الميزان في تفسير القران ـ المجلد الثاني ::: 241 ـ 255
(241)
آخرين ، احدهما : حق الحضانة والارضاع الذي للزوجة وما اشبهه فلا يحق للزوج ان يحول بين الوالدة وولدها بمنعها عن حضانته أو رؤيته أو ما أشبه ذلك فإن ذلك مضارة وحرج عليها ، وثانيهما : نفي مضارة الزوجة للزوج بولده بأن تمنعه عن الرؤية ونحو ذلك ، وذلك قوله تعالى : لاتضار والدة بولدها ولا مولود له بولده ، والنكتة في وضع الظاهر موضع الضمير أعني في قوله : بولده دون ان يقول به رفع التناقض المتوهم ، فإنه لو قيل : ولا مولود له به رجع الضمير إلى قوله ولدها وكان ظاهر المعنى : ولا مولود له بولد المرأة فأوهم التناقض لان إسناد الولادة إلى الرجل يناقض إسنادها إلى المرأة ، ففي الجملة مراعاة لحكم التشريع والتكوين معا أي إن الولد لهما معا تكوينا فهو ولده وولدها ، وله فحسب تشريعا لانه مولود له.
    قوله تعالى : « وعلى الوارث مثل ذلك ، ظاهر » الآية : ان الذى جعل على الوالد من الكسوة والنفقة فهو مجعول على وارثه إن مات ، وقد قيل في معنى الآية أشياء أخر لا يوافق ظاهرها ، وقد تركنا ذكرها لانها بالبحث الفقهي أمس فلتطلب من هناك ، والذي ذكرناه هو الموافق لمذهب أئمة أهل البيت فيما نقل عنهم من الاخبار ، وهو الموافق أيضا لظاهر الآية.
    قوله تعالى : « فإن أرادا فصالا عن تراض منهما وتشاور » إلى آخر الآية ، الفصال : الفطام ، والتشاور : الاجتماع على المشورة ، والكلام تفريع على الحق المجعول للزوجة ونفي الحرج عن البين ، فالحضانة والرضاع ليس واجبا عليها غير قابل التغيير ، بل هو حق يمكنها أن تتركه.
    فمن الجائز ان يتراضيا بالتشاور على فصال الولد من غير جناح عليهما ولا بأس ، وكذا من الجائز ان يسترضع الزوج لولده من غير الزوجة الوالدة إذا ردت الولد إليه بالامتناع عن ارضاعه ، أو لعلة أخرى من انقطاع لبن أو مرض ونحوه إذا سلم لها ما تستحقها تسليما بالمعروف بحيث لا يزاحم في جميع ذلك حقها ، وهو قوله تعالى : وإن أردتم أن تسترضعوا اولادكم فلا جناح عليكم إذا سلمتم ما آتيتم بالمعروف.
    قوله تعالى : « واتقوا الله واعلموا ان الله بما تعملون بصير » ، أمر بالتقوى وان


(242)
يكون هذا التقوى بإصلاح صورة هذه الاعمال ، فإنها أمور مرتبطة بالظاهر من الصورة ولذلك : « واتقوا الله واعلموا ان الله بما تعملون بصير » ، وهذا بخلاف ما في ذيل قوله تعالى السابق : « وإذا طلقتم النساء فبلغن اجلهن » الآية من قوله تعالى : « واتقوا الله واعلموا ان الله بكل شيء عليم » ، فان تلك الآية مشتملة على قوله تعالى : ولا تمسكوهن ضرارا لتعتدوا ، والمضارة ربما عادت إلى النية من غير ظهور في صورة العمل إلا بحسب الاثر بعد.
    قوله تعالى : « والذين يتوفون منكم ويذرون ازواجا يتربصن بأنفسهن اربعة اشهر وعشرا » ، التوفي هو الاماتة ، يقال : توفاه الله إذا اماته فهو متوفى بصيغة اسم المفعول ، ويذرون مثل يدعون بمعنى يتركون ولا ماضي لهما من مادتهما ، والمراد بالعشر الايام حذفت لدلالة الكلام عليه.
    قوله تعالى : « فإذا بلغن اجلهن فلا جناح عليكم فيما فعلن في أنفسهن بالمعروف المراد ببلوغ الاجل انقضاء العدة » ، وقوله : فلا جناح الخ كناية عن إعطاء الاختيار لهن في افعالهن فإن اخترن لانفسهن الازدواج فلهن ذلك ، وليس لقرابة الميت منعهن عن شيء من ذلك استنادا إلى بعض العادات المبنية على الجهالة والعمى أو الشح والحسد فإن لهن حقا في ذلك معروفا في الشرع وليس لاحد ان ينهي عن المعروف.
    وقد كانت الامم على أهواء شتى في المتوفى عنها زوجها ، بين من يحكم بإحزاق الزوجة الحية مع زوجها الميت أو إلحادها وإقبارها معه ، وبين من يقضي بعدم جواز ازدواجها ما بقيت بعده إلى آخر عمرها كالنصارى ، وبين من يوجب اعتزالها عن الرجال إلى سنة من حين الوفاة كالعرب الجاهلي ، أو ما يقرب من السنة كتسعة أشهر كما هو كذلك عند بعض الملل الراقية ، وبين من يعتقد أن للزوج المتوفى حقا على الزوجة في الكف عن الازدواج حينا من غير تعيين للمدة ، كل ذلك لما يجدونه من أنفسهم أن الازدواج للاشتراك في الحياة والامتزاج فيها ، وهو مبني على أساس الانس والالفه ، وللحب حرمة يجب رعايتها ، وهذا وان كان معنى قائما بالطرفين ، ومرتبطا بالزوج والزوجة معا فكل منهما أخذته الوفاة كان على الآخر رعاية هذه الحرمة بعد صاحبه ، غير أن هذه المراعاة على المرأة أوجب وألزم ، لما يجب عليها من مراعاة جانب الحياء والاحتجاب والعفة ، فلا ينبغي لها أن تبتذل فتكون كالسلعة المبتذلة الدائرة تعتورها الايدي واحدة بعد واحدة ، فهذا هو الموجب لما حكم به هذه


(243)
الاقوام المختلفة في المتوفى عنها زوجها ، وقد عين الاسلام هذا التربص بما يقرب من ثلث سنة ، أعني اربعة أشهر وعشرا.
    قوله تعالى : « والله بما تعملون خبير » ، لما كان الكلام مشتملا على تشريع عدة الوفاة وعلى تشريع حق الازدواج لهن بعدها ، وكان كل ذلك تشخيصا للاعمال مستندا إلى الخبرة الالهية كان الانسب تعليله بأن الله خبير بالاعمال مشخص للمحظور منها عن المباح ، فعليهن أن يتربصن في مورد وأن يخترن ما شئن لانفسهن في مورد آخر ، ولذا ذيل الكلام بقوله : « والله بما تعملون خبير ».
    قوله تعالى : « لا جناح عليكم فيما عرضتم به من خطبة النساء أو أكننتم في انفسكم التعريض هو الميل بالكلام إلى جانب ليفهم المخاطب أمرا مقصودا للمتكلم لا يريد التصريح به » ، من العرض بمعنى الجانب فهو خلاف التصريح.
    والفرق بين التعريض والكناية ان للكلام الذي فيه التعريض معنى مقصودا غير ما اعترض به كقول المخاطب للمرأة : إني حسن المعاشرة واحب النساء ، اي لو تزوجت بي سعدت بطيب العيش وصرت محبوبة ، بخلاف الكناية إذ لا يقصد في الكناية غير المكنى عنه كقولك : فلان كثير الرماد تريد انه سخي.
    والخطبة بكسر الخاء من الخطب بمعنى التكلم والمراجعة في الكلام ، يقال : خطب المرأة خطبة بالكسر إذا كلمها في أمر التزوج بها فهو خاطب ولايقال : خطيب ويقال خطب القوم خطبة بضم الخاء إذا كلمهم ، وخاصة في الوعظ فهو خاطب من الخطاب وخطيب من الخطباء.
    والاكنان من الكن بالفتح بمعنى الستر لكن يختص الاكنان بما يستر في النفس كما قال : أو أكننتم في انفسكم ، والكن بما يستر بشيء من الاجسام كمحفظة أو ثوب أو بيت ، قال تعالى : « كأنهن بيض مكنون » الصافات ـ 49 ، وقال تعالى : « كأمثال اللؤلؤء المكنون » الواقعة ـ 23 ، والمراد بالآية نفى البأس عن التعريض في الخطبة أو إخفاء أمور في القلب في امرها.
    قوله تعالى : « علم الله انكم ستذكرونهن » ، في مورد التعليل لنفي الجناح عن


(244)
الخطبة والتعريض فيها ، والمعنى : ان ذكركم إياهن امر مطبوع في طباعكم والله لاينهي عن امر تقضي به غريزتكم الفطرية ونوع خلقتكم ، بل يجوزه ، وهذا من الموارد الظاهرة في ان دين الاسلام مبني على اساس الفطرة.
    قوله تعالى : « ولا تعزموا عقدة النكاح حتى يبلغ الكتاب أجله » ، العزم عقد القلب على الفعل وتثبيت الحكم بحيث لا يبقى فيه وهن في تأثيره الا ان يبطل من رأس ، والعقدة من العقد بمعنى الشد. وفي الكلام تشبيه علقة الزوجية بالعقدة التي يعقد بها أحد الخيطين بالآخر بحيث يصيران واحدا بالاتصال ، كأن حبالة النكاح تصير الزوجين واحدا متصلا ، ثم في تعليق عقدة النكاح بالعزم الذي هو امر قلبي اشارة إلى ان سنخ هذه العقدة والعلقة أمر قائم بالنية والاعتقاد فإنها من الاعتبارات العقلائية التي لا موطن لها إلا ظرف الاعتقاد والادراك ، نظير الملك وسائر الحقوق الاجتماعية العقلائية كما مر بيانه في ذيل قوله تعالى : « كان الناس أمة واحدة الآية » البقرة ـ 213 ، ففي الآية استعارة وكناية ، والمراد بالكتاب هو المكتوب أي المفروض من الحكم وهو التربص الذي فرضه الله على المعتدات.
    فمعنى الآية : ولاتجروا عقد النكاح حتى تنقضي عدتهن ، وهذه الآية تكشف أن الكلام فيها وفي الآية السابقة عليها أعني قوله تعالى : لا جناح عليكم فيما عرضتم به من خطبة النساء الآية إنما هو في خطبة المعتدات وفي عقدهن ، وعلى هذا فاللام في قوله : النساء للعهد دون الجنس وغيره.
    قوله تعالى : « واعلموا أن الله يعلم ما في أنفسكم » الخ ايراد ما ذكر من صفاته تعالى في الآية ، اعني العلم والمغفرة والحكم يدل على أن الامور المذكورة في الآيتين وهي خطبة المعتدات والتعريض لهن ومواعدتهن سرا من موارد الهلكات لا يرتضيها الله سبحانه كل الارتضاء وإن كان قد أجاز ما أجازه منها.
    قوله تعالى : « لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن أو تفرضوا لهن فريضه » ، المس كناية عن المواقعة ، والمراد بفرض الفريضة تسمية المهر ، والمعنى : ان عدم مس الزوجة لا يمنع عن صحة الطلاق وكذا عدم ذكر المهر.
    قوله تعالى : « ومتعوهن على الموسع قدره وعلى المقتر قدره متاعا بالمعروف » ،


(245)
التمتيع إعطاء ما يتمتع به ، والمتاع والمتعة ما يتمتع به ، ومتاعا مفعول مطلق لقوله تعالى : ومتعوهن ، اعترض بينهما قوله تعالى : على الموسع قدره وعلى المقتر قدره ، والموسع اسم فاعل من أوسع إذا كان على سعة من المال وكأنه من الافعال المتعدية التي كثر استعمالها مع حذف المفعول اختصارا حتى صار يفيد ثبوت أصل المعنى فصار لازما والمقتر اسم فاعل من أقتر إذا كان على ضيق من المعاش ، والقدر بفتح الدال وسكونها بمعنى واحد.
    ومعنى الآية : يجب عليكم ان تمتعوا المطلقات عن غير فرض فريضة متاعا بالمعروف وإنما يجب على الموسع قدره أي ما يناسب حاله ويتقدر به وضعه من التمتيع ، وعلى المقتر قدره من التمتيع ، وهذا يختص بالمطلقة غير المفروضة لها التي لم يسم مهرها ، والدليل على أن هذا التمتيع المذكور مختص بها ولا يعم المطلقة المفروضة لها التي لم يدخل بها ما في الآية التالية من بيان حكمها.
    قوله تعالى : « حقا على المحسنين » ، اي حق الحكم حقا على المحسنين ، وظاهر الجملة وان كان كون الوصف اعني الاحسان دخيلا في الحكم ، وحيث ليس الاحسان واجبا استلزم كون الحكم استحبابيا غير وجوبي ، إلا ان النصوص من طرق اهل البيت تفسر الحكم بالوجوب ، ولعل الوجه فيه ما مر من قوله تعالى : الطلاق مرتان فامساك بمعروف أو تسريح باحسان الآية فأوجب الاحسان على المسرحين وهم المطلقون فهم ـ المحسنون ، وقد حق الحكم في هذه الآية على المحسنين وهم المطلقون ، والله اعلم.
    قوله تعالى : « وان طلقتموهن من قبل ان تمسوهن » الخ ، أي وان اوقعتم الطلاق قبل الدخول بهن وقد فرضتم لهن فريضة وسميتم المهر فيجب عليكم تأدية نصف ما فرضتم من المهر إلى أن يعفون هؤلاء المطلقات أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح من وليهن فيسقط النصف المذكور ايضا ، أو الزوج فان عقدة النكاح بيده أيضا ، فلا يجب على الزوجة المطلقة رد نصف المهر الذي أخذت ، والعفو على أي حال أقرب للتقوى لان من أعرض عن حقه الثابت شرعا فهو عن الاعراض عما ليس له بحق من محارم الله سبحانه اقوى وأقدر.
    قوله تعالى : « ولا تنسوا الفضل بينكم الخ الفضل هو الزيادة كالفضول غير »


(246)
الفضل هو الزيادة في المكارم والمحامد والفضول هو الزيادة غير المحمودة على ما قيل ، وفي الكلام ذكر الفضل الذي ينبغي ان يؤثره الانسان في مجتمع الحياة فيتفاضل به البعض على بعض ، والمراد به الترغيب في الاحسان والفضل بالعفو عن الحقوق والتسهيل والتخفيف من الزوج للزوجة وبالعكس ، والنكتة في قوله تعالى : « إن الله على كل شيء بصير » ، كالنكتة فيما مر في ذيل قوله تعالى : « والوالدات يرضعن أولادهن » الآية.
    قوله تعالى : « حافظوا على الصلوات » إلى آخر الآية ، حفظ الشئ ضبطه وهو في المعاني أعني حفظ النفس لما تستحضره أو تدركه من المعاني أغلب ، والوسطى مؤنث الاوسط ، والصلاة الوسطى هي الواقعة في وسطها ، ولا يظهر من كلامه تعالى ما هو المراد من الصلاة الوسطى ، وإنما تفسيره السنة ، وسيجئ ما ورد من الروايات في تعيينه.
    واللام في قوله تعالى : قوموا لله ، للغاية ، والقيام بأمر كناية عن تقلده والتلبس واللام في قوله تعالى : قوموا لله ، للغاية ، والقيام بأمر كناية عن تقلده والتلبس بفعله ، والقنوت هو الخضوع بالطاعة ، قال تعالى : « كل له قانتون » البقرة ـ 116 ، وقال تعالى : « ومن يقنت منكن لله ورسوله » الاحزاب ـ 31 ، فمحصل المعنى : تلبسوا بطاعة الله سبحانه بالخضوع مخلصين له ولاجله.
    قوله تعالى : « فإن خفتم فرجالا أو ركبانا » إلى آخر الآية عطف الشرط على الجملة السابقة يدل على تقدير شرط محذوف أي حافظوا إن لم تخافوا ، وإن خفتم فقدروا المحافظة بقدر ما يمكن من الصلاة راجلين وقوفا أو مشيا أو راكبين ، والرجال جمع راجل والركبان جمع راكب ، وهذه صلاة الخوف.
    والفاء في قوله تعالى : فإذا أمنتم ، للتفريع أي ان المحافظة على الصلاة أمر غير ساقط من اصله بل إن لم تخافوا شيئا وأمكنت لكم وجبت عليكم وإن تعسر عليكم فقدروها بقدر ما يمكن لكم ، وإن زال عنكم الخوف بتجدد الامن ثانيا عاد الوجوب ووجب عليكم ذكر الله سبحانه.
    والكاف في قوله تعالى : كما علمكم ، للتشبيه ، وقوله : ما لم تكونوا تعلمون من قبيل وضع العام موضع الخاص دلالة على الامتنان بسعة النعمة والتعليم ، والمعنى على


(247)
هذا : فاذكروا الله ذكرا يماثل ما علمكم من الصلاة المفروضة المكتوبة في حال الامن في ضمن ما علمكم من شرائع الدين.
    قوله تعالى : « والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا وصية لالزواجهم ». وصية مفعول مطلق لمقدر ، والتقدير ليوصوا وصية ينتفع به أزواجهم ويتمتعن متاعا إلى الحول بعد التوفي.
    وتعريف الحول باللام لا يخلو عن دلالة على كون الآية نازلة قبل تشريع عدة الوفاة ، أعني الاربعة أشهر وعشرة أيام فإن عرب الجاهلية كانت نسائهم يقعدن بعد موت أزواجهن حولا كاملا ، فالآية توصي بأن يوصي الازواج لهن بمال يتمتعن به إلى تمام الحول من غير إخراجهن من بيوتهن ، غير ان هذا لما كان حقا لهن والحق يجوز تركه كان لهن ان يطالبن به ، وان يتركنه فإن خرجن فلا جناح للورثة ومن يجري مجراهم فيما فعلن في أنفسهن بالمعروف ، وهذا نظير ما أوصى الله به من حضره الموت ان يوصي للوالدين والاقربين بالمعروف ، قال تعالى : « كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت ان ترك خيرا الوصية للوالدين والاقربين بالمعروف حقا على المتقين » البقرة ـ 180.
    ومما ذكرنا يظهر ان الآية منسوخة بآية عدة الوفاة وآية الميراث بالربع والثمن.
    قوله تعالى : « وللمطلقات متاع بالمعروف حقا على المتقين » ، الآية في حق مطلق المطلقات ، وتعليق ثبوت الحكم بوصف التقوى مشعر بالاستحباب.
    قوله تعالى : « كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تعقلون » ، الاصل في معنى العقل العقد والامساك وبه سمي إدراك الانسان إدراكا يعقد عليه عقلا ، وما أدركه عقلا ، والقوة التي يزعم انها إحدى القوى التي يتصرف بها الانسان يميز بها بين الخير والشر والحق والباطل عقلا ، ويقابله الجنون والسفه والحمق والجهل باعتبارات مختلفة.
    والالفاظ المستعملة في القرآن الكريم في أنواع الادراك كثيرة ربما بلغت العشرين ، كالظن ، والحسبان ، والشعور ، والذكر ، والعرفان ، والفهم ، والفقه ، والدراية ، واليقين ، والفكر ، والرأى ، والزعم ، والحفظ ، والحكمة ، والخبرة ، والشهادة ، والعقل ، ويلحق بها مثل القول ، والفتوى ، والبصيرة ونحو ذلك.
    والظن هو التصديق الراجح وإن لم يبلغ حد الجزم والقطع ، وكذا الحسبان ،


(248)
غير ان الحسبان كأن استعماله في الادراك الظني استعمال استعاري ، كالعد بمعنى الظن وأصله من نحو قولنا : عد زيدا من الابطال وحسبه منهم أي ألحقه بهم في العد والحساب.
    والشعور هو الادراك الدقيق مأخوذ من الشعر لدقته ، ويغلب استعماله في المحسوس دون المعقول ، ومنه إطلاق المشاعر للحواس.
    والذكر هو استحضار الصورة المخزونة في الذهن بعد غيبته عن الادراك أو حفظه من ان يغيب عن الادراك.
    والعرفان والمعرفة تطبيق الصورة الحاصلة في المدركة على ما هو مخزون في الذهن ولذا قيل : إنه إدراك بعد علم سابق.
    والفهم : نوع انفعال للذهن عن الخارج عنه بانتقاش الصورة فيه.
    والفقه : هو التثبت في هذه الصورة المنتقشة فيه والاستقرار في التصديق.
    والدراية : هو التوغل في ذلك التثبت والاستقرار حتى يدرك خصوصية المعلوم وخباياه ومزاياه ، ولذا يستعمل في مقام تفخيم الامر وتعظيمه ، قال تعالى : « الحاقة ما الحاقة وما أدراك ما الحاقة » الحاقة ـ 2 ، وقال تعالى : « انا انزلناه في ليلة القدر ، وما ادراك ما ليلة القدر » القدر ـ 2.
    واليقين : هو اشتداد الادراك الذهني بحيث لا يقبل الزوال والوهن.
    والفكر نحو سير ومرور على المعلومات الموجودة الحاضرة لتحصيل ما يلازمها من المجهولات.
    والرأي : هو التصديق الحاصل من الفكر والتروي ، غير انه يغلب استعماله في العلوم العملية مما ينبغي فعله وما لا ينبغي دون العلوم النظرية الراجعة إلى الامور التكوينية ، ويقرب منه البصيرة ، والافتاء ، والقول ، غير ان استعمال القول كأنه استعمال استعاري من قبيل وضع اللازم موضع الملزوم لان القول في شيء يستلزم الاعتقاد بما يدل عليه.
    والزعم : هو التصديق من حيث أنه صورة في الذهن سواء كان تصديقا راجحا أو جازما قاطعا.
    والعلم كما مر : هو الادراك المانع من النقيض


(249)
     والحفظ : ضبط الصورة المعلومة بحيث لا يتطرق إليه التغيير والزوال.
    والحكمة : هي الصورة العلمية من حيث إحكامها وإتقانها.
    والخبره : هو ظهور الصورة العلمية بحيث لا يخفي على العالم ترتب أي نتيجة على مقدماتها.
    والشهادة : هو نيل نفس الشئ وعينه إما بحس ظاهر كما في المحسوسات أو باطن كما في الوجدانيات نحو العلم والارادة والحب والبغض وما يضاهي ذلك.
    والالفاظ السابقة على ما عرفت من معانيها لا تخلو عن ملابسة المادة والحركة والتغير ، ولذلك لا تستعمل في مورده تعالى غير الخمسة الاخيرة منها أعني العلم والحفظ والحكمة والخبرة والشهادة ، فلا يقال فيه تعالى : انه يظن أو يحسب أو يزعم أو يفهم أو يفقه أو غير ذلك.
    واما الالفاظ الخمسة الاخيرة فلعدم استلزامها للنقص والفقدان تستعمل في مورده تعالى ، قال سبحانه : « والله بكل شيء عليم » النساء ـ 75 ، وقال تعالى : « وربك على كل شئ حفيظ » سبأ ـ 21 ، وقال تعالى : « والله بما تعملون خبير » البقرة ـ 234 ، وقال تعالى : « هو العليم الحكيم » يوسف ـ 83 ، وقال تعالى : « إنه على كل شيء شهيد » فصلت ـ 53.
    ولنرجع إلى ما كنا فيه فنقول : لفظ العقل على ما عرفت يطلق على الادراك من حيث ان فيه عقد القلب بالتصديق ، على ما جبل الله سبحانه الانسان عليه من إدراك الحق والباطل في النظريات ، والخير والشر والمنافع والمضار في العمليات حيث خلقه الله سبحانه خلقة يدرك نفسه في اول وجوده ، ثم جهزه بحواس ظاهرة يدرك بها ظواهر الاشياء ، وباخرى باطنة يدرك معاني روحية بها ترتبط نفسه مع الاشياء الخارجة عنها كالارادة ، والحب والبغض ، والرجاء ، والخوف ، ونحو ذلك ، ثم يتصرف فيها بالترتيب والتفصيل والتخصيص والتعميم ، فيقضي فيها في النظريات والامور الخارجة عن مرحلة العمل قضاء نظريا ، وفي العمليات والامور المربوطة بالعمل قضاء عمليا ، كل ذلك جريا على المجرى الذي تشخصه له فطرته الاصلية ، وهذا هو العقل.


(250)
    لكن ربما تسلط بعض القوى على الانسان بغلبته على سائر القوى كالشهوة والغضب فأبطل حكم الباقي أو ضعفه ، فخرج الانسان بها عن صراط الاعتدال إلى أودية الافراط والتفريط ، فلم يعمل هذا العامل العقلي فيه على سلامته ، كالقاضي الذي يقضي بمدارك أو شهادات كاذبة منحرفة محرفة ، فإنه يحيد في قضائه عن الحق وإن قضى غير قاصد للباطل ، فهو قاض وليس بقاض ، كذلك الانسان يقضي في مواطن المعلومات الباطلة بما يقضي ، وإنه وإن سمي عمله ذلك عقلا بنحو من المسامحة ، لكنه ليس بعقل حقيقة لخروج الانسان عند ذلك عن سلامة الفطرة وسنن الصواب.
    وعلى هذا جرى كلامه تعالى ، فإنه يعرف العقل بما ينتفع به الانسان في دينه ويركب به هداه إلى حقائق المعارف وصالح العمل ، وإذا لم يجر على هذا المجرى فلا يسمى عقلا ، وإن عمل في الخير والشر الدنيوي فقط ، قال تعالى « وقالوا لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا في اصحاب السعير » الملك ـ 10.
    وقال تعالى : « أفلم يسيروا في الارض فتكون لهم قلوب يعقلون بها أو آذان يسمعون بها فإنها لاتعمى الابصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور » الحج ـ 46 ، فالآيات كما ترى تستعمل العقل في العلم الذي يستقل الانسان بالقيام عليه بنفسه ، والسمع في الادراك الذي يستعين فيه بغيره مع سلامة الفطرة في جميع ذلك ، وقال تعالى : « ومن يرغب عن ملة إبراهيم إلا من سفه نفسه » البقرة ـ 130 ، وقد مر ان الآية بمنزلة عكس النقيض لقوله ( عليه السلام ) : العقل ما عبد به الرحمن الحديث.
    فقد تبين من جميع ما ذكرنا : ان المراد بالعقل في كلامه تعالى هو الادراك الذي يتم للانسان مع سلامه فطرته ، وبه يظهر معنى قوله سبحانه : كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تعقلون ، فبالبيان يتم العلم ، والعلم مقدمة للعقل ووسيلة إليه كما قال تعالى : « وتلك الامثال نضربها للناس وما يعقلها الا العالمون » العنكبوت ـ 43.
( بحث روائي )
     في سنن أبي داود عن اسماء بنت يزيد بن السكن الانصارية ، قالت : طلقت على عهد رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ولم يكن للمطلقة عدة فأنزل حين طلقت العدة للطلاق :


(251)
والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء فكانت أول من انزلت فيها العدة للطلاق.
    وفي تفسير العياشي في قوله تعالى : والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء ، عن زرارة ، قال : سمعت ربيعة الرأي وهو يقول : ان من رأيي ان الاقراء التي سمى الله في القرآن انما هي الطهر فيما بين الحيضتين وليس إ بالحيض ، قال : فدخلت على أبي جعفر ( عليه السلام ) فحدثته بما قال ربيعة فقال : ولم يقل برأيه انما بلغه عن علي ( عليه السلام ) فقلت : اصلحك الله أكان علي ( عليه السلام ) يقول ذلك؟ قال : نعم ، كان يقول : انما القرء الطهر ، تقرأ فيه الدم فتجمعه فإذا جاءت دفعته ، قلت : اصلحك الله رجل طلق امرأته طاهرا غير جماع بشهادة عدلين؟ قال : إذا دخلت في الحيضة الثالثة فقد انقضت عدتها وحلت للازواج ، الحديث.
    اقول : هذا المعنى مروي بعدة طرق عنه ( عليه السلام ) ، وقوله : قلت : اصلحك الله أكان علي ( عليه السلام ) يقول ذلك إنما استفهم ذلك بعد قوله ( عليه السلام ) : إنما بلغه عن علي ، لما اشتهر بين العامة عن علي أنه كان يقول : إن القروء في الآية هي الحيض دون الاطهار كما في الدر المنثور عن الشافعي وعبد الرزاق وعبد بن حميد والبيهقي عن علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) قال : تحل لزوجها الرجعة عليها حتى تغتسل من الحيضة الثالثة وتحل للازواج ، لكن أئمة أهل البيت ينكرون ذلك وينسبون إليه ( عليه السلام ) : أن الاقراء الاطهار دون الحيض كما مرت في الرواية ، وقد نسبوا هذا القول إلى عدة أخرى من الصحابة غيره ( عليه السلام ) كزيد بن ثابت وعبد الله بن عمر وعائشة ورووه عنهم.
    وفي المجمع عن الصادق ( عليه السلام ) في قوله تعالى : « ولا يحل لهن ان يكتمن ما خلق الله في أرحامهن » الآية : الحبل والحيض.
    وفي تفسير القمي : وقد فوض الله إلى النساء ثلاثة اشياء : الطهر والحيض والحبل.
    وفي تفسير القمي أيضا في قوله تعالى : وللرجال عليهن درجة ، قال : قال ( عليه السلام ) حق الرجال على النساء أفضل من حق النساء على الرجال.
    اقول : وهذا لا ينافي التساوي من حيث وضع الحقوق كما مر.
    وفي تفسير العياشي في قوله تعالى : الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان ، عن ابي جعفر ( عليه السلام ) ، قال : إن الله يقول الطلاق مرتان فإمساك بمعروف


(252)
أو تسريح بإحسان والتسريح بالاحسان هو التطليقة الثالثة.
    وفي التهذيب عن ابي جعفر ( عليه السلام ) ، قال : طلاق السنة يطلقها تطليقة يعني على طهر من غير جماع بشهادة شاهدين ثم يدعها حتى تمضي أقرائها فإذا مضت اقرائها فقد بانت منه وهو خاطب من الخطاب : إن شاءت نكحته ، وإن شاءت فلا ، وإن أراد ان يراجعها أشهد على رجعتها قبل ان تمضي اقرائها ، فتكون عنده على التطليقة الماضية ، الحديث.
    وفي الفقيه عن الحسن بن فضال ، قال : سألت الرضا عن العلة التي من اجلها لا تحل المطلقة لعدة لزوجها حتى تنكح زوجا غيره فقال ( عليه السلام ) : إن الله عز وجل إنما أذن في الطلاق مرتين فقال عز وجل : الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان ، يعني في التطليقة الثالثة ، ولدخوله فيما كره الله عز وجل من الطلاق الذي حرمها عليه فلا تحل له حتى تنكح زوجا غيره لئلا يوقع الناس في الاستخفاف بالطلاق ولا تضار النساء ، الحديث.
    اقول : مذهب أئمة اهل البيت : ان الطلاق بلفظ واحد أو في مجلس واحد لا يقع إلا تطليقة واحدة ، وإن قال طلقتك ثلاثا على ماروته الشيعة ، واما اهل السنة والجماعة فرواياتهم فيه مختلفة : بعضها يدل على وقوعه طلاقا واحدا ، وبعضها يدل على وقوع الثلاثة ، وربما رووا ذلك عن علي وجعفر بن محمد ( عليهما السلام ) ، لكن يظهر من بعض رواياتهم التي رواها أرباب الصحاح كمسلم والنسائي وأبي داود وغيرهم : ان وقوع الثلاث بلفظ واحد مما أجازه عمر بعد مضي سنتين أو ثلاثة من خلافته ، ففي الدر المنثور : اخرج عبد الرزاق ومسلم وابو داود والنسائي والحاكم والبيهقي عن ابن عباس قال : كان الطلاق على عهد رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وابي بكر وسنتين من خلافة عمر طلاق الثلاث واحدا فقال عمر بن الخطاب : إن الناس قد استعجلوا في امر كان لهم فيه أناة فلو أمضينا عليهم فامضاه عليهم.
    وفي سنن ابي داود عن ابن عباس قال : طلق عبد يزيد أبو ركانة ام ركانة ونكح امرأة من مزينة فجائت النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فقالت : ما يغني عني إلا كما تغني هذه الشعرة لشعرة اخذتها من رأسها ، ففرق بيني وبينه فأخذت النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) حميه فدعا بركانه واخوته ثم قال لجلسائه : أترون فلانا يشبه منه كذا وكذا وفلان منه كذا وكذا


(253)
قالوا نعم ، قال النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) لعبد يزيد : طلقها ففعل ، قال : راجع امرأتك ام ركانة فقال : اني طلقتها ثلاثا يا رسول الله ، قال : قد علمت ارجعها وتلا : « يا ايها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن ».
    وفي الدر المنثورعن البيهقي عن ابن عباس ، قال : طلق ركانة امراة ثلاثا في مجلس واحد فحزن عليها حزنا شديدا فسأله رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) كيف طلقتها؟ قال طلقتها ثلاثا في مجلس واحد ، قال : نعم فإنما تلك واحدة فارجعها إن شئت فراجعها فكان ابن عباس يرى انما الطلاق عند كل طهر فتلك السنة التي امر الله بها : فطلقوهن لعدتهن.
    اقول : وهذا المعنى مروي في روايات أخرى ايضا والكلام على هذه الاجازة نظير الكلام المتقدم في متعة الحج.
    وقد استدل على عدم وقوع الثلاث بلفظ واحد بقوله تعالى : الطلاق مرتان فإن المرتين والثلاث لا يصدق على ما انشئ بلفظ واحد كما في مورد اللعان بإجماع الكل ،
     وفي المجمع في قوله تعالى : أو تسريح بإحسان ، قال : فيه قولان ، احدهما : انه الطلقة الثالثة ، والثاني انه يترك المعتدة حتى تبين بانقضاء العدة ، عن السدي والضحاك ، وهو المروي عن ابي جعفر وابي عبد الله ( عليهما السلام ).
    اقول : والاخبار كما ترى تختلف في معنى قوله : أو تسريح بإحسان.
    وفي تفسير القمي في قوله تعالى : « ولا يحل لكم ان تأخذوا مما آتيتموهن شيئا الا ان يخافا ان لا يقيما حدود الله » الآية ، عن الصادق ( عليه السلام ) قال : الخلع لا يكون إلا ان تقول المرأة لزوجها : لاابرلك قسما ، ولاخرجن بغير اذنك ، ولاوطئن فراشك غيرك ولااغتسل لك من جنابة ، أو تقول : لا أطيع لك امرا أو تطلقني ، فإذا قالت ذلك فقد حل له ان يأخذ منها جميع ما اعطاها وكل ما قدر عليه مما تعطيه من مالها ، فإذا تراضيا على ذلك طلقها على طهر بشهود فقد بانت منه بواحدة ، وهو خاطب من الخطاب ، فإن شائت زوجته نفسها ، وان شائت لم تفعل ، فإن زوجها فهي عنده على اثنتين باقيتين وينبغي له ان يشترط عليها كما اشترط صاحب المباراة فإذا ارتجعت في شيء مما اعطيتني فأنا املك ببضعك ، وقال ( عليه السلام ) : لا خلع ولا مباراة ولا تخيير الا


(254)
على طهر من غير جماع بشهادة شاهدين عدلين ، والمختلعة إذا تزوجت زوجا آخر ثم طلقها يحل للآول ان يتزوج بها ، وقال : لا رجعة للزوج على المختلعة ولا على المباراة إلا ان يبدو للمرأة فيرد عليها ما أخذ منها.
    وفي الفقيه عن الباقر ( عليه السلام ) قال : إذا قالت المرأة لزوجها جملة : لااطيع لك أمرا مفسرة أو غير مفسرة حل له ان يأخذ منها ، وليس له عليها رجعة.
    وفي الدر المنثور : أخرج احمد عن سهل بن أبي حثمة ، قال : كانت حبيبة ابنة سهل تحت ثابت بن قيس بن شماس فكرهته ، وكان رجلا دميما فجائت وقالت يا رسول الله إني لا أراه ، فلولا مخافة الله لبزقت في وجهه فقال لها : أتردين عليه حديقته التي أصدقك؟ قالت : نعم فردت عليه حديقته وفرق بينهما ، فكان ذلك اول خلع كان في الاسلام.
    وفي تفسير العياشي عن الباقر ( عليه السلام ) في قول الله تبارك وتعالى : وتلك حدود الله فلا تعتدوها الآية ، فقال إن الله غضب على الزاني فجعل له مأة جلدة فمن غضب عليه فزاد فأنا إلى الله منه برئ فذلك قوله تعالى : تلك حدود الله فلا تعتدوها.
    وفي الكافي عن ابي بصير قال : المرأة التي لا تحل لزوجها حتى تنكح زوجا غيره ، قال : هي التي تطلق ثم تراجع ثم تطلق الثالثة ، وهي التي لا تحل لزوجها حتى تنكح زوجا غيره ويذوق عسيلتها.
    اقول : العسيلة الجماع ، قال في الصحاح : وفي الجماع العسيلة شبهت تلك اللذة بالعسل ، وصغرت بالهاء لان الغالب في العسل التأنيث ويقال : إنما انث لانه اريد به العسلة وهي القطعة منه كما يقال للقطعة من الذهب : ذهبة ، انتهى.
    وقوله ( عليه السلام ) : ويذوق عسيلتها ، كالاقتباس من كلمة رسول الله لا حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك ، في قصة رفاعة.
    ففي الدر المنثور : عن البزاز والطبراني والبيهقي : ان رفاعة بن سموأل طلق امرأته فأتت النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فقالت : يا رسول الله قد تزوجني عبد الرحمن وما معه إلا مثل هذه ، وأومأت إلى هدبة من ثوبها ، فجعل رسول الله يعرض عن كلامها ثم قال


(255)
لها : تريدين ان ترجعي إلى رفاعة : لا حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك.
    أقول : والرواية من المشهورات ، رواها جمع كثير من الرواة من ارباب الصحاح وغيرهم من طرق أهل السنة ، والجماعة وبعض الخاصة ، وألفاظ الروايات وإن كانت مختلفة لكن أكثرها تشتمل على هذه اللفظة.
    وفي التهذيب عن الصادق ( عليه السلام ) عن تزويج المتعة أيحلل؟ قال : لا لان الله يقول فإن طلقها فلا تحل له أن تنكح زوجا غيره فإن طلقها فلا جناح عليهما ان يتراجعا ، والمتعة ليس فيه طلاق.
    وفيه أيضا عن محمد بن مضارب قال : سئلت الرضا ( عليه السلام ) عن الخصي يحلل؟ قال : لا يحلل.
    وفي تفسير القمي : في قوله تعالى : « وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن إلى قوله ولا تمسكوهن ضرارا لتعتدوا » الآية ، قال : قال ( عليه السلام ) : إذا طلقها لم يجز له ان يراجعها إن لم يردها.
    وفي الفقيه عن الصادق ( عليه السلام ) قال : لا ينبغي للرجل ان يطلق امرأته ثم يراجعها ، وليس له فيها حاجة ثم يطلقها ، فهذا الضرار الذي نهى الله عنه ، الا ان يطلق ثم يراجع وهو ينوي الامساك.
    وفي تفسير العياشي في قوله تعالى : « ولا تتخذوا آيات الله هزوا » الآية ، عن عمر ابن الجميع رفعه إلى امير المؤمنين ( عليه السلام ) في حديث ، قال : ومن قرأ القرآن من هذه الامة ثم دخل النار فهو ممن كان يتخذ آيات الله هزوا ، الحديث.
    في صحيح البخاري في قوله تعالى : « وإذا طلقتم النساء فبلغن اجلهن » ، الآية أن أخت معقل بن يسار طلقها زوجها فتركها حتى انقضت عدتها فخطبها فأبى معقل فنزلت : فلا تعضلوهن ان ينكحن ازواجهن.
    أقول : وروى هذا المعنى في الدر المنثور عنه وعن عدة من ارباب الصحاح كالنسائي وابن ماجة والترمذي وابن داود وغيرهم.
    وفي الدر المنثور ايضا عن السدي ، قال : نزلت هذه الآية في جابر بن عبد الله
الميزان في تفسير القران ـ المجلد الثاني ::: فهرس