمن بن عوف وهو ـ لو صحّ ـ لم يدلّ على استحقاقه الخلافة من بعده ، ولذا لم يدّعها أحد له ... لكنّه حديث باطل لمخالفته للضرورة القاضية بأنّ النبي لا يصلّي خلف أحد من أمّته ... فلا حاجة إلى النظر في سنده .
وعلى الجملة ، فإنّه لا دلالة لحديث أمر أبي بكر بالصلاة ، ولا لحديث صلاته صلّى الله عليه وآله وسلّم خلفه حتّى لو تمّ الحديثان سنداً ...
وأمّا سائر الدلالات الاعتقادية والفقهية والاصولية ... التي يذكرونها مستفيدين إياّها من حديث الأمر بالصلاة في الشروح والتعاليق ... فكلّها متوقفة على ثبوت أصل القضية وتماميّة الأسانيد الحاكية لها ... وقد عرفت أن لا شيء من تلك الأسانيد بصحيح ، فأمره صلّى الله عليه وآله وسلّم في مرضه أبابكر بالصلاة في موضعة غير ثابت ...
____________
(1) سنن أبي داود 1 | 98 .
(2) منهاج السنة 4 | 91