( يا أيّها الّذين آمنوا لا تقدّموا بين يدي الله ورسوله ) (1) وقد تبع في ذلك إمامه مالك بن أنس كما في فتح الباري (2) لكن من الغريب جدّاً قول ابن العربي المالكي : « قوله تعالى ( لا تقدّموا بين يدي الله ورسوله ) أصلّ في ترك التعرّض لأقوال النبي ، وإيجاب أتّباعه والاقتداء به ، ولذلك قال النبي في مرضه : مروا أبابكر فليصلّ بالناس . فقالت عائشة لحفصة : قولي له : إنّ أبابكر رجل أسيف ، وإنّه متى يقم مقامك لا يسمع الناس من البكاء ، فمر عليّاً (3) فليصلّ بالناس ، فقال النبي : إنّكنّ لأنتنّ صواحب يوسف ، مروا أبابكر فليصلّ بالناس .
يعني بقوله : صواحب يوسف الفتنة بالردّ عن الجائز إلى غير الجائز» (4) .
أقول : إنّ الرجل يعلم جيّداً بأنّ النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم لم يتمثّل بقوله : « إنّكنّ صواحب يوسف » إلاّ لوجود فتنةٍ من المرأتين ، فحرّف الحديث من « فمر عمر » إلى « فمر عليّاً » ليتمّ تشبيه النبي المرأتين بصويحبات يوسف ، لأنّ المرأتين أرادتا الردّ عن الجائز « وهو صلاة أبي بكر ! » إلى غير الجائز « وهو صلاة عليّ! » .
إذن ، جميع أحاديث المسألة باطلة .
____________
(1) سورة الحجرات 49 : 1 .
(2) فتح الباري 3 | 139 .
(3) فكان الحديث بثلاثة ألفاظ 1 ـ « فمر غيره » 2 ـ « فمر عمر » 3 ـ « فمر علّياً » وهذا من جملة التعارضات الكثيرة الموجودة بين ألفاظ هذه القضيّة الواحدة !! لكنّا نغضّ النظر عن التعرّض له خوفاً من الإطالة ... إلاّ أنّه لا مناص من ذكر الأمر الأغرب من هذا الرجل! وهو التناقض والتعارض الموجود بين هذا الذي نقلناه عن كتابه ( أحكام القرآن ) وبين الموجود في كتابه الآخر ( العواصم من القواصم : 192) حيث يقول في سياق ردّه وطعنه على الإماميّة!! : « ولا تستغربوا هذا من قولهم ، فهم يقولون إن النبي كان مدارياً لهم معيناً لهم على نفاقٍ وتقية وأين أنت من قول النبي صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم حين سمع قول عائشة : مروا عمر فليصل بالناس ـ : انكن لأنتنّ صواحب يوسف ، مروا أبابكر فليصلّ بالناس » .
(4) أحكام القرآن 4 | 145 .

( 352 )

أمّا التي دلّت على الصلاة النبي خلف أبي بكر فواضح جدّاً .
وأمّا الّتي دلّت على أنّه كان النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم هو الإمام فلاشتمالها على استمرار أبي بكر في الصلاة ، وقد صحّ عنه أنّه في صلاته بالمسلمين عندما ذهب رسول الله إلى بني عمرو بن عوف ليصلح بينهم ... لمّا حضر رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم وهو في الصلاة « استأخر » ثمّ قال : « ما كان لابن أبي قحافة أن يصلّي بين يدي رسول الله » ...
وهذا نصّ الحديث عن سهل بن سعد الساعدي :
« إنّ رسول الله صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم ذهب إلى بني عمرو بن عوف ليصلح بينهم فحانت الصلاة ، فجاء المؤذّن إلى أبي بكر فقال : أتصلّي للناس فأقيم ؟ قال : نعم . فصلّى أبوبكر . فجاء رسول الله والناس في الصلاة ، فتخلّص حتّى وقف في الصفّ ، فصفّق الناس ، وكان أبوبكر لا يلتفت في صلاته .
فلمّا أكثر الناس التصفيق التفت فرأى رسول الله صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم ، فأشار إليه رسول الله أن امكث مكانك . فرفع أبوبكر يديه فحمد الله على ما أمره به رسول الله من ذلك ، ثمّ استأخر أبوبكر حتى استوى في الصفّ ؛ وتقدّم رسول الله صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم فصلّى .
فلمّا انصرف قال : يا أبابكر ما منعك أن تثبت إذ أمرتك ؟ فقال أبوبكر : ما كان لابن أبي قحافة أن يصلّي بين يدي رسول الله ... » .
وقد التفت ابن حجر إلى هذا التعارض فقال بشرح الحديث :
« فصلّى أبوبكر . أي : دخل في الصلاة ، ولفظ عبدالعزيز المذكور : وتقدّم أبوبكر فكبّر . وفي رواية المسعودي عن أبي حازم : فاستفتح أبو بكر الصّلاة وهي عند الطبراني .
وبهذا يجاب عن الفرق بين المقامين ،حيث امتنع أبوبكر هنا أن يستمر إماماً وحيث استمرّ في مرض موته صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم حين صلّى خلفه الركعة الثانية من الصبح كما صرّح به موسى بن عقبة في المغازي . فكأنّه لمّا أن مضى


( 353 )

معظم الصلاة حسن الاستمرار ، ولمّا أن لم يمض منها إلاّ اليسير لم يستمرّ» (1) .
وهذا عجيب من ابن حجر!!
فقد جاء في الأحاديث المتقدّمة : « فصلّى » كما في هذا الحديث الذي فسّره بـ « أي : دخل في الصلاة » : فانظر منها الحديث الأوّل والحديث السابع من الأحاديث المنقولة عن صحيح البخاري .
بل جاء في بعضها : « فلمّا دخل في الصلاة وجد رسول الله في نفسه خفّة » فانظر الحديث الثامن من أحاديث البخاري .
لكنّ بعض الكذّابين روى في هذا الحديث أيضاً : « فصلّى رسول الله خلف أبي بكر » قال الهيثمي : « رواه الطبراني وفي إسناده عبدالله بن جعفر بن نجيح وهو ؛ ضعيف جدّاً » (2) .
فظهر أن لا فرق ... ولا يجوز لأبي بكر ولا لغيره من أفراد الأمّة التقدّم على رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم لا في الصلاة ولا في غيرها ...

11 ـ خطبته صلّى الله عليه وسلّم بعد الصلاة :
ثمّ إنّه صلّى الله عليه وآله وسلّم قام معتمداً علىعلي والفضل حتى جلس على المنبر وعليه عصابة فحمدالله وأثنى عليه وأوصاهم بالكتاب وعترته أهل بيته ونهاهم عن التفافس والتباغض وودّعهم (3) .
____________
(1) فتح الباري 2 | 133 .
(2) مجمع الزوائد 5 | 181 .
(3) جواهر العقدين : 168 . مخطوط .

( 354 )

12 ـ رأي أمير المؤمنين عليه السلام في القضيّة :
وبعد أن لاحظنا متون الأخبار ومداليلها ، ووجدنا التعارض والتكاذب فيما بينها ، بحيث لا طريق صحيح للجمع بينها بعد كون القضيّة واحدة ... واستخلصنا أنّ صلاة أبي بكر في مرض النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم لم تكن بأمر منه قطعاً ... فلنرجع إلى مولانا أمير المؤمنين عليه السلام لنرى رأيه في أصل القضية فيكون شاهداً على ما استنتجناه ، ولنرى أيضاً أنّ صلاة أبي بكر بأمر من كانت؟؟
لقد حكى ابن أبي الحديد المعتزلي عن شيخه أبي يعقوب بن إسماعيل اللمعاني حول ما كان بين أمير المؤمنين وعائشة ، جاء فيه :
« فلمّا ثقل رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم في مرضه ، أنفذ جيش أسامة وجعل فيه أبابكر وغيره من أعلام المهاجرين والأنصار ، فكان عليّ عليه السلام حينئذٍ بوصوله إلى الأمر ـ إن حدث برسول الله حدث ـ أوثق ، وتغلّب على ظنّه أنّ المدينة ـ لو مات ـ لخلت من منازع ينازعه الأمر بالكليّة ، فيأخذه صفواً عفواً ، وتتمّ له البيعة فلا يتهيّأ فسخها لو رام ضدّ منازعته عليها . فكان من عود أبي بكر من جيش أسامة بإرسالها إليه وإعلامه بأنّ رسول الله يموت ما كان ، ومن حديث الصلاة بالناس ما عرف .
فنسب عليّ عليه السلام إلى عائشة أنّها بلالاً ـ مولى أبيها ـ أن يأمره فليصلّ بالناس ، لأنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم كما روي قال : « ليصلّ بهم أحدهم » ولم يعيّن ، وكانت صلاة الصبح ، فخرج رسول الله وهو في آخر رمق يتهادي بين عليّ والفضل بن العبّاس ، حتّى قام في المحراب ـ كما ورد في الخبر ـ ثمّ دخل ، فمات ارتفاع الضحى ، فجعل يوم صلاته حجّةً في صرف الأمر إليه ، وقال : أيّكم يطيب نفساً أن يتقدّم قدمين قدّمهما رسول الله في الصلاة ؟! ولم يحملوا خروج رسول الله إلى الصلاة لصرفه عنها ، بل لمحافظته على الصلاة مهما أمكن .


( 355 )

فبويع على هذه النكتة التي اتّهمها عليّ عليه السلام على إنّها ابتدأت منها .
وكان عليّ يذكر هذا لأصحابه في خلواته ويقول : إنّه لم يقل صلّى الله عليه وآله وسلّم إنّكنّ لصويحبات يوسف إلاّ إنكاراً لهذه الحلال وغضباً منها ، لأنّها وحفصة تبادرتا إلى تعيين أبويهما ، وإنّه استدركها بخروجه وصرفه عن المحراب ، فلم يجد ذلك ولا أثّر ، مع قوّة الداعي الذي كان يدعو إلى أبي بكر ويمهّد له قاعدة الأمر تقرّر حاله في نفوس الناس ومن اتّبعه على ذلك من أعيان المهاجرين والأنصار ...
فقلت له رحمه الله : أفتقول أنت : إنّ عائشة عيّنت أباها للصلاة ورسول الله لم يعيّنه؟!
فقال : أمّا أنا فلا أقول ذلك ، ولكنّ عليّاً كان يقوله ، وتكليفي غير تكليفه ، كان حضراً ولم أكن حاضراً ... » (1) .

نتيجة البحث :
لقد استعرضنا أهمّ أحاديث القضيّة ، وأصحهّا ، ونظرنا أوّلاً في أسانيدها ، فلم نجد حديثاً منها يمكن قبوله والركون إليه في مثل هذه القضية ، فرواة الأحاديث بين « ضعيف » و« مدلّس » و« عثماني » و« خارجيّ » ... وكونها في الصحاح لا يجدي ، وتلقّي الكلّ إياها بالقبول لا ينفع ...
ثمّ نظرنا في متونها ومداليلها بغضّ النظر عن أسانيدها ، فوجدناها متناقضة متضاربةً يكذّب بعضها بعضاً ... بحيث لا يمكن الجمع بينها بوجه ... بعد أن كانت القضيّة واحدة ، كما نصّ عليه الشافعي ومن قال بقوله من أعلام الفقه والحديث ...
ثمّ رأينا أنّ الأدلّة والشواهد الخارجيّة القويمة تؤكّد على استحالة أن يكون
____________
(1) شرح نهج البلاغة 9 | 196 ـ 198 .
( 356 )

النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم هو الذي أمر أبابكر بالصلاة في مقامه .
وخلاصة الأمر الواقع : أنّ النبي لمّا مرض كان أبوبكر غائباً بأمر النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم حيث كان مع أسامة بن زيد في جيشه ، وكان النبي يصلّي بالمسلمين بنفسه ، حتّى إذا كانت الصلاة الأخيرة حيث غلبه الضعف واشتدّ به المرض طلب عليّاً فلم يدع له ، فأمر بأن يصلّي بالناس أحدهم ، فلمّا التفت بأنّ المصلّي بهم أبوبكر خرج معتمداً على أمير المؤمنين ورجل آخر ـ وهو في آخر رمقٍ من حياته ـ لأن يصرفه عن المحراب ويصلّي بالمسلمين بنفسه ـ لا أن يقتدي بأبي بكر! ـ ويعلن بأنّ صلاته لم تكن بأمر منه ، بل من غيره!! .
ثمّ رأينا أنّ أمير المؤمنين عليه السلام كان يرى أنّ الأمر كان من عائشة و « عليّ مع الحقّ والحقّ مع عليّ » (1) .
وصلّى الله على رسوله الأمين ، وعلى أمير المؤمنين والأئمة المعصومين ، والحمد الله ربّ العالمين .
____________
(1) كما في الأحاديث الكثيرة المتفق عليها بين المسلمين ، أنظر من مصادر أهل السنّة العتبرة : صحيح الترمذي 3 | 166 ، المستدرك 3 | 124 ، جامع الأصول 9 | 20 ، مجمع الزوائد 7 | 233 وغيرها .
( 357 )

رسالة
في حديث الأقتداء بالشّيخين


( 358 )


( 359 )


بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على محمّد وآله الطيّبين الطاهرين ، ولعنة الله على أعدائهم أجمعين ، من الأولين والآخرين .
وبعد ، فلا يخفى أنّ السنّة النبوية هي المصدر الثاني من مصادر التشريع الإسلامي عند المسلمين ـ وإن وقع الخلاف بينهم في طريقها ـ فمنها ـ بعد القرآن الكريم ـ تستخرج الأحكام الإلهية ، وأصول القائد الدينية ، والمعارف الفذّة ، والأخلاق الكريمة ، بل فيها بيان ما أجمله الكتاب ، وتفسير ما أبهمه ، وتقييد ما أطلقه ، وإيضاح ما أغلقه ...
فنحن مأمورون باتّباع السنّة والعمل بما ثبت منها ، ومحتاجون إليها في جميع الشؤون ومناحي الحياة ، الفردية والاجتماعيّة ...
إلاّ أنّ الأيدي الأثيمه تلاعبت بالسنّة الشريفة حسب أهوائها وأهدافها ... وهذا أمر ثابت يعترف به الكلّ ...
ولهذا وذاك ... انبرى علماء الحديث لتمييز الصحيح من السقيم ، والحقّ من الباطل ... فكانت كتب ( الصحاح ) وكتب ( الموضوعات ) ...


( 360 )

ولكنّ الحقيقة هي تسرّب الأعراض والدوافع الباعثة إلى الاختلاق والتحريف إلى المعابير التي اتّخذوا للتمييز والتمحيص ... فلم تخل ( الصحاح ) من الموضوعات والأباطيل ، ولم تخل ( الموضوعات ) من الصحاح والحقائق ... وهذا ما دعا آخرين إلى وضع كتبٍ تكلّموا فيها على ما اخرج في الصحاح وأخرى تعقّبوا فيها ما أدرج الوضوعات ... وقد تعرّضنا لهذا في بعض بحوثنا المنشورة ...
وحديث : « اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر » أخرجه غير واحد من أصحاب الصحاح ... وقال بصحّته غيرهم تبعاً لهم ... ومن ثمّ استندوا إليه في البحوث العلميّة .
ففي كتب العقائد ... في مبحث الإمامة ... جعلوه من أقوى الحجج على إمامة أبي بكر وعمر بعد رسول الله عليه وآله وسلّم ...
وفي الفقه ... استدلّوا به لترجيح فتوى الشيخين في المسألة إذا خالفهما غيرهما من الأصحاب ...
وفي الأصول ... في مبحث الإجماع ... يحتجّون به لحجّيّة اتّفاقهما وعدم جواز مخالفتهما فيما اتّفقا عليه ...
فهل هو حديث صحيح حقّاً؟
لقد تناولنا هذا الحديث بالنقد ، فتتبّعنا أسانيده في كتب القوم ، ودقّقنا النظر فيها على ضوء كلمات أساطينهم ، ثم عثرنا على تصريحاتٍ لجماعة من كبار أئمّتهم في شأنه ، ثم كانت لنا تأمّلات في معناه ومتنه ...
فإلى أهل الفضل والتحقيق هذه الصفحات اليسيرة المتضمّنة تحقيق هذا الحديث في ثلاثة فصول ... والله أسأل أن يهدينا إلى صراطه المستقيم ، وأن يجعل أعمالنا خالصة لوجهه الكريم ... إنّه خير مسؤول .


( 361 )

(1)
نظرات في أسانيد
حديث الاقتداء

إنّ حديث الاقتداء من الأحاديث المشهورة في فضل الشيخين ، فقد رووه عن عدّةٍ من الصحابة وبأسانيد كثيرة ... لكن لم يخرجه البخاري ومسلم في صحيحيهما مطلقاً ، ولم يخرج في شيء من الصحاح عن غير حذيفة وعبدالله بن مسعود ، وقد ذهب غير واحدٍ من أعلام القوم إلى عدم قبول ما لم يخرجه الشيخان من المناقب ، وكثيرون منهم إلى عدم صحّة ما أعرض عنه أرباب الصحاح .
وعلى ما ذكر يسقط حديث الاقتداء ، مطلقاً أو ما كان من حديث غير ابن مسعود وحذيفة .
لكنّا ننظر في أسانيد هذا الحديث عن جميع من روي عنه من الصحابة ، إلاّ أنّا نهتمّ في الأكثر بما كان من حديث حذيفة وابن مسعود ، ونكتفي في البحث عن حديث الآخرين بقدر الضرورة فنقول :
لقد رووا هذا الحديث عن :
1 ـ حذيفة بن اليمان .
2 ـ عبدالله بن مسعود .
3 ـ أبي الدرداء .
4 ـ أنس بن مالك .
5 ـ عبدالله بن عمر .
6 ـ جدّة عبدالله بن أبي الهذيل .
ونحن نذكر الإسناد إلى كلّ واحدٍ منهم ، وننظر في رجاله :


( 362 )

حديث حذيفة


رواه أحمد بن حنبل قال :
« حدّثنا سفيان بن عيينة ، عن زائدة ، عن عبدالملك بن عمير ، عن ربعي ابن حراش ، عن حذيفة : أنّ النبّي صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم ، قال اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر » (1) .
وقال أيضاً :
« حديثا وكيع ،حدّثنا سفيان ، عن عبدالملك بن عمير ، عن مولى لربعي ابن حراش ، عن ربعي بن حراش ، عن حذيفة ، كنّا جلوساً عند النبي صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم فقال : إنّي لست أدري ما قدر بقائي فيكم ، فاقتدوا باللذين من بعدي ـ وأشار إلى أبي بكر وعمر ـ قال : وما حدّثكم ابن مسعود فصدّقوه » (2) .

ورواه الترمذي حيث قال :
« حدّثنا الحسن بن الصباح البزّاز ، أخبرنا سفيان بن عيينة ، عن زائدة ، عن عبدالملك بن عمير ، عن ربعي عن حذيفة ، قال : قال رسول الله صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم : اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر .
وفي الباب عن ابن مسعود .
هذا حديث حسن »
قال : « روى سفيان الثوري هذا الحديث عن عبدالملك بن عمير ، عن مولىً لربعي ، عن ربعيّ ، عن حذيفة ، عن النبي صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم » .
قال : « حدّثنا أحمد بن منبع وغير واحد ، قالوا : أخبرنا سفيان بن عيينة ،
____________
(1) مسند أحمد 5 | 382 .
(2) مسند أحمد 5 | 385 .

( 363 )

عن عبدالملك بن عمير ، نحوه » .
« وكان سفيان بن عيينة يدلّس في هذا الحديث فربّما ذكره عن زائدة عن عبدالملك بن عمير ، وربّما لم يذكر فيه عن زائدة » .
« وروى هذا الحديث ابراهيم بن سعد ، عن سفيان الثوري ، عن عبدالملك بن عمير ، عن هلال مولى ربعي ، حذيفة ، عن النبيّ صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم » (1) .
وقال :
« حدّثنا محمود بن غيلان ، أخبرنا وكيع ، أخبرنا سفيان ، عن عبدالملك بن عمير ، عن مولىً لربعي ، عن ربعي بن حراش ، عن حذيفة ، قال : كنّا جلوساً ... » (2) .

ورواه ابن ماجة بسنده
« عن عبدالملك بن عمير ، عن مولىً لربعي بن حراش ، عن ربعي بن حراش ، عن حذيفة بن اليمان ، قال : قال رسول الله صلّى الله [ وآله ] وسلّم : إنّي لا أدري ما قدر بقائي فيكم ... » (3) .

ورواه الحاكم بإسناده :
« عن عبدالملك بن عمير ، عن ربعي بن حراش ، عن حذيفة بن اليمان ، قال : سمعت رسول الله صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم يقول : إقتدوا باللذين من بعدي : أبي بكر وعمر ، واهتدوا بهدي عمّار ، وتمسّكوا بعهد ابن أمّ عبد »
____________
(1) صحيح الترمذي ـ مناقب أبي بكر وعمر .
(2) صحيح الترمذي ـ مناقب عمّار بن ياسر .
(3) سنن ابن ماجة ـ مناقب أبي بكر .

( 364 )

وعنه ، عن ربعي ، عن حذيفة ، قال :
« قال رسول الله صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم : اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر ، واهتدوا بهدي عمّار ، وإذا حدّثكم ابن أمّ عبد فصدّقوه » .
وعنه :
« عن هلال مولى ربعي ، عن ربعي بن حراش ، عن حذيفة ، أنّ رسول الله صلّى الله عليه [ وآله وسلّم ] قال : باللذين من بعدي أبي بكر وعمر » .
وبإسناده :
« عن عبدالملك بن عمير ، عن ربعي بن حراش ، عن حذيفة بن اليمان : أنّ رسول الله صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم قال : إقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر ، واهتدوا بهدي عمّار ، وتمسّكوا بعهد ابن أمّ عبد » .
ثمّ قال الحاكم : « هذا حديث من أجلّ ما روي في فضائل الشيخين ، وقد أقام هذا الإسناد عن الثوري ومسعر : يحيى الحمّاني ، وأقامه أيضاً عن مسعر : وكيع وحفص بن عمر الإيلي (1) ثم قصر بروايته عن ابن عيينة : الحميدي وغيره ، وأقام الإسناد عن ابن عيينة : إسحاق بن عيسى بن الطبّاع .
فثبت بما ذكرنا صحّة هذا الحديث وإن لم يخرجاه » (2) .
____________
(1) لقد اقتصرنا على الكلام حول « عبدالملك بن عمير » الذي عليه مدار هدا الحديث الذي بذل الحاكم جهداً في تصحيحه فكان أكثر حرصاً من الشيخين على رواية ما وصفه بـ « أجلّ ما روي في فضائل الشيخين » وإلاّ فإنّ « حفص بن عمر الإيلي » هذا مثلاً أدرجه العقيلي في الضعفاء وروى عنه حديث الاقتداء ثم قال : « أحاديثه كلّها إمّا منكر المتن ، أو منكر الإسناد ، وهو إلى الضعف أقرب الضعفاء 2 | 797 .
و « يحيى الحمّاني » قال الحافظ الهيثمي بعد أن روى الحديث عن الترمذي والطبراني في الأوسط : « وفيه يحيى بن عبدالحميد الحمّاني وهو ضعيف » مجمع الزوائد 9 | 295 .
(2) المستدرك 3 | 75 .

( 365 )

نقد السند
1 ـ هذه أشهر طرق هذا الحديث عن حذيفة بن اليمان ، ويرى القارىء ، الكريم أنّها جميعاً تنتهي إلى :
( عبدالملك بن عمير ) وهو رجل مدلّس ، ضعيف جدّاً ، كثير الغلط ، مضطرب الحديث جدّاً :
قال أحمد : « مضطرب الحديث جدّاً مع قلّة روايته ، ما أرى له خمسمائة حديث ، وقد غلط في كثير منها » (1) .
وقال : إسحاق بن منصور : « ضعّفه أحمد جدّاً » (2) .
وقال : أحمد أيضاً : « ضعيف يغلط (3) .
أقول : فمن العجيب جدّاً رواية أحمد بن مسنده حديث الاقتداء وغيره عن هذا الرجل الذي يصفه بالضعف والغلط ، وقد جعل المسند حجّةً بينه وبين الله !!
وقال ابن معين : « مخلط » (4) .
وقال أبو حاتم : « ليس بحافظٍ ، تغيّر حفظه » (5) .
وقال ابن خراش : « كان شعبة لا يرضاه » (7) .
وقال الذهبي : « وأمّا ابن الجوزي فذكره فحكى الجرح وما ذكر التوثيق » (8) .
وقال السمعاني : « كان مدلّساً » (9) .
____________
(1) تهذيب التهذيب 6 | 411 وغيره .
(2) تهذيب التهذيب 6 | 412 ، ميزان الاعتدال 2 | 660 .
(3) ميزان الاعتدال 6 | 660 .
(4) ميزان الاعتدال 6 | 660 ، المغني 2 | 407 ، تهذيب التهذيب 6 | 412 .
(5) ميزان الاعتدال 2 | 660 .
(6) تهذيب التهذيب 6 | 412 .
(7) ميزان الاعتدال 2 | 660 .
(8) ميزان الاعتدال 2 | 660 .
(9) الأنساب 10 | 50 في « القبطي » .

( 366 )

وكذا قال ابن حجر العسقلاني (1) .
وعبدالملك ـ هذا ـ هو الذي ذبح عبدالله بن يقطر أو قيس بن مسهر الصيداوي وهو رسول الحسين عليه السلام إلى أهل الكوفة ، فإنّه لمّا رمي بأمر أبن زياد من فوق القصر وبقي به رمق أتاه عبداللملك بن عمير فذبحه ، فلمّا عيب ذلك عليه قال : إنّما أردت أن اريحه (2) .
2 ـ ثمّ إنّ ( عبدالملك بن عمير ) لم يسمع هذا الحديث من ( ربعي بن حراش ) و ( ربعي ) لم يسمع من ( حذيفة بن اليمان ) ... ذكر ذلك المناوي حيث قال : « قال ابن حجر : اختلف في على عبدالملك ، وأعلّه أبو حاتم ، وقال البزّار كابن حزم : لا يصحّ لأنّ عبدالملك لم يسمعه من ربعي ، وربعي لم يسمع من حذيفة . لكن له شاهد » (3) .
قلت : الشاهد إن كان حديث ابن مسعود كما هو صريح الحاكم والمناوي فستعرف ما فيه .
وإن كان حيدث حذيفة بسندٍ أخر عن ربعي فهو ما رواه الترمذي بقوله :
« حدّثنا سعيد بن يحيى بن سعيد الأموي ، نا وكيع ، عن سالم بن العلاء المرادي ، عن عمرو بن هرم ، عن ربعي بن حراش ، عن حذيفة ، قال : كنّا جلوساً عند النبّي صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم فقال : إنّي لا أدري ما بقائي فيكم ، فاقتدوا باللّذي من بعدي ، وأشار إلى أبي بكر وعمر » (4) .
ورواه ابن حزم بقوله :
« وأخذناه أيضاً عن بعض أصحابنا ، عن القاضي أبي الوليد بن الفرضي ، عن ابن الدّخيل ، عن العقيلي ، ثنا محمد بن إسماعيل ، ثنا محمد بن فضيل ، ثنا
____________
(1) تقريب التهذيب 1 | 521 .
(2) تلخيص الشافي 3 | 35 ، روضة الواعظين : 177 ، مقتل الحسين : 185 .
(3) فيض القدير 2 | 56 .
(4) صحيح الترمذي ـ مناقب أبي بكر وعمر .

( 367 )

وكيع ، ثنا سالم المرادي ، عن عمرو بن هرم ، عن ربعي بن حراش وأبي عبدالله ـ رجل من أصحاب حذيفة ـ عن حذيفة » (1) .

وفي سند هذا الحديث
1 ـ « سالم بن العلاء المرادي » وعليه مداره .
قال ابن حزم بعد أن روى الحديث كما تقدّم : « سالم ضعيف » .
وفي : « ميزان الاعتدال » : « ضعّفه ابن معين والنسائي » (2) .
وفي « الكاشف » : « ضعّف » (3) .
وفي « تهذيب التهذيب » : « قال الدوري عن ابن معين : ضعيف الحديث » (4) .
وفي « لسان الميزان » : ذكره العقيلي ... وضعّفه ابن الجارود » (5) .
2 ـ « عمرو بن هرم » وقد ضعّفه القطّان (6) .
3 ـ « وكيع بن الجرّاح » وهو مقدوح (7) .
ثم إنّ في مسند الحديث عن حذيفة في أكثر طرقه « مولى ربعي بن حراش » وهو مجهول كما نصّ عليه ابن حزم .
وقد سمّي هذا المولى في بعض الطرق بـ « هلال » وهو أيضاً مجهول ، قال ابن حزم :
____________
(1) الإحكام في اصول الأحكام 2 | 242 .
(2) ميزان الاعتدال 2 | 112 .
(3) الكاشف 1 | 344 .
(4) تهذيب التهذيب 3 | 440 .
(5) لسان الميزان 3 | 7 .
(6) ميزان الاعتدال 3 | 291 .
(7) ميزان الاعتدال 4 | 312 .

( 368 )

« وقد سمّى بعضهم المولى فقال : هلال مولى ربعي ، وهو مجهول لا يعرف من هو أصلاً » (1) .

حديث ابن مسعود

رواه التّرمذي حيث قال :
« حدّثنا إبراهيم بن إسماعيل بن يحيى بن سلمة بن كهيل ، حدّثني أبي ، عن أبيه ، عن سلمة بن كهيل ، عن أبي الزّعراء ، عن ابن مسعود ، قال : قال رسول الله صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم : اقتدوا باللذين من بعدي من أصحابي : أبي بكر وعمر . واهتدوا بهدي عمّار ، وتمسّكوا بعهد ابن مسعود » (2) .
والحاكم حيث قال ـ بعد أن أخرج الحديث عن حذيفة ـ :
« وقد وجدنا له شاهداً بإسنادٍ صحيح عن عبدالله بن مسعود : حدّثنا أبوبكر ابن إسحاق ، أنبأ عبدالله بن أحمد بن حنبل ، ثنا إبراهيم بن إسماعيل بن يحيى بن سلمة بن كهيل ، حدّثنا أبي ، عن أبيه ، عن أبي الزعراء ، عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم : إقتدوا باللّذين من بعدي : أبي بكر وعمر ، واهتدوا بهدي عمّار ، وتمسّكوا بعهد ابن مسعود » (3) .

نقد السند :
1 ـ لقد صرّح الترمذي بغرابته وقال : « لا نعرفه إلاّ من حديث يحيى بن
____________
(1) الإحكام في اصول الأحكام 2 | 243 .
(2) صحيح الترمذي 5 | 672 .
(3) مستدرك الحاكم 3 | 75 .

( 369 )

سلمة بن كهيل » ثم ضعّف الرجل ، وهذا نصّ كلامه :
« هذا حديث غريب من هذا الوجه من حديث ابن مسعود ، لا نعرفه إلاّ من حديث يحيى بن سلمة بن كهيل ، ويحيى بن سلمة يضعّف في الحديث » (1) .
2 ـ في هذا الإسناد : « يحيى بن سلمة بن كهيل » وهو رجل ضعيف ، متروك ، منكر الحديث ، ليس بشيء :
قال التّرمذي : « يضعّف في الحديث » .
وقال المقدسي : « ضعّفه ابن معين ، وقال أبو حاتم : ليس بالقويّ ؛ وقال البخاري : في حديثه مناكير ؛ وقال النسائي : ليس بثقة ؛ وقال الترمذي : ضعيف » (2) .
وقال الذهبي : « ضعيف » (3) .
وقال ابن حجر : « ذكره ابن حبّان أيضاً في الضعفاء فقال : منكر الحديث جدّاً ، لا يحتجّ به ، وقال النسائي في الكنى : متروك الحديث ؛ وقال ابن نمير : ليس ممن يكتب حديثه ؛ وقال الدار قطني : متروك ، وقال مرّةً : ضعيف ؛ قال العجلي : ضعيف ... » (4) .
3 ـ وفيه : « إسماعيل بن يحيى بن سلمة » وهو رجل ضعيف متروك :
قال الدار قطني والأزدي وغيرهما : « متروك » (5) .
4 ـ وفيه : « إبراهيم بن إسماعيل بن يحيى » وهو ليّن ، متروك ، ضعيف ، مدلّس :
قال الذهبي : « ليّنه أبو زرعة ، وتركه أبو حاتم (6) » .
____________
(1) صحيح الترمذي 5 | 672 .
(2) الكمال في أسماء الرجال ـ مخطوط ـ .
(3) الكاشف 3 | 251 .
(4) تهذيب التهذيب 11 | 225 .
(5) ميزان الاعتدال 1 | 254 ، المغني في الضعفاء 1 | 89 ، تهذيب التهذيب 366 .
(6) ميزان الاعتدال 1 | 20 ، المغني 1 | 10 .

( 370 )

وقال ابن حجر : « قال ابن أبي حاتم : كتب أبي حديثه ولم يأته ولم يذهب بي إليه ولم يسمع منه زهادة فيه ، وسألت أبا زرعة عنه فقال : يذكر عنه أنّه كان يحدّث بأحاديث عن أبيه ثم ترك أباه ، فجعلها عن عمّه لأنّ عمّه أجلى عند الناس .
وقال العقيلي : « عن مطيّن : كان ابن نمير لا يرضاه ويضعّفه وقال : روى أحاديث مناكير .
قال العقيلي : ولم يكن إبراهيم هذا بقيّم الحديث ... » (1) .
ولهذا ذكر الحافظ العقيلي « يحيى بن سلمة بن كهيل » في كتابه « الضعفاء الكبير » وأورد كلمات عدّة من الأعلام في قدحه كالبخاري ويحيى بن معين والنسائي ، ثم روى الحديث عنه بنفس السند الذي في « صحيح الترمذي » وهذا نصّ عبارته :
« ثنا علي بن أحمد بن بسطام ، ثنا سهل بن عثمان ، ثنا يحيى بن زكريّا ، ثنا ابن أبي زائدة ، ثنا يحيى بن سلمة بن كهيل ، عن أبيه ، عن أبي الزعراء ، عن عبدالله بن مسعود ، عن النبي صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم : اقتدوا ... » (2) .
وقال الحافظ الذهبي مشيراً إلى الحديث الذي حكم الحاكم بصحّته : « قلت : سنده واهٍ » (3) .
وقال الحافظ السيوطي : « اقتدوا باللذين من بعدي من أصحابي أبي بكر وعمر ، واهتدوا بهدي عمّار ، وتمسّكوا بعهد ابن مسعود ، ت غريب ضعيف . طب . ك وتعقّب . عن ابن مسعود » (4) .
فالعجب من تصحيح الحاكم لهذا الحديث واستشهاده به ، وكذا
____________
(1) تهذيب التهذيب 1 | 106 .
(2) كتاب الضعفاء الكبير 7 | 2654 .
(3) تلخيص المستدرك 3 | 76 .
(4) الجامع الكبير 1 | 133 .