العياشي عن الصادق عليه السلام هم كعب بن مالك ومرارة بن الربيع وهلال ابن أمية . وفي المجمع : عن السجاد ، والباقر ، والصادق عليهم السلام إنهم قرؤا ( خالفوا ) (1) .
والقمي : قال العالم عليه السلام : إنما نزل وعلى الثلاثة الذين خالفوا ، ولو ـ خلفوا ـ لم يكن عليهم عتب .
وفي الكافي ، والعياشي : عن الصادق عليه السلام لو كانوا خلفوا لكانوا في حال طاعة حتى إذا ضاقت عليهم الارض بما رحبت أي مع سعتها ، وهو مثل لحيرتهم في أمرهم كأنهم لا يجدون في الارض موضع قرار وضاقت عليهم أنفسهم أي قلوبهم من فرط الوحشة ، والغم . وظنوا : وعلموا أن لا ملجأ من الله من سخط الله إلا إليه ثم تاب عليهم ثم رجع عليهم بالقبول .
في المعاني : عن الصادق عليه السلام هي الاقالة . ليتوبوا ليعودوا إلى حالتهم الاولى إن الله هو التواب الرحيم لمن تاب ولو عاد في اليوم مأة مرة ، وقد مضى تحقيق معنى التوبة من الله ومن العبد في سورة البقرة . والقمي : في قصة غزوة تبوك وقد كان تخلف عن رسول الله قوم من المنافقين ، وقوم من المؤمنين مستبصرين لم يعثر عليهم في نفاق ، منهم : كعب بن مالك الشاعر ، ومرارة بن الربيع ، وهلال بن أمية الواقفي .
فلما تاب الله عليهم ، قال كعب : ما كنت قط أقوى مني في ذلك الوقت الذي خرج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى تبوك ، وما اجتمعت لي راحلتان إلا في ذلك اليوم فكنت أقول : أخرج غدا أخرج بعد غد ، فإني قوي وتوانيت وبقيت (2) بعد خروج النبي صلى الله عليه وآله وسلم أياما أدخل السوق ولا أقضي حاجة فلقيت هلال بن أمية ، ومرارة بن الربيع ، وقد كانا تخلفا أيضا فتوافقنا أن نبكر إلى السوق ولم نقض حاجة ، فما زلنا نقول : نخرج غدا وبعد غد حتى بلغنا إقبال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
____________
(1) وفي رواية العياشي الاخرى والكافي ان الثلاثة هم عثمان وصاحباه ان الله سلط عليهم الخوف فما سمعوا صوت كافر ولا قعقعة حجرية الا قالوا اتينا فاقالهم الله وما تابوا فلعله تأويل للآية واجراء لها فيهم ( منه رحمه الله ) .
(2) الوني كفتي التعب والفترة ضد ويمد وني يني ونيا وونيا ووني ونية وونية وونى واوناه وتوانى هو وناقة وآنية فاترة طليح ق .

( 387 )

فندمنا ، فلما وافى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم استقبلناه نهنيه بالسلامة ، فسلمنا عليه ، فلم يرد علينا السلام ، فأعرض عنا ، وسلمنا على إخواننا فلم يردوا علينا السلام ، فبلغ ذلك أهلونا فقطعوا كلامنا ، وكنا نحضر المسجد فلا يسلم علينا أحد ولا يكلمنا فجاءت نساؤنا إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقلن : قد بلغنا سخطك على أزواجنا أفنعتزلهم .
فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : لا تعتزلنهم ولكن لا يقربوكن ، فلما رآى كعب بن مالك وصاحباه ما قد حل بهم ، قال : ما يقعدنا بالمدينة ولا يكلمنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولا إخواننا ولا أهلونا فهلموا نخرج إلى هذا الجبل فلا نزال فيه حتى يتوب الله علينا أو نموت ، فخرجوا إلى ذناب جبل بالمدينة فكانوا يصومون ، وكان أهلوهم يأتونهم بالطعام فيضعونه ناحية ، ثم يولون عنهم فلا يكلمونهم ، فبقوا على هذه الحالة أياما كثيرة يبكون بالليل والنهار ، ويدعون الله أن يغفر لهم ، فلما طال عليهم الامر ، قال لهم كعب : يا قوم قد سخط الله علينا ، ورسوله قد سخط علينا وإخواننا سخطوا علينا ، وأهلونا سخطوا علينا ، فلا يكلمنا أحد فلم لا يسخط بعضنا على بعض ، فتفرقوا في الليل وحلفوا أن لا يكلم أحد منهم صاحبه حتى يموت أو يتوب الله عليه فبقوا على هذه ثلاثة أيام كل منهم في ناحية من الجبل لا يرى أحد منهم صاحبه ولا يكلمه .
فلما كان في الليلة الثالثة ، ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في بيت أم سلمة نزلت توبتهم على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال : ( حتى إذا ضاقت عليهم الارض بما رحبت ) حيث لم يكلمهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، ولا إخوانهم ، ولا أهلوهم ، فضاقت المدينة عليهم حتى خرجوا منها ، وضاقت عليهم أنفسهم حيث حلفوا أن لا يكلم بعضهم بعضا فتفرقوا وتاب الله عليهم لما عرف صدق نياتهم .
(119) يأيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين .
في الكافي : عن الباقر عليه السلام إيانا عني . وعن الرضا عليه السلام الصادقون : هم الائمة عليهم السلام والصديقون بطاعتهم .


( 388 )

وفي المجمع : عن الباقر عليه السلام قال مع آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم .
والقمي : قال : هم الائمة عليهم السلام .
وفي الاكمال : عن أمير المؤمنين عليه السلام إنه قال في مجمع من المهاجرين والانصار أيام خلافة عثمان أسألكم بالله أتعلمون أنه لما نزلت هذه الآية قال سلمان : يا رسول الله عامة هذه الآية أم خاصة ؟ فقال : أما المأمورون فعامة المؤمنين أمروا بذلك ، وأما الصادقون فخاصة لأخي وأوصيائي من بعده إلى يوم القيامة ، قالوا : اللهم نعم .
وفي المجمع : عن الصادق عليه السلام أنه قرأ ( من الصادقين ) .
(120) ما كان لاهل المدينة ومن حولهم من الاعراب أن يتخلفوا عن رسول الله ولا يرغبوا بأنفسهم عن نفسه بل عليهم أن يصحبوه على البأساء والضراء ، ويكابدوا معه الشدائد برغبة ونشاط كما فعله أبو ذر وأبو خيثمة ذلك بأنهم لا يصيبهم ظمأ شيء من العطش ولا نصب تعب ولا مخمصة مجاعة في سبيل الله في طريق الجهاد ولا يطأون لا يدوسون بأرجلهم ، وبحوافر خيولهم ، وأخفاف رواحلهم موطئا موضعا يغيظ الكفار وطأهم إياه ويضيق صدورهم بتصرفهم في أرضهم ولا ينالون من عدو نيلا بقتل أو أسر أو نهب إلا كتب لهم به عمل صالح واستوجبوا الثواب عند الله إن الله لا يضيع أجر المحسنين .
(121) ولا ينفقون نفقة صغيرة ولا كبيرة ولا يقطعون واديا أرضا في مسيرهم ، والوادي : كل منفرج ينفذ فيه السيل . فشاع بمعنى الارض إلا كتب لهم ذلك الانفاق وقطع الوادي ليجزيهم الله بذلك أحسن ما كانوا يعملون جزاء أحسن أعمالهم ، أو أحسن جزاء أعمالهم .
(122) وما كان المؤمنون لينفروا كآفة وما استقام لهم أن ينفروا جميعا لنحو غزو وطلب علم كما لا يستقيم لهم أن يتثبطوا جميعا فلولا نفر من كل فرقة منهم فهلا نفر من كل جماعة كثيرة كقبيلة وأهل بلدة طائفة جماعة قليلة ليتفقهوا في الدين


( 389 )

ليتكلفوا الفقاهة فيه ، ويتجشموا (1) مشاق ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم فيه دلالة على أنه ينبغي أن يكون غرض المتفقه أن يستقيم (2) ويقيم . لا الترفع على الناس والتبسط في البلاد لعلهم يحذرون إرادة أن يحذروا عما ينذرون منه .
في العلل : عن الصادق عليه السلام أنه قيل له إن قوما يروون أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال : اختلاف أمتي رحمة ، فقال صدقوا ، فقيل : إن كان إختلافهم رحمة فإجتماعهم عذاب ؟ قال ليس حيث تذهب وذهبوا ، إنما أراد قول الله عز وجل : ( فلولا نفر من كل فرقة ) الآية فأمرهم أن ينفروا إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ويختلفوا إليه فيتعلموا ، ثم يرجعوا إلى قومهم فيعلموهم إنما أراد اختلافهم من البلدان لا إختلافا في دين الله ، إنما الدين واحد .
وفي الكافي : قيل للصادق عليه السلام : إذا حدث على الامام حدث كيف يصنع الناس ؟ فقال : أين قول الله عز وجل : ( فلولا نفر من كل فرقة ) الآية ، قيل فما حالهم ؟ قال : هم في عذر ما داموا في الطلب ، وهؤلاء الذين ينتظرونهم في عذر حتى يرجع إليهم أصحابهم .
والعياشي عنه عليه السلام ما في معناه .
وفي المجمع : عن الباقر عليه السلام كان هذا حين كثر الناس فأمرهم أن ينفر منهم طائفة ، ويقيم طائفة للتفقه ، وأن يكون الغزو نوبا .
أقول : يعني يبقى مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم طائفة للتفقه وإنذار النافرة فيكون النفر للغزو والقعود للتفقه .
وفي الكافي : عن الصادق عليه السلام ، والعياشي : عن الباقر عليه السلام تفقهوا في الدين فإنه من لم يتفقه منكم في الدين فهو أعرابي ، إن الله يقول في كتابه : ( ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم ) .
____________
(1) جشم الامر كسمع جشما وجشامة تكلفه على مشقة كتجشمه ق .
(2) أي يستقيم نفسه ويقيم غيره .

( 390 )

(123) يا أيها الذين آمنوا قاتلوا الذين يلونكم من الكفار امروا بقتال الاقرب منهم فالأقرب ، نظيره ( وأنذر عشيرتك الأقربين ) ، فإن الاقرب أحق بالشفقة والاستصلاح .
في الكافي ، والعياشي : عن الصادق عليه السلام قال : الديلم . والقمي : يجب على كل قوم أن يقاتلوا من يليهم ممن يقرب من الامام ولا يجوزوا ذلك الموضع وليجدوا فيكم غلظة شدة وصبرا على القتال .
القمي : أي غلظوا لهم القول والقتل واعلموا أن الله مع المتقين بالحراسة والاعانة .
(124) وإذا ما أُنزلت سورة فمنهم فمن المنافقين من يقول إنكارا واستهزاء أيكم زادته هذه السورة إيمانا فأما الذين ءامنوا فزادتهم إيمانا بزيادة العلم الحاصل من تدبر السورة وانضمام الايمان بها وبما فيها وهم يستبشرون بنزولها ، لأنه سبب زيادة كمالهم وارتفاع درجاتهم .
القمي : وهو رد على من يزعم أن الايمان لا يزيد ولا ينقص .
وفي الكافي ، والعياشي : عن الصادق عليه السلام إن الله تبارك وتعالى فرض الايمان على جوارح ابن آدم وقسمه عليها وفرقه فيها ثم بين صلى الله عليه وآله وسلم ذلك ، قيل : قد فهمت نقصان الايمان وتمامه فمن أين جاءت زيادته ؟ قال : قول الله تعالى : ( وإذا ما انزلت سورة فمنهم من يقول ) الآية ، وقال : ( وزدناهم هدى ) ، ولو كان كله واحدا لا زيادة فيه ولا نقصان لم يكن لأحد منهم فضل على الآخر ، ولا استوت النعم فيه ، ولا استوى الناس وبطل التفضيل ، ولكن بتمام الايمان دخل المؤمنون الجنة ، وبالزيادة في الايمان تفاضل المؤمنون بالدرجات عند الله ، وبالنقصان دخل المفرطون النار . وقد مضى لهذا المعنى زيادة بيان في سورة الانفال .
(125) وأما الذين في قلوبهم مرض فزادتهم رجسا إلى رجسهم القمي ، والعياشي : عن الباقر عليه السلام يقول : شكا إلى شكهم . وماتوا وهم كافرون


( 391 )

القمي والعياشي عن الباقر يقول شكا إلى شكهم واستحكم ذلك فيهم حتى ماتوا عليه .
(126) أولا يرون يعني المنافقين أنهم يفتنون يبتلون بأصناف البليات أو بالجهاد مع رسول الله فيعاينون ما يظهر عليهم من الآيات .
والقمي : يمرضون في كل عام مرة أو مرتتن ثم لا يتوبون: من نفاقهم ولا هم يذكرون لا يعتبرون .
(127) وإذا ما أنزلت سورة نظر بعضهم إلى بعض تغامزوا بالعيون ، إنكارا لها وسخرية ، أو غيظا لما فيها من عيوبهم . هل يراكم من أحد : أي يقولون : هل يريكم من أحد من المسلمين إن قمتم وانصرفتم ؟ فإنا لا نصبر على استماعه ، وترامقوا يتشاورون في تدبير الخروج والانسلال ، فإن لم يرهم أحد قاموا وإن يرهم أحد أقاموا ثم انصرفوا تفرقوا مخافة الفضيحة صرف الله قلوبهم عن الايمان والانشراح به بالخذلان .
والقمي : عن الحق إلى الباطل باختيارهم الباطل على الحق . قيل : ويحتمل الدعاء . بأنهم : بسبب أنهم قوم لا يفقهون لسوء فهمهم وعدم تدبرهم .
(128) لقد جاءكم رسول من أنفسكم من جنسكم عربي .
القمي : مثلكم في الخلقة ، قال : ويقرء ( من أنفسكم ) أي من أشرفكم . في الجوامع : قيل : هو قراءة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وفاطمة عزيز عليه شديد شاق . ما عَنِتّم : عنتكم ولقاؤكم المكروه .
والقمي : ما أنكرتم وجحدتم حريص عليكم على إيمانكم ، وصلاح شأنكم حتى لا يخرج أحد منكم عن الاستسعاد بدينه الذي جاء به بالمؤمنين منكم ومن غيركم رؤف رحيم .
(129) فإن تولوا عن الايمان بك فقل حسبي الله استعن بالله فإنه يكفيك أمرهم وينصرك عليهم لا إله إلا هو عليه توكلت فلا أرجو غيره ولا أخاف إلا منه وهو


( 392 )

رب العرش العظيم
في التوحيد : عن الصادق عليه السلام أي الملك العظيم .
العياشي : عنه عليه السلام ( رسول من أنفسكم ) قال : فينا ، ( عزيز عليه ما عنتم ) قال : فينا ، ( حريص عليكم ) قال : فينا ، ( بالمؤمنين رؤف رحيم ) قال : يشركنا المؤمنون في هذه الرابعة ، وثلاثة لنا . وفي رواية اخرى : فلنا ثلاثة أرباعها ، وليشعتنا ربعها .
وفي الكافي : عنه عليه السلام هكذا أنزل الله تعالى ( لقد جاءنا رسول من أنفسنا عزيز عليه ما عنتنا حريص علينا بالمؤمنين رؤف رحيم ) .
وفي ثواب الاعمال ، والعياشي : عن الصادق عليه السلام من قرأ سورة الانفال وسورة البراءة في كل شهر لم يدخله نفاق أبدا ، وكان من شيعة أمير المؤمنين عليه السلام ، وزاد العياشي : ويأكل يوم القيامة من موائد الجنة مع شيعته حتى يفرغ الناس من الحساب .


( 393 )

سورة يونس
هي مكية في قول الاكثرين ، وروي عن ابن عباس ، وقتادة إلا ثلاث
آيات نزلت بالمدينة ، فإن كنت في شك إلى آخرهن ، عدد آيها مائة وتسع آيات.

بسم الله الرحمن الرحيم


(1) الر : القمي : ( الر ) هو من حروف الاسم الاعظم المتقطع في القرآن ، فإذا ألفه الرسول أو الامام فدعا به اجيب .
أقول : وقد سبق مثله في تأويل ( الم ) في أول سورة البقرة .
وفي المعاني : عن الصادق عليه السلام و ( الر ) معناه أنا الله الرؤف تلك آيات الكتاب الحكيم ذي الحكمة ، أو المحكم آياته .
(2) أكان للناس عجبا أن أوحينا إلى رجل منهم إنكار لتعجبهم من أنه عز وجل بعث بشرا رسولا ، كما سبق ذكره في سورة الانعام أو من أنه سبحانه بعث يتيما غير ذي جاه ومال وبسطة ، وهذا من فرط حماقتهم ، وقصور نظرهم على الامور العاجلة ، وجهلهم بحقيقة الوحي والنبوة أن أنذر الناس وبشر الذين آمنوا أن لهم قدم صدق عند ربهم أي سابقة وفضلا ، سميت قدما لأن السبق بها كما سميت النعمة يدا لأنها باليد تعطى ، وإضافتها إلى الصدق لتحققها والتنبيه على أنهم ينالونها بصدق القول والنية .
في المجمع : عن الصادق عليه السلام أن معنى : ( قدم صدق ) شفاعة محمد صلى الله عليه وآله وسلم .
وفي الكافي ، والعياشي ، والقمي : عنه عليه السلام هو رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم .


( 394 )

أقول : وهذا يرجع إلى ذلك .
وفي الكافي ، والعياشي : عنه عليه السلام بولاية أمير المؤمنين عليه السلام .
أقول : وهذا لأن الولاية من شروط الشفاعة ، وهما متلازمتان قال الكافرون إن هذا يعنون الكتاب وما جاء به الرسول لسحر مبين: وقريء لساحر على أن الاشارة إلى الرسول ، وفيه اعتراف بأنهم صادفوا منه امورا خارقة للعادة معجزة إياهم عن المعارضة .
(3) إن ربكم الله الذي خلق السموات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش قد سبق تفسيره في سورة الاعراف عند ذكر آية السخرة يدبر الامر يقدره ويقضيه ويرتبه في مراتبه على أحكام عواقبه ، والتدبير النظر في أدبار الامور لتجيء محمودة العاقبة ، والامر أمر الخلق كله ما من شفيع إلا من بعد إذنه تقرير لعظمته وعز جلاله ورد على من زعم أن آلهتهم تشفع لهم عند الله ذلكم الله أي الموصوف بتلك الصفات المقتضية للالوهية والربوبية ربكم لا غير إذ لا يشاركه أحد في شي من ذلك . فاعبدوه : وحده ، لا تشركوا به شيئا أفلا تذكرون يعني أنه أدنى تذكر ينبه على الخطأ فيما أنتم عليه ، وعلى أنه المستحق للعبادة لا ما تعبدونه .
(4) إليه مرجعكم جميعا إليه رجوعكم في العاقبة فاستعدوا للقائه وعد الله حقا وعد وعدا حقا إنه يبدء الخلق ثم يعيده ليجزي الذين آمنوا وعملوا الصالحات بالقسط بعدله أو بعدالتهم في أمورهم والذين كفروا لهم شراب من حميم وعذاب أليم بما كانوا يكفرون قيل : غير النظم للمبالغة في استحقاقهم للعقاب ، والتنبيه على أن المقصود بالذات من الابداء والاعادة هو الاثابة ، وأما العقاب فواقع بالعرض وأنه تعالى يتولى إثابة المؤمنين بما يليق بلطفه وكرمه ولذلك لم يعينه ، وأما عقاب الكفرة فكأنه داء ساقه إليهم سوء اعتقادهم وشؤم أفعالهم .
(5) هو الذي جعل الشمس ضياء وقريء بهمزتين حيث وقع والقمر نورا وقدره منازل وقدر القمر ذا منازل ، أو قدر مسيره منازل ، وهذا كقوله سبحانه : ( والقمر قدرناه منازل ) لتعلموا عدد السنين والحساب حساب الاوقات من الاشهر والايام والليالي . ما


( 395 )

خلق الله ذلك إلا بالحق الذي هو الحكمة البالغة يفصل الآيات لقوم يعلمون وقريء بالياء ، فإنهم المنتفعون بالتأمل فيها .
(6) إن في اختلاف الليل والنهار وما (1) خلق الله في السموات والأرض لآيات لقوم يتقون العواقب .
(7) إن الذين لا يرجون لقاءنا لا يتوقعونه لأنكارهم للبعث وذهولهم بالمحسوسات عما وراءها ورضوا بالحياة الدنيا من الآخرة لغفلتهم عنها واطمأنوا بها وسكنوا إليها سكون من لا يزعج عنها والذين هم عن آياتنا غافلون (2) ذاهبون عن تأملها ذاهلون عن النظر فيها .
(8) أولئك مأواهم النار بما كانوا يكسبون بما واظبوا عليه وتمرنوا به من المعاصي .
(9) إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات يهديهم ربهم بإيمانهم بسبب إيمانهم للاستقامة على سلوك الطريق المؤدي إلى الجنة تجري من تحتهم الانهار في جنات النعيم لأن التمسك بسبب السعادة كالوصول إليها .
(10) دعواهم فيها سبحانك اللهم دعاؤهم فيها اللهم إنا نسبحك تسبيحا .
العياشي : عن الصادق عليه السلام إنه سئل عن التسبيح ؟ فقال : اسم من أسماء الله تعالى ، ودعوى أهل الجنة وتحيتهم فيها سلام وآخر دعواهم وخاتمة دعائهم أن الحمد لله رب العلمين .
(11) ولو يعجل الله للناس الشر الذي دعوا به عند ضجر أو بطر كقولهم : ( رفعني الله من بينكم ) ، وكقولهم : ( فأمطر علينا حجارة من السماء ، أو الشر الذي استحقوه ) استعجالهم بالخير كما يعجل لهم بالخير ويجيبهم إليه حين استعجلوه ، قيل : وضع استعجالهم
____________
(1) أي فعله فيما على ما يقتضيه الحكمة في السموات من الافلاك والكواكب السيارة وغير السيارة وفي الارض من الحيوان والنبات والجماد وانواع الارزاق والنعم م‍ ن .
(2) قال عليه السلام الآيات امير المؤمنين والائمة عليهم السلام والدليل على ذلك قول امير المؤمنين عليه السلام ما لله آية اكبر مني .

( 396 )

بالخير موضع تعجيله لهم الخير إشعارا بسرعة إجابته لهم في الخير حتى كان استعجالهم به تعجيل لهم لقضي إليهم أجلهم لاميتوا وأهلكوا ، وقريء ( لقضى ) على البناء للفاعل .
القمي : قال : ولو يعجل الله لهم الشر كما يستعجلون الخير لقضي إليهم أجلهم ، أي فرغ من أجلهم فنذر الذين لا يرجون لقائنا في طغيانهم يعمهون يعني لا نعجل لهم الشر ولا نقضي إليهم أجلهم بل نمهلهم إمهالا .
(12) وإذا مس الانسان الضر دعانا : لدفعه مخلصا فيه . لجنبه : أي مضطجعا أو قاعدا أو قائما يعني أنه لا يزال داعيا في جميع حالاته لا يفتر حتى يزول عنه الضر فلما كشفنا عنه ضره مر على طريقته الاولى قبل أن مسه الضر أو مر عن موقف الدعاء والتضرع لا يرجع إليه كأن لم يدعنا كأنه لم يدعنا إلى ضر مسه كشف الضر . كذلك : مثل ذلك التزيين زين للمسرفين ما كانوا يعملون من الانهماك في الشهوات والاعراض عن العبادات عند الرخاء .
(13) ولقد أهلكنا القرون من قبلكم لما ظلموا بالتكذيب وجآئتهم رسلهم بالبينات بالحجج الدالة على صدقهم وما كانوا ليؤمنوا لفساد استعدادهم وخذلان الله لعلمه بإصرارهم على الكفر وأنه لا فائدة في إمهالهم بعد أن لزمهم الحجة بإرسال الرسل كذلك نجزي القوم المجرمين كل مجرم .
(14) ثم جعلناكم خلائف في الارض استخلفناكم في الارض من بعدهم من بعد القرون التي أهلكناهم لننظر كيف تعملون خيرا أو شرا .
(15) وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات قال الذين لا يرجون لقائنا ائت بقران غير هذا قرآن آخر ليس فيه ما يغيظنا من ذم عبادة الاوثان ، والوعيد لعابديها أو بدله (1) بأن تجعل مكان آية عذاب آية رحمة ، وتسقط ذكر الآلهة ، وذم عبادتها قل ما يكون (2) لي (3) ما
____________
(1) أي العليل الذي لا يقدر أن يجلس أو قاعدا الذي لا يقدر أن يقوم أو قائما الصحيح .
(2) في الكافي والقمي والعياشي عن الصادق عليه السلام قالوا وبدل عليا عليه السلام منه رحمه الله .
(3) ومن استدل بهذه الآية على ان نسخ القرآن بالسنة لا يجوز فقد ابعد لانه إذا نسخ القرآن بالسنة وما يقوله النبي

=


( 397 )

يصح لي أن أبدله من تلقاء نفسي من قبل نفسي من غير أن يأمرني بذلك ربي إن أتبع إلا ما يوحى إليّ ليس إليّ تبديل ولا نسخ إني أخاف إن عصيت ربي في التبديل والنسخ من عند نفسي عذاب يوم عظيم .
(16) قل لو شآء الله ما تلوته عليكم ولا أدريكم به ولا أعلمكم الله به على لساني ، وقريء ولأدراكم بلام التأكيد أي ولأعلمكم به على لسان غيري ، يعني أن تلاوته ليست إلا بمشية الله وإحداثه أمرا عجيبا خارقا للعادة ، وهو أن يخرج رجل امي لم يتعلم ساعة من عمره ولا نشأ (1) في بلد فيه العلماء فيقرأ عليكم كتابا بهر بفصاحته كل كلام فصيح مسحونا بعلم ما كان وما يكون فقد لبثت فيكم عمرا من قبله فقد أقمت فيما بينكم ناشيا وكهلا مقدار أربعين سنة فلم تعرفوني متعاطيا شيئا من نحو ذلك فتتهموني باختراعه أفلا تعقلون أفلا تستعملون عقولكم بالتدبر والتفكر لتعلموا أنه ليس إلا من عند الله .
(17) فمن أظلم ممن افترى على الله كذبا أو كذب بآياته إنه لا يفلح المجرمون .
(18) ويعبدون من دون الله ما لا يضرهم ولا ينفعهم ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله تشفع لنا فيما يهمنا من امور الدنيا والآخرة قل أتنبؤن الله بما لا يعلم في السموات ولا في الارض أتخبرونه بما ليس بمعلوم للعالم بجميع المعلومات ، يعني بما ليس بموجود سبحانه وتعالى عما يشركون وقريء بالتاء ، القمي : كانت قريش يعبدون الاصنام ويقولون إنما نعبدهم ليقربونا إلى الله زلفى فإنا لا نقدر على عبادة الله ، فرد الله عليهم ، فقال : قل لهم يا محمد : ( أتنبؤن الله بما لا يعلم ) أي ليس يعلم فوضع حرفا مكان حرف ، أي ليس له شريك يعبد .
(19) وما كان الناس إلا أمة واحدة يعني قبل بعث نوح كانوا على الفطرة
____________
= صلى الله عليه وآله فانما يقول بالوحي من الله فلم ينسخ القرآن ولم يبدله من قبل نفسه بل يكون تبديله من قبل الله تعالى ولكن لا يكون قرآنا ويؤيد ذلك قوله وما ينطق عن الهوى ان هو الا وحي يوحى من .
(1) نشأ كمنع شب والناشيء الغلام جاز حد الصغر ق .

( 398 )

لا مهتدين ولا ضلالا كما مضى بيانه في سورة البقرة عند تفسير هذه الكلمة فاختلفوا باتباع الهوى ، وببعثة الرسل فتبعهم طائفة وأضرب أخرى ولولا كلمة سبقت من ربك بتأخير الحكم بينهم إلى يوم القيامة لقضي بينهم عاجلا فيما فيه يختلفون ولتميز المحق من المبطل ، ولكن الحكمة أوجبت أن تكون هذه الدار للتكليف والاختبار ، وتلك للثواب والعقاب .
(20) ويقولون لولا أنزل عليه آية من ربه أي من الآيات التي اقترحوها فقل إنما الغيب لله هو المختص بعلمه ، ولكل أمر أجل فانتظروا لنزول ما اقترحتموه إنيء معكم من المنتظرين لما يفعل الله بكم .
(21) وإذا أذقنا الناس رحمة صحة وسعة من بعد ضراء مستهم كمرض وقحط إذا لهم مكر فاجأوا وقوع المكر منهم في اياتنا بالطعن والاحتيال في دفعها ، قيل : قحط أهل مكة سبع سنين حتى كادوا يهلكون ، ثم لما رحمهم الله بالمطر طفقوا يقدحون في آيات الله ، ويكيدون رسوله قل الله أسرع مكرا منكم قد دبر عقابكم قبل أن تدبروا كيدكم ، والمكر : إخفاء الكيد ، وهو من الله تعالى الاستدراج ، والجزاء على المكر إن رسلنا يكتبون ما تمكرون إعلام بأن ما يظنونه خافيا غير خاف على الله وتحقيق للأنتقام .
(22) هو الذي يسيركم يحملكم على السير ويمكنكم منه بتهيئة أسبابه في البر والبحر حتى إذا كنتم في الفلك في السفن وجرين بهم بمن فيها ، عدل عن الخطاب إلى الغيبة للمبالغة كأنه يذكر لغيرهم ليتعجب من حالهم بريح طيبة لينة الهبوب وفرحوا بها بتلك الريح جآءتها جاءت السفن ريح عاصف شديدة الهبوب وجاءهم الموج من كل مكان من أمكنة الموج وظنوا أنهم أحيط بهم أي اهلكوا يعني سدت عليهم مسالك الخلاص كمن أحاطت به العدو ، وهو مثل في الهلاك دعوا الله مخلصين له الدين لأنهم لا يدعون حينئذ غيره معه لئن أنجيتنا من هذه لنكونن من الشاكرين على إرادة القول .
(23) فلمآ أنجاهم إجابة لدعائهم إذا هم يبغون في الارض فاجأوا الفساد