عن مسألة لا تهتدي إلى الجواب عنها أبداً ، قال له أبي: سل ، فإنك حانث في يمينك ، فقال: أخبرني عن مولودين ولدا في يوم واحد ، وماتا في يوم واحد ، عمر أحدهما خمسون ومائة سنة ، والاخر خمسون سنة في دار الدنيا ، فقال له أبي: ذلك عزير وعزيرة ، ولدا في يوم واحد ، فلما بلغا مبلغ الرجال خمسة وعشرين عاماً ، مر عزير على حماره راكباً على قرية بأنطاكية ، وهي خاوية على عروشها ، فقال: أنى يحيي هذه الله بعد موتها ، وقد كان الله اصطفاه وهداه ، فلما قال ذلك القول غضب الله عليه فأماته الله مائة عام سخطاً عليه بما قال ، ثم بعثه على حماره بعينه وطعامه وشرابه ، فعاد إلى داره وعزيرة أخوه لا يعرفه ، فاستضافه فأضافه ، و بعث إلى ولد عزيرة وولد ولده ، وقد شاخوا وعزير شاب في سن خمس وعشرين سنة ، فلم يزل عزير يذكر أخاه وولده وقد شاخوا ، وهم يذكرون ما يذكرهم ، ويقولون: ما أعلمك بأمر قد مضت عليه السنون والشهور؟ ويقول له عزيرة ، وهو شيخ كبير ابن مائة وخمس وعشرين سنة: ما رأيت شاباً في سن خمس وعشرين سنة أعلم بما كان بيني وبين أخي عزير أيام شبابي منك ، فمن أهل السماء أنت أم من أهل الأرض ؟ فقال عزير لأخيه عزيرة: أنا عزير ، سخط الله علي بقول قلته بعد أن اصطفاني وهداني ، فأماتني مائة سنة ثم بعثني ، لتزدادوا بذلك يقيناً أن الله على كل شيء قدير ، وها هو هذا حماري وطعامي وشرابي الذي خرجت به من عندكم ، أعاده الله تعالى لي كما كان ، فعندها أيقنوا ، فأعاشه الله بينهم خمساً وعشرين سنة ثم قبضه الله وأخاه في يوم واحد .
فنهض عالم النصارى عند ذلك قائماً ، وقام النصارى على أرجلهم ، فقال لهم عالمهم: جئتموني بأعلم مني ، واقعدتموه معكم حتى هتكني وفضحني ، وأعلم المسلمين أن لهم من أحاط بعلومنا وعنده ما ليس عندنا ، لا والله لا كلمتكم من رأسي كلمة ، ولا قعدت لكم إن عشت سنة .
فتفرقوا وأبي قاعد مكانه وأنا معه ، ورفع ذلك في الخبر إلى هشام بن عبدالملك ، فلما تفرق الناس نهض أبي وانصرف إلى المنزل الذي كنا فيه ، فوافانا رسول هشام بالجائزة وأمرنا أن ننصرف إلى المدينة من ساعتنا ولا نحتبس ، لأن الناس ماجوا(1)
____________
(1) في «ش» زيادة: في أمرنا .

(72)
وخاضوا فيما دار بين أبي وبين عالم النصارى .
فركبنا دوابنا منصرفين ، وقد سبقنا بريد من عند هشام إلى عامل مدين (1)على طريقنا إلى المدينة ، إن ابني أبي تراب الساحرين محمد بن علي وجعفر بن محمد الكذابين - بل هو الكذاب لعنه الله - فيما يظهران من الإسلام ، وردا علي فلما صرفتهما إلى المدينة ما لا إلى القسيسين والرهبان من كفار النصارى ، وأظهرا لهما دينهما ومرقا من الإسلام الى الكفر دين النصارى ، وتقربا إليهم بالنصرانية ، فكرهت أن أنكل بهما لقرإبتهما ، فإذا قرأت كتابي هذا ، فناد في الناس: برئت الذمة ممن يشاريهما أو يبايعهما أو يصافحهما أو يسلم عليهما ، فإنهما قد ارتدا عن الإسلام ، ورأى أمير المؤمنين أن تقتلهما ودوابهما وغلمانهما ومن معهما شر قتلة.
قال: فورد البريد إلى مدينة مدين ، فلما شارفنا مدينة مدين قدم أبي غلمانه ، ليرتادوا لنا منزلاً ويشتروا لدوابنا علفاً ولنا طعاماً فلما قرب غلماننا من باب المدينة أغلقوا الباب في وجوهنا ، وشتمونا وذكروا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب صلوات الله عليه ، وقالوا: لا نزول لكم عندنا ولا شراء ولا بيع ، يا كفار ، يا مشركين ، يا مرتدين ، يا كذابين ، يا شر الخلائق أجمعين .
فوقف غلماننا على الباب حتى أنتهينا إليهم ، فكلمهم أبي ولين لهم القول ، وقال لهم: اتقوا الله ولا تغلطون فلسنا كما بلغكم ، ولا نحن كما تقولون فاسمعونا. فقال لهم: فهبنا كما يقولون افتحوا لنا الباب ، وشارونا وبايعونا كما تشارون؟ تبايعون اليهود والنصارى والمجوس . فقالوا: أنتم شر من اليهود والنصارى والمجوس ، لأن هؤلاء يؤدون الجزية وأنتم ما تؤدون ، فقال لهم أبي: فافتحوا لنا الباب وأنزلونا ، وخذوا منا الجزية كما تاخذون منهم . فقالوا: لا نفتح ، ولا كرامة لكم حتى تموتوا على ظهور دوابكم جياعاً نياعاً(2)، أوتموت دوابكم تحتكم . فوعظهم أبي فازدادوا عتواً ونشوزاً .
قال: فثنى أبي رجله عن سرجه ، ثم قال لي: مكانك يا جعفر لا تبرح ، ثم صعد الجبل المطل على مدينة مدين ، وأهل مدين ينظرون إليه ما يصنع ، فلما صار في أعلاه
____________
(1) مدين: بلدة تجاة تبوك بين المدينة والشام . «معجم البلدان 5: 77».
(2) النياع: جمع نائع وهو العطشان. «الصحاح - نوع -3: 1294».

(73)
استقبل بوجهه المدينة وحده ، ثم وضع إصبعيه في أذنيه ، ثم نادى بأعلى صوته (والى مدين اخاهم شعيبا) إلى قوله تعالى: (بقية الله خير لكم ان كنتم مؤمنين )(1) نحن والله بقية الله في أرضه. فأمر الله ريحاً سوداء مظلمة ، فهبت واحتملت صوت أبي فطرحته في اسماع الرجال والنساء والصبيان ، فما بقي أحد من الرجال والنساء والصبيان إلا صعد السطوح ، وأبي مشرف عليهم.
وصعد فيمن صعد شيخ من أهل مدين كبير السن ، فنظر إلى أبي على الجبل ، فنادى بأعلى صوته : اتقوا الله - يا أهل مدين - فإنه قد وقف الموقف الذي وقف فيه شعيب عليه السلام حين دعا على قومه ، فإن أنتم لم تفتحوا له الباب ولم تنزلوه ، جاءكم من الله العذاب فأتى عليكم ، وقد أعذر من أنذر ، ففزعوا وفتحوا الباب وأنزلونا .
وكتب (2) بجميع ذلك إلى هشام ، فارتحلنا في اليوم الثاني ، فكتب هشام إلى عامل مدينة مدين يأمره بأن يأخذ الشيخ فيطمره (3)- رحمة الله عليه وصلواته - وكتب إلى عامل مدينة الرسول أن يحتال في سم أبي في طعام أو شراب ، فمضى هشام ولم يتهيأ له في أبي من ذلك شيء(4).
يقول علي بن موسى بن طاووس: فهذا ما أردنا ذكره من التنبه على أن الرمي با لله - جل جلاله - ولله - جل جلاله - يتولاه الله - جل جلاله - .
***

____________
(1) هود11: 84-86.
(2) في «ش» زيادة: العامل .
(3) طمره: دفنه أو غيبه . «لسان العرب - طمر- 4: 502».
(4) دلائل الامامة: 104 باختلاف في الفاظه . وأخرجه المجلسي في البحار 46: 306|1 .

(74)
الباب الخامس:
فيما نذكره من استعداد العوذ للفارس والراكب عند الأسفار ، وللدواب للحماية من الأخطار ، وفيه فصول:

الفصل الأول: في العوذة المروية عن مولانا محمد بن علي الجواد- صلوات الله عليه - وهي العوذة الحامية من ضرب السيف ، ومن كل خوف (1).
ذكرها جماعة من أصحابنا ، ونحن نرويها وننقلها من كتاب (منية الداعي وغنية الواعي) تأليف الشيخ السعيد علي بن محمد بن علي بن الحسين بن عبدالصمد التميمي - رضي الله عنه - فقال: حدثنا الفقيه أبو جعفر محمد بن أبي الحسن - رحمه الله - عم والدي ، قال: حدثنا أبو عبدالله جعفر بن محمد بن أحمد بن العباس الدوريستي قال: حدثنا والدي ، عن الفقيه أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين بن بابويه . وأخبرني جدي قال: حدثنا والدي الفقيه أبو الحسن - رحمه الله - قال: حدثنا جماعة من أصحابنا - رحمهم الله - منهم السيد العالم أبو البركات ، والشيخ أبو القاسم علي بن محمد المعاذي ، وأبو بكر محمد بن علي المعمري ، وأبو جعفر محمد بن إبراهيم بن عبدالله المدائني ، قالوا كلهم: حدثنا الشيخ أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين القمي - قدس الله روحه - قال: حدثني أبي قال: حدثني علي بن إبراهيم بن هاشم ، عن جده ، قال: حدثني أبو نصر الهمداني ، قال: حدثتني حكيمة بنت محمد بن علي بن موسى بن جعفر- عمة أبي محمد الحسن بن علي عليهما السلام - قالت:
لما مات محمد بن علي الرضا عليه السلام ، أتيت زوجته ام عيسى بنت المأمون فعزيتها ، ووجدتها شديدة الحزن والجزع عليه وكادت أن تقتل نفسها بالبكاء والعويل ، فخفت عليها أن تنصدع مرارتها ، فبينما نحن في حديثه وكرمه ووصف خلقه ، وما أعطاه الله تعالى من الشرف والإخلاص ، ومنحه من العز والكرامة ، إذ قالت ام عيسى: ألا أخبرك عنه بشيء عجيب ، وأمر جليل ، فوق الوصف والمقدار؟ قلت: وما ذاك ؟
____________
(1) في «ش»: أمر مخيف .

(75)
قالت: كنت أغار عليه كثيراً واراقبه أبداً ، وربما أسمعني الكلام ، فأشكو ذلك إلى أبي فيقول: يا بنت احتمليه ، فإنه بضعة من رسول الله صلى الله عليه وآله . فبينما أنا جالسة ذات يوم ، إذ دخلت علي جارية فسلمت ، فقلت: من أنت ؟ فقالت: أنا جارية من ولد عمار بن ياسر ، وأنا زوجة أبي جعفر محمد بن علي الرضا عليهما السلام - زوجك - فدخلني من الغيرة ما لم أقدرعلى احتمال ذلك ، وهممت أن أخرج وأسيح في البلاد ، وكاد الشيطان أن يحملني على الإساءة إليها(1) ، فكظمت غيظي وأحسنت رفدها وكسوتها ، فلما خرجت من عندي نهضت ودخلت على أبي وأخبرته الخبر ، وكان سكرانا لايعقل ، فقال: يا غلام ، علي بالسيف ، فأتى به ، فركب وقال: والله لأقتلنه ، فلما رأيت ذلك قلت: إنا لله وإنا إليه راجعون ، ما صنعت بنفسي وبزوجي ، وجعلت الطم حرّ وجهي .
فدخل عليه والدي وما زال يضربه بالسيف حتى قطعه ، ثم خرج من عنده وخرجت هاربة من خلفه ، فلم أرقد ليلتي ، فلما ارتفع النهار أتيت أبي فقلت: أتدري ما صنعت البارحة؟ قال: وما صنعت ؟ قلت: قتلت ابن الرضا عليه السلام ، فبرق عينيه وغشي عليه ، ثم أفاق بعد حين وقال: ويلك ، ما تقولين ؟ قلت: نعم - والله - يا أبت ، دخلت عليه ولم تزل تضربه بالسيف حتى قتلته ، فاضطرب من ذلك اضطراباً شديداً ، وقال: علي بياسر الخادم ، فجاء ياسر فنظرإليه المأمون وقال: و يلك (2) ، ماهذا الذي تقول هذه ابنتي ؟ قال: صدقت يا أمير المؤمنين ، فضرب بيده على خده وصدره وقال: إنا لله وإنا إليه راجعون ، هلكنا والله وعطبنا وافتضحنا إلى آخر الابد ، ويلك - يا ياسر- فانظر ما الخبر والقصة عنه عليه السلام ؟ وعجل علي بالخبر ، فإن نفسي تكاد أن تخرج الساعة .
فخرج ياسر ، وأنا الطم حر وجهي ، فما كان بأسرع من أن رجع ياسر فقال: البشرى يا أمير المؤمنين ، قال: لك البشرى ، فما عندك ؟ قال ياسر: دخلت عليه فإذا هو جالس وعليه قميص ودواج (3)وهو يستاك ، فسلمت عليه وقلت: يا ابن رسول الله ،
____________
(1) ليس في «د» و «ش» ، وفي «ط»: عليها ، وما أثبتناه لاستقامة المعنى .
(2) في «ش»: يا ويلك .
(3) الدواج: اللحاف الذي يلبس. «القاموس المحيط - دوج - 1: 189 ».

(76)
أحب أن تهب لي قميصك هذا أصلي فيه وأتبرك به ، وإنما أردت أن أنظر إليه «وإلى جسده ، هل به جراحة وأثر السيف ؟ قال: لا ، بل أكسوك خيراً من هذا ، فقلت: يا ابن رسول الله ، لا أريد غيرهذا ، فخلعه وأنا أنظر إليه وإلى جسده ، هل به أثر السيف؟ فوالله كأنه العاج الذي مسته صفرة ، وما به أثر.
قال: فبكى المأمون بكاء طويلا وقال : ما بقي مع هذا شيء ، إن هذا لعبرة للأولين والاخرين ، وقال: يا ياسر ، أما ركوبي إليه وأخذي السيف ودخولي عليه فإني ذاكر له ولخروجي عنه ، ولست أذكر شيئا غيره ، ولا أذكر أيضاً انصرافي إلى مجلسي ، فكيف كان أمري وذهابي إليه؟ لعن الله هذه الابنة لعناً وبيلاً ، تقدم إليها وقل لها: يقول لك أبوك: والله لئن جئتني بعد هذا اليوم شكوت ، أو خرجت بغير إذنه ، لأنتقمن له منك ، ثم سر إلى ابن الرضا عليه السلام وأبلغه عني السلام ، واحمل عليه عشرين ألف دينار ، وقدم إليه الشهري (1) الذي ركبته البارحة ، (ثم مر بعد ذلك الهاشميين )(2) ، أن يدخلوا عليه بالسلام ، ويسلموا عليه.
قال ياسر: فأمرت لهم بذلك ، ودخلت أنا - أيضاً - معهم عليه وسلمت وأبلغت التسليم ، ووضعت المال بين يديه، وعرضت الشهري فنظر إليه (3)ساعة ، ثم تبسم فقال: يا ياسر ، هكذا كان العهد بيننا وبين أبي وبينه ، حتى يهجم علي بالسيف ، أما علم ان لي ناصراً وحاجزاً يحجز بيني وبينه؟ فقلت: يا سيدي - يا ابن رسول الله - صلى الله عليه وآله(4)ما كان يعقل شيئا من أمره ، وما علم أين هو من أرض الله؟ وقد نذر لله نذراً صادقاً وحلف أن لا يسكر بعد ذلك أبداً ، فإن ذلك من حبائل الشيطان ، فإذا أنت - يا ابن رسول الله - أتيته فلا تذكر له شيئاً ولا تعاقبه على ما كان منه. فقال عليه السلام: هكذا كان عزمي ورأيي والله .
ثم دعا بثيابه ولبس ونهض ، وقام معه الناس أجمعون حتى دخل على المأمون ،
____________
(1) الشهرية: ضرب من البراذين ، وهو بين البرذون والمقرف من الخيل «لسان العرب ـ شهر ـ 4: 433 » .
(2) في «ش»: تم من بعد ذلك أمر الهاشميين .
(3) في «ش»: إلي .
(4) في «ط» زيادة: دع عنك هذا العتاب فوالله.

(77)
فلما رآه قام إليه وضمه إلى صدره ورحب به ، ولم يأذن لأحد في الدخول عليه ، ولم يزل يحدثه ويسامره ، فلما انقضى ذلك ، قال أبو جعفر محمد بن الرضا عليهما السلام: يا أمير المؤمنين ، قال: لبيك وسعديك ، قال: لك عندي نصيحة فاقبلها ، قال المأمون: بالحمد والشكر - قال - فما ذاك ، يا ابن رسول الله ؟ قال: أحب لك أن لا تخرج بالليل ، فإني لا آمن عليك هذا الخلق المنكوس ، وعندي عقد تحصن به نفسك وتحترز به من الشرور والبلايا والمكاره والآفات والعاهات ، كما أنقذني الله منك البارحة ، ولو لقيت به جيوش الروم والترك ، واجتمع عليك وعلى غلبتك أهل الأرض جميعا ما تهيأ لهم منك شر ، بإذن الله الجبار ، وإن أحببت بعثت به إليك ، ولتحترز به من جميع ما ذكرت لك ، قال: نعم ، فاكتب ذلك بخطك وابعثه إلي ، قال: نعم يا أمير المؤمنين .
فلما أصبح أبو جعفر عليه السلام بعث إلي فدعاني ، فلما صرت إليه وجلست بين يديه ، دعا برق ظبي من أرض تهامة ، ثم كتب بخطه هذا العقد ، ثم قال: يا ياسر ، أحمل هذا إلى أمير المؤمنين ، وقل له حتى يصاغ له قصبة من فضة ، منقوش عليها ما أذكر بعد.
فإذا أراد شده على عضده فليشده على عضده الأيمن ، وليتوضأ وضوءاً حسناً سابغاً ، وليصل أربع ركعات يقرأ في كل ركعة بفاتحة الكتاب وسبع مرات (آية الكرسي ) وسبع مرات (شهد الله ) وسبع مرات (والشمس وضحاها) وسبع مرات (والليل اذا يغشى) وسبع مرات (قل هوالله أحد) ثم يشد على عضده الأيمن عند الشدائد والنوائب ، يسلم - بحول الله وقوته - من كل شيء يخافه و يحذره . وينبغي أن الا يكون طلوع القمر في برج العقرب ، ولو أنه حارب أهل الروم وملكهم لغلبهم ببركة هذا الحرز.
وروي أنه لما سمع المأمون من أبي جعفر عليه السلام في أمر هذا الحرز هذه الصفات كلها ، غزا أهل الروم فنصره الله تعالى عليهم ، ومنح من المغنم ما شاء ألله عز وجل ، ولم يفارق هذا العقد عند كل غزوة ومحاربة ، وكان ينصره الله - عز وجل - بفضله ، ويرزقه الفتح بمشيئته ، إنه ولي ذلك بحوله وقوته ، الحرز:
(بسم الله الرحمن الرحيم * الحمد لله رب العالمين * الرحمن الرحيم * مالك
(78)
يوم الدين * أياك نعبد واياك نستعين * اهدنا الصراط المستقيم * صراط الذين انعمت عليهم * غير المغضوب عليهم ولا الضالين
)(1)(الم تر اَن الله سخر لكم ما في الآرض والفلك تجري في البحر بامره ويمسك السماء ان تقع على الآرض الأ بإذنه ان الله بالناس لرؤف رحيم )(2) اللهم أنت الواحد الملك الديان يوم الدين ، تفعل ما تشاء بلا مغالبة ، وتعطي من تشاء بلامن ، تفعل ما تشاء ، وتحكم ماتريد ، وتداول الأيام بين الناس ، وتركبهم طبقاً عن طبق ، أسالك باسمك المكتوب على سرادق المجد ، وأسالك باسمك المكتوب على سرادق السرائر ، السابق الفائق (3) الحسن (4) النضير ، رب الملائكة الثمانية ، والعرش الذي لا يتحرك ، وأسالك بالعين التي لا تنام ، وبالحياة التي لا تموت ، وبنور وجهك الذي لايطفأ ، و بالاسم الأكبر الأكبر الأكبر ، وبالاسم الأعظم الأعظم الأعظم ، الذي هو محيط بملكوت السماوات والأرض ، و بالاسم الذي أشرقت به الشمس ، وأضاء به القمر ، وسجرت به البحار(5) ، ونصبت به الجبال ، وبالاسم الذي قام به العرش والكرسي ، وباسمك المكتوب على سرادق العرش ، وباسمك المكتوب على سرادق العظمة ، وباسمك المكتوب على سرادق البهاء ، وباسمك المكتوب على سرادق القدرة ، وباسمك العزيز ، وبأسمائك المقدسات المكرمات المخزونات في علم الغيب عندك ، وأسألك من خيرك خيراً مما أرجو ، وأعوذ بعزتك وقدرتك من شر ما أخاف وأحذر(6) وما لا أحذر.
يا صاحب محمد يوم حنين ، ويا صاحب علي يوم صفين ، أنت يا رب مبير الجبارين (7) ، وقاصم المتكبرين ، أسألك بحق طه ويس ، والقرآن العظيم ، والفرقان الحكيم ، أن تصلي على محمد وآل محمد ، وأن تشد عضد صاحب هذا العقد ، وأدرأ بك
____________
(1) سورة الفاتحة .
(2) الحج 22: 65 .
(3) في «ش»: الفالق .
(4) في «ش» و «ط» زيادة: الجميل .
(5) في «د»: القبور.
(6) في «ش» زيادة: وما لا أخاف .
(7) في «ش»: الجبابرة .

(79)
في نحر كل جبار عنيد ، وكل شيطان مريد ، وعدو شديد ، وعدو منكر الأخلاق ، واجعله ممن أسلم إليك نفسه ، وفوض إليك أمره ، والجأ إليك ظهره .
اللهم بحق هذه الأسماء التي ذكرتها وقرأتها ، وأنت أعرف بحقها مني ، وأسالك يا ذا المن العظيم ، والجود الكريم ، ولي الدعوات المستجابات ، والكلمات التامات ، والأسماء النافذات ، وأسألك يا نور النهار ، و يا نور الليل ، ونور السماء والأرض ، ونور النور ، ونوراً يضيء كل نور ، يا عالم الخفيات كلها ، في البر والبحر والأرض والسماء والجبال ، وأسألك يا من لا يفنى ولا يبيد ولا يزول ، ولا له شيء موصوف ، ولا إليه حد منسوب ، ولا معه إله ، ولا إله سواه ، ولا له في ملكه شريك ، ولا تضاف العزة إلا إليه ، ولم يزل بالعلوم عالماً ، وعلى العلوم واقفاً ، وللأمور ناظماً ، وبالكينونة عالماً ، وللتدبير محكماً ، وبالخلق بصيراً ، و بالأمور خبيراً .
أنت الذي خشعت لك الأصوات ، وضلت فيك الأحلام ، وضاقت دونك الأسباب ، وملأ كل شيء نورك ، ووجل كل شيء منك ، وهرب كل شيء إليك ، وتوكل كل شيء عليك .
وأنت الرفيع في جلالك ، وأنت البهي في جمالك ، وأنت العظيم في قدرتك ، وأنت الذي لا يدركك شيء ، وأنت العلي الكبير.
مجيب الدعوات ، قاضي الحاجات ، مفرج الكربات ، ولي النعمات ، يا من هو في علوه دان ، وفي دنوه عال ، وفي إشراقه منير ، وفي سلطانه قوي ، وفي ملكه عزيز ، صل على محمد وآل محمد ، واحرس صاحب هذا العقد وهذا الحرز وهذا الكتاب ، بعينك التي لا تنام ، واكنفه بركنك الذي لا يرام ، وارحمه بقدرتك عليه ، فإنه مرزوقك .
بسم الله الرحمن الرحيم ، بسم الله وبالله ، لا صاحبة له ولا ولد ، بسم الله قوي الشان ، عظيم البرهان ، شديد السلطان ، ما شاء الله كان ، وما لم يشأ لم يكن .
أشهد أن نوحا رسول الله ، وأن إبراهيم خليل الله ، وأن موسى كليم الله ونجيه ، وأن عيسى بن مريم - صلوات الله عليه وعليهم أجمعين - كلمته وروحه ، وأن محمداً صلى الله عليه واله خاتم النبيين لا نبي بعده .
وأسألك بحق الساعة التي يؤتى فيها بإبليس اللعين يوم القيامة ، ويقول اللعين
(80)
في تلك الساعة: والله ما أنا إلا مهيج مردة ، الله نور السماوات والأرض ، وهو القاهر وهو الغالب ، له القدرة السابغة ، وهو الحليم (1)الخبير.
اللهم وأسألك بحق هذه الأسماء كلها ، وصفاتها وصورها ، وهي:
سبحان الذي خلق العرش والكرسي واستوى عليه ، أسألك أن تصرف عن صاحب كتابي هذا كل سوء ومحذور ، فهو عبدك ابن عبدك وابن أمتك ، وعبدك وأنت مولاه ، فقه اللهم الأسواء كلها ، وأقمع عنه أبصار الظالمين ، والسنة المعاندين والمريدين به السوء والضر ، وادفع عنه كل محذور ومخوف ، وأي عبد من عبيدك ، أو أمة من إمائك ، أو سلطان مارد ، أو شيطان أو شيطانة ، أو جني أو جنية ، أو غول أو غولة ، أراد صاحب كتابي هذا بظلم أو ضر أو مكر أو كيد أو خديعة أو نكاية(2) أو سعاية أو فساد أو غرق أو اصطلام أو عطف أو مغالبة أو غدر أو قهر أو هتك ستر أو اقتدار أو آفة أو عاهة أو قتل أو حرق أو انتقام أو قطع أو سحر أو مسخ أو مرض أو سقم أو برص أو بؤس أو فاقة أو سغب أو عطش أو وسوسة أو نقص في دين أو معيشة ، فاكفه بما شئت ،
____________
(1) في «ش»: الحكيم.
(2) في «د»: ناكبة.

(81)
وكيف شئت وأنى شئت ،إنك على كل شيء قدير ، وصلى الله على محمد وآله الطاهرين أجمعين ، وسلم تسليماً كثيراً ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ، والحمدلله رب العالمين .
فأما ما ينقش على هذه القصبة الفضة - من فضة غير مغشوشة - : يا مشهوراً في السماوات ، يا مشهوراً في الأرضين ، يا مشهوراً في الدنيا والاخرة ، جهدت الجبابرة والملوك على إطفاء نورك وإخماد ذكرك ، فأبى الله إلا أن يتم نورك ، ويبوح بذكرك ، ولو كره المشركون .
أقول: وجدت في الجزء الثالث من كتاب (الواحدة)(1)أن المراد بقوله: يا مشهوراً في السماوات . . . إلى آخره ، هو مولانا علي بن أبي طالب عليه السلام . ومعنى قوله : فأبى الله إلا أن يتم نورك (2) ، يعني نورك أيها الاسم الأعظم المكتوب في الحرز.
ورأيت في نسخة خلاف كلمة وهي : وأبيت الا أن تتم نورك . والرواية الاولى أعني: فأبى الله ، اليق بكون علي صلوات الله عليه هو المراد بالدعاء إلى آخره ، والمراد بما قلت ظاهر لكل أحد.

الفصل الثاني: في العوذة المجربة في دفع الأخطار ، ويصلح أن تكون مع الانسان في الأسفار.
هذه العوذة ذكرناها بإسنادها في كتاب (السعادات) بطريقين كما وجدناها في الروايات ، ونذكر الان إحدى الروايتين لأنها أبسط وأحوط في دفع المحذورات .
قال أحمد بن سعيد بن عقدة قال: أخبرنا أحمد بن يحيى الصوفي قال: حدثني الحسن بن إسحاق بن الحسن العلوي قال: كان عبد ربه بن علقمة ، لا يغلق باب داره صيفاً ولا شتاءً ، وكان يصيح الصائح في القبيلة: اللصوص ! فيخرج إليهم في إزار قد اتشح به ، فيلطم وجوههم ويأخذ منهم ما قد سرقوه ، فسئل عن ذلك فقال: حدثني موسى ويحيى وإدريس وسليمان بنو عبدالله بن الحسن بن الحسن ، عن آبائهم ، عن أمير المؤمنين علي عليه السلام قال:
____________
(1 )تأليف محمد بن الحسن بن جمهور العمي البصري ، راجع معالم العلماء: 103 رقم 689 .
(2 ) في «ش» زيادة: ولو كره المشركون .

(82)
«أسلم رجل من اليهود ، فأتى النبي صلى الله عليه واله برق وعليه مكتوب بالذهب هذه الأسماء ، وقال: هذه من ذخائر موسى وهارون عليهما السلام ، لا يخاف صاحبها من سلطان ولا سبع ولا سيف . قال: فدفعها النبي صلى الله عليه واله إلى علي عليه السلام وقال: علمها الحسن والحسين عليهما السلام ، قال: ففعلت ذلك . قال : فولد إدريس إلى الآن يكتبونها في رق ظبي ، ويجعلونها تحت أسنة الرماح ، فلا ترد لهم راية ، ولا يلقون أحدا من أعدائهم إلا هزموهم ، وهي:
قال أبو العباس بن عقدة: إن القرامطة لما نزلوا الكوفة ، كتبت هذه الأسماء في عدة رقاع ، وبعثت بها إلى أصدقائي فجعلوها في دورهم ، فكانت القرامطه يحبيئون (1)إلى الدار الكبيرة التي فيها ما يرغب فيه ، وفيه هذه الأسماء ، فكأنها مستورة عنهم ، فيجوزونها الى غيرها من الدور الصغار ، مما لم تدخلها هذه الأسماء ، فيأخذون خلقان أهلها وخبزهم .
فإذا أردت كتبتها فاكتبها في رق ظبي بمسك وزعفران وماء ورد ، فيكون في عضدك أوشله (2)معك .

الفصل الثالث: فيما نذكره من العوذ التي تكون في العمامة لتمام السلامة.
ذكرنا هذه العوذة في كتاب (المنتقى من العوذ والرقى) وهي ما تجعل في مقدم العمامة. يروى أن جبرئيل عليه السلام ، نزل بها إلى النبي صلى الله عليه وآله وقال له: اتركها في سنان رمح علي عليه السلام ، فلم ترد له راية بعد ذلك ، وهي:
____________
(1) في «ش»: يأتون .
(2) شال الشيء: حمله «الصحاح - شول - 5: 1741» ، وفي « د» : شستله