وفي التهذيب عن الرضا عليه السلام والجريث والضب فرقة من بني إسرائيل حيث نزلت المائدة على عيسى بن مريم عليهما السلام لم يؤمنوا فتاهوا (1) فوقعت فرقة في البحر وفرقة في البر وفي الخصال عن النبيفي حديث المسوخات وأما الخنازير فقوم نصارى سألوا ربهم انزال المائدة عليهم فلما أنزلت عليهم كانوا أشد ما كانوا كفرا وأشد تكذيبا .
(116) وإذ قال الله يا عيسى بن مريم العياشي عن الباقر عليه السلام لم يقله وسيقوله إن الله إذا علم شيئا هو كائن أخبر عنه خبر ما قد كان ءأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله توبيخ للكفرة وتبكيت لهم .
القمي وذلك أن النصارى زعموا أن عيسى عليه السلام قال لهم إني وأمي إلهين (2) من دون الله فإذا كان يوم القيامة يجمع الله بين النصارى وبين عيسى على نبينا وآله و عليه السلام فيقول ءأنت قلت الآية قال سبحانك انزهك تنزيها من أن يكون لك شريك ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحق ما لا يحق لي أن أقوله إن كنت قلته فقد علمته تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك تعلم ما أخفيه ولا أعلم ما تخفيه .
والعياشي عن الباقر عليه السلام في تفسيرها إن الأسم الأكبر ثلاثة وسبعون حرفا فاحتجب الرب تعالى بحرف فمن ثمة لا يعلم أحد ما في نفسه عز وجل أعطى آدم اثنين وسبعين حرفا فتوارثها الأنبياء حتى صارت عند عيسى فذلك قول عيسى عليه السلام تعلم ما في نفسي يعني اثنين وسبعين حرفا من الأسم الأكبر يقول أنت علمتنيها فأنت تعلمها ولا أعلم ما في نفسك يقول لأنك احتجبت من خلقك بذلك الحرف فلا يعلم أحد ما في نفسك إنك أنت علام الغيوب .
(117) ما قلت لهم إلا مآ أمرتني به أن اعبدوا الله ربى وربكم وكنت عليهم شهيدا رقيبا مطلعا أمنعهم من أن يقولوا ذلك ويعتقدوه مادمت فيهم فلما توفيتني
____________
(1) تاه في الارض أي ذهب متحيرا يتيه تيها وتيهانا .
(2) لعل التقدير اني وامي اتخذوا الهين ولا يستقيم حكاية عن الآية كما لا يخفى .

( 102 )

بالرفع إلى السماء من قوله أني متوفيك ورافعك إليك والتوفي أخذ الشيء وافيا والموت نوع منه قال الله عز وجل يتوفى الأنفس حين موتها والّتي لم تمت في منامها كنت أنت الرقيب عليهم المراقب لأحوالهم وأنت على كل شيء شهيد مطلع مراقب له .
(118) إن تعذبهم فإنهم عبادك تملكهم وتطلع على جرائمهم قيل فيه تنبيه على أنهم استحقوا ذلك لأنهم عبادك وقد عبدوا غيرك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم القادر القوي على الثواب والعقاب الذي لا تثيب ولا تعاقب إلا عن حكمة وصواب فإن المغفرة حسنة لكل مجرم فان عذبت فعدل وإن غفرت ففضل .
(119) قال الله هذا يوم (1) ينفع الصادقين صدقهم وقرء يوم بالنصب ولا يخلو من تكلف لهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا رضى الله عنهم ورضوا عنه ذلك الفوز العظيم .
(120) لله ملك السماوات والأرض وما فيهن وهو على كل شيء قدير فيه تنبيه على كذب النصارى وفساد دعواهم في المسيح وأمه .
القمي والدليل على أن عيسى عليه السلام لم يقل لهم ذلك قوله تعالى هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم .
ثم روى باسناده عن الباقر عليه السلام في هذه الآية إذا كان يوم القيامة وحشر الناس للحساب فيمرون باهوال يوم فيمرون بأهوال يوم القيامة فلا ينتهون الى العرصة حتى يجهدوا جهدا شديدا قال يقفون بفناء العرصة ويشرف الجبار عليهم وهو على عرشه فأول من يدعى بنداء يسمع الخلائق أجمعين أن يهتف باسم محمد بن عبد اللهالنبي القرشي العربي قال فيتقدم حتى يقف على يمين العرش .
قال ثم يدعى بصاحبكم فيتقدم حتى يقف على يسار رسول الله صلى الله عليه
____________
(1) قوله تعالى هذا يوم ينفع هذا مبتدأ ويوم خبره وهو معرب لانه مضاف الى معرب فيبقى على حقه من الاعراب ويقرء يوم الفتح وهو منصوب على الظرف وهذا فيه وجهان احدهما هو مفعول قال الله هذا القول في يوم والثاني ان هذا مبتدء ويوم ظرف للخبر المحذوف اي هذا يقع أو يكون يوم ينفع وقال الكوفيون يوم في موضع رفع خبر هذا ولكنه بني على الفتح لاضافته الى الفعل وعندهم يجوز بناؤه وان اضيف الى معرب وعندنا لا يجوز الا إذا اضيف الى مبني .
( 103 )

وآله وسلم ثم يدعى بأمة محمد صلى الله عليه وآله فيقفون على يسار علي ثم يدعى بنبي نبي وأمته معه من اول البنيين الى آخرهم وأمنهم معهم فيقفون على يسار العرش .
قال ثم أول من يدعى للمسائلة القلم قال فيتقدم فيقف بين يدي الله في صورة الادميين فيقول الله هل سطرت في اللوح ما ألهمتك وأمرتك به من الوحي فيقول القلم نعم يا رب قد علمت اني قد سطرت في اللوح ما أمرتني وألهمتني به من وحيك فيقول الله فمن يشهد لك بذلك فيقول يا رب وهل أطلع على مكنون سرك خلق غيرك قال فيقول له أفلجت حجتك .
قال ثم يدعى باللوح فيتقدم في صورة الادميين حتى يقف مع القلم فيقول له هل سطر فيك القلم ما ألهمته وأمرته به من وحي فيقول اللوح نعم يا رب وبلغته اسرافيل ثم يدعى باسرافيل فيتقدم اسرافيل مع اللوح والقلم في صورة الادميين فيقول الله له هل بلغك اسرافيل ما بلغ فيقول يا رب وبلغته جميع أنبيائك وأنفذت إليهم جميع ما انتهى الي من أمرك وأديت رسالاتك الى نبي نبي ورسول رسول وبلغتهم كل وحيك وحكمتك وكتبك وان آخر من بلغته رسالتك ووحيك وحكمتك وعلمك وكتابك وكلامك محمد بن عبد اللهالعربي القرشي الحرمي حبيبك قال أبو جعفر عليه السلام فأول من يدعى من ولد آدم للمسائلة محمد بن عبد الله فيدنية الله حتى لا يكون خلق أقرب الى الله يومئذ منه فيقول الله يا محمدهل بلغك جبرئيل ما أوحيت إليك وأرسلته به إليك من كتابي وحكمتي وعلمي وهل أوحى ذلك إليك فيقول رسول اللهنعم يا رب قد بلغني جبرئيل جميع ما أوحيته إليه وأرسلته به من كتابك وحكمتك وعلمك وأوحاه الي فيقول الله لمحمدهل بلغت لامتك ما بلغك جبرئيل من كتابي وحكمتي وعلمي فيقول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نعم يا رب قد بلغت أمتي جميع ما أوحيت الي من كتابك وحكمتك وعلمك وجاهدت في سبيلك .
فيقول الله لمحمدفمن يشهد لك بذلك فيقول محمديا رب أنت الشاهد لي بتبليغ الرسالة وملائكتك والابرار من أمتي


( 104 )

وكفى بك شهيدا فيدعى بالملائكة فيشهدون لمحمدبتبليغ الرسالة ثم يدعى بامة محمد فيسألون هل بلغكم محمدرسالتي وكتابي وحكمتي وعلمي وعلمكم ذلك فيشهدون لمحمد صلى الله عليه وآله وسلم بتبليغ الرسالة والحكمة والعلم فيقول الله لمحمد صلى الله عليه وآله وسلم فهل استخلفت في أمتك من بعدك من يقوم فيهم بحكمتي وعلمي ويفسر لهم كتابي ويبين لهم ما يختلفون فيه من بعدك حجة لي وخليفة في الارض فيقول محمدنعم يا رب قد خلقت فيهم علي بن ابي طالب صلوات الله وسلامه عليه أخي ووزيري ووصيي وخير أمتي ونصبته لهم علما في حيوتي ودعوتهم الى طاعته وجعلته خليفتي في امتي إماما يقتدى به الامة من بعدي الى يوم القيامة فيدعى بعلي بن ابي طالب فيقال له هل أوصى إليك محمدواستخلفك في أمته ونصبك علما لامته في حيوته وهل قمت فيهم من بعده مقامه فيقول له علي نعم يا رب قد أوصى الى محمد وخلفني في أمته ونصبني لهم علما في حياته فلما قبضت محمدا إليك جحدتني أمته ومكروا بي واستضعفوني وكادوا يقتلونني وقدموا قدامي من أخرت وأخروا من قدمت ولم يسمعوا مني ولم يطيعوا أمري فقاتلتهم في سبيلك حتى قتلوني فيقال لعلي هل خلفت من بعدك في أمة محمدحجة وخليفة في الارض يدعو عبادي الى ديني والى سبيلي فيقول علي نعم يا رب قد خلفت فيهم الحسن ابني وابن بنت نبيك فيدعى بالحسن بن علي صلوات الله عليهما فيسأل عما سئل عنه علي بن ابي طالب عليه السلام قال ثم يدعى بامام إمام وبأهل عالمه فيحتجون بحجتهم فيقبل الله عذرهم ويجيز حجتهم قال ثم يقول الله هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم العياشي عن امير المؤمنين عليه السلام قال كان القرآن ينسخ بعضه بعضا وانما يؤخذ من أمر رسول اللهبآخره وكان آخر ما نزل عليه سورة المائدة نسخت ما قبلها ولم ينسخها شيء لقد نزلت عليه وهو على بغلة شهباء وثقل عليه الوحي حتى وقفت وتدلى بطنها حتى رأيت سرتها تكاد تمس الارض وأغمي على رسول اللهحتى وضع يده على ذوابة شيبة بن وهب الجحمي ثم دفع ذلك على رسول اللهفقرأ علينا سورة


( 105 )

المائدة فعمل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعملنا .
وعن الصادق عليه السلام نزلت المائدة كملا ونزلت معها سبعون ألف ألف ملك وفي ثواب الاعمال عن الباقر عليه السلام من قرء سورة المائدة في كل يوم خميس لم يلبس إيمانه بظلم ولم يشرك به أبدا انشاء الله تعالى .


( 106 )

سورة الأنعام

هي مكية غير ست آيات وما قدروا الله حق قدرة إلى آخر

ثلاث آيات قل تعالوا اتل ما حرم عليكم ربكم ألى آخر ثلاث آيات فانهن نزلن

بالمدينة وعدد آيها مائة وخمس وستون آية .


بسم الله الرحمن الرحيم


(1) الحمد لله الذي خلق السماوات والأرض وصف نفسه بما نبه به على أنه المستحق للحمد حُمِد أو لم يحمد ليكون حجة على العادلين به وجعل الظلمت والنور أنشأهما والفرق بين الخلق والجعل أن الخلق فيه معنى التقدير والجعل فيه معنى التصيير كإنشاء شيء من شيء ثم الذين كفروا بربهم يعدلون يعني أنه خلق ما لا يقدر عليه أحد سواه ثم هم يسوون به ما لا يقدر على شيء منه ومعنى ثم استبعاد عدو لهم (1) بعد هذا الوضوح .
في الأحتجاج عن الصادق عليه السلام في حديث في نزول هذه الآية إنها رد على ثلاثة أصناف لما قال الحمد لله الذي خلق السماوات والأرض كان ردا على الدهرية الذين قالوا إن الأشياء لا بدولها وهي قائمة ثم قال وجعل الظلمات والنور فكان ردا على الثنوية (2) الذين قالوا إن النور والظلمة هما المدبّران ثم قال ثم الذين كفروا بربهم
____________
(1) وعدلوا بالله أشركوا به وجعلوا له مثلا ومنه حديث علي عليه السلام كذب العادلون بك إذ شبهوك بأصنامهم.
(2) الثنوية من يثبت مع القديم قديما غيره قيل وهم فرق المجوس يثبتون مبدئين مبدء للخير ومبدء للشر وهما النور والظلمة ويقولون بنبوة إبراهيم وقيل هم طائفة يقولون ان كل مخلوق مخلوق للخلق الاول وقد شهد ببطلان قولهم قوله عليه السلام في وصف الحق تعالى لا من شيء كان ولا من شيء خلق ما كان فبهذا يدفع جميع حجج الثنوية وشبههم .

( 107 )

يعدلون فكان ردا على مشركي العرب الذين قالوا إن أوثاننا آلهة .
(2) هو الذي خلقكم من طين أي إبتدأ خلقكم منه ثم قضى أجلا كتب وقدر أجلا محتوما لموتكم لا يتقدم ولا يتأخر وأجل مسمى عنده لموتكم أيضا يمحوه ويثبت غيره لحكمة الصدقة والدعاء وصلة الرحم وغيرها مما يحقق الخوف والرجاء ولوازم العبودية فان بها وبأضدادها يزيد العمر وينقص وفيه سر البداء وقد بيناه في كتابنا المسمى بالوافي مستوفى . في الكافي عن الباقر عليه السلام في تفسيرها قال أجلان أجل محتوم وأجل موقوف .
والقمي عن الصادق عليه السلام الأجل المقضي هو المحتوم الذي قضاه الله وحتمه ، والمسمى هو الذي فيه البداء يقدم ما يشاء ويؤخر ما يشاء والمحتوم ليس فيه تقديم ولا تأخير ثم أنتم تمترون تشكون فيه وفي بعثه إياكم استبعاد لامترائهم بعدما ثبت أنه خالقهم وخالق أصولهم ومحييهم إلى آجالهم فإن من قدر على خلق الاصول وجمعها وإبداع الحياة فيها وإبقائها ما يشاء وتوقيفهم في الأجل بعد حتمه إياه في الخوف والرجاء بعد قضائه الأمر كان حقيقا بأن يعبد وكان أقدر على جمع الاصول وإحيائها ثانيا فالآية الاولى دليل التوحيد والثانية دليل التوحيد والبعث جميعا .
(3) وهو الله في السماوات وفي الارض هو المعبود فيهما والمعروف بالألهية والوحدانية مثل قوله : وهو الذي في السماء إله وفي الأرض إله في التوحيد عن الصادق عليه السلام في هذه الآية كذلك هو في كل مكان قيل بذاته قال ويحك الأماكن أقدار فإذا قلت في مكان بذاته لزمك أن تقول : في أقدار وغير ذلك ولكن هو باين من خلقه محيط بما خلق علما وقدرة وإحاطة وسلطانا وليس علمه بما في الأرض بأقل مما في السماء لا يبعد عنه شيء والأشياء عنده سواء علما وقدرة وسلطانا وملكا واحاطة يعلم سركم وجهركم .
القمي قال السر ما أسر في نفسه ، والجهر ما أظهره ويعلم ما تكسبون من خير وشر فيثيب عليه ويعاقب .
(4) وما تأتيهم من آية من آيات ربهم إلا كانوا عنها معرضين تاركين النظر


( 108 )

فيها غير ملتفتين إليها .
(5) فقد كذبوا بالحق بما جاء به محمدلما جاءهم فسوف يأتيهم أنباء ما كانوا به يستهزءون فسيظهر لهم ما كانوا به يستهزؤن عند نزول العذاب بهم .
(6) ألم يروا كم أهلكنا من قبلهم من قرن من أهل زمان مكناهم في الأرض أعطيناهم من البسطة في الأجسام والسعة في الأموال ما لم نمكن لكم ما لم نعطكم يا أهل مكة وفي الكلام التفات وأرسلنا السماء المطر عليهم مدرارا مغزارا (1) وجعلنا الأنهار تجري من تحتهم فعاشوا في الخصب (2) بين الأنهار والثمار فأهلكناهم بذنوبهم ولم يغن ذلك عنهم شيئا وأنشأنا وأحدثنا من بعدهم قرنا آخرين بدلا منهم يعني إنا كما قدرنا أن نهلك من قبلكم كعاد وثمود وننشىء مكانهم آخرين قدرنا أن نفعل ذلك بكم .
(7) ولو نزلنا عليك كتاباً في قرطاس مكتوبا في ورق فلمسوه بأيديهم ولم يقتصر بهم على الرؤية لئلا يقولوا : سكرت أبصارنا لقال الذين كفروا إن هذا إلا سحر مبين لعظم عنادهم وقسوة قلوبهم .
(8) وقالوا لولا أنزل عليه ملك يصدقه ويكلمنا إنه نبي لقوله لولا أنزل عليه ملك فيكون معه نذيرا ولو أنزلنا ملكا لقضي الأمر لحق إهلاكهم فإن سنة الله جرت بذلك فيمن قبلهم ثم لا ينظرون لا يمهلون بعد نزوله طرفة عين .
(9) ولو جعلناه ملكا لجعلناه رجلا جواب ثان أو جواب لأقتراح ثان فإنهم كانوا تارة يقولون : لولا أنزل عليه ملك وتارة يقولون : لو شاء ربنا لأنزل ملائكة والمعنى لو جعلنا قرينا لك ملكا يصدقك ويعاينوه أو جعلنا مكانك ملكا كما اقترحوه لمثلناه رجلا كما مثل جبرئيل في صورة دحية فإن القوة البشرية لا تقوى على رؤية الملك في صورته وللبسنا
____________
(1) في الحديث الامام كالعين الغزيرة يقال غزر الماء بالضم غزارا وغزارة كثر فهو غزير أي كثير والمراد شدة النفع وعمومه . والمدرار الكثير الدر مفعال يستوي فيه المذكر والمؤنث .
(2) الخصب بالكسر كحمل : النماء والبركة والمرعى الخصب كثير العشب .

( 109 )

عليهم ما يلبسون ولخلطنا عليهم ما يخلطون على أنفسهم فيقولون ما هذا إلا بشر مثلنا وكذبوه كما كذبوك في تفسير الأمام عليه السلام في سورة البقرة .
وفي الأحتجاج عنه عليه السلام قال قلت لأبي علي بن محمد عليهما السلام هل كان رسول اللهيناظر اليهود والمشركين إذا عاتبوه ويحاجهم قال بلى مرارا كثيرة إن رسول اللهكان قاعدا ذات يوم بفناء الكعبة إذ ابتدأ عبد الله بن أبي أمية المخزومي فقال يا محمد لقد ادعيت دعوى عظيمة وقلت مقالا هائلا زعمت أنك رسول رب العالمين وما ينبغي لرب العالمين وخالق الخلق أجمعين أن يكون مثلك رسوله بشرا مثلنا ولو كنت نبيا لكان معك ملك يصدقك ونشاهده بل لو أراد الله أن يبعث إلينا نبيا لكان إنما يبعث إلينا ملكا لا بشرا مثلنا ما أنت يا محمد إلا مسحورا ولست بنبي فقال رسول اللهاللهم أنت السامع لكل صوت ، والعالم بكل شيء ، تعلم ما قاله عبادك ، فانزل عليه يا محمد وقالوا لولا أنزل عليه ملك ولو أنزلنا ملكا لقضي الأمر إلى قوله تعالى وللبسنا عليهم ما يلبسون ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأما قولك لي ولو كنت نبيا لكان معك ملك يصدقك ونشاهده بل لو أراد أن يبعث إلينا نبيا لكان إنما يبعث إلينا ملكا لا بشرا مثلنا ، فالملك لم تشاهده حواسكم لأنه من جنس هذا الهواء لا عيان منه ، ولو شاهدتموه بأن يزاد في قوى أبصاركم لقلتم ليس هذا ملكا بل هذا بشر لأنه إنما كان يظهر لكم بصورة البشر الذي ألفتموه لتفهموا عنه مقالته وتعرفوا خطابه ومراده فكيف كنتم تعلمون صدق الملك وإن ما يقوله حق بل إنما بعث الله بشرا رسولا وأظهر على يده المعجزات التي ليست في طبايع البشر الذين قد علمتم ضمائر قلوبكم فتعلمون بعجزكم عما جاء به أنه معجزة ، وأن ذلك شهادة من الله بالصدق له ، ولو ظهر لكم ملك وظهر على يده ما يعجز عنه البشر لم يكن في ذلك ما يدلكم أن ذلك ليس في طبائع سائر أجناسه من الملائكة حتى يصير ذلك معجزا الا ترون أن الطيور التي تطير ليس ذلك منها بمعجز لأن لها أجناسا يقع منها مثل طيرانها ولو أن آدميا طار كطيرانها كان ذلك معجزا فالله عز وجل سهل عليكم الأمر وجعله مثلكم بحيث يقوم عليكم حجته وأنتم تقترحون عمل الصعب الذي لا


( 110 )

حجة فيه ، الحديث ويأتي نبذ منه في سورة الفرقان وآخر في سورة الزخرف إنشاء الله .
(10) ولقد استهزئ برسل من قبلك تسلية لرسول اللهعلى ما يرى من قومه فحاق بالذين سخروا منهم ما كانوا به يستهزءون فأحاط بهم الذي يستهزؤون به من العذاب .
(11) قل سيروا في الارض قيل : أي سافروا فيها ثم انظروا بأبصاركم وتفكروا بقلوبكم .
القمي : أي انظروا في القرآن وأخبار الأنبياء فانظروا ، وقد مضى نظيره عن الصادق عليه السلام في سورة آل عمران كيف كان عاقبة المكذبين المستهزئين بالرسل من الأمم السالفة حيث استأصلهم العذاب .
(12) قل لمن ما في السماوات والأرض سؤال تبكيت (1) قل لله تقرير لهم أي هو لله لا خلاف بيني وبينكم في ذلك ، ولا تقدرون أن تضيفوا شيئا منه إلى غيره . كتب على نفسه الرحمة : أوجبها على ذاته في هدايتكم إلى معرفته ، والعلم بتوحيده بنصب الأدلة ، وإنزال الكتب والأمهال على الكفر والذنوب لتدارك ما فرط ليجمعنكم قرنا بعد قرن إلى يوم القيامة لا ريب فيه : قيل : استيناف ، ووعيد على إشراكهم وإغفالهم النظر وقيل بدل من الرحمة فإنه منها . الذين خسروا أنفسهم : بتضييع رأس مالهم الذي هو الفطرة الأصلية فهم لا يؤمنون فإن إبطال الفطرة أداهم إلى الأصرار على الكفر .
(13) وله ولله ما سكن في الليل والنهار ما تم كن وحل من السكنى ذكر في الأول السماوات والأرض المشتملتين على الأمكنة جميعا وهنا الليل والنهار المشتملين على الأزمنة جميعا ليعم الموجودات التي تندرج تحت الظرفين وهو السميع العليم لا يخفى عليه شيء .
(14) قل أغير الله أتخذ ولياً إنكار لأتخاذ غير الله وليا لا لأتخاذ الولي ولذلك قدم غير وأولى الهمزة فاطر السماوات والأرض منشؤهما ومبدعهما ابتدأ بقدرته وحكمته من
____________
(1) التبكيت التقريع والتوبيخ كما يقال له يا فاسق أما استحييت أما خفت الله .
( 111 )

غير احتذاء مثال وهو يطعم ولا يطعم يرزق ولا يرزق يعني أن المنافع كلها من عنده ولا يجوز عليه الأنتفاع قل إني أمرت أي أمرني ربي أن أكون أول من أسلم لأن النبي سابق امته في الأسلام . ولا تكونن من المشركين وقيل لي : ( ولا تكونن من المشركين ) ، ويجوز عطفه على ( قل ) .
(15) قل إني أخاف إن عصيت ربي عذاب يوم عظيم : مبالغة اخرى في قطع أطماعهم ، وتعريض لهم بأنهم عصاة مستوجبون للعذاب .
العياشي : عن الصادق عليه السلام ما ترك رسول الله( إني أخاف إن عصيت ربي عذاب يوم عظيم ) حتى نزلت سورة الفتح فلم يعد إلى ذلك الكلام .
(16) من يصرف عنه يومئذ يعني العذاب ، وقريء بالبناء للفاعل . فقد رحمه : وتفضل عليه . في المجمع عن النبي صلى الله عليه واله وسلم والذي نفسي بيده ما من الناس أحد يدخل الجنة بعمله قالوا : ولا أنت يا رسول الله ، قال : ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمة منه وفضل وذلك الفوز المبين .
(17) وإن يمسسك الله بضر : ببلية كمرض وفقر . فلا كاشف له : فلا قادر على كشفه . إلا هو وإن يمسسك بخير : بنعمة كصحة ، وغنى . فهو على كل شيء قدير : يقدر على إدامته وإزالته .
(18) وهو القاهر فوق عباده : تصوير لقهره وعلوه بالغلبة والقدرة يعني أنهم تحت تسخيره وتذليله . وهو الحكيم : في أمره وتدبيره . الخبير : بالعباد ، وخفايا أحوالهم ، وبكل شيء .
(19) قل أي شيء أكبر شهادة : أعظم شهادة ، وأصدق . قل الله شهيد بينى وبينكم : قيل : الله جواب ، وشهيد : مستأنف بتقدير هو . وقيل : بل الله شهيد ساد مسد الجواب .
أقول : لعله أريد أنه لا يحتاج إلى الجواب ويكون معنى السؤال أنه غير خاف أن الله هو أكبر شيء شهادة وأنتم أيضا تعلمون ذلك ، ومعنى ( الله شهيد ) : أن الله الذي هو أكبر شيء شهادة هو الذي يشهد لي بالنبوة ، وإنما جاز إطلاق الشيء على الله تعالى لأخراجه


( 112 )

عن حد التعطيل ، ولكنه شيء بخلاف الأشياء كذا في الكافي : عن الصادق عليه السلام .
القمي : عن الباقر عليه السلام إن مشركي أهل مكة قالوا : يا محمد ما وجد الله رسولا يرسله غيرك ما نرى أحدا يصدقك بالذي تقول ؟ وذلك في أول ما دعاهم ، وهو يومئذ بمكة ، قالوا : ولقد سألنا عنك اليهود والنصارى فزعموا أنه ليس لك ذكر عندهم فأتانا بأمر يشهد أنك رسول الله، قال رسول اللهالله شهيد بيني وبينكم . وأوحي إليّ هذا القرآن لانذركم به ومن بلغ : قيل : يعني انذركم ، وأنذر سائر من بلغه إلى يوم القيامة .
وفي المجمع ، والكافي ، والعياشي : عن الصادق عليه السلام في هذه الآية ومن بلغ أن يكون إماما من آل محمد ( صلوات الله عليهم ) : فهو ينذر بالقرآن كما أنذر به رسول الله.
والقمي : ما في معناه . أئنكم لتشهدون أن مع الله آلهة أخرى : تقرير لهم مع إنكار واستبعاد . قل لا أشهد : بما تشهدون . قل إنما هو إله واحد : بل أشهد أن لا إله إلا هو وإنني بريء مما تشركون : به من الأوثان وغيرها .
(20) الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه : يعرفون رسول اللهبحليته المذكورة في التوراة والأنجيل . كما يعرفون أبنائهم : بحلاهم(1) .
القمي : نزلت في اليهود والنصارى لأن الله قد أنزل عليهم في التوراة والأنجيل والزبور صفة محمد وصفة أصحابه ومهاجره ، وهو قوله تعالى : ( محمد رسول الله ) صلى الله عليه وآله إلى قوله : ( ذلك مثلهم في التوراة ومثلهم في الأنجيل ) ، فهذه صفة رسول الله صلى الله عليه وآله في التوراة والأنجيل وصفة أصحابه فلما بعثه الله عز وجل عرفه أهل الكتاب كما قال جل جلاله : ( فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به ) . الذين خسروا أنفسهم من أهل الكتاب والمشركين فهم لا يؤمنون : لتضييعهم ما به يكتسب الأيمان .
____________
(1) الحلية بالكسر بمعنى الصفة .
( 113 )

(21) ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا كقولهم : الملائكة بنات الله ، وهؤلاء شفعاؤنا عند الله . أو كذب بآياته : كأن كذبوا بالقرآن والمعجزات وسموها سحرا ، وإنما ( أو ) وهم قد جمعوا بين الأمرين تنبيها على أن كلا منهما وحده بالغ غاية الأفراط في الظلم . إنه لا يفلح الظالمون : فضلا عمن لا أحد أظلم منه .
(22) ويوم نحشرهم (1) جميعا : منصوب بمضمر تهويلا للأمر . ثم نقول للذين أشركوا أين شركاؤكم : قيل : أي آلهتكم التي جعلتموها شركاء لله تعالى ويأتي ما ورد فيه ، وأن المراد بها شركاؤهم في الولاية ، وقريء يحشر ، ويقول : بالياء . الذين كنتم تزعمون : أي تزعمونهم شركاء توبيخ لهم بعدم انتفاعهم بها .
(23) ثم لم تكن فتنتهم : في المجمع : عن الصادق عليه السلام يعني معذرتهم .
أقول : يعني معذرتهم التي يتوهمون أن يتخلصوا بها من فتنت الذهب إذا خلصته ، وقريء لم تكن بالتاء ، وفتنتهم بالرفع وبالياء والنصب . إلا أن قالوا والله ربنا ما كنا مشركون : يكذبون ويحلفون عليه مع علمهم بأنه لا ينفع من فرط الحيرة والدهشة ، وقريء ربنا بالنصب .
وفي الكافي : عن الباقر عليه السلام ، والقمي : عن الصادق عليه السلام يعنون بولاية علي صلوات الله وسلامه عليه .
(24) انظر كيف كذبوا على أنفسهم وضل عنهم ما كانوا يفترون من الشركاء .
في الأحتجاج : عن أمير المؤمنين عليه السلام في حديث يذكر فيه أهوال يوم القيامة ، ثم يجتمعون في موطن آخر ويستنطقون فيه ، فيقولون : والله ربنا ما كنا مشركين ، وهؤلاء خاصة هم المقرون في دار الدنيا بالتوحيد فلم ينفعهم إيمانهم بالله تعالى مع مخالفتهم رسله وشكهم فيما أتوا به عن ربهم ، ونقضهم عهودهم في أوصيائهم ، واستبدالهم الذي هو
____________
(1) قوله ويوم نحشرهم اه هو مفعول به والتقدير واذكر يوم نحشرهم وجميعا حال من ضمير المفعول ومفعولا تزعمون محذوفان اي تزعمونهم شركاء ودل على المحذوف ما تقدم .
( 114 )

أدنى بالذي هو خير فكذبهم الله فيما انتحلوه من الأيمان بقوله : ( انظر كيف كذبوا على أنفسهم ) .
والقمي مقطوعا قال : إنها في قدرية (1) هذه الامة يحشرهم الله تعالى يوم القيامة مع الصابئين والنصارى والمجوس فيقولون : ( والله ربنا ما كنا مشركين ) يقول الله تعالى : ( انظر كيف كذبوا على أنفسهم وضل عنهم ما كانوا يفترون ) . قال : وقال رسول اللهإن لكل امة مجوسا ومجوس هذه الأمة الذين يقولون لا قدر ، ويزعمون أن المشيئة والقدرة إليهم ولهم .
(25) ومنهم من يستمع إليك : حين تتلو القرآن وجعلنا على قلوبهم أكنة : أغطية جمع كنان وهو ما يستر الشيء . أن يفقهوه : كراهة أن يفقهوه . وفي آذانهم وقرا (2) : يمنع من استماعه كناية عن نبو (3) قلوبهم وأسماعهم عن قبوله . وإن يروا كل آية لا يؤمنوا بها : لفرط عنادهم ، واستحكام التقليد فيهم . حتى إذا جاءوك يجادلونك : يخاصمونك . يقول الذين كفروا إن هذا إلا أساطير الاولين : الأساطير : الأباطيل ، وأصله السطر ، بمعنى الخط والمعنى بلغ تكذيبهم الآيات إلى أنهم يجادلونك ، ويناكرونك ، ويجعلون كلام الله الذي هو أصدق الحديث خرافات الأولين ، وهي غاية التكذيب . وهم ينهون عنه وينأون عنه : القمي : قال : بنو هاشم كانوا ينصرون رسول الله صلى الله عليه واله وسلم ويمنعون قريشا عنه ، وينأون عنه ، أي : يباعدونه ولا يؤمنون به وإن يهلكون وما يهلكون بذلك إلا أنفسهم وما يشعرون : إن ضررهم لا يتعداهم إلى غيرهم .
(27) ولو ترى إذ وقفوا على النار : جوابه محذوف ، يعني لو تراهم حين يوقفون على النار حتى يعاينوها أو حين يطلعون عليها بالدخول لرأيته أمرا فظيعا (4) .
____________
(1) في الحديث ذكر القدرية وهم المنسوبون إلى القدر ويزعمون أن كل عبد خالق فعله ولا يرون المعاصي والكفر بتقدير الله ومشيته فنسبوا الى القدر لانه بدعتهم وضلالتهم . وفي شرح المواقف قيل القدرية هم المعتزلة لاستناد أفعالهم الى قدرتهم وفي الحديث لا يدخل الجنة قدري وهو الذي يقول لا يكون ما شاء الله ويكون ما شاء إبليس .
(2) الوقر بالفتح الثقل في الاذن .
(3) نبا السيف ينبو من باب قتل نبوا على فعول : كل ورجع من غير قطع .
(4) فظع الامر بالضم فهو فظاعة فهو فظيع أي شديد شنيع جاوزا المقدار .