الفـصل التـاسـع

السـلام المـنهي عنـه



(162)



(163)

السـلام المنـهي عنـه

إن النهي الوارد في النصوص الآتي ذكرها محمول على الكراهة ، وقد ذهب جمع من الأصحاب منهم الشيخ الحرّ العاملي إلى تحريم السلام على أصناف . منهم : أصحاب الملاهي (1) ، وليس معنى الكراهة قلّة الثواب ، كما ذهب إليه بعض في باب العبادات ، وفي غيره من قلة العذاب مثلاً ، بل المنع عن فعل المكروه ، أو الحرام ، إنما هو للمفسدة الكائنة فيه . أما المرتبة التي تحتم الحظر عن فعله فهو الحرام ، أو لا تحتم فالمكروه ، وهكذا في جانب المصلحة في فعل الشيء ، فإن كانت بمثابة عالية تحتم فعله فهو الواجب ، وإلا فالمندوب ، وإذا تساوت المصلحة مع المفسدة فيه فالمباح ؛ وذلك كله للبناء على مسلك العدلية القائلين بصفة العدل في الله تعالى . وقاعدة الحُسن والقبح العقليين ، ومنهم الإمامية ، وأن أحكام الإسلام تنشأ عن المصالح ، إذا كانت من الفرائض ، أو عند المفاسد ، كما في جميع المحرمات والمحظورات في الشرائع السماوية ، وعليه فالمنع عن الاقتراف في الشيء ، أو الاقتراب إليه لا يكون سدىً وجزافاً ، وبلا مصلحة ، أو مفسدة في محتوى الواجب ، او الحرام .
وإذا عرفت ذلك كله فالنصوص هي :
1 ـ روى الشيخ الكليني عن محمد بن يحيى ، عن محمد بن الحسين
____________
1 ـ « تحريم التسليم على الكفار ، وأصحاب الملاهي ونحوهم . . . » الوسائل 8 | 452 .
(164)

رفعه قال : كان أبو عبد الله عليه السلام يقول : « ثلاثة لا يسلمون : الماشي مع الجنازة ، والماشي إلى الجمعة ، وفي بيت الحمام » (1) .
بيـان : وذلك لأنهم في شغل من الخاطر ، وفي هم من البال ، فلا عليهم أن يسلموا (2) . وهل المراد من نفي السلام ، المقصود به ، النهي عنه أن هؤلاء هم لا يسلمون على غيرهم ؛ لأنهم في شغل من السلام والكلام مع من سواهم ، أو أن السائرين يجب عليهم أن لا يسلموا على هؤلاء الأصناف الثلاثة ؟ والكل محتمل لاشتراك العلة في الأمرين .
2 ـ روى الكليني عن أحمد بن محمد الكوفي ، عن عليّ بن الحسن بن علي ، عن علي بن أسباط ، عن عمه يعقوب بن سالم ، عن أبي بصير قال : سئل أبو عبد الله عليه السلام عن الرجل يكون له الحاجة إلى المجوسي ، أو إلى اليهودي ، أو إلى النصراني ، أو أن يكون عاملاً ، أو دهقاناً من عظماء أهل أرضه ، فيكتب إليه الرجل في الحاجة العظيمة ، أيبدأ بالعلج ، ويسلّم عليه في كتابه ، وإنما يصنع ذلك لكي تقضى حاجته ؟ قال : أما أن تبدأ به فلا ، ولكن تسلّم عليه في كتابك ، فإن رسول الله ، صلى الله عليه وآله ، قد كان يكتب إلى كسرى وقيصر » (3) .
بيـان : التسليم على أهل الكتاب ممنوع كما نص عليه في الصادقي : « . . لا تبدأوا أهل الكتاب بالتسليم . . . » (4) . وأما السلام في الكتابة فالحديث حالّ على جوازه لضرورة الحاجة دون غيرها ، والنبي ، صلى الله عليه وآله ، كانت حاجته وضرورته دعوة الكافرين ككسرى وقيصر إلى الإسلام الذي أوله
____________
1 ـ أصول الكافي 2 | 645 ـ 646 ، الخصال 1 | 91 .
2 ـ هامش أصول الكافي 2 | 646 .
فالمشيع يفكر في الموت ، وقاصد الجمعة كأنه في صلاتها ، والحمامي في مظنة كشف العورة ، فإذا اتجه إلى غيره يوشك أن تبدو سوءته ، ومن أجل هذه أو غيرها حظر السلام معهم .
3 ـ أصول الكافي 2 | 651 ، باب مكاتبة أهل الذمة ، الحديث 1 . والعلج الرجل من كفار العجم . مرآة العقول 12 | 549 .
4 ـ الحديث المرقم 2 ـ من الناحية الأولى . كما وقدمنا كلام صاحب تفسير المنار وإصراره على جواز الابتداء بالسلام عليهم .

(165)

السلام ، وأصله ، ومعدنه ، نعم وظيفة المسلمين إذا سلم عليهم الكتابي أن يقولوا ( عليك أو عليكم ) كما سبق التصريح به في النصوص (1) ، إلا أن فيها رواية صحيحة صريحة في القول في الرد بكلمة ( سلام ) وهي : ما رواه الشيخ الكليني ، طاب ثراه ، عن محمد بن يحيى ، عن عبد الله بن محمد ، عن علي بن الحكم ، عن أبان بن عثمان ، عن زرارة ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : « تقول في الرد على اليهودي والنصراني سلام » (2) .
بيـان : قيل : ( سلام ) بكسر السين : الحجارة ، وهو تصحيف مردود ، والظاهر هو ما قيل : معناه أي علينا أو على من يستحقه (3) ، وقد سبق أن السلام دعاء بالسلامة ، ولا ينتفع الكافر به كما في الكاظمي : « أرأيت إن احتجت إلى متطبب وهو نصراني أسلم عليه وأدعو له ؟ قال : نعم ، إنه لا ينفعه دعاؤك » (4) . فكل حديث دل على تسليم ودعاء لكافر، أو كتابي ، أو غيرهما من المنحرفين ، يعمل به ولا يظن أن ذلك بنافع له .
3 ـ صحيح غياث بن إبراهيم عن أبي عبد الله عليه السلام قال : قال أمير المؤمنين عليه السلام : « لا تبدأوا أهل الكتاب بالتسليم وإذا سلّموا عليكم فقولوا : وعليكم » .
أقـول : هذا الحديث مع أحاديث أخرى تعرضنا لها في الناحية الأولى من الأمر الثالث من ( 8 ـ السلام ندب والرد فرض ) فلا نعيد بيانها .
4 ـ محمد بن إدريس في ( آخر السرائر ) نقلاً من رواية أبي القاسم بن قولويه عن الأصبغ قال : سمعت عليّاً عليه السلام يقول : « ستة لا ينبغي أن تسلّم عليهم : اليهود ، والنصارى ، وأصحاب النرد والشطرنج ، وأصحاب خمر ، وبربط وطنبور ، والمتفكّهين بسبّ الأمهات ، والشعراء » (5) .
____________
1 ـ ذكرناها في الناحية الأولى من ( 8 ـ السلام ندب والرد فرض ) .
2 ـ أصول الكافي 2 | 649 ـ 650 .
3 ـ هامش أصول الكافي 2 | 650 .
4 ـ أصول الكافي 2 | 650 .
تقدم أن السلام على المشرك : « السلام على من أتبع الهدى » أصول الكافي 2 | 649. وفي الأمر الثالث من ( 8 ـ السلام ندب والرد فرض ) .
5 ـ الوسائل 8 | 454 .

(166)

أقـول :
هؤلاء ليسوا ستة ، إلا أن يُعدّ الأولان واحداً ، وكذا أصحاب النرد والشطرنج ، والثالث أصحاب خمر ، والرابع صاحب البربط والطنبور ، والخامس المتفكّه بسبّ الأّمهات ، والسادس الشعراء المعني بهم غير شعراء أهل البيت عليهم السلام ، وما كان من شعرهم في المواعظ والحكم وما ضاهاها ، بل الشاعر القاذف المحصنات بشعره كما تسمع قريباً .
5 ـ عبد الله بن جعفر الحميري في ( قرب الإسناد ) عن السندي بن محمد ، عن أبي البختري ، عن جعفر بن محمد ، عن أبيه ، أن رسول الله ، صلى الله عليه وآله ، قال : « لا تبدأوا أهل الكتاب ـ اليهود والنصارى ـ بالسلام ، وإن سلموا عليكم فقولوا : عليكم ، ولا تصافحوهم ، ولا تكنوهم إلا أن تضطروا إلى ذلك » (1) .

بيـان :
تقدم مضمون الحديث جملةً وتفصيلاً ، وأنّ الابتداء بالسلام على الكتابي ممنوع ، والردّ ليس إلاّ بـ « عليك ، أو عليكم » إلاّ صحيح زرارة الدالّ على جواز الردّ بـ ( سلام ) وبيان المراد من ذلك ، لا غيره .
6 ـ قال الحرّ : محمد بن علي بن الحسين في ( الخصال ) عن محمد بن علي ماجيلويه ، عن عمه محمد بن أبي القاسم ، عن هارون بن مسلم ، عن مصدّق بن صدقة ، عن جعفر بن محمد ، عن أبيه عليه السلام ، قال : « لا تسلّموا على اليهود ولا النصارى ـ إلى أن قال : ـ ولا على المصلّي ، ـ وذلك لأنّ المصلّي لا يستطيع أن يردّ السلام ، لأنّ التسليم من المسلّم تطوّع ، والردّ فريضة ـ ولا على آكل الرّبا ، ولا على رجل جالس على غائط ، ولا على الذي في الحمّام » (2) .
____________
1 ـ الوسائل 8 | 454 ، الحديث 9 الباب 49 ، العشرة .
والسلام كما قلنا إنه دعاء وهو جائز في حال الضرورة انظر الوسائل 4 | 1155 الباب 46 من أبواب الدعاء ، الحديث 1 ، الوسائل 8 | 456 ـ 457 .
2 ـ الوسائل 4 | 1267 ، الباب 17 من أبواب قواطع الصلاة ، الحديث 1 .

(167)

أقـول :
قال الحرّ : هذا محمول على الكراهة . وقوله : ( لا يستطيع ) أي : لا يسهل عليه ردّ الجواب ، بل يشقّ عليه الاشتغال بردّ السلام والعود إلى صلاته ، فيشتغل عنها لما تقدّم من تقرير السلام ، وعدم إنكاره ، ومن التصريح بجواز الردّ بل الأمر به (1) . يريد ( بجواز الردّ بل الأمر به ) النصوص المتقدمة (2) .
ومن النهي المكرر عن السلام على الكتابي يعلم التشدد فيه ، ولعلّ الوجه المنع من العشرة معه ؛ لأنّ السلام مفتاحها ؛ ومن ثم منع فتح بابها به (3) .
7 ـ رواية الصدوق بإسناده إلى الصادقين عليهم السلام : « ستة لا يسلّم عليهم : اليهودي ، والنصراني ، والمجوسي ، والرجل على غائطه وعلى موائد الخمر ، وعلى الشاعر الذي يقذف المحصنات ، وعلى المتفكّهين بسبّ الأّمهات » (4) .
أقول : تقدم بلفظ أهل الكتاب أيضاً .
8 ـ قال الصدوق : حدثنا محمد بن الحسن رضي الله عنه قال : حدّثنا أحمد بن إدريس عن محمد بن أحمد بن يحيى بن عمران الأشعري ، بإسناده رفعه إلى أمير المؤمنين عليه السلام قال : « نهى رسول الله ، صلى الله عليه وآله ، أن يسلم على أربعة : على السكران في سكره ، وعلى من يعمل التماثيل ، وعلى من يلعب بالنرد ، وعلى من يلعب بالأربعة عشر ، وأنا أزيدكم الخامسة انهاكم أن تسلموا على أصحاب الشطرنج » (5) .
____________
1 ـ الوسائل 4 | 1267 .
2 ـ المذكورة في الناحية الثالثة المرقمة 1 ـ 7 .
3 ـ أي بالسلام الذي هو مفتاح باب العشرة ، والغض من هذا البيان أن حديث المنع من السلام على الكتابي دليل على منع العشرة والمراودة معه ، فكنّىعن منعها بمنع السلام عليه .
4 ـ الخصال 1 | 326 . جامع الأحاديث 15 | 585 .
5 ـ الخصال 1 | 237 .

(168)

أقول :
قال العلامة المجلسي في المسالك : مذهب الأصحاب تحريم اللعب بآلات القمار كلها ، من النرد ، والشطرنج ، والأربعة عشر وغيرها ووافقهم على ذلك جماعة من العامة ، منهم أبو حنيفة ، ومالك ، وبعض الشافعية ، ورووا عن النبي صلى الله عليه وآله روايات ، وفسروا الأربعة عشر بأنها قطعة من خشب فيها حفر في ثلاثة أسطر ، ويجعل في الحفر حصاً صغاراً يلعب بها (1) .
وروى الشيخ الكليني سبعة عشر حديثا في المنع عن اللعب بالشطرنج نذكرها لأدنى علاقة :
1 ـ الكاظمي : « النرد والشطنج والأربعة عشر بمنزلة واحدة . . . » .
2 ـ الصادقي : « . . الرجس من الأوثان : الشطرنج . . . » .
3 ـ العلوي : « الشطرنج والنرد هما الميسر » .
4 ـ الصادقي : « الشطرنج من الباطل » .
5 ـ الصادقي : « ... أو صاحب شاهين قال : قلت : وأي شيءٍ صاحب شاهين ؟ قال الشطرنج » .
6 ـ الصادقي : « أنه سئل عن الشطرنج ولعبة شبيب التي يقال لها لعبة الأمير ، وعن لعبة الثلاث فقال : أرأيتك إذا ميز الحق من الباطل مع أيهما يكون ؟ قال : قلت : مع الباطل ، قال : فلا خير فيه » .
7 ـ الصادقي : « الرجس من الأوثان هو الشطرنج .. » .
8 ـ الصادقي : « ما الميسر ؟ فقال أبو عبد الله عليه السلام : هي الشطرنج .. » .
9 ـ الباقري ـ حديث الفضيل ـ سألت أبا جعفر عن هذه الأشياء التي يلعب بها الناس النرد ، والشطرنج ، حتى انتهيت إلى السُدّر (2) فقال :
____________
1 ـ هامش الخصال 1 | 237 .
2 ـ معرّب سه در أي ثلاثة أبواب وسدّر كقُبّر لعبة الصبيان .

(169)

« إذا ميّز الله بين الحق والباطل في أيهما يكون ؟ قلت : مع الباطل ، قال : فما لك وللباطل » .
10 ـ الصادقي : « يغفر الله في شهر رمضان إلا لثلاثة صاحب مسكر أو صاحب شاهين ، أو مشاحن » (1) .
11 ـ الصادقي : « الشطرنج ميسر والنرد ميسر » .
12 ـ الكاظمي : « أقعدُ مع قوم يلعبون بالشطرنج ولست ألعب بها ، ولكن انظر ، فقال : ما لك ولمجلس لا ينظر الله إلى أهله » ! ؟ .
13 ـ الصادقي : « أنه سئل عن الشطرنج فقال : دعوا المجوسية لأهلها لعنها الله » .
14 ـ الرضوي : « جاء رجل إلى أبي جعفر عليه السلام فقال : يا أبا جعفر ما تقول في الشطرنج التي يلعب بها الناس ؟ فقال : أخبرني علي بن الحسين عن الحسين بن علي ، عن أمير المؤمنين عليهم السلام ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : مَن كان ناطقاً فكان منطقه لغير ذكر الله عزّ وجلّ كان لاغياً ، ومَن كان صامتاً فكان صمته لغير ذكر الله كان ساهياً ، ثم سكت ، فقام الرجل وانصرف » .
15 ـ الصادقي : « ما تقول في الشطرنج ؟ قال : المقلّب لها كالمقلب لحم الخنزير » .
16 ـ الرضوي : « المطّلع في الشطرنج كالمطّلع في النار » .
17 ـ الصادقي : « نهى رسول الله صلى الله عليه وآله عن اللعب بالشطرنج والنرد » (2) .
____________
1 ـ صاحب بدعة وضلالة .
2 ـ فروع الكافي 6 | 435 ـ 437 ، باب النرد والشطرنج ، الحديث 1 ـ 17 .
أقـول :
قوله صلى الله عليه وآله في 14 ـ الرضوي : « من كان ناطقاً فكان منطقه لغير ذكر الله عز وجل كان لاغياً ـ إلى آخره ـ » لا يعطي ظاهر الجواب عن سؤال الرجل عن الشطرنج التي يلعب بها الناس ؟ ولكنه يبدو من الحديث من قيام الرجل وانصرافه بعد سكوته صلى الله عليه وآله أنه ممن يعرف جواب السؤال بالإشارة ، لأنه حر ( والحر تكفيه الإشارة ) .

(170)

18 ـ الرضوي : « إن الشطرنج وأربعة عشر وكل ما قومر عليه فهو ميسر »(1) .
19 ـ الصادقي : « إن المؤمن لمشغول عن اللعب ـ بعد السؤال ـ عن اللعب بالشطرنج » .
20 ـ الصادقي : « بيع الشطرنج حرام ، وأكل ثمنه سحت ، واتخاذها كفر ، واللعب بها شرك ، والسلام على اللاهي بها معصية وكبيرة موبقة ، والخائض فيها يده كالخائض يده في لحم خنزير ، لا صلاة له حتى يغسل يده كما يغسلها من مسّ لحم الخنزير ، والناظر إليها كالناظر في إلى فرج أمه ، والسلام على اللاهي بها في حالته تلك في الإثم سواء ، ومن جلس على اللعب بها فقد تبوأ مقعده من النار ، وكان عيشه ذلك حسرة (2) . .
هذه نبذة من روايات منع اللعب بالشطرنج وسائر آلات القمار المنهية في الإسلام . والآن : فلنعد إلى ما كنا بصدده من سرد أحاديث السلام المنهي عنه ، تقدم ثامنها و :
9 ـ محمد بن إدريس في ( آخر السرائر ) نقلاً من كتاب جامع البزنطي ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله عليه السلام ، قال : « بيع الشطرنج حرام ، وأكل ثمنه سحت ، واتخاذها كفر ، واللعب بها شرك والسلام على اللاّهي بها معصية . . . » (3) .
10 ـ الجعفريات بالإسناد قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : « إن يهود خيبر يريدون أن يلقوكم ، فلا تبدأوهم بالسلام ، فقالوا : يا رسول الله فإن سلموا علينا فما نردُّ عليهم ؟ قال صلى الله عليه وآله : تقولون : وعليكم » (4) .
____________
1 ـ الوسائل 12 | 120 ـ 121 ، تفسير العياشي 1 | 339 .
2 ـ الوسائل 12 | 241 ، وهو من صحيح البزنطي في آخر السرائر .
وإنما ذكرنا شطراً من أحاديث الشطرنج لأدنى ربط بالسلام المنهي عنه وللتحذير منها .
3 ـ الوسائل 12 | 241 ، باب 103 تحريم الحضور عند اللاعب بالشطرنج والسلام عليه . . . الحديث 4 من أبواب ما يكتسب به .
4 ـ مستدرك الوسائل 8 | 374 ، الجعفريات 82 .

(171)

11 ـ النبوي : « نهى عن النزول على أهل الكنائس في كنائسهم وقال : إن اللعنة تنزل عليهم ، ونهى أن يبدأوا بالسلام وإن بدرهم به قيل له : عليكم » (1) .
12 ـ فقه الرضا عليه السلام « ولا تجالس شارب الخمر ولا تسلم عليه إذا جزت به . . . » .
أقول : الوجه في المنع عن السلام على هؤلاء الأصناف ليس إلا التحذير عما هم فيه من التمرّد على الله عزّ وجلّ ، وعن التعاون على الإثم ، والعدوان ، وتقوية الباطل بكل ألوانه ، ورفضه على قدر الطاقة من كل إنسان .
وللسيد المرحوم الطباطبائي بيان حول النهي الوارد عن التسليم المذكور ، يذكره بعد ذكر رواية الفقيه ، وما عقبها من قوله ، وإليك الرواية وما قاله السيد طاب ثراه :
وفي الفقيه بإسناده عن مسعدة بن صدقة ، عن جعفر بن محمد ، عن أبيه عليه السلام ، قال : « لا تسلموا على اليهود ، ولا على النصارى ، ولا على المجوس ، ولا على عبدة الأوثان ، ولا على موائد شرب الخمر ، ولا على صاحب الشطرنج والنرد ، ولا على المخنث ، ولا على الشاعر الذي يقذف المحصنات ، ولا على المصلي ، ـ لأن المصلي لا يستطيع أن يردّ السلام ، لأنّ التسليم من المسلم تطوّع والردّ فريضة ـ ، ولا على آكل الربا ، ولا على رجل جالس على غائط ، ولا على الذي في الحمّام ، ولا على الفاسق المعلن بفسقه » (2) .
وأما النهي الوارد عن التسليم على بعض الأفراد فإنما هو متفرع على النهي عن توليهم ، والركون إليهم كما قال تعالى : ( لا تتّخذوا اليهود والنصارى أولياء ) [ المائدة : 51 ] وقال : ( لا تتخذوا عدوى وعدوّكم
____________
1 ـ مستدرك الوسائل 8 | 375 . جامع الأحاديث 15 | 586 ـ 587 .
2 ـ حديث الفقيه موجود في الخصال 2 | 484 ، ( لا يسلم على اثني عشر . ولا يحضرني كتاب من لا يحضره الفقيه ) . والثلاثة الأولى أهل الكتاب المتقدم الذكر .

(172)

أولياء ) [ الممتحنة : 1 ] وقال : ( ولا تركنوا إلى الذين ظلموا ) [ هود : 113 ] إلى غير ذلك من الآيات .
نعم ربما اقتضت مصلحة التقرب من الظالمين لتبليغ الدين ، أو إسماعهم كلمة الحق التسليم عليهم ، ليحصل به تمام الأنس ، وتمتزج النفوس كما أمر النبي ، صلى الله عليه وآله وسلم ، بذلك في قوله : ( فاصفح عنهم وقل سلام ) [ الزخرف : 89 ] وكما في قوله يصف المؤمنين : ( وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاماً ) [ الفرقان : 63 ] (1) .

***

وقائمة الأصناف المنهي عليهم السلام كما يلي :
1 ـ آكل الربا .
2 ـ اليهود .
3 ـ النصارى .
4 ـ المجوس .
5 ـ عبدة الأوثان .
6 ـ المخنث .
7 ـ موائد فيها خمر جالسها وشاربها .
8 ـ الشاعر القاذف المحصنات بشعره بل مطلقاً الشعراء القاذفين .
9 ـ المصلي .
10 ـ لاعبي الشطرنج والنرد والميسر .
11 ـ رجل جالس على غائظ .
12 ـ الذي في بيت الحمّام .
13 ـ الفاسق المعلن بفسقه .
14 ـ النازل في الكنائس .
15 ـ السكران .
16 ـ عامل التماثيل .
____________
1 ـ تفسير الميزان 5 | 34 ـ 35 .
(173)

17 ـ اللاعب بالأربعة عشر وآلات القمار .
18 ـ أصحاب البربط والطنبور .
19 ـ المتفكهين بسبّ الأّمهات .
20 ـ الماشي مع الجنازة .
21 ـ الماشي إلى صلاة الجمعة .
22 ـ العلج .
23 ـ النساء وفيه تفصيل (1) .
24 ـ الدهقان العظيم .
25 ـ قاذف المحصنات .
وللضرورة في كلّ المجالات عذر موجّه ، فإذا اقتضت المصلحة أن يتقدم بالسلام للهداية ، أو تبليغ الأحكام ، سلّم تسليماً لأمر الله تعالى ، ورجاء أن يهتدي الضالّ ، أو يتبصّر الجاهل ، وعسى الله عزّ وجلّ أن يجعل السلام ـ وهو اسم من أسمائه الحسنى ـ سلامه للقلوب ، وطهارة من الذنوب ، إذ هو ( تحيّة من عند الله مباركة طيبة ) (2) ، والأمور جميعها بيده تعالى .
____________
1 ـ الدعائم 2 | 215 وفيه « ونهى صلى الله عليه وآله أن يسلّم الرجال عليهنّ » جامع أحاديث الشيعة 15 | 605 .

أقول : فيه تفصيل يتجلّى من حديث أصول الكافي 2 | 648 ـ باب التسليم على النساء ـ إذا كانت المرأة شابّة كره السلام عليها ، وأمّا غيرها فكالرجال ، ما لم يوجب فيها موجب من الأحكام الخمسة . بصورة معيّنة .
2 ـ النور : 61 .

(174)



(175)

الفـصل العـاشر

سـلام الـوداع



(176)



(177)

سـلام الوداع

إنما شرّع السلام لكلّ من متلاقيين لأجل أن تطيب الضمائر ، وتسكن الخواطر ، ولتجديد العهد ، وإبقاء السلام والأمن ، والخير للعباد والبلاد .
وهذه المعاني كما هي محبوبة في بداية اللقاء كذلك بصالح الجانبين في نهايته ، وليس السلام في الأولى بأولى من الثانية ؛ لأن المواجهة بطلاقة الوجه وعن سلامة الطوية ومرضيّة على كلّ حال ، يفترقان على ذلك كما يلتقيان ؛ وجمال السبب في البدء والعود واحد ، وليس الأول أجمل من الآخر، وبه جاء النصّ الصحيح مصرّحاً : وأنّ التحية عند الانصراف ليست بأولى من الآخرى .
1 ـ الحسن الطبرسي ـ في مكارم الأخلاق ـ عن رسول الله صلى الله عليه وآله قال : « إذا قام أحدكم من مجلسه منصرفاً فليسلّم ، فليست الأولى (1) بأولى من الأخرى » (2) .
2 ـ سبط الطبرسي ـ في مشكاة الأنوار ـ عنه صلى الله عليه وآله قال : « إذا انتهى أحدكم إلى المجلس فليسلّم ، فإن بدا له أن يجلس فليجلس ، فإذا قام فليسلّم ؛ فإن الأول ليس أولى من الآخر » (3) .
____________
1 ـ أي التحيّة أو التسليمة الأولى .
2 ـ مكارم الأخلاق 26 ، الوسائل 8 | 456 ، جامع أحاديث الشيعة 15 | 618 .
3 ـ مستدرك الوسائل 8 | 378 ، جامع الأحاديث 15 | 618 .

(178)

3 ـ الجعفريات : أخبرنا عبد الله ، أخبرنا محمد ، حدّثني موسى ، حدّثنا أبي عن أبيه ، عن جدّه جعفر بن محمد ، عن أبيه ؛ عن جدّه علي بن الحسين ، عن أبيه ، عن علي بن أبي طالب عليهم السلام ، قال : قال رسول الله ، صلى الله عليه وآله : « إذا قام أحدكم من مجلسه فليودّعهم بالسلام » (1) .
4 ـ القطب الراوندي ـ في لبّ اللباب ـ . . . قال : « ثم قام رجل وخرج ولم يسلّم ، فقال ( صلى الله عليه وآله ) : ما أسرع ما نسيتم ! إذا جئتم فسلّموا ، وإذا قمتم فسلموا » (2) .
5 ـ هرون عن مسعدة بن صدقة ، عن جعفر ، عن أبيه ، عن النبيّ صلى الله عليه وعلى أهل بيته قال : « إذا قام الرجل من مجلسه فليودّع إخوانه بالسلام » (3) .
أقـول : إنما ذكرالمجلس في جميع هذه الأحاديث لكي يصلح للوداع ، ولتوقف الصدق العرفي على المكث الصالح للأفتراق ، وعليه فالالتقاء بين اثنين فصاعداً مع المكث ـ وإن قلّ زمانه ـ يجدر معه سلام الوداع ، وإلاّ فلا سلام إلاّ سلام اللقاء والمواجهة التي لها كرامتها . وربّما يقال بكفاية المواجهة إطلاقاً ، فيسلّم سلامين : سلام اللقاء ، والآخر الوداع فتدبّره .

ثم إنّه قد جاء سلام الوداع في مواطن :
منها : في زيارة مراقد الأئمّة الأطهار وأولادهم ، ومرقد النبيّ ، بل جميع الأنبياء ، والأوصياء عليهم السلام ، عندما يريد الزائر الانصراف .
ومنها : سلام وداع شهر الله شهر رمضان المبارك ، وقد جاء عن أهل البيت عليهم السلام دعاؤه ، وسلام وداعه (4) .
ومنها : غير ذلك من أيّ إنسان أو أمر محبوب أراد صاحبه الافتراق
____________
1 ـ الجعفريات 229 ، مستدرك الوسائل 8 | 378 ، جامع الأحاديث 15 | 618 .
2 ـ مستدرك الوسائل 8 | 378 ، جامع الأحاديث 15 | 619 .
3 ـ قرب الإسناد 22 ، الوسائل 8 | 456 ، جامع الأحاديث 15 | 618 .
4 ـ الصحيفة السجادية 242 ـ 245 ، الدعاء 45 ، الآتي ذكره قريباً .

(179)

عنه ، يجدر أن يسلّم عليه سلام المودّع له ، إن صدق شوقه وحبّه ، وهذه سنّة الحبّ والهوى ، ولن تجد لسنّتها تبديلاً ، ( فمن بدّله بعد ما سمعه فإنّما إثمه على الذين يبدّلونه ) (1) .
نعود إلى زائر ضرائح الأبدان المقدسة فنقول : إنّ الزائر يكتسب من المزور بسلامه عليه دخولاً وخروجاً ، فضلاً من فضائله ، وكلّ ما كان المزور أفضل حظي بالأسمى منها ، واستجيب دعاؤه تحت قبّته ، وشملته الرحمة ، خاصّة قبر الحسين عليه السلام ، للروايات المأثورة فيه (2) ولسنا الأن بصددها ، بل المهم ذكر أحاديث سلام الوداع .
قال ابن قولويه : حدّثني الحسين بن محمد بن عامر ، عن المعلّى بن محمد البصري ، عن علي بن أسباط ، عن الحسن بن الجهم ، قال : قلت لأبي الرضا عليه السلام : أيّهما أفضل : رجل يأتي مكّة ولا يأتي المدينة ، أو رجل يأتي النبي ولا يأتي مكّة ؟ قال : فقال لي : أيّ شيءٍ تقولون أنتم ؟ قلت : نحن نقول في الحسين عليه السلام (3) ، فكيف في النبي صلّى الله عليه وآله ؟ قال : أما لئن قلت ذلك [ فـ ] لقد شهد أبو عبد الله عليه السلام عيداً بالمدينة ، فانصرف فدخل على النبي صلى الله عليه وآله فسلّم عليه ، ثم قال لمن حضره : أما لقد فضلنا أهل البلدان كلّهم مكّة فمن دونها ، لسلامنا على رسول الله صلى الله عليه وآله (4) ».
____________
1 ـ البقرة : 181 .
2 ـ في كامل الزيارات 142 ، الباب 56 الباقري : « لو يعلم الناس ما في زيارة قبر الحسين عليه السلام من الفضل لماتوا شوقاً ، وتقطعت أنفسهم عليه حسرات . . . » ، وفي 274 ، الباب 90 رواية ابي هاشم الجعفري في إرسال أبي الحسن الهادي من يدعو له في الحائر قال فيها عليه السلام : « . . وأنّ لله تعالى بقاعاً يحبّ أن يدعى فيها فيستجيب لمن دعاه والحائر منها » . وراجع المصدر فإنّ فيه أبواباً عقدها للحسين عليه السلام وغيره ، ما يبهر العقول خاصة الباب 59 ص 147 ـ 149 ، وفيه روايات ، منها الصادقي : « يا بشير من زار قبر الحسين عليه السلام عارفاً بحقه ، كان كمن زاد الله في عرشه » فانظر المصدر فإنّ فيه من هذا النوع أكثر من حديث .
3 ـ يريد أن زيارة الحسين عليه السلام يوم عرفة أفضل من وقوف عرفات من الحج المندوب لا الواجب .
4 ـ كامل الزيارات 331 ، الباب 108 ، الوسائل 10 | 273 .