تَفسير الصَّافي
تَأليفْ
فيلسوف الفقهاء ، وفقيه الفلاسفة ، أستاذ عصره
ووحيد دهره ، المولى محسن الملقب بـ « الفيض الكاشاني »
المتوفي سنة 1091هـ

صححه وقدّم له وعلق عليه

العلامة الشيخ حسين الأعلمي

الجزء الثاني



سورة المائدة

هي مدنية في قول ابن عباس ومجاهد ، وقيل هي مدينة كلها الا قوله : ( اليوم اكملت
لكم دينكم ) فإنه نزل في حجة الوداع وهي مأة وعشرون آية

بسم الله الرحمن الرحيم


(1) يأيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود .
القمي عن الصادق عليه السلام أي بالعهود .
أقول : الايفاء والوفاء بمعنى والعقد العهد الموثق ويشمل هيهنا كل ما عقد الله على عباده والزمه إياهم من الايمان به وبملائكته وكتبه ورسله وأوصياء رسله وتحليل حلاله وتحريم حرامه والاتيان بفرائضه وسنّته ورعاية حدوده وأوامره ونواهيه وكل ما يعقده المؤمنون على أنفسهم لله وفيما بينهم من عقود الامانات والمعاملات الغير المحظورة .
والقمي عن الجواد عليه السلام أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عقد عليهم لعلي بالخلافة في عشر مواطن ثم أنزل الله يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود التي عقدت عليكم لامير المؤمنين عليه السلام أحلت لكم بهيمة الأنعام قيل إضافة بيان أريد بها الأزواج الثمانية (1) والمستفاد من ظاهر الأخبار أن بيان حل الأنعام في آيات اخر .
والمراد هنا بيان حل الأجنة التي في بطونها .
ففي الكافي والتهذيب والفقيه والعياشي عن أحدهما في تفسيرها الجنين في بطن أمه إذا أشعر وأوبر فذكاته ذكاة أمه .
____________
(1) الأزواج الثمانية المعز والضأن والبقر والإبل ذكرها وانثاها ويأتي ما بين هذا .
( 6 )

وزاد في الكافي والقمي فذلك الذي عنى الله عز وجل به .
وفي رواية وإن لم يكن تاما فلا تأكله والعياشي عن الباقر عليه السلام هي الأجنة التي في بطون الأنعام وقد كان أمير المؤمنين عليه السلام يأمر ببيع الأجنة .
أقول : لعل هذا يكون أحد معانيها .
ويحتمل أن يكون المراد بهذه الأخبار بيان الفرد الأخفى أو يكون تحديد الأول تسميتها بالبهيمة وحلها فلا ينافي التعميم مع أنه نص في حل الأم .
والعياشي عنه عليه السلام أن عليا عليه السلام سئل عن أكل لحم الفيل والدب والقرد فقال ليس هذا من بهيمة الأنعام التي تؤكل إلا ما يتلى عليكم تحريمه غير محلي الصيد وأنتم حرم قيل يعني أحلت لكم في حال امتناعكم من الصيد وأنتم محرمون لئلا يتحرج عليكم .
أقول : وهو لا ينافي عموم حلها سائر الأحوال إن الله يحكم ما يريد من تحليل وتحريم .
(2) يا أيها الذين آمنوا لا تحلوا شعائر الله لا تتهاونوا بحرمات الله جمع شعيرة وهي ما جعله الله شعار الدين وعلامته من أعمال الحج وغيرها ولا الشهر الحرام بالقتال فيه (1)
في المجمع عن الباقر عليه السلام نزلت في رجل من بني ربيعة يقال له : الحطم .
أقول : يعني حين قدم حاجا وأراد المسلمون قتله في أشهر الحرم لكفره وبغيه وكان قد استاق سرح (2) المدينة قيل هي منسوخة بقوله اقتلوا المشركين حيث وجدتموهم .
____________
(1) والشهر الحرام إما خصوص شهر الحج او جنس يشمل الأشهر الحرم جميعا وهي رجب وذو القعدة وذو الحجة والمحرم .
(2) السرح كالقتل متعديا بمعنى الإرسال والإخراج وغيرهما ولازما بمعنى السير في السهلة والمراد هنا أراد السير الى المدينة .

( 7 )

وفي المجمع عنه عليه السلام لم ينسخ من هذه السورة شيء ولا من هذه الآية لانه لا يجوز أن يبتديء المشركون في الأشهر الحرم بالقتال إلا إذا قاتلوا ولا الهدي (1) ما أهدي إلى الكعبة ولا القلائد ما قلد به الهدي من نعل قد صلى فيه أو غيره ليعلم به أنه هدي فلا يتعرض له ولا آمين(2) البيت الحرام قاصدين لزيارته يبتغون فضلا من ربهم ورضوانا أن يثيبهم من فضله ويرضى عنهم أو يرزقهم بالتجارة ويرضى عنهم بنسكهم بزعمهم والمقصود النهي عن التعرض لهؤلاء وقريء رضوانا بضم الراء وإذا حللتم من احرامكم فاصطادوا ان شيءتم ولا يجرمنكم (3) ولا يحملنكم ولا يكسبنكم شنآن قوم شدة بغضهم وعداوتهم وقريء بسكون النون أن صدوكم عن المسجد الحرام لان صدوكم يعني عام الحديبية وقريء بكسر الهمزة أن تعتدوا بالانتقام وتعاونوا على البر والتقوى على العفو والإغضاء و متابعة الأمر ومجانبة الهوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان للتشفي والانتقام واتقوا الله إن الله شديد العقاب فانتقامه أشد .
(3) حرمت عليكم الميتة بيان لما يتلى عليكم والدم أي المسفوح منه لقوله تعالى أو دما مسفوحا قيل كانوا في الجاهلية يصبونه في الأمعاء ويشوونها ولحم الخنزير وأن ذكي وإنما خص بالذكر دون الكلب وغيره لاعتيادهم أكله دون غيره وما أهل رفع الصوت لغير الله به كقولهم باسم اللات والعزى عند ذبحه والمنخنقة والموقوذة (4) والمتردية (5) والنطيحة وما اكل السبع إلا ما ذكيتم وما ذبح على النصب وان تستقسموا بالأزلام ذلكم فسق في العيون عن الباقر عليه السلام في تفسيرها الميتة والدم ولحم الخنزير معروف وما اهل لغير الله به يعني ما ذبح للاصنام وأما المنخنقة فان المجوس كانوا لا يأكلون الذبايح ويأكلون الميتة وكانوا يخنقون البقر والغنم فإذا انخنقت وماتت
____________
(1) والهدي ما أهدى الى البيت وتقرب به إلى الله من النسك وهو جمع هدية كجدي وجدية والقلائد جمع قلادة .
(2) أي القاصدين زيارة البيت والحج والعمرة وإحلال هذه الأشياء ان يتهاون بحرمتها فتضيع .
(3) وجرم مثل كسب في التعدية الى واحد واثنين تقول جرم ذنبا وجرمته ذنبا وكسب شيئا وكسبته اياه وأول المفعولين ضمير المخاطبين والثاني ان تعتدوا .
(4) وقذه يقذه وقذا ضربه حتى استرخى واشرف على الموت ومنه شاة موقوذة للتي وقذت بالخشب .
(5) المتردية التي تردت وسقطت من جبل أو حائط أو في بئر وما يدرك ذكاته .

( 8 )

أكلوها والموقوذة كانوا يشدون أرجلها ويضربونها حتى تموت فإذا ماتت أكلوها والمتردية كانوا يشدون أعينها ويلقونها من السطح فإذا ماتت أكلوها والنطيحه (1) كانوا يناطحون بالكباش (2) فإذا مات أحدها أكلوه وما أكل السبع الا ما ذكيتم فكانوا يأكلون ما يأكله الذئب والأسد فحرم الله ذلك وما ذبح على النصب كانوا يذبحون لبيوت النيران وقريش كانوا يعبدون الشجر والصخر فيذبحون لهما وأن تستقسموا بالأزلام ذلكم فسق قال كانوا يعمدون إلى الجزور (3) فيجزونه عشرة أجزاء ثم يجتمعون عليه فيخرجون السهام فيدفعونها إلى رجل وهي عشره سبعة لها أنصباء وثلاثة لا أنصباء لها فالتي لها أنصباء فالفذ والتوأم والمسبل والنافس والحلس والزقيب والمعلى فالفذ له سهم والتوأم له سهمان والمسبل له ثلاثة أسهم والنافس له أربعة أسهم والحلس له خمسة أسهم والزقيب له ستة أسهم والمعلى له سبعة أسهم والتي لا أنصباء لها السفيح والمنيح والوغد وثمن الجزور (3) على من لم يخرج له من الأنصباء شيء وهو القمار فحرمه الله .
والقمي مثله .
وفي الفقيه والتهذيب عن الجواد عليه السلام ما يقرب منه إلا أنه قال والموقوذة التي مرضت ووقذها المرض حتى لم تكن بها حركة قال عليه السلام وكانوا في الجاهلية يشترون بعيرا فيما بين عشرة أنفس ويستقسمون عليه بالقداح ثم ذكر أسماءها السبعة والثلاثة كما ذكر قال فكانوا يجيلون السهام بين عشرة فمن خرج باسمه سهم من التي لا أنصباء لها الزم ثلث ثمن البعير فلا يزالون كذلك حتى تقع السهام الثلاثة التي لا أنصباء لها إلى ثلاثة منهم فيلزمونهم ثمن البعير ثم ينحرونه ويأكله السبعة الذين لم ينقدوا في ثمنه شيئا فلما جاء الاسلام حرم الله تعالى ذكره ذلك فيما حرم فقال عز وجل وان تستقسموا بالأزلام ذلكم فسق يعني حرام .
____________
(1) نطحه نطحا أصابه بقرنه .
(2) الكبش فحل الضأن في أي سن كان .
(3) الجزور بالفتح وهي من الإبل خاصة ما كمل خمس سنين ودخل في السادسة يقع على الذكر والانثى والجمع جزر كرسول ورسل .

( 9 )

أقول : معنى تجزيته عشرة أجزاء اشتراؤه فيما بين عشرة أنفس كما ذكر في حديث الجواد عليه السلام لا تجزية لحمه والأنصباء جمع نصيب والفذ بالفاء والذال المعجمة المشددة .
والتوأم بالتاء المثناة الفوقانية والهمزة والمسبل كمحسن بالسين المهملة والباء الموحدة والنافس بالنون والفاء والسين المهملة والحلس بكسر الحاء وسكون اللام والسين المهملة وقد يحرك والزقيب بالزاي والقاف على وزن فعيل والمعلى بضم الميم وسكون العين وفتح اللام والسفيح بالسين المهملة والفاء والحاء المهملة على وزن فعيل كالمنيح بالنون والحاء المهملة .
والوغد بالواو والغين المعجمة والدال المهملة وقيل معنى الاستقسام بالأزلام طلب معرفة ما قسم لهم بالأقداح يعني السهام وذلك أنهم إذا قصدوا فعلا ضربوا ثلاثة أقداح مكتوب على أحدها أمرني ربي وعلى اخر نهاني ربي وعلى الثالث غفل فان خرج الأمر مضوا على ذلك وان خرج الناهي تجنبوا عنه ، وإن خرج الغفل أجالوها ثانيا .
وفي بعض الأخبار إيماء إلى ذلك كما يأتي في أواخر السورة ويمكن التوفيق بالتعميم وقوله تعالى إلا ما ذكيتم يرجع إلى ما جميع ما تقدم ذكره من المحرمات سوى ما لا يقبل الذكاة من الخنزير والدم كذا في المجمع عن أمير المؤمنين عليه السلام والعياشي عن الرضا عليه السلام المتردية والنطيحة وما أكل السبع إذا أدركت ذكاته فكله .
وفي المجمع عن الباقر والصادق عليهما الصلاة والسلام ان أدنى ما يدرك به الذكاة أن يدركه وهو يحرك أذنه أو ذنبه أو يطرف عينيه .
وفي الكافي عن الصادق عليه السلام في كتاب علي عليه السلام إذا طرفت العين أو ركضت الرجل أو تحركت الذنب فكل منه فقد أدركت ذكاته وفي معناه أخبار آخر اليوم الان يئس الذين كفروا من دينكم انقطع طمعهم من دينكم أن تتركوه وترجعوا منه إلى الشرك .
القمي قال ذلك لما نزلت ولاية أمير المؤمنين عليه السلام فلا تخشوهم أن يظهروا


( 10 )

على دين الإسلام ويردوكم عن دينكم واخشون إن خالفتم أمري أن تحل بكم عقوبتي اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا في المجمع عنهما عليهما السلام إنما نزل بعد أن نصب النبي صلى الله عليه وآله عليا صلوات الله عليهما علما للانام يوم غدير خم عند منصرفه عن حجة الوداع قالا ( ع ) وهي آخر فريضة أنزلها الله ثم لم تنزل بعدها فريضة .
وفي الكافي عن الباقر الفريضة تنزل بعد الفريضة الأخرى وكان الولاية آخر الفرايض فأنزل الله اليوم أكملت لكم دينكم قال لا أنزل بعد هذه فريضة قد أكملت لكم الفرائض .
والعياشي والقمي عنه ما يقرب منه .
أقول : إنما أكملت الفرائض بالولاية لان النبي صلى الله عليه وآله أنهى جميع ما استودعه الله من العلم إلى علي صلوات الله عليه ثم إلى ذريته الأوصياء واحدا بعد واحد فلما أقامهم مقامه وتمكن الناس من الرجوع إليهم في حلالهم وحرامهم و استمر ذلك بقيام واحد به بعد واحد كمل الدين وتمت النعمة انشاء الله وقد ورد هذا المعنى بعينه عنهم ( عليهم السلام ) ويأتي ما يقرب منه في خطبة الغدير فمن اضطر متصل بذكر المحرمات وما بينهما اعتراض والمعنى فمن اضطر إلى تناول شيء من هذه المحرمات في مخمصة في مجاعة غير متجانف غير مايل للإثمٍ .
والقمي عن الباقر عليه السلام غير متعمد الإثم .
أقول : وذلك بأن يأكلها تلذذا أو مجاوزا حد الرخصة وهذا كقوله سبحانه غير باغ ولا عاد .
وقد مضى تفسيرهما في سورة البقرة فإن الله غفور رحيم لا يؤاخذه بأكله .
(4) يسألونك ماذا احل لهم : كأنهم لما تلى عليهم ما حرم عليهم سألوا عما احل لهم قل احل لكم الطيبات قيل ما لم يستخبثه الطباع السليمة ولم تتنفر عنه وما علمتم من الجوارح أي صيدهن وهي كواسب الصيد على أهلها من السباع والطير مكلبين مؤدبين لها والمكلب مؤدب الجوارح ومغريها بالصيد مشتق من الكلب .


( 11 )

في الكافي والتهذيب عن الصادق عليه السلام في كتاب علي عليه السلام في قول الله تعالى وما علمتم من الجوارح مكلبين قال هي الكلاب .
وعنه عليه السلام إذا أرسلت بازا أو صقرا أو عقابا فلا تأكل حتى تدركه فتذكيه وإن قتل فلا تأكل .
وعنه عليه السلام وقد سئل عن ارسال الكلب والصقر فقال وأما الصقر فلا تأكل من صيده حتى تدرك ذكاته وأما الكلب فكل منه إذا ذكرت اسم الله عليه أكل الكلب منه أو لم يأكل وفي معناهما أخبار كثيرة تعلمونهن مما علمكم الله الهمكم من طرق التأديب وفسر أدبه باتباع الصيد بارسال ضاحبه وانزجاره بزجره وانصرافه بدعائه وإمساكه عليه الصيد في الكافي عن الباقر عليه السلام ما قتلت من الجوارح مكلبين وذكرتم اسم الله عليه فكلوا من صيدهن وما قتلت الكلاب التي لم تعلموها من قبل أن تدركوه فلا تطعموه .
وفي الكافي والفقيه والتهذيب عن الصادق عليه السلام قال في صيد الكلب إن أرسله صاحبه وسمى فليأكل كل ما أمسك عليه وإن قتل وإن أكل فكل ما بقي وان كان غير معلم فعلمه في ساعته حين يرسله فليأكل منه فإنه معلم فأما ما خلا الكلاب مما تصيده الفهود والصقور وأشباه ذلك فلا تأكل من صيده إلا ما تدرك ذكاته لان الله عز وجل قال مكلبين فما خلا الكلاب فليس صيده بالذي يؤكل الا أن تدرك ذكوته وأما الأخبار التي وردت بخلاف ذلك فمحمولة على التقية لموافقتها مذاهب العامة كما بيناه في الوافي فكلوا مما أمسكن عليكم واذكروا اسم الله عليه .
القمي عن الصادق عليه السلام أنه سئل عن صيد البزاة والصقور والفهود والكلاب قال : لا تأكل الا ما ذكيت إلا الكلاب قيل فإن قتله قال كل فإن الله يقول وما علمتم من الجوارح مكلبين تعلمونهن مما علمكم الله فكلوا مما أمسكن عليكم ثم قال فكلوا مما أمسكن عليكم ثم قال كل شيء من السباع يمسك الصيد على نفسها الا
____________
(1) البازي ضرب من الصقور جمعه بواز وبزاة وأبوز وبؤز وبيزان .
( 12 )

الكلاب المعلمة فإنها تمسك على صاحبها وقال إذا أرسلت الكلب المعلم فاذكر اسم الله عليه فهو ذكاته واتقوا الله فيما حرم عليكم إن الله سريع الحساب فيؤاخذكم بما جل ودق .
(5) اليوم أحل لكم الطيبات وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم .
القمي قال عنى بطعامهم هيهنا الحبوب والفاكهة غير الذبايح التي يذبحونها فانهم لا يذكرون اسم الله خالصا على ذبايحهم ثم قال والله ما استحلوا ذبايحكم فكيف تستحلون ذبايحهم .
في الكافي وغيره عنهما عليهما السلام في عدة أخبار أن المراد به الحبوب والبقول وفي بعضها لا تأكل من ذبايح اليهود والنصارى ولا تأكل من آنيتهم وفي بعضها الذبيحة بالاسم ولا يؤمن عليها إلا أهل التوحيد وفي بعضها إذا شهدتموهم وقد سموا اسم الله فكلوا ذبايحهم وإن لم تشهدوهم فلا تأكلوا وإن أتاك رجل مسلم فأخبرك أنهم سموا فكل وفي بعضها لا تأكله ولا تتركه تقول أنه حرام ولكن تتركه تنزها عنه إن في آنيتهم الخمر ولحم الخنزير وطعامكم حل لهم فلا جناح عليكم أن تطعموهم منهم وتبيعوه منهم والمحصنات .واحل لكم العقد على العفائف من المؤمنات .
العياشي عن الصادق عليه السلام هن المسلمات والمحصنات من الذين اوتوا الكتاب من قبلكم في الفقيه عن الصادق عليه السلام هن العفايف .
والعياشي عن الكاظم عليه السلام أنه سئل ما معنى احصانهن قال هن العفايف من نسائهم .
وفي الكافي والمجمع والعياشي عن الباقر عليه السلام أنها منسوخة بقوله ولا تمسكوا بعصم الكوافر .
وزاد في المجمع وبقوله ولا تنكحوا المشركات . والقمي أحل الله نكاح أهل الكتاب بعد تحريمه في قوله في سورة البقرة ولا تنكحوا


( 13 )

المشركات حتى يؤمن قال وإنما يحل نكاح أهل الكتاب الذين يؤدون الجزية وغيرهم لم تحل مناكحتهم .
أقول : ويؤيد هذا الحديث النبوي أن سورة المائدة آخر القرآن نزولا فأحلوا حلالها وحرموا حرامها .
وفي الكافي : عن الحسن بن الجهم قال قال لي أبو الحسن الرضا عليه السلام يا أبا محمد ما تقول في رجل يتزوج نصرانية على مسلمة قلت جعلت فداك وما قولي بين يديك قال لتقولن فإن ذلك تعلم به قولي قلت لا يجوز نصرانية على مسلمة ولا على غير مسلمة قال ولم قلت لقول الله تعالى ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن قال فما تقول في هذه الآية والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم قلت فقرله ولا تنكحوا المشركات نسخت هذه الآية فتبسم ثم سكت .
وفيه وفي الفقيه عن الصادق عليه السلام في الرجل المؤمن يتزوج النصرانية واليهودية قال إذا أصاب المسلمة فما يصنع باليهودية والنصرانية فقيل يكون له فيها الهوى فقال إن فعل فليمنعها من شرب الخمر وأكل لحم الخنزير واعلم أن عليه في دينه غضاضة (1) .
وعن الباقر عليه السلام لا ينبغي للمسلم أن يتزوج يهودية ولا نصرانية وهو يجد مسلمة حرة أو أمة .
وعنه عليه السلام إنما يحل منهن نكاح البله (2) .
وفي الفقيه عنه عليه السلام أنه سئل عن الرجل المسلم أيتزوج المجوسية قال لا ولكن إن كانت له أمة مجوسية فلا بأس أن يطأها ويعزل عنها ولا يطلب ولدها وفي رواية لا يتزوج الرجل اليهودية والنصرانية على المسلمة ويتزوج المسلمة على اليهودية
____________
(1) قولهم ليس عليك في هذا الأمر غضاضة أي ذلة ومنقصة ومثله عليه في دينه غضاضة وما عليَّ من غضاضة .
(2) بله الرجل يبله بلها من باب تعب ضعف عقله فهو أبله والانثى بلهاء والجمع بله كأحمر وحمراء وحمر وفي الحديث عليك بالبلهاء قلت وما البلهاء قال ذوات الخذور العفايف .

( 14 )

والنصرانية وفي التهذيب عن الصادق عليه السلام لا بأس أن يتمتع الرجل باليهودية والنصرانية وعنده حرة .
وفيه في جواز التمتع بهما وبالمجوسية أخبار أخر إذا اتيتموهن أجورهن مهورهن محصنين اعفاء بالنكاح غير مسافحين غير مجاهرين بالزنا ولا متخذي أخدان (1) مسرين به والخدن الصديق يقع على الذكر والأنثى ومن يكفر بالإيمان بجحد الشرايع أو بتركها في الكافي عن الصادق عليه السلام في تفسيره ترك العمل الذي أقرّ به من ذلك أن يترك الصّلوة من غير سقم ولا شغل .
وفي رواية ترك العمل حتى يدعه أجمع والعياشي مثله وروى هو عن الصادق عليه السلام أدنى ما يخرج به الرجل من الإسلام أن يرى الرأي بخلاف الحق فيقيم عليه قال ومن يكفر بالايمان الذي لا يعمل بما أمر الله به ولا يرضى به وعن الباقر عليه السلام يعني ولاية علي عليه السلام .
والقمي قال من آمن ثم أطاع أهل الشرك فقد حبط عمله وهو في الاخرة من الخاسرين .
(6) يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم الى الصّلوة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برؤسكم وأرجلكم إلى الكعبين وقرء بنصب الأرجل وهو مردود عندنا كما يأتي وأريد بالقيام القيام من النوم .
ففي التهذيب والعياشي عن الصادق عليه السلام أنه سئل ما معنى إذا قمتم قال إذا قمتم من النوم .
والعياشي عن الباقر عليه السلام سئل ما عنى بها قال عن النوم فاسترحنا من تكلفات المفسرين واضماراتهم (2) وأما وجوب الوضوء بغير حدث النوم فمستفاد من الأخبار كما أن وجوب الغسل بغير الجنابة مستفاد من محل آخر وكما أن سائر مجملات القرآن
____________
(1) قوله تعالى ولا متخذي أخذان أي ولا متفردين ببغية واحدة خادنها وخادنته اتخذها لنفسه صديقة يفجربها .
(2) قال في مجمع البيان معناه إذا أردتم القيام الى الصلاة وأنتم على غير طهر وحذف الإرادة لان في الكلام دلالة على ذلك ومثله قوله فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة وهو قول ابن عباس وأكثر المفسرين .

( 15 )

إنما يتبين بتفسير أهل البيت وهم أدرى بما نزل في البيت من غيرهم والوجه ما يواجه به فلا يجب تخليل الشعر الكثيف اعني الذي لا يرى البشرة خلاله في التخاطب إذ المواجهة حينئذ إنما تكون بالشعر لا بما تحته كما ورد عن الباقر عليه السلام كل ما احاط به الشعر فليس على العباد ان يطلبوا ولا ان يبحثوا عنه ولكن يجري عليه الماء رواه في التهذيب وفيه وفي الكافي عن احدهما عليهما السلام انه سئل عن الرجل يتوضا ايبطن (1) لحيته قال لا .
وأما حد الوجه ففي الفقيه وفي الكافي والعياشي عن الباقر عليه السلام الوجه الذي امر الله بغسله الذي لا ينبغي لاحد أن يزيد عليه ولا ينقص منه إن زاد عليه لم يؤجر وان نقص منه أثم ما دارت الوسطى والابهام من قصاص شعر الراس الى الذقن وما جرت عليه الأصبعان من الوجه مستديرا فهو من الوجه وما سوى ذلك فليس من الوجه قيل الصدغ ليس من الوجه قال لا وأما في سائر الاعضاء فيجب ايصال الماء والبلل إلى البشرة وتخليل ما يمنع من الوصول كما هو مقتضى الأمر بالغسل والمسح فلا يجزي المسح على القلنسوة ولا على الخفين في التهذيب عن الباقر عليه السلام جمع عمر بن الخطاب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وفيهم علي عليه السلام فقال ما تقولون في المسح على الخفين فقام المغيرة بن شعبة فقال رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يمسح على الخفين فقال علي قبل المائدة أو بعد المائدة فقال لا أدري فقال علي سبق الكتاب الخفين إنما انزلت المائدة قبل أن يقبض صلى الله عليه وآله بشهرين أو ثلاثة .
أقول : المغيرة بن شعبة هذا هو أحد رؤساء المنافقين من أصحاب العقبة والسقيفة لعنهم الله .
وفي الفقيه روت عائشة عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال أشد الناس حسرة يوم القيامة من رأى وضوءه على جلد غيره .
____________
(1) قوله يبطن بتشديد الطاء من بطن يبطن إذا أدخل الماء تحتها مما هو مستور بشعرها .
( 16 )

وروي عنها أنها قالت لان امسح على ظهر عير بالفلاة أحب إلي من أن أمسح على خفي ولم يعرف للنبي صلى الله عليه وآله خف الا خف هداه له النجاشي وكان موضع ظهر القدمين منه مشقوقا فمسح النبي صلى الله عليه وآله رجليه وعليه خفاه فقال الناس أنه مسح على خفيه وعلى أن الحديث في ذلك غير صحيح الأسناد انتهى كلام الفقيه ولما كانت اليد تطلق على ما تحت الزند وعلى ما تحت المرفق وعلى ما تحت المنكب بين الله سبحانه غاية المغسول منها كما تقول لغلامك اخضب يدك إلى الزند وللصيقل صقل سيفي إلى القبضة فلا دلالة في الآية على ابتداء الغسل بالاصابع وانتهائه إلى المرافق كما أنه ليس في هاتين العبارتين دلالة على ابتداء الخضاب والتصقيل باصابع اليد ورأس السيف فهي مجملة في هذا المعنى يحتاج إلى تبيين أهل البيت ( عليهم السلام ) والمرفق بكسر أوله وفتح ثالثه أو بالعكس مجمع عظمي الذراع والعضد ولا دلالة في الآية على إدخاله في غسل اليد ولا على ادخال الكعب في مسح الرجلين لخروج الغاية تارة ودخولها اخرى فهي في هذا المعنى مجملة وإنما تتبين بتفسيرهم والغسل يحصل بصب الماء على العضو أو غمسه فيه إن لم يدلك فالباء في برؤوسكم للتبعيض وكذا في بوجوهكم وكذا في المعطوفتين عليهما أعني أرجلكم وأيديكم كذا عن الباقر عليه السلام كما يأتي والكعب عظم مائل إلى الإستدارة واقع في ملتقى الساق والقدم نات عن ظهره يدخل نتوه في طرف الساق كالذي في ارجل البقر والغنم وربما يلعب به الأطفال وقد يعبر عنه بالمفصل لمجاورته له وإنما اختلف الناس فيها لعدم غورهم في كلام أهل اللغة وأصحاب التشريح واعراضهم عن التأمل في الأخبار المعصومية ولما كانت الرجل تطلق على القدم وعلى ما تحت الركبة وعلى ما يشمل الفخذ بين الله سبحانه غاية الممسوح منها ثم دلالة الآية على مسح الرجلين دون غسلهما اظهر من الشمس في رابعة النهار وخصوصا على قراءة الجر ولذلك اعترف بها جمع كثير من القائلين بالغسل .
في التهذيب عن الباقر عليه السلام أنه سئل عن قول الله عز وجل فامسحوا برؤوسكم وأرجلكم إلى الكعبين على الخفض هي أم على النصب قال بل هي على الخفض .
w أقول : وعلى تقدير القراءة على النصب أيضا يدل على المسح لانها تكون حينئذ


( 17 )

معطوفة على محل الرؤوس كما تقول مررت بزيد وعمروا إذ عطفتها على الوجوه خارج عن قانون الفصاحة بل عن اسلوب العربية روى العامة عن أمير المؤمنين عليه السلام وابن عباس عن النبي ( صلى الله عليه السلام ) انه توضأ ومسح على قدميه ونعليه .
ورووا أيضا عن ابن عباس أنه قال إن كتاب الله المسح ويأبى الناس إلا الغسل وانه قال الوضوء غسلتان ومسحتان من باهلني باهلته وأنه وصف وضوء رسول الله صلى الله عليه وآله فمسح على رجليه .
وفي التهذيب عن الباقر عليه السلام أنه سئل عن مسح الرجلين فقال هو الذي نزل به جبرئيل .
وفي الكافي عن الصادق عليه السلام أنه يأتي على الرجل ستون وسبعون سنة ما قبل الله منه صلاة قيل وكيف ذلك قال لانه يغسل ما أمر الله بمسحه . وفي الفقيه عن علي عليه السلام أن الرجل ليعبد الله أربعين سنة ما يطيعه في الوضوء يغسل ما أمر الله بمسحه . وفي الكافي والعياشي عن الباقر عليه السلام أنه سئل عن وضوء رسول الله صلى الله عليه وآله فدعا بطست (1) أو تور فيه ماء فغمس يده اليمنى فغرف بها غرفة فصبها على وجهه ثم غمس كفه اليسرى فغرف بها غرفة فأفرغ على ذراعه اليمنى فغسل بها ذراعه من المرفق إلى الكف لا يردها إلى المرفق ، ثم غمس كفه اليمنى فأفرغ بها على ذراعه اليسرى من المرفق وصنع بها مثل ما صنع باليمنى ثم مسح رأسه وقدميه ببل كفه لم يحدث لهما ماء جديدا ثم قال ولا يدخل أصابعه تحت الشراك (2) قال ثم قال إن الله تعالى يقول إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وليس له أن يدع شيئا من وجهه إلا غسله وأمر بغسل اليدين إلى المرفقين فليس له أن يدع شيئا من يديه إلى المرفقين إلا غسله لان الله تعالى قال اغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق ثم قال وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم إلى الكعبين فإذا مسح بشيء من رأسه أو بشيء من قدميه ما بين الكعبين إلى أطراف الأصابع فقد أجزأ فقيل أين الكعبان قال هيهنا يعني
____________
(1) والترديد من الراوي والتور بالفتح فالسكون اناء صغير من صفر أو خزف يشرب منه ويتوضا فيه ويؤكل منه .
(2) الشراك بكسر الشين أحد سيور النعل التي يكون على وجهها توثق به الرجل ومنه الحديث لا تدخل يدك تحت الشراك أي شراك النعل .

( 18 )

المفصل دون عظم الساق قيل هذا ما هو فقال هذا من عظم الساق والكعب أسفل من ذلك قيل أصلحك الله فالغرفة الواحدة تجري للوجه وغرفة للذراع قال نعم إذا بالغت فيها والثنتان تأتيان على ذلك كله .
وفي الفقيه والعياشي عن زرارة قال قلت لابي جعفر عليه السلام الا تخبرني من أين علمت وقلت أن المسح ببعض الرأس وببعض الرجلين فضحك عليه السلام ثم قال يا زرارة قاله رسول الله صلى الله عليه وآله ونزل به الكتاب من الله لان الله تعالى يقول فاغسلوا وجوهكم فعرفنا أن الوجه كله ينبغي أن يغسل ثم قال وأيديكم إلى المرافق فوصل اليدين إلى المرفقين بالوجه فعرفنا أنه ينبغي لهما أن يغسلا إلى المرفقين ثم فصل بين الكلام فقال وامسحوا برؤوسكم فعرفنا حين قال برؤوسكم أن المسح ببعض الرأس لمكان الباء ثم وصل الرجلين بالرأس كما وصل اليدين بالوجه فقال وأرجلكم إلى الكعبين فعرفنا حين وصلهما بالرأس أن المسح على بعضهما ثم فسر ذلك رسول الله للناس فضيعوه الحديث ويأتي تمامه عن قريب وأشار إليه بقوله لمكان الباء أن الباء للتبعيض فلا وجه لانكار سيبويه مجيئها له في سبعة عشر موضعا من كتابه .
وإنما بسطنا الكلام في تفسير آية الوضوء لعموم البلوى بها وكثرة الإختلاف فيها والحمد لله على ما هدانا ببركة أهل بيت نبيه صلوات الله عليهم وتمام الكلام فيه يطلب من كتابنا الوافي وإن كنتم جنبا فاطهروا عطف على جزاء الشرط الأول أعني فاغسلوا وجوهكم يعني إذا قمتم من النوم إلى الصلاة فتوضؤوا وإن كنتم جنبا فاغتسلوا يدل عليه قوله تعالى وإن كنتم مرضى فإنه مندرج تحت الشرط ألبتة فلو كان قوله وإن كنتم معطوفا على قوله إذا قمتم أو كان مستأنفا لم يتناسق المتعاطفان وللزم أن لا يستفاد الإرتباط ما بين الغسل والصّلوة من الآية ولم يحسن لفظة إن بل ينبغي أن يقال وإذا كنتم جنبا كما هو غير خاف (1) على من تتبع أساليب الكلام ويدل عليه أيضا ما في الكافي عن الباقر عليه السلام أنه سئل عن المرأة يجامعها الرجل فتحيض وهي في المغتسل قال
____________
(1) خفي كرضي خفاء فهو خاف وخفي لم يظهر .