الفصـل الثـامـن

السَـلام نَـدب وَالـردّ فـرض



(126)



(127)

السـلام نـدب والرد فرض
قال تعالى : ( وإذا حُيّيتم بتحيّة فحيوا بأحسن منها أو ردّوها إنّ الله كان على كلّ شئٍ حسيباً ) (1) .
ما معنى التحية ؟ وما صيغها ؟ وما أحكامها ؟ فهنا أمور ثلاثة .
الأمر الأول :
قال الشيخ الطوسي ، طاب ثراه : هذا خطاب من الله تعالى لجميع المكلفين ، يأمرهم إذا دعا لهم إنسان بطول الحياة والبقاء والسلامة أن يحييه [ يحييهم ] بأحسن من ذلك ، أو ردوا عليه [ عليهم ] مثله .
قال النحويون : ( أحسن ) ههنا صفة لا ينصرف ؛ لأنه على وزن ( أفعله ) وهو صفة ، والمعنى : حيوا بتحية أحسن منها ، والتحية مفعلة من حييت ومعناها : السلام (2) فعلم منه أنها دعاء بالحياة وغيره .
وقال الشيخ الطبرسي رحمه الله : التحية : السلام ، يقال حَيّى يُحيّي تحية إذا سلم ، قال الشاعر :

إنـا مـحيـوك يا سـلـمى فـحيـينـا * وإن سقيت كـرام الـنـاس فـأسقـينـا

____________
1 ـ النساء : 86 .
2 ـ تفسير التبيان 1 | 453 .

(128)

والتحية البقاء قال :

مِـنْ كـلّ مـا نـال الفـتـى * قـد نـلـتُـه إلاّ الـتـحـيّـهْ

يعني المَلِك وإنما سمي بذلك ، لأن المَلِك يحيا بالسلام ، والثناء الحسن (1) .
وقال الآخر : التحية مصدر حياه : إذا قال له : حياك الله . هذا هو الأصل ، ثم صارت التحية اسماً لكل ما يقوله المرء لمن يلاقيه أو يقبل عليه من نحو دعاء أو ثناء كقولهم : أنعم صباحاً وأنعم مساءً . وقالوا عم صباحاً ومساءً ، وجعلت تحية المسلمين السلام . للإشعار بأن دينهم دين السلام والإيمان ، وأنهم أهل السلم ومحبو السلامة . ومن التحيات الشائعة في بلادنا إلى هذا اليوم : أسعد الله صباحكم ، أسعد الله مساءكم ـ وهذا بمعنى قول العرب القدماء : أنعم صباحاً ومساءً ـ ونهارك سعيد ، وليلتك سعيدة وهذا مترجم عن الأفرنجية . وقد أوجب الله تعالى علينا في هذه الآية أن نجيب من حيانا ، بأحسن من تحيته ، أو بمثلها ، أو عينها ، كأن نقول له الكلمة التي يقولها وهذا هو ردها وفسروه : . . . (2) .
أقول : يأتي البحث عن صيغ التحية (3) وهل هي تخص الأقوال ، أو تعم الأفعال أيضاً ؟ .
الحق العموم ، وعليه عمل المعصوم عليه السلام وقوله ، روحي فداه ، قال ابن شهر اشوب : قال أنس : حَيَّتْ جارية الحسن بن علي ـ عليهما السلام ـ بطاقة ريحان فقال لها : أنت حرة لوجه الله ، فقيل له في ذلك ؟ فقال : أدبنا الله تعالى فقال : ( وإذا حُييتم بتحية فحيوا بأحسن منها ) الآية (4) ، وكان أحسن منها إعتاقها (5) .
____________
1 ـ تفسير مجمع البيان 4 | 84 ـ 85 . وقد سبق هذا الشعر ـ مع تغيير غير مضر ـ عند التكلم على الحديث التاسع من أحاديث ( 7 ـ أدب السلام ) وكلام ابن الأثير فراجع .
2 ـ تفسير المنار 5 | 311 ـ 312 .
3 ـ في الأمر الثاني .
4 ـ النساء : 86 .
5 ـ المناقب 4 | 18 ، تفسير الصافي 1 | 399 ، تفسير نور الثقلين 1 | 435 ، تفسير الميزان 5 | 35 . وفي بعض النسخ منها « جاءت » مكان « حَيّت » .

(129)

والعلوي : « إذا عطس أحدكم فسمّتوه قولوا : رحمكم الله ، وهو يقول : يُغفر لكم ويرحمكم الله ؛ قال الله عزّ وجلّ : ( وإذا حُييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها ) » (1) .
دل الحديث الحسني على شمول التحية لمثل تقديم طاقة الريحان من الجارية سلاماً ، وعتقها إجابة ، هب أن العتق لا يكون إلا بالقول ، ولكنه اعتبر الجواب الأحسن للتحية غير القولية .
كما أن العلوي جعل جواب التسميت ونفسه من التحية من غير السلام لأجل التدليل بالآية ، ويشهد للشمول قول علي بن إبراهيم القمي : إنها ـ أي : التحية ـ السلام وغيره من البر (2) ، وأبواب البر كثيرة ومنها التسميت .
وقد عرفت أن السلام مظهر الحب ومن وسائله ، ونوع إخبار به ودليل عليه ، وقد جاء في الصادقي : « إذا أحببت رجلاً فأخبره بذلك ، فإنه أثبت للمودة بينكما » (3) ومن ثم رغب على الابتداء به وإفشائه في العالم كله ، لأن الله عزّ وجلّ يحب السلام والسلامة للجميع ، وأن يكونوا إخوة متحابين ، يحب بعضهم بعضاً ، وتكون مهمتهم التواصل وصلاح أمورهم فيما بينهم ، وترى الأهتمام البالغ في الإسلام في توطيد السلام ؛ وآيات القرآن تشمل المسلمين وغيرهم ، وإنما وجه الخطاب إليهم ، لأنهم الذين ينتفعون بها دون غيرهم . ولعل في آخر الآية : ( إن الله كان على كل شئٍ حسيباً ) الإشعار بذلك ؛ والمعنى أنه تعالى يحاسبكم على قيامكم بالتحية كما هي ، وبأهدافكم الداعية إليها ، أو بترككم لها ، وبطريقتكم التي سرتم عليها ، أو سيرتم الآخرين ، أو منعتموهم ، ولا يخصكم الحساب فيه أيها المسلمون المؤمنون .
ويحتمل أن يكون الحسيب في الآية بمعنى الكافي ، لكونه تعالى
____________
1 ـ الوسائل 8 | 460 ، الباب 58 باب كيفية التسميت والرد ، الحديث 3 ، تفسير البرهان 1 | 399 .
2 ـ تفسير القمي 1 | 145 من سورة النساء .
3 ـ الوسائل 8 | 434 ـ 435 ، الباب 31 من أبواب العشرة ، الرقم 1 .

(130)

يكفي الجميع في العطاء ، كل إنسان بحسبه حفظاً وعلماً وجزاءً ، ومنه قوله تعالى : ( عطاءً حساباً ) (1) أي كافياً (2) .
ويحتمل أن يكون الحسيب بمعنى الحفظ . وسواء أكان الحسيب في الآية بمعنى إحصاء الشيء وحسابه ، أو الكافي ، أو الحفظ كانت المناسبة للتحية موجودة ، ولا يخفى تطبيق أيٍ من المعاني الثلاثة على موضع التحية وموردها .
إنك قد عرفت أن مورد الخطاب للمسلمين ، ولا يخصص المورد حكم الوارد ، إذا كان للحكم عموم شرعاً وعقلاً ، والسر في كون خطابات القرآن الكريم عامة لعامة الناس هو عدم القرابة وانتفاؤها بين الله تعالى وبين أحد من خلقه ، فالكل عبيد له ، تجب عليهم ـ عقلاً ـ طاعة سيدهم ، فلو رأيت في الخطاب أختصاصاً بالمسلمين ، فإنه كما سبق لأجل انتفاعهم دون الناس الآخرين .

الأمر الثاني : في صيغ التحية :
والكلام حول صيغها والإجابة عليها وبيان مناسبتها يستدعي ـ نوعاً ما ـ بسطاً فيه . فنقول : لا ريب أن قوله تعالى : ( وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها إن الله كان على كل شيءٍ حسيباً ) أمر بالإجابة على التحية بالأحسن ، أو المماثل عند سماعها ، نظير الأمر بالسعي إلى ذكر الله عند النداء إلى الصلاة من يوم الجمعة (3) .
وقد بين سبحانه قسمين من أقسام الإجابة ، كما ستعرف ذلك قريباً ، ولم يذكر للتحية شيئاً . نعم قد بينتها أحاديث أهل البيت عليهم السلام . كما لا امتراء في وجوب الإجابة ، لأجل صيغة الأمر الدالة على الوجوب على ما حرر في محله .
____________
1 ـ النبأ : 36 . والآية هكذا : ( جزاءاً من ربك عطاءً حساباً ) .
2 ـ تفسير مجمع البيان 3 | 85 .
3 ـ قال تعالى : ( يأيها الذين ءامنوا إذا نودى للصلوة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله ) . الجمعة : 9 .

(131)

وإليك معنى الآية وما يناسبها قال الطبرسي : ( وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها ) . أمر الله المسلمين برد السلام على المسلم بأحسن مما سلم إن كان مؤمناً ، وإلا فليقل : ( وعليكم ) لا يزيد على ذلك ، فقوله : ( بأحسن منها ) للمسلمين خاصة ، وقوله : ( أو ردّوها ) لأهل الكتاب عن ابن عباس . فإذا قال المسلم : السلام عليكم فقل : وعليكم السلام ورحمة الله ، وإذا قال : السلام عليكم ورحمة الله فقل : وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته ، فقد حييته بأحسن منها وهذا منتهى السلام . وقيل : إن قوله ـ تعالى ـ : ( أو ردّوها ) للمسلمين خاصة أيضاً عن السدّي ، وعطاء ، وإبراهيم ، وابن جريج ، قالوا : إذا سلم عليك المسلم فرد عليه بأحسن مما سلم عليك ، أو بمثل ما قال . وهذا أقوى لما روي عن النبي ، صلى الله عليه وآله ، أنه قال : « إذا سلم عليكم أهل الكتاب فقولوا : وعليكم » (1) .
وذكر علي بن إبراهيم في تفسيره عن الصادقين عليهم السلام أن المراد بالتحية في الآية السلام وغيره من البر (2) . وذكر الحسن أن رجلاً دخل على النبي ، صلى الله عليه وآله ، فقال « السلام عليك فقال النبي ، صلى الله عليه وآله : وعليك السلام ورحمة الله ، فجاءه آخر فقال : السلام عليك ورحمة الله ، فقال النبي : وعليك السلام ورحمة الله وبركاته ، فجاءه آخر فقال : السلام عليك ورحمة الله وبركاته ، فقال النبي صلى الله عليه وآله : وعليك السلام ورحمة الله وبركاته ، فقيل : يا رسول الله زدت للأول والثاني في التحية ، ولم تزد في الثالث ، فقال : إنه لم يبق لي من التحية شيئاً فزدت عليه مثله » (3) .
وروى الواحدي بإسناده عن أبي أمامة عن مالك بن التيهان قال : قال رسول الله ، صلى الله عليه وآله : من قال : « السلام عليكم كتب له عشر حسنات ، ومن قال : السلام عليكم ورحمة الله ، كتب له عشرون حسنة ،
____________
1 ـ الوسائل 8 | 452 ، الباب 49 من أبواب أحكام العشرة ، الحديث 1 .
قال المجلسي : ابن عيينة يرويه بغير واو ، وهو الصواب لأنه إذا حذفت الواو صار قولهم الذي قالوه نفسه مردوداً عليهم خاصة ، وإذا أثبت الواو وقع الاشتراك . المرآة 12 | 546 .
2 ـ تفسير القمي 1 | 145 .
3 ـ المجازات النبوية 229 ، الرقم 236 في معناه ، البحار 76 | 12 .

(132)

ومن قال : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته كتب له ثلاثون حسنة » (1).
( إن الله كان على كلّ شيءٍ حسيباً ) (2) . أي : حفيظاً عن مجاهد . وقيل : كافياً . وقيل : مجازياً عن ابن عباس . وفي هذه الآية دلالة على وجوب رد السلام ؛ لأن ظاهر الأمر يقتضي الوجوب (3) . وقال الحسن وجماعة من المفسرين : إن السلام تطوع والرد فرض (4) .
ثم إن الرد ربما كان من فروض الكفاية ، وقد يتعين بأن يخصه بالسلام ، ولا أحد عنده فيتعين عليه الرد (5) .

أقـول :
أشار الطبرسي رحمه الله إلى بعض الأحاديث المروية في صيغ التحية وأحكامها ، من كيفية رد السلام لأهل الكتاب التي يأتي ذكرها في الأمر الثالث . والأولى سرد الأحاديث على عادتنا وبيان بعض الأمور :
1 ـ روى الكليني عن علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن النوفلي ، عن السكوني ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : « قال رسول الله ، صلى الله عليه وآله : السلام تطوع والردّ فريضة » (6) .
2 ـ الصدوق بإسناده إلى الباقر عليه السلام في حديث النهي عن التسليم على جماعة منهم المصلي : « ولا على المصلي ، وذلك لأن المصلي لا يستطيع أن يردّ السلام ؛ لأن التسليم من المسلم تطوع والردّ عليه فريضة . . . » (7) . ويأتي الكلام عليه في بحث السلام المنهي (8) .
3 ـ روى الكليني رحمه الله عن ابن محبوب ، عن عبد الله بن سنان ،
____________
1 ـ أصول الكافي 2 | 645 .
2 ـ النساء : 86 .
3 ـ قلنا : صيغة الأمر تفضي الوجوب .
4 ـ أصول الكافي 2 | 644 .
5 ـ تفسير مجمع البيان 3 | 85 .
6 ـ أصول الكافي 2 | 644 ، الوسائل 8 | 438 .
7 ـ جامع الأحاديث 15 | 586 .
8 ـ تاسع أبحاث التحية في هذه الرسالة .

(133)

عن أبي عبد الله عليه السلام قال : « ردّ جواب الكتاب واجب كوجوب ردّ السلام ، والبادي بالسلام أولى بالله ورسوله » (1) .
إنما صح التنزيل لأجل مفروغية وجوب المنزل عليه يعني رد السلام .
4 ـ النبوي : « وردك السلام صدقة » (2) .
تطلق الصدقة على الواجب أيضاً ، كالصدقات المالية المفروضة ، والوجه في تسمية رد السلام بالصدقة ، لكونه واجباً قُربيّاً كالتسليم ، لأنه اسم الله الفاشي في الخلق ، والمحثوث على إفشائه أكثر فأكثر ، ويشهد له النبوي المتقدم (3) : « إن السلام اسم من أسماء الله تعالى فأفشوه بينكم ؛ فإن الرجل المسلم إذا مر بالقوم فسلم عليهم ، فإن لم يردوا عليه ، يرد عليه من هو خير منهم وأطيب » (4) .
يريد بالخير الأطيب الملائكة ، حيث جاء في تسليم داخل الدار على أهلها سواء كانوا فيها أو لا ؛ فإن لكل بقعة ملائكة موكلة بها ، وكذا مع كل إنسان ملائكة يحفظونه من بين يديه ، ومن خلفه ، وعن يمينه ، وشماله ، من أمر الله (5) ، ولاشك أنهم بأمره تعالى يعملون ويردون السلام إلى أهله .
ولنعد إلى أحاديث السلام :
5 ـ في العلوي : « وأفشوا السلام في العالم وردوا التحية على أهلها بأحسن منها » (6) .
6 ـ سبط الشيخ الطبرسي في مشكاة الأنوار نقلاً عن المحاسن ، عن أبي عبد الله عليه السلام ، قال : « من قال : سلام عليكم فهي عشر حسنات ، [ ومن قال : سلام عليكم ورحمة الله فهي عشرون حسنة ] ، ومن
____________
1 ـ أصول الكافي 2 | 670 ، باب التكاتب من كتاب العشرة ، الحديث 2 .
2 ـ مستدرك الوسائل 8 | 360 .
3 ـ تحت رقم 4 ـ النبوي من ( 4 ـ إفشاء السلام في العالم ) .
4 ـ مستدرك الوسائل 8 | 363 .
5 ـ تفسير البرهان 3 | 153 ، تفسير القمي 2 | 109 ، قال تعالى : ( له معقّبتٌ مِنْ بَيْنَ يَدَيهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يحفظونَه من أمر الله ) الرعد : 11 .
6 ـ تحف العقول 152 .

(134)

قال : سلام عليكم ورحمة الله وبركاته فهي ثلاثون » (1) .
7 ـ قال السيد الشريف الرضي ، طاب ثراه ، في المجازات النبوية :
ومن ذلك قوله عليه الصلاة والسلام وقد أتاه رجل فقال : « السلام عليك يانبي الله ، فقال : وعليك ورحمة الله ، ثم أتاه رجل آخر ، فقال : السلام عليك يانبي الله ورحمة الله وبركاته ، فقال : وعليك ، فقيل له : يا رسول الله لِمَ لم تقل لهذا كما قلت للذي قبل ؟ فقال : إنه تشافها » .
ـ قال الشريف الرضي : ـ فقوله عليه الصلاة والسلام : « إنه تشافها » استعارة ، والمراد استفرغ جميع التحية ؛ فلم يدع منها شيئاً يزاد به على لفظه ، ويرد عليه جواباً عن قوله . والأولان أبقيا من تحيتهما بقية ردت عليهما وأعيدت إليهما ، وأصل ذلك مأخوذ من التشاف ، وهو تتبع بقية الإناء والحوض حتى يستنقد جميع ما فيه ، وتلك البقية تسمى الشفافة . قال الشاعر :

أخـو فـقـرات دببـت فـي عـظامـه * شفافات أعجاز الكـرى فهـو أخضـع

يريد بقايا الكرى وصباباته ، ودليل ذلك قوله : أعجاز الكرى أي : أواخره وعقابيله ؛ ومن أمثال العرب : ليس الرِّيّ عن التشاف ، يقولون ليس يروى العطشان تتبع بقية الماء حتى يستقرغ جميع ما في الإناء (2) .

أقـول :
الظاهر في الكلام سقط ؛ لأنه يدل على أن الذين حيوا رسول الله ، صلى الله عليه وآله ، كانوا ثلاثة : « الأول قال : السلام عليك ، فرد عليه الرسول : وعليك ورحمة الله . والثاني قال : السلام عليك ورحمة الله ، فرد
____________
1 ـ مستدرك الوسائل 8 | 366 ، وهامشه ، أصول الكافي 2 | 645 مع تغيير يسير .
2 ـ المجازات النبوية : 229 ـ 230 ، رقم الكلمة 236 . والمثل في مجمع الأمثال 2 | 190 حرف اللام ، قال الميداني بعد المثل : الاشتفاف والتشاف : أن تشرب جميع ما في الإناء ، مأخوذ من الشفافة وهي البقية ، يقول : من لا يستشف لا يروى ، فقد يكون الرّيّ دون ذلك . يضرب في قناعة الرجل ببعض ما ينال من حاجته .

(135)

الرسول : وعليك ورحمة الله وبركاته . والثالث قال : السلام عليك ورحمة الله وبركاته ، فكان رد الرسول : وعليك » (1) .
كما أن المروي في كل الإجابات لفظة « السلام » بينا النسخة عندنا خالية عنه برواية الشيخ الطبرسي عن المجازات النبوية على نقل النوري (2) .
8 ـ روى الكليني عن أحمد بن محمد ، عن ابن محبوب ، عن جميل ، عن أبي عبيدة الحذاء ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : « مر أمير المؤمنين علي عليه السلام بقوم فسلم عليهم ، فقالوا : عليك السلام ورحمة الله وبركاته ومغفرته ورضوانه ، فقال لهم أمير المؤمنين عليه السلام : لا تجاوزوا بنا مثل ما قالت الملائكة لأبينا إبراهيم عليه السلام إنما قالوا : رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت » (3) .
أقول : في الحديث تصريح بنهاية السلام ، والإجابة ، ويشهد له النبوي المتقدم (4) .
9 ـ النبوي المروي في شأن نزول آية ( وإذا جاؤوك حيوك بما لم يحيك به الله ) (5) « وقد أبدلنا الله بخير من ذلك تحية أهل الجنة السلام عليكم » (6) .
10 ـ ما رواه الصدوق قال : حدثنا أبي رضي الله عنه قال : حدثنا علي بن إبراهيم بن هاشم عن أبيه ، عن عبد الرحمن بن أبي نجران ، عن عاصم بن حميد ، عن محمد بن قيس ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : « بينما أمير المؤمنين عليه السلام في الرحبة والناس عليه متراكمون ، فمن بين مستفتٍ ومن بين مستعدي إذ قام إليه رجل فقال : السلام عليك ياأمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته ، فنظر إليه أمير المؤمنين عليه السلام بعينيه
____________
1 ـ هامش المجازات النبوية 229 .
2 ـ مستدرك الوسائل 8 | 370 عن الشريف الرضي المتقدم ذكره .
3 ـ أصول الكافي 2 | 646 .
4 ـ المروي عن الشريف الرضي .
5 ـ المجادلة : 8 .
6 ـ تفسير القمي 2 | 355 وتقدم الحديث في ( 2 ـ السلام تحية الله التي اختارها للمسلمين ) .

(136)

هاتيك العظيمتين ثم قال : وعليك السلام ورحمة الله وبركاته مَن أنت ؟ فقال : أنا رجل من رعيتك وأهل بلادك ، قال : ما أنت من رعيتي وأهل بلادي ، ولو سلمت عليّ يوماً واحداً ماخفيت عليّ ؟ فقال : الأمان يا أمير المؤمنين ، فقال أمير المؤمنين عليه السلام : هل أحدثت في مصري هذا حدثاً منذ دخلته ؟ قال : لا . قال : فلعلك من رجال الحرب ؟ قال : نعم ، قال : إذا وضعت الحرب أوزارها فلا بأس ، قال : أنا رجل بعثني إليك معاوية متغفلاً لك أسألك عن شيءٍ بعثني فيه ابن الأصفر (1) وقال له : إن كنت أنت أحق بهذا الأمر والخليفة بعد محمد ، فأجبني عما أسألك ، فإنك إن فعلت ذلك أتَّبعك وأبعث إليك بالجائزة ، فلم يكن عنده جواب وقد أقلقه ذلك ، فبعثني إليك لأسألك عنها ، فقال أمير المؤمنين عليه السلام : قاتل الله ابن آكلة الأكبادما أضله وأعماه ومَن معه ، والله لقد أعتق جارية فما أحسن أن يتزوج بها ، حكم الله بيني وبين هذه الأمة قطعوا رحمي وأضاعوا أيامي ودفعوا حقي ، وصغروا عظيم منزلتي ، وأجمعوا على منازعتي ، عليّ بالحسن والحسين ومحمد فأحضروا فقال : يا شامي هذان ابنا رسول الله وهذا ابني . فاسأل أيهم أحببت ، فقال : أسأل ذا الوفرة يعني الحسن عليه السلام ، وكان صبياً ، فقال له الحسن عليه السلام : سلني عما بدا لك . فقال الشامي : كم بين الحق والباطل ؟ وكم بين السماء والأرض ؟ وكم بين المشرق والمغرب ؟ وما قوس قزح ؟ وما العين التي تأوي إليها أرواح المشركين ؟ وما العين التي تأوي إليها أرواح المؤمنين ؟ وما المؤنث ؟ وما عشرة أشياء بعضها أشد من بعض ؟ فقال الحسن بن علي عليه السلام : بين الحق والباطل أربع أصابع فما رأيته بعينك فهو الحق وقد تسمع بأذنيك باطلاً كثيراً . . . »(2) .

أقـول :
الحديث طويل وليس فيه الشاهد إلا الكامل من صيغ السلام ، وبيان منتهى الجواب الأول ، وأمير المؤمنين عليه السلام المجيب . فالحديث من
____________
1 ـ أي : ملك الروم وإنما سمّي الروم بني الأصفر لأن أباهم الأول كان أصفر اللون هامش الخصال 2 | 440 .
2 ـ الخصال 2 | 440 ـ 441 ، باب العشرة ، الوسائل 8 | 448 .

(137)

شواهد كمال السلام والإجابة ، كما كان منها رواية الشريف الرضي النبوية من بدايتهما إلى نهايتهما ، ومنها ، أي من السلام والإجابة الكاملة ، ما يلي :
11 ـ في حديث صادقي طويل في كيفية خلق آدم عليه السلام ـ إلى أن قال :ـ « ثم أمر الله تعالى الملائكة أن يحملوا آدم على أكتافهم ليكون عالياً عليهم ، وهم يقولون سبّوح سبّوح ، لا خروج عن طاعتك ، وسارت به في طرق السموات وقد اصطفت حوله الملائكة ، فلا يمر آدم على صف إلا ويقول : السلام عليكم يا ملائكة ربي ، فيجيبون : وعليك ورحمة الله وبركاته يا صفوة الله وروحه وفطرته ـ إلى أن قال : ـ فانتصب آدم على منبره قائماً وسلم على الملائكة ، وقال : السلام عليكم يا ملائكة ربي ورحمة الله وبركاته ، فأجابته الملائكة : وعليك السلام يا صفوة الله وبديع فطرته . . . » (1) .
12 ـ وما رواه الحر عن الصدوق بإسناده إلى وهب اليماني في حديث قال : « إن الله قال لآدم : انطلق إلى هؤلاء الملأ من الملائكة فقل : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته . فسلم عليهم فقالوا : وعليك السلام ورحمة الله وبركاته ، فلما رجع إلى ربه عزّ وجلّ قال له ربه تبارك وتعالى : هذه تحيتك ، وتحية ذريتك من بعدك فيما بينهم إلى يوم القيامة » (2) .
13 ـ الشيخ أبو الفتوح في تفسيره عن النبي ، صلى الله عليه وآله ، أنه كان إذا سلم عليه أحد من المسلمين ، فقال : سلام عليك ، يقول : « وعليك السلام ورحمة الله » ، وإذا قال : السلام عليك ورحمة الله ، قال النبي صلى الله عليه وآله : « وعليك السلام ورحمة الله وبركاته » وهكذا كان يزيد في جواب من يسلم عليه (3) .
14 ـ ما رواه الكليني (4) عن محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن محمد بن سنان ، عن إسحاق بن عمار قال : حدثني
____________
1 ـ مستدرك الوسائل 8 | 370 ـ 371 .
2 ـ الوسائل 8 | 444 .
3 ـ مستدرك الوسائل 8 | 371 .
4 ـ في الروضة تحت ( حديث الشيخ مع الباقر عليه السلام ) .

(138)

رجل من أصحابنا عن الحكم بن عتيبة قال : بينا أنا مع أبي جعفر عليه السلام والبيت غاص بأهله ، إذ أقبل شيخ يتوكأ على عَنَزة له (1) حتى وقف على باب البيت ، فقال : السلام عليك (2) يابن رسول الله ورحمة الله وبركاته ، ثم سكت فقال أبو جعفر عليه السلام : وعليك السلام ورحمة الله وبركاته ، ثم أقبل الشيخ بوجهه على أهل البيت وقال : السلام عليكم ، ثم سكت حتى أجابه القوم جميعاً وردوا عليه السلام . ثم أقبل بوجهه على أبي جعفر عليه السلام ثم قال يابن رسول الله أدنني منك جعلني الله فداك ، فوالله إني لأحبكم وأحب من يحبكم ، ووالله ما أحبّكم وأحبّ مَن يحبّكم لطمع في دنيا ، و [ الله ] إني لأبغض عدوكم وأبرأ منه ، ووالله ما أبغضه وأبرأ منه لوتر كان بيني وبينه ، والله إني لأحل حلالكم ، وأحرم حرامكم ، وأنتظر أمركم ، فهل ترجو لي جعلني الله فداك ؟ فقال أبو جعفر عليه السلام : إلي إلي حتى أقعده إلى جنبه ثم قال : أيها الشيخ إن أبي علي بن الحسين عليهما السلام أتاه رجل فسأله عن مثل الذي سألتني عنه فقال له أبي عليه السلام : إن تمت ترد على رسول الله ، صلى الله عليه وآله ، وعلى علي والحسن والحسين وعلي بن الحسين ، ويثلج قلبك ، ويبرد فؤادك ، وتقر عينك ، وتستقبل بالروح والريحان مع الكرام الكاتبين ، لو قد بلغت نفسك ههنا ـ وأهوى بيده إلى حلقه ـ وإن تعش ترى ما يقر الله به عينك ، وتكون معنا في السنام الأعلى ، [ فـ ] ـقال الشيخ : كيف قلت يا أبا جعفر ؟ فأعاد عليه الكلام ، فقال الشيخ : الله أكبر يا أبا جعفر ، إن أنا متُّ أرد على رسول الله ، صلى الله عليه وآله ، وعلى علي والحسن والحسين وعلي بن الحسين عليهم السلام ، وتقر عيني ، ويثلج قلبي ، ويبرد فؤادي ، وأستقبل بالروح والريحان مع الكرام الكاتبين ، لو قد بلغت نفسي إلى ههنا ،
____________
1 ـ بالتحريك : عصاً في رأسها حديد هامش الروضة 76 .
2 ـ أقول : قد جاء في كيفية السلام على الإمام المهدي عجل الله فرجه في حديث الإمام الباقر عليه السلام : « . . . فلا يسلم عليه مسلم إلا قال : السلام عليك يا بقية الله في أرضه . . . » كمال الدين 1 | 331 ، الباب الثاني والثلاثون ، الحديث 16 . كما وجاء في بقية المعصومين عليهم السلام كلهم بنحو آخر يطول بذكره المقام ، انظر كتاب منتخب الأثر في الإمام الثاني عشر 517 ، الباب السادس ، الحديث 1 ـ 4 . للشيخ لطف الله الصافي الگلبايگاني ، الطبعة الثانية بالأفست ـ المصطفوي ، طهران ، 1385 هـ .

(139)

وإن أعش أرى ما يقر الله به عيني ، فأكون معكم في السنام الأعلى ؟ !! ثم أقبل الشيخ ينتحب ينشج (1) ، هاهاها حتى لصق بالأرض ، وأقبل أهل البيت ينتحبون ، وينشجون لما يرون من حال الشيخ ، وأقبل أبو جعفر عليه السلام يمسح بإصبعه الدموع من حماليق عينيه وينفضها (2) ، ثم رفع الشيخ رأسه فقال لأبي جعفر عليه السلام : يابن رسول الله ناولني يدك ، جعلني الله فداك ، فناوله يده فقبلها ووضعها على عينيه وخده ، ثم حسر عن بطنه ، وصدره فوضع يده على بطنه وصدره ، ثم قام فقال : السلام عليكم ، وأقبل أبو جعفر ينظر في قفاه وهو مدبرٌ ثم أقبل بوجهه على القوم فقال : من أحب أن ينظر إلى رجل من أهل الجنة فلينظر إلى هذا . فقال الحكم بن عتيبة : لم أر مأتماً قط يشبه ذلك المجلس » (3) .

أقـول :
اشتمل الحديث على سلام التحية وسلام الوداع ، الفصل العاشر الآتي ذكره ، وإنما نقلناه عن آخره لأن محتواه يمثل لنا أروع الولاء لأهل البيت عليهم السلام .
حول الصيغ المروية المتقدمة وبعض بحوثها كلام لبعض الجمهور فكما يلي :
قال الزمخشري : الأحسن منها أن تقول : وعليكم السلام ورحمة الله ، إذا قال : السلام عليكم ، وأن تزيد وبركاته » وإذا قال : « ورحمة الله » . وروي أن رجلاً قال لرسول الله ، صلى الله عليه ـ وآله ـ وسلم ، : السلام عليك ، فقال : « وعليك السلام ورحمة الله » وقال آخر : السلام عليك ورحمة الله ، فقال : « وعليك السلام ورحمة الله وبركاته » وقال آخر : السلام عليك ورحمة الله وبركاته ، فقال « وعليك » فقال الرجل : نقصتني
____________
1 ـ النحب والنحيب والانتحاب : البكاء بصوت طويل . والنشج : صوت معه توجع وبكاء ، كما يردد الصبي بكاءه في صدره النهاية ـ نحب ـ ونشج .
2 ـ حملاق العين ـ بالكسر والضم ـ وكعصفور : باطن أجفانها الذي يسود بالكحلة ، أو ما غطته الاجفان من بياض المقلة ، أو باطن الجفن الأحمر ، الذي إذا قلب للكحل رأيت حمرته ، أو ما لزق بالعين من موضع الكحل من باطن ، جمع حماليق . هامش الروضة 77 .
3 ـ روضة الكافي 76 ـ 77 .

(140)

فأين ما قال الله ؟ وتلا الآية ، فقال « إنك لم تترك لي فضلاً فرددت عليك مثله . . . » (1) ، هذا مجمل القول حول صيغ السلام بين المسلمين .

الأمر الثالث :
في بعض أحكام السلام وما يمت به بصلة : من سلام أهل الكتاب ابتداء أو إجابة ، وإبلاغ التحية ، وبيان كيفيتها في بعض الفروض وما جاء من حديث في هذه النواحي الثلاث :
الناحية الأولى : : تحية أهل الكتاب وفيها من الأحاديث :
1 ـ روى الكليني عن علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن أبن أبي عمير ، عن ابن أُذينة ، عن زرارة ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : « دخل يهودي على رسول الله ، صلى الله عليه وآله ، وعائشة عنده فقال : السام (2) عليكم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله : عليكم ثم دخل آخر فقال مثل ذلك فرد عليه كما رد على صاحبه فغضبت عائشة فقالت : عليكم السام والغضب واللعنة يا معشر اليهود ، يا إخوة القردة والخنازير، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وآله : يا عائشة إن الفحش لو كان ممثلاً لكان مثال سوء ، إن الرفق لم يوضع على شيءٍ قط إلا زانه ولم يرفع عنه قط إلا شانه ، قالت : يا رسول الله أما سمعت إلى قولهم : السام عليكم ؟ فقال : بلى ، أما سمعت ما رددت عليهم ؟ قلت : عليكم ، فإذا سلم عليكم مسلم فقولوا : سلام عليكم ، وإذا سلم عليكم كافر فقولوا : عليك » (3) .
أقـول : تصريح بالاقتصار في الإجابة على « عليك ، أو عليكم » كما في العلوي الآتي وكذا المنع من الابتداء بالتسليم عليهم :
____________
1 ـ تفسير الكشاف 1 | 544 ، وقد عرفت مصدر النبوي من نقل الشريف الرضي وغيره . وفي تفسير المنار 5 | 12 : وفسروه بأن تقول لمن قال : السلام عليكم ، بقولك : وعليكم السلام ، والأحسن أن تقول : وعليكم السلام ورحمة الله ، فإذا قال هذا في تحيته ، فالأحسن أن تقول : وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته ، وهكذا يزيد المجيب على المبتدىء كلمة أو أكثر . . . ) .
2 ـ السام : الموت .
3 ـ أصول الكافي 2 | 648 ، باب التسليم على أهل الملل ، الحديث 1 .

(141)

2 ـ روى الكليني عن محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن محمد بن يحيى ، عن غياث بن إبراهيم ، عن أبي عبد الله قال : « قال أمير المؤمنين عليه السلام : لا تبدأوا اهل الكتاب بالتسليم ، وإذا سلموا عليكم فقولوا : وعليكم » (1) .
3 ـ عدة من أصحابنا عن أحمد بن محمد بن خالد ، عن عثمان بن عيسى ، عن سماعة قال : « سألت أبا عبد الله عليه السلام عن اليهودي ، والنصراني ، والمشرك إذا سلموا على الرجل وهو جالس ، كيف ينبغي أن يرد عليهم : فقال : يقول : عليكم » (2) .
4 ـ محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد ، عن ابن فضال ، عن ابن بكير ، عن بريد بن معاوية ، عن محمد بن مسلم ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : « إذا سلم عليك اليهودي والنصراني والمشرك فقل : عليك » (3) .
هذه الروايات الصحيحة صريحة في الاقتصار على « عليك أو عليكم » في الأجابة على تسليم أهل الكتاب . وأما الابتداء به فمنهي كما يأتي في السلام المنهي . ومعنى ذلك أن الذي يضمره اليهودي أو غيره من سوء هو عليه دون غيره من الناس .
وقد تقدم كيفية السلام على المشرك بأن يقول : « السلام على من اتبع الهدى » (4) وذكرنا هناك أن السلام دعاء السلامة للمسلم عليه ولا ينفع الكافر ، بل والدعاء له لكونه كافراً كفر ، نعم ربما انتفع به إذا كان موضعاُ للأنتفاع ، وقد سبق استغفار إبراهيم عليه السلام لآزر الذي حكاه الله بقوله تعالى : ( ولما تبين أنه عدو لله تبرَّأ منه ) (5) .
____________
1 ـ أصول الكافي 2 | 648 ـ 649 ، الحديث 2 . في هامشه : في جميع النسخ بإثبات الواو ، يعني علينا السلام وعليكم ما تستحقون .
2 ـ أصول الكافي 2 | 649 .
3 ـ المصدر نفسه .
4 ـ المصدر نفسه وتقدم عقيب 20 ـ الحديث من أحاديث ( 7 ـ أدب السلام ) .
5 ـ التوبة : 114 .
ولكن في صادقي : « تقول في الرد على اليهودي والنصراني سلام » أصول الكافي 2 | 650 =



(142)

ولبعض حول التسليم لأهل الكتاب كلام وهو : كان اليهود يسلمون على النبي ، صلى الله عليه وآله ـ وسلم ، فيرد عليهم السلام حتى كان من بعض سفهائهم تحريف السلام بلفظ ( السام ) ، أي الموت ، فكان النبي ، صلى الله عليه ـ وآله ـ وسلم ، يجيبهم بقوله : « وعليكم » وسمعت عائشة واحداً منهم يقول له : السام عليك . فقالت له وعليك السام واللعنة ، فانتهرها النبي عليه الصلاة والسلام مبيناً لها أن المسلم لا يكون فاحشاً ، ولا سباباً ، وأن الموت علينا وعليهم .
وروي عن بعض الصحابة كابن عباس أنهم كانوا يقولون للذمي : السلام عليك . وعن الشعبي عن أئمة السلف أنه قال لنصراني سلم عليه : وعليك السلام ورحمة الله تعالى . فقيل له في ذلك ؛ فقال : « أليس في رحمة يعيش » وفي حديث البخاري : الأمر بالسلام على من تعرف ومن لا تعرف . وروى ابن المنذر عن الحسن أنه قال : ( فحيوا بأحسن منها ) للمسلمين ، ( أو ردوها ) لأهل الكتاب . وعليه يقال للكتابي ورد السلام عين ما يقوله ، وإن كان فيه ذكر الرحمة .
هذه لمعة مما روي عن السلف ، ثم جاء الخلف فاختلفوا في السلام على غير المسلم ، فقال كثيرون : إنهم لا يبدأون بالسلام لحديث ورد في ذلك ؛ وحملوا ما روي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما على الحاجة ، أي لا يسلم عليهم ابتداء إلا لحاجة . وأما الرد فقال بعض الفقهاء : إنه واجب كرد السلام ، وقال بعضهم : سنة .
أما ما ورد من حق المسلم على المسلم فلا ينافي حق غيره ، فالسلام حق عام ، ويراد به أمران : مطلق التحية ، وتأمين من تسلم عليه من الغدر والإيذاء ، وكل ما يسيء . وقد روى الطبراني (1) والبيهقي من حديث أبي
____________
=
وفي هامشه أي : علينا أو على من يستحقه .
أقول : السلام كاللعنة يطلب أهله كائناً من كان .
1 ـ هو أبو القاسم سليمان بن أحمد . . . أحد حفاظ أهل السنة ، رحل في طلب الحديث من الشام إلى العراق ، والحجاز ، واليمن ، ومصر وغيرها ، وسمع الكثير ، وعدد شيوخه ألف شيخ ، ويقال : له مسند الدنيا ، يروي عنه أبو نعيم الأصبهاني ، وله مصنفات أشهرها المعاجم =

(143)

أمامة : « إن الله تعالى جعل السلام تحية لأمتنا وأماناً لأهل ذمتنا »
وأكثر الأحاديث التي وردت في السلام عامة ، وذكر في بعضها « المسلم » ، أما جعل تحية الإسلام عامة فعندي أن ذلك مطلوب ، وقد ورد في الأحاديث الصحيحة أن اليهود كانوا يسلمون على المسلمين فيردون عليهم ، فكان من تحريفهم ما كان سبباً لأمر النبي ، صلى الله عليه ـ وآله ـ وسلم ، بأمر المسلمين أن يردوا عليهم بلفظ « وعليكم » ، حتى لا يكونوا مخدوعين للمحرفين . ومن مقتضى القواعد أن الشيء يزول بزوال سببه .
ولم يرد أن أحداً من الصحابة نهى اليهود عن السلام ، لأنهم لم يكونوا ليحظروا على الناس آداب الإسلام ، ولكن خلف من بعدهم خلف أرادوا أن يمنعوا غير المسلم من كل شيء يعمله المسلم ، حتى من النظر في القرآن ، وقراءته الكتب المشتملة على آياته ، وظنوا أن هذا تعظيم للدين . ـ إلى أن قال القائل : ـ هذا ما أفتينا به منذ بعض سنين ، وحديث عائشة المشار إليه في الفتوى رواه الشيخان في صحيحيهما ، ورويا عن أبي هريرة عدم ابتدئنا إياهم بالسلام ، ولعل ذلك كان لأسباب خاصة اقتضاها ما كان بينهم وبين المسلمين من الحروب ، وكانوا هم المعتدين فيها . روى أحمد عن عقبة بن عامر قال : قال رسول الله صلى الله عليه ـ وآله ـ وسلم : « إني راكب غداً إلى يهود فلا تبدأوهم بالسلام ، وإذا سلموا عليكم فقولوا : وعليكم » فيظهر هنا أنه نهى أن يبدأوهم بالسلام ، لأن السلام تأمين ، وما كان يحب أن يأمنهم وهو غير أمين منهم ، لما تكرر من غدرهم ونكثهم للعهد معه ، فكان ترك السلام عليهم تخويفاً لهم ليكونوا أقرب إلى المواتاة (1) .
أقـول : وليس قوله هذا إلا اجتهاداً في مقابل النص الصحيح الصريح من منع الابتداء بالسلام على أهل الكتاب .
____________
=
الثلاثة وهي أشهر كتبه ، مولده بطبرية الشام سنة 260 ـ أي عام وفاة الإمام أبي محمد العسكري عليه السلام ـ وسكن أصبهان إلى أن توفي بها في قع سنة 360 . . . الكنى والألقاب 2 | 443 .
فعمر مئة سنة وشيوخه ألف ، ومن ثم قيل فيه مسند الدنيا .
تفسير المنار 5 | 312 ـ 316 .