الفصل الثاني

السلام تحية الله ألتي أختارها للمسلمين



(54)


(55)

السلام تحية الله التي اختارها للمسلمين

يعطي هذا العنوان أمرين : السلام تحية الله تعالى ، وأنه التحية المختارة للمسلمين .
أما الأمر الأول : فيدل عليه عدد من آي القرآن الكريم ، تنص على سلام الله عز وجل على الأنبياء المرسلين تارة بلفظ الجمع ، وأخرى تنوه بأسماء جمع منهم عليهم السلام ، يأتي من ذكر النوعين قريباً .
وأما الأمر الثاني : فيستفاد من نفس الآي الآتي ذكرها ، ومن أمره تعالى نبيه بالتحميد والتسليم على عباد الله المصطفين ، وعلى المؤمنين إذا جاؤوه قبل كل شيءٍ ، ومن فعل الملائكة المصرح بهم في القرآن الكريم والحديث ، وهو من مظاهر الحب والتواصل بين جميع الخلائق وكيف لا والسلام متعارف للكل ومتفق عليه من البشر ، وإن اختلف شكل التعارف فيما بينهم كما يأتي بيانه ، وإليك من الوحي النازل في موضوع السلام على عدد من الرُّسل المصرحة بأسمائهم وأفرادهم ، أو بلفظ الجمع ، أو جاء الأمر بتسليم البعض على البعض ، أو في قصص أقوام سابقين ، وأمم الأنبياء عليهم السلام الذين قد جاء ذكرهم في القرآن ، أو ما قالته الملائكة عند نزولهم على الأنبياء ، أو دخولهم على أهل الجنة ، أو غيرها مما هو في الكتاب العزيز يتلى صباحاً ومساءً :


(56)

( سَلامٌ عَلى نُوحٍ في العالَمينَ ) (1) .
( سَلامٌ عَلى إبْراهيمَ ) (2) .
( سَلامٌ عَلى مُوسى وَهرُونَ ) (3) .
( سَلامٌ عَلى ءالِ ياسِينَ ) (4) .
( وَسَلامٌ عَلى المُرْسَلِينَ ) (5) .
( يا نُوحُ اهْبِط بِسَلامٍ مِنْا وَبَرَكاتٍ عَلَيْكَ وَعَلى أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ ) (6) .
( وَقُلِ الحَمدُ للهِ وَسَلامٌ عَلى عِبادِهِ الَّذينَ اصْطَفى ) (7) .
( وَإِذا جاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِأياتِنا فَقُلْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ ) (8) .
( إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقالُوا سَلاماً ) (9) .
( وَالْمَلائِكَةُ يَدخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بابٍ * سَلامٌ عَلَيكُمْ ) (10) .
فسند تحية المسلمين في العالم أجمع بالسلام هو القرآن الكريم ، وهو دستور لأهل العالم كلهم ، ولو لم يكن في الإسلام إلا السلام لكان من الأحرى أن يعتنقوه لو عقلوه ، وهل يعقله إلا من خرج عن أسر الهوى ، وتحرر من رقّ الشيطان ، وعشق السلام والإسلام لا يدعو إلا إليه ، وأن يدخل الناس في السِلم كافة ، وينبذوا الحروب ، وليس السلام إلا لسلامة الجميع . وإن الإسلام من التسليم كما سبق به الحديث العلوي (11) . ومبدأ الكل من السلام وهو اسم الله تعالى ، ومن ثم صار هذا شعاراً لازماً
____________
1 ـ الصافات : 79 .
2 ـ الصافات : 109 .
3 ـ الصافات : 120 .
4 ـ الصافات : 130 .
5 ـ الصافات : 181 .
6 ـ هـود : 48 .
7 ـ النـمل : 59 .
8 ـ الأنعام : 54 .
9 ـ الذاريات : 25 .
10 ـ الرعد : 23 ـ 24 .
11 ـ عند تفسير السلام في اللغة نقلاً من أصول الكافي 2 | 45 .

(57)

للمسلمين ، يتعاهدونه عند كل تلاقٍ وفراقٍ ، حتى لا تفارقهم السلامة في أبدانهم ، ومعاشهم ، بل ومعادهم يوم الحشر الأكبر ، وحتى يدخلوا دار السلام ـ وهي الجنة ، كما سمعتها في الآي المتقدم ذكرها (1) ، وتسمعها ـ ولا يدرك حقيقة هذا القول إلا من ذاق طعم العافية ، وأحبها لإخوانه ، وكل ولد آدم عليه السلام فهلم نستمع الحديث :
« كان أصحاب رسول الله صلى عليه وآله ، إذا أتوه يقولون له : أنعم صباحاً ، وأنعم مساءً ، وهي تحية أهل الجاهلية ، فأنزل الله : ( وإذا جاءوك حيوك بما لم يحيك به الله ) (2) ، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وآله : قد أبدلنا الله بخير من ذلك ، تحية أهل الجنة السلام عليكم » (3) . إشارة إلى قوله تعالى : ( إلا قيلاً سلاماً سلاماُ ) (4) ، وإلى الحكاية عن أهل الجنة أيضاً : ( وتحيتهم فيها سلام ) (5) ، والجنة طيبة ، وأهلها طيبون وكل ما فيها طيب ، والسلام تحية من عند الله مباركة طيبة ، اختارها للطيبين المسلمين حقاً ، والسلام من أطيب أقوالهم ـ أقوال أهل الجنة ـ لا يقولون ولا يسمعون فيها إلا سلاماً ، وأهل السلام اليوم أهل السلام غداً في الجنة .
والصادقي : « السلام تحية لملتنا ، وأمان لذمتنا » (6) .
والنبوي : « إن السلام اسم من أسماء الله وضعه في الأرض تحية لأهل ديننا ، وأماناً لأهل ذمتنا » (7) .
حديث وهب اليماني قال : « إن الله قال لآدم انطلق إلى هؤلاء الملأ
____________
1 ـ في كلام الصدوق وغيره ، وحول الأسماء الحسنى السلام ، وقوله عز وجل : ( لهم دار السلام ) الأنعام : 127 .
2 ـ المجادلة : 8 .
3 ـ تفسير القمي لعلي بن إبراهيم القمي 2 | 355 ، البحار 76 | 6 .
4 ـ الواقعة : 26 . أي قولاً .
5 ـ يونس : 10 .
6 ـ البحار 76 | 12 ، هو نبوي أيضاً جاء في مجمع الأمثال للميداني 2 | 450 ، وكتاب أمثال الحديث 325 .
7 ـ كنز العمال 9 | 113 ، الرقم 25237 ، أي السلام من أسمائه الحسنى وضعه في الأرض .

(58)

من الملائكة فقل : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، فسلم عليهم ، فقالوا : وعليك السلام ورحمة الله وبركاته ، فلما رجع إلى ربه عزّ وجلّ قال له ربه تبارك وتعالى : هذه تحيتك وتحية ذريتك من بعدك فيما بينهم إلى يوم القيامة » (1) .
قال السيد الطباطبائي :
الأمم والأقوام على اختلافهم في الحضارة ، والتوحش ، والتقدم ، والتأخر لا تخلو في مجتمعاتهم من تحية يتعارفونها عند الملافاة الملاقاة البعض البعض ، على أقسامها وأنواعها ، من الإشارة بالرأس ، واليد ، ورفع القلانس وغير ذلك ، وهي مختلفة باختلاف العوامل المختلفة العاملة في مجتمعاتهم .
أنت إذا تأملت هذه التحيات الدائرة بين الأمم على اختلافها وعلى اختلافهم ، وجدتها حاكية مشيرة إلى نوع من الخضوع ، والهوان ، والتذلل ، يُبديه الداني للعالي ، والوضيع للشريف ، والمطيع لمطاعه ، والعبد لمولاه ، وبالجملة تكشف عن رسم الاستعباد الذي لم يزل رائجاً بين الأمم في أعصار الهمجية فما دونها ، وإن اختلفت ألوانه ، ولذلك ما نرى أن هذه التحية تبدأ من المطيع وتنتهي إلى المطاع ، وتشرع من الداني الوضيع وتختتم في العالي الشريف ، فهي من ثمرات الوثنّية التي ترتضع من ثدي الاستعباد .
والإسلام ـ كما تعلم ـ أكبر همه إمحاء الوثنية وكل رسم من الرسوم ينتهي إليها ، ويتولد منها ، ولذلك أخذ لهذا الشأن طريقة سوية ، وسنة مقابلة لسنة الوثنية ، ورسم الاستعباد ، وهو إلقاء السلام الذي هو ينحو أمن المسلم عليه من التعدي عليه (2) ، ودحض حريته الفطرية الإنسانية الموهوبة له ؛ فإن
____________
1 ـ الوسائل 8 | 444 .
والنبوي : « ... إذا أتيت قوماً من المسلمين فقل : السلام عليكم ورحمة الله » كنز العمال 9 | 118 ، رقم الحديث 25271 .
2 ـ ومن ثم جاء « ... وإذا قل سلام المؤمنين بعضهم على بعض ظهرت العداوة والبغضاء في قلوبهم » جامع الأحاديث 15 | 585 .

(59)

أول ما يحتاج إليه الأجتماع التعاوني بين الأفراد هو أن يأمن بعضهم بعضاً ، في نفسه ، وعرضه ، وماله ، وكل أمر يؤول إلى أحد هذه الثلاثة .
هذا هو السلام الذي سنّ الله تعالى إلقاءه عند كل تلاق من متلاقيين ، قال تعالى : ( فإذا دخلتم بيوتاً فسلموا على أنفسكم تحية من عند الله مباركة طيبة ) [ النور : 61 ] ، وقال تعالى : ( يا أَيُّها الَّذينَ ءامَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرُ بُيُوتِكُمْ حَتّى تَستَأْنِسُوا و‌تُسَلِّمُوا عَلى أَهلِها ذلِكُم خَيْرٌ لَكُم لَعَلَّكُم تَذَكَّرُونَ ) [ النور : 27 ] . وقد أدب الله رسوله ، صلى الله عليه وآله وسلم ، بالتسليم للمؤمنين وهو سيدهم فقال : ( وإذاجاءك الذين يؤمنون بآياتنا فقل سلام عليكم كتب ربكم على نفسه الرحمة ) [ الأنعام : 54 ] ، وأمره بالتسليم لغيرهم في قوله : ( فاصفح عنهم وقل سلام فسوف تعلمون ) [ الزخرف : 89 ] (1) .
يريد طاب ثراه :
أن السلام الإسلامي يحصر الخضوع لله تعالى ؛ لأنه كما تقدم اسم من أسمائه عز وجل ، وملازمة المسلمين له عند كل مواجهة توجيه قهري إلى صاحب الاسم وهو الله تعالى فينحصر الخضوع له دون غيره تعالى :
ولعل السر في الاهتمام به هو هذا المعنى ، أو الاندفاع به إلى شرع الحب ، وإظهار ما انطوى عليه صاحبه من الوفاء والولاء ؛ وذلك من أقوى وسائل المحبة ، والأخوة الإسلامية (2) .
ومن معاني السلام : أنه دعاء لسلامة صاحبه ، أو كما قيل من الوجوه السلامية له : أن ، معنى ( السلام عليكم ) أي اسم الله عليكم كالظلة تخيم على رؤوسكم ، ويراد بذلك حفظكم ـ وإن من أثر الاسم الأخذ بلفظه كاسم الغني للغنى ، واسم القادر للاقتدار ، والعزيز للعزة وهكذا باقي الأسماء الحسنى .
____________
1 ـ تفسير الميزان 5 | 31 ـ 32 .
2 ـ ومن مواطن البر ، وقد جاء المثل : « تباروا فإن البر ينمي العدد » كما في الفاخر 264 . ويستدعي عليه شكراً موجباً للزيادة ( لئن شكرتم لازيدنكم ) إبراهيم : 7 .

(60)



(61)

الفصل الثالث
الإبـتـدَاء بـالسَـلام



(62)



(63)

الابـتـداء بـالسـلام

كان رسول الله ، صلى الله عليه وآله ، سباقاً إلى كل خير وجميل ، ومنه الابتداء بالسلام لتواضعه وحسن خلقه . وفي حديث هند بن أبي هالة التميمي ـ ربيب النبي ، صلى الله عليه وآله ، وكان وصافاً عن حليته (1) ـ قال : « كان رسول الله فخماً مفخماً ، يتلألأ وجهه تلألؤ القمر ليلة البدر ـ إلى أن قال : ـ وإذا مشى كأنما ينحط من صبب (2) ، وإذا التفت التفت جميعاً ، خافض الطرف ، نظره إلى الأرض أطول من نظره إلى السماء ، جل نظره الملاحظة ، يسوق أصحابه (3) ، ويبدر من لقي بالسلام » (4) .
و « يبدر » من البدار أي : كان ، صلى الله عليه وآله ، يسبق كل من يلقاه بالسلام ، حتى النساء والصبيان وإليك من هذا اللون من أحاديث :

1 ـ الصادقي :
« كان رسول الله ، صلى الله عليه وآله ، يسلم على النساء ويرددن
____________
1 ـ قال المحدث القمي : كان فصيحاً بليغاً إلى آخر كلامه . السفينة 2 | 725 ـ هند ـ .
2 ـ قال ابن الأثير : أي : في موضع منحدر ، وفي رواية « كأنما يهوي من صبوب » . النهاية 3 | 3 ـ صبب ـ .
3 ـ يقدم أصحابه فيكون سائقاً ، ولا يتقدمهم ليكون قائداً لهم ؛ لأن السائق يقال للمتأخر ، والقائد للمتقدم .
4 ـ مكارم الأخلاق للطبرسي 9 ـ 11 ، معاني الأخبار 80 ـ 81 .

(64)

عليه السلام ، وكان أمير المؤمنين عليه السلام يسلم على النساء ، وكان يكره أن يسلم على الشابة منهن ويقول : أتخوف أن يعجبني صوتها فيدخل علي أكثر مما أطلب من الأجر » (1) .
أقول : لعل قول أمير المؤمنين عليه السلام : « أتخوف .. » يقول ذلك وهو فوق المستوى البشري ، لسعة روحه العالية وعصمته ؛ لتعليم الآخرين بأن يحذروا من التسليم عليها للكراهة ،كما ذكره الشيخ المجلسي بقوله : لعل هذا للتعليم (2) ، وعنون الشيخ الحر الباب : ( باب جواز تسليم الرجل على النساء ، وكراهته على الشابة وجواز ردّهنّ ) (3) .

2 ـ الرضوي :
« قال : قال رسول الله ، صلى الله عليه وآله : خمس لا أدعهن حتى الممات : الأكل على الحضيض مع العبيد ، وركوبي الحمار مُؤَكِفاً [ مُؤكِفاً ] ، وحلبي العنز بيدي ، ولبس الصوف ، والتسليم على الصبيان ، لتكون سنة من بعدي » (4) .
وفي الصادقي : « ... خمس لست بتاركهن حتى الممات : لباس الصوف ، وركوبي الخمار مُؤكِفاً ، وأكلي مع العبيد ، وخصفي النعل بيدي ، وتسليمي على الصبيان لتكون سنة من بعدي » (5) .
____________
1 ـ أصول الكافي 2 | 648 ، الوسائل 8 | 451 ـ 452 .
2 ـ مراة العقول 12 | 545 .
3 ـ الوسائل 8 | 451 ، الباب 48 من أبواب أحكام العشرة .
4 ـ الوسائل 8 | 441 ، الخصال 1 | 271 ، إنما حذفنا السند للاختصار ، وربما ذكرناه لأمر ما . ثم قوله صلى الله عليه وآله : « وركوبي الحمار مؤكفاً » كما يأتي بيانه إما من باب الإفعال أو من باب التفعيل ، وعلى كلا التقديرين إما « مؤكفاً » اسم للفاعل ، أو « مؤكَفاً » اسم للمفعول ، والأول أنسب لتواضعه صلى الله عليه وآله ، ونسب « مؤكَفاً » على الحال للراكب بتقدير له : أي يركب الحمار حاكونه واضعاً له برذعته ، وقيل « مؤكَفاً » اسم للمفعول تعييناً للزوم سبق وضع الإكاف للحمار ، ولكنه مردود بما ذكرناه .
5 ـ الخصال 1 | 271 ـ 272 ، الوسائل 8 | 441 ـ 442 ، والسند مختلف فيهما .
والنبوي : « أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وآله مرّ على صبيان فسلم عليهم وهو مغذّ » مستدرك الوسائل 8 | 364 .
لعل كلمة « مغذّ » يريد بها التعليم ، لأنها من التغذية والعلم والأدب غذاء الأرواح .

(65)

بـيان :
الحديثان كما تراهما متحدان في العدد دون المعدود ، لأن الأول فيه : « وحلبي العنز بيدي » بينما في الثاني « وخصفي النعل بيدي » مع اختلاف بعض ألفاظهما . والذي يسهل الأمر أنهما حديثان . و « مؤكفاً » من أَكَفَ إيكافاً ، أو أَكَّفَ تأكيفاً : الحمار شدّ عليه الإكاف أي البرذعة (1) وهي في المراكب : شبه الرحال والأقتاب (2) .
والمعنى : أنا بيدي أشدّ برذعة حماري عند الركوب ؛ وإنما كان صلى الله عليه وآله يصنع ذلك لعظيم تواضعه ، والمتكبرون كانوا يخصصون إنساناً يضع البرذعة على حمارهم ، وكان من الأجدر أن يضعها عليهم دونه .

3 ـ الصادقي :
قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : « أولى الناس بالله وبرسوله من بدأ بالسلام » (3) .
4 ـ الآخر :
« إن الله عزّ وجلّ قال : [ إنّ ] البخيل من يبخل بالسلام » (4) .
5 ـ الآخر :
« البادي بالسلام أولى بالله وبرسوله » (5) .

أقـول :
المراد بالأولوية القرب إليهما ، نظير ما جاء في آية ( إنَ أولى الناس بإبراهيم للذين أتّبعوه وهذا النبيّ والّذين ءامنوا ) (6) .
____________
1 ـ هامش الخصال 1 | 271 .
2 ـ تاج العروس ـ أكف ـ .
3 ـ أصول الكافي 2 | 644 ، الوسائل 8 | 436 .
4 ـ أصول الكافي 2 | 645 ، الوسائل 8 | 437 .
5 ـ أصول الكافي 2 | 645 ، الوسائل 8 | 437 .
6 ـ آل عمران : 68 .

(66)

ففي علوي : « إن أولى الناس بالأنبياء أعملهم بما جاؤوا به ، ثم تلا هذه الآية ، قال : إنّ وليّ محمّد صلى الله عليه وآله مَن أطاع الله وإن بعدت لحمته ، وإن عدوّ محمد صلى الله عليه وآله مَن عصى الله وإن قربت قرابته » (1) .
تصريح : بأنّ الوليّ يراد به القريب ، ولم يرد من الأولى في هذه الأحاديث التفضيل حتى يقال : إنّ تارك السلام لا قرب له ليكون البادئ به أقرب ، فتفطن إلى مساغ الآية والحديث . وهنا احتمال آخر لأولوية البادىء ، وهو التشابه في التخلق بأخلاق الله والرسول ، حيث اقتدى البادئ بالسلام بهما فيه دون التارك له ، وقد عرفت أنه تعالى هو الأول له حتى سمى نفسه به ، وأمر نبيه بأن يسلم على المؤمنين وقد اتبعه أهل بيته عليهم السلام في كل خير ، ومنه السلام .
فالله المعلم الأول ، ثم الرسول كما جاء في آية ( علّم الإنسان ما لم يعلم ) (2) أنه علم عليّاً عليه السلام (3) ، وكذا باقي الأئمة عليهم السلام القدوة في السلام وفي كل أمر خير ، وأنهم أمروا بالسلام وابتدأوا به ، فالمقتدي في السلام متخلق بأخلاقهم . وإنك قد عرفت ذلك كله من الأحاديث السالفة ، من أن البادئ بالسلام أولى بالله ورسوله ، وبالأئمة المعصومين أيضاً ؛ وإنما اكتفى بهما دون الأئمة ، إما لكونهم نفس الرسول صلى الله عليه وعليهم ، أو جرياً على الأخذ بالمتفق عليه ، وإلا فلا ريب عندنا أن كل ما ثبت للرسول ثابت لهم أيضاً ، إلا الخصائص ، وهنا احتمال ثالث لمعنى الأولوية :
وهو بيان شروط الأولوية بالله وبالرسول ، وأن الابتداء بالسلام من تلك الشروط ، وأنه لزام على الداعي إلى الله والرسول كما كان ، صلى الله
____________
1 ـ تفسير الصافي 1 | 271 .
2 ـ العلق : 4 ـ 5 .
3 ـ تفسير الصافي 2 | 833 .
ومن روايات السلام النبوي الوارد في الأرحام : « صِلوا أرحامكم في الدنيا ولو بالسلام » مستدرك الوسائل 15 | 255 . وفي لفظ : « بلّوا أرحامكم ولو بالسلام » عوالي اللآلي 1 | 255 .

(67)

عليه وآله ، كذلك : إنه يبدر بالسلام على كل من لقيه وهو الأسوة في كل خير ومنه السلام ، وقد قال تعالى : ( لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة ) (1) .
6 ـ النبوي : « أطوعكم لله الذي يبدأ صاحبه بالسلام » (2) .
7 ـ الآخر : « البادئ بالسلام بريء من الكبر » (3) .
8 ـ العلوي : « لكل داخلٍ دهشة فابدأوا بالسلام » (4) .

بيـان :
وإنما كان البادئ بالسلام أطوع لله تعالى ؛حيث أخذ بما قد سنّه الله ورسوله له ، كما أن البادئ به قد برئ من الكبر ، إذ كابر نفسه في إخضاعها لذلك ، وأنه قد ذهب بدهشتها به في دخوله في كل شيءٍ . وحذف المتعلق ، أي متعلق الدخول في الحديث ، ذاهب بنفس السامع إلى كل مذهب ممكن .
وعليه فالسلام محبوب للجميع على كل حال : ومنها دخول البيت ولو لم يكن فيه إنسان يسلم عليه ، فإن ملائكة الله عز وجل موجودون في كل مكان ، لأن له أهلاً ومنهم الموكلون الحافظون له من أمر الله خاصة ، ملك الرقيب والعتيد الموكل لكتابة أعماله : ( وإن عليكم لحافظين * كراماً كاتبين * يعلمون ما تفعلون ) (5) و ( بلى ورسلنا لديهم يكتبون ) (6) و ( مايلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد ) (7) وسيأتي في ـ سلام الإذن ـ حديث
____________
1 ـ الأحزاب : 21 .
2 ـ كنز العمال 9 | 116 ، الرقم 25253 .
3 ـ البحار 76 | 11 ، كنز العمال 9 | 117 ، الرقم 25265 .
4 ـ غرر الحكم ودرر الكلم 252 .
5 ـ الانفطار : 10 ـ 12 .
6 ـ الزخرف : 80 .
7 ـ ق : 18 .
ومنها النبوي : « إذا سلم المؤمن على أخيه المؤمن فيبكي إبليس ... » جامع أحاديث الشيعة 15 | 583 .

(68)

« إذا لم ير الداخل بيتاً أحداً فيه يقول : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، يقصد به الملكين اللذين عليه شهوداً » (1) .
9 ـ العلوي الآخر : « السلام سبعون حسنة ، تسعة وستون للمبتدئ ، وواحدة للرادّ » (2) .
10 ـ العلوي الآخر : « إذا حُيـّيت بتحيّة فحيِّى بأحسن منها ، وإذا أسديت إليك يدّ فكافـئها بما يربي عليها ، والفضل مع ذلك للبادئ » (3) .
فإن قيل : الحديث العاشر يمس البحث الثامن : ـ السلام ندب والرد فرض ـ . قلنا : نعم ولكن « والفضل مع ذلك للبادئ » يشمل المقام وهو : الابتداء بالسلام ، والفضل للبادئ مقياس كلي مطبق على البدايات بأسرها ومنها : الابتداء بالسلام كما هو واضح لا سترة عليه .
ولا يذهب الذاهب أن كل من ابتدأ بشيءٍ له فضل البداية ، ومالم يكن المبدوء به خيرا ليس للبادىء فضل ، فالفضل إنما هو للبادئ بالخير السابق إليه ، وهو المقرب بمقتضى قوله عز وجل : ( والسّبِقُونَ السّبِقُون * أُولئِكَ المُقَرَّبون ) (4) ، ( فَاسْتَبِقُوا الخَيراتِ ) (5) .
11 ـ السجادي : « بادروا بالسلام على الحاج والمعتمر .. من قبل أن تخالطهم الذنوب » (6) .
12 ـ السجادي الآخر : روى الشيخ الحر عن الكليني ، عن محمد بن يحيى ، عن أحمد بن
____________
1 ـ تفسير القمي 2 | 109 ، تفسير البرهان 3 | 153 .
2 ـ البحار 76 | 11 .
3 ـ النهج 18 | 201 ، الحكمة 6 .
4 ـ الواقعة : 10 ، 11 .
5 ـ البقرة : 148 .
أقول : البادئ بالشر ظالم ، بل أظلم كما في المثل السائر : ( البادئ أظلم ) المستقصى 1 | 304 . وأما البادئ بالخير ومنه البادئ بالسلام فله المثل العلوي : « الفضل للبادي » .
6 ـ الوسائل 8 | 327 .

(69)

محمد ، عن ابن محبوب ، عن مالك بن عطية ، عن أبي حمزة ، عن عليّ بن الحسين عليهما السلام قال : « من أخلاق المؤمن الإنفاق على قدر الإقتار ، والتوسع على قدر التوسع ، وإنصاف الناس ، وابتداؤهم بالسلام عليهم » (1) .
13 ـ الصادقي : « يا إسحاق متى أحدثت هذا الجفاء لإخوانك ، تمرّ عليهم فلا تسلّم عليهم ؟! فقلت له : ذلك لتقية كنت فيها ، فقال : ليس عليك في التقية ترك السلام ... » (2) .
14 ـ الصادقي الآخر : « من التواضع أن تسلّم على مَن لقيت » (3) .

أقـول :
سَبْق السلام على كل من يلقاه هو من الخلق الإسلامي الرفيع ، المنشعب عن أصل الشجرة النبوية ، وقد سَبَق الحديث عنه صلى الله عليه وآله « ويبدر مَن لقي السلام » ، الذي رواه هند بن أبي هالة (4) .
ومن أخلاق المؤمنين ؛ « وابتداؤهم بالسلام » من حديث الإمام السجاد زين العابدين عليه السلام الآنف الذكر ، وغير ذلك (5) .
15 ـ النبوي : « إنّ من التواضع أن يرضى الرجل بالمجلس دون شرف المجلس ، وأن يسلّم على مَن لقي » (6) .
16 ـ الآخر : « بين المسلّم والمجيب مائة حسنة ، تسعة وتسعون منها لمَن يسلّم ، وحسنة لمن يجيب » (7) .
____________
1 ـ الوسائل 8 | 436 .
2 ـ الوسائل 8 | 451 ، البحار 76 | 6 .
3 ـ أصول الكافي 2 | 646 ، باب التسليم ، الحديث 12 ، والآخر : « ابدأ الناس بالسلام ، والمصافحة قبل الكلام » . جامع أحاديث الشيعة 15 | 581 ، الوسائل 8 | 438 و 440 .
4 ـ مكارم الأخلاق 9 ـ 11 ، معاني الأخبار 81 .
5 ـ من ذلك حديث الإمام أبي محمد الحسن العسكري عليه السلام : « من التواضع السلام على كل من تمرّ به ، والجلوس دون شرف المجلس » . البحار 78 | 372 .
6 ـ الجعفريات 149 ، مستدرك الوسائل 8 | 356 .
7 ـ مستدرك الوسائل 8 | 357 .

(70)

17 ـ في وصايا لقمان ، إلى أن قال : « يا بنيّ ابدأ الناس بالسلام ، والمصافحة قبل الكلام » (1) .
18 ـ النبوي : « إذا لقي الرجل المسلم أخاه فسلّم عليه وصافحه لم ينزع أحدهما يده عن صاحبه حتى يغفر لهما » (2) .
19 ـ النبوي : « إذا سلّم المؤمن على أخيه المؤمن فيبكي إبليس ( لعنه الله تعالى ) ويقول : يا ويلتاه لم يفترقا حتى غفر الله لهما » (3) .
20 ـ الباقري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : « إذا تلاقيتم فتلاقوا بالتسيلم والتصافح ، وإذا تفرّقتم فتفرقوا بالاستغفار » (4) .

أقـول :
أبخل الناس رجل مسلم يمرّ بمسلم ولا يسلّم عليه ، على أن من حقوق المسلم على المسلم أن يسلم عليه إذا لقيه ، وإلا فقد جفاه ، وقد جاء ذلك في بعض أحاديث أهل البيت عليهم السلام (5) .
ولو لم يكن من السلام غير أنّه اسم من أسماء الله عزّ وجلّ يجري على لسان المؤمن لكفى ، لأنه يعدّ من الذاكرين له تعالى وأنّه من مكارم الأخلاق (6) .
____________
1 ـ الاختصاص 338 ، مستدرك الوسائل 8 | 357 ـ 358 .
2 ـ مستدرك الوسائل 8 | 359 .
3 ـ مستدرك الوسائل 8 | 360 . وقد مر الحديث في الهامش رقم 7 صفحة 67 .
4 ـ أمالي الطوسي 1 | 219 .
5 ـ جامع أحاديث الشيعة 15 | 590 في معناه .
6 ـ في النبوي : « إنما بعثت لأتمم مكارم الإخلاق » مكارم الأخلاق 2 .