4 ـ التحية المتعارفة الكافلة لها الفصول العشرة والكتاب كله .
وآيات السلام وصيغه تعطي القارئ المعاني الأربعة . ومن تدبر القرآن ، ومنه آيات السلام ، لا يفقد المسالمة المطلقة ، ولا تنفك عنه الدعوة إليها قولاً وعملاً ، والعمل أوقع وأصدق دعوة من القول ؛ ومن ثم جاء الحث البالغ والامر بالدعوة بغير طريق اللسان كما في الصادقي : « كونوا دعاة إلى أنفسكم بغير ألسنتكم ، وكونوا زيناً ولا تكونوا شيناً » ، وفي الآخر : « كونوا دعاة للناس بغير ألسنتكم ، ليروا منكم الورع والاجتهاد والصلاة (1) والخير ؛ فإن ذلك داعية » (2) .

3 ـ السلام في الحديث :
المستفاد من الأحاديث المأثورة عن أهل البيت ، عليهم السلام ، حول السلام معان كثيرة تعتبر من آثاره ، وآثار الشيء هي التي تصيره حسناً أو قبيحاً ، وبها تظهر ظاهرته ، وظاهرة القائم به ، وعليها تدور رحى المثوبة والعقوبة ؛ ومن هنا بنى الإسلام أحكامه على أفعال المكلفين التي تعتبر من آثارهم فيثابون أو يعاقبون عليها ، وبها ينالون الدرجات العلى ، أو ضد ذلك .
وعليه نذكر من حسن السلام وآثاره الطيبة المستخرجة من الأحاديث ما يلي :
1 ـ السلام : لحسنه الذاتي وأثره الطيب صار اسماً من أسمائه تعالى .
2 ـ السلام : طاعة الله كما في الباقري ، وطاعة الرحمن كما في الصادقي (3) .
3 ـ السلام : اسم الله الفاشي في الخلق .
____________
1 ـ على احتمال « الصلاح » .
2 ـ الوسائل 1 | 56 ، الباب 16 من أبواب مقدمة العبادات ، الحديث 1 و 2 .
3 ـ فروع الكافي 5 | 530 ، الباقري ، فروع الكافي 5 | 529 ، الصادقي .
أقول : لم نذكر لباقي الأثار مصادرها هنا ، لأنها تأتي تقاصيلها في مظانها .

(31)

4 ـ السلام : أمان من العذاب .
5 ـ السلام : أمن من الخوف والشر .
6 ـ السلام : أمن من الفساد وعما يبطل الصلاة لأن به الخروج منها .
7 ـ السلام : تحية أهل الجنة .
8 ـ السلام : سلامة المسلم والمسلم عليه .
9 ـ السلام : حق عام لعامة الناس .
10 ـ السلام : دعاء وتبجيل .
11 ـ السلام : كالبسملة يشافه به ، ويكتب ابتداءً ويفتتح به .
12 ـ السلام : من الحقوق التي يطالب بها ومن حقوق المسلم على المسلم .
13 ـ السلام : بركة من عند الله وتحية طيبة .
14 ـ السلام : حفظ وحرز لصاحبه لأنه اسم الله تعالى .
15 ـ السلام : زيادة في الحب والألفة .
16 ـ السلام : أدنى إحسان المحسن .
17 ـ السلام : من الآداب الإسلامية الرفيعة .
18 ـ السلام : ترفيع وعمل جميل للجميع .
19 ـ السلام : تواضع وانقياد .
20 ـ السلام : دفع لبعض شرور الأشرار من الجن والناس أجمعين .
21 ـ السلام : تعظيم وتحية للملكين الرقيب والعتيد والحفظة .
22 ـ السلام : من نُبل وكَرَم صاحبه .
23 ـ السلام : من عوامل التسخير للقلوب .
24 ـ السلام : تسكين الخواطر وتطييب النفوس والضمائر .
25 ـ السلام : عمل قليل وثوابه جليل .
26 ـ السلام : من التحف والهدايا .
27 ـ السلام : من حسن التلاقي وكرامة المواجهة .
28 ـ السلام : امتثال للأمر وتوثيق من الله لصاحبه .
29 ـ السلام : نعمة يتنعم بها صاحبه .
30 ـ السلام : رحمة من الله للعباد .


(32)

31 ـ السلام : بشارة ودعوة إلى السلام العالمي بلطف .
32 ـ السلام : التفائل بالخير ونجاح الأمر .
33 ـ السلام : قبول للعذر ، وإقبال .
34 ـ السلام : سمو ورفعة لصاحبه .
35 ـ السلام : متابعة الأنبياء والأوصياء والملائكة والصالحين .
36 ـ السلام : من موجبات العفو والصفح .
37 ـ السلام : ستر للعيوب .
38 ـ السلام : من جمال السيرة وحسن السريرة .
39 ـ السلام : استئذان وإعلام .
40 ـ السلام : من الأخوة الإسلامية .
41 ـ السلام : حسن الابتداء والختام .
42 ـ السلام : من الأعمال الصالحة ، وبدايتها .
43 ـ السلام : يدفع صاحبه إلى الخير ويلحقه بأهله .
44 ـ السلام : مكافأة ومماثلة ومفاضلة .
45 ـ السلام : ابتداء وانتهاء ، ورعاية وعِشرة .
46 ـ السلام : رمز الصحة والعافية ، ورمز لسلامة الجميع .
47 ـ السلام : الظاهرة الأنسانية السامية ، وإظهار للشوق .
48 ـ السلام : إفشاؤه مزيل للبخل .
49 ـ السلام : التحفة السماوية المهداة للبشر .
50 ـ السلام : من المهام الإسلامية .
51 ـ السلام : من القول الحسن والكلام الطيب النازل من عند الله تعالى .
52 ـ السلام : خفيف على اللسان ثقيل في الميزان .
53 ـ السلام : سلوة الحزين وتخفيف للغم .
54 ـ السلام : محبوب للجميع وبصالح المجتمع .
55 ـ السلام : استشفاع وخير شفيع .
56 ـ السلام : أمام كل شيءٍ وإمام الخصال ومفتاح الأقوال .
57 ـ السلام : خير محض وتذكرة العالم وتعليم الجاهل خفية .


(33)

58 ـ السلام : رسالة الخير ، لأهل الخير .
59 ـ السلام : مظلة ومن ثم يقال ( السلام عليكم ) أي كالمظلة على رؤوسكم .
60 ـ السلام : موادعة ومهادنة .
61 ـ السلام : للأحياء والأموات وفي الدنيا والآخرة .
62 ـ السلام : لا ينفك عن أهل السلام في اليوم والغد .
63 ـ السلام : حروف الصفاء للصفوة ، وكلمة أهل القلوب .
64 ـ السلام : سُلّمٌ للسلامة .
65 ـ السلام : دعوة بلطف كالبسملة ومنع عن الإعراض .
66 ـ السلام : تنزيه وتقديس .
67 ـ السلام : إخضاع وخضوع .
68 ـ السلام : استباق إلى الخير ومسارعة إلى الجنة .
69 ـ السلام : ترفيع الوضيع ومزيد لرفعة الرفيع .
70 ـ السلام : إداة الصلح ، والصلح خير .
71 ـ السلام : لا تدخله التقية أبداً .
72 ـ السلام : مرضاة الرحمن ، ومسخطة الشيطان .
73 ـ السلام : ذكر من الأذكار للذاكرين .
74 ـ السلام : زوال للكدرة ، وتثبيت للمودة ، وظاهرة الحب والولاء .
75 ـ السلام : إدخال السرور في القلوب .
76 ـ السلام : من خير أخلاق أهل الدنيا والآخرة .
77 ـ السلام : مزيد للخير وبركة في البيت وطرد للشياطين .
78 ـ السلام : كفارة للسيئات ونماء في الحسنات .
79 ـ السلام : يدخل صاحبه الجنة .
80 ـ السلام : من الإيمان وجوامعه وحقائقه .
81 ـ السلام : من تبادل الحب والوفاء .
82 ـ السلام : تركه عقاب أو عتاب .
83 ـ السلام : أنس من الوحشة .
84 ـ السلام : شيمة الملائكة والأرواح الطيبة .


(34)

85 ـ السلام : تركه ذل وهوان .
86 ـ السلام : من الفوائد والخير المعرض للجميع .
87 ـ السلام : أمانة الله في الأرض .
88 ـ السلام : من دلائل المحبة .
89 ـ السلام : موجود في كل مكان ومن دعاة الخير لطلابه .
90 ـ السلام : من خير الآداب لأهل العالم كلهم .
91 ـ السلام : تحية سماوية جاء بها الوحي للمسلمين .
92 ـ السلام : سلامان : سلام لقاء ، وسلام وداع .
93 ـ السلام : براءة من الكبر .
94 ـ السلام : تحمله من الأمانات التي لا بد من ردها إلى أهلها .
95 ـ السلام : من أدب الزائر وغيره .
96 ـ السلام : خير عوض عن الفائت .
97 ـ السلام : يبل به الأرحام وتوصل به .
98 ـ السلام : يجب الجواب عنه حتى من المصلي بالمثل له .
99 ـ السلام : مستحب إلا في بعض الأصناف .
100 ـ السلام : بداية الأمور ، وخاتمتها في المواجهة ، والكتابة وغيرها .
وهذه مئة أثر من آثار السلام منتزعة من الأحاديث التي لا تخفى على من تدبر في معانيها ، ولعل المتدبر يظفر بأكثر منها . وهذه الآثار كما تأتي الإشارة إليها تشترك فيها آيات السلام والأحاديث ؛ لأن السلام بما هو سلام لا تنفك عنه هذه الآثار المذكورة مهما ذكر السلام في آية كان أو رواية ، ومعناه : أن السلام بطابعه تصحبه الآثار ، حتى إذا كان في غير الكتاب والحديث وإنما هما كاشفان عن تلك الآثار الكائنة للسلام ، والناس في غفلة منها ؛ لأنهم يجهلون كل شيءٍ من يوم خروجهم من بطون الأمهات ، كما قال تعالى : ( والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئاً ) (1) فلم يعلموا بها ، ولا بغيرها من الآثار والحقائق ، وجاء الإسلام لتعليمها للناس والحمد لله .
____________
1 ـ النحل : 78 .
(35)

4 ـ الفروق بين المعاني الثلاثة :
والفرق بين معاني السلام لغةً وقرآناً وحديثاً ، هو الفرق بين عموم الشيء وخصوصه ، وليست مهمة اللغة سوى ضبط مواضع استعمال الكلمات وبيانها ، ومن الواضح أن كلمات الكتاب والسنة لا تحيد عما عليه المحاورات المتداولة بين الناس ، وما يقصدونه من معاني الكلمات ، وإلا لما صح الخطاب بما لا يعرفونه ولا يأنسون به . والفرق بين السلام في القرآن ، أو الحديث ، وبين العرف العام ليس إلا ما ذكرناه ، ولا مجال لسؤال الفرق .
نعم قد جاء الإسلام بحقائق لم يعهدها أهل العرف ولم يعرفوها ، أو كانوا قد عرفوا بعضها خلاف ما جاء به ، أو علموه دون جميعها ؛ فنزل القرآن عليهم ، لكشف تلك الحقائق وآثاره التي خفيت عن كلهم أو أكثرهم ، ومنها السلام وآثاره وآدابه وأحكامه ، التي جاء بها الرسول ، صلى الله عليه وآله ، كما جاء بغير ذلك من أمور ، وأوصياؤه القائمون مقامه الحافظون لشريعته ، الأئمة المعصومون عليهم السلام ، وفيهم فاطمة الزهراء عليها السلام .
فالسلام في اللغة لا يأبى السلام في القرآن ، ولا السلام في الحديث ، فترى اللغوي ربما يطبق لغة السلام على قوله تعالى : ( سلام هي حتى مطلع الفجر ) (1) ويقول : أي لا داء فيها ولا يستطيع الشيطان أن يصنع فيها شيئاً (2) . وليس ذلك إلا مجرد تطبيق معنى السلام على مورد التنزيل ؛ وهكذا الحديث الموافق له دون ما خالف معناه ؛ فإن الذي جاء أولى ، على حد تعبير بعض الأحاديث العلاجية ، لما اختلف منها ، أو ما لم يوافق القرآن فهو زخرف ، أو لم نقله (3) ، ولا يمتري أثنان في رد المخالف وقبول الموافق .
____________
1 ـ القدر : 5 .
2 ـ لسان العرب 12 | 290 ـ سلم ـ .
3 ـ الوسائل 18 | 78 ، 84 .

(36)

5 ـ اسم الله السلام من أي الأقسام :
يأتي الكلام حول اسم الله ( السلام ) في أول الفصول العشرة في بحثٍ ضافٍ ، بعد ذكر عدد أسماء الله الحسنى ، المعدود منها السلام ، حول معانيه الأربعة التي انتزعناها من قول الشيخ الصدوق ، وابن فهد طاب ثراهما ، وغيرهما وعلقنا عليه .
وأما السؤال : بأن اسم الله السلام من أي الأقسام ؟ فقد عرفت أنه من السلام في القرآن (1) ، ومعناه على ما نقل ابن فارس من كلام أهل العلم : أن الله جل ثناؤه هو السلام لسلامته عما يلحق المخلوقين من العيب والنقص والفناء (2) . ولا يخفى أنه من أحد المعاني الأربعة الآنف ذكرها ، فاسم الله السلام من قسم السلام في القرآن ، وستعرف عند سرد الأحاديث أنه منصوص عليه فيها أيضاً ، وإذا اعتبرنا نقل ابن فارس كلام أهل العلم بصفة أنه لغوي وتقريره له فيكون من قسم السلام في اللغة أيضاً ، وكيف كان ، فالذي يصح إطلاقه عليه تعالى من معاني السلام وآثاره المئة المتقدم ذكرها ، ما دل منها على التقديس والتنزيه ، وبمعنى الأمان ، وغير ذلك من المعاني الجائز إطلاقها شرعاً وعقلاً عليه تعالى ، لا كل معنى للسلام في اللغة ، وقد صرح فيها أن من معاني السلام الصحة والعافية (3) ، فلا يقال : ( يا سلام يا الله ) بمعناهما اللغوي المطلق ، لأنه لا يقال له تعالى : ( يا صحيح ) : لما لهذه الكلمة من دلالة عروض السقم والمرض وشأنية تلك الخاصة بالمخلوق ، وتعالى الله عن كل صفة تعرض للمخلوقين .

***

____________
1 ـ الحشر : 23 .
2 ـ معجم مقاييس اللغة 3 | 90 ـ 91 ـ سلم ـ .
3 ـ المصدر نفسه .
وسيأتي مزيد من التوضيح في ( السلام اسم من أسماء الله الحسنى ) .

(37)

الفصل الأول

السلاَم إسم مِن أسمَاء اللهَ الحسنى



(38)



(39)

السلام اسم من أسماء الله الحسنى

قال الله تعالى في كتابه العزيز : ( هو الله الّذي لا إله إلاّ هو المَلِكُ القدّوس السلام المؤمن المهيمن .. ) (1) .
أقول : قد تقدم بيان حول اسم الله السلام (2) ، والسلام أحد الأسماء الحسنى ، البالغ عددها في بعض روايات أهل البيت عليهم السلام إلى تسعة وتسعين إسماً كما في رواية الشيخ الصدوق العلوية ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : « إن لله تبارك وتعالى تسعة وتسعين اسماً مائة إلا واحدة من أحصاها دخل الجنة وهي : الله ، الإله ، الواحد ، الأحد ، الصمد ، الأول ، الآخر ، السميع ، البصير ، القدير ، القاهر ، العلي ، الأعلى ، الباقي ، البديع ، البارئ ، الأكرم ، الظاهر ، الباطن ، الحي ، الحكيم ، »
____________
1 ـ الحشر : 23 .
قد جاء في خبر ابن عباس خروج أربعين رجلاً من اليهود من المدينة لمناظرة الرسول صلى الله عليه وآله وإبطال نبوته إلى أن قال في ردهم : « وحُملت على جناح جبرائيل حتى انتهيت إلى السماء السابعة ، فجاوزت سدرة المنتهى عندها جنة المأوى ، حتى تعلقت بساق العرش ، فنوديت من ساق العرش : إني أنا الله لا إله إلا أنا ، السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار ... » والخبر طويل نقله الطبرسي في الاحتجاج 1 | 55 ـ 58 .
وتأتي رواية الشيخ الكليني ، طاب ثراه ، في خاتمة الكتاب ، وفيها التصريح باسم الله السلام ، وهي من روايات المعراج ، ولعلها أصح ما جاء منها في المعراج ، فراجع الخاتمة .
2 ـ انظر بداية تمهيد الكتاب ، فإن هناك ما يجدر بالنظر إليه والبناء عليه .

(40)

« العليم ، الحليم ، الحفيظ ، الحق ، الحسيب ، الحميد ، الحفي ، الرب ، الرحمن ، الرحيم ، الذارىء ، الرازق ، الرقيب ، الرؤوف ، الرائي ، السلام ، المؤمن ، المهيمن ، العزيز ، الجبار ، المتكبر ، السيد ، السبوح ، الشهيد ،الصادق ، الصانع ، الطاهر ، العدل ، العفو ، الغفور ، الغني ، الغياث ، الفاطر ، الفرد ، الفتاح ، الفالق ، القديم ، الملك ، القدوس ، القوي ، القريب ، القيوم ، القابض ، الباسط ، قاضي الحاجات ، المجيد ، المولى ، المنان ، المحيط ، المبين ، المقيت ، المصور ، الكريم ، الكبير ، الكافي ، كاشف الضر ، الوتر ، النور ، الوهاب ، الناصر ، الواسع ، الودود ، الهادىء ، الوفي ، الوكيل ، الوارث ، الباعث ، البَرّ ، التواب ، الجليل ، الجواد ، الخبير ، الخالق ، خير الناصرين ، الدّيّان ، الشكور ، العظيم ، اللطيف ، الشافي » (1) .
وفي روايته الثانية : كذلك نفس العدد إلى أن قال عليه السلام : « .. من دعا الله بها استجاب له ، ومن أحصاها دخل الجنة » (2) . ثم قال الصدوق بعدهما : معنى قول النبي صلى الله عليه وآله : « إن لله تبارك وتعالى تسعة وتسعين اسماً من أحصاها دخل الجنة » ، إحصاؤها هو الإحاطة بها والوقوف على معانيها ، وليس معنى الإحصاء عدها وبالله التوفيق (3) .
وهنا رواية ثالثة له يبلغ عدد الأسماء الحسنى فيها إلى ثلاثمائة وستين اسماً ، وهي من غرر الروايات ، لا بأس بتثليثها ، لاشتمال الثلاثة على اسم الله السلام (4) .
قال الشيخ الصدوق طاب ثراه : حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق رحمه الله قال : حدثنا محمد بن يعقوب قال : حدثنا علي بن محمد ، عن صالح بن أبي حماد ، عن الحسين بن يزيد ، عن الحسن بن
____________
1 ـ التوحيد 194 ـ 195 . قال المعلق : المذكور في البحار ونسخ التوحيد « مائة كاملة » والظاهر أن ( الرائي ) زائد كما أتى في نسخة بدلاً عن ( الرؤوف ) أو أن لفظ الجلالة خارج عن العدد .
2 ـ التوحيد : 195 .
3 ـ المصدر نفسه :
4 ـ أي الرواية الأولى والثانية والثالثة تحتوي على اسم الله السلام المنعقد له الفصل الأول من الفصول العشرة فلا تغفل .

(41)

علي بن أبي حمزة ، عن إبراهيم بن عمر ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : « إن الله تبارك وتعالى خلق اسماً بالحروف وهو عز وجل ، بالحروف غير منعوت ، وباللفظ غير منطق ، وبالشخص غير مجسد ، وبالتشبيه غير موصوف ، وباللون غير مصبوغ ، منفي عنه الأقطار ، مبعد عنه الحدود ، محجوب عنه حس كل متوهم ، مستتر غير مستور ، فجعله كلمة تامة على أربعة أجزاء معاً ، ليس منها واحد قبل الآخر ، فأظهر منها ثلاثة أسماء لفاقة الخلق إليها ، وحجب واحداً منها وهو الاسم المكنون المخزون بهذه الأسماء الثلاثة التي أظهرت ، فالظاهر هو الله تبارك وتعالى (1) ، وسخَّر سبحانه لكل اسم من هذه(2) أربعة أركان ، فذلك اثنا عشر ركناً ، ثم خلق لكل ركن منها ثلاثين اسماً ، فعلاً منسوباً إليها فهو : الرحمن ، الرحيم ، المَلِك ، القدوس ، الخالق ، البارئ ، المصور ، الحي ، القيوم ، لا تأخذه سنة ولا نوم ، العليم ، الخبير ، السميع ، البصير ، الحكيم ، العزيز ، الجبار ، المتكبر ، العلي ، العظيم ، المقتدر ، القادر ، السلام ، المؤمن ، المهيمن ، [ البارئ كذا ] ، المنشئ ، البديع ، الرفيع ، الجليل ، الكريم ، الرزاق ، المحيي ، المميت ، الباعث ، الوارث ، فهذه الأسماء وما كان من الأسماء الحسنى حتى تتم ثلاثمائة وستين اسماً ، فهي نسبة لهذه الأسماء الثلاثة ، وهذه الأسماء الثلاثة أركان ، وحجب للاسم الواحد المكنون المخزون بهذه الأسماء الثلاثة ، وذلك قوله عز وجل : ( قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن أياً ما تدعوا فله الأسماء الحسنى ) (3) .

بيان :
في هذه الرواية تصريح بأن « السلام » معدود من الأسماء الحسنى ، والروايتان الأوليان وإن لم يصرح فيهما بأن السلام منها ، إلا أن التسعة والتسعين داخلة تحت الثلاثمائة والستين اسماً المكملة للأسماء الحسنى ، ومنها يظهر أن الأسماء الحسنى هي الثلاثمائة والستون ، والباقية إلى الألف
____________
1 ـ « الله » أول الأسماء الثلاثة و « تبارك » ثانيها و « تعالى » ثالثها .
2 ـ يريد بالإشارة ، الأسماء الثلاثة ، وأربعة مفعول « سخر » .
3 ـ التوحيد 190 ـ 191 ، والإسراء : 110 .

(42)

كما في دعاء الجوشن الكبير ، على ما يأتي ذكره ، هي الأسماء الحسنة ، وكل اسم الله حَسَنٌ على حد تعبير دعاء السحر المروي في ليالي شهر رمضان أوله : « اللهم إني أسألك من بهائك بأبهاه ، وكل بهائك بهي ، اللهم إني أسألك ببهائك كله ... » وهو من دعاء أبي جعفر الباقر عليه السلام رواه ابن طاووس في كتابه (1) .
قال السيد الطباطبائي بعد ذكر الرواية الثالثة : والرواية من غرر الروايات ، تشير إلى مسألة هي أبعد سمكاً من مستوى الأبحاث العامة والأفهام المتعارفة (2) ..

أقول :
وقد تعرضنا لنقلها وشرحها في كتابنا : « الأسم الأعظم .. » (3) . وهي من غوامض الأحاديث ، وليس الوصول إلى مرمى كلامه عليه السلام فيه هيناً ؛ لأن قوله ، روحي فداه ؛ « خلق اسماً بالحروف » إلى قوله : « فجعله كلمة تامة على أربعة أجزاء معاً ليس منها واحد قبل الآخر ، فأظهر منها ثلاثة أسماء لفاقة الخلق إليها ، وحجب واحداً منها وهو الاسم المكنون المخزون بهذه الأسماء الثلاثة التي أظهرت » إلى آخره ، لا نعرف منه إلا عدداً مما ذكره عليه السلام من الأسماء الأربعة المحجوب منها واحد والثلاثة الباقية ظاهرة ، ولعل المحجوب هو الاسم الأعظم .
ونظيره في خفاء الأمر وعدم وضوح المراد كلام الإمام الكاظم عليه السلام في قصة الراهب الطالب للاسم الأعظم من الرجل في الهند المسمى بمتمم بن فيروز ـ إلى أن قال الراهب للإمام عليه السلام ـ : أخبرني عن ثمانية أحرف نزلت فتبين في الأرض منها أربعة وبقي في الهواء منها أربعة ، على من نزلت تلك الأربعة التي في الهواء منها ؟ ومن يفسرها ؟ قال
____________
1 ـ إقبال الأعمال 77 . وفيه « لو حلفت لبررت أن اسم الله الأعظم قد دخل فيها ، فإذا دعوتم فاجتهدوا » .
2 ـ تفسير الميزان 8 | 364 ـ 365 .
3 ـ أو معارف البسملة والحمدلة ص 55 ـ 57 المطبوع في بيروت ، في مؤسسة الأعلمي للمطبوعات سنة 1402 هـ .

(43)

الإمام ـ عليه السلام ـ : ذاك [ ذلك ] قائمنا ينزله الله عليه فيفسره وينزل عليه ما لم ينزل على الصديقين والرسل والمهتدين .
ثم قال الراهب : فأخبرني عن الاثنين من تلك الأربعة الأحرف التي في الأرض ماهي ؟
قال : أخبرك بالأربعة كلها :
أما أولهن : فلا إله إلا الله وحده لا شريك له باقياً .
والثانية : محمد رسول الله صلى الله عليه وآله مخلصاً .
والثالثة : نحن أهل البيت .
والرابعة : شيعتنا منا ، ونحن من رسول الله صلى الله عليه وآله ، ورسول الله من الله بسبب » (1) .
والقصة طويلة اختصرناها .
وكما جاء في صادقي : « العلم سبعة وعشرون حرفاً ، فجميع ما جاءت به الرُّسل حرفان ، فلم يعرف الناس حتى اليوم غير الحرفين ، فإذا قام قائمنا أخرج الخمسة والعشرين حرفاً فبثها في الناس ، وضم إليها الحرفين حتى يبثها سبعة وعشرين حرفاً » (2) .
وقد خرجنا عن الموضوع والبحث حول السلام ، فقد جاء في حديث نبوي نقله الشيخ المجلسي من البلد الأمين وفيه قوله : « ياقدوس السموات والأرض يا الله ، يا مؤمن السموات والأرض يا الله ، يا سلام السموات والأرض يا الله ... ... » (3) . وحديث المعراج ؛ « ... فنوديت يا أحمد العزيز يقرأ عليك السلام . قال : فقلت : هو السلام ، ومنه السلام ، وإليه يعود السلام » (4) . وحديث الصادق عليه السلام : كان علي عليه السلام يقول : « لا تَغضبوا ولا تُغضبوا أفشوا السلام ، وأطيبوا الكلام ، وصلّوا بالليل
____________
1 ـ أصول الكافي 1 | 481 ـ 484 ، كتاب الحجة .
2 ـ البحار 52 | 336 .
3 ـ البحار 93 | 263 .
4 ـ البحار 18 | 313 .

(44)

والناس نيام ، تدخلوا الجنة بسلام ، ثم تلا عليه السلام عليهم قول الله عز وجل : ( السلام المؤمن المهيمن ) (1) » .
ورواية الشيخ الطوسي ، طاب ثراه ، بإسناده عن أبان بن عثمان الأحمر عن بريد العجلي قال : سمعت أبا عبد الله جعفر بن محمد عليهما السلام يقول : « لما توفيت خديجة رضي الله عنها جعلت فاطمة صلوات الله عليها تلوذ برسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ وتدور حوله وتقول : يا أبة أين أمي ؟ قال : فنزل جبرئيل عليه السلام ، فقال له : ربك يأمرك أن تقرئ فاطمة السلام تقول لها : إن أمك في بيت من قصب (2) ، كعابه من ذهب ، وعمده (3) ياقوت أحمر ، بين آسية ومريم بنت عمران ، فقالت فاطمة عليها السلام : إن الله هو السلام ، ومنه السلام ، وإليه السلام » (4) .
____________
1 ـ الحشر : 23 . والحديث في أصول الكافي 2 | 645 ، الوسائل 8 | 438 .
2 ـ قال ابن الأثير : القصب في هذا الحديث لؤلؤ مجوف واسع كالقصر المنيف . النهاية 4 | 67 ـ قصب ـ .
3 ـ بيت خديجة في الجنة الموصوف في هذا الحديث بما ذكر ، مذكور في بعض الأحاديث كذلك ، ونزول جبرئيل على الرسول ، صلى الله عليه وآله ، لإبلاغ سلام الله تعالى لفاطمة عليها السلام ، كذلك قد نزل عليه بإبلاغ السلام لخديجة : « إن جبرئيل أتى النبي صلى الله عليه وآله ، فقال : اقرئ خديجة من ربها السلام ، فقال رسول الله ، صلى الله عليه وآله : يا خديجة هذا جبرئيل يقرئك من ربك السلام ، قالت خديجة : الله السلام ، ومنه السلام ، وعلى جبرئيل السلام » ، البحار 16 | 11 . وإنما أوردناه لاشتماله على اسم الله السلام المبارك الذي لم يجعل على مريض القلب إلا سلم .
4 ـ أمالي الشيخ الطوسي 1 | 178 ـ 179 ، البحار 16 | 1 ، ونظيره ما رواه الشيخ الكليني بإسناده إلى أبي موسى الضرير قال : حدثني موسى بن جعفر عليهما السلام قال : قلت لأبي عبد الله : أليس كان أمير المؤمنين عليه السلام كاتب الوصية ورسول الله صلى الله عليه وآله المملي عليه ، وجبرئيل والملائكة المقربون عليهم السلام شهود ؟ قال : فأطرق طويلاً ثم قال : يا أبا الحسن قد كان ما قلت ، ولكن حين نزل برسول الله ( إلى أن قال ) : « فقال جبرئيل : يا محمد ، ربك يقرئك السلام ويقول : هذا كتاب ما كنت عهدت إليك ، وشرطت وشهدت به عليك ، وأشهدت به عليك ملائكتي ، وكفى بي يا محمد شهيداً ، قال : فارتعدت مفاصل النبي صلى الله عليه وآله فقال : يا جبرئيل ربي هو السلام ومنه السلام وإليه يعود السلام صدق عز وجل وبر » . الحديث . أصول الكافي 1 | 281 ـ 282 . وما رواه السيد ابن طاووس بعد صلاة الوتر « اللهم أنت السلام .... » جمال الأسبوع : 221 .

(45)

تفسير الآية أي آية السلام :
للمفسرين حول الآية كلام محصله : أي ذو السلامة من النقائص ، وأنها النسبة ، ثم اختلفت أقوالهم في ترجمة النسبة على ثلاثة أقوال :
الأول : معناه : الذي سلم من كل عيب وبرئ من كل نقص .
الثاني : معناه : ذو السلام أي المسلم ـ بمعنى التحية ـ على عباده في الجنة ، كما قال ـ تعالى ـ : ( سلام قولاً من رب رحيم ) (1) .
الثالث : أن معناه : الذي سلم الخلق من ظلمه . وتعود هذه الأقوال الثلاثة إلى تنزيه الذات ، وتنزيه الصفات (2) .
أقول : وإنما قدرت كلمة « ذو » إذا ما لم يستقم المعنى بدونها أو لم يصح ، ولا ريب في الاستقامة : بأن يكون حمل المصدر عليه تعالى نظير ( الله نور السموات والأرض ) (3) . وسيأتي من الشيخ الصدوق ما يؤيده ، وأما المعاني الثلاثة فلا بأس بها ، وقبل ذكر كلام الصدوق ، طاب ثراه ، نقدم حديثاً يفسر السلام بالأمن من الشر وبالأمان .
روى الشيخ الصدوق بإسناده إلى عبد الله بن الفضل الهاشمي قال : « سألت أبا عبد الله عليه السلام عن معنى التسليم في الصلاة ، فقال : التسليم علامة الأمن وتحليل الصلاة ، قلت : وكيف ذلك جعلت فداك ؟ قال : كان الناس فيما مضى إذا سلم عليهم وارد أمنوا شره ، وكانوا إذا ردوا عليه أمن شرهم ، وإن لم يسلم لم يأمنوه ، وإن لم يردوا على المسلم لم يأمنهم ، وذلك خلق في العرب (4) ، فجعل التسليم علامة للخروج من الصلاة ، وتحليلاً للكلام ، وأمناً من أن يدخل في الصلاة ما يفسدها ، والسلام اسم من أسماء الله عز وجل وهو واقع من المصلي على ملكي الله الموكلين » (5) .
____________
1 ـ يس : 58 .
2 ـ تفسير القرطبي الجامع لأحكام القرآن 18 | 46 ، محصله .
3 ـ النور : 25 .
4 ـ العادة مستمرة إلى اليوم في بعض قبائل العرب .
5 ـ الوسائل 4 | 1006 ، الباب 1 من أبواب التسليم ، الحديث 13 .

(46)

في الحديث جهتان :
الأولى : تفسير للسلام بالأمن من الخوف والشر ، مستنداً بما كان فيما مضى من العرب يأمنون من الشر عند سماع السلام من الوارد عليهم وجوابهم له ، ثم تطبيق ذلك على تسليم المصلي في صلاته ، وأن معناه الأمن من خوف ما يبطلها ويفسدها ؛ لأنه قد فرغ من صلاته بالسلام فلا صلاة باقية حتى يخاف من إفسادها ، وأنها سالبة بانتفاء الموضوع . فهذه هي الجهة الأولى المرتبطة بتفسير السلام بالأمن وتطبيقه على الصلاة .
الجهة الثانية : أن السلام اسم من أسماء الله تعالى ، يسلم به المصلي على الملكين الموكّلَين على أعمال العبد ، وهما الرقيب والعتيد ، قال تعالى : ( إذ يتلقى المتلقيان عن اليمين وعن الشمال قعيد * ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد ) (1) . أي الملكان حاضران عنده يرقبان أقواله وأعماله ، والقول هنا تمثيل بلا قصر عليه . وسلام المصلي الذي هو اسم الله عز وجل يكون منه عليهما ، لأنهما المستحقان له ، إذ هما من الكرام الكاتبين المصرح بهم في آية : ( وإن عليكم لحافظين * كراماً كاتبين * يعلمون ما تفعلون ) (2) .
وبقرينة الجهة الأولى المفسرة للسلام بالأمن من الخوف ، يعلم أن اسم الله السلام المذكور في آخر الحديث ، معناه الأمن من الخوف تفسيراً من الإمام عليه السلام له بالأمن ، وتطبيقاً منه على المصلي بسلامه على الملكين . وعليه فاسم الله السلام هو الأمن . ولا يأبى التفسير الثالث المتقدم ذكره من القرطبي أي : ( الذي سلم الخلق من ظلمه ) ؛ فإن من
____________
1 ـ ق : 17 ـ 18 .
2 ـ الانفطار : 10 ـ 12 .
أقول : قد تكرر اسم الله السلام في الأدعية والأحراز والعوذات ، فضلاً عن الأحاديث ، فمن العوذات عوذة يوم الأربعاء ، قد ذكرها السيد ابن طاووس طاب ثراه في كلام له إلى أن قال : « ... وبأسمائه أحرزت نفسي وإخواني ، وما أنعم به علي ربي ، ونحن في جوار الله ، والله العزيز الجبار ، الملك القدوس ، القهار ، السلام ، المؤمن ، المهيمن ، العزيز ، الجبار ، المتكبر ، الغفار ، عالم الغيب والشهادة ، الكبير ، المتعال ، هو الله ، هو الله ، هو الله لا شريك له ، محمد رسول الله صلى الله عليه وآله أجمعين ». جمال الأسبوع : 98 .

(47)

الأمن أن يسلم العباد من الظلم ؛ ( وما كان الله ليظلمهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون ) (1) ، ( إن الله لا يظلم الناس شيئاً ولكن الناس أنفسهم يظلمون ) (2) .
وهنا حديث آخر جاء في الاستئذان ، ولكن فيه : أن السلام اسم من أسماء الله تعالى ، فناسب ذكره هنا كما ناسب ذكر الحديث المتقدم : وهو من حديث الصادق عليه السلام قال : « إذا استأذن أحدكم فليبدأ بالسلام ؛ فإنه اسم من أسماء الله عز وجل ، فليسأذن من وراء الباب قبل أن ينظر إلى قعر البيت ، فإنما أمرتم بالاستئذان من أجل العين » الخبر (3) .
المستفاد من هذا الحديث أن الأمر بالسلام لكونه اسماً من أسماء الله تعالى ، ولئلاّ يقع الداخل التارك للسلام في الشر وخوف المعاقبة ، جراء ترك الاستئذان والسلام معاً ، فيدل على تفسير اسم الله السلام بالأمن من الخوف دلالة ضمنية ، ويكون الحديث مؤيداً للحديث السابق عليه ، كما ويؤيد حديث الاستئذان الحديث الباقري والصادقي في الاستئذان أيضاً بأن السلام طاعة الرحمن كما في الاول (4) ، والسلام طاعة الله كما في الثاني (5) .
ومما يؤيد تفسير اسم الله السلام بالأمن والأمان ، ما جاء من أسمائه
____________
1 ـ العنكبوت : 40 .
2 ـ يونس : 44 .
3 ـ مستدرك الوسائل 8 | 376 ـ 377 .
4 ـ فروع الكافي 5 | 530 .
5 ـ فروع الكافي 5 | 529 . وكون السلام طاعة لله تعالى ، إما لأجل الأمتثال لأمره ، أو لأنه اسمه تعالى ، ولا يأبى الجمع بين كونه اسماً له عز وجل ، وأنه طاعة ، ومما يدل على أنه الاسم الربوبي أيضاً ما جاء في الدعاء بعد صلاة الهدية إلى رسول الله ، أو إلى أحد المعصومين عليهم الصلاة والسلام ، على ما رواه ابن طاووس قال : فإذا شهد وسلم قال : « اللهم أنت السلام ، ومنك السلام ، يا ذا الجلال والإكرام ، صل على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين الأخيار ، وأبلغهم مني أفضل التحية والسلام ، اللهم إن هذه الركعات هدية مني إلى عبدك ونبيك ورسولك محمد بن عبد الله ، خاتم النبيين ، وسيد المرسلين ، اللهم فتقبلها مني .... » إلى آخر الدعاء . جمال الأسبوع 16 ، في فضل هدية الصلاة . والشاهد فيه قوله : « اللهم أنت السلام » بكل ما له من معنى .

(48)

تعالى المعدودة إلى ألف اسمٍ في دعاء الجوشن الكبير ، اسمه المبارك : « يا جار المستجيرين ، يا أمان الخائفين » (1) يجيرهم إذا استجاروه ، ويأمنهم إذا استأمنوه . ودلالة ضمنية أيضاً في نفس دعاء : « يارب التحية والسلام » (2) ، بناء على إرادة « السلام » اسمه تعالى السلام ، بقرينة المقابلة مع « التحية » ، لئلاً يلزم التكرار لو أريد بالسلام التحية . وعليه فمعناه : يا صاحب التحية المتعارفة ، وصاحب السلام ؛ لأنه اسمه عز وجل وهو صاحبه أي المسمى بهذا الاسم . ويحتمل كون السلام من عطف البيان للتحية فلا شاهد فيه فاختر ما شئت .

التفسير الثاني :
إن اسم الله السلام معناه السلامة من العيب والنقص وهو المعنى الأول من معانيه للقرطبي المتقدم ذكره .

التفسير الثالث :
معطي السلامة وواهبها لذويها ، فلم ينل السالمون سلامتهم إلا من الله تعالى ، بل والأشياء كلها كذلك ، فلم تكن سلامتها أي انتظامها ؛ وهل إتقان صنعها وإعطاؤها آثارها التي عليها نظم الكون كله إلا من الله الخالق تعالى ؟ ( الذي أعطى كلّ شئٍ خَلْقَهُ ثم هدى ) (3) ، ( الذي أَحسَنَ كلّ شئ خَلَقَهُ وبدأ خلق الإنسان من طين ) (4) ، ( صنع الله الذي أَتقَنَ كلّ شئٍ ) (5) .
وإعطاء كل شيءٍ خَلْقَه ـ صورته وشكله ـ الذي يوافق المنفعة المنوطة به ( ثم هدى ) عرفه كيف يرتفق بما أعطي (6) .
____________
1 ـ البحار : 94 | 386 .
اسمه تعالى أمان من عذاب الآخرة ، كما هو أمان في الدنيا ، وأمان من كل شر إطلاقاً . 2 ـ البحار : 94 | 387 .
3 ـ طه : 50 .
4 ـ السجدة : 7 .
5 ـ النمل : 88 .
6 ـ تفسير الصافي : 2 | 67 .

(49)

وإحسان كل شيء خَلَقَه : ملاءمة أجزائه بعضها لبعض المنوط بها الغرض والغاية من خلقه وإحسان كل شيءٍ بحسبه .
وإتقان كل شيءٍ : إحكام خلقه وتسويته على ما ينبغي له . فالكون منتظم بنظامٍ ـ لا فوقه نظام ـ سالم عن أي نقص متوهم فيه ، والكل على نسق واحد ، لا تفاوت فيه من حيث العطاء والحسن وجمال الصنع ، ( ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت فارجع البصر هل ترى من فطور ) (1) . والعالم كله سالم باسم الله السلام ، وإليك ماوعدناه سابقاً :
قال الشيخ الصدوق عند تفسيره لأسماء الله الحسنى :
( السلام ) : معناه المسلم وهو توسع ، لأن السلام مصدر، والمراد به أن السلامة تنال من قبله ، والسلام والسلامة مثل الرضاع والرضاعة واللذاذ واللذاذة . ومعنى ثانٍ : أنه يوصف بهذه الصفة لسلامته مما يلحق الخلق من العيب والنفص والزوال والانتقال والفناء والموت . وقوله عز وجل : ( لَهُم دارُ السَّلامُ عنْدَ رَبّهِمْ ) (2) ، فالسلام هو الله عز وجل ، وداره الجنة . ويجوز أن يكون سماها سلاماً ؛ لأن الصائر إليها يسلم فيها من كل ما يكون في الدنيا ، من مرض ، ووصب ، وموت ، وهرم ، وأشباه ذلك ، فهي دار السلامة من الآفات والعاهات . وقوله عز وجل : ( فَسلامٌ لَكَ مِنْ أَصحابِ اليَمينِ ) (3) يقول : فسلامة لك منهم أي : يُخبرك عنهم سلامة . والسلامة في اللغة : الصواب والسداد أيضاً ، ومنه قوله عز وجل : ( وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاماً ) (4) ، أي: سداداً وصواباً ، ويقال : سمي الصواب من القول سلاماً ، لأنه يسلم من العيب والإثم (5) .
____________
1 ـ الملك : 3 .
2 ـ الأنعام : 127 .
3 ـ الواقعة : 91 .
4 ـ الفرقان : 63 .
5 ـ كتاب التوحيد . 204 ـ 205 .
أقول روى الصدوق الباقري « يقول قول الله عز وجل : ( والله يدعو إلى دار السلام ) فقال : إن السلام هو الله عز وجل وداره التي خلقها لأوليائه الجنة » معاني الأخبار 177 ، الآية : 25 من يونس .

(50)

ومع تفسير السلام بالسداد والصواب تربعت الوجوه (1) : الأمان من الشر ، والمصون من العيب ، ومعطي السلام ، والصواب والسداد ، وعلى الوجه الرابع أي السلام بمعنى الصواب والسداد جائز إطلاقه على الله تعالى وإرادة معناه المذكور ؛ لأن كل كلامه عزّ وجلّ صواب وسداد وحق ، بل هو الحق بحقيقته ، وقد وصف نفسه بقوله عز من قائل : ( فتعالى الله المَلِكُ الحق لا إله إلاّ هو ربّ العرش الكريم ) (2) .
ولابدّ أن يراد بالصواب المفسّر به السلام الحق أو المحقّ الحقّ ، وقد جاء في القرآن الكريم ذلك في مواضع منها : ( ويحق الله الحق بكلماته ولو كره المجرمون ) (3) . وأما غيره من المخلوقين ، فيجوز إطلاقه بما للصواب من المعاني ومنها السلام .
وأما السلام بمعنى المنيل للسلامة فمقصور عليه تعالى ، إذ لا يهب السلامة لأهلها إلا الله عزّ وجلّ ، نعم السلام بمعنى ترك الشر ، أو ترك الحرب ، يصح قصده في المخلوق حقيقة ، ولكن لا يوفق العبد له الا بإعانته تعالى ، وهكذا سائر الأمور .
والغرض من التفصيل بيان ما يصح إطلاقه عليه تعالى مما لا يصح ، وليس في غير الله الاحتراز عما يلزمه التنزيه ، وهو مخلوق لا ينفك عن النقائص والحاجة مهما كان نوعه .
ومعنى توقيفية الأسماء : أنها موقوفة (4) ، حتى يصحبها دليل من الشرع والعقل السليم على التنزيه عن النقائص والحاجة ، والذي جاء في دعاء الجوشن الكبير ألف اسم (5) . وفي عدد الأسماء الحسنى أو أسماء الله تعالى على الإطلاق بين أهلها خلاف ، والبحث مشبع في محله (6) ، وتقدم من الأحاديث فيها .
____________
1 ـ أي صارت وجوه معاني السلام أربعة وهي الأمان من الشر و ......
2 ـ المؤمنون : 116 .
3 ـ يونس : 82 .
4 ـ فلا يقال لله : ( يا صحيح ) مع أن السلام في اللغة قد جاء تفسيره بالصحة والعافية .
5 ـ البحار : 94 | 384 ـ 397 .
6 ـ البحار : 93 | 236 ـ 273 .

(51)

قال المرحوم ابن فهد الحلي :
السلام : معناه ذو السلام ، والسلام في صفته تعالى : هو الذي سلم من كل عيب وبرئ من كل آفة ونقص : وقيل معناه المسلم (1) ... والمراد بصاحب القيل : الشيخ الصدوق رحمه الله ، وقد تقدم قوله فراجع (2) .
قال السبزواري في شرح « يا رب التحية والسلام » (3) كما في الدعاء : « اللهم أنت السلام ومنك السلام ، ولك السلام ، وإليك يعود السلام » (4) . ثم أخذ في شرح سلام بعضنا على بعض ، بأنه لا بد أن يسلم الكل ، لبركته (5) . أي لاسم الله تعالى البركة كلها . وإن من المواهب السامية أن أذن لنا الله على الدوام بذكر اسمه السلام الطيب المبارك ، وهو من أسمائه الحسنى ، نلهج به صباحاً ومساءً وفي كل أيام الدهر ، عسى أن تطيب به نفوسنا وقلوبنا ، وتغفر ذنوبنا ، وتستر عيوبنا .
____________
1 ـ عدة الداعي : 304 .
2 ـ سبق قريباً ، وانظر التوحيد 204 ـ 205 .
3 ـ البحار : 94 | 387 .
4 ـ شرح الأسماء الحسنى 109 .
5 ـ المصدر نفسه .