رسالة
في المتعتين


( 414 )


( 415 )

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله ربّ العالمين ، والصلاة والسلام على محمّد وآله الطاهرين .
وبعد ... فإنّ البحث عن المتعتين قديم جدّاً ، وكتابات السلف والخلف عنهما من النواحي المختلفة كثيرة جدّاً أيضاً ، وهذه رسالة وجيزة كتبتها بمناسبة أحاديث رووها في أنّ النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم هو الذي حرّم متعة النساء ، وعمدتها ما أخرجه البخاري ومسلم وغيرهما عن أمير المؤمنين الإمام عليّ بن أبي طالب عليه السلام ... منها أنّه قال لابن عبّاس ـ وقد بلغه أنّه يقول خيبر ، وهي . أحاديث موضوعة مختلفة ، يعترف بذلك كلّ من ينظر في أسانيدها ومداليلها وينصف ، والله هو الموفّق .

تمهيد :
لا خلاف بين المسلمين في نزول القرآن المبين بالمتعتين ...
أمّا متعة الحجّ ، فقد قال عزّ وجلّ :
( فمن تمتّع بالعمرة إلى الحجّ فما استيسر من الهدي فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيّام في الحجّ وسبعةٍ إذا رجعتم تلك عشرة كاملة ذلك لمن لم يكن أهله حاضري


( 416 )

المسجد الحرام ) (1) .
وأمّا متعة النساء ، فقد قال عزّ وجلّ : ( فما استمتعتم به منهنّ فآتوهنّ آجورهنّ فريضة ) (2) .
وكان على ذلك عمل المسلمين ...
حتّى قال عمر بعد شطرٍ من خلافته :
« متعتان كانتا على عهد رسول الله صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم وأنا أنهى عنهما وأعاقب عليهما » .
فوقع الخلاف ...
وحار التابعون له ، الجاعلون قوله أصلاً من الأصول ، كيف يوجّهونه وهو صريح : قال الله ... وأقول ... ؟!

متعة الحجّ :
ومتعة الحجّ : أن ينشئ الإنسان بالمتعة إحرامه في أشهر الحجّ من الميقات ، فيأتي مكّة ، ويطوف بالبيت ، ثمّ يسعى ، ثمّ يقصرّ ، ويحلّ من إحرامه ، حتّى ينشئ في نفس تلك السفرة إحراماً آخر للحجّ من مكّة ، والأفضل من المسجد الحرام ، ويخرج إلى عرفات ، ثمّ المشعر ... إلى آخر أعمال الحج ...
فيكون متمتّعاً بالعمرة إلى الحجّ .
وإنّما سمّي بهذا الاسم لما فيه من المتعة ، أي اللذّة بإجابة محظورات الإحرام ، في تلك المدّة المتخلّلة بين الإحرامين ...
وهذا ما حرّمه عمر وتبعه عليه عثمان ومعاوية وغيرهما ...

موقف علي وكبار الصحابة من تحريمها :
وكان في المقابل أمير المؤمنين عليّ عليه السلام الحافظ للشريعة المطهّرة
____________
(1) سورة البقرة 2 : 196 .
(2) سورة النساء 4 : 24 .

( 417 )

والذابّ عن السنّة المكرّمة .
أخرج أحمد ومسلم عن شقيق قال ـ واللفظ للأوّل ـ : « كان عثمان ينهى عن المتعة ، وكان عليّ يأمر بها ، فقال عثمان لعليّ : إنّك كذا وكذا . ثمّ قال (1) علي : لقد علمت أنّا تمتّعنا مع رسول الله عليه [ وآله ] وسلّم ؟ فقال : أجل » (2) .
وعن سعيد بن المسيّب ، قال : « اجتمع علي وعثمان بعسفان ، فكان عثمان ينهى عن المتعة والعمرة . فقال له علي : ما تريد إلى أمر فعله رسول الله صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم تنهى عنه ؟! فقال عثمان : دعنا عنك ! فقال علي : إنّي لا أستطيع أن أدعك » (3) .
وعن مروان بن الحكم ، قال : « شهدت عثمان وعليّاً ، وعثمان ينهى عن المتعة وأن يجمع بينهما . فلمّا رأى علي ذلك أهلّ بهما : لبيّك بعمرةٍ وحجّةٍ معاً ، قال : ما كنت لأدع سنّة النبّي لقول أحد » (4) .
وعلى ذلك كان أعلام الصحابة ...
* كابن عبّاس ... فقد أخرج أحمد أنّه قال : « تمتّع النبي صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم ، فقال عروة بن الزبير : نهى أبوبكر وعمر بن المتعة ، فقال ابن عبّاس : ما يقول عريّة (5) !! قال : يقول : نهى أبوبكر وعمر بن المتعة .
فقال : ابن عبّاس : أراهم سيهلكون ، أقول : قال النبي ؛ ويقولون : نهى أبوبكر وعمر ! » (6) .
____________
(1) لقد أبهم الرواة ما قاله خليفتهم عثمان لعليّ عليه السلام ، كما أبهموا جواب الإمام عليه السلام على كلمات عثمان ... وفي بعض المصادر : « فقال عثمان لعلّي كلمة » .
(2) مسند أحمد 1 | 97 .
(3) مسند أحمد 1 | 136 . ورواه البخاري ومسلم في باب التمتّع .
(4) مسند أحمد 1 | 95 . ورواه البخاري أيضاً وجماعة .
(5) تصغير « عروة » تحقيراً له .
(6) مسند أحمد 1 | 337 .

( 418 )

* وسعد بن أبي وقّاص ... فقد أخرج الترمذي : « عن محمد بن عبدالله ابن الحارث بن نوفل أنّه سمع سعد بن أبي وقاص الضحّاك بن قيس ـ وهما يذكران التمتّع بالعمرة إلى الحجّ ـ فقال الضحّاك بن قيس : لا يصنع ذلك إلاّ من جهل أمر الله تعالى . فقال سعد : بئسما قلت يا ابن أخي . فقال الضحّاك : فإنّ عمر بن الخطّاب قد نهى ذلك . فقال سعد : قد صنعها رسول الله صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم وصنعناها معه .
هذا حديث صحيح » (1) .
* وأبي موسى الأشعري ... فقد أخرج أحمد : « أنّه كان يفتى بالمتعة فقال له رجل : رويدك ببعض فتياك ، فإنّك لا تدري ما أحدث أمير المؤمنين في النسك بعدك ! حتى لقيه أبو موسى بعد فسأله عن ذلك ، فقال عمر ، قد علمت أنّ النبي صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم قد فعله هو وأصحابه ولكن كرهت أن يظلّوا بهنّ معرّسين في الأراك ، ثم يروحون بالحج تقطر رؤوسهم » (2) .
* وجابر بن عبدالله ...فقد أخرج مسلم وغيره عن أبي نضرة ، قال : « كان ابن عبّاس يأمر بالمتعة ، وكان ابن الزبير ينهى عنها . قال فذكرت ذلك لجابر ابن عبدالله . فقال : علي يدي دار الحديث . تمتّعنا مع رسول الله صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم فلمّا قال عمر (3) قال : إنّ الله كان يحلّ لرسوله ما شاء بما شاء وإن القرآن قد نزل منازله ، فافصلوا حجّكم من عمرتكم ، وأبتوا (4) نكاح هذه النساء فلن أوتى برجلٍ نكح امرأةً إلى أجلٍ إلاّ رجمته بالحجارة » (5) .
____________
(1) صحيح الترمذي 4 | 38 .
(2) مسند أحمد 1 | 50 .
(3) أي بأمر الخلافة .
(4) أي : اقطعوا ، اتركوا .
(5) صحيح مسلم ، باب جواز التمتع .

( 419 )

* وعبدالله بن عمر ... فقد أخرج الترمذي : « أنّ عبدالله بن عمر سئل عن متعة الحجّ . فقال : هي حلال . فقال له السائل : إنّ أباك قد نهى عنها . فقال : أرأيت إن كان أبي نهى عنها وصنعها رسول الله أمر أبي نتّبع أم أمر رسول الله صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم ؟‍ فقال الرجل : بل أمر رسول الله . قال : فقد صنعها رسول الله صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم » (1) .
* وعمران بن حصين (2) ـ وكان شديد الإنكار لذلك حتّى في مرض موته ـ فقد أخرج مسلم : « عن مطرف قال : بعث إلى عمران بن حصين في مرضه الذي توفّي فيه فقال : إنّي محدّثك بأحاديث ، لعلّ الله أن ينفعك بها بعدي . فإن عشت فاكتم علي (3) وإن متّ فحدّث بها إن شئت . إنّه قد سلّم عليّ . واعلم أنّ نبيّ الله صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم قد جمع بين حجّ وعمرة ، ثم لم ينزل فيها كتاب الله ، ولم ينه عنها نبيّ الله . فقال رجل برأيه فيها ما شاء » (4) .
قال النووي بشرح أخبار إنكاره : « وهذه الروايات كلّها متّفقة على أنّ مراد عمران أنّ التمتّع بالعمرة إلى الحجّ جائز ، وكذلك القران ، وفيه التصريح بإنكاره على عمر بن الخطّاب منع التمتّع » .

دفاع ابن تيميّة ثمّ إقراره بالخطأ :
وذكر شيخ إسلامهم ابن تيميّة في الدفاع عن عمر وجوهاً ، كقوله : « إنّما
____________
(1) صحيح الترمذي 4 | 38 .
(2) ذكر كلّ من ابن عبدالبرّ في الاستيعاب وابن حجر في الإصابة أنّه كان من فضلاء الصحابة وفقهائهم ، بل نصّ ابن القيّم في زاد المعاد على كونه أعظم من عثمان ، وذكروا أنّه كان يرى الملائكة وتسلّم عليه وهو ما أشار إليه في الحديث يقوله : « قد سلّم عليّ » توفّي سنة 52 بالبصرة .
(3) لاحظ إلى أين بلغت التقيّة !!
(4) صحيح مسلم باب جواز التمتّع . وفي الباب من صحيح البخاري وسنن ابن ماجة ، وهو عند

=


( 420 )

كان مراد عمر أن يأمر بما هو أفضل » واستشهد له بما رواه عن ابنه من أنّه « كان عبدالله بن عمر يأمر بالمتعة ، فيقولون له : إنّ أباك نهى عنها . فيقول : إنّ أبي لم يرد ما تقولون » وحاصل كلامه ما صرّح به في آخره حيث قال : « فكان نهيه عن المتعة على وجه الاختيار ، لا على وجه التحريم ، وهو لم يقل : « أنا أحرّمهما » .
قلت : أمّا أنّ مراده كان الأمر بما هو أفضل ، فتأويل باطل ، وأمّا ما حكاه عن ابن عمر فتحريف لما ثبت عنه في الكتب المعتبرة ، وقال ابن كثير : « كان ابنه عبدالله يخالفه فيقال له : إنّ أباك كان ينهى عنها ! فيقول : خشيت أن يقع عليكم حجارة من السماء ! قد فعل رسول الله ، أفسنّة رسول الله نتّبع أم سنّة عمر بن الخطّاب؟! » (1) .
والعمدة إنكاره قول عمر : « وأنا احرمّهما » . وسنذكر جمعاً ممّن رواه !
هذا ، وكأنّ ابن تيميّة يعلم بأن فائدة فيما تكلّفه في توجيه تحريم عمر والدفاع عنه ، فاضطرّ إلى أن يقول :
« أهل السنّة متّفقون على أنّ كلّ واحدٍ من الناس يؤخذ بقوله ويترك إلاّ رسول الله ، وإنّ عمر أخطأ ، فهم لا ينزّهون عن الإقرار على الخطأ إلاّ رسول الله صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم » (2) .
لكنّه ليس « خطأ » من عمر ، بل هو « إحداث » كما جاء في الحديث المتقدّم عن أبي موسى الأشعري ... وقد قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم :
« أنا فرطكم على الحوض ، وليرفعنّ رجال منكم ثم ليختلجنّ دوني ، فأقول : يا ربّ أصحابي ! فيقال : إنّك لا تدري ما أحدثوا بعدك ! » (3) .
____________
=
أحمد في المسند 4 | 434 .
(1) تاريخ ابن كثير 5 | 141 .
(2) منهاج السنّة 2 | 154 .
(3) أخرجه البخاري وغيره في باب الحوض .

( 421 )

ولقائل أن يقول : إنّ الغرض الأصلي من التحريم هو إحياء سنّة الجاهليّة ، فإنّهم « كانوا يرون العمرة في أشهر الحجّ من أفجر الفجور في الأرض » (4) .
قال البيهقي : « ما أعمر رسول الله صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم عائشة في ذي الحجّة إلاّ ليقطع بذلك أمر الشرك » (1) .
ولذا صحّ عنه صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم : « لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما أهديت ، ولولا أنّ معي لأحللت . فقام سراقة بن مالك بن جعشم فقال : يا رسول الله هي لنا أو للأبد ؟ فقال : لا ، بل للأبد » . أخرجه أرباب الصحاح كافّة ، وعقد له البخاري في صحيحة باباً .

متعة النساء :
وهي أن تزوجّ المرأة الحرّة الكاملة نفسها من الرجل المسلم بمهرٍ مسمّىّ إلى أجلٍ مسمّىً ، فيقبل الرجل ذلك ، فهذا نكاح المتعة ، أو الزواج الموقّت ، ويعتبر فيه جميع ما يعتبر في النكاح الدائم ، من كون العقد جامعاً لجميع شرائط الصحّة ، وعدم وجود المانع من نسبٍ أو سببٍ وغيرهما ، ويجوز فيه الوكالة كما تجوز في الدائم ، ويلحق الولد بالأب كما يلحق به فيه ، وتترتّب عليه سائر الاثار المترتّبة على النكاح الدائم ، من الحرمة والمحرمية والعدّة ...
إلاّ أنّ الافتراق بينهما يكون لا بالطلاق بل بانقضاء المدّة أو هبتها من قبل الزوج ، وأنّ العدّة ـ إن لم تكن في سنّ اليأس الشرعي ـ قرءان إن كانت تحيض ، وإلاّ خمسة وأربعون يوماً ، وأنّه لا توارث بينهما ، ولا نفقة لها عليه وهذه أحكام دلّت عليها الأدلّة الخاصّة ، ولا تقتضي أن يكون متعة النساء شيئاً في مقابل النكاح مثل ملك اليمين .
____________
(1) أخرجه البخاري ومسلم وغيرهما في أبواب التمتّع والعمرة .
(2) سنن البيهقي 4 | 345 .

( 422 )


ثبوتها بالكتاب والسنّة والإجماع :
وقد دلّ على مشروعيّة هذا النكاح وثبوته في الإسلام :
1 ـ الكتاب ، في قوله عزّ وجلّ : ( فما استمتعتم به منهنّ ... ) (1) وقد روي عن جماعة من كبار الصحابة والتابعين ، المرجوع إليهم في قراءة القرآن واحكامه التصريح بنزول هذه الآية المباركة في المتعة ، حتّى أنّهم كانوا يقرأونها : « فما استمتعتم به منهنّ إلى أجلّ ... »، وكانوا قد كتبوها كذلك في مصاحفهم ، فهي ـ حينئذٍ ـ نصّ في المتعة ، ومن هؤلاء :
عبدالله بن عبّاس ، واُبي بن كعب ، وعبدالله بن مسعود ، وجابر بن عبدالله وأبو سعيد الخدري ، وسعيد بن جبير ، ومجاهد ، والسدّي ، وقتادة (2) .
بل ذكروا عن ابن عبّاس قوله : « والله لأنزلها الله كذلك ـ ثلاث مرّات » .
وعنه وعن أبي التصريح بكونها غير منسوخة .
بل نصّ القرطبي على أنّ دلالتها على نكاح المتعة هو قول الجمهور ، وهذه عبارته : « وقال الجمهور : المراد نكاح المتعة الذي كان في صدر الاسلام » (3) .
2 ـ السنّة : وفي السنّة أحاديث كثيرة دالّة على ذلك ، نكتفي منها بواحدٍ ممّا أخرجه البخاري ومسلم وأحمد وغيرهم عن عبدالله بن مسعود قال :
« كنّا نغزو مع رسول الله صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم ليس لنا نساء . فقلنا : ألا نستخصي ؟ فنهانا عن ذلك ، ثمّ رخّص لنا أن ننكح المرأة بالثوب إلى اجل ، ثمّ قرأ عبدالله : ( يا أيّها الذين آمنوا لا تحرّموا طيّبات ما أحلّ الله لكم ولا تعتدوا
____________
(1) سورة النساء : 24 .
(2) راجع التفاسير : الطبري والقرطبي وابن كثير والكشّاف والدرّ المنثور . كلّها بتفسير الآية . وراجع أيضاً : أحكام القرآن ـ للجصّاص ـ 2 | 147 ، سنن البيهقي 7 | 205 ، شرح مسلم ـ النووي ـ 6 | 127 ، المغني لابن قدامة 7 | 571 .
(3) تفسير القرطبي 5 | 130 .

( 423 )

إنّ الله لا يحبّ المعتدين ) (1) .
ولا يخفى ما يقصده ابن مسعود من قراءة الآية المذكورة بعد نقل الحديث ، فإنّه كان ممّن أنكر على حرّم المتعة .
3 ـ الإجماع : فإنّه لا خلاف بين المسلمين في أنّ « المتعة » نكاح . نصّ على ذلك القرطبي ، وذكر طائفةً من أحكامها ، حيث قال :
« لم يختلف العلماء من السلف والخلف أنّ المتعة نكاح إلى أجل ، لا ميراث فيه ، والفرقة تقع عند انقضاء الأجل من غير طلاق » ثمّ نقل عن ابن عطيّة كيفيّة هذا النكاح وأحكامه (2) .
وكذا الطبري ، فنقل عن السدّي ، « هذه هي المتعة ، الرجل ينكح المرأة بشرطٍ إلى أجل مسمّى » (3) .
وعن ابن عبدالبّر في « التمهيد » : « أجمعوا على أنّ التعة نكاح ، لا إشهاد فيه ، وأنّه نكاح إلى أجلٍ يقع فيه الفرقة بلا طلاق ولا ميراث بينهما » .

تحريم عمر :
وكانت متعة النساء ـ كمتعة الحجّ ـ حتّى وفاة النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم وزمن أبي بكر ، وفي شطرٍ من خلافة عمر بن الخطّاب ، حتّى قال :
« متعتان كانتا على عهد رسول الله وأنا أنهى عنهما وأعاقب عليهما » وقد وردت قولته هذه في كتب الفقه والحديث والتفسير والكلام أنظر منها : تفسير الرازي 2 | 167 ، شرح معاني الاثار 374 ، سنن البيهقي 7 | 207 ، بداية المجتهد 1 | 346 المحلّى 7 | 107 ، أحكام القرآن ـ للجصّاص ـ 1 | 279 ، شرح التجريد
____________
(1) صحيح البخاري | في كتاب النكاح وفي تفسير سورة المائدة ، صحيح مسلم كتاب النكاح ، مسند أحمد 1 | 420 .
(2) تفسير القرطبي 5 | 132 .
(3) تفسير الطبري بتفسير الآية .

( 424 )

للقوشجي الأشعري ، تفسير القرطبي 2 | 370 ، المغني 7 | 527 ، زاد المعاد في هدي خير العباد 2 | 205 ، الدرّ المنثور 2 | 141 ، كنز العمّال 8 | 293 ، وفيات الأعيان 5 | 197 .
ومنهم من نصّ على صحّته كالسرخسي ، ومنهم من نصّ على ثبوته كابن قيّم الجوزية ، وفي المحاضرات للراغب الأصبهاني : « قال يحيى بن أكثم لشيخ بالبصرة : بمن اقتديت في جواز المتعة ؟ قال : بعمر بن الخطّاب . فقال : كيف هذا وعمر كان أشدّ الناس فيها ؟ ! قال : لأنّ الخبر الصحيح قد أتى أنّه صعد المنبر فقال : إنّ الله ورسوله أحلاّ لكم متعتين وإنّي أحرمهما عليكم وأعاقب عليهما ؛ فقبلنا شهادته ولم نقبل تحريمه » .
وفي بعض الروايات : أنّ النهي كان عن المتعتين وحيّ على خير العمل (1) .
وعن عطاء ، عن جابر بن عبدالله : « استمتعنا على عهد رسول الله صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم وأبي بكر وعمر ، حتى إذا كان في آخر خلافة عمر استمتع عمرو بن حديث بامرأة ـ سمّاها جابر فنسيتها ـ فحملت المرأة ، فبلغ ذلك عمر ، فدعاها فسألها فقالت : نعم ، قال من أشهد ؟ قال عطاء : لا أدري قال : أمّي أم وليّها . قال فهلاً غيرها ؟!
فذلك حين نهى عنها » (2) .
ومثله أخبار أخرى ، وفي بعضها التهديد بالرجم (3) .
فالذي نهى عن المتعة هو عمر بن الخطّاب ...
وفي خبرٍ : أنّ رجلاً قدم بن الشام ، فمكث مع امرأةٍ إلى ما شاء الله أن
____________
(1) كذا في شرح التجريد للقوشجي ، بحث خلافة عمر .
(2) صحيح مسلم باب نكاح المتعة 6 | 127 بشرح النووي هامش القسطلاني ، مسند أحمد 3 | 304 ، سنن البيهقي 7 | 237 ، والقصّة هذه في المصنّف لعبد الرزّاق 7 | 469 .
(3) بل عنه أنّه قال : « لا أؤتى برجلٍ تزوّج امرأةً إلى أجلٍ إلاّ رجمته ولو أدركته ميّتاً لرجمت قبره! » المبسوط ـ للسرخسي ـ 5 | 153 .

( 425 )

يمكث ، ثمّ إنّه خرج ، فأخبر بذلك عمر بن الخطّاب ، فأرسل إليه فقال : ما حملك على الذي فعلته؟ قال : فعلته مع رسول الله ، ثمّ لم ينهانا عنه حتّى قبضه الله . ثمّ مع أبي بكر فلم ينهانا حتى قبضه الله ، ثمّ معك ، فلم تحدث لنا فيه نهياً . فقال عمر : أم والذي نفسي بيده لو كنت تقدّمت في نهيٍ لرجمتك » (1) .
ومن هنا ترى أنّه في جميع الأخبار ينسبون النهي إلى عمر ، يقولون : « فلمّا كان عمر نهانا عنهما » و« نهى عنها عمر » و « قال رجل برأيه ما شاء » ونحو ذلك ، ولو كان ثمّة نهي عن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم لما كان لنسبة النهي وما ترتّب عليه من الآثار الفاسدة إلى عمر وجه كما هو واضح . وقد جاء عن أمير المؤمنين عليه السلام قوله : « لو لا أنّ عمر نهى عن المتعة ما زنى إلاّ شقي » (2) وعن ابن عبّاس : « ما كانت المتعة إلاّ رحتً من الله تعالى رحم بها عباده ، ولولا نهي عمر عنها ما زنى إلاّ شقي » (3) .
ومن هنا جعل تحريم المتعة من أوّليّات عمر بن الخطّاب (4) .
بل إنّ عمر نفسه يقول : « كانتا على عهد رسول الله ، وأنا أنهى عنهما » فلا يخبر عن نهي لرسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ، بل ينسب النهي إلى نفسه ويتوعّد بالعقاب ، بل إنّه لم يكذّب الرجل الشامي لمّا أجابه بما سمعت ، بل لمّا قال له : « ثمّ معك فلم تحدث لنا فيه نهياً » اعترف بعدم النهي مطلقاً حتى تلك الساعة ولا يخفى ما تدلّ عليه كلمة « تحدثّ » .
____________
(1) كنز العمّال 8 | 294 .
(2) المصنّف ـ لعبد الرزّاق بن همام ـ 7 | 500 ، تفسير الطبري 5 | 17 ، الدرّ المنثور 2 | 40 ، تفسير الرازي 3 | 200 .
(3) تفسير القرطبي 5 | 130 . ومنهم من رواه بلفظ « شفا » أي قليل . أنظر : النهاية وتاج العروس وغيرهما من كتب اللغة .
(4) تاريخ الخلفاء ـ للسيوطي ـ .

( 426 )

موقف عليّ وكبار الصحابة من تحريمها :
ثم إنّه وإن تابع عمر في تحريمه بعض القوم كعبدالله بن الزبير ، لكن ثبت على القول بحلّيّة المتعة ـ تبعاً للقرآن والسنّة ـ أعلام الصحابة ، وعلى رأسهم مولانا أمير المؤمنين وأهل البيت عليهم السلام ... قال ابن حزم :
« وقد ثبت على تحليلها بعد رسول الله جماعة من السلف ، منهم من الصحابة : أسماء بنت أبي بكر وجابر بن عبدالله وابن مسعود وابن عبّاس ومعاوية ابن أبي سفيان وعمرو بن حريث وأبو سعيد الخدري وسلمة ومعبد ابنا أميّة بن خلف .
ورواه جابر عن جميع الصحابة مدّة رسول الله ومدّة أبي بكر وعمر إلى قرب آخر خلافة عمر » .
قال : « ومن التابعين : طاووس وعطاء وسعيد بن جبير وسائر فقهاء مكّة أعزّها الله ... » (1) .
ولم يذكر ابن حزم عمران بن حصين وبعض الصحابة الآخرين : وذكر ذلك القرطبي وأضاف عن ابن عبدالبّر : « اصحاب ابن عباس من أهل مكّة واليمن كلّهم يرون المتعة حلالاً على مذهب ابن عبّاس » (2) .
ومن أشهر فقهاء مكّة المكرّمة القائلين بحلّيّة المتعة : عبدالملك بن عبدالعزيز ، المعروف بابن جريج المكّي ، المتوفّى سنة 149 هـ ، وهو من كبار الفقهاء وأعلام التابعين وثقات المحدّثين ومن رجال الصحيحين ، فقد ذكروا أنّه تزوّج نحواً من تسعين امرأة بنكاح المتعة .
وذكر ابن خلّكان أنّ المأمون أمر أيّام خلافته أن ينادى بحلّيّة المتعة . قال :
____________
(1) المحلّى 9 | 519 .
(2) تفسير القرطبي 5 | 133 .

( 427 )

فدخل عليه محمد بن منصور وأبو العيناء ، فوجداه يستاك ويقول ـ وهو متغيّظ ـ : متعتان كانتا على عهد رسول الله وعهد أبي بكر وأنا أنهى عنهما . قال : ومن أنت يا جعل حتى تنهى عمّا عفله رسول الله وأبو بكر ؟! فأراد محمد بن منصور أن يكلّه ، فأومأ إليه أبو العيناء وقال : رجل يقول في عمر بن الخطّاب ما يقول نكلّمه نحن ؟! ودخل عليه يحيى بن أكثم فخلا به وخوّفه من الفتنة ، ولم يزل به حتى صرف رأيه » (1) .

الأقوال في الدفاع عن عمر :
وجاء دور المدافعين والموجّهين الّذين يتعبون أنفسهم في هذا السبيل ... كما هو شأنهم في كلّ قضيّة من هذا القبيل ... حيث الحكم ثابت بالكتاب والسنّة ... وبالضروة من الدين ... والخليفة يخالف بكلّ صراحةٍ ... حكم ربّ العالمين ...
لكنّهم اختلفوا إلى طوائف ... بين قائل بأن النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم هو الذي حرّمها ، وقائل بأنّ عمر هو الذي حرّمها ... وقائل بأن النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم هو الذي نسخ حكم الإباحة لكن لم يعلم به إلاّ عمر!!
أمّا القول الأخير فهو للفخر الرازي ، فقد قال :
« فلم يبق إلاّ أن يقال : كان مراده أنّ المتعة كانت مباحةً في زمن الرسول عليه السلام ، وأنا أنهى عنه لما ثبت عندي أنّه نسخها « (2) .
وقال النووي بعد قولة عمر :
« محمول على أنّ الذي استمتع في عهد أبي بكر وعمر لم يبلغه النسخ » (3) .
____________
(1) وفيات الأعيان 5 | 197 بترجمة يحيى بن أكثم .
(2) تفسير الرازي ، بتفسير الآية .
(3) المنهاج ـ شرح صحيح مسلم 6 | 128 .

( 428 )

وأمّا القولان الأوّلان فقد ذكرهما ابن قيّم الجوزيّة (1) .
لكن اختلف أصحاب القول الأول في وقت تحريم النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم إلى أقوال سبعة (2) .
1 ـ أنّه يوم خيبر : وهذا قول طائفةٍ ، منهم الشافعي .
2 ـ أنّه في عمرة القضاء .
3 ـ أنّه عام فتح مكّة . وهذا قول ابن عيينة وطائفة .
4 ـ أنّه في أوطاس .
5 ـ أنّه عام حنين . قال ابن القيّم : وهذا في الحقيقة هو القول الثاني ، لاتّصال غزاة حنين بالفتح .
قلت : وسأذكر الحديث فيه .
6 ـ أنّه عام تبوك : وسأذكر الحديث فيه .
7 ـ أنّه عام حجّة الوداع .
قال ابن القيّم : « وهو وهم من بعض الرواة ، سافر فيه وهمه من فتح مكّة إلى حجّة الوداع ... وسفر الوهم من زمان إلى زمان ، ومن مكان إلى مكان ، ومن واقعة إلى واقعة ، كثيراً ما يعرض للحفاظ فمن دونهم » (3) .
وعمدة ما ذكره أصحاب القول الثاني في وجه تحريم ما أحلّه الله ورسوله وبقي الحكم كذلك حتى ذهاب رسول الله إلى ربه ـ وقد تقرّر أن لا نسخ بعده صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ هو : « إنّ عمر هو الذي حرّمها ونهى عنها ، وقد أمر رسول الله باتّباع ما سنّه الخلفاء الراشدون » (4) .
____________
(1) زاد المعاد 2 | 184 وسنذكر عبارته .
(2) ذكر منها ابن القيّم أربعة هي : خيبر ، الفتح ، حنين ، حجّة الوداع ، والثلاثة الاخرى من فتح الباري 9 | 138 .
(3) زاد المعاد في هدي خير العباد 2 | 183 .
(4) زاد المعاد في هدي خير العباد 2 | 184 .

( 429 )

فهذه هي الأقوال التي يستخلصها المتتبّع المنقّب من خلال كلماتهم المضطربة وأقوالهم المتعارضة ...

نقد القول بأنّ السنخ من النبيّ ولم يعلم به إلاّ عمر :
أمّا القول الثالث ـ وهو أنّ النسخ كان من النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم نفسه ، ولكن لم يعلم به غير عمر ـ فقد كان الأولى بإمامهم !! الفخر الرازي أن لا يتفوّه به ! إذ كيف يثبت النسخ عند عمر فقط ولا يقبت عند علي عليه السلام وجمهور الصحابة ؟! ولماذا خصّة النبّي صلّى الله عليه وآله وسلّم بالعلم به دونهم ؟! وهلاّ أخبر هو عن هذا النسخ ـ الثابت عنده ! ـ حين قال له ناصحه ، وهو عمران ابن سوادة : « عابت أمّتك منك أربعاً ... قال : وذكروا أنّك حرّمت متعة النساء وقد كانت ورخصةً من الله ، نستمتع بقبضةٍ ونفارق عن ثلاث . قال : إنّ رسول الله صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم أحلّها في زمان ضرورة ، ثم رجع الناس إلى سعة ... » (1) .
ولماذا لم تقبل الأمّة منه ذلك وبقي الخلاف حتى اليوم ؟ !

نقد القول بأنّ التحريم من عمر ويجب اتّباعه :
قال ابن القيّم : « فإن قيل : فما تصنعون بما رواه مسلم في صحيحه عن جابر بن عبدالله قال : كنّا نستمتع القبضة من التمر والدقيق الأيّام على عهد رسول الله وأبي بكر ، حتى نهى عنها عمر في شأن عمرو بن حريث . وفيما ثبت عن عمر أنّه قال : متعتان كانتا على عهد رسول الله أنا أنهى عنهما : متعة النساء ومتعة الحجّ ؟
قيل : الناس في هذا طائفتان :
____________
(1) تاريخ الطبري ـ حوادث سنة 23هـ .
( 430 )

طائفة تقول : إنّ عمر هو الذي حرّمها ونهى عنها ، وقد أمر رسول الله صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم باتّباع ما سنّة الخلفاء الراشدون . ولم تر هذه الطائفة تصحيح حديث سبرة بن معبد في تحريم المتعة عام الفتح ، فإنّه من رواية عبدالملك ابن الربيع بن سبرة عن أبيه عن جدّه . وقد متكلّم فيه ابن معين . ولم ير البخاري إخراج حديثه في صحيحه مع شدّة الحاجة إليه وكونه أصلاً من أصول الإسلام . ولو صحّ عنده لم يصبر من إخراجه والإحتجاج به . قالوا : ولو صحّ حديث سبرة لم يخف على ابن مسعود ، حتّى يروي أنّهم فعلوها . ويحتدّ بالآية .
وأيضاً : ولو صحّ لم يقل عمر إنّها كانت على عهد رسول الله ، وأنا أنهى عنها أعاقب عليها ، بل كان يقول إنّه صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم حرّمها ونهى عنها . قالوا : ولو صحّ لم تفعل على عهد الصدّيق وهوعهد خلافة النبوّة حقّاً .
والطائفة الثانية رأت صحّة حديث سبرة ، ولو لم يصحّ فقد صحّ حديث عليّ رضي الله عنه أن رسول الله حرّم متعة النساء .
فوجب حمل حديث جابر على أنّ الذي أخبر عنها بفعلها لم يبلغه التحريم ولم يكن قد اشتهر حتى كان زمن عمر ، فلمّا وقع فيها النزاع ظهر تحريمها واشتهر .
وبهذا تأتلف الأحاديث الواردة فيها . وبالله التوفيق » (1) .
أقول : فالقائلون بهذا القول يلتزمون بأنّ التحريم كان من عمر لا من الله ورسوله ، لكنّهم يؤجّهون تحريم عمر ، بل ينسبونه إلى الله ورسوله باعتبار أنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم أمر باتّباع ما سنّه الخلفاء الراشدون .
هذا عمدة دليلهم ... فإذا لم يثبت « أنّ رسول الله أمر باتّباع ما سنّة الخلفاء الراشدون » لم يبق مناص من الاعتراف بأنّ ما فعله عمر كان « إحداثاً في الدين » كما قال غير واحدٍ من الصحابة !
إنّ قوله : « وقد أمر رسول الله باتّباع ما سنّه الخلفاء » اشارة إلى ما يروونه
____________
(1) زاد المعاد في هدي خير العباد 2 | 184 .
( 431 )

عنه صلّى الله عليه وآله وسلّم أنّه قال : « عليكم بسنّتي وسنّة الخلفاء الراشدين المهديّين من بعدي وعضّوا عليها بالنواجذ ! .
لكن هذا الحديث من أحاديث سلسلتنا في ( الأحاديث الموضوعة ) .
إنّه حديث باطل بجميع أسانيده وطرقه ، ولقد أفصح عن بطلانه بعض كبار الأئمّة كالحافظ ابن القطّان ، المتوفّى سنة 628 هـ ، قال ابن حجر بترجمة عبدالرحمن السلمي : « له في الكتب حديث واحد في الموعظة صحّحه الترمذي قلت : وابن حبّان والحاكم في المستدرك .
وزعم ابن القطّان الفاسي : إنّه لا يصحّ ، لجهالته » (1) .
وقد ترجم لابن القطّان وأثنى عليه كبار العلماء (2) .
وبقي القول بأنّ النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم هو الذّي حرّمها ... وقد عرفت أنّ القائلين به اختلفوا على أقوال :
أمّا القول بأنّه كان عام حجّة الوداع فقد ابن القيّم : « هو وهم من بعض الرواة ... ».
وأمّا القول بأنّه كان عام حنين ، فقد قال ابن القيّم : « هذا في الحقيقة هو القول الثاني ، لاتّصال غزاة حنين بالفتح » .
وأمّا القول بأنّه كان في غزوة أوطاس فقد قال السهيلي : « من قال من الرواة كان في غزوة أوطاس فهو موافق لمن قال عام الفتح » (3) .
وأمّا القول بأنّه كان في عمرة القضاء فقد قال السهيلي : « أغرب ما روي في ذلك رواية من قال في غزوة تبوك ، ثمّ رواية الحسن أنّ ذلك كان في عمرة القضاء » (4) . وقال ابن حجر : « وأمّا عمرة القضاء فلا يصحّ الأثر فيها ، لكونه من
____________
(1) تهذيب التهذيب 6 | 238 .
(2) أنظر : تذكرة الحفّاظ 4 | 1407 وطبقات الحفّاظ : 494 .
(3) فتح الباري 9 | 138 .
(4) فتح الباري 9 | 138 .

( 432 )

مرسل الحسن ، ومراسيله ضعيفة ، لأنّه كان يأخذ عن كلّ أحد ، وعلى تقدير ثبوته فلعلّه أراد أيّام خيبر لأنّهما كانا في سنةٍ واحدة ، كما في الفتح وأوطاس سواء » (2) .
وقال ابن حجر : « الطريق التي أخرجها مسلم مصرّحة بأنّها في زمن الفتح أرجح ، فتعين المصير إليها » .
قال هذا بعد أن ذكر روايات الأقوال الأخرى ، وتكلّم عليها بالتفصيل ... حتى قال : « فلم يبق من المواطن ـ كما قلنا ـ صحيحاً صريحاً سوى غزوة خيبر وغزوة الفتح . وفي غزوة خيبر من كلام أهل العلم ما تقدّم » (3) .
بل لقد نسب السهيلي هذا القول إلى المشهور (4) .

1 ـ حديث التحريم عام الفتح :
قلت : وهذا نصّ الحديث عند مسلم بسنده :
« حدّثنا إسحاق بن إبراهيم ، أخبرنا يحيى بن آدم ، حدّثنا إبراهيم بن سعد ، عن عبدالملك بن الربيع بن سبرة الجهني ، عن أبيه ، عن جدّه ، قال : أمرنا رسول الله صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم بالمتعة عام الفتح حين دخلنا مكّة ، ثمّ لن يخرج حتى نهانا عنها » (5) .
____________
(1) فتح الباري 9 | 139 .
(2) زاد المعاد 6 | 127 .
(3) فتح الباري 9 | 139 .
(4) فتح الباري 9 | 138 .
(5) صحيح مسلم ـ بشرح النووي هامش القسطلاني ـ 6 | 127 .

( 433 )

2 ـ حديث التحريم في غزوة تبوك :
ورووا حديث التحريم في غزوة تبوك عن :
1 ـ أمير المؤمنين عليه السلام .
2 ـ جابر بن عبدالله .
3 ـ أبي هريرة .
أمّا الحديث عن أمير المؤمنين عليه السلام فقد ذكره النووي قائلاً :
« وذكر غير مسلم عن عليّ أنّ النبيّ نهى عنها في غزوة تبوك ، من رواية إسحاق بن راشد ، عن الزهري ، عن عبدالله بن محمد بن عليّ ، عن أبيه ، عن عليّ » (1) .
وأمّا الحديث عن جابر فأخرجه الحازمي .
وأمّا الحديث عن أبي هريرة فأخرجه ابن راهويه وابن حبّان من طريقه وقد أوردهما ابن حجر (2) ولا حاجة إلى ذكرهما اكتفاءً بما سنذكره في نقدهما .

3 ـ حديث التحريم في غزوة حنين :
ورووا حديث التحريم في غزوة حنين عن مولانا أمير المؤمنين عليه السلام كذلك ... فقد أخرج النسائي قائلاً :
« أخبرنا عمرو بن عليّ ومحمّد بن بشّار ومحمد بن المثّنى ، قالوا : أنبأنا عبدالوهّاب ، قال : سمعت يحيى بن سعيد ، يقول : أخبرني مالك بن أنس أنّ ابن شهاب أخبره أنّ عبدالله والحسن ابني محمد بن عليّ أخبراه أنّ أباهما محمد بن عليّ أخبرهما أن عليّ بن أبي طالب قال : نهى رسول الله يوم خيبر عن متعة النساء .
____________
(1) المنهاج ، شرح صحيح مسلم هامش القسطلاني 6 | 119 .
(2) فتح الباري 9 | 138 .

( 434 )

قال ابن المثنّى : يوم حنين ، وقال : هكذا حدّثنا عبدالوهّاب من كتابه » (1) .

4 ـ حديث التحريم في يوم خيبر :
ورووا في الصحاح وغيرها حديث التحريم في يوم خيبر عن أمير المؤمنين عليه السلام كذلك ، لكن باختلاف في اللفظ كما سترى ، ونكتفي هنا بما جاء عند البخاري ومسلم :
أخرج البخاري : « حدّثنا مالك بن إسماعيل ، حدّثنا ابن عيينة أنّه سمع الزهري يقول : أخبرني الحسن بن محمّد بن عليّ وأخوه عبدالله عن أبيهما إنّ عليّاً رضي الله عنه قال لابن عبّاس : إنّ النبي صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم نهى عن المتعة وعن لحوم الحمر الأهلية زمن خيبر » (2) .
وأخرج مسلم : « حدّثنا يحيى بن يحيى ، قال : قرأت على مالك ، عن ابن شهاب ، عن عبدالله والحسن ابني محمد بن عليّ ، عن أبيهما ، عن عليّ بن أبي طالب أن رسول الله صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم نهى عن متعة النساء يوم خيبر وعن أكل لحوم الحمر الإنسية .
وحدّثناه عبدالله بن محمد بن أسماء الضبعي ، حدّثنا جويرية ، عن مالك بهذا الإسناد وقال : سمع عليّ بن أبي طالب يقول لفلان : إنّك رجل تائه ، نهانا رسول الله . بمثل حديث يحيى عن مالك .
حدّثنا أبوبكر بن أبي شيبة وابن نمير وزهير بن حرب جميعاً ، عن ابن عيينة ، قال زهير : حدّثنا سفيان بن عيينة ، عن الزهري ، عن حسن وعبدالله ابني محمد بن عليّ ، عن أبيهما ، عن عليّ : أنّ رسول الله صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم نهى عن نكاح المتعة يوم خيبر وعن لحوم الحمر الأهلية .
____________
(1) سنن النسائي 6 | 126 .
(2) صحيح البخاري ـ بشرح ابن حجر ـ 9 | 136 .

( 435 )

وحدّثنا محمد بن عبدالله بن نمير ، حدّثنا أبي ، حدثّنا عبيدالله ، عن ابن شهاب ، عن الحسن وعبدالله ابني محمد بن عليّ ، عن أبيهما ، عن عليّ إنّه سمع ابن عبّاس يلين في متعة النساء فقال : مهلاً يا ابن عبّاس ، فإنّ رسول الله صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم نهى عنها يوم خيبر وعن لحوم الحمر الإنسية .
وحدّثني أبو الطاهر وحرملة بن يحيى ، قالا : أخبرنا ابن وهب ، أخبرني يونس ، عن ابن شهاب ، عن الحسن وعبدالله ابني محمد بن عليّ بن أبي طالب ، عن أبيهما أنّه سمع عليّ بن أبي طالب يقول لابن عبّاس : نهى رسول الله صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم عن متعة النساء يوم خيبر وعن أكل لحوم الحمر الإنسية » (1) .

أقول :
وفي جميع أحاديث الباب نقود مشتركة ، توجب القول ببطلانها جميعاً ، حتى لو صحّت كلّها سنداً ...
فنذكر تلك النقود المشتركة بإيجاز ، ثم نتعرّض لنقد حديث فتح مكّة لكونه القول المشهور كما عرفت ، ولنقد حديث خيبر بالتفصيل لكونه المشهور عندهم عن أمير المؤمنين عليه السلام ، وهو من أحاديث الصحيحين!!
وإنّما تعرضنا ـ من بين الأحاديث الأخرى ـ لحديثي تبوك وحنين ... لأنّهم رووهما عن أمير المؤمنين عليه السلام كذلك .
____________
(1) صحيح مسلم ـ بشرح النووي هامش القسطلاني 6 | 129 ـ 130 .