الغدير في الكتاب والسنة والأدب ـ الجزء السابع ::: 111 ـ 120
(111)
الخفاء 2 ص 163.
الطريق الرابع للديلمي
عن أبي هريرة بلفظ : لو لم أبعث فيكم لبعث عمر. أيد الله عمر بملكين يوفقانه
ويسددانه ، فإذا أخطأ صرفاه حتى يكون صوابا.
في إسناده إسحاق بن نجيح الملطي
أبو صالح الأزدي. قال أحمد : من أكذب الناس. وقال ابن معين : كذاب عدو الله رجل
سوء خبيث. كان ببغداد قوم يضعون الحديث منهم إسحاق الملطي. وقال ابن أبي مريم
عنه : من المعروفين بالكذب ووضع الحديث. وقال علي بن المديني : ليس بشيء وضعفه ،
روى عجائب. وقال عمر بن علي : كذاب كان يضع الحديث. وقال الجوزقاني : غير ثقة
ولا من أوعية الأمانة. وقال : كذاب وضاع لا يجوز قبول خبره ولا الاحتجاج
بحديثه ويجب بيان أمره. وقال الجهضمي والبخاري : منكر الحديث. وقال السنائي :
كذاب متروك الحديث. وقال : ابن عدي : أحاديثه موضوعات وضعها هو وعامة ما أتى
عن ابن جريج بكل منكر ووضعه عليه ، وهو بين الأمر في الضعفاء ، وهو ممن يضع
الحديث. وقال ابن حبان : دجال من الدجاجلة يضع الحديث صراحا. وقال البرقي : نسب
إلى الكذب. وقال أبو سعيد النقاش : مشهور بوضع الحديث. وقال : وقال ابن طاهر :
دجال كذاب. وقال ابن الجوزي : أجمعوا على أنه كان يضع الحديث (1).
قال الديلمي بعد ذكر الحديث
بالطريق المذكور : وتابعه راشد بن سعد عن المقدام بن معدي كرب عن أبي بكر
الصديق والله أعلم.
قال الأميني : عرفت في الطريق
الثالث ضعف راشد ، وإنما الصغاني حكم على حديثه هذا بالوضع ، وأقره العجلوني
وزيفه في كشف الخفاء 2 ص 154 ، 163 وذكره السيوطي في اللئالي المصنوعة في
الأحاديث الموضوعة 1 ص 302 غير أنه عده بهذا الطريق الوعر في تاريخ الخلفاء
عن أحاديث أبي بكر ، ولا تخفى عليه تراجم هؤلاء الرجال أمثال إسحاق الملطي ،
نعم راقه أن يكثر عدد أحاديث الخليفة ولو بمثل هذا وقد حذف الأسانيد منها حتى
لا يقف القارئ على ما فيها من الوضع والاختلاق والله من ورائه حسيب.
1 ـ مرت المصادر في
الجزء الخامس ص 218 ط 2.
(112)
أما الحديث الثاني : فأخرجه الحاكم في
المستدرك 3 ص 90 بإسناده عن عبد الله بن داود الواسطي التمار عن عبد الرحمن
ابن أخي محمد بن المنكدر عن جابر رضي الله عنه قال : قال عمر بن الخطاب ذات
يوم لأبي بكر الصديق رضي الله عنهما : يا خير الناس بعد رسول الله ! فقال أبو
بكر : أما إنك إن قلت ذلك سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ما طلعت
الشمس على رجل خير من عمر.
عقبه الذهبي في تلخيص المستدرك
فقال : قلت عبد الله ضعفوه ، وعبد الرحمن متكلم فيه ، والحديث شبه
موضوع.
وقال في ميزان الاعتدال 2 ص
123 : رواه عبد الله ابن داود التمار وهو هالك ، عن عبد الرحمن بن أخي محمد
المنكدر لا يكاد يعرف ، ولا يتابع على حديثه ، وقال الترمذي : ليس إسناده بذلك.
قال الأميني : أما عبد الله بن
داود التمار فقال البخاري : فيه نظر.
وقال أبو حاتم ليس بقوي ، في
حديثه مناكير ، وقال الحاكم أبو أحمد : ليس بالمتين عندهم ، وقال النسائي :
ضعيف.
وقال ابن حبان : منكر الحديث جدا
يروي المناكير عن المشاهير لا يجوز الاحتجاج بروايته.
وقال الدارقطني : ضعيف (1).
وأما عبد الرحمن فقال يحيى بن
معين : ما أعرف عبد الرحمن فقرأه إبراهيم بن الجنيد الحديث فقال يحيي : ما أعرف
عبد الرحمن.
وأنكر الحديث ولم يعرفه (2).
جاء العلامة الحريفيش في القرن
الثامن وأتى في كتابه الروض الفائق ص 388.
بحديث مختلق في فضيلة مولانا
أمير المؤمنين وأبي بكر وجعل هذه الرواية في فضل أبي بكر عن لسان علي عليه
السلام قال روى أبو هريرة : أن أبا بكر الصديق وعلي بن أبي طالب رضي الله
عنهما قدما يوما إلى حجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال علي لأبي بكر
رضي الله عنهما : تقدم فكن أول قارع يقرع الباب وألح عليه ، فقال أبو بكر : تقدم
أنت يا علي فقال علي : ما كنت بالذي يتقدم على رجل سمعت رسول الله صلى الله
عليه وسلم يقول في حقه : ما طلعت الشمس ولا غربت من بعدي على رجل أفضل من أبي
بكر
1 ـ تهذيب التهذيب 4 ص
200.
2 ـ لسان الميزان
3 ص 448.
(113)
الصديق. فقال أبو بكر : ما كنت بالذي
يتقدم على رجل قال في حقه رسول الله صلى الله عليه وآله أعطيت خير النساء
لخير الرجال. إلى آخره وفيه مناقب ست لأبي بكر على لسان علي وكذلك لعلي على
لسان أبي بكر لم يذكر السيوطي شيئا منها في عد أحاديث أبي بكر مع اهتمامه
بإكثار عددها وذلك لبداهة الكذب فيه ، وركة لفظه ، ووضوح الاختلاق في معانيه
وألفاظه ، وظهور التهافت بين جمله كما ترى. نعم لكل من الوضاعين في وضع
الحديث ذوق ، ولكل واحد منهم طريقة وسليقة ، وليس أمرهم سلكي.
أما الحديث الثالث فمن المنكر الواضح وهو لدة ما سبق عن عمر في الجزء السادس صفحة 162 ط 2 من قوله : إن الميت يعذب ببكاء الحي.
وقد أنكرته عليه عائشة ، وهو
مخالف للكتاب المجيد حيث يقول : ولا تزر وازرة وزر أخرى ، وأمثالها وقد فصلنا
القول فيه تفصيلا في الجزء السابق فراجع ص 159 167 ط 2.
ومخالف للعدل فإن تعذيب أي أحد
لما اجترحه غيره من سيئة ـ بعد تسليم كون البكاء عليه سيئة ـ يرفضه ناموس
العدل الآلهي ، وتلفظه العقول السليمة ، ويتوجه إلى قائله اللوم من كل ذي مسكة ،
تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا.
أما الحديث الرابع : إنما حر جهنم على أمتي مثل الحمام. فإنه أشبه شيء بمخاريق
المعتوهين ، أو من يريد تحطيما من عظمة أمر المولى سبحانه ، أو إغراء لبسطاء
الأمة على اقتحام الجرائر بحسبان أن حر الجحيم الشديد الذي أوقده المنتقم
الجبار للعصاة عامة لا يصيب هذه الأمة وإنما هو للأمم السابقة ومن لم يعتنق
الاسلام من الموجودين ، وأنت إذا تأملت في نار الله الموقدة التي تطلع على
الأفئدة (1) التي وقودها الناس والحجارة (2) يوم يحمى عليها في نار جهنم فتكوى
بها جباههم وجنوبهم (3) إذا الجحيم سعرت (4) وبرزت الجحيم لمن يرى (5) ترمي بشرر
كالقصر كأنه جمالة صفر (6) كلا إنها لظى نزاعة للشوى (7) يوم يسحبون1 ـ سورة الهمزة آية
7.
2 ـ سورة البقرة آية 24.
3 ـ سورة التوبة
آية 35.
4 ـ سورة التكوير آية 12.
5 ـ سورة النازعات آية
36.
6 ـ سورة المرسلات آية
33.
7 ـ سورة المعارج
آية 15.
(114)
في النار على وجوههم ذوقوا مس سقر (1)
وما إدراك ما سقر لا تبقي ولا تذر لواحة للبشر عليها تسعة عشر (2) قالوا ما
سلككم في سقر ؟ قالوا : لم نك من المصلين ولم نك نطعم المسكين وكنا نخوض مع
الخائضين (3) إن شجرة الزقوم طعام الأثيم كالمهل يغلي في البطون كغلي
الحميم (4). أو تأملت فيما هدد به المولى سبحانه
المتثاقلين عن النفر للجهاد في الحر بقوله : قل نار جهنم أشد حرا لو كانوا
يفقهون (5) ومن يأكل أموال اليتامى بقوله : إنما يأكلون في بطونهم نارا وسيصلون
سعيرا (6) إلى كثير من أمثال هذه لا ترتاب في أن الأمم كلها بالنسبة إليها شرع
سواء ، بل إن توجيه تلكم الخطابات إلى الأمة المرحومة المعنية بالتهذيب
وإيقافها عن المعصية بالتهديد أولى من توجيهها إلى الأمم البائدة التي جرى
عليها ما جرى من عاقبة طاعة ، أو مغبة عصيان ، فذهبوا رهائن أعمالهم ، وبه يتم
اللطف ، وتحسن التربية ، وهو الذي كان يبكي الصالح ، ويفجع المتقين ، ويدر عبرات
الأولياء ، ويجعل سيدهم أمير المؤمنين يتململ في جنح الليل البهيم تململ
السليم قابضا على لحيته ، يبكي بكاء الحزين وهو يقول : يا ربنا ! يا ربنا ! ـ
يتضرع إليه ـ ثم يقول للدنيا : إلي تغررت ؟ إلي تشوقت ؟ هيهات هيهات ، غري غيري
قد بتتك ثلاثا ، فعمرك قصير ، ومجلسك حقير ، وخطرك يسير ، آه آه من قلة الزاد ،
وبعد السفر ووحشة الطريق (7).
ثم أي مشابهة بين ذلك اللهب
المصطلم وبين الحمام الذي لا يكون الحر فيه إلا صحيا تزاح به الأوساخ ، وتعرق
به الأبدان وترفع به الأتعاب ، وترتاح به الأجسام ؟ وهل يهدد بمثله عصاة البشر
الذي خلق ظلوما جهولا جموحا ، البشر الذي هذا عقله ورشده وحديثه ؟
1 ـ سورة القمر آية
48.
2 ـ سورة المدثر آية 29.
3 ـ سورة المدثر
آية 45.
4 ـ سورة الدخان آية 46.
5 ـ سورة التوبة
آية 81.
6 ـ سورة النساء آية 10.
7 ـ حلية الأولياء
1 ص 85 ، الاستيعاب 2 ص 463 ، الرياض النضرة 2 ص 212 ، زهر الآداب للقيرواني 1
ص 38 ، تذكرة السبط ص 270 ، مطالب السؤول ص 33 ، إتحاف الشبراوي ص
7.
هذه غاية جهد الباحث عن علم الخليفة
بالسنة وهذه سعة إطلاعه عليها ، فنحن إذا قسنا مجموع ما ورد عن الخليفة من
الصحيح والموضوع في التفسير والأحكام والفوائد من المائة وأربعة حديثا أو
المائة واثنين وأربعين حديثا إلى ما جاء عن النبي الأقدس من السنة الشريفة
لتجدها كقطرة من بحر لجي ، لا تقام بها قائمة للاسلام ، ولا تدعم بها أي دعامة
للدين ، ولا تروى بها غلة صاد ، ولا تنحل بها عقدة أية مشكلة.
هذا أبو هريرة ، وأنس بن مالك ،
وعبد الله عمر ، وعبد الله بن العباس ، وعبد الله بن عمرو بن العاص ، وعبد الله
بن مسعود ، و و و يروون آلافا من السنة النبوية فقد أخرج تقي ابن مخلد في
مسنده من حديث أبي هريرة فحسب خمسة آلاف وثلثمائة حديث وكسرا (1) وأبو هريرة
لم يصحب النبي إلا ثلاث سنين.
وهذا أحمد بن الفرات كتب ألف
ألف وخمسمائة ألف حديث ، وانتخب منها ثلاثمائة ألف في التفسير والأحكام
والفوائد : ( خلاصة التهذيب ص 9 ) وهذا حرمة بن يحيى أبو حفص المصري صاحب
الشافعي يروي عن طريق ابن وهب فحسب مائة ألف حديث.
( خلاصة التهذيب ص 63 ) وهذا
أبو بكر الباغندي يجيب عن ثلثمائة ألف مسألة في حديث رسول الله صلى الله عليه
وآله ( تاريخ الطبري 3 ص 210 ).
وهذا الحافظ روح بن عبادة
القيسي له أكثر من مائة ألف حديث.
( ميزان الاعتدال 1 ص 342 )
وهذا الحافظ مسلم صاحب الصحيح عنده ثلاثمائة ألف حديث مسموعة.
( طبقات الحفاظ 2 ص 151 ).
وهذا الحافظ أبو محمد عبدان
الأهوازي يحفظ مائة ألف حديث ( تاريخ ابن عساكر 7 ص 288 ) وهذا الحافظ أبو
بكر ابن الأنباري يحفظ ثلاثمائة ألف بيت شاهد في القرآن
1 ـ الإصابة 4 ص
205.
وكان يحفظ مائة وعشرين تفسيرا بأسانيدها ( شذرات الذهب 2 ص 316 ).
وهذا الحافظ أبو زرعة حفظ مائة
ألف حديث كما يحفظ الانسان قل هو الله أحد ، ويقال : سبعمائة ألف حديث ( تاريخ
ابن كثير 11 ص 37 ، تهذيب التهذيب 7 ص 33 ).
وهذا الحافظ ابن عقدة يجيب في
ثلاثمائة ألف حديث من حديث أهل البيت عليهم السلام وبني هاشم حدث بها عنه
الدارقطني ( تذكرة الحفاظ 2 ص 56 ).
وهذا الحافظ أبو العباس أحمد بن
منصور الشيرازي كتب عن الطبراني ثلاثمائة ألف حديث ( تذكرة الحفاظ 3 ص 122 ).
وهذا الحافظ أبو داود السجستاني
كتب عن النبي صلى الله عليه وآله خمسمائة ألف حديث ( تذكرة الحفاظ 2 ص 154 ).
وهذا عبد الله بن إمام الحنابلة
أحمد سمع من أبيه مائة ألف وبضعة أحاديث طبقات الحفاظ 2 ص 214 ).
وهذا ثعلب البغدادي سمع من
القواريري مائة ألف حديث [ طبقات الحفاظ 2 ص 214 ].
وهذا أبو داود الطيالسي يملي من
حفظه مائة ألف حديث ( شذرات الذهب 2 ص 12 ).
وهذا أبو بكر الجعابي يحفظ
أربعمائة ألف حديث بأسانيد ها ومتونها ويذاكر ستمائة ألف حديث ، ويحفظ من
المراسيل والمقاطيع والخطابات قريبا من ذلك ( تاريخ ابن كثير 11 ص 261 ).
وهذا إمام الحنابلة أحمد عنده
أكثر من سبعمائة وخمسين ألفا ( راجع آخر الجزء الأول من مسنده ).
وهذا الحافظ أبو عبد الله
الختلي يحدث من حفظه بخمسين ألف حديث ( تاريخ ابن كثير 11 ص 217 ).
وهذا يحيى بن يمان العجلي يحفظ
عن سفيان أربعة آلاف حديث في التفسير فقط ( تاريخ الطبري 14 ص 121 ).
(117)
وهذا الحافظ ابن أبي عاصم يملي من ظهر
قلبه خمسين ألف حديث بعد ما ذهبت كتبه ( تذكرة الحفاظ 2 ص 194 ).
وهذا الحافظ أبو قلابة عبد
الملك حدث من حفظه ستين ألف حديث ( طبقات الحفاظ 2 ص 143 ).
وهذا أبو العباس السراج كتب
لمالك سبعين ألف مسألة ( تاريخ بغداد 1 ص 251 ).
وهذا الحافظ ابن راهويه يملي
سبعين ألف حديث من حفظه ( تاريخ ابن عساكر 2 ص 413 ).
وهذا الحافظ إسحاق الحنظلي يحفظ
سبعين ألف حديث ( تاريخ الخطيب 6 ص 352 ).
وهذا إسحاق بن بهلول التنوخي
يحدث من حفظه خمسين ألف حديث ( تاريخ الخطيب 6 ص 368 ).
وهذا محمد بن عيسى الطباع كان
يحفظ نحوا من أربعين ألف حديث ( تاريخ بغداد 2 ص 396 ).
وهذا الحافظ ابن شاهين يكتب من
حفظه بعد ما ذهبت كتبه عشرين أو ثلاثين ألف حديث ( تاريخ بغداد 11 ص 268 ).
وهذا الحافظ يزيد بن هارون يحفظ
أربعة وعشرين ألف حديث بإسنادها ( شذرات الذهب 2 ص 16 ).
فهلم معي نرى أن إسلاما هذه سعة
نطاق علمه ، وكثرة طقوسه وسننه ، وغزارة فنونه وعلومه ، ونبيا هذا حديثه وسنته ،
وهذا ودايعه المصلحة لأمته ، وهذا شأن الأعلام أمناء ودايع العلم والدين ، وهذه
سيرة حفظة السنة الشريفة ، كيف يجب أن يتحلى خليفة ذلك النبي الأقدس بأبراد
علوم الكتاب والسنة ؟ وكيف يحق أن يكون حاملا بأعباء علوم مستخلفه ومعالمه ،
وراثا مآثره وآثاره ؟ أفهل يقتصر منه بمائة وأربعة حديثا ؟ أو تقبل الأمة
المسكينة أو تجديها هذه الكمية اليسيرة من ذلك الحوش الحايش ؟ أو يسد ذلك
الفراغ ، ويمثل تلك العلوم الاسلامية الجمة من هذا شأنه وشعاره ، وهذه سيرته
وسنته ، وهذا علمه وحديثه ؟ أو يتلقى
(118)
بالقبول عذر المدافع عن الخليفة بأن
قلة حديثه لقصر مدة خلافته ؟ أي صلة بين قصر العمر بعد النبي صلى الله عليه
وآله وسلم وقلة الرواية ؟ فإن رواة الأحاديث على العهد النبوي ما كان حجر
عليها ، ولم يكن عقال في ألسن أولئك الصحابة الأولين ، ولا على الأفواه أوكية
عن بث العلم من الكتاب والسنة طيلة حياة النبي الأقدس ، ولم يكن المكثرون من
الرواية قصروا أحاديثهم على ما بعد أيامه صلى الله عليه وآله وسلم ، فقلة حديث
الرجل إن هي إلا لقلة تلقيه ، وقصر حفظه ، إنما الإناء ينضح بما فيه والأوعية
إذا طفحت فاضت.
ثم أنى يسوغ للخليفة ؟ أن تثقله
أعباء الخلافة ، وتعييه معضلات المسائل و ويتترس بمثل قوله : أي سماء تظلني.
إلخ.
أو قوله : سأقول فيها
برأيي.
أو يخطب بعد أيام قلائل من
خلافته وقد أهرجته المواقف ، ويتطلب الفوز منها بقوله : لوددت أن هذا كفانيه
غيري ، ولئن أخذ ولئن أخذتموني بسنة نبيكم صلى الله عليه وسلم لا أطيقها ، إن
كان لمعصوما من الشيطان ، وإن كان لينزل عليه الوحي من السماء (1).
أو بقوله : أما والله ما أنا
بخيركم ، ولقد كنت لمقامي هذا كارها ، ولوددت أن فيكم من يكفيني ، أفتظنون أني
أعمل فيكم بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ إذن لا أقوم بها إن رسول الله
كان يعصم بالوحي ، وكان معه ملك ، وإن لي شيطانا يعتريني ، فإذا غضبت فاجتنبوني
أن لا أوثر في أشعاركم وأبشاركم ، ألا فراعوني فإن استقمت فأعينوني وإن زغت
فقوموني وفي لفظ ابن سعيد : ألا وإنما أنا بشر ولست بخير من أحد منكم فراعوني ،
فإذا رأيتموني استقمت فاتبعوني ، وإن رأيتموني غضبت فاجتنبوني لا أوثر في
أشعاركم وأبشاركم (2) أو بقوله : إني وليت عليكم ولست بخيركم ، فإن رأيتموني على
الحق فأعينوني وإن رأيتموني على الباطل فسددوني (3).
1 ـ مسند أحمد 1 ص 14 ،
الرياض النضرة 1 ص 177 ، كنز العمال 3 ص 126.
2 ـ طبقات ابن سعد
3 ص 151 ، الإمامة والسياسة 1 ص 16 ، تاريخ الطبري 3 ص 210 ، الصفوة 1 ص 99 ،
شرح نهج البلاغة : 3 ص 8 ، ج 4 : 167. كنز العمال 3 ص 126.
3 ـ طبقات ابن سعد
3 ص 139 ، المجتنى لابن دريد ص 27 ، عيون الأخبار لابن قتيبة 2 ص 234 ، تاريخ
الطبري 3 ص 203 ، سيرة ابن هشام 4 ص 340 ، تهذيب الكامل 1 ص 6 ، العقد الفريد 2
ص 158 ، إعجاز القرآن ص 115 ، الرياض النضرة 1 ص 167 ، 177 ، تاريخ ابن كثير ص
247 وصححه ، شرح ابن أبي الحديد 1 ص 134 ، تاريخ الخلفاء السيوطي ص 47 ، 48
السيرة الحلبية 3 ص 388.
(119)
وفي لفظ ابن الجوزي في الصفوة 1 ، 98 :
قد وليت أمركم ولست بخيركم ، فإن أحسنت فأعينوني ، وإن زغت فقوموني.
وهل الخليفة حري بأن ترعاه أمته
ورعيته فتعينه وتسدده وتقومه عند الخطل والزيغ ؟ وكيف لا يؤاخذ الخليفة
بالسنة وهو وارث علم النبي وحامل سنته وقد أكمل الله دينه وأوحى إلى نبيه ما
تحتاج إليه أمته ، وبلغ صلى الله عليه وآله كل ما جاء به حتى حق له أن ينهى عن
الرأي والقياس في دين الله ، أو يقول : ما تركت شيئا مما أمركم الله به إلا وقد
أمرتكم به ، ولا تركت شيئا مما نهاكم عنه إلا وقد نهيتكم عنه (1).
وقد فتح الخليفة لقصر باعه في
علوم الكتاب والسنة باب القول بالرأي بمصراعيه بعد ما سده النبي الأعظم على
أمته ، ولم تكن عند الخليفة مندوحة سواه ، قال ابن سعد في الطبقات ، وأبو عمر
في كتاب العلم 2 : 51 ، وابن القيم في أعلام الموقعين ص 19 ، إن أبا بكر نزلت به
قضية فلم يجد في كتاب الله منها أصلا ، ولا في السنة أثرا ، فاجتهد رأيه ثم
قال : هذا رأيي فإن يكن صوابا فمن الله ، وإن يكن خطأ فمني واستغفر
الله.
( وذكره السيوطي في تاريخ
الخلفاء عن ابن سعد ص 71 ).
وقال ميمون بن مهران : كان أبو
بكر إذ ورد عليه الخصم فإن وجد في الكتاب أو علم من رسول الله ما يقضي بينهم
قضى به ، فإن أعياه خرج فسأل المسلمين وقال : أتاني كذا وكذا فهل علمتم أن
رسول الله قضى في ذلك بقضاء ؟ فربما اجتمع إليه النفر كلهم يذكر من رسول الله
فيه قضاءا ، فيقول أبو بكر : الحمد لله الذي جعل فينا من يحفظ نبينا ، فإن أعياه
أن يجد فيه سنة من رسول الله جمع رؤس الناس و خيارهم فاستشارهم فإذا اجتمع
رأيهم على أمر قضى به (2).
هكذا كان شأن الخليفة في
القضاء ، وهذا مبلغ علمه ، وهذه سيرته في العمل بالرأي المجرد وقد قال عمر بن
الخطاب : أصبح أهل الرأي أعداء السنن أعيتهم الأحاديث أن يعوها ، وتفلتت منهم
أن يرووها فاشتقوا الرأي ، أيها الناس إن الرأي إن كان من
1 ـ كتاب العلم لأبي
عمر ، وفي مختصره ص 222.
2 ـ سنن الدارمي 1
ص 58 ، وأخرجه البغوي كما في الصواعق ص 10.
(120)
رسول الله مصيبا لأن الله كان يريه ،
وإنما هو منا الظن والتكلف (1).
ثم ما المسوغ لمن سد فراغ النبي
وأشغل منصته أن يسأل الناس عن السنة الشريفة ، ويأخذها ممن هو خليفة عليه ؟
ولماذا خالف سيرته هذه لما سئل عن الأب والكلالة و ترك سؤال الصحابة
واستشارتهم فأفتى برأيه ما أفتى وقال بحريته ما قال.
وفيما اتفق لأبي بكر من القضايا
غير ما مر مع قلته غنية وكفاية في عرفان مبلغ علمه وإليك منها :
عن قبيصة بن ذؤيب قال : جاءت الجدة إلى
أبي بكر الصديق رضي الله عنه تسأله عن ميراثها فقال لها أبو بكر : ما لك في
كتاب الله شيء وما علمت لك في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا فارجعي
حتى أسأل الناس فقال المغيرة بن شعبة : حضرت رسول الله صلى الله عليه وسلم
أعطاها السدس.
فقال أبو بكر : هل معك غيرك ؟
فقام محمد بن مسلمة الأنصاري فقال مثل ما قال المغيرة فأنفذه لها أبو بكر رضي
الله عنه. الحديث (2).
فانظر إلى ما عزب عنه علم
الخليفة في مسألة تكثر بها البلوى ويطرد الحكم فيها ، حتى اضطرته الحاجة إلى
الركون إلى رواية مثل المغيرة أزنى ثقيف وأكذب الأمة (3) وكان من تغييره للسنة
ولعبه بها أنه صلى صلاة العيد يوم عرفة مخافة أن يعزل سنة أربعين (4) وكان
ينال من أمير المؤمنين عليه السلام كلما رقى صهوة المنبر (5).
عن القاسم بن محمد أنه قال : أتت
الجدتان إلى أبي بكر الصديق رضي الله عنه
1 ـ كتاب العلم لأبي عمر
2 : 134 ، وفي مختصره ص 185 ، أعلام الموقعين ص 19.
2 ـ موطأ مالك 1 ص
335 ، سنن الدارمي 2 ص 359 ، سنن أبي داود 2 ص 17 ، سنن ابن ماجة 3 ص 163 ، مسند
أحمد 4 ص 224 ، سنن البيهقي 6 ص 234 ، بداية المجتهد 2 ص 344 ، مصابيح السنة 2
ص 22.
3 ـ راج الجزء
السادس من كتابنا هذا ص 141 ط 2.
4 ـ الأغاني 14 ص
142.
5 ـ مر في الجزء
السادس ص 143 ، 144 ط 2.
الغدير في الكتاب والسنة والأدب ـ الجزء السابع ::: فهرس