الفصـل السـابع

أدب السـلام



(112)



(113)

أداب السـلام

« إن الله أدب نبيه فأحسن تأديبه » (1) فقال عزّ وجلّ : ( وإذا جاءك الذين يؤمنون بآيتنا فقل سلام عليكم كتب ربكم على نفسه الرحمة ) (2) .
فقد فرض عليه ان يسلم على التوابين ويبشرهم برحمته ، وعلى المؤمن أن يأخذ بأدب الرسول ، صلّى الله عليه وآله ، فإذا فعل فقد أخذ بآداب الله كما في الصادقي : « إن المؤمن ياخذ بآداب الله إذا وسع الله عليه اتسع ، واذا امسك عليه امسك » (3) . والعلوي : « أفضل الأدب ما بدأت به بنفسك » (4) . ومن الأدب الالتزام بالسلام ، وفي الباب أحاديث نذكر عدداً منها :
1ـ روى الشيخ الكليني ، طاب ثراه ، عن محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن الحسين بن سعيد ، عن النضر بن سويد ، عن القاسم بن سليمان ، عن جراح المدائني ، عن أبي عبد الله عليه السلام
____________
1 ـ الوسائل 10 | 286 .
2 ـ الأنعام : 54 .
3 ـ الوسائل 15 | 249 .
4 ـ غرر الحكم 91 . فصاحب الدار وكبيرها إذا سلم عند دخولها فقد حاز على الأفضل حيث ابتدأ بالأدب بنفسه ، فيتبعه أهله وأولاده وكل من فيها ، فمن شاء فليجرب .

(114)

قال : « يسلم الصغير على الكبير ، والمار على القاعد ، والقليل على الكثير » (1) .
2 ـ علي بن إبراهيم عن صالح بن السندي ، عن جعفر بن بشير ، عن عنبسة بن مصعب ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : « القليل يبدأون الكثير بالسلام ، والراكب يبدأ الماشي ، وأصحاب البغال يبدأون أصحاب الحمير ، وأصحاب الخيل يبدأون أصحاب البغال » (2).
3 ـ عدة من أصحابنا عن سهل بن زياد ، عن علي بن أسباط ، عن ابن بكير ، عن بعض أصحابه ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : « سمعته يقول : يسلم الراكب على الماشي ، والماشي على القاعد ، وإذا لقيت جماعةٌ جماعةً سلم الأقل على الأكثر ، وإذا لقي واحد جماعةً سلم الواحد على الجماعة » .
4 ـ سهل بن زياد عن جعفر بن محمد الأشعري ، عن ابن القداح ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : « يسلم الراكب على الماشي ، والقائم على القاعد » .
5 ـ محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد ، عن عمر بن عبد العزيز ، عن جميل ، عن أبي عبد الله قال : « إذا كان قوم في مجلس ثم سبق قوم فدخلوا ، فعلى الداخل أخيراً إذا دخل أن يسلم عليهم » (3) .
ومن الأدب الإسلامي الإنساني (4) أن يسلم الغني على الفقير ، وفق السلام على غيره بدون فرق ، وإلا فيشمله الرضوي التالي :
6 ـ قال الشيخ الصدوق رحمه الله : حدثنا الحسين بن أحمد بن إدريس ( رض ) قال : حدثنا أبي ، عن جعفر بن محمد بن مالك الكوفي قال :
____________
1 ـ أصول الكافي 2 | 646 ، باب من يجب أن يبدأ بالسلام ، الحديث 1 .
2 ـ أصول الكافي 2 | 646 ، ( باب من يجب أن يبدأ بالسلام ) الحديث 1 ـ 2 .
3 ـ أصول الكافي 2 | 647 ، الحديث 3 ـ 5 .
4 ـ أي : الإنسان السالم الذي لم تتغير فطرته التي خلقه الله عليها ، فلا يرى تفاوتاً بين إنسان وإنسان .

(115)

حدثني محمد بن أحمد المدائني ، عن فضل بن كثير ، عن علي بن موسى الرضا ـ عليه السلام ـ قال : « من لقي فقيراً مسلماً فسلم عليه خلاف سلامه على الغني لقي الله عزّ وجلّ يوم القيامة وهو عليه غضبان » (1) .
ولا ينافي ذلك الأمر بإكرام شريف قوم ذلّ ، أو لم يذلّ . وقد جاء من الأول النبوي : « ارحموا ثلاثة : عزيز قوم ذُلّ ، وغني قوم افتقر ، وعالماً بين جهال » (2) .
ومن الثاني النبوي الآخر : ما رواه الكليني عن أبي علي الأشعري ، عن محمد بن عبد الجبار ، عن الحجال قال : قلت لجميل بن دراج : قال رسول الله ، صلى الله عليه وآله : « إذا أتاكم شريف قوم فأكرموه » ؟ قال : نعم ، قلت : ما الشريف ؟ قال : قد سألت أبا عبد الله عليه السلام عن ذلك ، فقال : « الشريف من كان له مال » الحديث (3) .
وأوله الشيخ الحر بما لفظه : أقول : هذا إما مخصوص بغير السلام ، أو بالإكرام الذي لا يزيد على إكرام الفقير (4) .
و « إنما الأعمال بالنيات » (5) فإن سلم على الغني لغناه فهو المغضوب عليه (6) ، وإن كانت الأخرى فالسلام منه طاعة لله عزّ وجلّ ، وإن الإنسان
____________
1 ـ أمالي الصدوق 396 ، المجلس 68 ، الوسائل 8 | 442 ، الباب 36 من أبواب أحكام العشرة ، الحديث 1 .
2 ـ كنز العمال 15 | 830 ، الرقم 43299 .
3 ـ روضة الكافي 219 ـ 220 ، الوسائل 8 | 442 .
4 ـ الوسائل 8 | 442 .
5 ـ أمالي الطوسي 2 | 231 ، الأمثال النبوية 1 | 237 ، الرقم 156 ، حرف « إنما » ، التمثيل والمحاضرة 500 . ترك الإطناب 3 .
6 ـ وكان هذا الإمر مبغوضاً حتى في العصر الجاهلي ، وقد أنشد أبو العباس ثعلب لهانئ بن توبة الشيباني الشويعر الحنفي :

يحيـي النـاس كـل غنـي قـوم * ويـبخـل بـالسـلام عـلى الفـقيـر
ويـوسـع لـلـغـنـي إذا روأه * ويـحـيـى بـالـتحـية كـالأمـيـر

سُـمِّي الشويعر شويعراً لقوله هذا البيت الآتي :

وإن الـذي يـمسي ودنـياه هـمه * لـمستمسـك منـهـا بـحبـل غـرور

وليس هو أحد السبعة المسمين في الجاهلية باسم محمد والمحمدون السبعة أولهم : =



(116)

يعلم ما يصنع وما يقصد ، والله من وراء القصد . وبصفة أن المسلّم المسلم إذا سلّم على الغنيّ المسلم لا يضمر بسلامه إلا الخير لصاحبه ، وربما كان سبباً لهداية الضال ، ورب مقام آخر قد زاد في ضلالته .
7 ـ قال الشيخ المجلسي : قيل : إذا سلم الرجل على المطيع المتقي كان معناه : الله يكرمك ، ويثبتك على طاعتك (1) ، وإذا سلم على أهل المعصية كان معناه السلام ـ أي الله تعالى ـ مطلع عليك (2) .
8 ـ الصادقي : « إن من موجبات المغفرة بذل السلام وحسن الكلام » (3) .
9 ـ العلوي : « إذا دخل أحدكم منزله فليسلم على أهله يقول : السلام عليكم ، فإن لم يكن له أهل فليقل : السلام علينا من ربنا ، وقال عليه السلام : إذا قال لك أخوك : حياك الله بالسلام ، فقل أنت : فحياك الله بالسلام ، وأحلك دار المقام » (4) .
ولعمري هذا من أطيب الكلام . قال ابن الأثير : وفيه ـ أي : في الحديث النبوي ـ « إن الملائكة قالت لآدم عليه السلام : حياك الله وبياك » ،
____________
=
محمد بن سفيان بن مجاشع التميمي الجد الأعلى للفرزدق . والثاني . محمد بن عتوارة الليثي الكناني . والثالث : محمد بن أُحَيحة بن الحُلاج الأوسي . والرابع : محمد بن حُمران بن مالك الجعفي المعروف بالشويعر وهو غير الشويعر الحنفي ، فإن اسمه هانئ . والخامس : محمد بن مسلمة الأنصاري أخو بني حارثة . والسادس : محمد بن خزاعي بن علقمة . والسابع : محمد بن حرماز بن مالك التميمي العمري . لسان العرب 3 | 157 ـ 158 ـ حمد ـ .
أقول : وإنما ذكرنا المسمين بمحمد لأدنى علاقة بين محمد الشويعر ، والشويعر المنشود له أبيات السلام في الغني والفقير ، فتدبر .
1 ـ أي : لله عزّ وجلّ .
2 ـ البحار : 76 | 10 .
أقول : قد سبق أن السلام من أسماء الله تعالى انظر ( 1 ـ السلام اسم من أسماء الله تعالى الحسنى ) . ويأتي في ( 10 ـ السلام المنهي ) ما يرد على صاحب القول ، ومنه « السلام على اللاهي بالشطرنج كفر » البحار 76 | 10 .
3 ـ البحار : 76 | 11 .
4 ـ البحار : 76 | 4 .

(117)

معنى حيَّاك : أبقاك ، من الحياة . وقيل : هو من استقبال المحيَّا وهو الوجه وقيل : مَلَّكَكَ وفَرَّجَكَ . وقيل : سلَّم عليك ، وهو من التحيَّة : السلام (1) .
قال المفضل في كتاب الفاخر : ( حيَّاك الله وبيَّاك ) ، فأمَّا حيَّاك الله فإنه مشتق من التحية ، والتحية تنصرف على ثلاثة معانٍ :
1 ـ فالتحية : السلام ، ومنه قول الكميت :

ألا حـيّـيـتِ عـنَّـا يـا مـديـنا * وهـل بـأسٌ بـقـول مـسـلّمـينـا

فيكون معنى حيَّاك الله : سلّم الله عليك .
2 ـ والتحيَّة أيضاً : الملك ، ومنه قول عمرو بن معدي كرب :

أسـيـر بـه إلى الـنعـمان حـتى * أنـيـخ عـلى تحـيـَّته بجـنـدي

فيكون المعنى : ملَّكك الله .
3 ـ والتحيَّة : البقاء ومنه قول زهير بن جناب الكلبي :

ولـكـل مـا نـال الـفـتـى * قـد نـلـتـُهُ إلاَّ الـتـحـيـَّهْ

أي إلا البقاء ، فيكون المعنى : أبقاك الله .
وقولهم في التشهد : « التحيَّات لله » يشتمل على الثلاثة معانٍ .
وأما « بياك » فإنه فيما زعم الأصمعي : أضحكك ، ويروى أن آدم عليه السلام لم قتل أحد ابنيه أخاه مكث سنة لا يضحك ، ثم قيل له : « حياك الله وبياك » أي أضحكك . وقال الأحمر : أراد بوّأك منزلاً ، فقال : بيَّاك لإزواج الكلام ليكون تابعاً لحيَّاك ، كما قالوا : جاء بالعشايا والغدايا ، يريدون
____________
1 ـ النهاية 1 | 471 ـ حيا . والفاخر 2 ـ 3 . رقم المثل 1 .
وفي الصادقي : « لما طاف آدم بالبيت مائة عام ما ينظر إلى حواء ... ولقد بكى على الجنة ، حتى صار على خديه مثل النهرين .. ثم أتاه جبرائيل فقال : حياك الله وبياك ، فلما قال له : حياك الله ، تبلج وجهه فرحاً وعلم أن الله قد رضي عنه . . . » معاني الأخبار 269 . وهو من الأمثال ومن اللفظة : ( حياك من خلافوه ) المستقصى 2 | 70 .

(118)

الغدوات ، وقالوا : الغدايا للإزواج . وقال ابن الأعرابي : « بيَّاك » قصدك بالتحيَّة وأنشد :

لـمـَّا تـَبـَيـَّينـا أخـا تـميـم * أعـطـى عـطاء اللـَّحـز اللـئيـم

وأنشد أيضاً :

بـاتت تـَبـَيـَّا حـوضها عكـوفا * مـثـل الصـفوف لا قـت الصفـوفا

وقال أبو مالك : « بيَّاك » قرَّبك ، وأنشد :

بيـَّا لهـم إذ نـزلـوا الطعـامـا * الـكبـد والـملـحـاء ، والـسنـامـا

أي قرَّب لهم .
10 ـ روى الكليني عن علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن النوفلي ، عن السكوني ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : قال أمير المؤمنين عليه السلام : « يكره الرجل أن يقول : حيَّاك الله ثم يسكت ، حتى يتبعها بالسلام » (1) .
أقول : قد عرفت من الحديث المتقِّدم إتباعها بالسلام مع زيادة : « وأحلَّك دار المقام » في الإجابة .
11 ـ محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد ، عن ابن محبوب ، عن علي بن رئاب ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : « إنَّ من تمام التحيَّة للمقيم المصافحة ، وتمام التسليم على المسافر المعانقة » (2) .
12 ـ الحسن بن محمد الطوسي في ( المجالس ) عن أبيه ، عن الحفَّار هلال بن محمد ، عن عثمان بن أحمد ، عن ابن قلابة ، عن بشير (3) بن عمر ، عن مالك بن أنس ، عن زيد بن أسلم ، أن رسول الله ، صلى الله
____________
1 ـ أصول الكافي 2 | 646 ، الوسائل 8 | 444 .
2 ـ أصول الكافي 2 | 646 ، الوسائل 8 | 449 .
3 ـ ( بشر ) .

(119)

عليه وآله وسلم ، قال : « ليسلم الراكب على الماشي ، فإذا سلَّم من القوم واحد أجزأ عنهم » (1) .
13 ـ قال الحر : محمد بن علي بن الحسين في كتاب ( إكمال الدين ) عن المظفر بن جعفر بن المظفر العلوي ، عن جعفر بن محمد بن مسعود ، عن أبيه ، عن جعفر بن أحمد ، عن الحسن بن علي بن فضال ، قال سمعت أبا الحسن علي بن موسى الرضا عليه السلام يقول : « إن الخضر شرب من ماء الحياة ، فهو حيّ لا يموت حتى ينفخ في الصور ، وإنه ليأتينا فيسلم علينا فنسمع صوته ولا نرى شخصه ، وإنه ليحضر حيث ذكر ، ومن ذكره منكم فليسلم عليه » الحديث (2) .
وإنما أدرجناه في أدب السلام ليسلم على الخضر عليه السلام عند ذكره . وقال الصدوق : معنى الخضر أنه كان لا يجلس على خشبة يابسة ولا أرض بيضاء إلا اهتزت خضراء ، وكان اسمه تاليا بن ملكان بن عابر بن أرفخشد بن سام بن نوح (3) . وهل هو نبي من الأنبياء ، أو رجل من الصلحاء ؟ دل على الأول ما رواه الصدوق عن القطان ، عن السكري ، عن الجوهري ، عن ابن عمارة ، عن أبيه ، عن جعفر بن محمد عليه السلام أنه قال : « إن الخضر كان نبياً مرسلاً ، بعثه الله تبارك وتعالى إلى قومه فدعاهم إلى توحيده ، والإقرار بأنبيائه ، ورسله ، وكتبه » الحديث (4) .
وعلى الثاني : ما عن العياشي عن بريد ، عن أحدهما عليهما السلام قال : قلت له : « ما منزلتكم في الماضين ، أو بمن تشبهون منهم ؟ قال : الخضر وذو القرنين كانا عالمين ولم يكونا نبيين » (5) . وفي صحيح الكليني : « صاحب موسى وذو القرنين » (6) .
____________
1 ـ الوسائل 8 | 451 .
2 ـ الوسائل 8 | 458 ، البحار 13 | 299 . وتمامه : « وإنه ليحضر الموسم فيقضي جميع المناسك ، ويقف بعرفة ، فيؤمن على دعاء المؤمنين ، وسيؤنس الله به وحشة قائمنا في غيبته ، ويصل به وحدته » .
3 ـ البحار 13 | 298 .
4 ـ البحار 13 | 286 .
5 ـ البحار 13 | 304 .
6 ـ المصدر نفسه .

(120)

وفي حديث اختلف يونس وهشام بن إبراهيم في العالم الذي أتاه موسى عليه السلام أيهما كان أعلم ، وهل يجوز أن يكون على موسى حجة في وقته وهو حجة الله على خلقه ؟ فقال قاسم الصيقل : فكتبوا ذلك إلى أبي الحسن الرضا عليه السلام يسألونه عن ذلك . فكتب الجواب : « أتى موسى العالم فأصابه وهو في جزيرة من جزائر البحر ، إما جالساً ، وإما متكئاً ، فسلم عليه موسى ، فأنكر السلام ، إذ كان بأرض ليس فيها سلام . . . » (1) .
فلنعد إلى بقية الإحاديث :
14 ـ النبوي : « الراكب أحق بالسلام » (2) .
15 ـ الآخر : « السلام للراكب على الراجل » (3) .
16 ـ الآخر : « إذا سلم المؤمن على أخيه المؤمن فيبكي إبليس ( لعنه الله ) ويقول : يا ويلتاه لم يفترقا حتى غفر الله لهما » (4) .
17 ـ الحسيني : « ابن الكوا سأل علي بن أبي طالب عليه السلام فقال : يا أمير المؤمنين ، تسلم على مذنب هذه الأمة ؟ فقال عليه السلام : يراه الله عزّ وجلّ للتوحيد أهلاً ، ولا تراه للسلام عليه أهلاً ! » (5) .
أقول : يأتي الكلام حول السلام المنهي (6) والوجه في جواز السلام على المذنب أن لا يكون السلام عليه إلا لأجل إسلامه ، لا لأنه يركب الذنب ، فإنه كفر بالله ، وقد أسلفنا بياناً يمس الموضوع فراجع (7) .
18 ـ النبوي في الإنجيل : إذا قل الدعاء نزل البلاء ـ إلى أن قال ـ :
____________
1 ـ تفسير القمي 2 | 38 .
2 ـ مستدرك الوسائل 8 | 372 .
3 ـ المصدر نفسه .
4 ـ جامع الأحاديث 15 | 583 ، مستدرك الوسائل 8 | 360 ، الباب 32 من أحكام العشرة ، الحديث 9 .
5 ـ مستدرك الوسائل 8 | 359 من الجعفريات 234 .
6 ـ راجع الفصل التاسع من هذا الكتاب .
7 ـ انظر الحديث ، الرقم 6 ، وما يليه من أبحاث .

(121)

وإذا قل سلام المؤمنين بعضهم على بعضهم ظهرت العداوة والبغضاء في قلوبهم (1) .
19 ـ العلوي : « ثلاثة من حقائق الإيمان : الإنفاق من الإقتار ، وإنصاف الناس (2) من نفسك ، وبذل السلام لجميع العالم » (3) .
20 ـ حديث الشيخ الكليني بإسناده إلى الباقر عليه السلام قال : أقبل أبو جهل بن هشام ومعه قوم من قريش فدخلوا على أبي طالب ، فقالوا : إن ابن أخيك قد آذانا وآذى آلهتنا ، فادعه ومره فليكف عن آلهتنا ونكف عن إلهه ، قال : فبعث أبو طالب إلى رسول الله ، صلى الله عليه وآله ، فدعاه ، فلما دخل النبي ، صلى الله عليه وآله ، لم ير في البيت إلا مشركاً فقال : السلام على من أتبع الهدى ، ثم جلس فخبره أبو طالب بما جاؤوا له فقال : أَوَ هل لهم في كلمة خير لهم من هذا ، يسودون بها العرب ، ويطأون أعناقهم ؟ فقال أبو جهل : نعم وما هذه الكلمة ؟ فقال : تقولون : لا إله إلا الله ، قال : فوضعوا أصابعهم في آذانهم وخرجوا هراباً وهم يقولون : ( ما سمعنا بهذا في الملة الآخرة إن هذا إلا اختلاق ) (4) ، فأنزل الله تعالى في قولهم : ( ص * والقرآن ذي الذكر ـ إلى قوله ـ إلا اختلاق ) (5) .
أقول ؛ إن من أدب السلام على المشرك أن يقال : « السلام على من اتبع الهدى » تعريضاً بأن الإشراك بالله العظيم يمنع السلام على صاحبه ، وإنما الجدير به المهتدي بهدى الله . والتسليم المذكور هو من أدب الوحي السماوي ، قال تعالى حيث أمر موسى وهرون أن يأتيا فرعون : ( فأتياه فقولا إنا رسولا ربّك فأرسل معنا بنى إسرائيل ولا تعذّبهم قد جئناك بآية من ربّك والسلام على مَن اتَّبع الهدى ) (6) .
____________
1 ـ مستدرك الوسائل 8 | 360 .
2 ـ في نسخة « والإنصاف » .
3 ـ مستدرك الوسائل 8 | 361 .
4 ـ ص : 7 .
5 ـ ص : 1 ـ 7 . أصول الكافي 2 | 649 ، ( باب التسليم على أهل الملل ) ، الحديث 5 ، الوسائل 8 | 453 ـ 454 .
6 ـ طه : 47 .

(122)

قيل يريد : وسلام الملائكة الذين هم خزنة الجنة على المهتدين ، وتوبيخ خزنة النار والعذاب على المكذبين (1) .
والسيد الطباطبائي فسر الآية بما يلي : قوله : ( والسلام على مَن اتّبع الهدى ) كالتحية للوداع ، يشار به إلى تمام الرسالة ، ويبين به خلاصة ما تتضمنه الدعوة الدينية ، وهو أن السلامة منبسطة (2) على من اتبع الهدى ، والسعادة لمن اهتدى ، فلا يصادف في مسير حياته مكروهاً يكرهه لا في دنيا ولا في عقبى (3) .
أقول : تفسير آية السلام بسلام الوداع فيها لا بأس ، وأما في الحديث الجاري فالمتعين هو سلام التحية ، لأنه قال الراوي : « فلما دخل النبي ، صلى الله عليه وآله ، لم ير في البيت إلا مشركاً فقال : « السلام على من اتبع الهدى ثم جلس » . وهو كالصريح فيها ، على أن في الآية ( والسلام على من اتبع الهدى ) وأما الحديث فليس فيه واو ، فتفطن . نعم هو صالح لأن يجعل سلام وداع كما تأتي الإشارة إليه (4) .

تنـبيـه :
كان من الجدير ، ببحث أدب السلام ، ذكر صيغ السلام أيضاً ، إلا أنها توجب ملال التكرير هنا وهناك ، فالأولى أن يقال : إن من خضع للآداب الإسلامية لا يدع السلام ، ويوفق للمعرفة بموضع الإصابة إن شاء الله تعالى .
ولمحمد رشيد رضا حول أدب السلام كلام قال : والسنة أن يسلم القادم على من يقدم عليهم ، وإذا تلاقى الرجلان فالسنة أن يبدأ الكبير في السن ، أو القدر ، بالسلام .
____________
1 ـ تفسير الكشاف 3 | 67 .
2 ـ في الأصل « منبسط » والصحيح « إن السلامة منبسطة » .
3 ـ تفسير الميزان 14 | 157 .
4 ـ في عاشرة الأبحاث من هذا الكتاب . قال الزمخشري في الدخول على أهل الذمة : وإذا دخلت فقل : السلام على من اتبع الهدى ، ولا بأس بالدعاء له بما يصلحه في دنياه . تفسير الكشاف 1 | 545 .

(123)

ومن آداب السلام ما ثبت في الصحيحين أنه « يسلم الراكب على الماشي ، والماشي على القاعد ، والقليل على الكثير » وروى البخاري سلام الصغير على الكبير . ومسلم « أنه ، صلى الله عليه ـ وآله ـ وسلم ، مر بصبيان فسلم عليهم » ، وللترمذي « أنه مر بنسوة فأومأ بيده بالتسليم » . وقال بعض العلماء : المستحب أن يسلم الرجال على النساء المحارم مطلقاً ، والعجائز الاجنبيات دون غيرهن . وكان ، صلى الله عليه ـ وآله ـ وسلم ، يسلم على القوم عند المجيء وعند الانصراف (1) ، ذكره ابن القيم في الهدى وقال :وكان يسلم بنفسه على من يواجهه ، ويحمل السلام لمن يريد السلام عليه من الغائبين عنه ، ويتحمل السلام لمن يبلغه إليه ، وإذا بلغه أحد السلام عن غيره يرد عليه وعلى المُبلغ به ، وكان يبدأ من لقيه بالسلام ، وإذا سلم عليه أحد رد عليه مثل تحيته أو أفضل منها على الفور من غير تأخير إلا لعذر ، مثل حالة الصلاة (2) ، وحالة قضاء الحاجة ، وكان يسمع المسلم عليه رده ، ولم يكن يرد بيده ، ولا رأسه ، ولا إصبعه ، إلا في الصلاة (2) ، فإنه كان يرد إشارة ، ثبت عنه ذلك في عدة أحاديث (3) ، ولم يجئ ما يعارضها إلا بشيءٍ باطل لا يصح عنه (4) . .
أدب السلام من أدب الإسلام العالي [ السامي ] ، الذي لا يكاد يجمعه غيره على حد تعبير البعض (5) ، لو يعلم به أهل العالم لاعتنقوه ، إذا لم يبخل به أهل الإسلام قال البعض :
( ولكن خلف من بعدهم خلف أرادوا أن يمنعوا غير المسلم من كل شيءٍ يعمله المسلم ، حتى من النظر في القرآن ، وقراءة الكتب المشتملة على آياته ، وظنوا أن هذا تعظيم للدين ، وصون له عن المخالفين . وكلما زادوا بُعداً عن حقيقة الإسلام زادوا إيغالاً في هذا الضرب من التعظيم ،
____________
1 ـ يأتي بحثه في 10 ـ سلام الوداع .
2 ـ بل يرد بمثل ما قال .
3 ـ تأتي أحاديث الرد القولي في 8 ـ السلام ندب والرد فرض .
4 ـ تفسير المنار 5 | 316 .
5 ـ تفسير المنار 5 | 314 ـ 315 .

(124)

وإنهم ليشاهدون النصارى في هذا العصر يجتهدون بنشر دينهم ، ويوزعون كثيراً من كتبهم على الناس مجاناً ، ويعلّمون أولاد المخالفين لهم في مدارسهم ليقربوا من دينهم ، حتى إن الأوروبيين فرحوا فرحاً شديداً عندما وافقهم خديوي مصر ( إسماعيل باشا ) على استبدال التاريخ المسيحي بالتاريخ الهجري ، وعدوا هذا من آيات الفتح . وترى القوم يسعون في جعل يوم الأحد عيداً أسبوعياً للمسلمين ، يشاركون فيه النصارى بالبطالة ، ومع هذا ترى المسلمين لا يزالون يحبون منع غيرهم من الأخذ بآدابهم وعاداتهم ، ويزعمون أن هذا تعظيم للدين ، وكأن هذا التعظيم لا نهاية له إلا حجب هذا الدين عن العالمين ، إن هذا لهو البلاء المبين ، وسيرجعون عنه بعد حين ) (1) .

أقـول :
من أراد النهج القويم ، والصراط المستقيم ، فليسلك مسلك أهل البيت عليهم السلام ، ولينهج منهجهم ، وصراطهم المستقيم ، بالتعلم من محاسن كلامهم فيأخذ عنهم دينه ، فإن في حديث الإمام الرضا عليه السلام قال : « رحم الله عبداً أحيا أمرنا ، قلت : كيف يحيي أمركم ؟ قال : يتعلم علومنا ، ويعلمها الناس ، فإن الناس لو علموا محاسن كلامنا لاتبعونا . . . » (2) ، ما يدعو الناس إلى الدين الخالص ، لأنهم عليهم السلام حقيقة الدين .
____________
1 ـ تفسير المنار 5 | 314 ـ 315 .
وأهل البيت عليهم السلام هم الذين يمثلون الإسلام وحقائقه ، وهم أهل السلام .
2 ـ الوسائل 18 | 66 .