في المجمع عن أبي حمزة الثمالي لما نزلت آية الهجرة سمعها رجل من المسلمين وهو جندع أو جندب بن ضمرة وكان بمكة فقال والله ما انا ممن استثنى الله إني لأجد قوة واني لعالم بالطريق وكان مريضا شديد المرض فقال لبنيه والله لا ابيت بمكة حتى اخرج منها فاني اخاف ان اموت فيها فخرجوا يحملونه على سرير حتى إذا بلغ التنعيم مات فنزلت الآية .
والعياشي عن محمد بن ابي عمير قال وجه زرارة بن اعين ابنه عبيدا إلى المدينة يستخبر له خبر ابي الحسن موسى بن جعفر وعبد الله الأفطس فمات قبل ان يرجع إليه عبيد الله قال محمد بن ابي عمير حدثني محمد بن حكيم قال ذكرت لأبي الحسن عليه السلام زرارة وتوجيهه عبيدا إلى المدينة فقال اني لأرجو ان يكون زرارة ممن قال الله : ومن يخرج من بيته مهاجرا إلى الله ورسوله ( الآية ) .
(101) وإذا ضربتم في الأرض سافرتم فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة بتنصيف الرباعيات لما امر الله بالجهاد والهجرة بين صلاة السفر والخوف قيل كأنهم ألفوا الأتمام وكان مظنة لأن يخطر ببالهم ان عليهم نقصانا في التقصير فرفع عنهم الجناح لتطيب نفوسهم بالقصر ويطمأنوا إليه .
وفي الفقيه والعياشي عن زرارة ومحمد بن مسلم قالا قلنا لأبي جعفر عليه السلام ما تقول في الصلاة في السفر كيف هي وكم هي فقال ان الله عز وجل يقول وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح ان تقصروا من الصلاة فصار التقصير في السفر واجبا كوجوب التمام في الحضر قالا قلنا انما قال الله تعالى فليس عليكم جناح ولم يقل افعلوا كيف اوجب ذلك كما اوجب التمام في الحضر فقال اوليس قد قال الله عز وجل ان الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه ان يطوف بهما ألا ترون ان الطواف بهما واجب مفروض لأن الله عز وجل ذكره في كتابه وصنعه نبيه صلى الله عليه وآله وسلم كذلك التقصير في السفر شيء صنعه النبي صلى الله عليه وآله وسلم وذكره الله تعالى في كتابه قالا قلنا له فمن صلى في السفر أربعا أيعيد أم لا قال ان كان قد قرأت عليه آية التقصير وفسرت له وصلى اربعا اعاد وان لم

( 493 )

يكن قرأت عليه ولم يعلمها فلا إعادة عليه والصلوات كلها في السفر الفريضة ركعتان كل صلاة إلا المغرب فانها ثلاث ليس فيها تقصير وتركها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في السفر والحضر ثلاث ركعات وزاد في الفقيه وقد سافر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الى ذي خشب وهي مسيرة يوم من المدينة يكون إليها بريدان اربعة وعشرون ميلا فقصر وافطر فصارت سنة وقد سمى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قوما صاموا حين أفطر العصاة إلى يوم القيامة وانا لنعرف ابناءهم وأبناء أبنائهم إلى يومنا هذا .
وعن النبي صلى الله عليه وآله وسلم فرض المسافر ركعتان غير قصر .
أقول : وأقل سفر يقصر فيه ثمانية فراسخ ذاهبا وجائيا كما يستفاد من الأخبار المعصومية وأكثر أصحابنا قد خفي عليهم ذلك حيث زعموا ان هذه المسافة معتبرة في الذهاب خاصة وقد حققنا ذلك في كتابنا الموسوم بالوافي وغيره أن يفتنكم الذين كفروا في أنفسكم أو دينكم وهذا الشرط باعتبار الغالب في ذلك الوقت فان القصر ثابت في حال الامن ايضا .
وفي الكافي والفقيه والتهذيب عن الصادق عليه السلام في هذه الآية أنها في الركعتين تنقص منهما واحدة يعني في حال الخوف إن الكافرين كانوا لكم عدوا مبينا ظاهر العداوة .
(102) وإذا كنت فيهم في أصحابك الضاربين في الأرض الخائفين عدوهم ان يغزوهم فأقمت لهم الصلاة بأن تؤمهم فلتقم طائفة منهم من أصحابك معك وليأخذوا أسلحتهم فإذا سجدوا فليكونوا من ورائكم يحرسونكم ولتأت طائفة أخرى لم يصلوا فليصلوا معك وليأخذوا حذرهم تحذرهم وتيقظهم وأسلحتهم ود الذين كفروا لو تغفلون عن أسلحتكم وأمتعتكم فيميلون عليكم ميلة واحدة تمنوا ان ينالوا منكم غرة في صلواتكم فيحملون عليكم حملة واحدة وهو بيان ما لأجله امروا بأخذ السلاح ولا جناح عليكم إن كان بكم أذى من مطر أو كنتم مرضى أن تضعوا أسلحتكم رخصة لهم في وضعها إذا ثقل عليهم اخذها بسبب مطر أو مرض وخذوا

( 494 )

حذركم كيلا يهجم عليكم العدو إن الله أعد للكافرين عذابا مهينا مذلا .
القمي نزلت لما خرج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى الحديبية يريد مكة فلما رفع الخبر إلى قريش بعثوا خالد بن الوليد في مائة فارس ليستقبل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فكان يعارض رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على الجبال فكلما كان في بعض الطريق وحضرت صلاة الظهر اذّن بلال وصلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالناس وقال خالد بن الوليد لو كنا حملنا عليهم وهم في الصلاة لأصبناهم فانهم لا يقطعون الصلاة ولكن تجيء لهم الآن صلاة اخرى هي احب إليهم من ضياء أبصارهم فإذا دخلوا فيها حملنا عليهم فنزل جبرئيل بصلاة الخوف بهذه الآية ففرق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أصحابه فرقتين ووقف بعضهم تجاه العدو وقد أخذوا سلاحهم وفرقة صلوا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قائما ومروا فوقفوا موقف أصحابهم وجاء أولئك الذين لم يصلوا فصلى بهم رسول الله الثانية ولهم الاولى وقعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقاموا أصحابه فصلوا هم الركعة الثانية وسلم عليهم .
وفي الكافي عن الصادق عليه السلام صلى رسول الله بأصحابه في غزوة ذات الرقاع صلاة الخوف ففرق أصحابه فرقتين أقام فرقة بازاء العدو وفرقة خلفه فكبر وكبروا فقرأ وانصتوا فركع وركعوا فسجد وسجدوا ثم استمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قائما وصلوا لأنفسهم ركعة ثم سلم بعضهم على بعض ثم خرجوا إلى أصحابهم فقاموا بازاء العدو وجاء أصحابهم فقاموا خلف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فصلى بهم ركعة ثم تشهد وسلم عليهم فقاموا وصلوا لأنفسهم ركعة ثم سلم بعضهم على بعض .
وعنه عليه السلام أنه سئل عن صلاة الخوف قال يقوم الإمام وتجيء طائفة من أصحابه فيقومون خلفه وطائفة بازاء العدو فيصلي بهم الإمام ركعة ثم يقوم ويقومون معه فيمثل قائما ويصلون هم الركعة الثانية ثم يسلم بعضهم على بعض ثم ينصرفون فيقومون في مقام أصحابهم ويجئ الآخرون فيقومون خلف الإمام فيصلي بهم

( 495 )

الركعة الثانية ثم يجلس الإمام فيقومون هم فيصلون ركعة أخرى ثم يسلم عليهم فينصرفون بتسليمه قال وفي المغرب مثل ذلك يقوم الإمام وتجيء طائفة فيقومون خلفه ثم يصلي بهم ركعة ثم يقوم ويقومون فيمثل الإمام قائما فيصلون ركعتين فيتشهدون ويسلم بعضهم على بعض ثم ينصرفون فيقومون في مواقف أصحابهم ويجيء الآخرون ويقومون في مواقف أصحابهم خلف الإمام فيصلي بهم ركعة يقرأ فيها ثم يجلس فيتشهد ثم يقوم ويقومون معه ويصلي بهم ركعة أخرى ثم يجلس ويقومون هم فيتمون ركعة أخرى ثم يسلم عليهم .
(103) فإذا قضيتم الصلاة فإذا فرغتم من صلاتكم وأنتم محاربوا عدوكم فاذكروا الله قياما وقعودا وعلى جنوبكم ادعوا الله في هذه الأحوال لعله ينصركم على عدوكم ويظفركم به مثل قوله تعالى إذا لقيتم فئة فاثبتوا واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون فإذا اطمأننتم فإذا استقررتم في أوطانكم وأقمتم في أمصاركم فأقيموا الصلاة فأتموا الصلاة التي أذن لكم في قصرها وتخفيفها في حال السفر والخوف واتموا حدودها إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا .
في الكافي والعياشي عن الباقر عليه السلام يعني مفروضا وليس يعني وقت فوتها إذا جاز ذلك الوقت ثم صلاها لم تكن صلاته هذه مؤداة ولو كان كذلك لهلك سليمان بن داود حين صلاها لغير وقتها ولكن متى ما ذكرها صلاها .
وفي الكافي عن الصادق عليه السلام موقوتا أي ثابتا وليس ان عجلت قليلا وأخرت قليلا بالذي يضرك ما لم تضع تلك الإضاعة فان الله عز وجل يقول لقوم أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيا .
(104) ولاتهنوا في ابتغاء القوم لا تضعفوا في طلب القوم الذين هم أعداء الله وأعداؤكم إن تكونوا تألمون مما ينالكم من الجراح منهم فإنهم يألمون أيضا مما ينالهم من ذلك كما تألمون وترجون من الله ما لا يرجون من اظهار الدين واستحقاق الثواب فأنتم أولى وأحرى على حربهم وقتالهم منهم على قتالكم وكان الله عليما بمصالح خلقه حكيما في تدبيره إياهم .

( 496 )

القمي أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لما رجع من وقعة أحد ودخل المدينة نزل عليه جبرئيل فقال يا محمد ان الله يأمرك أن تخرج في أثر القوم ولا يخرج معك إلا من به جراحة فأمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مناديا ينادي يا معشر المهاجرين والانصار من كانت به جراحة فليخرج ومن لم يكن به جراحة فليقم فأقبلوا يضمدون جراحاتهم ويداوونهم فأنزل الله على نبيه ولا تهنوا ( الآية ) وقال عز وجل إن يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله إلى قوله شهداء فخرجوا على ما بهم من الألم والجراح .
(105) إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله بما عرفك وأوحى به إليك .
في الكافي عن الصادق عليه السلام والله ما فوض الله إلى أحد من خلقه إلا إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وإلى الأئمة قال الله عز وجل إنا أنزلنا اليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما اراك الله وهي جارية في الأوصياء .
وفي الاحتجاج عنه عليه السلام إنه قال لأبي حنيفة وتزعم أنك صاحب رأي وكان الرأي من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم صوابا ومن دونه خطأ لأن الله قال فاحكم بينهم بما أراك الله ولم يقل ذلك لغيره ولا تكن للخائنين لأجلهم والذب عنهم خصيما للبراء .
(106) واستغفر الله مما هممت به إن الله كان غفورا رحيما لمن يستغفره .
القمي كان سبب نزولها أن قوما من الأنصار من بني أبيرق اخوة ثلاثة كانوا منافقين بشير ومبشر وبشر فنقبوا على عم قتادة بن النعمان وكان قتادة بدريا واخرجوا طعاما كان أعده لعياله وسيفا ودرعا فشكا قتادة ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال يارسول الله ان قوما نقبوا على عمي وأخذوا طعاما كان أعده لعياله وسيفا ودرعا وهم أهل بيت سوء وكان معهم في الرأي رجل مؤمن يقال له لبيد بن سهل فقال بنو ابيرق لقتادة هذا عمل لبيد بن سهل فبلغ ذلك لبيدا فأخذ سيفه وخرج عليهم فقال يا بني ابيرق اترمونني بالسرق وأنتم أولى به مني وأنتم المنافقون تهجون رسول الله

( 497 )

وتنسبونه إلى قريش لتبينن ذلك أو لأملأن سيفي منكم فداروه فقالوا له ارجع رحمك الله فانك بريء من ذلك فمشى بنو ابيرق إلى رجل من رهطهم يقال له أسيد بن عروة وكان منطيقا بليغا فمشى إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال يا رسول الله ان قتادة بن النعمان عمد إلى أهل بيت منا أهل شرف وحسب ونسب فرماهم بالسرق وأتاهم بما ليس فيهم فاغتم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من ذلك وجاء إليه قتادة فأقبل عليه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال له عمدت إلى أهل بيت شرف وحسب ونسب فرميتهم بالسرقة فعاتبه عتابا شديدا فاغتم قتادة من ذلك ورجع إلى عمه وقال ياليتني مت ولم أكلم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقد كلمني بما كرهته فقال عمه : الله المستعان فأنزل الله في ذلك على نبيه إنا أنزلنا اليك الكتاب ( الآيات ) .
وفي المجمع ما يقرب منه قال وكان بشير يكنى أبا طعمة وكان يقول الشعر ويهجو به أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ثم يقول قاله فلان .
وفي الجوامع يروى أن أبا طعمة بن ابيرق سرق درعا من جار له اسمه قتادة بن النعمان وخباها عند رجل من اليهود فأخذ الدرع من منزل اليهودي فقال دفعها إليّ أبو طعمة فجاء بنو ابيرق إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وكلموا أن يجادلوا عن صاحبهم وقالوا أن لم تفعل هلك وافتضح وبرئ اليهودي فهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يفل وأن يعاقب اليهودي فنزلت وفي معناه ما روته العامة مع زيادات .
(107) ولا تجادل عن الذين يختانون أنفسهم جعل المعصية خيانة لها كما جعلت ظلما عليها لأن وبالها يعود عليها إن الله لا يحب من كان خوانا مبالغا في الخيانة مصرا عليها أثيما منهمكا فيه .
(108) يستخفون من الناس يستترون منهم حياء وخوفا ولا يستخفون من الله ولا يستحيون منه وهو أحق بأن يستحيى منه ويخاف وهو معهم إذ يبيتون يدبرون ويزورون بالليل ما لا يرضى من القول من رمي البريء .

( 498 )

القمي يعني الفعل فوقع القول مقام الفعل وكان الله بما يعملون محيطا لا يفوت عنه شيء .
(109) ها أنتم هؤلاء جادلتم عنهم في الحياة الدنيا فمن يجادل الله عنهم يوم القيامة أم من يكون عليهم وكيلا محاميا عنهم يحميهم من عذاب الله .
(110) ومن يعمل سوء قبيحا يسوء به غيره أو يظلم نفسه بما يختص به ولا يتعداه ثم يستغفر الله بالتوبة يجد الله غفورا لذنوبه رحيما متفضلا عليه .
في نهج البلاغة من أعطي الاستغفار لم يحرم المغفرة ثم تلا الآية .
(111) ومن يكسب إثما فإنما يكسبه على نفسه لا يتعداه وباله وكان الله عليما حكيما وهو عالم بفعله حكيم في مجازاته .
(112) ومن يكسب خطيئة ذنبا على غير عمد أو إثما ذنبا تعمده كبشير ثم يرم به بريئا كما رمى بشير لبيدا أو اليهودي فقد احتمل بهتانا وإثما مبينا بسبب رمي البريء وتنزيه النفس الخاطئة .
(113) ولولا فضل الله عليك ورحمته باعلام ماهم عليه بالوحي لهمت طائفة منهم أن يضلوك عن القضاء بالحق مع علمهم بالحال وليس القصد فيه إلى نفي همهم بل إلى نفي تأثيره فيه وما يضلون إلا أنفسهم لأن وباله عليهم وما يضرونك من شيء فان الله عاصمك وناصرك ومؤيدك وما خطر ببالك كان اعتمادا منك على ظاهر الأمر لا ميلا في الحكم وأنزل الله عليك الكتاب والحكمة وعلمك ما لم تكن تعلم من خفيات الامور وكان فضل الله عليك عظيما إذ لا فضل أعظم من النبوة .
القمي عن الباقر عليه السلام قال ان اناسا من رهط بشير الأدنين قالوا انطلقوا بنا إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نكلمه في صاحبنا ونعذره فان صاحبنا بريء فلما انزل الله يستخفون من الناس ولا يستخفون من الله وهو معهم إلى قوله وكيلا فأقبلت رهط بشير فقالت يا بشير استغفر الله وتب من الذنب فقال والذي أحلف به ما سرقها إلا لبيد فنزلت ومن يكسب خطيئة أو إثما ثم يرم به بريئا فقد احتمل بهتانا

( 499 )

واثما مبينا ثم ان بشيرا كفر ولحق بمكة وأنزل الله في النفر الذين أعذروا بشيرا وأتوا النبي صلى الله عليه وآله وسلم ليعذروه ولولا فضل الله عليك ورحمته ( الآية ) ونزل في بشير وهو بمكة ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا .
وفي الكافي عن الكاظم عليه السلام في قوله تعالى إذ يبيتون ما لا يرضى من القول يعني فلانا وفلانا وأبا عبيدة الجراح .
وفي الاحتجاج عن أمير المؤمنين عليه السلام في حديث وقد بين الله قصص المغيرين بقوله إذ يبيتون ما لا يرضى من القول بعد فقد الرسول ما يقيمون به أود (1) باطلهم حسب ما فعلته اليهود والنصارى بعد فقد موسى وعيسى من تغيير التوراة والإنجيل وتحريف الكلم عن مواضعه .
(114) لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أمر جميل أو إصلاح بين الناس تأليف بينهم بالمودة .
في الكافي والعياشي والقمي عن الصادق عليه السلام يعني بالمعروف القرض .
والقمي عنه عليه السلام ان (2) الله فرض التمحل (3) في القرآن فسئل وما التمحل قال أن يكون وجهك أعرض من وجه أخيك فتمحل له وهو قوله تعالى لا خير في كثير من نجواهم .
وعن أمير المؤمنين عليه السلام ان الله فرض عليكم زكاة جاهكم كما فرض عليكم زكاة ما ملكت أيديكم .
____________
(1) الأود العوج واود الشيء بالكسر يأود اودا أي أعوج وتأود تعوج (م) .
(2) قوله (ع) ان الله فرض : أقول قد نقل في مجمع البيان هذه الرواية بلفظ التحمل في مكان التمحل في المواضع الثلاثة منها ولا يخفى أنه أنسب .
(3) التمحل الإحتيال والمراد هنا أن تصرف وجهك عن وجه أخيك لما بينك وبينه من الكدرة وضيق خلقك عنه ، ثم تذكرت أمر الله ووصيته فصرفت وجهك إليه ببشر وفرح وبهجة وتحية ابتغاء لمرضاته تعالى وقد يكون سبب الإعراض غير هذا كهم وغم وألم وشغل أهم أو مصلحة دينية أو دنيوية .


( 500 )

وفي الكافي عن الصادق عليه السلام الكلام ثلاثة صدق وكذب واصلاح بين الناس وفسر الإصلاح بأن تسمع من الرجل كلاما يبلغه فتخبث (1) نفسه فتلقاه فتقول سمعت من فلان قال فيك من الخير كذا وكذا خلاف ما سمعت منه .
وفي الخصال عنه عليه السلام عن أبيه عن آبائه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ثلاثة يحسن فيهن الكذب المكيدة في الحرب وعدتك زوجتك ، والإصلاح بين الناس ومن يفعل ذلك أي الامور الثلاثة أو الأمر بها ابتغاء مرضات الله فسوف نؤتيه أجرا عظيما وقرئ بالياء .
(115) ومن يشاقق الرسول يخالفه من بعد ما تبين له الهدى أي ظهر له الحق ويتبع غير سبيل المؤمنين ما هم عليه من الدين الحنيفي نوله ما تولى نجعله واليا لما تولى من الضلال بأن نخذله ونخلي بينه وبين ما اختاره ونصله جهنم وساءت مصيرا .
القمي نزلت في بشير كما مر .
(116) إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء تكريره اما للتأكيد أو لقصة بشير ومن يشرك بالله فقد ضل ضلالا بعيدا عن الحق .
(117) إن يدعون من دونه ما يدعو هؤلاء المشركون وما يعبدون من دون الله إلا إناثا يعني اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى وأساف ونائلة كان لكل حي صنم يعبدونه ويسمونه انثى بني فلان كذا قيل .
وفي المجمع عن تفسير ابي حمزة الثمالي قال كان في كل واحدة منهن شيطانة انثى تتراءى للسدنة (2) وتكلمهم وذلك من صنيع ابليس وهو الشيطان الذي ذكره الله تعالى ولعنه وإن يدعون أن يعبدون بعبادتها إلا شيطانا مريدا لأنه الذي أمرهم بعبادتها وأغراهم عليها فكان طاعتهم في ذلك عبادة له والمريد الخارج عن الطاعة الذي لا يعلق بخير .
____________
(1) خبث الشيء خبثا من باب قرب وخباثة ضد طاب فهو خبيث (م) .
(2) سدن سدنا وسدانة خدمة الكعبة أو بيت الصنم (ث) .


( 501 )

(118) لعنه الله ابعده عن الخير وقال أي الشيطان لأتخذن من عبادك نصيبا مفروضا قدر لي وفرض قاله عداوة وبغضا .
في المجمع عن تفسير الثمالي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في هذه الآية من بني آدم تسعة وتسعون في النار وواحد في الجنة ، وفي رواية أخرى من كل ألف واحد لله وسائرهم للنار ولإبليس .
(119) ولأضلنهم عن الحق ولأمنينهم الأماني الباطلة كطول العمر وان لا بعث ولا عقاب ولآمرنهم فليبتكن آذان الأنعام قيل كانوا يشقون اذانها إذا ولدت خمسة أبطن والخامس ذكر وحرموا على أنفسهم الانتفاع بها .
وفي المجمع عن الصادق عليه السلام ليقطعن الأذن من أصلها ولآمرنهم فليغيرن خلق الله عنه عليه السلام يريد دين الله وأمره .
وفيه ويؤيده قوله سبحانه فطرة الله التي فَطَرَ الناس عليها لا تبديل لخلق الله .
أقول : ويزيده تأييدا قوله عز وجل عقيب ذلك الدين القيم وتفسيرهم عليهم السلام فطرة الله بالإسلام ولعله يندرج فيه كل تغيير لخلق الله عن وجهه صورة أو صفة من دون اذن من الله كفقئهم (1) عين الفحل الذي طال مكثه عندهم واعفاؤه عن الركوب وخصأ العبيد وكل مثلة ولا ينافيه التفسير بالدين والأمر لأن ذلك كله داخل فيهما ومن يتخذ الشيطان وليا من دون الله بأن يؤثر طاعته على طاعة الله عز وجل فقد خسر خسرانا مبينا إذ ضيع رأس ماله وبدل مكانه من الجنة بمكانه من النار .
(120) يعدهم ما لا ينجز ويمنيهم ما لا ينالون وما يعدهم الشيطان إلا غرورا وهو إظهار النفع فيما فيه الضرر وهذا الوعد اما بالخواطر الفاسدة أو بلسان أوليائه .
في المجالس عن الصادق عليه السلام لما نزلت هذه الآية والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم صعد ابليس جبلا بمكة يقال له
____________
(1) السقؤ بالهمزة الشق يقال فقأت مينه أفقؤها أي شققتها (م) .

( 502 )

ثور فصرخ بأعلى صوته بعفاريته فاجتمعوا إليه فقالوا يا سيدنا لم دعوتنا قال نزلت هذه الآية فمن لها فقام عفريت من الشياطين فقال أنا لها قال بماذا فقال له بكذا وكذا قال لست لها فقام آخر فقال مثل ذلك فقال لست لها فقال الوسواس الخناس أنا لها قال بماذا قال أعدهم وأمنيهم حتى يواقعوا الخطيئة فإذا أوقعوا الخطيئة انسيتهم الإستغفار فقال أنت لها فوكله بها إلى يوم القيامة .
(121) أولئك مأواهم جهنم ولا يجدون عنها محيصا معدلا ومهربا .
(122) والذين آمنوا وعملوا الصالحات سندخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا وعد الله حقا ومن أصدق من الله قيلا تأكيد بليغ .
(123) ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب .
القمي ليس ما تتمنون أنتم ولا أهل الكتاب أي أن لا تعذبوا بأفعالكم من يعمل سوءا يجز به عاجلا أو آجلا .
في العيون أن اسماعيل قال للصادق عليه السلام ياابتاه ما تقول في المذنب منا ومن غيرنا فقال ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب من يعمل سوء يجز به .
وفي المجمع عن أبي هريرة قال لما نزلت هذه الآية بكينا وحزنا وقلنا يا رسول الله ما أبقت هذه الآية من شيء فقال أما والذي نفسي بيده انها لكما نزلت ، ولكن ابشروا وقاربوا وسددوا أنه لا يصيب أحدا منكم مصيبة الا كفر الله بها خطيئته حتى الشوكة يشاكها أحدكم في قدمه .
أقول : معنى قاربوا وسددوا اقتصدوا في أموركم واطلبوا بأعمالكم السداد والإستقامة من غير غلو ولا تقصير .
وفي معنى هذا الحديث أخبار كثيرة عن أهل البيت عليهم السلام .
فالعياشي عن الباقر عليه السلام لما نزلت هذه الآية من يعمل سوء يجز به قال بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ما أشدها من آية فقال لهم رسول

( 503 )

الله صلى الله عليه وآله وسلم اما تبتلون في أنفسكم وأموالكم وذراريكم قالوا بلى قال هذا مما يكتب الله لكم به الحسنات ويمحو به السيئات .
وفي الكافي عنه عليه السلام ان الله تعالى إذا كان من أمره أن يكرم عبدا وله ذنب ابتلاه بالحاجة فان لم يفعل ذلك به شدد عليه الموت ليكافيه بذلك الذنب ( الحديث ) . ولا يجد له لنفسه من دون الله وليا من يواليه ولا نصيرا يدفع عنه العذاب .
(124) ومن يعمل من الصالحات بعضها من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة وقرئ بضم الياء وفتح الخاء ولا يظلمون نقيرا بنقص شيء من الثواب ، النقير النقطة التي في النواة .
(125) ومن أحسن دينا ممن أسلم وجهه لله أخلص نفسه لله وهو محسن آت بالحسنات .
وفي الحديث النبوي الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه فان لم تكن تراه فانه يراك واتبع ملة إبراهيم التي هي دين الإسلام والمتفق على صحتها يعني اقتدى بدينه وبسيرته وطريقته حنيفا مائلا عن سائر الأديان واتخذ الله إبراهيم خليلا اصطفاه وخصصه بكرامة الخلة .
في الكافي عنهما عليهما السلام ان الله تبارك وتعالى اتخذ ابراهيم عبدا قبل أن يتخذه نبيا وإن الله اتخذه نبيا قبل أن يتخذه رسولا وان الله اتخذه رسولا قبل أن يتخذه خليلا وان الله اتخذه خليلا قبل أن يجعله إماما .
وفيه والعياشي عن الباقر عليه السلام لما اتخذ الله عز وجل ابراهيم خليلا أتاه بشراه بالخلة فجاءه ملك الموت في صورة شاب أبيض عليه ثوبان أبيضان يقطر رأسه ماء ودهنا فدخل ابراهيم الدار فاستقبله خارجا من الدار وكان ابراهيم رجلا غيورا وكان إذا خرج في حاجة أغلق بابه وأخذ مفتاحه معه ثم رجع ففتح فإذا هو برجل قائم أحسن ما يكون الرجال فأخذه بيده وقال يا عبد الله من أدخلك داري فقال ربها ادخلنيها فقال ربها أحق بها مني فمن أنت قال ملك الموت ففزع ابراهيم عليه السلام

( 504 )

وقال جئتني لتسلبني روحي قال لا ولكن اتخذ الله عبدا خليلا فجئت لبشارته قال فمن هو لعلي اخدمه حتى أموت قال أنت هو فدخل على سارة فقال لها ان الله تعالى اتخذني خليلا .
وفي الكافي عن الصادق عليه السلام إن ابراهيم كان أبا أضياف وكان إذا لم يكونوا عنده خرج يطلبهم وأغلق بابه وأخذ المفاتيح يطلب الأضياف وأنه رجع إلى داره فإذا هو برجل أو شبه رجل في الدار فقال يا عبد الله باذن من دخلت هذه الدار فقال دخلتها باذن ربها يردد ذلك ثلاث مرات فعرف ابراهيم عليه السلام أنه جبرئيل فحمد ربه ثم قال أرسلني ربك إلى عبد من عبيده يتخذه خليلا قال ابراهيم عليه السلام اعلمني من هو أخدمه حتى أموت قال فأنت قال وبم ذلك قال لأنك لم تسأل أحدا شيئا قط ولم تسأل شيئا قط فقلت لا .
والقمي عنه عليه السلام ان ابراهيم عليه السلام هو أول من حول له الرمل دقيقا وذلك أنه قصد صديقا له بمصر في قرض طعام فلم يجده في منزله فكره أن يرجع بالحمار خاليا فملأ جرابه رملا فلما دخل منزله خلا بين الحمار وبين سارة استحياء ودخل البيت ونام ففتحت سارة عن دقيق أجود ما يكون فخبزت وقدمت إليه طعاما طيبا فقال ابراهيم عليه السلام من أين لك هذا فقالت من الدقيق الذي حملته من عند خليلك المصري فقال ابراهيم اما إنه خليلي وليس بمصري فلذلك أعطى الخلة فشكره الله وحمده وأكل .
وفي الاحتجاج عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في حديث قولنا إن ابراهيم عليه السلام خليل الله فانما هو مشتق من الخلة (1) والخلة انما معناها الفقر والفاقة فقد كان خليلا إلى ربه فقيرا إليه منقطعا وعن غيره متعففا معرضا مستغنيا وذلك أنه لما أريد قذفه في النار فرمي به في المنجنيق فبعث الله إلى جبرئيل فقال له أدرك عبدي فجاءه فلقيه في الهواء فقال كلفني ما بدا لك فقد بعثني الله لنصرتك فقال بل حسبي الله ونعم الوكيل اني لا أسأل غيره ولا حاجة لي إلا إليه فسماه خليله أي فقيره
____________
(1) الخلة : الحاجة والفقر والخصاصة (ق) .

( 505 )

ومحتاجه والمنقطع إليه عما سواه قال وإذا جعل معنى ذلك من الخلة وهو أنه قد تخلل معانيه ووقف على أسرار لم يقف عليها غيره كان معناه العالم به وبأموره ولا يوجب ذلك تشبيه الله بخلقه ألا ترون أنه إذا لم ينقطع إليه لم يكن خليله وإذا يعلمه بأسراره لم يكن خليله .
وفي العيون عن الصادق عليه السلام انما اتخذ الله ابراهيم خليلا لأنه لم يرد أحدا ولم يسأل أحدا قط غير الله .
وفي العلل عنه عليه السلام لكثرة سجوده على الأرض .
وعن الهادي عليه السلام لكثرة صلواته على محمد وأهل بيته صلوات الله عليهم أجمعين .
وعن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لاطعامه الطعام وصلاته بالليل والناس نيام .
أقول : لا تنافي بين هذه الأخبار لأنها كلها مشترك في معنى انقطاعه إلى الله واستغنائه عما سواه وانه الموجب لاتخاذ الله إياه خليلا ومما يدل على هذا المعنى ما ورد في بعض الروايات أن الملائكة قال بعضهم لبعض اتخذ ربنا من نطفة خليلا وقد أعطاه ملكا عظيما جزيلا فأوحى الله تعالى إلى الملائكة اعمدوا على أزهدكم ورئيسكم فوقع الاتفاق على جبرئيل وميكائيل فنزلا إلى ابراهيم في يوم جمع غنمه وكان لابراهيم عليه السلام أربعة آلاف راع وأربعة آلاف كلب في عنق كل كلب طوق وزن من من ذهب أحمر وأربعون الف غنمة حلابة وما شاء الله من الخيل والجمال فوقف الملكان في طرفي الجمع فقال أحدهما بلذاذة (1) صوت سبوح قدوس فجاوبه الثاني رب الملائكة والروح فقال أعيداهما ولكما نصف مالي ثم قال أعيداهما ولكما مالي وولدي وجسدي فنادت ملائكة السموات هذا هو الكرم هذا هو الكرم فسمعوا مناديا من العرش يقول الخليل موافق لخليله .
(126) ولله ما في السموات وما في الأرض خلقا وأمرا وملكا فهو مستغن عن
____________
(1) اللذة نقيض الألم ج لذات لذه وبه لذاذا ولذاذة والتذه وبه واستلذه وجده لذيذا (ق) .

( 506 )

جميع خلقه وجميع خلقه محتاجون إليه وكان الله بكل شيء محيطا علما وقدرة .
(127) ويستفتونك ويسألونك الفتوى أي تبيين الحكم في النساء في ميراثهن .
القمي عن الباقر عليه السلام سئل النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن النساء ما لهن من الميراث فأنزل الله الربع والثمن قل الله يفتيكم فيهن يبين لكم ما سألتم في شأنهن وما يتلى عليكم في الكتاب أي ويبين لكم أيضا ما يقرأ عليكم القرآن في يتامى النساء اللاتي لا تؤتونهن لا تعطونهن ما كتب لهن من الميراث كان أهل الجاهلية لا يورثون الصغير ولا المرأة وكانوا يقولون لا نورث إلا من قاتل ودفع عن الحريم فأنزل الله تعالى آيات الفرائض التي في أول السورة وهو معنى قوله لا تؤتونهن ما كتب لهن كذا في المجمع عن الباقر عليه السلام .
وزاد القمي وكانوا يرون ذلك في دينهم حسنا فلما أنزل الله فرائض المواريث وجدوا (1) من ذلك وجدا شديدا فقالوا انطلقوا إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فنذكر ذلك له لعله يدعه أو يغيره فأتوه فقالوا يا رسول الله للجارية نصف ما ترك أبوها وأخوها ويعطى الصبي الصغير الميراث وليس واحد منهما يركب الفرس ولا يحوز (2) الغنيمة ولا يقاتل العدو فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بذلك أمرت وترغبون أن تنكحوهن عن نكاحهن .
القمي ان الرجل كان في حجره اليتيمة فتكون دميمة (3) وساقطة يعني حمقاء فيرغب الرجل أن يتزوجها ولا يعطيها مالها فينكحها غيره من أجل مالها ويمنعها النكاح ويتربص بها الموت ليرثها فنهى الله عن ذلك والمستضعفين ويفتيكم في
____________
(1) وجد في الحزن وجدا بالفتح وتوجدت لفلان حزنت له ( مجمع ) .
(2) الحوز الجمع وكل من ضم إلى نفسه شيئا فقد حازه يحوزه حوزا أو حيازة (ص) .
(3) الدميمة القبيحة المنظر والساقطة من لا رتبة لها والحمقاء تفسير للساقطة وهي من قل عقلها وحاصل المراد أن القبيحة لما لم يكن لها حسن ولا رتبة ورشد فكان الرجل يرغب عن نكاحها لكن يريد مالها لا يخليها تتزوج حتى تموت فيرثها .


( 507 )

المستضعفين من الولدان من الصبيان الصغار أن تعطوهم حقوقهم لأن فيما يتلى عليكم وآتوا اليتامى أموالهم كما مضى وأن تقوموا لليتامى بالقسط ويفتيكم في أن تقوموا لليتامى بالقسط في أنفسهم وأموالهم وما تفعلوا من خير في أمر النساء واليتامى وغير ذلك فإن الله كان به عليما وعد لمن آثر الخير في ذلك .
(128) وإن امرأة خافت من بعلها توقعت لما ظهر لها من المخايل نشوزا تجافيا عنها وترفعا عن صحبتها وكراهة لها ومنعا لحقوقها أو إعراضا بأن يقل مجالستها ومحادثتها فلا جناح عليهما أن يصلحا بينهما صلحا .
في الكافي والعياشي عن الصادق عليه السلام وهي المرأة تكون عند الرجل فيكرهها فيقول لها اريد أن اطلقك فتقول له لا تفعل اني أكره أن يشمت بي ولكن انظر في ليلتي فاصنع بها ما شئت وما كان سوى ذلك من شيء فهو (1) لك ودعني على حالتي وهو قوله تعالى فلا جناح عليهما أن يصلحا بينهما صلحا هذا هو الصلح .
والقمي ما في معناه مع ذكر سبب النزول والصلح خير من الفرقة وسوء العشرة وأحضرت الأنفس الشح لكونها مطبوعة عليه فلا تكاد المرأة تسمح باعراض الزوج عنها وتقصيره في حقها ولا الرجل يسمح بأن يمسكها ويقوم بحقها على ما ينبغي إذا كرهها أو أحب غيرها .
القمي قال واحضرت الأنفس الشح فمنها من اختارته ومنها من لم تختره وإن تُحسنوا في العشرة وتتقوا النشوز والإعراض ونقص الحق فإن الله كان بما تعملون من الإحسان والخصومة خبيرا فيجازيكم عليه .
(129) ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء أن تسووا بينهن في المحبة والمودة بالقلب كما مضى في أوائل السورة من الكافي .
ورواه العياشي والقمي عن الصادق عليه السلام .
____________
(1) والحاصل أنها تصالح زوجها على إباحة حقوقها من جهة الزوجية والمضاجعة والنفقة والمهر ونحوها جميعا أو بعضا على ما تراضيا عليه .

( 508 )

وفي المجمع عنهما عليهما السلام أن معناه التسوية في كل الامور من جميع الوجوه ولو حرصتم على ذلك كل الحرص فان ذلك ليس اليكم ولا تملكونه ولا تكلفونه ولا تؤاخذون به .
في المجمع عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه كان يقسم بين نسائه ويقول اللهم هذه قسمتي فيما أملك فلا تلمني فيما تملك ولا أملك فلا تميلوا كل الميل بترك المستطاع والجور على المرغوب عنها فان ما لا يدرك كله لا يترك كله فتذروها كالمعلقة التي ليست ذات بعل ولا أيما .
في المجمع عن الصادق عليه السلام عن آبائه عليهم السلام أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يقسم بين نسائه في مرضه فيطاف به بينهن ، قال وروي أن عليا عليه الصلاة والسلام كان له امرأتان فكان إذا كان يوم واحدة لا يتوضأ في بيت الاخرى وإن تصلحوا ما تفسدون من أمورهن وتتقوا فيما يستقبل فإن الله كان غفورا رحيما يغفر لكم ما مضى من قبلكم .
(130) وإن يتفرقا يغن الله كلا من سعته قيل يعني إذا أبى كل واحد منهما مصالحة الآخر ويتفرقا بالطلاق يغن الله كلا منهما عن الآخر ببدلٍ أو سلوٍ من غناه وقدرته ويرزقه من فضله وكان الله واسعا حكيما .
في الكافي عن الصادق عليه السلام انه شكا رجل إليه الحاجة فأمره بالتزويج فاشتد به الحاجة فأمره بالمفارقة فأثرى (1) وحسن حاله فقال له أمرتك بأمرين أمر الله بهما قال تعالى وأنكحوا الأيامى إلى قوله إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله وقال وإن يتفرقا يغن الله كلا من سعته .
(131) ولله ما في السموات وما في الأرض لا يتعذر عليه الاغناء بعد الفرقة والإيناس بعد الوحشة تنبيه على كمال قدرته وسعة ملكه ولقد وصينا الذين أوتوا الكتاب من قبلكم من اليهود والنصارى وغيرهم وإياكم أن اتقوا الله .
____________
(1) أثرى الرجل إذا كثرت أمواله (ص) .