الفصل الثالث

بيعة السقيفة



( 96 )

1ـ الدوافع لاجتماع السقيفة (1)

تصور الانصار انهم الذين آووا ونصروا يوم عز الناصر ، وأسلموا يوم قحط المسلمين ، فبذلوا للاسلام نفوسهم واموالهم ، فكانوا بحق « انصارا » كما سماهم النبي صلى الله عليه وآله ، و« وحضنة الاسلام واعضاد الملة » كما دعتهم الزهراء عليها السلام في خطبتها الشهيرة عند مطالبتها بالنحلة .
اذن ، لابد أن يروا لانفسهم حقا في الاسلام لايغمط وسابقة ليست لغيرهم لا تنكر ، ولهم في تشييده يد مشهورة وذكر جميل . . وهذا ما يطمعهم في امارة المسلمين كجزاء
____________
(1) السقيفة : الصفة ، والظلة ، وهي شبه البهو الواسع الطويل السقف . وكان لبني ساعدة بن كعب بن الخزرج ـ وهم حي من الانصار ومنهم سعد بن عبادة نقيبهم ورئيس خزرج ـ ظلة يجلسون تحتها هي دار ندوتهم لفصل القضايا اشتهرت « بسقيفة بني ساعدة » . اجتمع فيها الانصار أوسهم وخزرجهم ليبايعوا سعد بن عبادة خليفة بعد وفاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم .
( 97 )

لتضحيتهم في سبيل الاسلام وكنتيجة لنجاحهم وتفوقهم على العرب في النصرة والايواء .
ومن جهة ثانية : انهم كانوا قد وتروا قريشا والعرب ؛ وأية ترة هي ؟ آووا ونصروا من سفه أحلامهم ، وهم يحرقون الارم عليه ليقتلوه ، فتمنع عن جبروتهم باولئك المستضعفين في نظر « أهل النواضح » واكثر من ذلك انهم قتلوا صناديدهم واسروا رجالهم وجعجعوا بهم حتى دانت بأسيافهم العرب . فكانت الانصار ـ والحال هذه ـ تتخوف هؤلاء الذين وتروهم إذا خلصت إليهم الامارة ان يأخذوهم بترتهم ، وهم عندئذ المغلوبون على أمرهم سوقة لا يملكون لانفسهم قوة ولا دفاعا ، وكفاهم ما سمعوه من النبي « ص » مخاطا لهم : « ستلقون بعدي أثرة فاصبروا حتى تلقوني على الحوض » . والمناظرة التي وقعت يوم السقيفة كانت تشير إلى تخوفهم هذا ، بل صرح الحباب بن المنذر إذ يقول : « ولكنا نخاف ان يليها بعدكم من قتلنا ابناءهم وآباءهم واخوانهم » . وقد صدقت فراسته فتولى الامر بنو أمية وكان ما كان منهم في وقفة ( الحرة ) المخزية التي يندى منها جبين الشرف والانسانية ، ويبرأ منها الاسلام وأهله .
وشيء ثالث هناك : إذا كان صاحب الامر هو علي بن أبي طالب ، فلم يخف عليهم حسد العرب له وتمالؤها عليه ،


( 98 )

وهي موتورة له اكثر من أي شخص آخر من المسلمين بعد النبي ، فلا تمكنه العرب ـ وقريش خاصة ـ من امورهم . وليس بعيدا عهد تأخر جيش اسامة والحيلولة دون كتاب النبي . ولا بد انهم علموا بمؤامرات هناك وتفكيرات احسوها عيانا في جماعة من الناس . فالانصار ـ والحال هذه ـ قد لا يرون كبير إثم في تطاولهم لمنصب الخلافة ، مادامت خارجة عن معدنها ، ولا يأمنون أن يتولاها من لا يحمدون مغبة أمره ، ولا يجدون غيرهم ممن يتطاولون لها اولى بها في نصرة وخدمة وتضحية ، ولعلهم لاجل هذا لما يئسوا من الامر بعد محاولتهم الفاشلة ورأوه قد خرج من أيديهم ايضا قال كلهم أو بعضهم : « لانبايع إلا عليا » (1) ولكن بعد خراب البصرة .
هذه أسباب قد تقنع النفوس الاعتيادية على تنفيذ رغباتها ، وتحملها على الاعتقاد بصحة ما يوحي إليها أهواؤها بقصد أو بغير قصد من جراء تأثير العاطفة ، فتعمى العين عن أوضح ما يقوم في طريقها من نور للحق ودليل على فساد ايحاء النفس بنزعاتها ، وهذا ما يؤيده علم النفس .
وإذا نحن تفهمنا هذه الحقائق وتدبرناها جيدا استطعنا ان نعرف السر في استباق الانصار ـ بهذه العجالة ـ إلى عقد
____________
(1) الطبري ( 3 : 198 ) وابن الاثير ( 2 : 157 ) وغيرهما .
( 99 )

اجتماعهم سرا في سقيفتهم ، واستطعنا ان نعرف لماذا كان سريا بلا مشورة للمهاجرين ولا باقي للمسلمين .
أجل ! ما هو إلا لانهم طلبوا الغرة من أصحاب الرسول واهل بيته ، فانتهزوا فرصة انشغالهم بفادحهم العظيم وبجهازهم نبيهم ، ليحكموا البيعة لاحد نقبائهم وسيد الخزرج ، أو لاي شخص آخر منهم قبل ان يفرغ أهلها أو طالبوها . وحينئذ ظنوا ان سيتم لهم كل شيء .

2 ـ نفسية الانصار

حاولنا في البحث السابق ان نتشبث بما يرفع الانصار عن سوء النية والقصد ، ولكنا نؤمن بأن ما قلنا عنهم لا يخرج عن عده من الوساوس التي لا تبرر عمل المرء من الناحية الدينية . على انا نرجو ان يكونوا معذورين فيما عملوا لئلا نخسر عددا وفيرا من الصحابة .
اما نفس عملهم ـ سواء كانوا بسوء نية أم لا ـ فلا يسعنا ان نحكم بصحته ، فانا مهما فرضنا الحقيقة من جهة النص على الامام فان استبدادهم هذا وتسرعهم في عقد اجتماعهم لنصب خليفة منهم لا يخرج عن عدة خيانة للاسلام وتفريطا في حقوق المسلمين بلا مبرر ، وفي وقت قد دهمت الاسلام فيه هذه الفاجعة


( 100 )

الدهيماء ، والمسلمون كالمذهولين بمصابهم لا يعلمون ماذا سيلاقون من العرب واعداء الاسلام .
ولا نريد الآن نجلس في دست القضاء لنحكم لهم أو عليهم ، ولعل هناك من يرى صحة عملهم فلا نضايقه ، وإنما مهمتنا ان ندرس الاسباب التي دعتهم إلى عملهم هذا ، وأن ندرس نفسياتهم .
في البحث السابق رأينا ان خدمتهم للاسلام الممتازة هي التي خيلت لهم الحق في الخلافة أو في سلطان المسلمين . وهذا نعرفه من حجتهم على لسان المرشح منهم للخلافة ـ سعد بن عبادة ـ في خطبته ذلك اليوم ، ينضم إلى ذلك تخوفهم من ان يخلص الامر إلى من قتلوا أبناءهم وآباءهم واخوانهم ، مع اعتقادهم بخروج الامر عن أهله ، ويدل على هذا الاخير ـ كما تقدم ـ طلبهم مبايعة علي بعد اليأس .
هذه الاسباب التي استطعنا عرفانها . وكل ذلك تقدم ، وفيها قبس نسير على ضوئه لمعرفة نفسياتهم .
فانا نعرف من مجموعها انهم في محاولتهم كانوا مدافعين اكثر منهم مهاجمين ، والدفاع دائما يكون عن الشعور بالضعف والانخذال وهذا الشعور من أعظم الادواء النفسية لمن أراد الظفر في الحياة ، إذ ينشأ منه الوهن في العزيمة والضعف في


( 101 )

الارادة والاضطراب في الرأي والتدبير . وكل ذلك كان ظاهرا على الانصار في إجتماعهم بالسقيفة .
والشاهد على ذلك : انقسامهم على انفسهم وانسحابهم امام خصومهم كما سترى ، وأعظم من ذلك تنازلهم إلى الشركة في الامر من قبل أن ينازعهم منازع ، اعني قبل مجيء جماعة المهاجرين إليهم ، إذ قال قائلهم : « فانا نقول إذن ـ أي عندما ينازعوننا ـ منا أمير ومنكم أمير ، ولن نرضى بدون هذا أبدا » ، فقال لهم سعد : « هذا اول الوهن » . والحق انه اول الوهن وآخره . ثم يستمر معهم هذا التنازل حتى مجيء المهاجرين ، فكرروا هذه الكلمة بالرغم على تنبيه سعد لهم انها من الوهن .
وهذا يكشف ـ ايضا ـ عن سماحة في نفوسهم ولين في طباعهم ، ويصدق ما قلناه انهم مدافعون اكثر منهم مهاجمين ، فلم يطلبوا الامارة ليملكوا مقدرات الامة وشئونها بل ليدفعوا ضرر من يخافون ضرره ، فاكتفوا بالشركة التي يحصل بها الغرض من الدفاع .
والانصاف ان الانصار لا ينكر ما هم عليه من استكانة واستخذاء وقصر الرأي والتدبير ، وضعف في العزائم ، ولا سيما امام دهاء قريش وقوتها ، وان حاول بعضهم ـ وهو الحباب بن المنذر ـ ان يستر هذا الضعف . إذ قال في خطابه


( 102 )

ذلك اليوم : « يا معشر الانصار املكوا عليكم أمركم فان الناس في فيئكم وفي ظلكم ولن يجترئ مجترئ على خلافكم ولن يصدر الناس إلا عن رأيكم . وأنتم اهل العزة والثروة . . . » . فاطرد خطبته على هذا الاسلوب زاعما ان سيرفع من منعتهم وبأسهم ويسد خللهم ، ونهاهم عن الاختلاف وحذرهم عواقبه حتى قال : « فان أبى هؤلاء فمنكم أمير ومنهم أمير » . ولكنه ـ كما ترى ـ بينا هو محلق في السماء رفعة وتعاظما ويملي ارادته قوة إذا به يهبط إلى الحضيض ضعفا ، إذ يقول : « فان ابي هؤلاء . . » ونقول له : فان ابى هؤلاء الشركة ايضا فما أنتم صانعون ؟ لا شك ان ذلك الضعف الذي يملي عليه التنازل هو ذلك الضعف عينه موجود ايضا سيملي عليه التنازل عن جميع الامر ، كما وقع .
وهذا من تنازل الخائر المغلوب على امره وتدبيره . وكانت عليه بذلك الحجة الظاهرة ، فقال له عمر بن الخطاب : « هيهات لا يجتمع اثنان في قرن » أو ما ينسق على هذا المعنى ، على ان الحباب هذا من أقوى من وجدنا يومئذ واشجعهم قلبا وأجرأهم لسانا ، وأغلظهم على المهاجرين ، لولا سعد بن عبادة .
إلى هنا لعلنا لمسنا شيئا من نفسية الانصار وادركنا مقدار الضعف في نفوسهم ، والوهن في عزائمهم ، والاضطراب في


( 103 )

تدبيرهم . كيف وقد تجلى ذلك في الحباب لسانهم المفوه وخطيبهم المصقع ذلك اليوم ، وهو أقوى شكيمة واكثرهم إعتدادا بنفسه وقومه ، وكان يدعي بينهم « ذا الرأي » .
بقي علينا ان ندرك لماذا كل هذا الحذر من الحباب من اختلافهم إذ يقول : « ولا تختلفوا فيفسد عليكم رأيكم وينتقض عليكم أمركم » ؟ ـ لابد انه كان يحس بشرارة الخلاف تقدح ، ويتوجس خيفة من الانتقاض وهذا ما سنبحث عنه في الاتي .

3 ـ الانصار حزبان
إذ قيل الانصار أرادوا البيعة لسعد ، فانما هم الخزرج فقط دون الاوس (1) . وإذا كان الاوس اجتمعوا في السقيفة مع الخزرج فانما هو على ظاهر الحال ، ولحس مشترك بالخوف ممن قتلوا آباءهم وابناءهم أن ينالوا الامارة ، وهم يبطنون في نفس الوقت للخزرج كمين أحن تتغلغل في صدورهم ، فان بين الحيين دماء مطلولة ما زال نضخها على سيوفهم وجروحا
____________
(1) ولذا يقول المؤرخون عند ذكرهم لبيعة الاوس : « فانكسر على الخزرج ما كانوا اجمعوا عليه » .
( 104 )

بالغة لايلام صدعها ولا يرجى رأبها . وكان آخر أيام حروبهم يوم ( بعاث ) المشهور وهو قبل الهجرة بست سنين ، وهو سبب اسلامهم ـ على ما قيل ـ إذ جاء أحد القبيلين بعد يوم بعاث إلى مكة يستنجد قريشا على الفريق الثاني ، فالتقوا بالنبي ( ص ) وهداهم الله تعالى إلى الاسلام .
وكان رئيس الاوس يوم بعاث حضير الكتائب أبو اسيد بن حضير هذا الذي أفسد الامر على سعد وبايع أبا بكر ومعه الاوس . وكان رئيس الخزرج عمر بن النعمان ، أبو النعمان صاحب راية المسلمين يوم احد (1) .
ولم يلطف الاسلام كثيرا من تنافسهم وتحاسدهم ، وان اطفأ بينهم نار الحروب ، فقد كانا يتصاولان تصاول الفحلين ، لا تصنع الاوس شيئا إلا قالت الخزرج نفاسة : لا يذهبون بهذا فضلا علينا . فلا ينتهون حتى يوقعوا مثله . وكذلك إذا فعلت الخزرج شيئا قالت الاوس مقالتهم وصنعت صنعهم (2) .
ومن منافساتهم التي بلغت حد الافراط يوم استعذر رسول الله من عبدالله بن ابي سلول المنافق الشهير وهو من الخزرج فقال : « يا معشر المسلمين من يعذرني من رجل قد
____________
(1) راجع العقد الفريد ( 2 : 250 ) .
(2) الطبري ( 3 : 7 ) وابن الاثير ( 2 : 66 ) .

( 105 )

بلغني عنه اذاه في أهلي . » إلى آخر ما قال ، فقام سعد بن معاذ رئيس الاوس فقال : « يارسول الله انا والله اعذرك منه ان كان من الاوس ضربنا عنقه وإن كان من إخواننا من الخزرج أمرتنا ففعلنا فيه أمرك » فترى سعدا كيف تجاهل الشخص المعنى وتحفظ عند ذكر الخزرج مما يدل على شديد تنافسهم فقام سعد بن عبادة سيد الخزرج فقال لابن معاذ : « كذبت لعمر الله لا تقتله ولا تقدر على قتله ولو كان من رهطك لما أحببت ان يقتل » فقام اسيد بن حضير ابن عم سعد بن معاذ فقال لابن عبادة : « كذبت لعمر الله لنقتلنه فانك منافق تجادل عن المنافقين » . فثار الحيان الاوس والخزرج حتى هموا ان يقتتلوا ورسول الله قائم على المنبر فنزل فخفضهم حتى سكتوا وسكت (1) .
هكذا هم الاوس والخزرج حزبان متنافسان متحاسدان وانما سعد بن عبادة بادئ بدء ـ يوم السقيفة ـ أراد ان يستميل الاوس باسم الانصار ، وهم حزب واحد امام حزب المهاجرين وقريش ، فقال ـ معرضا بخصومهم في خطبته على الانصار ـ : « يا معشر الانصار ان لكم سابقة في الدين وفضيلة ليست لقبيلة من العرب » . ويقصد المهاجرين . وهكذا مضى في خطبته يضرب على هذا الوتر إلى أن اجابوه جميعا : « أن
____________
(1) راجع البخاري ( 2 : 6 و3 : 24 ) .
( 106 )

وفقت في الرأي وأصبت في القول ولن نعدو ما أمرت ، نوليك هذا الامر ، فأنت لنا مقنع ولصالح المؤمنين رضى » .
ثم انهم ترادوا الكلام فيما إذا أبت المهاجرين من قريش بيعتهم ، فقالت طائفة : « اذن نقول منا امير ومنكم امير » . فقال سعد : « هذا أول الوهن » وقد سبقت الاشارة إليه . وفي الحقيقة انه اول الوهن وتنازل منهم عرفنا فيما سبق دلالته على مبلغ ضعف ارادتهم امام ارادة قريش حتى قبل مواجهتهم ، بل يدل ايضا على تخلخل صفوفهم ووجود خلاف كامن كمون النار في الرماد ، فلم يتأثروا بدعوة سعد ، وأبطأوا عليه حتى داهمهم المهاجرون ، وهم إنما اسرعوا إلى عقد هذا الاجتماع ليسبقوا الحوادث ، وإلا فقد كانت الفرصة الكافية لبيعته من قبل ان يعلم جماعة المهاجرون باجتماعهم فتكبسه عليهم . لولا انهم اضاعوها باختلافهم وتباطؤهم حتى مضى الوقت . ومثل هذه الامور ـ بعرف الساسة ـ لا تقبل الاناة والابطاء .
والحق ان الاوس كانوا غير مرتاحين لبيعة سعد ، وهم يتنافسون مع الخزرج في أتفه الاشياء وادناها ، وكأنهم كانوا لا يريدون ان يبدأوها بالخلاف خشية أن يقال : « اوس وخزرج » ، وفي هذه الكلمة ما فيها من معان لا تتفق وروحية الاسلام ، فيبتعدون عنها ما استطاعوا على ان المجاملة محفوظة


( 107 )

بين الطرفين . ولذلك لما رأوا المجال للوثبة واسعا نقضوا أمر سعد وما اجتمعت عليه الخزرج ، وهذا عندما رأوا ان الخلاف جاء من الخزرج انفسهم بمقالة بشير بن سعد الخزرجي ، وستأتي ، وباسراعه إلى بيعة ابي بكر ، وقد كان اول المبايعين . وايضا رأوا ان الدعوة ضد سعد إنما جاءت من قبل غيرهم وهم المهاجرون .
فظهرت منهم حسيكة الخلاف والتنافس ، وقال بعضهم لبعض وفيهم اسيد بن حضير زعيمهم : « لئن وليتموها سعدا عليكم مرة واحدة لا زالت لهم بذلك الفضيلة ولا جعلوا لكم فيها نصيبا أبدا فقوموا فبايعوا ابا كبر » فقام اسيد فبايع ومعه الاوس ، وليسأل السائل هل جعل لهم نصيب فيها بمبايعتهم لابي بكر ؟ ولكنه التنافس هو الذي أملى عليهم هذا القول ومنافسة القرابة ابعد أثرا واعظم مفعولا .
هذا ولا ينكر ما لابي بكر من كبير أثر في استمالة الاوس إلى جانب المهاجرين ، فقد وقف موقفا مؤثرا وكان يعرف من اين تؤكل الكتف فلم يفته ما كان يعلمه من التنافس بين الحيين ، حتى استغله لانقاذ الموقف وبرع في هذا الاستغلال ، فقد قال في ذلك اليوم : « ان هذا الامر ان تطاولت إليه الخزرج لم تقصر عنه الاوس وان تطاولت إليه الاوس لم تقصر عنه الخزرج ، وقد كانت بين الحيين قتلى لا تنسى وجراح لا


( 108 )

تداوى ، فان نعق منكم ناعق جلس بين لحيي اسد يضغمه المهاجري ويجرحه الانصاري » (1) .
فانظر إلى كلمة ( لم تقصر ) وما لها من بليغ اثر في القلوب المتحاسدة وما بها من تحريض لاحد المتناظرين على نظيره المتطاول .
نعم ! انها لتجعل لكل من الحيين الكفاية تجاه الحي الآخر ، فان تطاول احدهما ـ وهم الخزرج الآن ـ فحقيق بالآخر ان يتطاول لها ككفتي ميزان ، من غير فضيلة يختص بها المتطاول . فلا تسل كيف أشرأبت اعناق الاوس لهذا الامر ؟
وبعدها انظر كيف ذكر الترات السابقة ونبش الدفائن . وهذا ما يثير بالحفائظ ويوقظ الضغائن . وهنا راح يستدل على خطأ تولي أحد الحيين لهذا الامر ، لانه يقع بين خصمين الدين : فرماهم بالمسكنة كما يقول ابن دأب عيسى بن زيد .
استطعنا في هذا البحث أن نلمس التنافس بين الاوس والخزرج لنعرف مدى تأثيره على مجرى حادث السقيفة ، كما عرفنا ان اهل الدعوة ـ عند التحقيق ـ انما هم الخزرج فقط ، ولم تشاركهم الاوس مشاركة جدية .
____________
(1) البيان والتبيين ( 3 : 181 ) .
( 109 )

فلنترك الانصار الآن مجتمعين في السقيفة يتبارون الخطب ويتحمسون لجهادهم وتضحيتهم ، وسعد بن عبادة قد ترأس حفلهم يخطبهم ويقول في آخر خطبته : « استبدوا بالامر دون الناس فانه لكم دون الناس » . ولنذهب ميممين المهاجرين وباقي المسلمين حول دار النبي في المسجد ، لنراهم ماذا هم صانعون !

4 ـ هل مات النبي محمد . . . ؟

نعم ! كان رسول الله صلى الله عليه واله وسلم قد خرج في آخر فجر من حياته إلى الصلاة ، فصلى بالمسلمين الغداة . وكان هذا آخر عهدهم برؤية تلك الطلعة المحبوبة وذلك النور الالهي .
ولم تزل شمس السماء إلا وقد آذنت شمس الارض بالمغيب من افقها إلى افق الحق الدائم ، وها هو ذا النبي مسجى بين اهله ينتدبون فيه حظهم ، والباب مغلق دون الناس .
انه يوم . . . ! وأي يوم هو على اهل المدينة والمسلمين ! .
فقدوا . . . ؟ وأية نعمة فقدوا . . ؟
فقدوا الرحمة والانسانية . فقدوا الاخلاق الالهية . فقدوا


( 110 )

حياتهم وعزهم ومجدهم . فقدوا طريق الحق اللاحب وصراط الله المستقيم ونوره المشرق بآياته الباهرة . . !
فقدوا نبيهم العظيم وأباهم الكريم . . !
فاعظم بيومه يوما ! واعظم به فقيدا !
انه يوم كان للمسلمين مضرب المثل فإذا بالغوا في يوم مصيبة قالوا : « انه كيوم مات فيه رسول الله » .
وما تنتظر من المسلمين ساعة يسمعون الواعية والباب مغلق على من فيه ، إلا ان يهرعوا فيجتمعوا في مسجدهم والطرقات ، نكسا ابصارهم مطأطئي رؤسهم . ولم تبق عين لم تدمع ، ولا قلب لم يجزع ، ولا نفس لم يتقطع .
وما ينتظرون هم . . ؟
ـ لاشك ليس هناك ما يدعوهم إلى تكذيب النعاة . وإذ علموا آنئذ أن مجرى حياتهم قد تبدل راحوا ـ ولا شك ـ يتطلعون إلى ما يظهر لهم على مسرح العالم الاسلامي من حوادث ومفاجآت ، فتطيش لذلك عقولهم ، ويقوى حسهم بمستقبل هذا الدين الجديد الذي أخذ بأطراف الجزيرة ، والمنافقون يتحينون به الفرص ، فتنهد عزائمهم ، ويستشرفون ـ على الاكثر ـ على خليفة النبي الذي سيقود الامة لينقذ الموقف ، فيضربون اخماسا في اسداس .
كل هذه الافكار وأكثر منها ـ بغير شك ـ كانت تمر على


( 111 )

رؤوس ذلك الجمع الحاشد الطائش اللب الحائر الفكر ، الذي يحوم حول دار النبوة والوحي ، يرقب منها ـ على عادته ـ ان تبعث له بما يطمن خاطره ويهدئ روعه ويعرفه مستقبل أمره ، حتى اصبح الناس كالغنم المطيرة في الليلة الشاتية ( كما في الحديث ) .
ولكن . . ولكن عمر بن الخطاب صاحب رسول الله ذلك الرجل الحديدي أبى على الناس تصديقهم بموت نبيهم ؛ إذ طلع صارخا مهددا « وقد قطع عليهم تفكيرهم وهواجسهم » وراح يهتف بهم : « ما مات رسول الله ولا يموت حتى يظهر دينه على الدين كله . وليرجعن فليقطعن أيدي رجال وأرجلهم ممن ارجف بموته . لا اسمع رجلا يقول مات رسول الله إلا ضربته بسيفي » .
اتراك « لو خلوت بنفسك وأنت هادئ الافكار » تقتنع بوحي هذه الفكرة من هذا الذي لا يقعقع له بالشنان ، وأنت لا تدري لماذا رسول الله يقطع أيدي وارجل من أرجف بموته ، أو بالاصح من قال بموته ؟ ولاي ذنب يستحق الضرب بالسيف هذا القائل ؟ ومن أين علم ان رسول الله لا يموت حتى يظهر دينه على الدين كله ؟ وما هوهذا الرجوع ؟ أرجوع بعد الموت أو بعد غيبة « كغيبة موسى بن عمران كما يدعيها عمر بن الخطاب في بعض الحديث » ولكنها أية غيبة هذه وهو مسجى بين اهله لا حراك فيه ؟
إلا اني اعتقد انك لو كنت ممن ضمه هذا الاجتماع


( 112 )

لذهبت بتياره ولتأثرت بهذا القول إلى أبعد حد كسائر من معك ما دام الاجتماع بتلك الحال التي وصفناها ، والخطيب هو عمر بن الخطاب ، وقد جاء بتلك الدعوة الثائرة ، في صرامة ارادة ورأي بلغا أقصى درجات الصرامة ، وقد استعمل المغريات الخلابة للجماعات : فمن أمل بحياة الرسول وباظهار دينه على الدين كله ـ إلى توعيد بقطع رسول الله أيدي وأرجل المرجفين بموته ، وتهديد منه ( اعني عمر ) بقتل من يقول مات رسول الله .
انهما الخوف والامل إذا اجتمعا مع هذا الرأي القاطع والارادة الصارمة لهما التأثير العظيم الذي لا يوصف على افكار الجماعة الاجتماعية وأي تخدير بهما لاعصاب المجتمعين . ومن وراء ذلك أن شأن المحبين يتعللون في موت حبيبهم إذا نعي بالاوهام ولا يرضون لانفسهم التصديق بموته لا سيما مثل فقيدهم هذا العظيم الذي يجوز عليه ما لا يجوز على البشر .
ولا شك ان مميزات الجماعة المقصودة لعلماء الاجتماع كانت متوفرة في الاجتماع الفجائي المضطرب الافكار المتأثر بهذا الحدث العظيم المتحفز للحوادث المجهولة والمفاجات المنتظرة . ومن البديهي ان الاجتماع الذي يتألف على هذا النحو تتكون منه روح واحدة مشتركة حساسة تتغلب على نفسيات أفراده الشخصية ، وتكون هذه الروح خاضعة


( 113 )

لمؤثرات لا حكم لها غالبا على روحية الفرد لو كان خارج الاجتماع . وأهم خواص هذه الروح انها تكون عرضة للتقلبات والانقلابات الفجائية ويبطل فيها حكم العقل وسلطانه ويقوى سلطان المحاكاة والتقليد الاعمى . ولذلك لا تفكر الجماعات إلا بأحط فكرة فيها ، وتقبل ايضا كل فكرة تعرض عليها إذا اقترنت بالمؤثرات الخلابة وان خرجت عن حدود المعقول . ومن أقوى المؤثرات شخصية الخطيب وصرامة رأية .
فلا نستغرب قناعة المسلمين يومئذ برأي عمر بقدر ما نستغرب منه نفسه هذا الرأي وإن لم ينقل لنا صريحا قبولهم له ، كما لم ينقل في الوقت نفسه اعتراض أحد عليه سوى ابي بكر وقد جاء متأخرا . وإذا أبيت فعلى الاقل شككهم في موت النبي وألهاهم عن التفكير فيما يجب أن يكون بعده وفيما سيحدث من حوادث منتظرة ، لانهم ـ لاشك ـ التفوا حوله عجبين مستغربين وهو مستمر يبرق ويرعد مهددا حتى ( ازبد شدقاه ) .
ولكلمة ( الارجاف ) هنا التأثير البليغ في اقلاع أفكار الجماعات عن الدعوى التي يدعونها لانها من الالفاظ الخلابة التي تتضمن التهجين الشنيع للدعوى والاشمئزاز منها إلى أبعد حد ، إذ تشعر هنا ان مدعيها من المنافقين الذي لهم غرض مع النبي والاسلام ، فقال : « . . . ممن ارجف بموته »


( 114 )

ولم يقل ممن ادعى أو قال . وهذا كاف للتأثير على الجماعات وتكوين الشعور بكراهية دعواها .
ويشهد لتأثير كلامه على سامعيه التجاء ابي بكر لما جاء من السنح (1) أن يكشف عن وجه النبي ليتحقق موته ، ثم يخرج إلى الناس مفندا مزاعم عمر ، وعمر مستمر يحلف انه لم يمت . وطلب إليه ان يجلس ـ فلم يجلس ـ ثلاث مرات ، فقال له : « أيها الحالف على رسلك » . . ثم قام خطيبا في ناحية اخرى وقد اجتمع حوله الناس فتشهد وقال ـ وعمر مستمر وقد تركه الناس ـ :
« من كان يعبد محمدا فان محمدا قد مات ، ومن كان يعبد الله فان الله حي لا يموت . . . » . ثم تلا هذه الآية الكريمة : « أفان مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم . . . » . و( شاهد ثان ) : أن الناس لما سمعوا كلام أبي بكر اصبحوا كأنما اخرجوا من مأزق أو اطلقوا من عقال ، فانهم تلقوا الآية وكلهم وراحوا يلهجون بها « فما تسمع بشرا من الناس إلا يتلوها » . أما عمر فقد صعق إلى الارض وصدق
____________
(1) وهو يبعد عن المسجد بميل واحد « وفي الرواية عن عائشة » وكذا في معجم البلدان ولعله اعتمد على هذه الرواية . ولكن السنح هو عالية من عوالي المدينة وأدنى العوالي ـ بتقدير نفس المعجم ـ يبعد أربعة أميال أو ثلاثة .
( 115 )

حينئذ بموت النبي بعد ان تحقق ان الآية من القرآن ، كما يقول .

* * *

لله ابوك يابن الخطاب ! ما أدهشني بك ، وأنت أنت ، إذ تقف ذلك الموقف الرهيب حالفا مهددا ، لتنكر أمرا واضحا ، ألم يعلمك الاسلام حقيقة محمد فتنكر انه يموت ؟ ثم تسمي مدعي موته ( مرجفا ) ؟
ـ لا ؟
ـ لا ؟ ولكنك تحاول ان تقنع الناس انه غاب موسى بن عمران ، فيرجع ليقطع الايدي والارجل . إلا انه ـ بالله عليك ـ أية غيبة هذه ؟
وأنت أعجب وأعجب حين تسرع مصدقا وتنقاد طائعا لقول قاله ابو بكر لا يكذبك ولا يصدقك ، بعد ذلك التوعيد والتهديد . أو لست أنت كنت تعترف انه يموت بعد ان يظهر دينه على الدين كله ؟ فأي دليل كان في الآية ناقض قولك فأقنعك حتى صعقت إلى الارض . والآية لا تدل على انه يموت يوم مات ! . . . ؟
واعجب من ذلك وقوفك بعد يوم معتذرا فتقول : « فاني قلت بالامس مقالة ما كانت إلا عن رأيي وما وجدتها في كتاب الله ولا كانت عهدا عهده الي رسول الله . ولكن كنت


( 116 )

ارجو ان يعيش رسول الله فيدبرنا ويكون آخرنا موتا » (1) . فأين هذا الرجاء الفاتر من تلك الصرخة المعلنة وذلك الحلف والتهديد وطعن القائل بموته بالارجاف ؟ واين هذا الاعتذار الهادئ من تلك الدعوى الثائرة ؟
إن لك لسرا عظيما !
يبدو لي ان عمر كان أبعد من أن يظهر بهذه السهولة لقارئي هذه الحادثة . ومن البعيد جدا وفوق البعد ان يعتقد مثله ان النبي لا يموت يوم مات ، وهو الذي قال في مرضه ـ كما سبق ـ بكل رباطة جأش : « ان النبي قد غلبه الوجع . . . حسبنا كتاب الله » . فأي معنى تراه لقوله « حسبنا » لرد الكتاب الذي أراده النبي لامته بعد موته ، لو لم يكن معتقدا انه سيموت وان كتاب الله يغني عن أي شيء آخر يريد ان يقرنه النبي به
وهل تراه قال ما قال دهشة بالمصيبة ؟ فما باله لم يعتذر بذلك بعد يوم وقد سمعت اعتذاره ! بل ما باله لم يزد دهشة
____________
(1) اقتبسنا مجموع هذه العبارة من كنز العمال ( 3 : 129 و4 : 53 ) ومن تاريخي الطبري وابن الاثير والبخاري ( 4 : 152 ) والسيرة الدخلانية ( 2 : 347 ) ولفظ ( كنت أرجو أن يعيش . . . ) في الصحيح والسيرة . والمروي في هذه الكتب وغيرها بألفاظ متقاربة جدا وتختلف بما لا يضر بالمعنى .
( 117 )

لما تحقق انه قد مات ! هيهات ان يكون قد دهش فيخفى عليه موت النبي وهو هو من نعرف .
وبعض الناس قد جهلوا عمر بهذا وابعدوا ، فقالوا : من يجهل مثل هذا الامر الواضح المعلوم بالاضطرار جدير بألا يكون إماما راعيا للامة . . .
والتجأ بعضهم الآخر ان يعتذر عنه بأن ذلك من فرط دهشته .
وفيما عندي ان الطرفين لم يعرفاه حق عرفانه ولم يصلا إلى غوره وتدبيره في هذا الحادث المدهش . فان من يعتقد ان النبي قد غاب فيحلف لا يقنعه مثل حجة ابي بكر فيرتدع . ومن خبل بالمصيبة فهو عند اليقين بها ادهش وادهش .

* * *

ويكفي المتدبر في مجموع نقاط هذه الحادثة ان يفهم هذا الذي لا يختل بالحرش ، فيعرف ان وراء الاكمة ما وراءها ، ولا يضعه حيث وضعه الناس .
ألا تعتقد معي انه كان يخشى ان يحدث القوم ما لا يريد ، وقد اشرأبت الاعناق ـ بطبيعة الحال ـ إلى من سيخلف النبي ، وهذه ساعة طائشة ، وابو بكر بالسنح غائب ، وهو خدنه وساعده ، وهما اينما كانا هما . ولعلهما


( 118 )

وحدهما وقد تفاهما في هذا الامر . . . فأراد أن يصرف القوم عما هم فيه ، ويحول تفكيرهم إلى ناحية اخرى ، ان لم يجعلهم يعتقدون غياب النبي . حتى لا يحدثوا بيعة لاحد من الناس قبل وصول صاحبه . وليس هناك من تحوم حوله الافكار إلا عليا للنص عليه كما نعتقد أو لانه اولى الناس ، ما شئت فقل « حتى كان عامة المهاجرين وجل الانصار لا يشكون ان عليا هو صاحب الامر بعد رسول الله » (1) .
وكانوا يلاحظون في علي بن أبي طالب صغر سنه (2) وحسد العرب وقريش خاصة إياه ، وتمالؤها عليه ، ولا تعصب الدماء التي اراقها الاسلام إلا به ، لانه الامثل ، في عشيرة الرسول على عادة العرب وبسيفه قتل اكثر ابطالهم . ويلاحظون « رابعا » كراهة قريش لاجتماع النبوة والخلافة في بني هاشم فيبجحون على قومهم بجحا بجحا كما يراه عمر فيما سبق في الفصل الثاني من محاورته مع ابن عباس . ويلاحظون « خامسا » انه سيحملهم إذا ولي الامر على الحق الابلج والمحجة البيضاء وان كرهوا « على حد تعبير عمر نفسه » ، والحق مر في الاذواق . ويظهر أن عمر كان بطل المعارضة في إمارة علي كما
____________
(1) شرح النهج لابن أبي الحديد ( 2 : 8 ) .
(2) راجع الامامة والسياسة .

( 119 )

شاهدنا موقفه في قصة الكتاب الذي أراد ان يكتبه النبي وفي مواقفه التي أشرنا إليها في الفصل الثاني ، فلا نعجب إذا رأيناه يقف هذا الموقف ليلهي الناس عما يخشاه من استباق احد إلى بيعة علي قبل مجئ أبي بكر .
اما انه هل كان يدري كيف سيخرج من هذا المأزق الذي ادخل نفسه فيه فاغلب الظن انه غامر بنفسه ليقف الناس عند حدهم . وعلى صاحبه إذا جاء ان يدبر الامر حينئذ .
واقوى الشواهد على هذا التعليل ما قلناه من سرعة قناعته بقول صاحبه ابي بكر ، وهو لا يمس دعواه تكذيبا . . . وليس إلا ان جاء ابو بكر ووقف خطيبا والتف حوله الناس وهو يعلم من ابو بكر فقد انتهت مهمته وانقلب الدور ، ولم يبق إلا ان يخرج من موقفه الحرج بلباقة ، لئلا يحسوا بهذا التدبير فينتقض الغرض ، فصعق إلى الارض كأنما تحقق موت النبي من جديد مظهرا القناعة بقول صاحبه . ثم لم يلبث ان راح يشتد معه لعملهما كأنما نشط من عقال ولم يقل ما قال ، ولم يظهر ما أظهر من الدهشة والاضطراب ، حتى رمي بالخبل وهو عنه بعيد ، فقد ذهب بعد ذلك إلى السقيفة مع ابي بكر حينما علما باجتماع الانصار السري ووقفا ذلك الموقف العجيب . وسنحدثك :