الاطفال ومشاعر الخوف والقلق ::: 1 ـ 15

    الدكتور علي القائمي
الاطفال
ومشاعر الخوف والقلق
ترجمة : البيان للترجمة
مكتبة فخراوي


(4)
الطبعة الاولى
1416 هـ ـ 1996م


(5)


(6)

(7)
مسألة الخوف
    المقدمة :
    اعتبرت مسألة الخوف واحدة من أهم المشاكل التي يتعرض لها المجتمع البشري ، لانها من الامور التي يواجهها الابوان والمربون على الدوام في ما يتعلق بابنائهم ، ولكونها مصدراً للكثير من الاضطرابات السلوكية لدى الاطفال وحتى عند الفتيان والشبان ايضاً.
    ان عالم الطفل عالم طافح بالخوف ، ويظل هذا الخوف قائماً في نفسه الى ان يكتسب المعرفة الكافية والصحيحة عن المجتمع وما يعج به من ظواهر شتى ، والى ان يتفهم الامور على حقيقتها وكما هي في الواقع. ولا يعني كلامنا هذا ان الانسان يفرغ من هاجس الخوف ويضعه جانبا بمجرد نضجه وبلوغه مرحلة الشباب او الرجولة. فالتجارب اليومية تكشف لنا عن الملايين من بني الانسان الذين يعيشون فوق هذه الكرة الارضية وتترسم في ذهن كل واحد منهم مخاوف من نمط خاص تدفعه الى استشعار الخوف والانهيار والانسحاق تحت وطأة اقدام الحياة ، ولذلك فهم يرجحون العزلة والانطواء على ذواتهم.


(8)

(9)
    الخوف هو الخطر الاعظم الذي يعوق الانسان عن النهوض بمسؤوليته والنجاح في حياته ، ويدفعه الى الابتعاد عن الميادين التي قد يكمن فيها سر نجاحه وسعادته وتكامله في كثير من الاحيان.
    من المؤكد اننا نعرف الكثير من الناس وفي اماكن مختلفة من هذا العالم قد تخلفوا عن احقاق حقوقهم وطاوعوا المذلة والخنوع استجابة لعامل الخوف من الموت واصبحوا مستعدين لتحمل ادنى صفوف الهوان طمعاً في العيش لايام معدودة واخرى ، ورغبة في الحفاظ على ما كسبوا من مال وثروة بالكد والكدح او باساليب اخرى من الاحتيال والمراوغة ، والحقيقة هي ان هذا الشعور المقيت لو خرج من حد الاتزان لصار من أسوأ عوامل الشقاء والتقهقر.

    الخوف حالة انفعالية ناتجة عن الشعور بانعدام الأمن ، وهي من أهم الانفعالات الانسانية ، وكما يصفها الغزالي بقوله انها تناظر الغضب في الاهمية. وهو استجابة انفعالية تنتج عن خلل طارىء ويخرج بالانسان من مسار سلوكه الاعتيادي. ويمكن القول من وجهة اخرى بأن الخوف عاطفة تتبلور على صورة دافع يعرقل اندفاع الانسان نحو مقارعة المشاكل وازالة العوائق التي تعترض سبيله في الحياة ، فيسلبه القدرة على السعي نحو العمل الدؤوب ، وتتلاشى على اثر ذلك قدرته الارادية ، فيفقد القدرة على الفعل والحركة او حتى


(10)
على الكلام والدفاع عن نفسه.
    وقد تستخدم كلمتي الخوف والاضطراب بشكل مترادف احياناً ، بينما يوجد هنالك تفاوت واضح بينها.
    فالخوف استجابة لخطر آني وواضح من ظاهرة مشهودة او يمكن رؤيتها وتصورها ، بينما الاضطراب عبارة عن استجابة لخطر محتمل وغير واضح المصدر والمعالم. يمكن القول بعبارة اخرى بأن الخوف منبثق عن سبب خفي او ظاهر ، الا ان سبب الاضطراب غير معروف.
    فالخوف ينشأ عادة من سبب خارجي ، بينما علة الاضطراب ليس لها سبب محدد.

    ماهية الخوف وهو انه استجابة لتهديدات واقعية او وهمية ، ومرده الى الانفعالات الممتزجة بحالة الانتظار عند الانسان ، والتي يعتبرها علماء التحليل النفسي بمثابة البذرة الاولى للتداعي الذهني عند الطفل. وتظهر لدى الانسان حينما يجد نفسه معرضا للاصابة بالضرر او الفناء ، فتشير فيه الرغبة نحو حفظ وجوده وصيانة ذاته.
    فالحادثة المحتملة او الواقعة تثير لدى الانسان مشاعر الذعر وتجعله يتوجس خيفة بانها تهدد حياته بالخطر وقد يتكون لديه تصور أيضاً باحتمال وقوع ما يسيء الى شخصية الانسان وتزيحه عن المكانة التي يحظي بها حالياً.
    وبناء على هذا فان ماهية الخوف تتجسد في صيانة الذات في مقابل الخطر والحفاظ عليها منه. ومن الطبيعي انه كلما تعمق هذا الشعور كانت نسبة الخوف اشد ، الى ان يصل الشعور بالخطر الى حد الموت ، وهنا يتحول الخوف الى اخطر مرحلة وتكون النتائج والاضرار التي يتمخض عنها في أعلى حد وأقصى درجة.


(11)
    لا يختص الخوف بفئة دون سواها ، ولا يوجد هناك شخص او جماعة في معزل عنه او خارجين عن نطاق تأثيره ، فالخوف موجود لدى جميع الناس مع تفاوت في الشدة والضعف ، فمشاعر الخوف قد تكثر لدى جماعة من الناس وتقل عند جماعة اخرى ، وقد تخشى طائفة من الناس الامر الفلاني بينما تخشى الطائفة الاخرى امراً غيره فبعض الناس قد لا يخاف ، لانه لا يعلم ولا يدرك أهمية وعظمة الواقعة التي تنتظره كما ورد هذا المعنى في قوله تعالى : « ولانتم اشد رهبة في صدورهم من الله لأنهم قـوم لا يفقهون » (1).
    فكل انسان عاقل يخشى امراً ما ، ولا بد له ان يخشاه لكي يكون على استعداد لحماية نفسه منه في ساعة الخطر ، ومواجهته بما يناسب من رد الفعل. فمن الخطأ ان نتصور أن الشخص الشجاع يجب ان لا يخشى شيئاً ؛ اذ لا بد من وجود عنصر لدى اكثرية افراد المجتمع يدفعهم نحو العمل والنشاط واداء ما عليهم من واجبات ، والسير كما يستدعي القانون الاجتماعي ، فالناس الاكثر وعياً ومعرفة هم الاكثر خشية لله ، وما الانسان الجاهل فلا يخشى الا ما يشاكله من عوامل واسباب.
    ان الذي نخشاه من ذكر الخوف هو الخوف المتواصل من حلول الشقاء.
1 ـ سورة الحشر : 13

(12)
اعراض الخوف
    المقدمة :
    يتمركز حديثنا في هذا الفصل حول اعراض الخوف والمؤشرات التي تساعد الأبوين على معرفة وجود الخوف عند ابنائهم كي يبادروا الى معالجته فيما اذا اقتضت الضرورة ذلك ، ومعرفة هذه الاعراض تعتبر ضرورة ملحة تسبق اتخاذ أية خطوة في هذا المجال ، وهذا ما يستدعي منا الاشارة الى بعضها كما يلي :
    اولاً : الأعراض الظاهرية :
    يلاحظ وجود الاعراض والظواهر التالية عند الاشخاص الذين يعتريهم الخوف والهلع وهي :
    1 ـ ارتعاش في الجسم يؤدي الى شلله واعاقته حتى عن المشي.
    2 ـ شحوب اللون واصفرار الوجه والذهول ، وقد يكون احياناً على هيئة احمرار فوري في الوجه وتغيير في سحناته.


(13)
    3 ـ نضوح قطرات من العرق على الوجه والذهول ، وقد يكون احياناً على هيئة احمرار فوري في الوجه وتغيير في سحناته.
    4 ـ القشعريرة ووقوف شعر الجسم بشكل يلفت انتباه من يراه ، ام حين يراه هو شخصياً.
    5 ـ انفلات التحكم بالمثانة بشكل يصبح معه غير قادر على امساك ادراره أو السيطرة على عضلات المثانة فيخرج الادرار تلقائياً.
    6 ـ جفاف الفم حتى يصعب على اللسان التحرك في داخله ، ويتعسر عليه النطق.
    7 ـ الصراخ الا ارادي طلباً للاغاثة كما لو نظر شخص بنظرات حادة الى طفل رضيع ، فياخذه الطفل بالصراخ تلقائياً.
    8 ـ انهيار القوى البدنية وفقدان القدرة على الحركة ، ونضوب كل ما لديه من طاقة حتى لا يبقى لديه رمق يعينه على الابتعاد عن ساحة الخوف ، وذلك لارتخاء عضلاته وتحلل قواه البدنية.
    9 ـ احتباس انفاسه ؛ اذ تعتريه حالة من ضيق النفس تقارب الاختناق مما يدفعه الى استنشاق نفس عميق بين الفينة والاخرى لاستعادة اتزانه.
    10 ـ شدة ضربات القلب حتى تصير مسموعة ، وقد تكون هذه الشدة في الضربات سببا للسكتة القلبية في بعض الموارد ، ونحن نعرف اناساً كثيرين ماتوا بالسكة القلبية على اثر الخوف.
    11 ـ اتخاذ وضع هجومي يحاول فيه حشد كل طاقته للدفاع ولقهر حالة الخوف ، وفي مثل هذه الحالة يصبح الشخص في وضع ينذر بالخطر.
    12 ـ التراجع او الفرار من الساحة ، وحينها تبدو له المسافة القصيرة التي يطويها وكأنها طويلة جداً. او كما يقال : كلما اجهد نفسه بالجري لا يدرك غايته.


(14)
    13 ـ التعب المفرط والشعور بالاعياء وكأنه قد بذل جهداً استثنائياً.
    14 ـ يصاب اللسان بلكنة فيصبح عاجزاً عن اداء الكلمات بشكل صحيح أو يضطر للتحدث كالشخص الالكن ، ولفظ الكلام على علاته سواء كان مفهوماً أو غامضا.ً
    15 ـ البكاء ولا سيما في حالات التي يجد فيها نفسه بلا حمى ، وهذا الشعور اكثر ما يلحظ عند الأطفال ولا سيما الأناث.
    16 ـ الالتجاء الى حجر الام او اي شخص اخر يستشعر فيه المحبة والحنان املاً في اغاثته وابعاد عامل الخوف عنه.
    17 ـ الارتباك فلم يعد يدري ماذا يفعل ، فتبدر منه تصرفات تنم عن اضطرابه فيبدو وكأنه يخلط الاشياء مع بعضها.
    18 ـ تغطيه وجهه بيديه وخاصة اذا كان المشهد المخيف على شكل نظرات مرعبة او حين يرى عنصر الخوف قريباً من عينيه.
    ثانياً : الاثار الداخلية :
    يؤثر الخوف أيضاً على داخل الانسان ويحدث فيه تغيرات كثيرة. ولهذه التغيرات والحالات صور متعددة نشير الى بعضها كالاتي :
    1 ـ اضطراب المزاج والذي يؤدي بدوره الى اختلاف الشهية احياناً فيشعر بالشبع مع ما فيه من جوع
    2 ـ الشعور بالحيرة وانعدام الملاذ وهو ناتج من الشعور بافتقاد الأمن ، فيسعى في مثل هذه الحالة الى البحث عن ملاذ يلتجئ اليه.
    3 ـ تقلص العضلات بشكل غير مشهود وهو ما يؤدي الى تبدد عامل الشجاعة والاقدام لديه ما ينتج عن ذلك من عدم دوران الدم بصورة متوازنة.


(15)
    4 ـ تقلص الأوتار الصوتية ويمكن ملاحظة اثاره من خلال التعمق في نغمة صوتة ، فنرى صوته يتغير ويخفت ، فينطلق بكلمات واضحة الا انها ضعيفة.
    5 ـ الشعور بوجود ثقل على الصدر وكأن صخرة قد استقرت عليه وهو يتهشم تحت وطأة ثقلها.
    6 ـ الشعور بالم في القلب وجوانبه وهذا ناتج عن شدة ضربات القلب التي قد تؤدي الى السكتة القلبية احياناً.
    7 ـ ضعف قواه العقلية الى حد يصبح فيه غير قادر على التمييز بوضوح وعدم القدرة على معرفة الصحيح من الخطأ بل وقد يفعل افعالاً مخالفة للعقل.
    8 ـ عجزه عن التعلم ، فهو غائب عن الدرس عملياً حتى وان كان حاضراً في الصف.
    9 ـ فقدان الحنان والعاطفة ، كما جاء في القرأن الكريم في قوله تعالى « يوم ترونها تذهل كل مرضعة عما ارضعت وتضع كل ذات حمل حملها ، وترى الناس سكارى ... ».
    10 ـ ظهور اختلال في فهم وادراك الامور ، وحتى الرأس نفسه لا يعود يميز بين البرد والحرارة والالم.
    11 ـ وفي بعض الحالات الحادة يظهر عليه نوع من الارتباك والاختلال النفسي يؤدي به الى فقدان ارادته.
    ثالثاًـ اضطرابات شديدة :
    قد يكون بوسع الاطفال الاكبر سناً اخفاء ما يعتريهم من خوف وبشكل لا يتيح الاخرين الاطلاع على ما يحتلج في داخلهم. فهم وجلون والرعب يعتمل في باطنهم الا ان قدرتهم على تمالك انفسهم تعينهم على عدم ابداء أي انفعال ظاهري ، وقد يكون الدافع من وراء ذلك هو حفظ كرامتهم وكبريائهم واظهار
الاطفال ومشاعر الخوف والقلق ::: فهرس