القسم الثاني
الجانب الأدبي



الشيخ عبد المجيد فرج الله
الاستاذ ثامر الوندي
الشيخ نزار سنبل
الشيخ قاسم آل قاسم
الاستاذ معروف عبد المجيد
الاستاذ يقين البصري
الاستاذ فرات الأسدي
الشيخ علي الفرج



(146)


(147)

واقع الشعر الإسلامي بعد الخلافة

الشيخ عبد المجيد فرج الله


الحلقة المفقودة والإنعطافة الخطيرة التي تفصل بين أدب صدر الإسلام والأدب ( الاُموي ) ، هي الفترة العصيبة التي عاشها الإمام الحسن عليه السلام بعد شهادة أبيه الإمام علي عليه السلام.
وقد سحقت العجلات الاُمويّة وجهاً ناصعاً للأدب العربي الأصيل توّجته نصوص معركة صفّين الكثيرة جداً ، كما سحقت كثيراً من المُثُل والتعاليم والمتبنّيات الإسلامية.
وكان بالنتيجة ان عادت وجهة الأدب إلى الانحدار الجاهلي من جديد ، لولا نثار صادق أصيل ظل يواصل المقاومة على الرغم من الانسحاق والاحتضار والتعتيم.
والحقّ أنّ الشعر العربي قد مرّ من قبل ومن بعد بامتحانين عسيرين :
أحدهما : النتيجة العسكرية لحرب صفّين وما تبعها من انقسام واضطراب بين أفراد معسكر الإمام علي عليه السلام ، حين تمرّد بعضهم الأكبر على قراراته وأجبره


(148)

على الصلح ، فتبيّن لهم فيما بعد خطؤهم وانخداعهم.
وقد جرّ هذا إلى الاغتيال الأثيم لأعظم شخصية إسلامية بعد الرسول صلى الله عليه وآله في مسجد الكوفة.
الثاني : اضطرار الإمام الحسن عليه السلام إلى القبول بمصالحة معاوية وتنازله عن الخلافة ـ بشروط يجب أن لا تُغفَل أبداً ـ من أجل المحافظة على القلّة القليلة من رجال الإسلام المخلصين.
لقد وصل الوضع المتردّي في التناحر على السلطة حدوداً مجنونة تجعل جلّ الفئات التي تتطاحن مع صاحب الخلافة الشرعي ( الإمام الحسن ) على شفير هاوية سحيقة.
وكان مركز الصراع في قريش ، وقريش هي مركز السيادة والحكم ، والناس ينجذبون إلى أقطابها المتنافرة.
على أنّ أبغض قطب وأمقته لدى الناس هو قطب بني اُميّة ، على الرغم من كثرة الملتفّين حوله والداعين إليه نتيجة الحملات الدعائية والمالية التي أطمعت الناس وجعلتهم ينضمون إلى الحزب الاُموي طلباً للمال والجاه الدنيوي.
أمّا الخليفة الشرعي فكان على أعلى درجات الحنكة والبصيرة ، لأنّه رأى في وجوده ضرورة من أجل دوام الإسلام والمحافظة على المسلمين.
وحين وجد في جيشه انتكاساً نفسياً وعددياً أمام الجيش الاُموي ( المرتزق ) ، آثر الإبقاء على ثلّة المؤمنين الصالحين الذين هم وقود الحرب ورأس الحربة في عسكره غير المتكافىء أمام العسكر الاُموي.
فصالح على شروط تذكرها كتب التاريخ ، وكان وقع الصلح ثقيلاً على المخلصين من جند الإمام ـ وهم قلّة (1) ..
وقد أرّخ الفارس المؤمن قيس بن سعد قائد جيش الإمام الحسن عليه السلام هذه
____________
(1) موسوعة النبي وأهل بيته في الشعر العربي ـ الجزء الثاني ـ.
(149)

المرارة حين عرف بالخبر وهو يستعدّ للمواجهة ، حيث قال :

أتانا بأرض العال من أرض مسكنٍ
* بـأنّ إمـام الحق أضحى مسالما
فـما زلتُ مـذ نـبـّئـتـُه متلدّدا
* أراعي نجوماً خاشع القلب ناجما

ولا بد من أن أشعاراً اُخرى قد تحدّثت عن هذا الأمر لكنّها لم تصل إلينا بسبب سياسة التعتيم والإلغاء الاُموية.
وعلى الرغم من الصلح واستتباب الاُمور لمعاوية ، إلاّ أنّ الفرق كان شاسعاً بين حكم يقوم على أساس العدل والاستقامة والصلح الإسلامي ، وبين حكم فردي قبلي يستمدّ رؤاه وتصوراته من كوّة الجاهلية التي لم تدخل في الإسلام إلاّ خوفاً وطمعاً.
وكان الاُمويون يشعرون بضخامة الهوّة بينهم وبين الخلفاء الشرعيين ـ أهل البيت عليهم السلام ـ ويعانون من عقدة النقص أمامهم فيحاولون التنفيس عن عناء هذه العقدة بمواقف تجيء نتائجها سلبية في الغالب (1).
ومنها أنّ مفاخرة جرت بين القرشيين والإمام الحسن عليه السلام حاضر لا ينطق ، فقال معاوية للإمام : يا أبا محمّد : ما لك لا تنطق؟ فوالله ما أنت بمشوب الحسب ولا بكليل اللسان ( وواضحة أبعاد كلام معاوية وكأنّه يحاول تعريف الأشياء حسب ما يريد ) فقال الإمام : « ما ذكروا من فضيلة إلاّ ولي محضها ولبابها » .
ثم قال هذا البيت الذي يختصر تاريخاً حافلاً ما يزال محفوراً في الأذهان :

فـيـمَ المراءُ وقد سبقتَ مُبرّزا
* اسبقَ الجوادِ من المدى المُتباعدِ

وبعد مناظرة ثانية يقول الإمام عليه السلام :

الحـقُّ أبلجُ مـا يـحيـل سبيله
* والحقُّ يـعـرفـه ذوو الألبابِ(2)

وفي مرّة يصرّ مروان على إحراج الإمام عليه السلام وإيذائه بالكلام ، لكنّه عليه السلام
____________
(1) ابن أعثم الكوفي : ج4 ص292 وقد وردت الكلمة الأخيرة من البيت الأوّل هكذا ( مسلما ) وهو خطأ واضح ولعلّه مطبعي.
(2) موسوعة النبي وأهل بيته في الشعر العربي ـ الجزء الثاني ـ.

(150)

يصدع بالحقّ هادراً في كلام يفيض أدباً ثم يختمه بهذه الأبيات :

ومارست هذا الدهر خمسين حجّـةً
* وخـمـسـا اُزجِّي قائلاً بعد قائلِ
فلا أنا في الـدنيا بلغت جسيمها ؟
* ولا في الـذي أهوى كدحت بطائلِ
وقد شـرعت دوني المنايا أكفّهـا
* وأيقنت أنّـي رهـنَ موتٍ مُعاجلِ

وبالإضافة إلى الجانب الوعظي الذي يعتبر صرخة في الضمير الاُموي المشرف على الهلاك الذي ضمّته هذه الأبيات إلاّ أنّ في البيت الأخير إشارة صريحة إلى توجّس الإمام من الغدر الاُموي ، وهو بذلك يرسي واحدة من قواعد الشاعر الملتزم بمبادئه ، فهو يقول كلمته حتى ولو كانت سبباً للمتاعب والأخطار ، لأنّ الشاعر ضمير الاُمّة الحي وحامل همومها وآمالها.
وقد تربّى شعراء مدرسة أهل البيت عليهم السلام بهذه التربية على مرّ العصور ، وليست بعيدة عن ذاكرة المثقّف العربي موقف شعراء كبار مثل الفرزدق والكميت ودعبل الخزاعي والسيد الحميري وكثير أمثالهم.
وبالإضافة إلى الفائدة الجمّة من هذه المواقف في إرساء الشجاعة والجرأة لدى الأديب الإسلامي ، فإنّ هناك فوائد اُخرى لا يُستهان بها؛ إذ أزاح بعض تلك المواقف الستار الكثيف من التعتيم والتضييع على كثير من النصوص الشعرية ، بل وحتى الحقائق التاريخية المغيّبة.
ففي محاورة طويلة عاصفة بين الإمام الحسن عليه السلام وبين معاوية وعمرو بن العاص والوليد بن المغيرة ، يكشف الإمام عليه السلام كثيراً من الحقائق المطموسة ، ثم يأتي على نصوص شعرية منسيّة تزيح القناع عن الوجوه الكالحة ، ومنها قصيدة عمرو بن العاص حين أراد الخروج إلى النجاشي في محاولة لاستعادة المهاجرين المسلمين الأوائل الذين فرّوا بدينهم إلى أرض الحبشة وفيها يقول :

تقول ابنتي أين هذا الرحيلُ ؟
* ومـا السـيرُ منّـي بمُستنكَرِ



(151)


فقلت ذريتي فـأني أمرؤُ
* أريدُ النجاشيّ في جعفر
لأكـويَهُ عـنـده كيّـةً
* اُقيم بها نخوةَ الأصعر (1)

ومثلها قول الحطيئة الذي استشهد به الإمام في معرض ردّه على الوليد :

شهد الحطيئة حين يلقى ربّه
* أنّ الـولـيـد أحـقّ بالعذرِ
نـادى وقد تـمـّت صلاتُهمُ
* أأزيدكُم ـ سُكْراً ـ وما يدري
ليزيدهم اُخرى ، ولـو قَبِلوا
* لأتت صلاتُهمُ علـى العَشْر (2)

وقد قال الحطيئة ذلك حين صلّى الوليد بالمسلمين الفجر وهو سكران وتظهر فيها فنية التهكّم ( الحطيئي ) بجلاء.
ويعيد الإمام عليه السلام إلى الأذهان قول الشاعر ( وهو حسّان بن ثابت ) حين تفاخر الوليد والإمام علي عليه السلام فنزلت الآية : ( أفمَن كان مؤمناً كمَن كان كافراً لا يستوون ) (3) :

أنـزل الله والـكـتـابُ عـزيـزٌ
* فـي علـيٍّ وفـي الوليـدِ قُرانـا
فتبّوا الـولـيـدُ إذ ذاك فـِسـقاً
* وعلــيٌ مـُبــوّأٌ إيـمــانـا
ليس مَن كان مؤمناً ـ عَمركَ اللّـ
* ـهُ ـ كمَن كـان فاسقاً خَوّانا (4)

ويذكر الإمام الحسن عليه السلام بقول الشاعر نصر بن حجّاج الذي أوّله :

يـا للرجال لِحادث الأزمان
* ولِسبّة تُخزي أبا سفيان (5)

وحين ينتهي قول الإمام يقول معاوية كلاماً ينمّ عن لؤم أولئك الذين أرادوا النيل من الإمام ، فما كان إلاّ خزيهم وعارهم ، ثم قال شعراً في ذلك :

أمـرتُكم أمراً فلـم تسمَعوا لـه
* وقلتُ لكم لا تبعَثُنّ إلـى الحَسَنْ
فجـاء وربِّ الراقصـات عشيّةً
* بِرُكبانِها يَهوِينَ فـي سُرّة اليَمَن
أخـاف عليكم منه طـولَ لسانه
* وبُعدَ مداهُ حين إجراره الـرّسَن
فلمّـا أبيتم كنتُ فيكـم كبعضكم
* وكان خطابي فيه غَبناً من الغَبَن

____________
(1) بحار الأنوار : ج44 ص103.
(2) المصدر السابق : ج44 ص103.
(3) العقد الفريد : ج3 ص81.
(4) أعيان الشيعة : ج1 ص575.
(5) المصدر السابق.

(152)

فـحـسـبـُكـمُ ما قال ممّا علِمتُم
* وحسبي بما ألقاه في القبروالكفن (1)

ويترسّخ ذلك أكثر في أبيات الفضل بن العبّاس بعد مناظرة بين معاوية وبين أخيه عبد الله بن عباس حيث يقول : (2)

ألا أبلغ معاوية بـن صخرٍ
* فـإنّ الـمـرء يعلمُ ما يقولُ
لنا حقّان : حقُّ الخمس جارٍ
* وحقُّ الفيء ، جاء به الرسول
فـكلُّ عطية وصلت.. إلينا
* وإن سـحبـتْ لطالبها الذيول
أتيح لـه ابن عبّاس مجيباً
* فـلـم يـدر ابن هند ما يقول
فأدركه الحياء فصدّ عـنه
* وخطبُهُمـا إذا ذُكِرا جـلـيل

وللفضل بن العبّاس نصوص عديدة تصبّ في هذا التيار (3).
وبذلك تأخذ المناظرات الشعرية القائمة على الاحتجاج والأدلّة والبراهين الثابتة على اُسس إسلامية أهمّها الكتاب والسنّة شكلاً جديداً ، وإن كان مستمداً من الفترات السابقة ، وكلّ ذلك كان يسهم في ترسيم صورة منحى هذا النوع الذي تقوّم على يدي الكميت بن زيد الأسدي (4).
وقد تبع شعراء آخرون هذا السبيل في مواجهة الحقبة الاُمويّة وهم يتوسمون خطوات أهل البيت عليهم السلام ، ومن هؤلاء الشعراء شريك بن الأعور ، ويزيد بن مفرغ الحميري ، وثابت بن عجلان الأنصاري ، والنعمان بن بشير الأنصاري ( بعد أن هجا الأخطل الأنصار ) ، ومن الشواعر هند بنت يزيد بن محزبة الأنصارية ، وسودة بنت عمارة ، وبكارة الهلاليّة ، واُمّ سنان بنت جشمة المذحجية ، ومن المتكلّمات عكاشة بنت الأطرش والزرقاء بنت عدي بن قيس الهمدانية...الخ.
وللتدليل على ذلك نأخذ بعض نصوص أولئك الشعراء والشواعر ، ليتبيّن للقارىء الكريم مقدار تأثير أهل البيت عليهم السلام على اتجاهات شعر ( المعارضة )
____________
(1) السجدة : 18.
(2) أعيان الشيعة : ج1 ص575.
(3) المصدر السابق.
(4) المصدر السابق.

(153)

الأصيل الذي ضاع أغلبه أو ضيّع لأسباب قديمة وحديثة معروفة :
يقول شريك بن الأعور بعد مواجهة كلامية حامية مع معاوية في مجلسه :

أيشتمني معاوية بـن حـربٍ
* وسيفي صارمٌ ومعي لساني ؟
وحولـي من ذوي يَمَن ليوثٌ
* ضـراغمةٌ تهشُّ إلى الطّعان
وإن تـك للشقاء لـنا أميراً
* فـإنّا لا نقيم على الهوان (1)

ويقول يزيد بن مفرغ الحميري أبياتاً بعد أن ادّعى معاوية أنّ أباه ـ أبا سفيان ـ قد واقع اُمّ زياد حينما كانت زوجة لعبيد الله فأولدها زياداً وجاء معاوية بأبي مريم الخمّار ليشهد بذلك في جامع دمشق ، كل هذا من أجل استمالة زياد بن أبيه دون مراعاة المشاعر الإسلامية والتقاليد الدينية يقول يزيد بن مفرغ :

ألا أبـل معـاوية بـن حـرب
* لقـد ضاقت بمـا تأتـي اليدانِ
أتغضب أن يُقـال : أبوك عفٌّ
* وتـرضى أن يُقال : أبوك زاني
فاشـهـد أن رحْمَك مـن زيادٍ
* كرحمِ الفيلِ مـن وَلَدِ الأتان (2)

ويقول ثابت بن عجلان الأنصاري في مجلس معاوية بعد كلام طويل :

بنو هـاشـم أهـل النبـوّة والهـدى
* علـى رغم راض مـن معـد وراغـمِ
بهـم أنقذ الله الأنام مـن الـعـمـى
* وبـالنفر البيـض الكـرام الخضـارم
فمـا أنت يا ابن العاص ويلك فازدجر
* ولا ابـنُ أبـي سفيانَ أمثـال هاشم (3)

وتستعاد أبيات سودة بنت عمارة الهمدانية ( وهي اخت مالك الأشتر أو ابنته ) في مجلس معاوية بعد محاورة بينهما ترثي الإمام عليّاً عليه السلام وقد أثار شعرها غضب معاوية :

صلّـى الإلـه على روح تضمّنهُ
* قـبرٌ ، فـأصبح فيـه العدل مدفونا
قـد حالفَ الحقّ لا يبغي به ثمناً
* فصار بـالحقّ والإيمان مقرونا (4)

وتقول بكارة الهلالية في مجلس معاوية :
____________
(1) مختصر تاريخ دمشق : ج20 ص182.
(2) موسوعة النبي وأهل بيته في الشعر العربي ـ الجزء الثاني ـ.
(3) نفس المصدر.
(4) المستطرف : ج1 ص257.

(154)

قد كنتُ أطمع أن أموت ولا أرى
* فـوق المنابر من اُميّـة خاطبـا
فالله أخّر مدّتي فـتـطـاولـت
* حتـى رأيتُ مـن الزمان عجائبا
في كلّ يوم لـلـزمـان خطيبهم
* بين الجميع لآلِ أحمد عائبا (1)

وتقول اُمّ سنان بن جشمة :

إمّا هلكتَ أبا الحسين فـلـم تزل
* بالحقّ تُـعرَف هـاديا مهـديـا
فاذهب عليك صلاة ربّك ما دعت
* فـوق الغصـون حمامـةٌ قمريّا
قد كنتَ بعد محمّد خـلـفـاً كما
* أوصى إليك بنـا فـكنت وفيـا
فـالـيـوم لا خَلَفٌ يؤمَّل بـعده
* هيهات نمـدح بعـده إنسيا (2)

وتقول هند بنت محزبة الأنصارية في أمر حجر بن عدي رحمه الله :

تـَرفـّعْ القمر المنيرتـرفّع
* هل ترى حجـراً يـسـيـرُ
يسير إلى معاوية بن حـرب
* ليقتله كـمـا زعـم الخبيـر
تجبّرتِ الجبابرُ بـعد حجـر
* وطاب لها الخورنق والسديـر
وأصبحت البلاد لـه محـولا
* كـأن لـم يحيها يومٌ مطيـر
ألا يا حجرُ حجرَ بني عـدي
* تلقّتْك الـسـلامةُ والسّـرور
أخاف عليك مـا أدري عديـا
* وشيخاً في دمـشق له زئيـر
فـإنْ تهلكْ فكـلّ عميدِ قـومٍ
* إلى هُلكٍ من الدنيا يصير (3)

وتبقى قصيدة عبد الله بن خليفة الطائي شاهدة على معاناة الشاعر الملتزم في زمن الطغيان الاُموي.
وهي بعدد أبياتها ( ذكر منها الطبري 56 بيتاً ) ، وبتصويرها الصادق المعبّر عن الأحاسيس بكل ما لدى الشاعر عن عفوية وخوف وترقّب ، تُعَد من أحسن الشواهد الأدبية والتاريخية على الوضع الاجتماعي والاضطهاد السياسي والأدبي :
____________
(1) تاريخ الطبري : ج3 ص257.
(2) أعيان الشيعة : ج4 ص14.
(3) العقد الفريد : ج1 ص335.

(155)

يقول عبد الله بن خليفة في جانب من قصيدته وهو يتحدّث عن منفاه :

فـمـَن لكم مثلي لدى كلّ غارة
* ومَن لكم مثلـي إذا البأس أصحرا
ومَن لكم مثلي إذا الحرب قلّصت
* وأوضـعَ فيهـا المستميتُ وشمّرا
فـهـا أنا ذا داري بأحبال طيىء
* طـريـداً ، ولـو شاء الإله لغيّرا
نفاني عدوي ظالماً عن مهاجَري
* رضـيـت بمـا شاء الإله وقدّرا
وأسـلـمـني قومي لغير جناية
* كأن لم يكونوا لـي قبيلا ومَعْشرا

ونخلص من كل ذلك إلى أنّ خطّ المعارضة الشعري هو صفوة الشعر الإسلامي في تلك الفترة ، وقد سجّل حضوراً متميزاً على الرغم من التعتيم والتهميش الذي مورس بأبشع الوسائل والأساليب من أجل خنق الصوت الحرّ الواعي المنتمي لأصالته.
وهذا الخط هو في واقعه امتداد للأدب الإسلامي الذي انطلق بعد الدعوة المحمّديّة ، وكان مقّدراً له مواصلة الشوط ليزهر أكثر فأكثر ، لولا الردّة الأدبية والسياسية والاجتماعية الاُموية.
وقد اتخذت هذه الردّة أشكالاً عديدة ورافقتها نتائج مؤثّرة ومن تلك الأشكال والنتائج :
1 ـ حاول الاُمويون بكل ما يستطيعون استقطاب الشعراء الأقل شأواً والأخمل ذكراً وأغدقوا عليهم الأموال ووسائل الترف والترفيه ليكونوا عوناً إعلامياً لهم من جانب ، وليشوشوا على ذلك الصوت الشعري الأصيل من جانب آخر (1).
2 ـ تحييد وإلهاء الشعراء الكبار عن طريقين؛ مباشر : بالترغيب والترهيب والإقصاء والتقريب ، وغير مباشر : بتحريض شعراء آخرين على النيل منهم للانجرار إلى أغراض بعيدة عن الروح الإسلامية مثل الهجاء ، والردّ على المجون
____________
(1) نفس المصدر : ج1 ص337.
(156)

والقذف بمجون وقذف مضاد ، وهكذا تتصاعد حدّة المواجهة يوماً بعد آخر ، ويكون بالنتيجة تحييد الشاعر أوّلاً ، وتحطيمه معنوياً ثانياً ، وإلهاء الناس بالمشاحنات والعداوات والمشاعر القبلية من أجل إبعاد تفكيرهم عن دائرة السلطة الاُمويّة ثالثاً (1).
3 ـ الهبوط بالشعر من جديد ـ بعد فترة الارتقاء النسبي في صدر الإسلام ـ ليصبح وسيلة لتفتيت الأخوّة الإسلامية والوحدة الفكرية والاجتماعية والدينية بين أفراد المجتمع الإسلامي (2).
4 ـ انحسار الشاعر عن آفاقه الرحبة وتخلّيه عن موقعه الفني المؤهّل للنمو وتراجعه إلى حدود دنيا ، بسبب ربطه بالولاء القبلي الضيق ، وبالولاء السياسي الداعم لنظام الحكم الاُموي (3).
5 ـ تصاعد وتائر التضييق والتهميش والمصادرة والتي تستهدف الشعر الملتزم ، لتصبح الآن ذاتية يحرّكها الشعراء أنفسهم لا النظام الحاكم فقط (4).
6 ـ تشتّت الانطلاقة الاُولى القوية للشعر في صدر الإسلام والتي كانت تتمحور حول شخصية المثل الأعلى ( الرسول ـ الإمام ) ، وما نتج عن ذلك من تبعثر التطور والإبداع ، خاصّة حين يفتقد الشاعر قدوته الحسنة من أعلى منصب في الهرم الإسلامي ( الخلافة ) (5).
7 ـ الابتعاد عن معين القرآن والأقوال النبويّة الشريفة وخطب الإمام علي عليه السلام واُسلوبه الأدبي المتميز ، مع العلم انّ في هذا الثالوث القيم أرقى درجات الفنية والسمو الأدبي (6).
8 ـ إدخال الغناء في دائرة الاهتمام الشعبي ، ممّا فرض على الشاعر تلقائياً مجاراة نفس الغناء واُسلوبه وأفكاره ، حتى وإن كانت منحطّة أو ركيكة (7).
9 ـ المساهمة في قيام الغزل الماجن والقصص الغرامي البعيد عن الروح
____________
(1) المصدر نفسه : ج1 ص340.
(2) موسوعة النبي وأهل بيته في الشعر العربي ـ الجزء الثاني ـ.
(3) تاريخ الطبري : ج4 ص210.
(4) موسوعة النبي وأهل بيته في الشعر العربي ـ الجزء الثاني ـ.
(5) نفس المصدر.
(6) نفس المصدر.
(7) نفس المصدر.

(157)

الإسلامية (1) ، وإن نتج عن ذلك شيء حميد كردّة فعل طبيعية فطرية لدى الشاعر البدوي المنصهر بالإسلام فظهر شعر الحب العذري ومن ثم الشعر الصوفي.
ممّا حدا بأولئك المشبوهين إلى حرف شعر الحب وتوجيهه وجهات فجّة من خلال خلق قصص غرامية أو حتى خلق نصوص ملفّقة تنسب إلى هذا الشاعر أو ذاك لإفساد جوّه النقي ، أو تشويه صورته المستقيمة في أنظار الناس (2)..
وهناك حقيقة مهمة تستحق الدراسة والتأمّل وهي وشائج القربى بين شخصيات شعر الحب ( وبالأخصّ كثير عزّة وجميل بثينة وقيس بن ذريح ) وبين خط الشعر الإسلامي ( المعارض ).
وعلى الرغم من كل ذلك ظل الشعر المرتبط بأهل البيت عليهم السلام جمراً تحت الرماد ، حتى فاجعة كربلاء فانطلق بكل قوّة واحتجاج ولم يهدأ حتى هذه اللحظة وهو يحمل أصالة الانتماء إلى الإسلام فكراً ورؤى واستشراقاً للمستقبل ، مع محافظته على تأثيرات القرآن ونصوصه المقدّسة فجاء صادقاً رقيقاً طافحاً بالحبّ والحزن والثورة في آن معاً.
____________
(1) نفس المصدر.
(2) نفس المصدر.
( 30 ) نفس المصدر.
( 31 ) نفس المصدر.


(2)
( 32 ) من تاريخ الأدب العربي لطه حسين : ج1 ص500.
( 33 ) موسوعة النبي وأهل بيته في الشعر العربي ـ الجزء الثاني..


(159)

ثمرة الاقتران المقدّس
دراسة في مستويات التلقّي


الاستاذ ثامر الوندي


هناك شرطان منهجيان يجب على النصوص أن تحقّقهما قبل أن يُسمح لهما بالاصطفاف بين دفّتي هذا المنشور الذي خُصّص لإحياء مولد السبط المجتبى الإمام الحسن عليه السلام.
الشرط الأوّل هو الموضوع والثاني هو السمة المتولّدة عنه ، فالموضوع هو ولادة الإمام الحسن عليه السلام ثمرة الاقتران السماوي المتحقّق على الأرض بين سيدة نساء العالمين فاطمة الزهراء عليهما السلام ومولى الموحّدين أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام. أمّا السمة المتولّدة عن هذا الموضوع أو الأثر التابع لهذه الولادة الشريفة ، فهو الحالة الشعورية الوجدانية التي تنتاب المتفاعلين والمنفعلين مع ذكرى الولادة ، وجليّ انّها حالة الفرح والسرور والسعادة ، فتنتظم التجربة الشعرية فيما يسمّى بـ ـ شعر المناسبات ـ موضوعاً وأثراً.
والكلام عن هذا النوع من الشعر يحتاج إلى بحث موسّع ، لكنّنا سنؤشّر


(160)

بعض الإشارات التي يتقاطع أو يتوازى أو يتلاقى فيها موقفان : أخلاقي ، وجمالي ، حول رفض أو قبول هذا الشعر.
يمكننا أن نقول على وجه الإطلاق أنّ التجربة الجمالية ـ أدباً أو فنّاً ـ لا تصدر إلاّ عن الحياة ـ محاكاة أو انعكاساً أو تمثيلاً ـ وحتى التخيّل والتخييل فمادتهما مفردات مسحوبة من تفاصيل حياتيّة يوميّة ارتقت إلى مستوى الخيال عن طريق نسق خاص من العلاقات ، وإلاّ فهي من نفس المنبع ، فلماذا لا نسمّي اللّقاء بين صاحب التجربة الجمالية وبين مفردات الحياة مناسبة؟ فمثلاً عندما يمرّ رسام على منطقة جبلية فيها من الوديان وانحدارات المياه وتشابك الأغصان ما يشكّل لديه قناعة بالموضوع فيجلب أدواته ويبدأ بالرسم ، ألم يكن هذا اللقاء مناسبة؟ ولو كان نفس هذا الرسام بعيداً عن هذا المكان ولم يزره من قبل ، وسمع عن هذا الجمال البعيد فقرّر الذهاب إليه لرسمه ، ألا يمكننا ان نعدّ هذا اللقاء مناسبة أيضاً؟ وللاختصار أرى أنّ هناك تجارب في الفن التشكيلي تدّعي اللامناسبة ( مثل تجارب الفنان الروسي كاندنسكي والفنان الهولندي موندريان في التجريد اللاموضوعي ) ، لكن محاولتها لإغفال الموضوع وتعويمه هي لقاء أيضاً مع اللاموضوع فتحقّق مناسبة أيضاً. وبنفس الطريقة التي يقول عنها الكاتب والفيلسوف الانكليزي جورج برناردشو : « ان نرفض الفلسفة يعني أن نتفلسف » .
فالمناسبة هي الانصهار والتلاحم مع حدث أو واقعة أو شيء أو ظاهرة أو أيّ مفردة اُخرى من مفردات الحياة التي تفرض شروطها وبكل صرامة على النتاج الجمالي فنّاً أو أدباً.
2 ـ يجب التفريق بين مناسبة لها سمات القصدية والتحديد والتوقيت ، وبين مناسبة تحدث بتلقائية وعفوية فتثير تجربة جمالية معيّنة ، سيكون هناك


(161)

في الحالتين نوع من التحفيز والإثارة التي يُحدثها الموضوع ، وربّما هناك جانب من الضغط والقسرية يُشاغل التجربة من خلال الظلال التي تنسحب من الموضوع على النتاج بشكل أو بآخر على محور الاختيار والانتقاء في عملية بناء النص ، ممّا يُشكّل إعاقة أو حاجزاً نفسياً وخصوصاً في المراحل الأوّليّة الابتدائية من التجربة ، ومع انّ هذا التفريق يجد له حيّزاً من الحقيقة بلا شكّ لكنّني أرى ـ على مستوى التجربة الشعرية ـ انّ الشاعريّة الحقّة لا تعدّ الموضوع قانوناً قسريّاً يمنعها من التحقّق والامتداد فلا جديد تحت الشمس على مستوى المواضيع ، فالتفرّد والإبداع في تجدّد متواصل عبر مسيرة البشرية ونشاطاتها الحيوية ، فالشاعر معنيّ باكتشاف البدائل والمعادلات الشعرية والمداخل الوجدانية الجديدة لنفس الأفكار والمواضيع والاطروحات القديمة ، وهذا التحديد هو من صميم عملية اختياره وانتقائه التي يُجرّبها بوعي فني نفّاذ وإدراك جمالي متقدّم.
3 ـ انّ مساحة الفعل الأخلاقي وحقل ممارسته تشمل مواضيع الحياة كافة بلا اختيار ولا انتقاء ولا فرز ولا تفضيل ، في حين انّ التجربة الجمالية قائمة على ذلك ممّا يقلّل من مساحتها التي تتفاعل عليها مع مفردات الحياة.
وبنفس الطريقة فالوقت الذي تصرفه من حياتنا لنعايش الضوابط والمقرّرات الأخلاقية هو أكثر بكثير من الوقت الذي نستغرقه مع التجربة الجمالية عموماً ، ومع كون هذا التفريق لا يحدّد الأفضلية لجانب دون غيره ، لكنّه يبيّن أولوية جانب على آخر ويعطيه تراتبيّة مقرّرة سلفاً ، فيصبح بالإمكان إنشاء مدخلية أخلاقية للتجربة الجمالية باعتبارها نشاطاً منزّهاً عن الغرض على الأقل في حالة إدراكها ، ممّا يترتّب عليه سلوك أخلاقي خيّر واضح كل الوضوح ، وإذا أضفنا إلى ذلك الممارسة الشعائرية العبادية في التطابق السلوكي


(162)

مع ما اُمرنا به من إحياء وتعظيم شعائر الله سبحانه وتعالى وتبعاً لذلك إحياء أمر أهل البيت عليهم السلام ، أصبح الموضوع لا يشكّل ضغطاً أو قسراً بقدر ما يشكّل تحفيزاً وإثارة تبحث عن الاستجابة.
4 ـ انّ من طبيعة المواضيع التي يتعاطاها كل محبّ وموّال لآل بيت العصمة عليهم السلام أن يبرز منها واقع شعوري وجداني متحقّق من تفاعل مع شهادة وفقدان مرير ، إلى تناغم مع ولادة ووجدان أثير ، فكلتا الحالتين فيّاضة بالعواطف السامية ، جيّاشة بالمشاعر الإنسانية الحقّة ، دفّاقة بالأحاسيس الحيّة الأصيلة ، ممّا يؤكّد بروز السمة المتولّدة من الموضوع المعالج والأثر المستتبع له ، وبتعاضد هذا الاستعداد النفسي والقابلية الشعورية مع آثار المدخلية الأخلاقية والتشريعية في كسب الأجر الأخروي وتحصيل الثواب ، تتحفّز الدوافع الخيّرة أخلاقياً وتثار الإمكانات الفنية جمالياً فلا يعدم الشاعر الحقيقي الأصيل وسيلة ليهزّ شجرة الإبداع لتتساقط ثمار الولاء والحبّ ناضجة طريّة في أكفّ المتلقّين المتشوقين للأصيل المتجدّد والجديد المتأصّل.
على أنّي أؤشر لنصوص هذه المجموعة عدم إبلائها اهتماماً للسمة المتولّدة عن موضوع ولادة الإمام الحسن عليه السلام ، فهي نصوص تقترب من الفرح بحذر وسرعان ما تبتعد عنه مؤثّرة أرضيات الحزن والمأساة على أجواء الفرح وفضاءات السرور.
هناك شوق عارم لدى المتلقّي أو القارىء ليعاصر ويزامن شاعراً ما أثناء كتابته لقصيدة جديدة ، فيعيش المتلقّي ـ وفقاً لذلك ـ عصر النص الشعري أو الأدبي أو الفنّي بطزاجته ويناعته وطراوته وجدته.
حبّذا لو كان المتلقّي قريباً من النص وصاحبه ليسائله ويكاشفه لغرض تعميق درجات الإدراك الجمالي ووعي التجربة ، لكنّ ما يحدث غالباً بعيد عن


(163)

هذا الحلم والرغبة المتوسّلة بان يكون التواصل حميمياً وخلاّقاً ، فهناك فجوة في قنوات التوصيل يتحمّلها الطرفان ـ الشاعر والقارىء في هذا المثال ـ فيقوم شخص ثالث بمهمّة المصالحة وتقريب وجهات النظر وترتيب مستلزمات اللقاء الحقيقي وهذا الشخص هو الناقد.
هذا التدخّل بين القارىء والنص له ما يُبرّره عندما يحاول تكوين حالة من الشعور والوعي الأفضل في ذهن المُتلقّي ، ليشدّ الانتباه إلى قراءة اُفق أوسع تكون أكثر إرضاءً وإمتاعاً من خلال إدراك ما هو مميّز في النتاج الشعري أو من خلال كشف مستويات جديدة في العمل ، وفي النتيجة يكون هذا التدخّل تدخّلاً لتدريب الحساسيّة أثناء القراءة ولإرهاف الذوق وتحفيز الاهتمام بالعمل الفنّي أو الأدبي ، وربّما وصل ـ على مستوى الأهداف والغايات الأكبر ـ إلى جعل عملية التلقّي إبداعاً له خصوصياته وفرادته.
والمسلّم به أنّ الناقد قارىء نوعيّ للنصوص ، أو هو قارىء متفوّق يُحسن قراءة النص بدرجة أعلى بكثير من درجة الصفر التي تُحدّد بداية التواصل بين قارىء مبتدىء ونص ، ومحاولتنا هنا مُقيّدة بتحليل وتشريح النصوص لا تقويمها والحكم عليها ، بمعنى أنّنا نحاول أن نجيب على سؤال : كيف كُتِب هذا النص؟
هذا التفحّص النقدي لا يُحاول الاستغراق في المعلومات الخاصّة ، ليعرض عضلاته الثقافية والمعرفية بقدر ما يحاول ـ إن استطاع ـ أن يسلّم القارىء مفاتيح النصوص من خلال التعرّف والوصول إلى بعض بواباتها المغلقة ، فنحن نحاول كشف الطرق التعبيرية والأساليب الفنية وكفاءة الأدوات التي يستخدمها الشعراء هنا ، لذا عالجنا كلّ نص حسب الظاهرة الاُسلوبية الأكثر وضوحاً فيه ، مع غضّ النظر عن الظواهر الاُخرى الموجودة في ثنايا النصوص


(164)

وطيّاتها ، وهي محاولة للتعرّف على المستويات المتعدّدة التي يطرحها النقد لتشريح النصوص وتحليل بناءاتها المعقّدة.
فتفحّصنا المستوى العروضي في قصيدة فرات الأسدي ( البوح المشتهى ) ومحاولته في الخروج على البُنى الإيقاعية التقليدية بحسّ تركيبي إيقاعي جديد يعتمد على تشابه الأجزاء في التراكيب التقليدية ، ولكن بتجريب جديد لتراسل الأوزان والأبحر الشعرية.
ورأينا المستوى المعجمي والمستوى الصوتي هما الأكثر وضوحاً للمعالجة النقدية في قصيدة نزار سنبل ( قراءات في وادي السنا ) ، واكتشفنا في نصّه ظاهرة أسميناها ( رنين الرويّ ) ربّما سنتوسّع معها في مقبل الأيام لتأشيرها وتوضيحها والتنظير لها.
ودرسنا المستويين التركيبي والدلالي في قصيدة علي الفرج ( صوفية جرح ) مع تأشير الاستخدام السردي والتصوّر الحكائي في المقدمة الشعرية الحرّة التي أوردها الشاعر قبل قصيدته.
ومع قصيدة ( سمات البقيع ) الجأنا قاسم آل قاسم إلى تتبّع مضامينه واُطروحاته الفكرية على المستوى البنائي للقصيدة الذي خرج به الشاعر من مألوفه عندما نظم قصيدته شعراً حرّاً.
ومع يقين البصري في مقدّمته وقصيدته ( الندى المحترق ) لاحظنا تلاحم الموقفين الجمالي والأخلاقي عنده ، وكذلك درسنا آلية تداخل النصوص ( التناص ) والمقابسة.
ومع قصيدة ( كبدي.. وجراحك الخضراء ) لمعروف عبد المجيد ، نظرنا إلى مسألة استبطان الحدث والواقعة التاريخية وكيفية المعالجة الفنّية للوقائع ووسائل الإخبار والإبلاغ الفنّي.


(165)

وختاماً آمل أن تجد هذه المحاولة مَن ينتفع بها في مسايرتها لهذه النصوص واحتفائها بمنهج ربّما لم تتكامل معه بالشكل المطلوب ، لكنّها في الأقل محاولة لا تدّعي التأسيس في مرحلة غياب المحاولات الرائدة.
والله من وراء القصد.