( 90 ) قالوا (1) ءأنك لأنت يوسف استفهام تقرير وقريء على الأيجاب قال أنا يوسف وهذا أخي من أبي وأمي ذكره تعريفا لنفسه وتفخيما لشأنه قد مَنْ الله علينا أي بالسلامة والكرامة إنه من يتق أي من يتق الله ويصبر على البليات وعن المعاصي فإن الله لا يُضيع أجر المحسنين .
( 91 ) قالوا تالله لقد آثرك الله علينا اختارك علينا بحسن الصورة وكمال السيرة وإن كنا لخاطئين وإن شأننا وحالنا إنا كنا مذنبين بما فعلنا معك لا جرم أن الله أعزك واذلنا .
العياشي عن الباقر عليه السلام قالوا فلا تفضحنا ولا تعاقبنا اليوم واغفر لنا .
( 92 ) قال لا تثريب لا عيب ولا تعيير ولا تأنيب عليكم اليوم فيما فعلتم يغفر الله لكم وهو أرحم الرحمين .
في المجمع عن الصادق عليه السلام في حديث طويل أن يعقوب كتب إلى يوسف .
بسم الله الرحمن الرحيم الى عزيز مصر ومظهر العدل وموفي الكيل من يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم خليل الرحمن صاحب نمرود الذي جمع له النار ليحرقه بها فجعلها الله عليه بردا وسلاما وأنجاه منها اخبرك أيها العزيز إنا أهل بيت لم يزل البلاء إلينا سريعا من الله ليبلونا عند السراء والضراء وإن المصائب تتابعت عليّ منذ عشرين سنة أولها أنه كان لي ابن سميته يوسف وكان سروري من بين ولدي وقرة عيني وثمرة فؤادي وأن إخوته من غير امه سألوني أن أبعثه معهم يرتع ويلعب فبعثته معهم بكرة فجاؤني عشيا يبكون وجاؤوا على قميصه بدم كذب وزعموا أن الذئب أكله فاشتد لفقده حزني وكثر على فراقه بكائي حتى ابيضت عيناي من الحزن وأنه كان له أخ وكنت به معجبا وكان لي أنيسا وكنت إذا ذكرت يوسف ضممته إلى صدري وأن إخوته ذكروا أنك سألتهم عنه وأمرتهم أن يأتوك به وإن لم يأتوك به منعتهم الميرة فبعثته معهم
____________
(1) قيل ان يوسف لما قال لهم هل علمتم الآية تبسم فلما ابصروا ثناياه وكانت كاللؤلؤ المنظوم شبهوه بيوسف وقالوا له إنك لانت يوسف وقيل يرفع التاج عن رأسه فعرفوه م ن .
( 42 )
ليمتاروا لنا قمحا فرجعوا إليّ وليس هو معهم وذكروا أنه سرق مكيال الملك ونحن أهل بيت لا نسرق وقد حبسته عني وفجعتني به وقد اشتد لفراقه حزني حتى تقوس لذلك ظهري وعظمت به مصيبتي مع مصائب تتابعت عليّ فمن عليّ بتخلية سبيله وإطلاقه من حبسك وطيب لنا القمح واسمح لنا في السعر وأوف لنا الكيل وعجل سراح (1) آل إبراهيم قال فمضوا بكتابه حتى دخلوا على يوسف في دار الملك وقالوا يأيها العزيز مسنا وأهلنا الضر إلى آخر الآية وتصدق علينا بأخينا بنيامين وهذا كتاب أبينا يعقوب أرسله إليك في أمره يسألك تخلية سبيله فمن به علينا فأخذ يوسف كتاب يعقوب وقبله ووضعه على عينيه وبكى وانتحب (2) حتى بلت دموعه القميص الذي عليه ثم أقبل عليهم وقال هل علمتم ما فعلتم بيوسف وأخيه من قبل .
والعياشي عن الباقر عليه السلام في حديث له قال واشتد حزن يعقوب حتى تقوس (3) ظهره وأدبرت الدنيا عليه وعن ولده حتى احتاجوا حاجة شديدة وفنيت ميرتهم فعند ذلك قال يعقوب لولده اذهبوا فتحسسوا الآية فخرج منهم نفر وبعث منهم ببضاعة يسيرة وكتب معهم كتابا إلى عزيز مصر بتعطفه على نفسه وولده وأوصى ولده أن يبدؤا بدفع كتابه قبل البضاعة فكتب وذكر صفة الكتاب مثل ما ذكر في المجمع إلى قوله وعجل سراح آل إبرهيم وأورد آل يعقوب بدل آل إبراهيم ثم قال فلما مضى ولد يعقوب من عنده نحو مصر بكتابه نزل جبرئيل على يعقوب فقال له يا يعقوب إن ربك يقول لك من ابتلاك بمصائبك التي كتبت بها إلى عزيز مصر قال يعقوب أنت بلوتني بها عقوبة منك وأدبا لي قال الله فهل كان يقدر على صرفها عنك أحد غيري قال يعقوب اللهم لا قال فما استحييت مني حين شكوت مصائبك إلى غيري ولم تستغث بي وتشكو ما بك إليّ فقال يعقوب أستغفرك يا إلهي وأتوب إليك وأشكو بثي وحزني
____________
(1) سرّحت فلانا الى موضع كذا إذا أرسلته وتسريح المرأة تطليقها والاسم السراح مثل التبليغ والبلاغ وتسريح الشعر إرساله وحله قبل المشق .
(2) النحب أشد البكاء كالنحيب وقد نحب كمنع وانتحب .
(3) قوس تقويسا انحنى كتقوس
( 43 )
إليك فقال الله تعالى قد بلغت بك يا يعقوب وبولدك الخاطئين الغاية في أدبي ولو كنت يا يعقوب شكوت مصائبك إليّ عند نزولها بك واستغفرت وتبت إليّ من ذنبك لصرفتها عنك بعد تقديري إياها عليك ولكن الشيطان أنساك ذكري فصرت إلى القنوط من رحمتي وأنا الله الجواد الكريم أحب عبادي المستغفرين التائبين الراغبين إليّ فيما عندي يا يعقوب أنا راد إليك يوسف وأخاه ومعيد إليك ما ذهب من مالك ولحمك ودمك وراد إليك بصرك ومقوم لك ظهرك وطب نفسا وقر عينا وإنما الذي فعلته بك كان أدبا مني لك فأقبل أدبي قال ومضى ولد يعقوب بكتابه إلى آخر ما ذكر في المجمع إلا أنه قال وأنه كان له أخ من خالته وكنت به معجبا ثم ذكر صفة الكتاب برواية اخرى أخصر منه وقال في آخره فلما اوتي يوسف عليه السلام بالكتاب فتحه وقرأه فصاح ثم قام فدخل منزله فقرأه وبكى ثم غسل وجهه ثم خرج إلى إخوته ثم عاد فقرأه فصاح وبكى ثم قام فدخل منزله فقرأه وبكى ثم غسل وجهه وعاد إلى اخوته فقال هل علمتم ما فعلتم بيوسف وأخيه إذ أنتم جاهلون وأعطاهم قميصه وهو قميص إبراهيم وكان يعقوب بالرملة .
( 93 ) اذهبوا بقميصي هذا فألقوه على وجه أبي يأت بصيرا وأتوني أنتم وأبي بأهلكم أجمعين .
( 94 ) ولما فصلت العير من مصر وخرجت من عمرانها قال أبوهم لمن حضره إني لأجد ريح يوسف لولا أن تفندون تنسبوني إلى الفند وهو نقصان عقل يحدث من الهرم وجواب لولا محذوف وتقديره لصدقتموني .
( 95 ) قالوا تالله إنك لفي ضلالك القديم لفي ذهابك عن الصواب قدما بإفراطك في محبة يوسف واكثارك ذكره والتوقع للقائه .
( 96 ) فلما أن جاء البشير في الأكمال عن الصادق عليه السلام وهو يهودا إبنه ألقاه على وجهه طرح القميص على وجهه فارتَدّ بصيرا عاد بصيرا لما انتعش فيه من القوة قال ألم أقل لكم إني أعلم من الله ما لا تعلمون من حياة يوسف وإنزال
( 44 )
الفرج من الله ويحتمل أن يكون إني أعلم مستأنفا والمقول محذوفا دل عليه الكلام السابق .
العياشي عن الصادق عليه السلام كتب عزيز مصر إلى يعقوب أما بعد فهذا ابنك يوسف اشتريته بثمن بخس دراهم معدودة واتخذته عبدا وهذا ابنك بنيامين قد سرق فاتخذته عبدا قال فما ورد على يعقوب بشيء أشد عليه من ذلك الكتاب فقال للرسول مكانك حتى أجيبه فكتب إليه يعقوب أما بعد فقد فهمت كتابك إنك أخذت ابني بثمن بخس وأخذته عبدا وإنك أتخذت ابني بنيامين وقد سرق واتخذته عبدا فإنا أهل بيت لا نسرق ولكنا أهل بيت نبتلى وقد ابتلى أبونا ابراهيم بالنار فوقاه الله وابتلى أبونا اسحاق بالذبح فوقاه الله وإني قد ابتليت بذهاب بصري وذهاب ابني وعسى الله أن يأتيني بهم جميعا قال فلما ولى الرسول عنه رفع يده إلى السماء ثم قال يا حسن الصحبة يا كريم المعونة يا خيرا كله إئتني بروح وفرج من عندك قال فهبط عليه جبرئيل فقال ليعقوب ألا اعلمك دعوات يرد الله عليك بها بصرك ويرد عليك ابنيك فقال بلى فقال قل يا من لا يعلم أحد كيف هو وحيث هو وقدرته إلا هو يامن سد الهواء بالسماء وكبس الأرض على الماء واختار لنفسه أحسن الأسماء إئتني بروح منك وفرج من عندك فما انفجر عمود الصبح حتى اتي بالقميص وطرح على وجهه فرد الله عليه بصره ورد عليه ولده .
والقمي أورد هذا الحديث بأبسط من هذا وذكر في كتاب العزيز مكان قد سرق قد وجدت متاعي عنده وذكر في جواب يعقوب ابتلاءه بإبنيه على نحو كتابه الذي قد سبق ذكره .
وقال فيه وقد كان له أخ من امه كنت انس به فخرج مع إخوته إلى أن قال وقد حبسته وأنا أسألك بإلاه ابراهيم وإسحاق ويعقوب إلاّ مننت عليّ به وتقربت إلى الله ورددته إليّ قال فلما ورد الكتاب الى يوسف أخذه ووضعه على وجهه وقبله وبكى بكاء شديدا ثم نظر إلى إخوته فقال هل علمتم ما فعلتم بيوسف الآيات قال فلما ولى الرسول الحديث .
( 45 )
والعياشي عن الباقر عليه السلام قال اذهبوا بقميصي هذا الذي بلته دموع عيني فألقوه على وجه أبي يرتد بصيرا لو قد شم ريحي وأتوني بأهلكم أجمعين وردهم إلى يعقوب في ذلك اليوم وجهزهم بجميع ما يحتاجون إليه فلما فصلت عيرهم من مصر وجد يعقوب ريح يوسف فقال لمن بحضرته من ولده إني لاجد ريح يوسف لولا أن تفندون قال وأقبل ولده يحثون السير بالقميص فرحا وسرورا بما رأوا من حال يوسف والملك الذي أعطاه الله والعز الذي صاروا إليه في سلطان يوسف وكان مسيرهم من مصر إلى يعقوب تسعة أيام فلما أن جاء البشير ألقى القميص على وجهه فارتد بصيرا وقال لهم ما فعل ابن ياميل قالوا خلفناه عند أخيه صالحا قال فحمد الله يعقوب عند ذلك وسجد لربه سجدة الشكر ورجع إليه بصره وتقوم له ظهره وقال لولده تحولوا إلى يوسف في يومكم هذا بأجمعكم فصاروا إلى يوسف ومعهم يعقوب وخالة يوسف ياميل فحثوا السير فرحا وسرورا فساروا تسعة أيام إلى مصر ، وعن الصادق عليه السلام وجد يعقوب ريح قميص ابراهيم حين فصلت العير من مصر وهو بفلسطين .
وفي الكافي والأكمال والقمي والعياشي عنه عليه السلام أتدري ما كان قميص يوسف قيل لا قال إن إبراهيم لما أوقدت له النار نزل إليه جبرئيل بالقميص .
والقمي بثوب من ثياب الجنة وألبسه إياه فلم يضر معه حر ولا برد فلما أحضرته الوفاة جعله في تميمة وعلقه على اسحاق وعلقه إسحاق على يعقوب عليه السلام فلما ولد يوسف علقه عليه وكان في عضده حتى كان من أمره ما كان فلما أخرجه يوسف عليه السلام بمصر من التميمة وجد يعقوب ريحه وهو قوله عز وجل حكاية عنه إني لاجد ريح يوسف لولا أن تفندون وهو ذلك القميص الذي انزل من الجنة قيل جعلت فداك فإلى من صار هذا القميص قال إلى أهله ثم يكون مع قائمنا إذا خرج ثم قال كل نبي ورث علما أو غيره فقد انتهى إلى محمد صلى الله عليه وآله وسلم وزاد القمي وكان يعقوب بفلسطين وفصلت العير من مصر فوجد يعقوب ريحه وهو من ذلك القميص الذي انزل من الجنة ونحن ورثته .
( 46 )
والعياشي مرفوعا إن يعقوب وجد ريح قميص يوسف من مسيرة عشرة ليال وكان يعقوب ببيت المقدس ويوسف بمصر وهو القميص الذي نزل على إبراهيم من الجنة في قصبة من فضة وكان إذا لبس كان واسعا كبيرا فلما فصلوا ويعقوب بالرملة ويوسف بمصر قال يعقوب إني لاجد ريح يوسف يعني ريح الجنة حين فصلوا بالقميص لأنه كان من الجنة .
أقول : يعني إنه كان من عالم الملكوت والباطن قد برز إلى عالم الملك والظاهر وصار محسوسا .
( 97 ) قالوا يا أبانا استغفر لنا ذنوبنا إنا كنا خاطئين .
( 98 ) قال سوف أستغفر لكم ربي إنه هو الغفور الرحيم .
في الكافي عن الصادق عليه السلام قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خير وقت دعوتم الله فيه الأسحار وتلا هذه الآية في قول يعقوب سوف أستغفر لكم ربي وقال أخرهم إلى السحر .
وفي الفقيه والمجمع والعياشي عنه عليه السلام اخره الى السحر ليلة الجمعة .
والعياشي عنه عليه السلام أخره إلى السحر وقال يا رب إنما ذنبهم فيما بيني وبينهم فأوحى الله قد غفرت لهم .
وفي العلل عنه عليه السلام إنه سئل عن يعقوب إنه لما قال له بنوه يا أبانا استغفر لنا ذنوبنا إنا كنا خاطئين قال سوف أستغفر لكم ربي فأخر الاستغفار لهم ويوسف عليه السلام لّما قالوا له تالله لقد آثرك الله علينا وإن كنا لخاطئين قال لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين قال لأن قلب الشاب ارق من قلب الشيخ وكانت جناية ولد يعقوب على يوسف وجنايتهم على يعقوب إنما كانت بجنايتهم على يوسف فبادر يوسف إلى العفو عن حقه وأخر يعقوب العفو لأن عفوه إنما كان عن حق غيره فأخرهم إلى السحر ليلة الجمعة .
في الكافي عن الباقر عليه السلام أنه سئل ما كان أولاد يعقوب أنبياء قال لا
( 47 )
ولكنهم كانوا أسباطا أولاد الأنبياء ولم يكن يفارقوا الدنيا إلا سعداء تابوا وتذكروا ما صنعوا وإن الشيخين فارقا الدنيا ولم يكن يتوبا ولم يذكرا ما صنعا بأمير المؤمنين عليه السلام فعليهما لعنة الله والملائكة والناس أجمعين .
والعياشي عن الصادق عليه السلام إنه سئل أكان إخوة يوسف أنبياء قال لا ولكن بررة أتقياء كيف وهم يقولون لأبيهم يعقوب تالله إنك لفي ضلالك القديم .
وعنه عليه السلام إنه سئل ما حال بني يعقوب هل خرجوا من الأيمان فقال نعم قلت فما تقول في آدم قال دع آدم عليه السلام .
( 99 ) فلما دخلوا على يوسف آوى إليه أبويه ضم إليه أباه وامه راحيل كما مضى عن الباقر عليه السلام في أول السورة في تأويل الرؤيا أو أباه وخالته ياميل لما سبق في رواية العياشي إنها هي التي صارت معهم إلى مصر ولما يأتي في روايته أنه رفع أباه وخالته على سرير الملك فإن صحت هذه الرواية فلعلها نزلت منزلة الام كما نزل العم منزلة الأب في قوله وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل ولما روى أنها ربته بعد أمه والرابة تدعى أمّاً وقال ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين يعني (1) إن شاء الله دخلتموه آمنين وإنما دخلوا عليه قبل دخولهم مصر لأنه استقبلهم يوسف ونزل لهم في بيت أو مضرب هناك فدخلوا عليه وضم إليه أبويه .
في الكافي عن الصادق عليه السلام إن يوسف لما قدم عليه الشيخ يعقوب دخله عز الملك فلم ينزل إليه فهبط عليه جبرئيل عليه السلام فقال يا يوسف إبسط راحتك فخرج منها نور ساطع فصار في جو السماء فقال يوسف يا جبرئيل ما هذا النور الذي خرج من راحتي فقال نزعت النبوة من عقبك عقوبة لما لم تنزل إلى الشيخ يعقوب فلا يكون من عقبك نبي .
وفي العلل عنه عليه السلام لما تلقى يوسف يعقوب ترجل له يعقوب ولم
____________
(1) والاستثناء يعود الى الامن وإنما قال آمنين لانهم كانوا فيما خلا يخافون ملوك مصر ولا يدخلونها إلا بجوازهم ، قال وهب إنهم دخلوا مصر وهم ثلاث وسبعون إنسانا وخرجوا مع موسى وهم ستمائة الف وخمسمائة وبضع وسبعون رجلا مجمع البيان .
( 48 )
يترجل له يوسف فلم ينفصل من العناق حتى أتاه جبرئيل فقال له يا يوسف ترجل لك الصديق ولم تترجل له إبسط يدك وذكر مثل ما في الكافي وفي رواية اخرى هم بأن يترجل ليعقوب ثم نظر إلى ما هو فيه من الملك فلم يفعل الحديث .
القمي لما وافى يعقوب وأهله وولده مصر قعد يوسف على سريره ووضع تاج الملك على رأسه فأراد أن يراه أبوه على تلك الحالة فلما دخل عليه أبوه لم يقم له فخروا كلهم سجدا ثم روى عن الهادي عليه السلام إخراج جبرائيل نور النبوة من بين أصابعه ومحوها من صلبه وجعلها في ولد لاوي أخيه لأنه نهى إخوته عن قتله ولأنه قال لن أبرح الارض الآية قال فشكر الله له ذلك وكان أنبياء بني اسرائيل من ولده وكان موسى من ولده وهو موسى ابن عمران بن يصهر بن واهث بن لاوي بن يعقوب .
( 100 ) ورفع أبويه على العرش وخّروا له سجدا .
العياشي عن الصادق عليه السلام العرش السرير وكان سجودهم ذلك عبادة لله وقال يا أبَتِ هذا تأويل رؤياي من قبل رأيتها في أيام الصبا قد جعلها ربي حقا صدقا .
العياشي عن الكاظم عليه السلام إنه سئل في كم دخل يعقوب من ولده على يوسف قال في أحد عشر إبنا له فقيل له أسباط قال نعم .
وعن الباقر عليه السلام لما دخلوا على يوسف في دار الملك إعتنق أباه وبكى ورفعه ورفع خالته على سرير الملك ثم دخل منزله فادّهن واكتحل ولبس ثياب العز والملك ثم خرج إليهم فلما رأوه سجدوا له إعظاما له وشكرا لله فعند ذلك قال يا أبت هذا تأويل رؤياي من قبل قال ولم يكن يوسف في تلك العشرين سنة يدهن ولا يكتحل ولا يتطيب ولا يضحك ولا يمس النساء حتى جمع الله بيعقوب شمله وجمع بينه وبين يعقوب واخوته وفي المجمع عنه عليه السلام مثله .
أقول : لعل المراد بنفي مسه النساء عدم مسهن للألتذاذ والشهوة فلا ينافي ما
( 49 )
سبق أنه كان له ابن يلعب برمانة بين يديه حين خاصمه أخوه في أخيه فلعله إنما مسهن لتثقيل الأرض بتسبيح الولد كما مضى في إعتذار أخيه في مثله .
والقمي عن الباقر عليه السلام لما دخلوا عليه سجدوا شكرا لله وحده حين نظروا إليه وكان ذلك السجود لله .
وعن الهادي عليه السلام وقد سئل عن سجود يعقوب وولده ليوسف عليه السلام وهم أنبياء أما سجود يعقوب وولده فإنه لم يكن ليوسف وإنما كان من يعقوب وولده طاعة لله وتحية ليوسف كما كان السجود من الملائكة لأدم وإنما كان ذلك منهم طاعة لله وتحية لادم فسجد يعقوب وولده ويوسف معهم شكرا لله لأجتماع شملهم ألم تر أنه يقول في شكره ذلك الوقت رب قد آتيتني من الملك الآية .
وفي الجوامع عن الصادق عليه السلام إنه قرأ وخروا لله سجدين وقد أحسن بي إذ أخرجني من السجن لعله لم يذكر الجب لئلا يكون تثريبا عليهم وجاء بكم من البدو من البادية لأنهم كانوا أصحاب المواشي وأهل البدو وينتقلون في المياه والمناجع (1) من بعد أن نزغ الشيطن بيني وبين إخوتي أفسد بيننا وحرش إن ربي لطيف لما يشاء في تدبير عباده يسهل لهم العسر ويلطفه إنه هو العليم بوجوه المصالح والتدابير الحكيم الذي يفعل كل شيء في وقته وعلى وجه .
القمي عن الهادي عليه السلام قال يعقوب لأبنه أخبرني ما فعل بك إخوتك حين أخرجوك من عندي قال يا أبت إعفني من ذلك قال فأخبرني ببعضه قال إنهم لما أدنوني من الجب قالوا انزع القميص فقلت لهم يا إخوتي اتقوا الله ولا تجردوني فسلّوا عليّ السكين وقالوا لئن لم تنزع لنذبحنك فنزعت القميص وألقوني في الجب عريانا قال فشهق يعقوب شهقة واغمي عليه فلما أفاق قال يا بني حدثني قال يا أبت أسألك بإله
____________
(1) في حديث علي عليه السلام هي يعني الدنيا منزل قلعة وليست بدار نجعة قوله منزل قلعة بضم القاف إذا لم تصلح للاستيطان والنجعة بضم النون ايضا طلب الكلاء وحاصله انها ليست دار راحة وطيب عيش والانتجاع طلب الاحسان ومنه انتجعت فلانا إذا اتيته تطلب معروفه والانتجاع طلب النبات والعلف والماء م .
( 50 )
إبراهيم واسحاق ويعقوب إلا أعفيتني فاعفاه .
وفي المجمع عن الصادق عليه السلام والعياشي عن الباقر عليه السلام ما في معناه .
وفي المجمع روي أن يوسف عليه السلام قال ليعقوب لا تسألني عن صنيع إخوتي واسأل عن صنيع الله بي .
( 101 ) رب قد آتيتني من الملك بعض الملك وهو ملك مصر .
في الكافي عن الصادق عليه السلام في حديث يذكر فيه يوسف فكان من أمره الذي كان أن اختار مملكة الملك [ مصر ظ ] وما حولها إلى اليمن .
وفي الخصال عن الباقر عليه السلام إن الله تبارك وتعالى لم يبعث أنبياء ملوكا في الأرض إلا أربعة إلى أن قال وأما يوسف فملك مصر وبراريها ولم يتجاوزها إلى غيرها وعلمتني من تأويل الاحاديث بعض تأويلها فاطر السماوات والأرض مبدعهما أنت وليّ ناصري ومتولي أمري في الدنيا والآخرة تتولاني بالنعمة فيهما وتوصل الملك الفاني بالملك الباقي توفني مسلما وألحقني بالصالحين في الرتبة والكرامة .
في الأكمال عن الصادق عليه السلام عن أبيه عليه السلام عن جده عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عاش يعقوب بن إسحاق مائة وأربعين سنة وعاش يوسف بن يعقوب مائة وعشرين سنة .
وفي المجمع عن الصادق عليه السلام قال دخل يوسف السجن وهو إبن اثنتي عشرة سنة ومكث فيها ثماني عشرة سنة وبقي بعد خروجه ثمانين سنة فذلك مائة وعشر سنين .
وعن الباقر عليه السلام إنه سئل كم عاش يعقوب مع يوسف بمصر قال عاش حولين قيل فمن كان الحجة لله في الأرض يعقوب أم يوسف قال كان يعقوب وكان الملك ليوسف فلما مات يعقوب حمله يوسف في تابوت إلى أرض الشام فدفن في بيت المقدس
( 51 )
فكان يوسف عليه السلام بعد يعقوب الحجة قيل فكان يوسف رسولا نبيا قال نعم أما تسمع قوله عز وجل ولقد جاءكم يوسف من قبل بالبينات .
والعياشي عنه عليه السلام ما يقرب منه .
وفي الفقيه عن الصادق عليه السلام إن الله أوحى إلى موسى بن عمران أن أخرج عظام يوسف من مصر فاستخرجه من شاطئ النيل وكان في صندوق مرمر فحمله إلى الشام فلذلك يحمل أهل الكتاب موتاهم إلى الشام وهو يوسف بن يعقوب وما ذكر الله يوسف في القرآن غيره .
وفي العلل عنه عليه السلام إستأذنت زليخا على يوسف فقيل لها إنا نكره أن نقدم بك عليه لما كان منك إليه قالت إني لا أخاف من يخاف الله فلما دخلت قال لها يا زليخا مالي أراك قد تغير لونك قالت الحمد لله الذي جعل الملوك بمعصيتهم عبيدا وجعل العبيد بطاعتهم ملوكا فقال لها ما الذي دعاك إلى ما كان منك قالت حسن وجهك يا يوسف فقال كيف لو رأيت نبيا يقال له محمد صلى الله عليه وآله وسلم يكون في آخر الزمان أحسن مني وجها وأحسن مني خلقا وأسمح مني كفا قالت صدقت قال وكيف علمت أني صدقت قالت لأنك حين ذكرته وقع حبه في قلبي فأوحى الله عز وجل إلى يوسف أنها قد صدقت وإني قد أحببتها لحبها محمدا صلى الله عليه وآله وسلم فأمره الله عز وجل أن يتزوجها .
والقمي عن الهادي عليه السلام لما مات العزيز في السنين الجدبة افتقرت إمرأة العزيز واحتاجت حتى سألت فقالوا لها لو قعدت للعزيز وكان يوسف سمّي العزيز وكل ملك كان لهم سمي بهذا الأسم فقالت أستحي منه فلم يزالوا بها حتى قعدت له فأقبل يوسف في موكبه فقامت إليه فقالت سبحان الذي جعل الملوك بالمعصية عبيدا وجعل العبيد بالطاعة ملوكا فقال لها يوسف أنت تيك [ هاتيك خ ل ] فقالت نعم وكان اسمها زليخا فقال لها هل لك في رغبة قالت دعني بعد ما كبرت أتهزأ بي قال لا قالت نعم فأمر بها فحولت إلى منزله وكانت هرمة فقال لها ألست فعلت بي كذا وكذا فقالت يا
( 52 )
نبي الله لا تلمني فإني بليت بثلاثة لم يبل [ يبتل خ ك ] بها أحد قال وما هي قالت بليت بحبك ولم يخلق الله لك في الدنيا نظيرا وبليت بأنه لم يكن بمصر إمرأة أجمل مني ولا أكثر مالا مني نزع عني وبليت بزوج عنين (1) فقال لها يوسف فما تريدين فقالت تسأل الله أن يرد علي شبابي فسأل الله فرد عليها شبابها فتزوجها وهي بكر .
( 102 ) ذلك من أنباء الغيب نوحيه إليك يا محمد وما كنت لديهم لدى إخوة يوسف إذ أجمعوا أمرهم عزموا على ما هموا به وهم يمكرون لم يعرف ذلك إلا بالوحي .
( 103 ) وما أكثر الناس ولو حرصت على إيمانهم وبالغت في إظهار الآيات عليهم بمؤمنين لعنادهم وتصميمهم على الكفر .
( 104 ) وما تسألهم عليه على التبليغ من أجر من جعل إن هو إلا ذكر عظة من الله للعالمين عامة .
( 105 ) وكأين من آية في السماوات والارض تدل على حكمة الله وقدرته في صنعه يمرون عليها ويشاهدونها وهم عنها معرضون لا يتفكرون فيها ولا يعتبرون بها .
( 106 ) وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون في الطاعة وبالنظر إلى الأسباب .
في الكافي عن الصادق عليه السلام .
والقمي والعياشي عن الباقر عليه السلام شرك طاعة وليس شرك عبادة .
وزاد القمي والعياشي والمعاصي التي يرتكبون فهي شرك طاعة أطاعوا فيها الشيطان فأشركوا بالله في الطاعة لغيره وليس باشراك عبادة أن يعبدوا غير الله .
____________
(1) العنين الذي لا يقدر على اتيان النساء ولا يشتهي النساء وامرأة عنينة لا تشتهي الرجال
( 53 )
وفي الكافي عن الصادق عليه السلام في هذه الآية يطيع الشيطان من حيث لا يعلم فيشرك .
وفي التوحيد عنه عليه السلام هم الذين يلحدون في أسمائه بغير علم فيضعونها غير مواضعها .
والعياشي عنه عليه السلام هو الرجل يقول لولا فلان لهلكت ولولا فلان لأصبت كذا وكذا ولولا فلان لضاع عيالي ألا ترى أنه قد جعل لله شريكا في ملكه يرزقه ويدفع عنه قيل فيقول لولا أن منّ الله عليّ بفلان لهلكت قال نعم لا بأس بهذا .
وعن الباقر عليه السلام من ذلك قول الرجل لا وحياتك وعنهما عليهما السلام شرك النعم وعن الرضا عليه السلام شرك لا يبلغ به الكفر .
( 107 ) أفأمنوا أن تأتيهم غاشية من عذاب الله عقوبة تغشيهم وتشملهم أو تأتيهم الساعة بغتة فجأة من غير سابقة علامة وهم لا يشعرون بإتيانها غير مستعدين لها .
( 108 ) قل هذه سبيلي يعني الدعوة إلى التوحيد والأعداد للمعاد أدعوا إلى الله تفسير للسبيل على بصيرة أنا ومن اتبعني .
في الكافي عن الباقر عليه السلام ذاك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأمير المؤمنين والأوصياء عليهم السلام من بعدهما .
وعنه عليه السلام علي اتبعه .
وعن الجواد عليه السلام حين أنكروا عليه حداثة سنه قال وما ينكرون قال الله لنبيه قل هذه سبيلي الآية فوالله ما تبعه إلا علي وله تسع سنين وأنا ابن تسع سنين .
والقمي والعياشي ما يقرب من هذه الروايات وسبحان الله وانزهه تنزيها وما أنا من المشركين .
في الكافي عن الصادق عليه السلام أنه سئل عن تفسير سبحان الله قال أنفة
( 54 )
لله أما ترى الرجل إذا عجب من الشيء قال سبحان الله وفي رواية اخرى قال تنزيه .
( 109 ) وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا رد لقولهم لو شاء ربك لانزل ملائكة يوحى إليهم كما أوحى إليك وتميزوا بذلك عن غيرهم وقريء نوحي بالنون من أهل القرى لأن أهلها أعلم وأحكم من إهل البدو .
وفي العيون عن الرضا عليه السلام وما أرسلنا من قبلك يعني إلى الخلق إلا رجالا نوحي إليهم من أهل القرى فأخبر أنه لم يبعث الملائكة إلى الأرض ليكونوا أئمة أو حكاما وإنما أرسلوا إلى أنبياء الله أفلم يسيروا في الارض قد سبق تفسيرها بأرض القرآن فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم من المكذبين بالرسل والآيات فيحذروا تكذيبك من المشغوفين بالدنيا المتهالكين عليها فينقلعوا عن حبها ويزهدوا فيها ولدار الآخرة خير للذين اتقوا الشرك والمعاصي أفلا يعقلون يستعملون عقولهم ليعرفوا أنها خير وقريء بالتاء حتى إذا استيأس الرسل غاية لكلام محذوف دل عليه الكلام كأنه قيل قد تأخر نصرنا إياهم كما أخرناه عن هذه الامة حتى إذا استيأسوا عن النصر وظنوا أنهم قد كذبوا أي وظن الرسل أنهم قد كذبتهم قومهم فيما وعدوا من العذاب والنصرة عليهم وقريء كذبوا بالتخفيف في الجوامع أنه قراءة أئمة الهدى عليهم السلام ومعناه وظن المرسل إليهم أن الرسل قد كذبوهم فيما أخبروهم من نصرة الله اياهم .
والعياشي عن الصادق عليه السلام وظنوا أنهم قد كذبوا مخففة قال ظنت الرسل أن الشياطين تمثل لهم على صورة الملائكة جاءهم نصرنا بارسال العذاب على الكفار فننجّي من نشاء فنخلص من نشاء من العذاب عند نزوله وهم المؤمنون وقريء فنجيّ على الماضي المبني للمفعول ولا يرد بأسنا عن القوم المجرمين إذا نزل .
في العيون عن الرضا عليه السلام فيما سأله المأمون في عصمة الأنبياء يقول الله حتى إذا استيأس الرسل من قومهم وظن قومهم أن الرسل قد كذبوا جاء الرسل نصرنا .
والقمي عن الصادق عليه السلام وكلهم الله إلى أنفسهم فظنوا أن الشياطين
( 55 )
قد تمثلت لهم في صورة الملائكة .
والعياشي عنه عليه السلام وكلهم الله إلى أنفسهم أقل من طرفة عين ، وعنه عليه السلام أنه سأل كيف لم يخف على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فيما يأتيه من قبل الله أن يكون ذلك ما ينزغ به الشيطان فقال إن الله إذا اتخذ عبدا رسولا أنزل عليه السكينة والوقار وكان يأتيه من قبل الله مثل الذي يراه بعينه .
( 111 ) لقد كان في قصصهم قصص الأنبياء واممهم عبرة لاولي الالباب يعني أولي العقول الكاملة ما كان القرآن حديثا يفترى يختلق ولكن تصديق الذي بين يديه قبله من الكتب الإلهيّة .
القمي يعني من كتب الأنبياء وتفصيل كل شيء يحتاج إليه في الدين وهدى من الضلال ورحمة ينال بها خير الدارين لقوم يؤمنون يصدقونه .
في ثواب الأعمال والعياشي عن الصادق عليه السلام من قرأ سورة يوسف في كل يوم أو في كل ليلة بعثه الله يوم القيامة وجماله على جمال يوسف ولا يصيبه فزع يوم القيامة وكان من خيار عباد الله الصالحين .
وزاد العياشي وأومن في الدنيا أن يكون زانيا أو فحاشا وفي ثواب الأعمال قال وكانت في التوراة مكتوبة .
وفي الكافي عن أمير المؤمنين عليه السلام لا تعلموا نساءكم سورة يوسف عليه السلام ولا تقرؤهن إياها فإن فيها الفتن وعلموهن سورة النور فإن فيها المواعظ .
وفي الخصال عن الباقر عليه السلام يكره لهن تعلم سورة يوسف عليه السلام .
( 56 )
سورة الرعد
مكية كلها وقيل إلا آخر آية منها وقيل مدنية إلا آيتين نزلتا بمكة ولو أن قرآنا سيرت به الجبال وما بعدها وعدد آيها ثلاث وأربعون آية
بسم الله الرحمن الرحيم
( 1 ) المر قد سبق الكلام فيه وفي نظائره .
وفي المعاني عن الصادق عليه السلام معناه أنا الله المحي المميت الرزاق تلك آيات الكتاب (1) والذي أنزل إليك من ربك يعني القرآن الحق ولكن أكثر الناس لا يؤمنون .
( 2 ) الله الذي رفع السماوات بغير عمد بغير أساطين ترونها صفة لعمد .
القمي والعياشي عن الرضا عليه السلام فثم عمد ولكن لا ترونها ثم استوى على العرش سبق معناه في سورة الأعراف وسخر الشمس والقمر كل يجري لاجل مسمى لمدة معينة يتم فيها أدواره أو لغاية مضروبة ينقطع دونها سيره وهي إذا الشمس كورت وإذا النجوم انكدرت يدبر الامر أمر ملكوته من الأيجاد والأعدام والأحياء والأماتة وغير ذلك يفصل الآيات ينزلها ويبينها لعلكم بلقاء ربكم توقنون لكي تتفكروا فيها وتتحققوا كمال قدرته وصنعه في كل شيء فتعلموا أنه بكل شيء محيط وهذا كقوله ألا إنهم في مرية من لقاء ربهم ألا إنه بكل شيء محيط .
____________
(1) يعني بالكتاب السورة وتلك اشارة الى آياتها اي تلك الآيات السورة الكاملة .
( 57 )
( 3 ) وهو الذي مد الارض بسطها طولا وعرضا ليثبت فيه الأقدام ويتقلب عليها الحيوان وجعل فيها راوسي جبالا ثوابت (1) وأنهارا تتولد منها ومن كل الثمرات جعل فيها زوجين اثنين وجعل فيها من جميع أنواعها صنفين إثنين أسود وأبيض وحلوا وحامضا رطبا ويابسا صغيرا وكبيرا وما أشبه ذلك من الأصناف المختلفة يغشي اليل النهار يلبس ظلمة الليل ضياء النهار فيصير الهواء مظلما بعد ما كان مضيئا وقريء يغشي بالتشديد إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون (2) .
( 4 ) وفي الارض قطع متجاورات متلاصقة من طيبة وسبخة (3) ورخوة وصلبة وصالحة للزرع دون الشجر وبالعكس وغير صالحة لشيء منهما وجنات من أعناب وزرع ونخيل فيها أنواع الأعناب والزرع والنخيل وقريء وزرع ونخيل بالرفع وكذلك في معطوفهما صنوان نخلات أصلها واحد وغير صنوان متفرقات مختلفة الاصول أو أمثال وغير أمثال وفي الحديث النبوي عم الرجل صنو أبيه يسقى وقريء بالياء بماء واحد ونُفضّل وقريء بالياء بعضها على بعض في الاكل (4) في الثمر شكلا وقدرا ورائحة وطعما .
العياشي عنهم عليهم السلام يعني هذه الأرض الطيبة مجاورة لهذه الأرض المالحة وليست منها كما يجاور القوم القوم وليسوا منهم .
وفي المجمع عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم إنه قال لعلي عليه السلام الناس من شجر شتى وأنا وأنت من شجرة واحدة ثم قرأ هذه الآية إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون يستعملون عقولهم بالتفكر فيهتدون إلى عظمة الصانع وعلمه وحكمته
____________
(1) فيهما فان تكونهما وتخصصهما بوجه دون وجه دليل على وجود صانع حكيم دبر أمرهما وهيأ أسبابهما .
(2) لتمسك الارض ولو أراد ان يمسكها من غير جبال لفعل الا انه امسكها بالرواسي لان ذلك أقرب الى افهام الناس وادعى لهم الى الاستدلال والنظر م .
(3) السبخة بالفتح واحدة السباخ وهي ارض مالحة يعلوها الملوحة ولا تكاد تنبت الا بعض الاشجار يقال سبخت الارض من باب تعب فهي سبخة بكسر الباء واسكانها تخفيف ويجمع المكسور على سبخات مثل كلمة وكلمات والساكن على سباخ مثل كلبة وكلاب م .
(4) وفي هذا اوضح دلالة على ان لهذه الاشياء صانعا قادرا احدثها وابدعها ودبرها على ما تقتضيه حكمته والاكل الثمر الذي يؤكل م ن .
( 58 )
البالغة وقدرته النافذة وتدبيره الكامل ولطفه الشامل وحسن تربيته وصنايعه شيئا فشيئا إلى بلوغها منتهى كمالاتها اللايقة بها .
( 5 ) وإن تعجب يا محمد من قولهم في إنكار البعث فعجب قولهم فحقيق بأن يتعجب منه فإن من قدر على إنشاء ما قص عليك كانت الأعادة أهون عليه أءذا كنا ترابا أءنا لفي خلق جديد (1) أولئك الذين كفروا بربهم لأنكارهم قدرته وتماديهم في الكفر (2) وأولئك الاغلال في أعناقهم مقيدون بالضلال لا يرجى خلاصهم لأصرارهم وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون لا ينفكون عنها .
( 6 ) ويستعجلونك بالسيئة قبل الحسنة بالعقوبة قبل العافية وذلك أنهم استعجلوا بالعذاب استهزاءا وقد خلت مضت من قبلهم المثلات عقوبات أمثالهم من المكذبين فما بالهم لم يعتبروا بها ، في نهج البلاغة إحذروا ما نزل بالأمم قبلكم من المثلات بسوء الأفعال وذميم الأعمال فتذكروا في الخير والشر أحوالهم واحذروا أن تكونوا أمثالهم وإن ربك لذو مغفرة للناس على ظلمهم أي مع ظلمهم أنفسهم بالذنوب وإن ربك لشديد العقاب .
في المجمع لما نزلت هذه الآية قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لولا عفو الله وتجاوزه ما هنأ أحد العيش ولولا وعيد الله وعقابه لاتكل كل أحد .
وفي التوحيد عن الرضا عليه السلام حين تذاكروا الكباير وقول المعتزلة فيها إنها لا تغفر قال أبو عبد الله عليه السلام قد نزل القرآن بخلاف قول المعتزلة قال جل جلاله وإن ربك لذو مغفرة للناس على ظلمهم .
( 7 ) ويقول الذين كفروا لولا أنزل عليه آية من ربه لم يعتدوا بالآيات المنزلة عنادا واقترحوا نحو ما أوتي موسى وعيسى إنما أنت منذر مرسل للأنذار كغيرك من الرسل وما عليك إلا الأتيان بما يصح به أنك رسول مخوّف منذر والآيات كلها متساوية
____________
(1) بدل من قولهم أو مفعول له والفاعل في إذا محذوف دل عليه لفي خلق جديد .
(2) تمادى في الذنوب لج وداوم وتوسع فيها ومثله تمادى في الجهل وتمادى في غيه م .
( 59 )
في حصول الغرض ولكل قوم هاد يهديهم إلى الدين ويدعوهم إلى الله بوجه من الهداية وبآية خص بها .
في المجمع لما نزلت هذه الآية قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنا المنذر وعلي الهادي من بعدي يا علي بك يهتدي المهتدون .
وفي الكافي عن الباقر عليه السلام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم المنذر ولكل زمان منا هاد يهديهم إلى ما جاء به نبي الله ثم الهداة من بعده علي ثم الأوصياء واحد بعد واحد .
وعن الصادق عليه السلام كل إمام هاد للقرن الذي هو فيهم ومثله في الأكمال ورواه القمي والعياشي وغير واحد من الخاصة والعامة في غير واحد من الأسانيد .
والقمي هو رد على من أنكر أن في كل عصر وزمان إماما وأنه لا تخلو الأرض من حجة .
( 8 ) الله يعلم ما تحمل كل أنثى من ذكر أو أنثى تام وناقص حسن وقبيح سعيد وشقي وما تغيض ( 1 ) الارحام وما تنقصه وما تزداد في المدة والعدد والخلقة .
في الكافي والعياشي عن أحدهما عليهما السلام الغيض كل حمل دون تسعة أشهر وما تزداد كل شيء يزداد على تسعة أشهر فكلما رأت المرأة الدم في حملها من الحيض فإنها تزداد بعدد الأيام التي رأت في حملها من الدم .
والعياشي عن الصادق عليه السلام ما تحمل كل انثى الذكر والأنثى وما تغيض الأرحام ما كان من دون التسعة وهو غيض وما تزداد ما رأت الدم في حال حملها إزداد به على التسعة أشهر وفي رواية ما تغيض ما لم يكن حملا وما تزداد الذكر والانثى جميعا والقمي وما تغيض ما تسقط من قبل التمام وما تزداد على تسعة أشهر
____________
(1) غاض الماء يغيض غيضا من باب سار ومغاضا أي قل ونضب في الارض وانغاض مثله وغيض الماء فعل به ذلك قوله وما تغيض الارحام اي تنقص عن مقدار الحمل الذي يسلم معه الولد م .
( 60 )
كلما رأت المرأة من حيض في أيام حملها زاد ذلك على حملها وكلّ شيء عنده بمقدار بقدر لا يجاوزه ولا ينقص عنه .
( 9 ) عالم الغيب ما لا يدركه الحس والشهادة ما يدركه (1) الكبير العظيم الشأن الذي كل شيء دونه حقير المتعال المستعلي على كل شيء بعظمته .
( 10 ) سواء منكم من أسر القول في نفسه ومن جهر به لغيره ومن هو مستخف بالليل طالب للخفاء في مختبأ (2) بالليل وسارب (3) بارز بالنهار يراه كل أحد .
القمي عن الباقر عليه السلام يعني السر والعلانية عنده سواء .
( 11 ) له لمن أسر أو جهر أو استخفى أو سرب معقبات ملائكة يعقب بعضهم بعضا في حفظه وكلاءته من بين يديه ومن خلفه من جوانبه يحفظونه من أمر الله قيل من أجل أمر الله أي من أجل أن الله أمرهم بحفظه .
والقمي عن الصادق عليه السلام إن هذه الآية قرأت عنده فقال لقارئيها ألستم عرباء فكيف يكون المعقبات من بين يديه وإنما المعقب من خلفه فقال الرجل جعلت فداك كيف هذا فقال إنما انزلت له معقبات من خلفه ورقيب من بين يديه يحفظونه بأمر الله ومن ذا الذي يقدر أن يحفظ الشيء من أمر الله وهم الملائكة الموكلون بالناس ومثله العياشي عنه عليه السلام .
وفي المناقب والقمي عن الباقر عليه السلام من أمر الله يقول بأمر الله من أن يقع في ركي (4) أو يقع عليه حائط أو يصيبه شيء حتى إذا جاء القدر خلوا بينه وبينه يدفعونه إلى المقادير وهما ملكان يحفظانه بالليل وملكان بالنهار يتعاقبانه .
____________
(1) وقيل عالم بالمعدوم والموجود والغيب هو المعدوم وقيل عالم السر والعلانية والاولى ان يحمل على العموم ويدخل في هاتين الكلمتين كل معلوم نبه سبحانه على انه عالم بجميع الموجودات منها والمعدومات منها م ن .
(2) خبأه كمنعه سره كخبأه واختبأه ق .
(3) من سرب سروبا إذا برز وهو عطف على من أو مستخف على ان من في معنى الاثنين كقوله تكن مثل من يا ذئب يصطحبان كأنه قال سواء منكم اثنان مستخف بالليل وسارب بالنهار .
(4) الركية البئر جمع ركي وركايا ق .