الفـصل الرابـع

إفـشَـاء السَـلام في العَـالم



(72)


(73)

إفشاء السلام في العالم

هذا العنوان مأخوذ من النبوي ، الآتي ذكره ، الدال على إفشاء السلام في العالم بأسره ، وأنه من خير الأخلاق ، ومن غيره أي غير النبوي كذلك وإليك من النصوص :
1 ـ النبوي : « ألا أخبركم بخير أخلاق أهل الدنيا والآخرة ؟ قالوا : بلى يا رسول الله ، فقال : إفشاء السالم في العالم » (1) .
2 ـ الباقري : « كان سلمان رحمه الله يقول : أفشوا سلام الله ، فإن سلام الله لا ينال الظالمين » (2) .
قال الشيخ المجلسي : أي لا تقولوا هذا ظالم لا نسلّم عليه ، فإن سلام الله لا ينالهم (3) .
يريد لا تمتنع من إفشاء السلام على كل أحد ، بزعم أنه ظالم لا يجدر السلام عليه ، ولا ريب أن قول سلمان ترغيب لإفشاء السلام ، وأنه لو كان المسلّم عليه من الظالمين لا ينتفع بالسلام كما يأتي التصريح به في الكاظمي ، والسلام كلمة تسر القلوب ، حتى الجفاة القساة ، ولعل الله
____________
1 ـ البحار 76 | 12 .
2 ـ أصول الكافي 2 | 644 .
3 ـ مرآة العقول 12 | 539 .

(74)

يهديها ويُلينها بالسلام ، وهو اسم الله تعالى قد اختاره تحية للمسلمين ، كما في حديث القمي النبوي : قال فيه رسول الله ، صلى الله عليه وآله ، عند نزول قوله تعالى : ( وإذا جاءوك حيوك بما لم يحيّك به الله ) (1) : « قد أبدلنا الله بخير من ذلك تحية أهل الجنة : السلام عليكم » (2) .
إن قول سلمان رحمه الله : « أفشوا سلام الله ، فإن سلام الله لا ينال الظالمين » الذي رواه الإمام الباقر عليه السلام برواية الشيخ الكليني ، يراد به عدم وصول النفع للظالمين ، بصفتهم أنهم ظالمون ؛ وذلك لما رواه الكليني ، طاب ثراه ، عن علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن عبد الرحمن بن الحجاج قال : قلت لأبي الحسن موسى عليه السلام : «أرأيت إن احتجت إلى متطبب وهو نصراني أسلّم عليه وأدعو له ؟ قال : نعم إنّه لا ينفعه دعاؤك » (3) . وكذا رواية أخرى مثلها بسند آخر صحيح أيضاً (4) .
والرضوي قال : قيل لأبي عبد الله عليه السلام : « كيف أدعو لليهودي والنصراني ؟ قال : تقول له : بارك الله لك في الدنيا » (5) .
والسرّ في عدم وصول النفع ما قدّمناه : بصفتهم أنهم ظالمون ، لأن إعانة الظالم على ظلمه ظلم آخر لا بدّ من التبرّي منه ، كما اقتصّ تعالى وتقدّس ذلك عن استغفار إبراهيم عليه السلام لآزر : ( وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلاّ عن موعدة وعدها إياه فلمّا تبيّن أنّه عدوّ لله تبرّء منه إنّ إبراهيم لأوّاه حليم ) (6) .
وعليه فلا يكون السلام ، ولا الدعاء ولا الاستغفار بنافع للظالمين
____________
1 ـ المجادلة : 8 .
2 ـ تفسير القمي 2 | 355 ، البحار 76 | 6 .
3 ـ أصول الكافي 2 | 650 ، باب التسليم على أهل الملل ، الحديث 7 .
4 ـ أصول الكافي 2 | 650 ، الحديث 8 .
5 ـ أصول الكافي 2 | 650 ، الحديث 9 في النفس من هذا الحديث شيء ، إذ كيف يدعى لليهودي ويبارك في دنياه إلاَّ أن يراد وفق آية : ( إنما نُملى لهم ليزدادوا إثماً ولهم عذابُ مهينٌ ) [ آل عمران : 178 ] . أي يعطي الدنيا حتى يهلك ، فتدبر في الحديث لعلك تعلم منه ما لم أعلمه .
6 ـ التوبة : 114 .

(75)

والكافرين ، إلا أن يصير ذلك سبباً لهدايتهم فيما إذا نواها المسلِّم أو الداعي أو المستغفر ؛ فلعل الله تعالى يلين قلوبهم ويجمعهم على الحق ، وكم ظالم أو كافر اهتدى ببركة دعاء الداعي ، ولا سيما إذا كان الداعي أحد المعصومين عليهم السلام ، أو بعض المؤمنين الذين لا ترد لهم دعوة .
3 ـ الباقري الآخر : « إنّ الله عزّ وجلّ يحبّ إفشاء السلام » (1) .
4 ـ النبوي : « إن السلام اسم من أسماء الله تعالى فأفشوه بينكم » (2) .
5 ـ الباقري : « إن الله يحبّ إطعام الطعام ، وإفشاء السلام » (3) .
6 ـ النبوي : « والذي نفسي بيده لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا ولا تؤمووا حتى تحابوا ، أوَ لا أدلّكم على شيءٍ إذا فعلتموه تحاببتم أفشوا السلام بينكم » (4) .
7 ـ والآخر : « يا أنس أسبغ الوضوء تمرّعلى الصراط مرّ السحاب ، أفشِ السلام يكثر خير بيتك ، أكثر من صدقة السر ؛ فإنها تطفىء غضب الربّ عزّ وجلّ » (5) .
8 ـ الصادقي : « من يضمن لي أربعة بأربعة أبيات في الجنة : أنفق ولا تخف فقراً ، وأنصف الناس من نفسك ، وأفشِ السلام في العالم ، واترك المراء وإن كنت محقاً » (6) .
9 ـ الآخر : « كان عليّ عليه السلام يقول : لا تَغضبوا ولا تُغضبِوا ، أفشوا السلام ... » (7) .
____________
1 ـ أصول الكافي 2 | 645 ، باب التسليم ، الحديث 5 .
2 ـ كنزالعمال 9 | 113 ، الرقم 25237 .
3 ـ البحار 76 | 10 .
4 ـ كنز العمال 9 | 113 ـ 114 ، الرقم 25241 .
5 ـ البحار 76 | 2 .
والعلوي : « إنّ من الكرم لين الكلام ، ومن العبادة ... وإفشاء السلام » مستدرك الوسائل 8 | 363 . 6 ـ الوسائل 8 | 440 .
7 ـ الوسائل 8 | 438 .

(76)

10 ـ النبوي : « يا عليّ ثلاث كفّارات : إفشاء السلام ، وإطعام الطعام ، والصلاة بالليل والناس نيام » (1) .
11 ـ الباقري : « ثلاث درجات ، وثلاث كفّارات ، وثلاث موبقات ، وثلاث منجيات . فأما الدرجات : فإفشاء السلام ... » (2) .
12 ـ النبوي : « خيركم من أطعم الطعام وأفشى السلام ... » (3) .
13 ـ الآخر : « أفشوا السلام تسلموا » (4) .
14 ـ الآخر : « أفشوا السلام كي تعلوا » (5) .
ما هذا الإفشاء بالسلام ؟ ولماذا اهتم الإسلام به هذا الاهتمام ؟ وربّما يسبق إلى الأذهان أنّ الإفشاء بمعنى الجهر به ، كما جاء الأمر بأن يجهر المسلّم لدفع الاتّهام ، وكذا على المجيب الجهر بالجواب ، لذلك (6) . بل الإفشاء الإذاعة والإنشار (7) والانتشار ، ومن ثم سميت المواشي فواشي ، لانتشارها في الأرض وكثرتها ، وأفشى السرّ : أذاعه وبمعنى الأتساع .
قال ابن الأثير فيه ـ أي الحديث النبوي ـ : « ضمّوا فواشيكم » الفواشي : جمع فاشية ، وهي الماشية التي تنتشر من المال ، كالإبل ، والبقر ، والغنم السائمة ؛ لأنّها تفشو أي : تنتشر في الأرض . وقد أفشى الرجل : إذا كثرت مواشيه .
ـ وقال : ومنه حديث الخاتم : « فلمّا رآه أصحابه قد تختّم به ، فشت خواتيم الذهب » . أي : كثرت وانتشرت ... ومنه الحديث « أفشى الله ضيعته » أي : كثر عليه معاشه ليشغله عن الآخرة ... ومنه حديث ابن مسعود
____________
1 ـ الخصال 1 | 85 ، الوسائل 8 | 439 .
2 ـ الخصال 1 | 84 .
3 ـ الخصال 1 | 91 .
4 ـ البحار 76 | 11 .
5 ـ كنز العمال 9 | 115 | الرقم 25249 .
6 ـ تأتي أحاديثه في غضون ( 8 ـ السلام ندب ، والرد فرض ) .
7 ـ باب استعمله القرآن : ( ثُمَّ إذا شاءَ أَنْشَرَهُ ) [ عبس : 22 ] .

(77)

« وآية ذلك أن تفشو الفاقة » (1) .
قال ابن منظور : يقال فشت عليه أموره : إذا انتشرت فلم يدرِ بأيّ ذلك يأخذ ... والفشاء : تناسل المال وكثرته ... وتفشّت القرحة : اتّسَعَتْ وأَرِضَتْ (2) .

أقـول :
فلو أن المسلمين التزموا لزاماً عملياً بهذه السنة الطيّبة الإسلاميّة بأن أفشوا السلام في كلّ مكان ، وفي أيّة حالة سفر أو حضر ، أو رخاء أو بأساء للمسوا السلام ، ولكثرت أنصاره في أرجاء المعمورة ، ولانتشر الأمن والعدل بين سكّانها ؛ ولعل الحديث النبوي الذي ذكرت فيه كلمة « في العالم » (3) . يشير إلى اللزام العملي ، وإلا لم يفشِ السلام في العالم ، وليس معنى الحديث النبوي (4) والصادقي : ـ « وأفش السلام في العالم » (5) ـ إلا ذلك ويحمل عليه إطلاق الأمر بالإفشاء به من دون ذكر قيد : « في العالم » في بقية الأحاديث المطلقة إذ لا يفشوا السلام إلا بما ذكرناه .
ومن تلك المطلـقات دعاء اليوم الثامن من شهر رمضان المروي عن ابن عبّاس : « اللهم ارزقني فيه رحمة الأيتام ، وإطعام الطعام ، وإفشاء السلام ... » (6) .

الإفشاء بالسلام وعدم البخل به :
بقي في المقام حديث يفسّر الإفشاء بالسلام : بأن لا يبخل به ؛ فلا بدّ من ذكر الحديث ، ثم بيان المقصود ؛ إذ فيه نوع من الإبهام ، فقد روى الشيخ الحرّ عن الصدوق بإسناده إلى أبي بصير ، عن الصادق ، عن آباءه
____________
1 ـ النهاية 3 | 449 ـ 450 ـ فشا ـ .
2 ـ لسان العرب 15 | 156 ـ فشا ـ .
3 ـ أول أحاديث إفشاء السلام .
4 ـ المصدر نفسه .
5 ـ ثامن أحاديث الإفشاء .
6 ـ إقبال الأعمال للسيد ابن طاوس 134 .

(78)

عليهم السلام قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : « إن في الجنة غرفاً يرى ظاهرها من باطنها ، وباطنها من ظاهرها ، لا يسكنها من أمتي إلا من أطاب الكلام ، وأطعم الطعام ، وأفشى السلام ، وأدام الصيام ، وصلى بالليل والناس نيام . فقال عليّ عليه السلام : يا رسول الله مَن يطيق هذا من أمّتك ؟ فقال : يا عليّ أتدري ما إطابة الكلام ؟ مَن قال إذا أصبح وأمسى سبحان الله والحمد لله ولا إله إلاَّ الله والله أكبر عشر مرات . وإطعام الطعام : نفقة الرجل على عياله ؛ وأما إدامة الصيام : فهو أن يصوم الرجل شهر رمضان ، وثلاثة أيام من كل شهر ، يكتب له صوم الدهر ، وأما الصلاة بالليل والناس نيام : فمن صلى المغرب والعشاء الآخرة وصلاة الغداة في المسجد جماعة فكأنما أحيى الليل ؛ وأما إفشاء السلام فبأن لا يبخل بالسلام على أحد من المسلمين » (1) .

أقـول :
لا يفتقر الحديث إلى مزيد شرح بعد التصريح بالتأويل بأن المقصود من هذه الكلمة كذا و كذا . يبقى بيان وجه التأويل والمناسبة التي أوجبت ذلك .
ولا ريب أن أداء الواجب وترك الحرام لا يدانيهما العمل بكل ندب أو ترك كل مكروه ، فمَن أتى بالفرائض وترك المحرمات ، فكأنه عمل بالمندوبات وترك المكروهات بأسرها ، إذ أن الأولى هي الأصول وسواها الفروع فلا تقارن هذه بتـلك .
بقي بيان ما كنا في صدده ، والسؤال عن وجه التأويل لإفشاء السلام بعدم البخل به بقوله صلى الله عليه وآله : « وإفشاء السلام أن لا يبخل بالسلام على أحد من المسلمين » ؟ وقد عرفت أن الإفشاء بالسلام انتشاره ،
____________
1 ـ الوسائل 8 | 439 ، الباب 34 من أحكام العشرة ، الحديث 7 . ( وقد روي الأمر بإفشاء السلام في أربعين حديثاً من مجامع السنة والشيعة من الأولى في فهرس مخطوطات جامعة الرياض 4 | 221 ، المطبوع في مطابع جامعة الرياض ، في عام 1400 هـ ) .
(79)

وإذاعته في الناس ، وفي الأرض والعالم ، والسلام أمرٌ وإفشاؤه أمرٌ متفّرعٌ عليه أي على السلام الأصل .
والجـواب :
لا محذور بأن يعرّف الفرع بالأصل ، إما لعدم خلوّه عنه ، أو أنّ الاهتمام بالأصل مقدّم على الاهتمام بالفرع في الظروف القاضية عليه ، فلو فسّر الإفشاء بلزوم أصل السلام ، لكونه عُرضة للترك رأساً لكان تفسيراً مرضيّاً ، ولعلّ وقت صدور الحديث كان قد حتم ذلك للملابسات الزمنية ، أو أن ترك البخل بالسلام والالتزام به ، والاستمرار عليه ، قد يحقق الإنشاء والانتشار ، ولا بأس بأن يراد المسبب من طريق السبب ؛ لأن الالتزام بالسلام سبب للإفشاء والانتشار . وهذا وجه ثانٍ للتأويل وتفسير إفشاء السلام بأن لا يبخل به .
ولصاحب تفسير المنار كلام هو : إن الإسلام دين عامٌّ ، ومن مقاصده نشر آدابه وفضائله في الناس ولو بالتدريج ، وجذب بعضهم إلى بعض ، ليكون البشر كلهم إخوة . ومن آداب الإسلام التي كانت فاشية في عهد النبوّة إفشاء السلام إلا مع المحاربين ، لأن من سلّم على أحد فقد أمنه ، فإذا فتك به بعد ذلك كان خائناً ناكثاً للعهد (1) ...
ـ وقال : ـ وورد في صفات المسلمين في حديث الصحيحين إفشاء السلام وكونه سبب الحب بينهم . ومنها حديث « إن أفضل الإسلام وخيره : إطعام الطعام ، وأن تقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف » ، وصح « أفشوا السلام بينكم تحابّوا » ورواه الحاكم عن أبي موسى و « أفشوا السلام تسلموا » رواه البخاري في الأدب المفرد ، وأبو علي وابن حبّان عن البراء ، وفي صحيح البخاري قال عمّار : « ثلاث من جمعهن فقد جمع الإيمان : الإنصاف من نفسك ، وبذل السلام للعالم (2) ، والإنفاق من الإقتار » . فهذا من أدب الإسلام العالي الذي لا يكاد يجمعه غيره (3) .
____________
1 ـ تفسير المنار 5 | 313 .
2 ـ يأتي تحت 19 من أحاديث ( 7 ـ أدب السلام ) .
3 ـ تفسير المنار 5 | 316 .

(80)

أقـول :
وإن أهل البيت أدرى من غيرهم بما في البيت (1) فقد مثلوا السلام وباقي آداب الإسلام بسيرتهم للعالم كله : بأفعالهم وأقوالهم وفي مقدّمتهم الرسول ، صلى الله عليه وآله ، كان يفشي السلام لكل مَن لقيه (2) .
____________
1 ـ أمثال وحكم 1 | 317 ...
2 ـ لفظ الحديث « ويبدر من لقي بالسلام » .

(81)

الفـصل الخامـس

السَـلام قَـبل الـكـلاَم



(82)



(83)

السـلام قبـل الكـلام

من الإدب الإسلامي السامي الابتداء بالسلام عند المواجهة ، التي لها جمالها وكرامتها ، ومن ثّم جاء الأمر به قبل كلّ شيءٍ ، في الكتاب العزيز ، والأحاديث المرويّة عن أهل البيت عليهم السلام .

من الكتاب العزيز آي :
1 ـ ( وَإِذا جاءَكَ الّذينَ يُؤْمِنُونَ بآياتِنا فَقُلْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ ... ) (1) . أمر الرسول صلى الله عليه وآله عند مجيء المؤمنين ومواجهتهم بالسلام عليهم قبل تبليغ البشارة بشمول الرحمة للتائبين منهم ، وسائر الأمور .
2 ـ ( يَقُولُونَ سَلامٌ عَلَيكُمْ ادْخُلُوا الجَنَّةَ بِما كُنْتُم تَعْمَلُونَ ) (2) . بدأت الملائكة بالسلام على العاملين قبل قولهم لهم : ادخلوا الجنة .
3 ـ ( قال سَلامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبّي إنَّهَ كانَ بي حَفِيّاً ) (3) . قدّم إبراهيم عليه السلام السلام على آزر ، ثم ضمن له أن يستغفر له .
____________
1 ـ الأنعام : 54 .
2 ـ النحل : 32 .
3 ـ مريم : 47 .

(84)

4 ـ ( إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقالُوا سَلاماً قال إِنّا مِنْكم وَجِلُونَ ) (1) . كان سلام الملائكة المبشرة لإبراهيم عليه السلام قبل تبادل الكلام بينهم .
ففي الآي المتلوّة نوع من الدلالة على قبليّة السلام على الكلام .
والأحاديث المروية عن أهل البيت عليهم السلام منها :
1 ـ النبوي : « من بدأ بالكلام قبل السلام فلا تجيبوه وقال : ابدأوا بالسلام قبل الكلام ، فمن بدأ بالكلام قبل السلام فلا تجيبوه » (2) .
2 ـ الصادقي قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : « من بدأ بالكلام قبل السلام فلا تجيبوه » (3) .
3 ـ الآخر : « ولا تدع إلى طعامك أحداً حتى يسلّم » (4) .
4 ـ النبوي : « السلام قبل السؤال ، فمن بدأكم بالسؤال قبل السلام فلا تجيبوه » (5) .
5 ـ الآخر : « لا تأذنوا لمن لم يبدأ بالسلام » (6) .
6 ـ الحسيني أي الحديث المروي عن الحسين عليه السلام : « قال له رجل ابتداءً كيف أنت عافاك الله ؟ فقال عليه السلام له : السلام قبل الكلام عافاك الله ، ثم قال عليه السلام : لا تأذنوا لأحد حتى يسلّم » (7) .

أقـول :
لا مانع أن تكون كلمة قالها النبي صلى الله عليه وآله يقولها أحد المعصومين عليهم السلام أيضاً (8) .
____________
1 ـ الحجر : 52 .
2 ـ أصول الكافي 2 | 644 ، باب التسليم ، الحديث 2 .
3 ـ الوسائل 8 | 437 .
4 ـ الوسائل 8 | 437 ، البحار 76 | 3 .
5 ـ كنز العمال 9 | 122 ، الرقم 25292 .
6 ـ كنز العمال 9 | 129 ، الرقم 25336 .
7 ـ تحف العقول 246 ، في قصار هذه المعاني ، البحار 78 | 117 .
8 ـ كما في حديث 1 و2 .

(85)

ثم إن دعاء الإمام الحسين عليه السلام بالعافية للرجل من تطابق الجواب والسؤال ، وللتنبيه له بالأدب الإسلامي ، والإنساني عند المواجهة وافتتاح الكلام بالسلام ، وتعليم الجاهل بالأحكام ، وأنه كالمريض الذي ينبغي له الدعاء بالعافية ، وإن كان التعارف بهذه الكلمة لمجرد الدعاء ، ومن التحية ، ولكن الإمام عليه السلام نوى بها التنبيه والتعليم ، وغيرهما من المعاني المتناسبة .
ثم إن النهي المشدد عن الكلام قبل السلام ؛ لصون كرامة المواجهة ورعاية حقوق الأخوّة الإسلامية ، بل وحقّ إنسان مع إنسان آخر وهو السلام الضامن عن نيل الشر ، وقد سبق حديث الصدوق عن الصادق عليه السلام وفيه الجواب عن سؤال معنى التسليم في الصلاة ؟ فقال : التسليم علامة الأمن ، وتحليل الصلاة ـ إلى أن قال عليه السلام : ـ كان الناس فيما مضى إذا سلّم عليهم وارد أمنوا شرّه ، وكانوا إذا ردّوا عليه أمن شرّهم (1) ...
والعادة مستمرة بين بعض طوائف العرب : إذا دخل داخل عليهم ولم يسلّم أو لم يأكل من طعام ربّ البيت ، خيف منه ، وعلم أنّه أضمر أمراً لابد منه ، والسلام أو أكل الطعام عندهم علامة الأمن منه .
7 ـ العلوي : « أمرنا رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ إذا مرّ بنا رجل ولم يسلّم والطعام بين أيدينا أن لا ندعوه إليه » (2) .
____________
1 ـ الوسائل 4 | 1006 ، معاني الأخبار 176 .
2 ـ مستدرك الوسائل 8 | 356 .

(86)



(87)

الفـصل السـادس

سَـلاَم الاستـئذَان وَالإعـلاَم



(88)



(89)

سلام الاستئذان والإعلام

المهمة هنا رعاية حقوق الناس ، والحظر عن أي تصرف فيها بلا إذن سابق ، وأنّ حُرمة أموالهم كحُرمة دمائهم ، والدخول في بيوتهم وممتلكاتهم بدون إجازة مُسبقة منهي عنه بالكتاب العزيز ، وسنة رسول الله ، وأحاديث أهل البيت عليهم سلام الله تعالى .
فمن الكتاب العزيز آية :
1 ـ ( يأَيّها الّذينَ ءامَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتاً غُيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلى أَهْلِها ذلِكُم خَيْرٌ لَكُمْ لَعَلّكُم تَذَّكَرُونَ * فَإِنْ لَمْ تَجدُوا فيها أَحَداً فَلا تَدْخُلُوها حَتّى يُؤْذَنَ لَكُمْ وإِنْ قِيلَ لَكُم اِرجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكى لَكُمْ وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ عَليمٌ ) (1) .

التفسـير :
قال الشيخ الصدوق طاب ثراه : حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد ـ رحمه الله ـ قال : حدثنا محمد بن الحسن الصفار ، عن أحمد بن محمد ، عن علي بن الحكم ومحسن بن أحمد ، عن أبان بن الأحمر ، عن
____________
1 ـ النور : 27 ـ 28 . اشتملت على أحكام وآداب تخص الحقوق منها : المنع من دخول البيوت غير بيت الداخل قبل الاستئذان والتسليم ، والرجوع عند عدم الإذن ، والإذن في الدخول لمرة ويجب الاستئذان للمرة الأخرى كما في النبوي الوسائل 8 | 985 . إلا في الإذن الصريح في الدوام .
(90)

عبد الرحمن بن أبي عبد الله قال : « سألت أبا عبد الله عليه السلام عن قول الله عزّ وجلّ : ( لا تَدْخلُوا بيُوتاً غَيرَ بيُوتِكُمْ حَتّى تَستَأنِسُوا وتُسَلِمُوا عَلى أَهلِها ) ؟ قال : الاستئناس وقع النعل والتسليم » (1) .
وعن أبي أيوب الأنصاري قال : قلنا : يا رسول الله ما الاستئناس ؟ قال : « يتكلم الرجل بالتسبيحة والتحميدة والتكبيرة ، يتـنحنح على أهل البيت » (2) وفي رواية : « ويؤذن أهل البيت » (3) .
ولا ينافى التسبيح والتحميد والتكبير والتنحنح مع التسليم ، لأنها ليست من نوع الكلام الممنوع قبل السلام ، وكل ذلك للإسماع والاستئذان ووجوهه ثلاثة :
قال الشيخ الصدوق : حدثنا محمد بن الحسن رضي الله عنه قال : حدثنا محمد بن الحسن الصفار ، عن أحمد بن أبي عبد الله البرقي ، عن أبيه ، عن علي بن أسباط ، عن عمه يعقوب بن سالم ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : « الاستئذان ثلاثة : أوّلهنّ يسمعون ، والثانية يحذرون ، والثالثة إن شاؤوا أذنوا ، وإن شاؤوا لم يفعلوا فيرجع المستأذن » (4) .
وقال الطبرسي : روي أنّ رجلاً استأذن على رسول الله صلى الله عليه وآله ، فتنحنح ، فقال صلى الله عليه وآله لامرأة يقال لها روضة : « قومي إلى هذا فعلميه وقولي له : قل : السلام عليكم أأدخل ؟ فسمعها الرجل ، فقالها ، فقال : ادخل » (5) .
وقال القمي : الاستئناس هو الاستئذان (6) .
____________
1 ـ معاني الأخبار 163 .
2 ـ تفسير مجمع البيان 7 | 135 ، تفسير نور الثقلين 3 | 585 .
3 ـ مجمع البحرين ـ أنس ـ .
4 ـ الخصال 1 | 91 .
5 ـ تفسير مجمع البيان 7 | 136 ، تفسير نور الثقلين 3 | 586 ، تفسير الميزان 15 | 115 .
6 ـ تفسير القمي 2 | 101 .
والنبوي : « سئل عن الاستئذان في البيوت ؟ قال : من دخلت عينه قبل أن يستأذن فقد عصى الله ولا إذن له » . الدرّ المنثور 5 | 39 .

(91)

أقـول : قوله تعالى : ( حَتّى تَسْتَـأْنِسُوا ) قيل فيه وجهان :
أحدهما : أنه من الاستئناس الظاهر الذي هو خلاف الاستيحاش ، لأن الذي يطرق باب غيره لا يدري أيؤذن له أم لا ؟ فهو كالمستوحش من خفاء الحال عليه ، فإذا أذن له استأنس ، فالمعنى : حتى يؤذن لكم كقوله : ( لا تدخلوا بيوت النبي إلا أن يؤذن لكم ) (1) وهذا من باب الكناية والإرداف (2) ، لأن هذا النوع من الاستئناس يردف الإذن فوضع موضع الإذن .
والثاني : أن يكون من الاستئناس الذي هو الاستعلام والاستكشاف : استفعال من أنس الشيء إذا أبصره ظاهراً مكشوفاً . والمعنى حتى تسلّموا وتستكشفوا الحال هل يراد دخولكم أم لا (3) ؟
وقيل : كان أهل الجاهلية يقول الرجل منهم إذا دخل بيتاً غير بيته : حُيّيتم صباحاً وحُيّيتم مساءً ، ثم يدخل ، فربّما أصاب الرجل مع امرأته في لحاف واحد ، فصد الله عن ذلك ، وعلم الأحسن والأجمل .
وكم من باب من أبواب الدين هو عند الناس كالشريعة المنسوخة قد تركوا العمل به ، وباب الاستئذان من ذلك : بينا أنت في بيتك إذا رعف عليك الباب بواحد من غير استئذان ولا تحية من تحايي إسلام ولا جاهلية ، وهو ممَّن سمع ما أنزل الله فيه ، وما قال رسول الله ، صلّىالله عليه ـ وآله ـ وسلم ، ولكن أين الأُذن الواعية (4) ؟ .
ولدخول بيوت الأهل ، والأرحام ، والمشاهد ، والأعتاب المقدسة ، وبيوت الله جلّ جلاله ، آداب قد بينها الكتاب والحديث ، فمن الأول قوله تعالى :
____________
1 ـ الأحزاب : 53 .
2 ـ من جعل الشيء رديفاً لآخر ، وصرح في المتن بالمقصود .
3 ـ تفسير الكشاف 3 | 226 ، ومنه آية ( ءانَسَ مِن جانِب الطُّورِ ناراً ) . القصص : 29 . أي : أبصر ناراً ، وكان نور الربّ تعالى قد تجلى للجبل .
4 ـ تفسير الكشاف 3 | 227 .