(191) أيشركون ما لا يخلق شيئا وهم يُخْلَقُون : يعني الأصنام .
(192) ولا يستطيعون لهم : لعبدتهم . نصرا ولا أنفسهم ينصرون : فيدفعون عنها ما يعتريها .
(193) وإن تدعوهم إلى الهدى لا يتبعوكم يحتمل معنين أحدهما أن يكون الخطاب للمسلمين ، و ( هم ) ضمير المشركين ، يعني أن تدعو المشركين إلى الأسلام لا يجيبوكم . والثاني : أن يكون الخطاب للمشركين و ( هم ) ضمير الأصنام ، يعني إن تدعو الأصنام إلى أن يهدوكم لا يتبعوكم إلى مرادكم ، ولا يجيبوكم كما يجيبكم الله ، وقرء يتبعوكم بالتخفيف . سواء عليكم أدعوتموهم أم أنتم صامتون .
(194) إن الذين تدعون من دون الله : أي تعبدونهم وتسمونهم آلهة من دونه سبحانه . عباد أمثالكم : مملوكون مسخرون . فادعوهم فليستجيبوا لكم : في مهماتكم . إن كنتم صادقين : إنهم آلهة .
(195) ألَهُمْ أرجل يمشون بها أم لهم أيد يبطشون بها أم لهم أعين يبصرون بها أم لهم آذان يسمعون بها قل ادعوا شركاءكم : واستعينوا بهم في عداوتي . ثم كيدون : فبالغوا فيما تقدرون عليه من مكر وهي أنتم وشركاؤكم . فلا تنظرون : فلا تمهلوني فإني لا ابالي بكم لوثوقي على ولاية الله وحفظه .
(196) إن ولييّ : ناصري وحافظي . الله الذى نزل الكتاب : القرآن . وهو يتولى الصالحين : ينصرهم ويحفظهم .
(197) والذين تدعون من دونه لا يستطيعون نصركم ولا أنفسهم ينصرون .
(198) وإن تدعوهم إلى الهدى لا يسمعوا وتراهم ينظرون إليك وهم لا يبصرون : يشبهون الناظرين إليك لأنهم صوروا بصورة من ينظر إلى من يواجهه .
(199) خذ العفو : أي خذ ما عفا لك من أفعال الناس وأخلاقهم وما تأتي منهم
( 261 )

من غير كلفة وتسهل ولا تطلب ما يشق عليهم ، ولا تداقهم ، واقبل الميسور منهم ، ونحوه قوله : ( يسروا ولا تعسروا ) من العفو الذي هو ضد الجهد .
العياشي : عن الصادق عليه السلام أن الله أدب رسوله صلى الله عليه وآله وسلم بذلك أي خذ منهم ما ظهر وما تيسر قال : والعفو : الوسط .
وفي الفقيه : عن أمير المؤمنين عليه السلام إنه قال لرجل من ثقيف : إياك أن تضرب مسلما أو يهوديا أو نصرانيا في درهم خراج أو تبيع دابة عمل في درهم ، فإنا امرنا أن نأخذ منه العفو . وأمر بالعرف : بالمعروف الجميل من الأفعال ، والحميد من الأخلاق . وأعرض عن الجاهلين : ولا تمار (1) السفهاء ، ولا تكافأهم بمثل سفههم .
في المجمع : روي أنه لما نزلت هذه الآية سأل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم جبرئيل عن ذلك فقال : لا أدري حتى أسأل العالم ، ثم أتاه فقال : يا محمد إن الله يأمرك أن تعفوا عمن ظلمك ، وتعطي من حرمك ، وتصل من قطعك .
وفي الجوامع : عن الصادق عليه السلام أمر الله نبيه بمكارم الأخلاق ، وليس في القرآن آية أجمع لمكارم الأخلاق منها .
وفي العيون : عن الرضا عليه السلام أن الله أمر نبيه بمداراة الناس ، فقال : ( خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين ) .
(200) وإما ينزغنك من الشيطان نزغ : ينخسنك (2) منه نخس في القلب يوسوسك على خلاف ما أمرت به كإعتراء غضب ، والنزغ ، والنسغ ، والنخس : والغرز بمعنى ، شبه وسوسة الناس إغراء لهم على المعاصي ، وإزعاجا بغرز السائق ما يسوقه .
في المجمع : لما نزلت الآية السابقة قال النبي صلى الله عليه وآله : كيف يا رب والغضب ، فنزلت فاستعذ بالله إنه سميع : يسمع استعاذتك . عليم : بما فيه صلاح أمرك .
____________
(1) المماراة المجادلة .
(2) نخس الدابة كنصر وجعل غرز مؤخرها أو جنبها بعود ونحوه أصل النخس الدفع والحركة .

( 262 )

(201) إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان : لمة (1) منه كأنها طافت بهم ودارت حولهم ولم تقدر أن تؤثر فيهم ، وقرء طيف بغير ألف . تذكروا : ما أمر الله به ونهى عنه . فإذا هم مبصرون : مواقع الخطأ ومكايد الشيطان فيحترزون عنها .
في الكافي ، والعياشي : عن الصادق عليه السلام هو العبد يهم بالذنب ، ثم يتذكر فيمسك . وفي رواية : فيدعه ، وفي اخرى فيبصر ويقصر .
والقمي : قال : إذا ذكرهم الشيطان المعاصي وحملهم عليها يذكرون اسم الله فإذا هم مبصرون .
(202) وإخوانهم وإخوان الشياطين ، يعني الذين لم يتقوا . يمدونهم : الشياطين ، وقرء بضم الياء وكسر الميم . في الغي : بالتزيين والحمل عليه . ثم لا يقصرون : لا يمسكون عن إغوائهم حتى يصروا ولا يرجعوا فيهلكوا أو لا يقصر الأخوان عن الغي .
(203) وإذا لم تأتهم بآية : من القرآن ، أو بآية مما اقترحوه . قالوا لولا اجتبيتها : هلاّ جمعتها ، تقولا من عند نفسك كسائر ما تقرء ، أو هلاّ طلبتها من الله . قل إنما أتبع ما يوحى إلى من ربي : لست بمختلق للآيات أو لست بمقترح لها . هذا : القرآن . بصائر : للقلوب بها تبصر الحق . من ربكم وهدى ورحمة لقوم يؤمنون .
(204) وإذا قريء القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون : قيل : نزلت في الصلاة كانوا يتكلمون فيها فأمروا باستماع قراءة الأمام والأنصات له .
في الفقيه : عن الباقر عليه السلام إن كنت خلف إمام فلا تقرأن شيئا في الأوليين وأنصت لقراءته ، ولا تقرأن شيئا في الأخيرتين فإن الله يقول للمؤمنين : ( وإذا قريء القرآن ) يعني في الفريضة خلف الأمام ( فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون ) والأخيرتان تبع للأوّليتين .
____________
(1) وفي حديث ابن مسعود لابن آدم لمتان لمة من الملك ولمة من الشيطان واللمة الهمة والخطرة تقع في القلب اراد المام الملك أو الشيطان به والقرب منه فما كان من خطرات الخير فهو من الملك وما كان من خطرات الشر فهو من الشيطان .
( 263 )

وفي التهذيب : عن الصادق عليه السلام إذا كنت خلف إمام تولاّه وتثق به فإنه يجزيك قراءته وإن أحببت أن تقرأ فاقرأ فيما يخافت به فإذا جهر فأنصت قال الله تعالى : ( وأنصتوا لعلكم ترحمون ) والعياشي : عن أحدهما عليهما السلام قال : إذا كنت خلف إمام تأتم به فأنصت وسبح في نفسك .
وعن الصادق عليه السلام : يجب الأنصات للقرآن في الصلاة وفي غيرها ، وإذا قرء عندك القرآن وجب عليك الأنصات والأستماع .
وفي التهذيب : عنه عليه السلام إنه سئل عن الرجل يؤم القوم وأنت لا ترضى به في صلاة يجهر فيها بالقراءة فقال : إذا سمعت كتاب الله يتلى فأنصت له ، قيل : فإنه يشهد عليّ بالشرك ، قال : إن عصى الله فأطع الله فرددت عليه فأبى أن يرخص لي ، قيل : أصلّي إذن في بيتي ثم أخرج إليه ، فقال : أنت وذاك ، وقال : إن عليا عليه السلام كان في صلاة الصبح فقرأ ابن الكوا وهو خلفه ( ولقد أوحى إليك وإلى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين ) ، فأنصت علي تعظيما للقرآن حتى فرغ من الآية ، ثم عاد في قراءته ثم أعاد ابن الكوا الآية فأنصت علي أيضا ، ثم قرء فأعاد ابن الكواء فأنصت علي عليه السلام ، ثم قال : ( فاصبر إن وعد الله حق ولا يستخفنك الذين لا يوقنون ) ثم أتم السورة ثم ركع .
أقول : هذان الحديثان وما في معناهما مما يوافق ظاهر القرآن في عموم وجوب الأستماع ، والأنصات محمول عند أصحابنا ، وعامة الفقهاء : على الأستحباب وتأكده ، بل قد ورد الأمر بالقراءة خلف المخالف وإن سمعت قراءته إذا لم تكن هناك تقية .
(205) واذكر ربك في نفسك : عام في كل ذكر . تضرعا وخيفة : متضرعا وخائفا . ودون الجهر من القول : باللسان لأن الذكر في النفس ، ودون الجهر الذين يعبر عنهما بالسر أدخل في الأخلاص ، وأبعد من الرياء ، وأقرب إلى القبول . بالغدو والآصال : بالغدوة والعشيات لفضل هذين الوقتين . ولا تكن من الغافلين : عن ذكر الله اللاّهين عنه .


( 264 )

في الكافي ، والعياشي : عن أحدهما عليهما السلام لا يكتب الملك إلا ما يسمع ، وقال الله عز وجل : ( واذكر ربك في نفسك تضرعا وخيفة ) فلا يعلم ثواب ذلك الذكر في نفس الرجل غير الله لعظمته . والعياشي : مرفوعا عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ( واذكر ربك في نفسك ) يعني مستكينا ، ( وخيفة ) يعني خوفا من عذابه ، ( ودون الجهر من القول ) يعني دون الجهر من القراءة ، ( بالغدو والآصال ) يعني بالغداة والعشي .
وفي الكافي : عن الصادق عليه السلام قال الله : من ذكرني سرا ذكرته علانية (1) .
وعن أمير المؤمنين عليه السلام : من ذكر الله في السر فقد ذكر الله كثيرا ، إن المنافقين كانوا يذكرون الله علانية ولا يذكرونه في السر ، فقال الله تعالى : ( يراؤن الناس ولا يذكرون الله إلا قليلا ) .
وفيه ، والعياشي : عنه عليه السلام في هذه الآية قال : تقول عند المساء لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد يحيي ويميت ويميت ويحيي وهو حي لا يموت وهو على كل شيء قدير ، قيل : بيده الخير قال إن بيده الخير ولكن : قل كما أقول لك عشر مرات : ( وأعوذ بالله السميع العليم ) حين تطلع الشمس وحين تغرب عشر مرات .
(206) إن الذين عند ربك قيل : يعني الملائكة . والقمي : يعني الأنبياء والرسل والأئمة عليهم السلام . لا يستكبرون عن عبادته ويسبحونه : وينزهونه . وله يسجدون : ويخصونه بالعبادة والتذلل ، ولا يشركون به غيره . هنا أول سجدات القرآن .
وفي الحديث إذا قرء ابن آدم السجدة فسجد اعتزل الشيطان يبكي فيقول : يا ويله أمر هذا بالسجود فسجد فله الجنة ، وأمرت بالسجود فعصيت فعليّ النار .
في ثواب الأعمال : عن الصادق عليه السلام من قرأ سورة الأعراف في كل شهر
____________
(1) قال في الوافي بيان ذكر الله سرا يشمل الذكر في النفس الذي في مقابلة الغفلة والذكر على اللسان بالاخفات الذي يقابل الجهر كذا ذكر الله لعبده علانية يشمل ذكره بالخير يوم القيامة على رؤوس الاشهاد وذكره بالجميل في الدنيا على السن العباد .
( 265 )

كان يوم القيامة من الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون ، فإن قرأها في كل جمعة كان ممن لا يحاسب يوم القيامة ، والله تبارك وتعالى أعلم بكل شيء .


( 266 )

سورة الأنفال
هي مدنية عن ابن عباس وقتادة غير سبع آيات نزلت بمكة ( وإذ يمكر بك الذين
إلى آخرهن
) ، وقيل : نزلت بأسرها في غزاة بدر ،
عدد آيها خمس وسبعون آية .

بسم الله الرحمن الرحيم


(1) يسئلونك عن الانفال : عن حكمها ، وهي غنائم خاصة ، والنفل : الزيادة على الشيء ، سميت به الغنيمة لأنها عطية من الله وفضل .
في المجمع : قرأ السجاد ، والباقر ، والصادق عليهم السلام : ( يسألونك الأنفال ) ، يعني أن تعطيهم . قل الانفال لله والرسول : مختصة بهما يضعانها حيث شاءا .
في التهذيب : عن الباقر والصادق عليهما السلام الفيء والأنفال : ما كان من أرض لم تكن فيها هراقة دم ، أو قوم (1) صولحوا وأعطوا بأيديهم ، وما كان من أرض خربة أو بطون أودية فهو كله من الفئ والأنفال ، فهذا كله لله ولرسوله ، فما كان لله فهو لرسوله يضعه حيث شاء وهو للأمام بعد الرسول .
وفي الكافي : عن الصادق عليه السلام الأنفال ما لم يوجف عليه بخيل ولا ركاب ، أو قوم صولحوا ، أو قوم أعطوا بأيديهم ، وكل أرض خربة ، وبطون الأودية فهو لرسول الله وهو للأمام من بعده يضعه حيث يشاء .
وعنه عليه السلام في عدة أخبار من مات وليس له وارث فماله من الأنفال .
____________
(1) بيان أو قوم في الموضعين بتقدير مضاف وهو من عطف الخاص على العام فان الاول يشمل ما جلى عنها أهلها .
( 267 )

وعنه عليه السلام نحن قوم فرض الله طاعتنا لنا الأنفال ، ولنا صفو (1) المال .
والعياشي : عن الباقر عليه السلام لنا الأنفال ، قيل : وما الأنفال ؟ قال : منها المعادن والآجام ، وكل أرض لا رب لها ، وكل أرض باد أهلها فهو لنا . وقال : ما كان للملوك فهو من الأنفال .
وفي الجوامع : عن الصادق عليه السلام الأنفال : كل ما أخذ من دار الحرب بغير قتال ، وكل أرض انجلى أهلها عنها بغير قتال أيضا ، وسماها الفقهاء فيئا ، والأرضون الموات ، والآجام ، وبطون الأودية ، وقطايع الملوك ، وميراث من لا وارث له ، وهي لله ، وللرسول ، ولمن قام مقامه بعده .
والقمي : عنه عليه السلام أنه سئل عن الأنفال فقال : هي القرى التي قد خربت ، وانجلى أهلها وهي لله وللرسول ، وما كان للملوك فهو للأمام ، وما كان من أرض خربة لم يوجف (2)عليها بخيل ولا ركاب ، وكل أرض لا رب لها ، والمعادن منها ، ومن مات وليس له مولى ، فماله من الأنفال . وقال : نزلت يوم بدر لما انهزم الناس كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على ثلاث فرق : فصنف كانوا عند خيمة النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، وصنف أغاروا على النهب ، وفرقة طلبت العدو ، وأسروا وغنموا ، فلما جمعوا الغنائم والأسارى تكلمت الأنصار في الأسارى فأنزل الله تبارك وتعالى ( ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض ) فلما أباح الله لهم الأسارى والغنائم تكلم سعد ابن معاذ وكان ممن أقام عند خيمة النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال : يا رسول الله ما منعنا أن نطلب العدو زهادة في الجهاد ولا جبنا من العدو ولكنا خفنا أن يعرى موضعك فيميل عليك خيل المشركين ، وقد أقام عند الخيمة وجوه المهاجرين والأنصار ولم يشك أحد منهم ، والناس كثير يا رسول الله والغنائم قليلة ، ومتى تعطي هؤلاء لم يبق لأصحابك
____________
(1) الصفو من الغنيمة ما اختاره الرئيس لنفسه قبل القسمة وخالص كل شيء .
(2) قوله تعالى فما أوجفتم عليه من خيل ولا ركاب هو من الايجاف وهو السير الشديد والمعنى فما اوجفتم على تحصيله وتغنيمه خيلا ولا ركابا وانما مشيتم إليه على ارجلكم فلم تحصلوا اموالهم بالغلبة والقتال ولكن الله سلط رسله عليهم وحواه اموالهم .

( 268 )

شيء وخاف أن يقسم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الغنائم وأسلاب القتلى بين من قاتل ولا يعطي من تخلف على خيمة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم شيئا فاختلفوا فيما بينهم حتى سألوا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقالوا : لمن هذه الغنائم ؟ فأنزل الله : ( يسألونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول ) فرجع الناس وليس لهم في الغنيمة شيء ثم أنزل الله بعد ذلك ( واعلموا أنما غنمتم ) الآية فقسمه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بينهم ، فقال سعد بن أبي وقاص : يا رسول الله أتعطي فارس القوم الذي يحميهم مثل ما تعطي الضعيف ؟ فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم : ثكلتك أمك وهل تنصرون إلا بضعفائكم قال : فلم يخمس رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ببدر ، وقسم بين أصحابه ، ثم استقبل بأخذ الخمس بعد بدر فاتقوا الله : في الأختلاف والمشاجرة . وأصلحوا ذات بينكم : الحال التي بينكم بالمواساة ، والمساعدة فيما رزقكم الله ، وتسليم أمره إلى الله والرسول . وأطيعوا الله ورسوله : فيه إن كنتم مؤمنين : فإن الأيمان يقتضي ذلك .
(2) إنما المؤمنون : أي الكاملون في الأيمان . الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم : فزعت لذكره استعظاما له وهيبة من جلاله . وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا : ازدادوا بها يقينا وطمأنينة نفس . وعلى ربهم يتوكلون : وإليه يفوضون أمورهم فيما يخافون ويرجون .
(3) الذين يقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون .
(4) أولئك هم المؤمنون حقا : لأنهم حققوا إيمانهم بضم مكارم الأخلاق ومحاسن أفعال الجوارح إليه . لهم درجات عند ربهم : كرامة وعلو منزلة . ومغفرة : لما فرط منهم . ورزق كريم : اعد لهم في الجنة . القمي : نزلت في أمير المؤمنين عليه السلام ، وأبي ذر ، وسلمان ، ومقداد .
وفي الكافي ، والعياشي : عن الصادق عليه السلام بتمام الأيمان دخل المؤمنون الجنة ، وبالزيادة في الأيمان تفاضل المؤمنون بالدرجات عند الله ، وبالنقصان دخل المفرَطون النار . ويأتي صدر الحديث في أواخر سورة التوبة إن شاء الله .


( 269 )

(5) كمآ أخرجك ربك من بيتك بالحق وإن فريقا من المؤمنين لكارهون : قيل : يعني حالهم هذه في كراهة ما حكم الله في الأنفال مثل حالهم في كراهة خروجك من بيتك للحرب .
وفي المجمع : في حديث أبي حمزة فالله ناصرك كما أخرجك من بيتك .
(6) يجادلونك في الحق : في إيثارك الجهاد اظهارا للحق لا يثارهم تلقي العير وأخذ المال الكثير على ملاقات النفير والجهاد مع الجم الغفير . بعد ما تبين : أنهم ينصرون أينما توجهوا بأعلام الرسول . كأنما يساقون إلى الموت وهم ينظرون : أي يكرهون القتال كراهة من يساق إلى الموت ، وهو يشاهد أسبابه ، وكان ذلك لقلة عددهم ، وعدم تأهبهم للقتال .
(7) وإذ يعدكم الله : على إضمار اذكر إحدى الطائفتين أنها لكم : يعني العير أو النفير . وتودون أن غير ذات الشوكة (1) الحدة . تكون لكم : يعني العير ، فإنه لم يكن فيها إلا أربعون فارسا ، ولذلك يتمنونها ويكرهون ملاقات النفير لكثرة عددهم وعدتهم (2) .
العياشي : عن الصادق عليه السلام ذات الشوكة التي فيها القتال . يريد الله أن يحق الحق : أن يثبته ويعليه . بكلماته : قيل : بآياته المنزلة في محاربتهم أو بأوليائه .
والقمي : قال : الكلمات : الأئمة عليهم السلام . ويقطع دابر الكافرين ويستأصلهم ، والمعنى أنكم تريدون مالا ألا تلقوا مكروها والله يريد إعلاء الدين وإظهار الحق وما يحصل لكم به فوز الدارين .
(8) ليحق الحق ويبطل الباطل : فعل ما فعل وليس بتكرير لأن الأول : لبيان مراد الله وتفاوت ما بينه وبين مرادهم ، والثاني : لبيان الداعي إلى حمل الرسول على إختيار
____________
(1) الشوكة شدة البأس والحدة بالسلاح يقال شاك الرجل من باب خاف ظهرت شوكته وحدته فهو شائك السلاح وشاكي السلاح على القلب مـ
(2) عطف على كثرة لا على عددهم أي لكثرة عددهم ولتأهبهم واستعدادهم .

( 270 )

ذات الشوكة ونصره عليها . ولو كره المجرمون : ذلك .
(9) إذ تستغيثون ربكم : لما علمتم أن لا محيص عن القتال مع قلتكم وكثرة عدوكم بدل من ـ إذ يعدكم ـ .
في المجمع : عن الباقر عليه السلام إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لما نظر إلى كثرة عدد المشركين وقلة عدد المسلمين استقبل القبلة وقال : اللهم انجز لي ما وعدتني ، اللهم إن تهلك هذه العصابة لا تعبد في الأرض ، فما زال يهتف ربه مادَاً يديه حتى سقط رداؤه عن منكبه فأنزل الله : ( إذ تستغيثون ) الآية . فاستجاب لكم أني ممدكم بألف من الملائكة مردفين : متبعين المؤمنين أو بعضهم بعضا من أردفته أنا إذا جئت بعده ، وقريء بفتح الدال ، وهو من أردفته إياه .
(10) وما جعله الله : أي الأمداد . إلا بشرى : بشارة لكم بالنصر . ولتطمئن به قلوبكم : ليزول ما بها من الوجل لقلتكم وذلتكم . وما النصر إلا من عند الله إن الله عزيز حكيم : وإمداد الملائكة ، وكثرة العدد وسائط لا تأثير لها فلا تحسبوا النصر منها ، ولا تيأسوا منه بفقدها .
(11) إذ يغشيكم النعاس أمنة منه : أمنا من الله ، بدل ثان من - إذ يعدكم - لأظهار نعمة ثالثة ، والمعنى إذ تنعسون لأمنكم الحاصل من الله بإزالة الرعب عن قلوبكم . ويُنَزّل عليكم من السماء ماء ليطهركم به : من الحدث والخبث .
وفي الكافي : عن الصادق عليه السلام اشربوا ماء السماء فإنه يطهر البدن ويدفع الأسقام ، ثم تلا هذه الآية .
ومثله في الخصال ، والعياشي : عن أمير المؤمنين عليه السلام . ويذهب عنكم رجز الشيطان : يعني الجنابة ، وذلك لأنه احتلم بعضهم وغلب المشركون على الماء ، ويحتمل أن يكون المراد برجز الشيطان وسوسته وتخويفه إياهم من العطش إذ روي أنهم نزلوا في كثيب أعقر تسوخ فيه الأقدام على غير ماء وناموا فاحتلم أكثرهم ، وقد غلب المشركون على الماء فوسوس إليهم الشيطان ، وقال : كيف تنصرون وقد غلبتم على الماء وأنتم


( 271 )

تصلون محدثين مجنبين وتزعمون أنكم أولياء الله وفيكم رسوله فأشفقوا فأنزل الله المطر فمطروا ليلا حتى جرى الوادي واتخذوا الحياض على عدوته (1) وسقوا الركاب (2) واغتسلوا وتوضئوا ، وتلبد (3) الرمل الذي بينهم وبين العدو حتى ثبتت عليه الأقدام ، وزالت الوسوسة . وليربط على قلوبكم : بالوثوق على لطف الله تعالى بكم . ويثبت به : بالمطر . الاقدام : حتى لا تسوخ في الرمل أو بالربط على القلوب حتى تثبت في المعركة .
(12) إذ يوحي ربك : بدل ثالث لإظهار نعمة رابعة . إلى الملائكة أني معكم : في إعانتهم ، وتثبيتهم . فثَبّتوا الذين آمنوا : بالبشارة لهم ، وبتكثير سوادهم ، ومحاربة أعدائهم . سألقي في قلوب الذين كفروا الرعب فاضربوا فوق الاعناق : أعاليها التي هي المذبح والرؤوس . واضربوا منهم كل بنان : أصابع ، أي جزوا رقابهم واقطعوا أطرافهم .
(13) ذلك بأنهم شاقوا الله ورسوله : بسبب مشاقتهم لهما ، وكونهم في شق خلاف شقهما . ومن يشاقق الله ورسوله فإن الله شديد العقاب .
(14) ذلكم : الخطاب فيه مع الكفار على طريقة الألتفات . فذوقوه وأن للكافرين عذاب النار : والمعنى ذوقوا ما عجل لكم من القتل والأسر مع ما أجل لكم في الآخرة من عذاب النار .
القمي : وكان سبب ذلك أن عير قريش خرجت إلى الشام فيها خزائنهم فأمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم أصحابه بالخروج ليأخذوها فأخبرهم أن الله تعالى قد وعده إحدى الطائفتين إما العير أو القريش إن ظفر بهم ، فخرج في ثلثمأة وثلاثة عشر رجلا ، فلما قارب بدرا وكان أبو سفيان لعنه الله في العير فلما بلغه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد خرج يتعرض العير خاف خوفا شديدا ومضى إلى الشام فلما وافى (4)
____________
(1) العدى كالى شاطيء الوادي كالعدوة مثلثة .
(2) الركب ركبان الابل اسم جمع أو جمع وهم العشرة فصاعدا وقد يكون للخيل .
(3) لبد كنصر وفرح لبودا ولبدا أقام ولزق كالبد وتلبد الصوف ونحوه تداخل ولزق بعضه ببعض مـ .
(4) وافى فلان اتى ووافيته موافاة اتيته ومثله وافيت القوم .

( 272 )

النقرة (1) اكترى ضمضم بن عمرو الخزاعي بعشرة دنانير وأعطاه قلوصا (2) وقال له : امض إلى قريش وأخبرهم أن محمدا صلى الله عليه وآله وسلم والصباة (3) من أهل يثرب قد خرجوا يتعرضون لعيركم فأدركوا العير ، وأوصاه أن يحزم ناقته ويقطع أذنها حتى يسيل الدم ، ويشق ثوبه من قبل ودبر ، فإذا دخل مكة وليّ وجهه إلى ذنب العير وصاح بأعلى صوته : يا آل غالب يا آل غالب ، اللطيمة (4) اللطيمة ، العير العير ، أدركوا أدركوا ، وما أريكم تدركون فإن محمدا صلى الله عليه وآله وسلم والصباة من أهل يثرب قد خرجوا يتعرضون لعيركم .
فخرج ضمضم يبادر إلى مكة ورأت عاتكة بنت عبد المطلب قبل قدوم ضمضم في منامها بثلاثة أيام كأن راكبا قد دخل مكة ينادي : يا آل غدر يا آل غدر ، اغدوا إلى مصارعكم صبح ثالثة ثم وافى بجمله على أبي قبيس فأخذ حجرا فدهدهه من الجبل فما ترك دارا من دور قريش إلا أصابه منه فلذة وكأن وادي مكة قد سال من أسفله دما .
فانتبهت ذعرة فأخبرت العباس بذلك ، فأخبر العباس عتبة بن ربيعة ، فقال عتبة : هذه مصيبة تحدث في قريش ، وفشت الرؤيا في قريش ، وبلغ ذلك أبا جهل ، فقال : ما رأت عاتكة هذه الرؤيا ، وهذه تبنية ثانية في بني عبد المطلب ، واللات والعزى لننتظرن ثلاثة أيام فإن كان ما رأت حقا فهو كما رأت ، وإن كان غير ذلك لنكتبن بيننا كتابا أنه ما من أهل بيت من العرب أكذب رجالا ولا نساء من بني هاشم ، فلما مضى يوم ، قال أبو جهل : هذا يوم قد مضى ، فلما كان اليوم الثاني ، قال أبو جهل : هذان يومان قد مضيا ، فلما كان اليوم الثالث ، وافى ضمضم ينادي في الوادي يا آل غالب : يا آل غالب ، اللطيمة
____________
(1) النقرة ويقال معدن النقرة وقد تكسر قافهما منزل لحاج العراق بين اضاخ ومأوان ق .
(2) القلوص من الابل الشابة أو الباقية على السير أو اول ما يركب من انائها الى ان تثنى ثم هي ناقة والناقة الطويلة القوائم خاص بالاناث ج قلائص وقلص قلاص .
(3) في النهاية يقال صبا فلان إذا خرج من دين الى دين غيره قال وكانت العرب تسمي النبي صلى الله عليه وآله الصاب لانه خرج من دين قريش الى دين الاسلام ويسمون المسلمين الصباة بغير همز كأنه جمع الصاب « منه رحمه الله » .
(4) بمعنى ضرب الخد والظاهر في مثل المقام انه كناية عن الصدمة اي اسرعوا الى علاجها أو اشكوا والعير العير أي ادركوهم ويمكن تقدير اسرعوا في الكل وغير ذلك أيضا .

( 273 )

اللطيمة ، العير العير ، أدركوا أدركوا ، وما أراكم تدركون ، فإن محمدا صلى الله عليه وآله وسلم والصباة من أهل يثرب قد خرجوا يتعرضون لعيركم التي فيها خزائنكم .
فتصايح الناس بمكة وتهيؤا للخروج ، وقام سهل بن عمرو ، وصفوان بن أمية ، وأبو البختري بن هشام ، ومنبه (1) ، ونبيه ابنا الحجاج ، ونوفل بن خويلد فقالوا : يا معشر قريش والله ما أصابكم مصيبة أعظم من هذه أن يطمع محمد والصباة من أهل يثرب أن يتعرضوا لعيركم التي فيها خزائنكم ، فوالله ما قرشي ولا قرشية إلا ولهما في هذه العير نش (2) فصاعدا وأنه للذّلّ والصغار أن يطمع محمد صلى الله عليه وآله وسلم في أموالكم ، ويفرق بينكم وبين متجركم فأخرجوا .
وأخرج صفوان بن أمية خمسمأة دينار وجهز بها ، وأخرج سهيل بن عمرو ، وما بقي أحد من عظماء قريش إلا أخرجوا مالا وحملوا وقودا وخرجوا على الصعب (3) والذلول لا يملكون أنفسهم كما قال الله تعالى : ( خرجوا من ديارهم بطرا ورئآء الناس ) وخرج معهم العباس بن عبد المطلب ، ونوفل بن الحرث ، وعقيل بن أبي طالب ، وأخرجوا معهم القيان (4) يشربون الخمر ويضربون بالدفوف .
وخرج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في ثلثمأة وثلاثة عشر رجلا فلما كان بقرب بدر على ليلة منها بعث بشير بن أبي الرغباء ، ومحمد بن عمرو يتجسسان خبر العير فأتيا ماء بدر فأناخا راحلتيهما واستعذبا من الماء ، وسمعا جاريتين قد تشبثت إحديهما بالاخرى وتطالبها بدرهم كان لها عليها ، فقالت : عير قريش نزلت أمس في موضع كذا وهي تنزل غدا هاهنا وأعمل لهم وأقضيك ، فرجعا فأخبراه بما سمعا ، فأقبل أبو سفيان بالعير فلما شارف بدرا تقدم العير وأقبل وحده حتى انتهى إلى ماء بدر وكان بها رجل من جهينة يقال له كسب الجهني ، فقال له : يا كسب هل لك علم بمحمد صلى الله عليه
____________
(1) منبه كمعظم ونبيه كعظيم لفظا ومعنى .
(2) النش عشرون درهما .
(3) الجمل المتروك الذي لا يترك .
(4) والقينة الامة مغنية كانت أو غير مغنية وقيل الامة البيضاء والجمع قيان .

( 274 )

وآله وسلم وأصحابه ؟ قال : لا ، قال : واللات والعزى لئن كتمتنا أمر محمد صلى الله عليه وآله وسلم لا يزال قريش لك معادية آخر الدهر فإنه ليس أحد من قريش إلا وله في هذا العير نش فصاعدا فلا تكتمني .
فقال : والله ما لي علم بمحمد وأصحابه بالتخبار إلا إني رأيت في هذا اليوم راكبين أقبلا فاستعذبا من الماء وأناخا راحلتيهما ورجعا فلا أدرى من هما ، فجاء أبو سفيان إلى موضع مناخ إبلهما ففتّ أبعار الأبل بيده فوجد فيها النوى ، فقال : هذه علايف يثرب هؤلاء والله عيون محمد فرجع مسرعا ، وأمر بالعير فأخذ بها نحو ساحل البحر ، وتركوا الطريق ومروا مسرعين .
ونزل جبرئيل على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأخبره إن العير قد أفلتت وأن قريشا قد أقبلت لتمنع عن عيرها ، وأمره بالقتال ووعده النصرة وكان نازلا ماء الصفراء فأحب أن يبلو الأنصار لأنهم إنما وعدوه لأن ينصروه ، وكان في الدار فأخبرهم أن العير قد جازت وأن قريشا قد أقبلت لتمنع عن عيرها ، وأن الله قد أمرني بمحاربتهم .
فجزع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من ذلك وخافوا خوفا شديدا فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : أشيروا عليَّ فقام أبو بكر ، فقال : يا رسول الله إنها قريش وخيلاؤها ، ما آمنت منذ كفرت ، ولا ذلت منذ عزت ، ولم نخرج على هيئة الحرب .
فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : اجلس فجلس ، فقال : أشيروا عليَّ ، فقام عمر ، فقال : مثل مقالة أبي بكر ، فقال : اجلس .
ثم قام المقداد فقال : يا رسول الله إنها قريش وخيلاؤها وقد آمنا بك وصدقناك ، وشهدنا أن ما جئت به حق من عند الله ، ولو أمرتنا أن نخوض جمر الغضا (1) وشوك الهراس
____________
(1) الغضا بالقصر شجر ذو شوك وخشبة من أصلب الخشب ولذا لا يكون في فحمه صلابة الهرماس كسحاب شجر شائك ثمره كالنبق .
( 275 )

لخضنا معك ، ولا نقول لك ما قالت بنو إسرائيل لموسى : ( إذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون ) ، ولكنا نقول : إذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكما مقاتلون ، فجزاه النبي خيرا ثم جلس .
ثم قال : أشيروا عليَّ فقام سعد بن معاذ ، فقال : بأبي أنت وأمي يا رسول الله كأنك أردتنا ؟ قال : نعم ، قال : فلعلك خرجت على أمر قد أمرت بغيره ، قال : نعم .
قال : بأبي أنت وأمي يا رسول الله إننا قد آمنا بك ، وصدقناك ، وشهدنا أن ما جئت به حق من عند الله ، فمرنا بما شئت ، وخذ من أموالنا ما شئت ، واترك منها ما شئت ، والذي أخذت منه أحب إليَّ من الذي تركت ، والله لو أمرتنا أن نخوض هذا البحر لخضنا معك ، ثم قال : بأبي أنت وأمي يا رسول الله والله ما خضت هذا الطريق قط وما لي به علم ، وقد خلفنا بالمدينة قوما ليس نحن بأشد جهادا لك منهم ولو علموا أنه الحرب لما تخلفوا ولكن نعد لك الرواحل ، ونلقى عدونا فإنا صُبّر عند اللقاء أنجاد في الحرب وإنا لنرجو أن يقر الله عينيك بنا فإن يك ما تحب فهو ذاك ، وإن يك غير ذلك قعدت على رواحلك فلحقت بقومنا .
فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : ويحدث الله غير ذلك كأني بمصرع فلان هاهنا ، وبمصرع فلان هاهنا ، وبمصرع أبي جهل ، وعتبة بن ربيعة ، وشيبة بن ربيعة ، ومنبه ونبيه ابني الحجاج فإن الله قد وعدني إحدى الطائفتين ، ولن يخلف الله الميعاد .
فنزل جبرئيل على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بهذه الآية : ( كما أخرجك ربك من بيتك بالحق ) إلى قوله : ( ولو كره المجرمون ) فأمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالرحيل حتى نزل عشاء على ماء بدر ، وهي العدوة الشامية ، وأقبلت قريش فنزلت بالعدوة اليمانية ، وبعثت عبيدها تستعذب من الماء فأخذهم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وحبسوهم ، فقالوا لهم : من أنتم ؟ قالوا : نحن عبيد قريش ، قالوا : فأين العير ؟ قالوا : لا علم لنا بالعير ، فأقبلوا يضربونهم ، وكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يصلي فانفتل من صلاته فقال : إن صدقوكم ضربتموهم ، وإن كذبوكم تركتموهم عليَّ بهم فأتوا بهم .