سورة النساء
مدنية كلها (1) وعدد آيها مأة وسبع وسبعون آية
بسم الله الرحمن الرحيم

(1) يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة هي آدم على نبينا وعليه الصلاة والسلام وخلق منها زوجها هي حواء .
القمي برأها من أسفل أضلاعه وبث منها رجالا كثيرا ونساء بنين وبنات كثيرة ورتب الامر بالتقوى على ذلك لما فيه من الدلالة على القدرة القاهرة التي من حقها أن تخشى والنعمة الظاهرة التي توجب طاعة مولاها .
العياشي عن أمير المؤمنين عليه السلام قال خلقت حواء من قصيري جنب آدم والقصير هو الضلع الاصغر فأبدل الله مكانه لحما ، وفي رواية خلقت حواء من جنب آدم وهو راقد .
وعن الصادق عليه السلام أن الله خلق آدم من الماء والطين فهمة ابن آدم في الماء والطين وان الله خلق حواء من آدم فهمة النساء الرجال فحصنوهن في البيوت .
وفي الفقيه والعلل عنه عليه السلام انه سئل عن خلق حواء وقيل له أن أناسا عندنا يقولون ان الله عز وجل خلق حواء من ضلع آدم اليسرى الأقصى قال سبحان الله تعالى عن ذلك علوا كبيرا ، يقول من يقول هذا ان الله تبارك وتعالى لم يكن له من القدرة ما يخلق لآدم زوجة من غير ضلعه ويجعل للمتكلم من أهل التشنيع سبيلا إلى
____________
(1) قيل : انها مدنية الا قوله ( ان الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات ) الآية ، وقوله : ( يستفتونك في النساء قل الله يفتيكم في الكلالة ) الآية فانهما نزلتا بمكة « منه » .

( 414 )

الكلام يقول ان آدم كان ينكح بعضه بعضا إذا كانت من ضلعه ما لهؤلاء حكم الله بيننا وبينهم ثم قال ان الله تبارك وتعالى لما خلق آدم من طين وأمر الملائكة فسجدوا له القى عليه السبات ثم ابتدع له حواء فجعلها في موضع النقرة التي بين وركيه وذلك لكي تكون المرأة تبعا للرجل فأقبلت تتحرك فانتبه لتحركها فلما انتبه نوديت أن تنحي عنه فلما نظر إليها نظر إلى خلق حسن يشبه صورته غير انها انثى فكلمها فكلمته بلغته فقال لها من أنت فقالت خلق خلقني الله كما ترى فقال آدم عليه السلام عند ذلك يا رب من هذا الخلق الحسن الذي قد آنسني قربه والنظر إليه فقال الله يا آدم هذه أمتي حواء أتحب أن تكون معك فتونسك وتحدثك وتأتمر لأمرك فقال نعم يا رب ولك عليّ بذلك الشكر والحمد ما بقيت فقال الله تعالى فاخطبها إليّ فانها أمتي وقد تصلح لك أيضا زوجة للشهوة والقى الله عليه الشهوة وقد علمه قبل ذلك المعرفة بكل شيء فقال يا رب فاني أخطبها اليك فما رضاك لذلك فقال رضائي ان تعلمها معالم ديني فقال ذلك لك يا رب عليّ ان شئت ذلك اليّ فقال قد شئت ذلك وقد زوجتكها فضمها اليك فقال لها آدم إلي فاقبلي فقالت له لا بل أنت فاقبل الي فأمر الله تعالى آدم أن يقوم إليها فقام ولولا ذلك لكن النساء يذهبن حتى يخطبن على أنفسهن فهذه قصة حواء .
والعياشي عن الباقر عليه السلام أنه سئل من أي شيء خلق الله حواء فقال أي شيء يقولون هذا الخلق قلت يقولون ان الله خلقها من ضلع من اضلاع آدم فقال كذبوا كان يعجز ان يخلقها من غير ضلعه ثم قال اخبرني أبي عن آبائه عليهم السلام قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ان الله تبارك وتعالى قبض قبضة من طين فخلطها بيمينه وكلتا يديه يمين فخلق منها آدم وفضل فضلة من الطين فخلق منها حواء .
وفي العلل عنه عليه السلام خلق الله عز وجل آدم من طين ومن فضلته وبقيته خلقت حواء ، وفي رواية أخرى خلقت من باطنه ومن شماله ومن الطينة التي فضلت من ضلعه الأيسر .
قال في الفقيه وأما قول الله عز وجل يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من

( 415 )

نفس واحدة وخلق منها زوجها ، والخبر الذي روي أن حواء خلقت من ضلع آدم الايسر صحيح ومعناه من الطينة التي فضلت من ضلعه الأيسر فلذلك صارت أضلاع الرجال أنقص من أضلاع النساء بضلع .
أَقُولُ : فما ورد أنها خلقت من ضلعه الأيسر اشارة الى أن الجهة الجسمانية الحيوانية في النساء أقوى منها في الرجال والجهة الروحانية الملكية بالعكس من ذلك وذلك لأن اليمين مما يكنى به عن عالم الملكوت الروحاني والشمال مما يكنى به عن عالم الملك الجسماني فالطين عبارة عن مادة الجسم واليمين عبارة عن مادة الروح ولا ملك (1) إلا بملكوت وهذا هو المعني بقوله وكلتا يديه يمين فالضلع الأيسر المنقوص من آدم كناية عن بعض الشهوات التي تنشؤ من غلبة الجسمية التي هي من عالم الخلق وهي فضلة طينة المستنبط من باطنه التي صارت من مادة لخلق حواء فنبه في الحديث على أنه جهة الملكوت والأمر في الرجال أقوى من جهة الملك والخلق وبالعكس منهما في النساء فان الظاهر عنوان الباطن وهذا هو السر في هذا النقص في أبدان الرجال بالاضافة الى النساء وأسرار الله لا ينالها إلا أهل السر فالتكذيب في كلام المعصومين انما يرجع الى ما فهمه العامة من حمله على الظاهر دون أصل الحديث .
وفي العلل عن الصادق عليه السلام أنه سئل عن بدو النسل من ذرية آدم وقيل له ان عندنا اناسا يقولون ان الله تعالى أوحى إلى آدم أن يزوج بناته من بنيه وأن هذا الخلق أصله كله من الاخوة والاخوات فقال سبحان الله وتعالى عن ذلك علوا كبيرا يقول من يقول هذا ان الله عز وجل جعل أصل صفوة خلقه واحبائه وانبيائه ورسله والمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات من حرام ولم يكن له من القدرة ما يخلقهم من الحلال وقد أخذ ميثاقهم على الحلال والطهر الطاهر الطيب والله لقد نبئت ان بعض البهائم تنكرت له اخته فلما نزل عليها ونزل كشف له عنها وعلم أنها اخته أخرج غرموله (2) ثم قبض عليه بأسنانه ثم قلعه ثم خر ميتا ، وفي رواية اخرى
____________
(1) قوله : لا ملك الا بملكوت أي ليس عالم المادية الا متقوما بالنفوس الروحانية .
(2) العزمول بالضم الذكر (ق) .


( 416 )

عنه عليه السلام ما يقرب منه مع تأكيد بليغ في تحريم الاخوات على الاخوة وانه لم يزل كذلك في الكتب الأربعة المنزلة المشهورة وان جيلا من هذا الخلق رغبوا عن علم أهل بيوتات الانبياء وأخذوا من حيث لم يؤمروا بأخذه فصاروا الى ما قد ترون من الضلال والجهل وفي آخرها ما أراد من يقول هذا وشبهه الا تقوية حجج المجوس فما لهم قاتلهم الله ، ثم قال ان آدم ولد له سبعون بطنا في كل بطن غلام وجارية إلى أن قتل هابيل فلما قتل هابيل جزع آدم على هابيل جزعا قطعه عن اتيان النساء فبقي لا يستطيع أن يغشى حواء خمسمائة عام ثم تجلى ما به من الجزع فغشي حواء فوهب الله له شيثا وحده وليس معه ثان واسم شيث هبة الله وهو أول وصي أوصى إليه من الآدميين في الأرض ثم ولد له من بعد شيث يافث ليس معه ثان فلما أدركا وأراد الله عز وجل أن يبلغ بالنسل ما ترون وأن يكون ما قد جرى به القلم من تحريم ما حرم الله عز وجل من الاخوات على الأخوة أنزل بعد العصر في يوم الخميس حوراء من الجنة اسمها نزلة فأمر الله عز وجل آدم أن يزوجها من شيث فزوجها منه ثم أنزل بعد العصر من الغد حوراء من الجنة اسمها منزلة فأمر الله عز وجل آدم أن يزوجها من يافث فزوجها منه فولد لشيث غلام وولد ليافث جارية فأمر الله تعالى آدم حين أدركا أن يزوج ابنة يافث من ابن شيث ففعل وولد الصفوة من النبيين والمرسلين من نسلهما ومعاذ الله أن يكون ذلك على ما قالوا من أمر الاخوة والاخوات .
وفي الفقيه عنه عليه السلام أن آدم ولد له شيث وان اسمه هبة الله وهو أول وصي أوصى إليه من الآدميين وساق الحديث إلى آخر ما ذكره .
في العلل والعياشي عنه عليه السلام قيل له ان الناس يزعمون أن آدم زوج ابنته من ابنه فقال قد قال الناس ذلك ولكن أما علمت أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال لو علمت أن آدم زوج ابنته من ابنه لزوجت زينب من القاسم وما كنت لأرغب عن دين آدم .
وفي الكافي عن الباقر عليه السلام أنه ذكر له المجوس وانهم يقولون نكاح كنكاح ولد آدم وانهم يحاجوننا بذلك فقال أما أنتم فلا يحاجونكم به لما أدرك هبة الله

( 417 )

قال آدم يا رب زوج هبة الله فاهبط الله حوراء فولدت له أربعة غلمة ثم رفعها الله فلما أدرك ولد هبة الله قال يا رب زوج ولد هبة الله فأوحى الله عز وجل إليه أن يخطب إلى رجل من الجن وكان مسلما أربع بنات له على ولد هبة الله فزوجهن فما كان من جمال وحلم فمن قبل الحوراء والنبوة للانتهاء إلى آدم عليه السلام وما كان من سفه أو حدة (1) فمن الجن .
والعياشي عنه عليه السلام قال ان آدم ولد له أربعة ذكور فاهبط الله إليه أربعة من الحور فزوج كل واحد منهم واحدة فتوالدوا ثم ان الله رفعهن وزوج هؤلاء الأربعة أربعة من الجن فصار النسل فيهم فما كان من حلم فمن آدم وما كان من جمال فمن قبل الحور العين وما كان من قبح أو سوء خلق فمن الجن . وفي رواية لما ولد لآدم هبة الله وكبر سأل الله أن يزوجه فأنزل الله له حوراء من الجنة فزوجها إياه فولدت له أربعة بنين ثم ولد لآدم ابن آخر فلما كبر أمره أن تزوج الجان فولد له أربع بنات فتزوج بنو هذا بنات هذا فما كان من جمال فمن قبل الحوراء وما كان من حلم فمن قبل آدم وما كان من خفة فمن قبل الجان فلما توالدوا صعدت الحوراء إلى السماء .
وفي الفقيه عنه عليه السلام ان الله عز وجل أنزل على آدم حوراء من الجنة فزوجها أحد إبنيه وتزوج الآخر ابنة الجان فما كان في الناس من جمال كثير أو حسن خلق فهو من الحوراء وما كان فيهم من سوء خلق فهو من آدم الجان .
وفي قرب الاسناد عن الرضا عليه السلام حملت حواء هابيل واختا له في بطن ثم حملت في البطن الثاني قابيل واختا له في بطن فزوج هابيل التي مع قابيل وتزوج قابيل التي مع هابيل ثم حدث التحريم بعد ذلك .
وفي المجمع عن الباقر عليه السلام أن حواء امرأة آدم كانت تلد في كل بطن غلاما وجارية فولدت في أول بطن قابيل وقيل قابين وتوأمته اقليما بنت آدم والبطن الثاني هابيل وتوأمته (2) لوزاء فلما أدركوا جميعا أمر الله آدم أن ينكح قابيل أخت هابيل
____________
(1) الحدة : ما يعتري الانسان من النزق والغضب ، يقال حد يحد إذا غضب ( مجمع ) .
(2) التوأم من جميع الحيوان المولود مع غيره في بطن من الاثنين فصاعدا ذكرا أو أنثى أو ذكرا وأنثى جمعه توائم وتوآم كرخال ويقال توأم للذكر وتوأمة للأنثى فإذا جمعا فهما توأمان وتوأم وقد اتأمت الأم فهي متئم ومعتادته متئم وتاأم أخاه ولد معه وهو تئمة بالكسر وتوأمة وتيامة (ق) .


( 418 )

وهابيل اخت قابيل فرضي هابيل وأبى قابيل لأن أخته كانت أحسنهما وقال ما أمر الله بهذا ولكن هذا من رأيك فأمرهما الله أن يقربا قربانا فرضيا بذلك « الحديث » ويأتي تمامه في سورة المائدة عند تفسير واتل عليهم نبأ آدم .
وفي الاحتجاج عن السجاد عليه السلام يحدث رجلا من قريش قال لما تاب الله على آدم واقع حواء ولم يكن غشيها منذ خلق وخلقت إلا في الأرض وذلك بعدما تاب الله عليه قال وكان يعظم البيت وما حوله من حرمة البيت فكان إذا أراد أن يغشى حواء خرج من الحرم وأخرجها معه فإذا جاء الحرم غشيها في الحل ثم يغتسلان اعظاما منه للحرم ثم يرجع الى فناء البيت قال فولد لآدم من حواء عشرون ذكرا وعشرون انثى يولد له في كل بطن ذكر وأنثى فأول بطن ولدت حواء هابيل ومعه جارية يقال لها اقليما قال وولدت في البطن الثاني قابيل ومعه جارية يقال لها لوزاء وكانت لوزاء أجمل بنات آدم قال فلما أدركوا خاف عليهم آدم الفتنة فدعاهم إليه وقال اريد أن انكحك يا هابيل لوزاء وأنكحك يا قابيل اقليما قال قابيل ما أرضى بهذا أتنكحني اخت هابيل القبيحة وتنكح هابيل اختي الجميلة قال فأنا أقرع بينكما فإن خرج سهمك يا قابيل على لوزاء أو خرج سهمك يا هابيل على اقليما زوجت كل واحدة منكما التي خرج سهمه عليها قال فرضيا بذلك فاقرعا قال فخرج سهم قابيل على اقليما اخت هابيل وخرج سهم هابيل على لوزاء اخت قابيل قال فزوجهما على ما خرج لهما من عند الله قال ثم حرم الله تعالى نكاح الاخوات بعد ذلك قال فقال له القرشي فأولداهما قال نعم فقال له القرشي فهذا فعل المجوس اليوم قال فقال عليه السلام ان المجوس انما فعلوا ذلك بعد التحريم من الله ثم قال عليه السلام له لا تنكر هذا انما هي شرائع الله جرت أليس الله قد خلق زوجة آدم منه ثم أحلها له فكان ذلك شريعة من شرائعهم ثم أنزل الله التحريم بعد ذلك ، إن قيل كيف التوفيق بين هذه الاخبار والاخبار الأولى قلنا الاخبار الأولى هي الصحيحة المعتمد عليها وانما الأخيرة فانما وردت موافقة للعامة فلا اعتماد عليها مع جواز تأويلها (1) بما توافق الأولة واتقوا الله الذي تساءلون
____________
(1) قوله مع جواز تأويلها : علل المراد به أن التوأمة في كل بطن ان الله تعالى أنزل تارة من طينة الحوراء في بطن حواء ما يكون بمنزلة النطفة لا من نطفة آدم نظير ما صنع بمريم وأخرى من طينة الجان على ذلك المنوال أو المراد بما أنكر في الأولة التزويج من بطن واحد فلا ينافي الثانية إلى غير ذلك مما يجده المتأمل .

( 419 )

به أي يسأل بعضكم بعضا فيقول أسألك بالله واصله تتساءلون فأدغمت التاء في السين وقرئ بالتخفيف وطرح التاء والأرحام واتقوا الأرحام ان تقطعوها .
كذا في المجمع ، عن الباقر عليه السلام وقيل هو من قولهم أسألك بالله والرحم أن تفعل كذا أو أنشدك الله والرحم يعني كما انكم تعظمون الله بأقوالكم فعظموه بطاعتكم إياه وعليه بناء قراءته بالجر .
والقمي قال تساءلون يوم القيامة عن التقوى هل اتقيتم وعن الرحم هل وصلتموها .
وفي الكافي والعياشي عن الصادق عليه السلام هي أرحام الناس ان الله عز وجل أمر بصلتها وعظمها ألا ترى أنه جعلها معه .
أقول : يعني قرنها باسمه في الأمر بالتقوى .
وفي الكافي عنه عليه السلام عن أمير المؤمنين عليه السلام قال صلوا أرحامكم ولو بالتسليم ثم تلا هذه الآية .
وعن الرضا عليه السلام ان رحم آل محمد الأئمة صلوات الله وسلامه عليهم لمعلقة بالعرش تقول اللهم صل من وصلني واقطع من قطعني ثم هي جارية بعدها في أرحام المؤمنين ثم تلا هذه الآية .
وفي العيون عنه عليه السلام ان الله أمر بثلاثة مقرون بها ثلاثة إلى قوله وأمر باتقاء الله وصلة الرحم فمن لم يصل رحمه لم يتق الله .
وعنه عن أبيه عن آبائه عن علي عليهم السلام قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لما أسري بي إلى السماء رأيت رحما معلقة بالعرش تشكو رحما إلى ربها فقلت لها كم بينك وبينها من أب فقالت نلتقي في أربعين أبا إن الله كان عليكم رقيبا حفيظا .
(2) وآتوا اليتامى أموالهم يعني إذا بلغوا وآنستم منهم رشدا كما في الآية

( 420 )

الاخرى ولا تتبدلوا الخبيث بالطيب ولا تستبدلوا الحرام من أموالهم بالحلال من أموالكم بأن تتعجلوا الحرام من أموالهم قبل أن يأتيكم الرزق الحلال الذي قدر لكم . وقيل كانوا يأخذون الرفيع من أموالهم ويجعلون مكانه الخسيس فنهوا عنه ولا تأكلوا أمولهم إلى أموالكم مضمومة إليها مسوين بينهما فان أحدهما حلال والآخر حرام يعني فيما زاد على قدر أجره لقوله سبحانه فليأكل بالمعروف إنه كان حوبا كبيرا ذنبا عظيما .
(3) وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء قيل يعني ان خفتم أن لا تعدلوا في يتامى النساء إذا تزوجتم بهن فتزوجوا ما طاب من غيرهن إذ كان الرجل يجد يتيمة ذات مال وجمال فيتزوجها ضنا (1) بها فربما يجتمع عنده منهن عدد ولا يقدر على القيام بحقوقهن .
وذكر القمي وغيره في سبب نزوله وكيفية نظام محصوله واتصال فصوله وجوهاً أُخر ولا يخلو شيء منها عن تعسف .
وفي الإحتجاج عن أمير المؤمنين عليه السلام قال لبعض الزنادقة في حديث وأما ظهورك على تناكر قوله تعالى وان خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء فليس يشبه القسط في اليتامى نكاح النساء ولا كل النساء اليتامى فهو مما قدمت ذكره من اسقاط المنافقين من القرآن وبين القول في اليتامى وبين نكاح النساء من الخطاب والقصص أكثر من ثلث القرآن وهذا وما أشبهه مما ظهرت حوادث المنافقين فيه لأهل النظر والتأمل ووجد المعطلون وأهل الملل المخالفة للإسلام مساغا إلى القدح في القرآن ولو شرحت لك كل ما أسقط وحرف وبدل لما يجري هذا المجرى لطال وظهر ما تحظر التقية اظهاره من مناقب الأولياء ومثالب الأعداء مثنى وثلاث ورباع ثنتين ثنتين وثلاث ثلاث واربع اربع وتخيير في العدد لكل أحد إلى أربع .
في الكافي عن الصادق عليه السلام إذا جمع الرجل أربعا فطلق احداهن فلا
____________
(1) ضننت بالشيء اضن به ضنا وضنانة إذا بخلت وهو ضنين به ( صحاح ) .

( 421 )

يتزوج الخامسة حتى ينقضي عدة المرأة التي طلق وقال لا يجمع الرجل ماءه في خمس .
العياشي عنه عليه السلام لا يحل لماء الرجل أن يجري في أكثر من أربعة أرحام من الحراير فإن خفتم ألا تعدلوا بين هذه الأعداد فواحدة فانكحوا واحدة وذروا الجمع أو ما ملكت أيمانكم وان تعددن لخفة مؤونتهن وعدم وجوب القسم بينهن وفي حكمهن المتعة .
ففي الكافي عن الصادق عليه السلام في غير واحدة من الروايات أنها ليست من الأربع ولا من السبعين وانهن بمنزلة الاماء لأنهن مستأجرات لا تطلق ولا ترث ولا تورث وان العبد ليس له ان يتزوج إلا حرتين أو أربع اماء وله أن يتسرى بإذن مولاه ما شاء .
وعنه عليه السلام ان الغيرة ليست إلا للرجال وأما النساء فانما ذلك منهن حسد وان الله أكرم أن يبتليهن بالغيرة ويحل للرجل معها ثلاثا .
وعنه عليه السلام فان خفتم ألا تعدلوا يعني في النفقة وأما قوله تعالى ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم يعني المودة .
والعياشي عنه عليه السلام في كل شيء اسراف إلا في النساء قال الله تعالى فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع ذلك أدنى ألا تعولوا أقرب من أن لا تميلوا من عال الميزان إذا مال أو الا تمونوا من عال الرجل عياله إذا مانهم ، ويؤيده قرائة ألا تعيلوا في الشواذ من عال الرجل إذا كثر عياله ، والقمي أي لا يتزوج ما لا يقدر أن يعول .
(4) وآتوا النساء صدقاتهن مهورهن نحلة .
القمي أي هبة وقيل عطية من الله وتفضلا منه عليهن أو دينا من الله شرعه وفرضه وظاهر الآية أن يكون الخطاب للأزواج .
في الفقيه عن الصادق عليه السلام من تزوج امرأة ولم ينو أن يوفيها صداقها فهو

( 422 )

عند الله زان وقال أمير المؤمنين صلوات الله وسلامه عليه ان أحق الشروط أن يوفى بها ما استحللتم به الفروج .
وفي المجمع عن الباقر عليه السلام ان الخطاب فيه للأولياء لأن الرجل منهم كان إذا زوج ايمته أخذ صداقها دونها فنهاهم الله عن ذلك فإن طبن لكم عن شيء منه من الصداق نفسا وهبن لكم عن طيب نفس ، وعدّى بعن لتضمنه معنى التجاوز والتجافي فكلوه هنيئا مريئا سائغا من غير غص وربما يفرق بينهما بتخصيص الهنيء بما يلذه الإنسان والمريء بما يحمد عاقبته ، روي أن اناسا كانوا يتأثمون أن يقبل أحدهم من زوجته شيئا مما ساق إليها فنزلت .
وفي المجمع والعياشي جاء رجل إلى أمير المؤمنين عليه السلام فقال اني أجد بوجع في بطني فقال ألك زوجة قال نعم قال استوهب منها شيئا طيبة به نفسها من مالها ثم اشتر به عسلا ثم اسكب عليه من ماء السماء ثم اشربه فاني سمعت الله سبحانه يقول في كتابه وأنزلنا من السماء ماء مباركا وقال يخرج من بطونها شراب مختلف الوانه فيه شفاء للناس ، وقال فان طبن لكم عن شيء منه نفسا فكلوه هنيئا مريئا فإذا اجتمعت البركة والشفاء والهنيء والمريء شفيت ان شاء الله تعالى ففعل ذلك فشفي .
(5) ولا تؤتوا السفهاء أموالكم التي جعل الله لكم قياما تقومون بها وتنتعشون سمي ما به القيام قياما للمبالغة وقرئ قيما وارزقوهم فيها واكسوهم اجعلوها مكانا لرزقهم وكسوتهم بأن تحصلوا منها ما تحتاجون إليه وقولوا لهم قولا معروفا عدة جميلة تطيب بها نفوسهم والمعروف ما عرّفه الشرع أو العقل بالحسن .
العياشي عن الصادق عليه السلام هم اليتامى لا تعطوهم حتى تعرفوا منهم الرشد قيل فكيف يكون أموالهم أموالنا فقال إذا كنت أنت الوارث لهم .
وعنه عليه السلام في هذه الآية قال من لا تثق به ، وفي رواية كل من يشرب الخمر فهو سفيه .
وفي الفقيه عن الباقر عليه السلام أنه سئل عن هذه الآية فقال لا تؤتوها شراب

( 423 )

الخمر ولا النساء ثم قال وأي سفيه أسفه من شارب الخمر .
والقمي عنه عليه السلام في هذه الآية قال فالسفهاء النساء والولد إذا علم الرجل أن امرأته سفيهة مفسدة وولده سفيه مفسد لا ينبغي له أن يسلط واحدا منهما على ماله الذي جعله الله له قياما يقول معاشا قال وارزقوهم فيها واكسوهم وقولوا لهم قولا معروفا المعروف العدة .
(6) وابتلوا اليتامى اختبروهم قبل البلوغ بتتبع أحوالهم في الدين وحسن التصرف في المال حتى إذا بلغوا النكاح بلغوا حدا يتأتى منهم النكاح فإن آنستم منهم رشدا فادفعوا إليهم أموالهم .
في الفقيه عن الصادق عليه السلام ايناس الرشد حفظ ماله .
وعنه عليه السلام في تفسير هذه الآية إذا رأيتموهم يحبون آل محمد صلوات الله عليهم أجمعين فارفعوهم درجة .
وفي المجمع عن الباقر عليه السلام الرشد العقل واصلاح المال .
والقمي عنه عليه السلام في هذه الآية قال من كان في يده مال بعض اليتامى فلا يجوز له أن يعطيه حتى يبلغ النكاح ويحتلم فإذا احتلم وجب عليه الحدود وإقامة الفرائض ولا يكون مضيعا ولا شارب خمر ولا زانيا فإذا أنس منه الرشد دفع إليه المال واشهد عليه وان كانوا لا يعلمون أنه قد بلغ فانه يمتحن بريح ابطه أو نبت عانته فإذا كان ذلك فقد بلغ فيدفع إليه ماله إذا كان رشيدا ولا يجوز له أن يحبس عنه ماله ويعتل عنه أنه لم يكبر بعد ولا تأكلوها إسرافا وبدارا أن يكبروا مسرفين ومبادرين ومن كان غنيا فليستعفف من أكلها ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف بقدر حاجته وأجرة سعيه .
في الكافي والعياشي عن الصادق عليه السلام في هذه الآية من كان يلي شيئا لليتامى وهو محتاج ليس له ما يقيمه وهو يتقاضى أموالهم ويقوم في ضيعتهم فليأكل بقدر ولا يسرف فان كانت ضيعتهم لا تشغله عما يعالج لنفسه فلا يرزأنّ (1) أموالهم شيئا .
____________
(1) في الحديث انى لا أرزء من فيئكم درهما أي لا أنقص شيئا ولا درهما ( مجمع ) .

( 424 )

وفي الكافي عنه عليه السلام المعروف هو القوت وانما عنى الوصي أو القيم في أموالهم وما يصلحهم .
وعنه عليه السلام ذلك رجل يحبس نفسه عن المعيشة فلا بأس أن يأكل بالمعروف إذا كان يصلح لهم أموالهم فإن كان المال قليلا فلا يأكل منه شيئا .
وعنه عليه السلام أنه سئل عن القيم للأيتام في الإبل وما يحل له منها فقال إذا لاط (1) حوضها وطلب ضالتها وهنا (2) جرباها (3) فله أن يصيب من لبنها في غير نهك لضرع ولا فساد لنسل .
وفي المجمع والعياشي ما يقرب منه .
والعياشي عنه عليه السلام في هذه الآية هذا رجل يحبس نفسه لليتيم على حرث أو ماشية ويشغل فيها نفسه فليأكل بالمعروف وليس له ذلك في الدراهم والدنانير التي عنده موضوعة .
وفي رواية اخرى عنه عليه السلام قال كان ابي يقول إنها منسوخة .
وفي المجمع عن الباقر عليه السلام من كان فقيرا فليأخذ من مال اليتيم قدر الحاجة والكفاية على جهة القرض ثم يرد عليه ما أخذ إذا وجد فإذا دفعتم إليهم أموالهم فأشهدوا عليهم بأنهم قبضوها فانه نفي للتهمة وابعد من الخصومة ووجوب الضمان وكفى بالله حسيبا محاسبا .
(7) للرجال نصيب مما ترك الوالدان والأقربون وللنساء نصيب مما ترك الوالدان والأقربون يعني بهم المتوارثين بالقرابة مما قل منه أو كثر من قليله وكثيره نصيبا مفروضا واجبا قيل كانت العرب في الجاهلية يورثون الذكور دون الإناث فرد الله سبحانه عليهم وقال لكل من الفريقين سهم وحظ .
____________
(1) كل شيء لصق بشيء فقد لاط به يلوط لوطا ويليط ليطا واصل اللوط اللصوق الى أن قال ولطت الحوض بالطين لوطا أي ملطته وطينته ( مجمع ) .
(2) هاهناه يهنأ ويهنؤه اطعمه وأعطاه كأهنأه والإبل يهنأها مثلثة النون طلاها بالهناء ككتاب القطران ( مجمع )
(3) الجرب بالتحريك داء معروف يقال جرب البعير جربا من باب تعب فهو أجرب وناقة جرباء ( مجمع ) .