انتهى كلامه وإنما قلنا إن القولين لا يساعده الأخبار لأنها وردت بأن الحرام ليس إلا ما حرم الله وتليت هذه الآية ، وذلك حين سألوا عن حرمة غير المذكور فيها من الحيوان . ففي التهذيب ، عن الصادق عليه السلام : والعياشي : عن الباقر عليه السلام : إنه سئل عن الجري (1) والمار (2) ماهي والزمير (3) وما ليس له قشر من السمك حرام هو فقال لي : يا محمد إقرأ هذه الآية التي في الأنعام : ( قل لا أجد فيما أوحي إليّ محرما على طاعم يطعمه ) فقال : فقرأتها حتى فرغت منها ، فقال : إنما الحرام ما حرم الله ورسوله في كتابه ، ولكنهم قد كانوا يعافون عن أشياء فنحن نعافها .
وعن الباقر والعياشي : عن الصادق عليهما السلام : إنه سئل عن سباع الطير والوحش حتى ذكر له القنافذ ، والوطواط (4) ، والحمير ، والبغال ، والخيل فقال : ليس الحرام إلا ما حرم الله في كتابه ، وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : يوم خيبر عن أكل لحوم الحمير ، وإنما نهاهم من أجل ظهورهم أن يفنوها وليست الحمير بحرام ، ثم قال : اقرأ هذه الآية : ( قل لا أجد ) الآية . وعنه عليه السلام : إنه سئل عن الجريث ؟ فقال : وما الجريث ؟ فنعت له فقال : ( لا أجد ) الآية ثم قال : لم يحرم الله شيئا من الحيوان في القرآن إلا الخنزير بعينه ، ويكره كل شيء من البحر ليس له قشر مثل الورق ، وليس بحرام وإنما هو مكروه . وعن أحدهما عليهما السلام : إن أكل الغراب ليس بحرام إنما الحرام ما حرم الله في كتابه ، ولكن الأنفس تتنزه عن كثير من ذلك تقززا (5) قال صاحب التهذيب : قوله : ( ليس الحرام إلا ما حرم الله في كتابه ) المعنى فيه أنه ليس الحرام المخصوص المغلظ الشديد الخطر إلا ما ذكره الله في القرآن وإن كان فيما عداه أيضا محرمات كثيرة إلا أنها دونه في التغليظ .
(146) وعلى الذين هادوا حرمنا كل ذي ظفر من دابة أو طير . ومن البقر
____________
(1) الجري بالجيم والراء المشددة المكسورة والياء المشددة اخيرا ضرب من السمك عديم الفلس ويقال له الجريث بالثاء .
(2) المار ماهي بفتح الراء معرب وأصله حية السمك .
(3) الزمير كسكيت نوع من السمك .
(4) الوطواط الخطاف وقيل الخفاش والجمع الوطاوط .
(5) التقزز بالقاف والزائين المعجمتين التباعد عن الدنس والمبالغة في التطهير .

( 168 )

والغنم حرمنا عليهم شحومهما الثروب وشحوم الكلى إلا ما حملت ظهورهما : أي ما علقت بظهورهما أو الحوايا (1) أو ما اشتمل على الأمعاء أو ما اختلط بعظم : وهو شحم الألية فإنه متصل بالعصعص (2) ذلك جزيناهم ببغيهم بسبب ظلمهم وإنا لصادقون في الأخبار والوعد والوعيد .
(147) فإن كذبوك فيما تقول . فقل ربكم ذو رحمة واسعة لا يعجل بالعقوبة فلا تغتروا بإمهاله فإنه لا يمهل إذا جاء وقته ولا يرد بأسه عن القوم المجرمين حين ينزل .
(148) سيقول الذين أشركوا لو شاء الله ما أشركنا ولا آبآؤنا ولا حرمنا من شيء كذلك حذر الذين من قبلهم أي مثل هذا التكذيب لك في أن الله منع من الشرك ولم يحرم ما حرموه ( كذب الذين من قبلهم الرسل ) . حتى ذاقوا بأسنا : الذي أنزلنا عليهم بتكذيبهم . قل هل عندكم من علم : من أمر معلوم يصح الأحتجاج به على ما زعمتم . فتخرجوه لنا : فتظهروه لنا . إن تتبعون إلا الظن : ما تتبعون في ذلك إلا الظن . وإن أنتم إلا تخرصون : تكذبون على الله تعالى .
(149) قل فلله الحجة البالغة (3) : البينة الواضحة التي بلغت غاية المتانة ، والقوة على الأثبات . فلو شآء لهداكم أجمعين : بالتوفيق لها والحمل عليها .
القمي قال لو شاء لجعلكم كلكم على أمر واحد ، ولكن جعلكم على الاختلاف .
وفي الكافي عن الكاظم عليه السلام أن لله على الناس حجتين حجة ظاهرة ، وحجة باطنة ، فأما الظاهرة فالرسل والأنبياء والأئمة ، أما الباطنة فالعقول وعن الباقر عليه
____________
(1) الحوية كغنية استدارة كل شيء كالتحوي وما تحوى من الامعاء كالحاوية والحاوياء ج حوايا .
(2) العصعص بضم عينيه عظم الذنب وهو عظم يقال له أول ما يخلق وآخر ما يبلى .
(3) الحجة البالغة التي تبلغ الجاهل آه لعل المقصود انها ما تساوي في معرفتها الجاهل والعالم وان افترقا في ان العالم يعرفها بحقيقة الايمان والجاهل بالالزام والغلبة عليه والاعجاز والاذلال وان انكرها في قلبه بمعنى حسده عليه وعدم رضاه وتسليمه لها مثل معرفة ابليس بالمعارف الحقة فان الحسد والجحود والعداوة والكبر يمنعه عن الرضاء بها وتسليمه لها .

( 169 )

السلام : نحن الحجة البالغة على من دون السماء وفوق الأرض .
والعياشي : عنه عليه السلام مثله . وفي الأمالي : عن الصادق عليه السلام إنه سئل عن قوله تعالى : ( فلله الحجة البالغة ) فقال : إن الله تعالى يقول للعبد يوم القيامة : عبدي أكنت عالما ؟ فإن قال : نعم . قال له : أفلا عملت بما علمت ؟ وإن كان جاهلا قال له : أفلا تعلمت حتى تعمل فيخصمه . فتلك الحجة البالغة .
وفي رواية : عن الصادق عليه السلام الحجة البالغة التي تبلغ الجاهل من أهل الكتاب فيعلمها بجهله كما يعلمها العالم بعلمه .
(150) قل هلم شهداءكم : احضروهم . الذين يشهدون أن الله حرم هذا : يعني قدوتهم فيه استحضرهم ليلزمهم الحجة ويظهر بانقطاعهم ضلالتهم وأنه لا متمسك لهم كمن يقلدهم ، ولذلك قيد الشهداء بالأضافة ووصفهم بما يقتضي العهد بهم . فإن شهدوا فلا تشهد معهم : فلا تصدقهم فيه وبين لهم فساده . ولا تتبع أهواء الذين كذبوا بآياتنا : فيه إشعار بأن التكذيب مسبب عن متابعة الهوى ، والتصديق مسبب عن متابعة الحجة . والذين لا يؤمنون بالآخرة : كعبدة الأصنام . وهم بربهم يعدلون : يجعلون له عديلا .
(151) قل تعالوا أتل : أقرء . ما حرم ربكم عليكم ألا تشركوا به شيئا : لما أوجب ترك الشرك ، والأحسان إلى الوالدين ، فقد حرم الشرك والأساءة إليهما ، لأن إيجاب الشيء نهي عن ضده ، فيصح أن يقع تفصيلا لما حرم . وبالوالدين إحسانا ، وضعه موضع النهي عن الأساءة إليهما للمبالغة والدلالة على أن ترك الأساءة في شأنهما غير كاف .
القمي : مقطوعا قال : الوالدين رسول الله ، وأمير المؤمنين صلوات الله عليهما . ولا تقتلوا أولادكم من إملاق : من أجل فقر أو من خشية فقر لقوله : ( خشية إملاق ) . نحن نرزقكم وإياهم ولا تقربوا الفواحش : كبائر الذنوب أو الزنا . ما ظهر منها وما بطن : في الكافي ، والعياشي : عن السجاد ما ظهر : نكاح إمرأة الأب ، وما بطن : الزنا .
وفي المجمع : عن الباقر عليه السلام ما ظهر : هو الزنا : وما بطن المخالة (1) . ولا تقتلوا
____________
(1) المخالة بالتشديد من الخلة يعني اتخاذ الخليل قال الله تعالى ولا متخدان منه رحمه الله وخاله مخالة وخلالا ويفتح وانه الكريم الخل والخلة بكسرهما أي المصادقة والاخاء والخلة ايضا الصديق للذكر والانثى والواحد والجمع .
( 170 )

النفس التي حرم الله إلا بالحق : كالقود ، وقتل المرتد ، ورجم المحصن . ذلكم : إشارة إلى ما ذكر مفصلا . وصاكم به : بحفظه . لعلكم تعقلون .
(152) ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن : إلا بالخصلة التي هي أحسن مما يفعل بماله كحفظه وتثميره . حتى يبلغ أشده : قوته ، وهو بلوغ الحلم ، وكمال العقل .
في الفقيه ، والتهذيب : عن الصادق إنقطاع يتم اليتيم : الاحتلام ، وهو أشده ، وإن احتلم ولم يؤنس منه رشده وكان سفيها أو ضعيفا فليمسك عنه وليه ماله .
وفيهما ، وفي الكافي : عنه عليه السلام إذا بلغ أشده ثلاث عشرة سنة ودخل في الأربع عشرة وجب عليه ما وجب على المحتلمين احتلم أو لم يحتلم ، وكتبت عليه السيئات ، وكتبت له الحسنات ، وجاز له كل شيء إلا أن يكون ضعيفا أو سفيها . وأوفوا الكيل والميزان بالقسط : بالعدل والتسوية . لا نكلف نفسا إلا وسعها : إلا ما يسعها ولا يعسر عليها في اتباع إيفاء الكيل والميزان بذلك تنبيه على تعسيره وإن ما وراء الوسع فيه معفو . وإذا قلتم : في حكومة ونحوها . فاعدلوا : فيه . ولو كان ذا قربى : ولو كان المقول له أو عليه من ذوي قرابتكم . وبعهد الله أوفوا : يعني ما عهد إليكم من ملازمة العدل وتأدية أحكام الشرع . ذلكم وصاكم به لعلكم تذكرون : تتعظون به ، وقرء بتخفيف الذال .
والعياشي : عن الباقر عليه السلام إنه كان متكئا على فراشه إذ قرء الآيات المحكمات التي لم ينسخهن شيء من الأنعام فقال : شيعهن سبعون ألف ملك قل تعالوا أتل ما حرم عليكم ربكم ألا تشركوا به شيئا الآيات .
وفي المجمع : عن ابن عباس هذه الآيات محكمات لم ينسخهن شيء من جميع الكتب وهي محرمات على بني آدم كلهم ، وهن أم الكتاب من عمل بهن دخل الجنة ، ومن تركهن دخل النار ، وقال كعب الأحبار : والذي نفس كعب بيده إن هذا لأول شيء في التورية
بسم الله الرحمن الرحيم ( قل تعالوا أتل ما حرم عليكم ربكم ) الآيات .
(153) وأن : ولأن تعليل للأمر باتباعه . هذا صراطي مستقيما : قيل : الأشارة فيه إلى ما ذكر في السورة فإنها بأسرها في إثبات التوحيد والنبوة ، وبيان الشريعة ، وقرء ( إن )


( 171 )

بالكسر على الأستيناف وبالفتح والتخفيف ، وصراطي : بفتح الياء وبالسين . فاتبعوه ولا تتبعوا السبل : الأديان المختلفة المتشعبة على الأهوية المتباينة . فتفرق بكم : فتفرقكم وتزيلكم . عن سبيله : الذي هو اتباع الوحي واقتفاء البرهان . ذلكم : الأتباع . وصاكم به لعلكم تتقون : الضلال ، والتفرق عن الحق .
في روضة الواعظين : عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في هذه الآية ، سألت الله أن يجعلها لعلي عليه السلام ففعل .
وفي الأحتجاج : عنه عليه السلام في خطبة الغدير معاشر الناس : إن الله قد أمرني ونهاني ، وقد أمرت عليا ونهيته فعلم الأمر والنهي من ربه ، فاسمعوا لأمره تسلموا ، وأطيعوه تهتدوا ، وانتهوا نهيه ترشدوا ، وصيروا إلى مراده ، ولا تتفرق بكم السبل عن سبيله . معاشر الناس : أنا الصراط المستقيم الذي أمركم باتباعه ، ثم علي من بعدي ، ثم ولدي من صلبه : ( أئمة يهدون بالحق وبه يعدلون ) .
والعياشي : عن الباقر عليه السلام إنه قال لبريد العجلي : تدري ما يعني ب‍ ( صراطي مستقيما ) ؟ قال : قلت لا ، قال : ولاية علي والأوصياء عليهم السلام ، قال : وتدري ما يعني ( فاتبعوه ) ؟ قال : قلت : لا ، قال : يعني علي بن أبي طالب ، قال : وتدري ما يعني ( ولا تتبعوا السبل ) ؟ قال : قلت : لا ، قال : ولاية فلان وفلان والله ، قال : وتدري ما يعني : ( فتفرق بكم عن سبيله ) قال : قلت : لا ، قال : يعني سبيل علي عليه السلام .
(154) ثم آتينا موسى الكتاب : عطف على وصاكم ، و ( ثمّ ) للتراخي في الأخبار أو للتفاوت في الرتبة كأنه قيل : ( ذلكم وصاكم به ) قديما وحديثا ، ثم أعظم من ذلك إنا آتينا موسى الكتاب . تماما : للكرامة والنعمة . على الذي أحسن : على من أحسن القيام به . وتفصيلا لكل شيء : وبيانا مفصلا لكل ما يحتاج إليه في الدين . وهدى ورحمة لعلهم : لعل بني إسرائيل . بلقاء ربهم يؤمنون : بلقائه للجزاء .
(155) وهذا كتاب : يعني القرآن . أنزلنه مبارك : كثير النفع . فاتبعوه واتقوا لعلكم ترحمون : باتباعه والعمل بما فيه .


( 172 )

(156) أن تقولوا : أنزلناه كراهة أن تقولوا . إنما أنزل الكتاب على طائفتين من قبلنا : اليهود والنصارى . وإن كنا وانه كنا عن دراستهم : قرائتهم . لغافلين : لا ندري ما هي .
(157) أو تقولوا لو أنا أنزل علينا الكتاب لكنا أهدى منهم : لحدة أذهاننا وثقابة أفهامنا ، ولذلك تلقفنا فنونا من العلم كالقصص والأشعار والخطب على إنا أميون . فقد جائكم بينة من ربكم حجة واضحة تعرفونها . وهدى ورحمة : لمن تأمل فيه وعمل به . فمن أظلم ممن كذب بآيات الله : بعد أن عرف صحتها أو تمكن من معرفتها وصدف أعرض وصد (1) .
القمي أي دفع عنها : فضل واضل سنجزي الذين يصدفون عن آياتنا سوء العذاب : شدته بما كانوا يصدفون : بإعراضهم وصدهم .
(158) هل ينظرون إنكار يعني ما ينتظرون إلا أن تأتيهم الملائكة ملائكة الموت أو العذاب ، أو يأتي ربك أي أمره بالعذاب أو يأتي بعض آيات ربك .
في الأحتجاج : عن أمير المؤمنين عليه السلام في معنى هذه الآية إنما خاطب نبينا هل ينتظر المنافقون والمشركون ( إلا أن تأتيهم الملائكة ) فيعاينوهم ( أو يأتي ربك أو يأتي بعض آيات ربك ) : يعني بذلك أمر ربك والآيات هي العذاب في دار الدنيا كما عذب الأمم السالفة والقرون (2)الخالية .
وفيه وفي التوحيد عنه عليه السلام يخبر محمدا صلى الله عليه وآله وسلم عن المشركين والمنافقين الذين لم يستجيبوا لله ولرسوله فقال ( هل ينظرون إلا أن تأتيهم الملائكة ) حيث لم يستجيبوا لله ولرسوله ( أو يأتي ربك أو يأتي بعض آيات ربك ) يعني بذلك العذاب يأتيهم في دار الدنيا كما عذب القرون الأولى . يوم يأتي بعض آيات ربك لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن امنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا كأن المعنى
____________
(1) صد عنه صدودا أعرض وفلانا عن كذا صدا منعه وصرفه .
(2) قوله تعالى وقد خلت القرون أي مضت .

( 173 )

إنه لا ينفع الأيمان حينئذ نفسا غير مقدمة إيمانها أو مقدمة ايمانها غير كاسبة في إيمانها خيرا .
في التوحيد : في الحديث السابق ( من قبل ) : يعني من قبل أن تجيء هذه الآية ، وهذه الآية طلوع الشمس من مغربها ، ومثله في الأحتجاج : عنه عليه السلام .
والقمي : عن الباقر عليه السلام نزلت أو اكتسبت في إيمانها خيرا قال : إذا طلعت الشمس من مغربها من آمن في ذلك اليوم لم ينفعه إيمانه أبدا .
وفي الخصال : عنه عليه السلام فإذا طلعت الشمس من مغربها آمن الناس كلهم في ذلك اليوم ، فيومئذ لا ينفع نفسا إيمانها .
ومثله في الكافي ، والعياشي : عنهما عليهما السلام في قوله ( يوم يأتي بعض آيات ربك ) قال : طلوع الشمس من المغرب ، وخروج الدجال ، والدخان ، والرجل يكون مصرا ولم يعمل عمل الأيمان ، ثم تجيء الآيات فلا ينفعه إيمانه .
وعن أحدهما عليهما السلام في قوله : ( أو كسبت في إيمانها خيرا ) قال : المؤمن العاصي حالت بينه وبين إيمانه كثرة ذنوبه وقلة حسناته فلم يكسب في إيمانه خيرا .
وفي الكافي : عن الصادق عليه السلام ( من قبل ) يعني في الميثاق ( أو كسبت في إيمانها ) خيرا قال : الأقرار بالأنبياء والأوصياء وأمير المؤمنين عليهم السلام خاصة قال : لا ينفع إيمانها لأنها سلبت .
وفي الأكمال : عنه عليه السلام في هذه الآية يعني : خروج القائم المنتظر .
وعنه عليه السلام : قال : ( الآيات ) : هم الأئمة عليهم السلام ، والآية المنتظرة القائم عليه السلام فيومئذ لا ينفع نفسا إيمانها .
وعن أمير المؤمنين عليه السلام في حديث يذكر فيه خروج الدجال وقاتله ، يقول : في آخره إلاّ إن بعد ذلك الطامة الكبرى ، قيل : وما ذلك يا أمير المؤمنين ؟ قال خروج دابة الأرض من عند الصفا معها خاتم سليمان وعصا موسى عليه السلام تضع الخاتم


( 174 )

على وجه كل مؤمن فينطبع فيه هذا مؤمن حقا ، وتضعه على وجه كل كافر فينكت هذا كافر حقا ، حتى أن المؤمن لينادي الويل لك يا كافر ، وأن الكافر لينادي طوبى لك يا مؤمن وددت أني كنت مثلك فأفوز فوزا عظيما ، ثم ترفع الدابة رأسها فيراها من بين الخافقين (1) بإذن الله جل جلاله وذلك بعد طلوع الشمس من مغربها فعند ذلك ترفع التوبة فلا تقبل توبة ولا عمل يرفع ( ولا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا ) ثم فسر صعصعة راوي هذا الحديث طلوع الشمس من مغربها بخروج القائم عليه السلام قل انتظروا (2) إنا منتظرون : وعيد لهم وتهديد ، أي انتظروا إتيان أحد الثلاثة إنا منتظرون له ، وحينئذ لنا الفوز ولكم الويل .
(159) إن الذين فرقوا دينهم : بددوه (3) فآمنوا ببعض وكفروا ببعض وافترقوا فيه ، وقريء فارقوا أي باينوا ، ونسبها في المجمع : إلى أمير المؤمنين عليه السلام .
والعياشي : عن الصادق عليه السلام قال : كان علي عليه السلام يقرؤها فارقوا دينهم ، قال : فارق والله القوم . وكانوا شيعا : فرقا يشيع كل فرقة إماما .
في المجمع : عن الباقر عليه السلام إنهم أهل الضلال وأصحاب الشبهات والبدع من هذه الامة .
والقمي : قال : فارقوا أمير المؤمنين عليه السلام وصاروا أحزابا .
وعن الصادق عليه السلام في هذه الآية : فارق القوم والله دينهم .
وفي الحديث النبوي : ستفرق امتي على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة وهي التي تتبع وصيي عليا لست منهم في شيء : قيل : أي من السؤال عنهم وعن
____________
(1) الخافقان جانبا الجو من المشرق الى المغرب والخافقان السماء والارض .
(2) قوله تعالى قل انتظروا أي اتيان الملائكة ووقوع هذه الآيات انا منتظرون بكم وقوعها في هذه الآية حث على المسارعة الى الايمان والطاعة قبل الحال التي لا يقبل فيها التوبة وفيها أيضا حجة على من يقول إن الايمان اسم لاداء الواجبات أو للطاعات فإنه سبحانه قد صرح فيها بان اكتساب الخبرات غير الايمان المجرد لعطفه سبحانه كسب الخيرات وهي الطاعات في الايمان على الايمان فكأنه قال لا ينفع نفسا لم تؤمن قبل ذلك اليوم وكذا لا ينفع نفسا لم تكن كاسبة خيرا في ايمانها قبل ذلك كسبها الخيرات ذلك اليوم .
(3) بددت الشيء بدا من باب قتل فرقته واستعمل مبالغة وتكثيرا وبدد الله عظامه يوم القيامة فرقها .

( 175 )

تفرقهم وقيل معناه إنك على المباعدة التامة من الأجتماع معهم في شيء من مذاهبهم الفاسدة إنما أمرهم والحكم بينهم في اختلافهم إلى الله ثم ينبئهم بما كانوا يفعلون بالمجازاة .
(160) من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها أي عشر حسنات أمثالها فضلا من الله تعالى .
في المجمع : عن الصادق عليه السلام لما نزلت هذه الاية ( من جاء بالحسنة فله خير منها ) قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : رب زدني فأنزل الله سبحانه : ( من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها ) الحديث .
القمي : فهذه ناسخة لقوله : ( من جاء بالحسنة فله خير منها ) .
أقول : هذا أقل ما وعد من الأضعاف ، وقد جاء الوعد بسبعين ، وسبع مائة ، وبغير حساب .
وفي الكافي عن الباقر عليه السلام أنه سئل هل للمؤمن فضل على المسلم في شيء من الفضائل والأحكام والحدود وغير ذلك فقال لا ، هما يجريان في ذلك مجرى واحد ، ولكن للمؤمن فضل على المسلم في أعمالهما وما يتقربان به إلى الله عز وجل ، قيل أليس الله عز وجل يقول : ( من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها ) ؟ وزعمت أنهم مجتمعون على الصلاة والزكاة والصوم والحج مع المؤمن ، قال : أليس قد قال الله : ( يضاعفه له أضعافا كثيرة ) فالمؤمنون هم الذين يضاعف الله لهم حسناتهم لكل حسنة سبعين ضعفا فهذا فضل المؤمن ، ويزيده الله في حسناته على قدر صحة إيمانه أضعافا كثيرة ، ويفعل الله بالمؤمنين ما يشاء من الخير .
والقمي : عنه عليه السلام في هذه الاية هي للمسلمين عامة ، قال : فإن لم يكن ولاية دفع عنه بما عمل من حسنة في الدنيا ( وما له في الآخرة من خلاق ) . ومن جاء بالسيئة فلا يجزى إلا مثلها : عدلا من الله سبحانه . وهم لا يظلمون : بنقص الثواب وزيادة العقاب .


( 176 )

القمي : عن الصادق عليه السلام لما أعطى الله سبحانه إبليس ما أعطاه من القوة قال آدم : يا رب سلطته على ولدي وأجريته فيهم مجرى الدم في العروق وأعطيته ما أعطيته فما لي ولولدي ؟ فقال : لك ولولدك السيئة بواحدة ، والحسنة بعشر أمثالها ، قال : رب زدني ، قال : التوبة مبسوطة إلى أن تبلغ النفس الحلقوم ، فقال : يا رب زدني ، قال : أغفر ولا أبالي ، قال : حسبي .
أقول : لعل السر في كون الحسنة بعشر أمثالها والسيئة بمثلها إن الجوهر الأنساني المؤمن بطبعه مائل إلى العالم العلوي لأنه مقتبس عنه ، وهبوطه إلى القالب الجسماني غريب من طبيعته ، والحسنة إنما ترتقي إلى ما يوافق طبيعة ذلك الجوهر لأنها من جنسه ، والقوة التي تحرك الحجر إلى ما فوق ذراعا واحدا هي بعينها إن استعملت في تحريكه إلى أسفل حركته عشرة أذرع وزيادة ، فلذلك كانت الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمأة ضعف ، ومنها ما يوفى أجرها بغير حساب ، والحسنة التي لا يدفع تأثيرها سمعة أو رياء أو عجب كالحجر الذي يدور من شاهق لا يصادفه دافع لأنه لا يتقدر مقدار هويته بحساب حتى تبلغ الغاية .
(161) قل إنني هديني ربي إلى صراط مستقيم : بالوحي والأرشاد . دينا : هداني دينا . قيما : فيعل من قام كالسيد والهين ، وقريء قيما بكسر القاف خفيفة الياء على المصدر ملة إبراهيم حنيفا : هداني وعرفني ملة إبراهيم في حال حنيفيته (1) وما كان من المشركين : العياشي ، عن الباقر عليه السلام ما أبقت الحنيفية شيئا حتى أن منها قص الأظفار ، والأخذ من الشارب ، والختان .
وعنه عليه السلام : ما من أحد من هذه الامة يدين بدين إبراهيم غيرنا ، وغير شيعتنا . وعن السجاد عليه السلام : ما أحد على ملة إبراهيم عليه السلام إلا نحن وشيعتنا ، وسائر الناس منها براء .
____________
(1) الحنيف : المسلم المايل الى الدين المستقيم والجمع حنفاء والحنيف المسلم لانه لا تحنف أي تحرى الدين المستقيم والحنف محركة الاستقامة .
( 177 )

(162) قل إن صلواتي ونسكي : عبادتي وقرباني . ومحياى ومماتي : وما أنا عليه في حيوتي ، وأموت عليه من الأيمان والطاعة . لله رب العالمين : خالصة له .
(163) لا شريك له : لا أشرك فيها غيره . وبذلك : أي الأخلاص لله . أمرت وأنا أول المسلمين : قيل : لأن إسلام كل نبي متقدم على إسلام أمته .
أقول : بل لأنه أول من أجاب في الميثاق في عالم الذر كما ورد عنهم عليهم السلام فإسلامه متقدم على إسلام الخلايق كلهم .
العياشي : عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في حديث قد ذكر فيه إبراهيم عليه السلام فقال : دينه ديني ، وديني دينه ، وسنته سنتي ، وسنتي سنته ، وفضلي فضله ، وأنا أفضل منه .
(164) قل أغير الله أبغي ربا فاشركه في عبادتي ، وهو جواب عن دعائهم إلى عبادة آلهتهم . وهو رب كل شيء : والحال إن كل ما سواه مربوب مثلي لا يصلح للربوبية . ولا تكسب كل نفس : جزاء عمل من طاعة أو معصية . إلا عليها : فعليها عقاب معصيتها ، ولها ثواب طاعتها . ولا تزر وازرة وزر أخرى : لا تحمل نفس إثم نفس أخرى ، جواب عن قولهم اتبعوا سبلنا ولنحمل خطاياكم .
في العيون : عن الرضا عليه السلام إنه سئل ما تقول في حديث يروى عن الصادق عليه السلام أنه إذا خرج القائم عليه السلام قتل ذراري قتلة الحسين عليه السلام بفعال آبائهم فقال عليه السلام : هو كذلك . فقيل : قول الله تعالى : ( ولا تزر وازرة وزر اخرى ) ما معناه قال : صدق الله في جميع أقواله ، ولكن ذراري قتلة الحسين عليه السلام يرضون بفعال آبائهم ويفتخرون بها ، ومن رضي شيئا كان كمن أتاه ، ولو أن رجلا قتل بالمشرق فرضي بقتله رجل في المغرب لكان الراضي عند الله شريك القاتل وإنما يقتلهم القائم عليه السلام إذا خرج لرضاهم بفعل آبائهم .
وفيه : فيما كتبه عليه السلام للمأمون من محض الأسلام وشرائع الدين ولا يأخذ


( 178 )

الله البريء بالسقيم ، ولا يعذب الله الأطفال بذنوب الآباء : ( ولا تزر وازرة وزر اخرى ) . ثم إلى ربكم مرجعكم : يوم القيامة . فينبئكم بما كنتم فيه تختلفون : بتبيين الرشد من الغي ، وتميز المحق عن المبطل .
(165) وهو الذي جعلكم خلائف الارض : قيل : أي يخلف بعضكم بعضا ، كلما مضى قرن خلفهم قرن يجزي ذلك على انتظام وإتساق إلى يوم القيامة أو خلفاء الله في أرضه يتصرفون فيها . ورفع بعضكم فوق بعض درجات : في الشرف ، والغنى ، والعقل ، وغير ذلك . ليبلوكم : ليختبركم . فيما آتيكم : من الجاه والمال كيف تشكرون نعمه . إن ربك سريع العقاب : لمن كفر نعمه . وإنه لغفور رحيم : لمن قام بشكرها .
في الكافي ، وثواب الأعمال : عن الصادق عليه السلام إن سورة الأنعام نزلت جملة واحدة شيعها سبعون ألف ملك حتى نزلت على محمد صلى الله عليه وآله وسلم فعظموها وبجلوها فإن اسم الله فيها في سبعين موضعا ولو يعلم الناس ما في قراءتها ما تركوها .
والقمي : عن الرضا عليه السلام نزلت الأنعام جملة واحدة ، وشيعها سبعون ألف ملك لهم زجل (1) بالتسبيح ، والتهليل ، والتكبير ، فمن قرأها سبحوا له إلى يوم القيامة .
____________
(1) الزجل بالتحريك الصوت يقال سحاب زجل أي ذو رعد ومنه لهم زجل بالتسبيح .
( 179 )

سورة الأعراف

مكية عدد آيها مأتان وست آيات


بسم الله الرحمن الرحيم


(1) المص : قد مضى الكلام في تأويله في أول سورة البقرة .
وفي المعاني : عن الصادق عليه السلام في حديث و ( المص ) معناه أنا الله المقتدر الصادق .
وفيه ، والعياشي : عنه عليه السلام أنه أتاه رجل من بني أمية وكان زنديقا ، فقال له : قول الله عز وجل في كتابه : ( المص ) أي شيء أراد بهذا ؟ وأي شيء فيه من الحلال والحرام ؟ وأي شيء فيه مما ينتفع به الناس ؟ قال : فاغتاظ من ذلك فقال : أمسك ويحك ، الألف : واحد ، واللام : ثلاثون ، والميم : أربعون ، والصاد : تسعون ، كم معك ؟ فقال الرجل : مأة وواحد وستون ، فقال : إذا انقضت سنة إحدى وستين ومأة ينقضي ملك أصحابك ، قال : فنظر فلما إنقضت إحدى وستين ومأة يوم عاشوراء دخل المسودة (1) الكوفة وذهب ملكهم .
(2) كتاب : هو كتاب . أنزل إليك فلا يكن في صدرك حرج منه : ضيق من تبليغه . قيل : كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يخاف تكذيب قومه وإعراضهم عن قبول قوله ، وأذاهم له . فكان يضيق صدره في الأداء ولا ينبسط له فأمنه الله بهذه الآية وأمره بترك مبالاته . لتنذر به : أي انزل إليك لأنذارك به . وذكرى : وتذكيرا . للمؤمنين .
(3) اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم : من القرآن والوحي . ولا تتبعوا من دونه
____________
(1) المسودة بكسر الواو أي لابسي السواد ومنه الحديث فدخلت علينا المسودة يعني اصحاب الدعوة العباسية لانهم كانوا يلبسون ثيابا سوداء وعيسى بن موسى أول من لبس لباس العباسيين من العلويين استحوذ عليهم الشياطين وأغمرهم لباس الجاهلية .
( 180 )

أولياء : شياطين الأنس والجن . فيحملوكم على الأهواء والبدع ، ويضلوكم عن دين الله وعما أمرتم باتباعه . قليلا ما تذكرون : تذكرا قليلا تتذكرون ، وقرء خفيفة الذال ويتذكرون ، وبالغيبة خطابا مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم .
(4) وكم من قرية : وكثيرا من القرى . أهلكناها فجاءها : فجاء أهلها . بأسنا : عذابنا . بياتا : بايتين كقوم لوط . أو هم قائلون (1) : أو هم قائلين نصف النهار كقوم شعيب يعني أخذهم في غفلة منهم وأمن وفي وقتي دعة واستراحة .
(5) فما كان دعواهم : ما كانوا يدعونه من دينهم ، أو دعائهم ، واستغاثتهم . إذ جائهم بأسنآ إلا أن قالوا إنا كنا ظالمين : إلا اعترافهم ببطلانه ، وبظلمهم فيما كانوا عليه ، وتحسرهم على ما كان منهم .
(6) فلنسئلن الذين أرسل إليهم : يعني الامم عن قبول الرسالة ، وإجابتهم الرسل . ولنسئلن المرسلين : يعني الأنبياء عن تأدية ما حملوا من الرسالة .
في الأحتجاج : عن أمير المؤمنين عليه السلام في حديث فيقام الرسل فيسألون عن تأدية الرسالات التي حملوها إلى أممهم فيخبرون أنهم قد أدوا ذلك إلى أممهم ، وتسأل الامم فيجحدون كما قال الله : ( فلنسئلن الذين أرسل إليهم ولنسئلن المرسلين ) .
الحديث ، وقد مضى تمامه في سورة النساء عند تفسير فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد .
(7) فلنقصن عليهم : على الرسل والمرسل إليهم ما كان منهم . بعلم عالمين بأحوالهم الظاهرة والباطنة . وما كنا غائبين : عنهم وعن أفعالهم وأحوالهم والغرض من السؤال : التوبيخ ، والتقرير عليهم ، وازدياد سرور المثابين بالثناء عليهم ، وغم المعاقبين باظهار قبايحهم .
(8) والوزن يومئذ الحق أي وزن الأعمال ، والتميز بين خفيفها وراجحها .
____________
(1) قوله تعالى وأحسن مقيلا هو من القائلة وهو استكنان في وقت نصف النهار وفي التفسير إنه لا ينتصف النهار يوم القيامة حتى يستقر أهل الجنة في الجنة وأهل النار بالنار .