وخير مثال على التحريف المعنوي هو ما أشاعه معاوية في واقعة صفّين عند مقتل عمّار بن ياسر ـ لمّا تناقل الجند كلام رسول الله « تقتلك الفئة الباغية » ـ بأن الإمام عليّ بن أبي طالب هو القاتل له حيث أخرجه وزجّ به في المعركة ، ولما سمع الإمام عليّ بهذه المقالة قال ما مفاده : وعلى هذا الكلام يكون رسول الله هو الذي قتل حمزة لأنّه أخرجه لحرب المشركين!
     وأقبح منه ما روي أنّه قال لأهل الشام : إنّما نحن الفئة الباغية التي تبغي دم عثمان(1)4لا!
     فللأمويين تحريفات لفظية وتحريفات معنوية كثيرة ، وإنّ هذه الدراسة تريد أن توضح أمثال هذه الأمور في الشريعة والتاريخ وانعكاسها على الأذان هنا .
     فلا يجوز حمل بعض التحقيقات حول الأمويين وعقيدتهم في الاسراء والمعراج و... على الإسهاب والخروج عن البحث ، بل ما كتبناه هو المقصود ، ولولاه لما فهمنا ملابسات التشريع الذي نحن بصدد بيانه.
     بلى ، إنّهم لم يكونوا يحبّون آل الرسول ، بل لم يحبّوا كلّ من أحبّه الرسول ، بل كانوا يتعاملون مع آل الرسول بالشدة والبغض ، فقد ذكر المناوي في فيض القدير ، وكذا القرطبي في تفسيره واقعة دارت بين مروان بن الحكم وأسامة بن
____________
(1) الإمامة والسياسة 1 : 146.

( 146 )

زيد.
     وأسامة كان ممن يحبهم رسول الله ـ حسب نص القرطبي وغيره ـ وكان الخليفة عمر بن الخطاب أعطاه خمسة آلاف درهم ولابنه عبدالله ألفي درهم ، فسأل عبدالله عن سر ذلك فأجابه عمر أنّه فعل ذلك لمحبة رسول الله له.
قال القرطبي : وقد قابل مروان هذا الواجب ( أي محبّة محبّ رسول الله ) بنقيضه ، وذلك أنّه مرّ بأسامة وهو يصلّي بباب بنت رسول الله.
فقال مروان : إنّما أردت أن تُري الناس مكانك ، فقد رأينا مكانك! فَعَل الله بك وفعل ، وقال قولاً قبيحاً.
وقال له أسامة : آذيتني وإنّك فاحش متفحّش ، وقد سمعتُ رسول الله يقول : إنّ الله يُبغض الفاحش المتفحش.
فانظر ما بين الفعلين وقِس ما بين الرجلين ، فلقد آذى بنو أميّة رسول الله في أحبابه وناقضوه في مَحابّه(1).
     وعليه فالذي يجب القول به هنا ، هو أنّ خبر الإسراء ثابت بالكتاب ، والمعراج ثابت بالسنة ـ وإن لم يفرّق البعض بينهما فأطلق الإسراء على كليهما تساهلاً ـ وهذا ما جعل المجال مفتوحاً للإجمال والتفصيل والتلاعب والتشكيك في خبر المعراج أكثر من أخبار الإسراء.
     فهل يرجع إجمالهم في نقل أخبار المعراج إلى عدم وقوفهم على نقول أهل بيت الوحي والنبوة ؟ أم يرجع إلى أنّهم أجملوا ذلك عن قصد وعمد ؟ لعلّك عرفت جواب هذا السؤال ممّا مرّ ، فأغنى ذلك عن الإطالة.
     وبهذا يكون ما كتبناه هو أشارة إلى دواعي الأمويين ومن لفّ لفهم في
____________
(1) تفسير القرطبي 14 : 240 ، وعنه في فيض القدير 1 : 618.

( 147 )

تحريف خبر الأذان ، وكيف ربطوا خبر الإسراء والمعراج بالشجرة الملعونة ، مدعين أنّها شجرة الزقوم ، بل كيف ربطوها بمسائل أخرى وقضايا مصيرية في الشريعة والتاريخ ، كلّ ذلك للتشكيك في مقام الرسول صلى الله عليه وآله والقول بأنّ منامه المعراجي هذا يشابه الأذان ويحتاج إلى شاهد لتثبيت صحته.
     مطلبان
     لنا هنا مطلبان يتضحان بعد طرحنا هذين السؤالين :
     الأوّل : هل أنّ الأذان عبارة عن الإعلام للصلاة فقط ، أم هو بيان لأصول العقيدة وأركان الإسلام ؟
     الثاني : هل أنّ أمر الأذان توقيفيّ ؟ وإذا كان توقيفيّاً ، فهل هناك فرق بين توقيفية الواجبات وتوقيفية المستحبّات أم لا ؟
     وقبل الجواب عن السؤال الأوّل لابدّ من الإشارة إلى حقيقة هامّة في العبادات وغيرها ، وهي : أنَّ الأُمور العباديّة في الشرع لها ظاهر ومغزى ، فقد يمكن للإنسان أن يقف على ظاهر شيء ويؤدّيه دون أن يعرف كنهه ومغزاه والغاية القصوى منه ، فالمطالع مثلاً في ما جاء عن أهل بيت النبوة يقف على أسرار في الصلاة والصيام والزكاة والحجّ وغيرها ، ويتعرّف على أُمور كان لا يعرفها من ذي قبل ، ولم يتنبه لها في نظرته الأُولى ، من ذلك ما ذكره الصدوق في علل الشرائع ، حيث قال فيه :
     إنّ نفراً من اليهود جاءوا إلى رسول الله فسألوه عن مسائل وكان فيما سألوه : أخبرنا يا محمّد لأيّ علَّة توضّأ هذه الجوارح الأربع وهي أنظف المواضع في الجسد ؟


( 148 )

     فقال النبيُّ صلى الله عليه وآله : « لمّا أن وسوس الشيطان إلى آدم دنا من الشجرة ونظر إليها ذهب ماء وجهه ، ثمّ قام ومشى إليها وهي أوّل قدم مشت إلى الخطيئة ، ثمّ تناول بيده منها ممّا عليها فأكل فطار الحلي والحلل عن جسده ، فوضع آدم يده على [أُمِّ] رأسه وبكى ، فلمّا تاب الله عليه فرض عليه وعلى ذرّيّته غسل هذه الجوارح الأربع ، وأمره بغسل الوجه لما نظر إلى الشجرة ، وأمره بغسل اليدين إلى المرفقين لما تناول منها ، وأمره بمسح الرأس لما وضع يده على أُمِّ رأسه ، وأمره بمسح القدمين لما مشى بهما إلى الخطيئة »(1).
     ومعنى هذا النصّ أنّ العبد يجب عليه تطهير أعضائه حينما يريد التوجّه إلى الله ، وبما أنّ الوجه واليدين فيهما الحواسّ الخمس الظاهرة التي بها يُعصى الإله كان عليه أن يغسلهما قبل الدخول إلى حضرة الإله.
     أمّا الرأس والقدمان فهما عنصران آليّان يتقوّى بهما المكلّف على المعصية أو الطاعة وهما ليسا من الحواسّ الخمس ، ففي الرأس القوّة المفكِّرة والخياليّة التي تبعث الفرد إلى ارتكاب المعاصي أو فعل الواجب ، وبالرِّجل يسعى إليهما ـ الطاعة أو المعصيّة ـ فأمر سبحانه المسح عليهما كي ينجو من الوساوس الشيطانيّة والأغلال النفسيّة ويدخل حضيرة القدس طاهراً نقيّاً من الأدناس ، ولأجل هذه الحقيقة فقد أكّدنا في كتابنا « وضوء النبيّ » على : أنَّ طهارة الوضوء هي طهارة حكميّة وليست بحقيقيّة ، لأنَّ المؤمن لا يُنَجِّسُه شيء ، وبالوضوء يُعرف مَن يطيع الله ومن يعصيه(2).
     وبعد هذه المقدِّمة لابدّ من الإجابة عن السؤال الأوّل.
____________
(1) علل الشرائع 1 : 280 الباب 191.
(2) انظر : وضوء النبيّ ، المدخل 428.

( 149 )

     1 ـ الأذان إعلام للصلاة أم بيان لأصول العقيدة ؟

     قال القاضي عياض : « اعلم أنّ الأذان كلام جامع لعقيدة الإيمان ، مشتمل على نوعه من العقليّات والسمعيّات ، فأوّله إثبات الذات وما يستحقّه من الكمال ، والتنزيه عن أضدادها ، وذلك بقوله « الله أكبر » ، وهذه اللفظة مع اختصار لفظها دالَّة على ما ذكرناه.
     ثمّ صرّح بإثبات الوحدانيّة ونفي ضدّها من الشركة المستحيلة في حقّه سبحانه وتعالى ، وهذه عمدة الإيمان والتوحيد ، المقدّمة على كلّ وظائف الدين.
     ثمّ صرح بإثبات النبوّة والشهادة بالرسالة لنبيّنا ، وهي قاعدة عظيمة بعد الشهادة بالوحدانيّة وموضعها بعد التوحيد ، لأنّها من باب الأفعال الجائزة الوقوع ، وتلك المقدّمات من باب الواجبات ، وبعد هذه القواعد كملت العقائد العقليّات فيما يجب ويستحيل ويجوز في حقّه سبحانه وتعالى.
     ثمّ دعا إلى ما دعاهم إليه من العبادات ، فدعا إلى الصلاة وجعلها عقب إثبات النبوّة ، لأنَّ معرفة وجوبها من جهة النبيّ صلى الله عليه وآله لا من جهة العقل.
     ثمّ دعا إلى الفلاح ، وهو الفوز والبقاء في النعيم المقيم ، وفيه إشعار بأُمور الآخرة من البعث والجزاء ، وهي آخر تراجم عقائد الإسلام.
     ثمّ كرّر ذلك بإقامة الصلاة للإعلام بالشروع فيها ، وهو متضمّن لتأكيد الإيمان وتكرار ذكره عند الشروع في العبادة بالقلب واللسان وليدخل المصلّي فيها على بيّنة من أمره وبصيرة من إيمانه ويستشعر عظيم ما دخل فيه وعظمة حقّ مَن يعبده وجزيل ثوابه... »(1).
____________
(1) نقله عنه النووي في المجموع 3 : 75.

( 150 )

     وقد نقل محمّد بن علان ـ شارح الأذكار النوويّة ـ كلام القاضي عياض بشيء من التصرّف ، كقوله :
ثمّ كرّر التكبير آخره إشارة إلى الاعتناء السابق ، لأنَّ هذا المقام هو الأصل المبنيّ عليه جميع ما تقرّر من العقائد والقواعد ، وختم ذلك بكلمة التوحيد إشارة إلى التوحيد المحض...(1).
وكان آخره اسم « الله » ليطابق البداءة ، إشارة إلى أنَّه الأوّل والآخِر في كلّ شيء ، قال القاضي : « ثمّ كرّر ذلك عند إقامة الصلاة للإعلام بالشروع فيها ، وفي ذلك تأكيد الإيمان وتكرار ذكره عند الشروع في العبادة بالقلب واللسان ، ليدخل المصلّي فيها على بيّنة من أمره وبصيرة من إيمانه ويستشعر عظيم ما دخل فيه وعظيم حقّ مَن عبده وجزيل ثوابه على عباده(2).
     وقد علّق ابن علان على كلام القاضي عياض بقوله : ( قلتُ : قال ابن حجر في شرح المشكاة : وللاعتناء بشأن هذا المقام الأكبر كرّر الدالّ عليه أربعاً إشعاراً بعظيم رفعته ، وكأنّ حكمة خصوص الأربع أنَّ القصد بهذا التكرير تطهير شهود النفس بشهود ذلك عن شهواتها الناشئة عن طبائعها الأربعة الناشئة عن أخلاطها الأربعة.
     وفي شرح العباب له : ( وكأنَّ حكمة الأربع أنَّ الطبائع أربعة لكلٍّ منها كمال ونقص يخصّه بإزاء كلّ منها كلمة من تلك ليزيد في كمالها ويطهّر نقصها ،
____________
(1) وهو أن ( لا إله إلاّ هو ) ، معنى آخر لقوله ( إنّا لله وإنّا إليه راجعون ) أو قوله : ( وإلى ربّك المنتهى ).
(2) انظر : الفتوحات الربّانيّة على الأذكار النوويّة 2 : 84.

( 151 )

وكذا يقال بذلك في كلّ محلّ ورد فيه التربيع)(1).
     وقال القرطبيّ وغيره : (الأذان على قلّة ألفاظه مشتمل على مسائل العقيدة ، لأنّه بدأ بالأكبريّة وهي تتضمّن وجود الله وكماله ، ثمّ ثنّى بالتوحيد ونفي الشرك ، ثمّ بإثبات الرسالة لمحمّد صلى الله عليه وآله .
     ثمّ إلى الطاعة المخصوصة عقب الشهادة بالرسالة ، لأنّها لا تُعرف إلاَّ من جهة الرسول.
     ثمّ دعا إلى الفلاح وهو البقاء الدائم ، وفيه الإشارة إلى المعاد.
     ثمّ أعاد ما أعاد توكيداً ، ويحصل من الأذان الإعلام بدخول الوقت والدعاء إلى الجماعة وإظهار شعار الإسلام(2).
     قال ابن خزيمة : فإذا كان المرء يطمع بالشهادة بالتوحيد لله في الأذان وهو يرجو أن يخلّصه الله من النار بالشهادة لله بالتوحيد في أذانه ، فينبغي لكلِّ مؤمن أن يارع إلى هذه الفضيلة طمعاً في أن يخلّصه الله من النار ، خلا في منزله أو في بادية أو قرية أو مدينة طلباً لهذه الفضيلة(3).
     وقال القسطلانيّ ـ بعد نقله خبر أبي هريرة عن النبيِّ وقوله : « إذا نُودي للصلاة أدبر الشيطان وله ضراط حتّى لا يُسمَع التأذين » ـ : ( لعظيم أمره لما اشتمل عليه من قواعد الدين وإظهار شرائع الإسلام ، أوحى : لا يشهد للمؤذِّن بما سمعه إذا استشهد يوم القيامة ، لأنّه داخل في الجنّ والإنس المذكور في حديث : لا يسمع مدى صوت المؤذِّن جنّ ولا إنس ولا شيء إلاَّ شهد له يوم
____________
(1) الفتوحات الربانية 2 : 83.
(2) فتح الباري 2 : 61 كتاب أبواب الأذان ، وعنه في بذل المجهود 4 : 3 ـ 4.
(3) صحيح ابن خزيمة 1 : 208.

( 152 )

القيامة)(1)..
     وأخرج عبدالرزّاق عن معمر ، عن الزهريّ : أنَّ أبا بكر الصدّيق قال : الأذان شعار الإيمان(2)
     ونقل الصدوق بسنده إلى الإمام الحسين بن عليّ عليهما السلام ، قال : كنّا جلوساً في المسجد ، إذ صعد المؤذِّن المنارة ، فقال : الله أكبر ، الله أكبر ، فبكى أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام ، وبكينا لبكائه ، فلمّا فرغ المؤذّن ، قال : « أتدرون ما يقول المؤذِّن ؟ ».
     قلنا : الله ورسوله ووصيّه أعلم.
     فقال : « لو تعلمون ما يقول لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيراً ، فلِقوله : الله أكبر ، معانٍ كثيرة.
     منها : أنَّ قول المؤذِّن : « الله أكبر » ، يقع على قِدَمِهِ ، وأزليّته ، وأبديّته ، وعلمه ، وقوّته ، وقدرته ، وحلمه ، وكرمه ، وجوده ، وعطائه ، وكبريائه.
     فإذا قال المؤذِّن : اللهُ أكبر ، فإنّه يقول : الله الذي له الخلق والأمر ، وبمشيّته كان الخَلق ، ومنه كلّ شيء للخلق ، وإليه يرجع الخلق ، وهو الأوّل قبل كلّ شيء لم يَزَل ، والآخِر بعد كلّ شيء لا يزال ، والظاهر فوق كلّ شيء لا يُدرَك ، والباطن دون كلّ شيء لا يُحَدّ ، فهو الباقي ، وكلّ شيء دونه فانٍ.
     والمعنى الثاني : « الله أكبر » ، أي : العليم الخبير ، عليم بما كان وما يكون قبل أن يكون.
     والثالث : « اللهُ أكبر » ، أي : القادر على كلّ شيء ، يقدر على ما يشاء ، القويّ لقدرته ، المقتدر على خلقه ، القويّ لذاته ، وقدرته قائمة على الأشياء كلّها ، إذا
____________
(1) إرشاد الساري 2 : 5.
(2) مصنّف عبدالرزّاق 1 : 483/1858.

( 153 )

قضى أمراً فإنّما يقول له : كن فيكون.
     والرابع : « اللهُ أكبر » على معنى حلمه ، وكرمه ، يحلم كأنّه لا يعلم ، ويصفح كأنّه لا يرى ، ويستر كأنّه لا يُعصى ، لا يَعجَل بالعقوبة كرماً وصفحاً وحلماً.
     والوجه الآخر في معنى الله أكبر : أي الجواد ، جزيل العطاء ، كريم الفِعال.
     والوجه الآخر : الله أكبر فيه نفي صفته وكيفيّته ، كأنّه يقول : الله أجَلُّ من أن يُدرِك الواصفون قدرَ صفته ، الذي هو موصوف به ، وإنّما يصفه الواصفون على قدرهم لا على قدر عظمته وجلاله ، تعالى الله عن أن يُدرِك الواصفون صفته علوّاً كبيراً.
     والوجه الآخر : الله أكبر ، كأنّه يقول : الله أعلى وأجلّ ، وهو الغنيُّ عن عباده ، لا حاجة به إلى أعمال خلقه.
     وأمّا قوله : « أشهد أن لا إله إلاّ الله » : فإعلام بأنَّ الشهادة لا تجور إلاَّ بمعرفة من القلب ، كأنّه يقول : أعلمُ أنّه لا معبود إلاَّ الله عزّوجلّ ، وأنَّ كلّ معبود باطل سوى الله عزّوجلّ ، وأقِرُّ بلساني بما في قلبي من العلم بأنَّه لا إله إلاَّ الله ، وأشهد أنّه لا ملجأ من الله عزّوجلّ إلاّ إليه ، ولا منجى من شرّ كلّ ذي شرّ ، وفتنة كلّ ذي فتنة إلاّ بالله.
     وفي المرّة الثانية : « أشهد أن لا إله إلاَّ الله » ، معناه : أشهد أن لا هادي إلاّ الله ، ولا دليل إلى الدين إلاّ الله ، وأُشهِدُ الله بأني أشهَدُ أن لا إله إلاّ الله ، وأُشهد سُكَّان السماوات ، وسكّان الأرضين ، وما فيهنّ من الملائكة والناس أجمعين ، وما فيهنّ من الجبال ، والأشجار ، والدوابّ ، والوحوش ، وكلّ رطب ويابس ، بأنّي أشهد أن لا خالق إلاَّ الله ، ولا رازق ، ولا معبود ، ولا ضارّ ، ولا نافع ، ولا قابض ، ولا باسط ، ولا معطي ، ولا مانع ، ولا ناصح ، ولا كافي ، ولا شافي ، ولا مُقدّم ، ولا مُؤخّر إلاّ الله ، له الخلق والأمر ، وبيده الخير كلّه ، تبارك الله ربّ العالمين.


( 154 )

     وأمّا قوله : « أشهدُ أن محمّداً رسول الله » ، يقول : أشهد الله أنَّه لا إله إلاّ هو ، وأنَّ محمّداً عبده ورسولُه ، ونبيُّه ، وصفيُّه ، ونجيبُه ، أرسله إلى كافّة الناس أجمعين بالهدى ودين الحقّ ليظهره على الدين كلّه ولو كره المشركون ، وأشهد مَن في السماوات والأرض ، من النبيّين والمرسلين ، والملائكة والناس أجمعين أنَّ محمّداً سيّد الأوّلين والآخرين.
     وفي المرّة الثانية : « أشهد أنَّ محمّداً رسول الله » ، يقول : أشهد أن لا حاجة لأحد [إلى أحد] إلاَّ إلى الله الواحد القهّار الغنيّ عن عباده والخلائق والناس أجمعين ، وأنّه أرسل محمّداً إلى الناس بشيراً ونذيراً وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً ، فمن أنكره وجحده ولم يؤمن به أدخله الله عزّوجلّ نار جهنّم خالداً مُخَلَّداً ، لا ينفكُّ عنها أبداً.
     وأما قوله : « حيّ على الصلاة » ، أي هلمّوا إلى خير أعمالكم ، ودعوة ربّكم ، وسارعوا إلى مغفرة من ربّكم ، وإطفاء ناركم التي أوقدتموها على ظهوركم ، وفكاك رقابكم التي رَهَنتموها ، ليكفّر الله عنكم سيئاتكم ، ويغفر لكم ذنوبكم ، ويبدّل سيئاتكم حسنات ، فإنّه مَلِكٌ كريم ، ذو الفضل العظيم ، وقد أذِن لنا ـ معاشرَ المسلمين ـ بالدخول في خدمته ، والتقدّم إلى بين يديه.
     وفي المرة الثانية : « حيّ على الصلاة » ، أي قوموا إلى مناجاة ربّكم وعرض حاجاتكم على ربكم ، وتوسّلوا إليه بكلامه ، وتشفعوا به وأكثروا الذكر والقُنوت ، والركوع والسجود ، والخضوع والخشوع ، وارفعوا إليه حوائجكم ، فقد أذن لنا في ذلك.
     وأمّا قوله : « حيّ على الفلاح » ، فإنّه يقول : أَقْبِلُوا إلى بقاءٍ لا فناءَ معه ، ونجاةٍ لا هلاك معها ، وتعالوا إلى حياةٍ لا موت معها ، وإلى نعيم لا نفاد له ، وإلى مُلك لا زوال عنه ، وإلى سرور لا حزن معه ، وإلى أُنس لا وحشة معه ، وإلى نور لا


( 155 )

ظلمة معه ، وإلى سعة لا ضيق معها ، وإلى بهجة لا انقطاع لها ، وإلى غِنى لا فاقة معه ، وإلى صحّة لا سقم معها ، [وإلى عِزّ لا ذلّ معه] ، وإلى قوّة لا ضعف معها ، وإلى كرامة يا لها من كرامة ، وعَجِّلُوا إلى سرور الدنيا والعقبى ، ونجاة الآخرة والأُولى.
     وفي المرّة الثانية : « حيّ على الفلاح » ، فإنّه يقول : سابقوا إلى ما دعوتكم إليه ، وإلى جزيل الكرامة ، وعظيم المِنَّة ، وسنيّ النِّعمة ، والفوز العظيم ، ونعيم الأبد في جوار محمّد صلى الله عليه وآله في مقعد صدق عند مليك مقتدر.
     وأمّا قوله : « اللهُ أكبر ، اللهُ أكبر » ، فإنّه يقول : الله أعلى وأجلّ من أن يعلم أحد من خلقه ما عنده من الكرامة لعبد أجابه وأطاعه ، وأطاع أمره وعبدَهُ وعرف وعيده ، واشتغل به وبذكره ، وأحبّه وآمن به ، واطمأنَّ إليه ووثق به وخافه ورجاه ، واشتاق إليه ، ووافقه في حكمه وقضائه ، ورضي به.
     وفي المرّة الثانية : « اللهُ أكبر » ، فإنّه يقول : الله أكبر وأعلى وأجَلُّ من أن يَعلم أحدٌ مبلغ كرامته لأوليائه وعقوبته لأعدائه ، ومبلغ عفوه وغفرانه ونعمته لمن أجابه وأجاب رسوله ، ومبلغ عذابه ونَكاله وهوانه لمن أنكره وجحده.
     وأمّا قوله : « لا إله إلاّ الله » ، معناه : لله الحجّة البالغة عليهم بالرسول والرسالة ، والبيان والدعوة ، وهو أجَلُّ من أن يكون لأحدٍ منهم عليه حجَّة ، فَمَن أجابه فله النور والكرامة ، ومَن أنكره فإنَّ اللهَ غنيٌّ عن العالمين ، وهو أسرع الحاسبين.
     ومعنى « قد قامت الصلاة » في الإقامة ، أي حان وقت الزيارة والمناجاة ، وقضاء الحوائج ، ودرك المُنَى ، والوصول إلى الله عزّوجلَّ ، وإلى كرامته وغفرانه وعفوه ورضوانه.
     قال الصدوق : إنّما تَرَكَ الراوي ذِكر « حيّ على خير العمل » للتقيّة ، وقد روي في خبر آخر أنَّ الصادق عليه السلام سئل عن معنى « حيّ على خير العمل » فقال : « خير


( 156 )

العمل : الولاية ».
     وفي خبر آخر : « خير العمل : بِرُّ فاطمةَ وولدها عليهم السلام »(1).
     قلتُ : سنفتح بإذن الله ملابسات هذه الرؤية وما يتلوها عن ابن عبّاس في البابين الأوّل « حيّ على خير العمل ، الشرعية والشعارية » ، والثالث « أشهد أن عليّاً وليّ الله بين الشرعية والابتداع » من هذه الدراسة إن شاء الله تعالى. إذ لاخلاف عند جميع الفرق الشيعية إسماعيلية كانت ، أم زيدية ، أم إمامية اثني عشرية بجزئية الحيعلة الثالثة ، وأكّد الدسوقي وغيره ـ كما سيأتي ـ على تأذين الإمام عليّ بن أبي طالب بها ، فقد يكون ـ وكما احتمله الشيخ الصدوق ـ الراوي إنّما ترك ذكر ( حيّ على خير العمل ) للتقية وذلك للظروف التي كانت تمر بها الشيعة. ويؤيد ما قلناه في شرعية الحيعلة الثالثة وأنّها موجودة في الأخبار المنقولة عن الإمام عليّ وابن عباس ما روي عند الزيدية عن بن عبّاس عن عليّ بن أبي طالب قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول : « لما انتُهي بي إلى سدرة المنتهى... وفيه : حيّ على خير العمل حيّ على خير العمل »(2).
     وروى الصدوق في معاني الأخبار بسنده عن عطاء ، قال : كنّا عند ابن عبّاس بالطائف ، أنا وأبو العالية ، وسعيد بن جبير ، وعكرمة ، فجاء المؤذِّن فقال : « اللهُ أكبر اللهُ أكبر » ، واسم المؤذِّن قثم بن عبدالرحمن الثقفيّ.
     فقال ابن عبّاس : أتدرون ما قال المؤذِّن ؟ فسأله أبو العالية ، فقال : أخبرنا
____________
(1) معاني الأخبار 38 ـ 41 والنصّ عنه ، والتوحيد 238 ـ 241 كما في مستدرك وسائل الشيعة 4 : 65 ـ 70 ح 4187 / 1 ، وانظر : بيان المجلسيّ في بحار الأنوار 81 : 134 ـ 135 ، وتفسيره عليه السلام الأذان في جامع الأخبار : 171 كما في بحار الأنوار 81 : 153 ـ 155.
(2) انظر : الخبر بتفصيله في كتاب الاعتصام بحبل الله 1 : 290.

( 157 )

بتفسيره.
     قال ابن عبّاس : (إذا قال المؤذِّن : « الله أكبر ، اللهُ أكبر » ، يقول : يا مَشاغيلَ الأرض ، قد وجبت الصلاة ، فتفرَّغوا لها.
     وإذا قال : « أشهد أن لا إله إلاَّ الله » ، يقول : يقوم يوم القيامة ، ويشهد لي ما في السماوات وما في الأرض على أنّي أخبرتكم في اليوم خمس مرّات.
     وإذا قال : « أشهد أنَّ محمّداً رسول الله » ، يقول : تقوم القيامة ومحمّد يشهد لي عليكم أنّي قد أخبرتكم بذلك في اليوم خمس مرّات ، وحجّتي عند الله قائمة.
     وإذا قال : « حيّ على الصلاة » ، يقول : دِيناً قيِّماً فأقيموه ، وإذا قال : « حيّ على الفلاح » ، يقول : هَلُمُّوا إلى طاعة الله وخذوا سهمكم من رحمة الله ، يعني الجماعة.
     وإذا قال العبد : « اللهُ أكبر ، اللهُ أكبر » ، يقول : حرّمت الأعمال.
     وإذا قال : « لا إله إلاَّ الله » ، يقول : أمانة سبع سماوات ، وسبع أرضين ، والجبال ، والبحار وضعت على أعناقكم إن شئتم فأقبلوا وإن شئتم فأدِبروا(1).
     وقد مرّ عليك كلام الإمام الحسين « والأذان وجه دينكم » ، وقول محمّد ابن الحنفيّة : « عمدتم إلى ما هو الأصل في شرائع الإسلام ومعالم الدين »(2) ، وما جاء في ( مَن لا يحضره الفقيه ) بإسناده عن الفضل بن شاذان فيما ذكره من
____________
(1) معاني الأخبار 41 كما في بحار الأنوار 81 : 141 ـ 143 ومستدرك وسائل الشيعة 4 : 71 ـ 72.
(2) جاء في كتاب الاعتصام بحبل الله 1 : 278 : قال الهادي إلى الحقّ [ من أئمّة الزيديّة ] : والأذان من أصول الدين ، وأصول الدين لا يتعلّمها رسول الله على لسان بشر من العالمين.

( 158 )

العلل عن الرضا عليه السلام أنّه قال :
     « إنّما أُمِرَ الناس بالأذان لعلل كثيرة ، منها : أن يكون تذكيراً للناسي ، وتنبيهاً للغافل ، وتعريفاً لمن جهل الوقت واشتغل عنه ؛ ويكون المؤذِّن بذلك داعياً لعبادة الخالق ، ومرغِّباً فيها ، ومُقِرَّاً له بالتوحيد ، مجاهراً بالإيمان ، معلناً بالإسلام... ».
     إلى أن يقول : « وجُعِل بعد التكبير الشهادتان ، لأنَّ أوّل الإيمان هو التوحيد والإقرار لله بالوحدانيّة ، والثاني الإقرار للرسول بالرسالة ، وأنَّ إطاعتهما ومعرفتهما مقرونتان ، ولأنَّ أصل الإيمان إنّما هو الشهادتان ، فجعل شهادتين شهادتين كما جعل في سائر الحقوق شاهدان ، فإذا أقرّ العبد لله عزّوجلّ بالوحدانيّة وأقرّ للرسول بالرسالة فقد أقرَّ بجملة الإيمان ؛ لأنّ أصل الإيمان إنّما هو بالله وبرسوله. وإنّما جعل بعد الشهادتين الدعاء إلى الصلاة ، لأنّ الأذان إنّما وضع لموضع الصلاة ، وإنّما هو نداء إلى الصلاة في وسط الأذان ودعاء إلى الفلاح وإلى خير العمل ، وجعل ختم الكلام باسمه كما فتح باسمه »(1).
     وفي العلل لمحمّد بن عليّ بن إبراهيم بن هاشم ، قال : علّة الأذان أن تكبّر الله وتعظّمه وتقرّ بتوحيد الله وبالنبوّة والرسالة وتدعو إلى الصلاة وتحثّ على الزكاة ، ومعنى الأذان : الإعلام ، لقوله تعالى : ( وأذان من اللهِ ورسولهِ إلى الناس )(2) ، أي : إعلام ، وقال أمير المؤمنين عليه السلام : « كنتُ أنا الأذان في الناس بالحجّ » ، وقوله : ( وأذّن في الناس بالحجّ )(3) ، أي : أعلِمهم وادعُهم.
____________
(1) مَن لا يحضره الفقيه 1 : 299/914 ، علل الشرائع : 258/9 الباب 182 ، عيون أخبار الرضا 2 : 103 ـ 105.
(2) التوبة : 2.
(3) الحجّ : 28.

( 159 )

     فمعنى « الله » أنّه يخرج الشيء من حدِّ العدم إلى حدِّ الوجود ويخترع الأشياء لا من شيء ، وكلّ مخلوق دونه يخترع الأشياء من شيء إلاَّ الله ، فهذا معنى « الله » وذلك فرق بينه وبين المحدث.
     ومعنى « أكبر » ، أي : أكبر مِن أن يُوصَف في الأوّل ، وأكبر من كلِّ شيء لمّا خلق الشيء.
     ومعنى قوله : « أشهد أن لا إله إلاَّ الله » : إقرار بالتوحيد ، ونفي الأنداد وخلعها ، وكلّ ما يعبدون من دون الله.
     ومعنى « أشهد أنّ محمّداً رسول الله » : إقرار بالرسالة والنبوّة ، وتعظيم لرسول الله صلى الله عليه وآله ، وذلك قول الله عزّوجلّ : ( ورفعنا لك ذكرك )(1) ، أي : تُذكَر معي إذا ذُكِرتُ.
     ومعنى « حيّ على الصلاة » ، أي : حثّ على الصلاة.
     ومعنى « حيّ على الفلاح » ، أي : حثّ على الزكاة.
     وقوله : « حيّ على خير العمل » ، أي : حثّ على الولاية ، وعلّة أنّها خير العمل أنَّ الأعمال كلّها بها تقبل.
     اللهُ أكبر اللهُ أكبر ، لا إله إلاَّ الله ، محمّد رسول الله ، فألقى معاوية من آخر الأذان « محمّد رسول الله » ، فقال : أمَا يرضى محمّد أن يُذكر في أوّل الأذان حتّى يذكر في آخره ؟!
     ومعنى الإقامة : هي الإجابة والوجوب ، ومعنى كلماتها فهي التي ذكرناها في الأذان ، ومعنى « قد قامت الصلاة » ، أي : قد وجبت الصلاة وحانت وأُقيمت ، وأمّا العلّة فيها ، فقال الصادق عليه السلام : « إذا أذَّنتَ وصلّيتَ صلَّى خلفك صفٌّ من الملائكة ، وإذا أذَّنت وأقمتَ صلَّى خلفك صفّان من الملائكة ، ولا يجوز ترك
____________
(1) الانشراح : 4.

( 160 )

الأذان إلاّ في صلاة الظهر والعصر والعتمة ، يجوز في هذه الثلاث الصلوات إقامة بلا أذان ، والأذان أفضل ، ولا تجعل ذلك عادة ، ولا يجوز ترك الأذان والإقامة في صلاة المغرب وصلاة الفجر ، والعلة في ذلك أنّ هاتين الصلاتين تحضرهما ملائكة الليل وملائكة النهار(1).
     وقال الشيخ جعفر كاشف الغطاء ـ ضمن بيانه لحكم وفضل الأذان ـ : « .. ولأنّه وضع لشعائر الإسلام دون الإيمان »(2).
     فهذه النصوص تشير بوضوح إلى أنّ الأذان لم يكن إعلاماً بوقت الصلاة فقط ، بل هو بيان لكلّيّات الإسلام وأصول العقيدة والعقائد الحقة.
     فلو كان بياناً لوقت الصلاة خاصّة ؛ لكان للشارع أن يكتفي بتشريع علامة كي تكون معلماً للوقت والمكان كما تفعله اليهود والنصارى والمجوس بالبوق والناقوس وإشعال النار وغير ذلك.
     وعليه ، لم يكن الأذان لإعلام وقت الصلاة خاصّة ، ويؤيّد قولنا شموليّة التأذين لكثير من الأُمورالاجتماعيّة والحياتيّة ، ولو سلّطنا الضوء على آثار الأذان في الشريعة لوقفنا على جواب سؤالنا.
____________
(1) انظر : بحار الأنوار 81 : 169. عن كتاب العلل لمحمد بن علي بن إبراهيم بن هاشم.
(2) كشف الغطاء ، الطبعة القديمة 227 في بيان كيفيّة الأذان ، وسنعلِّق في الباب الثالث « اشهد ان عليّاً ولي الله بين الشرعية والابتداع » على كلامه رحمه الله تعالى.

( 161 )

     الأذان وآثاره في الحياة الاجتماعية
     من الثابت في الشريعة الإسلامية استحباب الأذان والإقامة لأمور حياتيّة واجتماعيّة كثيرة غير الصلاة ، نذكر موارد منها :
     الأذان والمولود
     عن عليّ عليه السلام : « مَن وُلِد له مولود فليؤذِّن في أُذنه اليمنى بأذان الصلاة ، وليقم في اليسرى ، فإنَّ ذلك عصمة من الشيطان الرجيم والإفزاع له »(1).
     وفي سنن أبي داود بسنده عن عبيدالله بن أبي رافع ، عن أبيه ، قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله أذّن في أُذن الحسن بن عليّ حين ولدته فاطمة بالصلاة(2).
     الأذان والعقم
     شكا هشام بن إبراهيم إلى الرضا عليه السلام سقمه وأنّه لا يولد له ، فأمره أن يرفع صوته بالأذان في منزله ، قال : ففعلتُ ذلك ، فأذهب اللهُ عني سقمي ، وكثر ولدي(3) .
____________
(1) النصّ في الجعفريّات ( الأشعثيّات ) : 32 ، وقريب منه في دعائم الإسلام 1 : 147 ، وعنه في بحار الأنوار 84 : 162 ـ 163. وانظر : وسائل الشيعة 21 : 405 ـ 406 كتاب النكاح باب استحباب الأذان في أذن المولود.
(2) سنن أبي داود 4 : 328 كتاب الأدب باب في الصبيّ يولد فيؤذّن في أذنه ح 5105 ، وسنن الترمذي 4 : 97 كتاب الأضاحي باب الأذان في اذن المولود ح 1514 ، وقال : هذا حديث حسن صحيح.
(3) الدعوات للقطب الراونديّ : 189 ـ 190 ، وعنه في بحار الأنوار 81 : 156. ومستدرك وسائل الشيعة 4 : 39 كتاب الصلاة وانظر : كلام الشيخ يحيى بن سعيد في جامع الشرائع 73 ، والصدوق في من لا يحضره الفقيه 1 : 292 ح 903.

( 162 )

الأذان والمرض
     عن جعفر بن محمّد الصادق عليه السلام أنّه دخل عليه رجل من مواليه وقد وعك ، فقال له عليه السلام : « ما لي أراك متغيِّر اللون ؟ ».
     فقلتُ : جُعِلتُ فداك ، وعكتُ وعكاً شديداً منذ شهر ، ثمّ لم تنقلع الحمّى عنّي ، وقد عالجتُ نفسي بكلّ ما وصفه لي المترفّقون فلم أنتفع بشيء من ذلك.
     فقال له الصادق عليه السلام : « حلَّ أزرار قميصك ، وأدخل رأسك في قميصك وأذِّن وأقِم واقرأ سورة الحمد سبع مرات ».
     قال : ففعلتُ ذلك ، فكأنّما نشطتُ من عقال(1).
     وحكى العجلوني في كشف الخفاء عن الفقيه محمّد السيابا ـ فيما حكى عن نفسهـ أنّه هبّت ريح فوقعت منه حصاة في عينه وأعياه خروجها وآلمته أشدّ الألم ، وأنّه لمّا سمع المؤذّن يقول : أشهد أن محمّداً رسول الله ، قال ذلك ، فخرجت الحصاة من فوره(2).
     الأذان وسعة الرزق
     شكا رجل لأبي عبدالله الصادق عليه السلام الفقر ، فقال : « أذِّن كلَّما سمعتَ الأذان كما يُؤذّن المؤذّن »(3).
     وقال سليمان بن مقبل المدينيّ : قلتُ لأبي الحسن موسى بن جعفر عليه السلام : [ لأيّ ] علّة يستحبّ للإنسان إذا سمع الأذان أن يقول كما يقول المؤذِّن ، وإن كان على البول والغائط ؟
____________
(1) طبّ الأئمّة 52 ، كما في بحار الأنوار 81 : 75.
(2) كشف الخفاء 2 : 206 ـ 207.
(3) بحار الأنوار 81 : 174 عن الدعوات للراوندي.

( 163 )

     فقال عليه السلام : « لأنَّ ذلك يزيد في الرزق »(1).
     الأذان ووجع الرأس
     ذكر الشيخ الطبرسيّ في عدّة السفر وعمدة الحضر : روي عن الأئمَّة عليهم السلام أنّه : « يكتب الأذان والإقامة لرفع وجع الرأس ويُعَلَّق عليه »(2).
     الأذان وسوء الخُلق
     عن الصادق عليه السلام : « إن لكلّ شيء قَرَماً ، وأنَّ قَرَم الرجل اللحم ، فَمَن تركه أربعين يوماً ساء خُلقه ، ومَن ساء خلقه فأذِّنّوا في أُذنه اليمنى »(3).
     الأذان وطرد الشيطان
     روى سليمان الجعفريّ أنّه سمع الإمام الصادق عليه السلام ، يقول : « أذِّن في بيتك ، فإنّه يطرد الشيطان ، ويستحبّ من أجل الصِّبيان »(4).
     الأذان والغول
     في دعائم الإسلام عن عليّ عليه السلام قال : « قال رسول الله : إذا تَغَوّلت لكم الغِيلان(5) فأذِّنوا بالصلاة »(6).
     وعن أبي سعيد الخدريّ : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : « لا يسمع مدى صوت المؤذِّن
____________
(1) وسائل الشيعة 1 : 315 كتاب الطهارة أبواب أحكام الخلوة ، وانظر : 15 : 347 ـ 348 عن الإمام عليّ ، كتاب الجهاد أبواب جهاد النفس.
(2) مستدرك وسائل الشيعة 4 : 76 ، مستدرك سفينة البحار 1 : 65 في مادة « أذن » ، الطبعة القديمة.
(3) المحاسن 2 : 256 كتاب المآكل ح 1808 ، بحار الأنوار 81 : 151.
(4) الحدائق النضرة 7 : 366.
(5) الغول : نوع من الجنّ يغتال الإنسان ـ بحار الأنوار 81 : 119.
(6) دعائم الإسلام 1 : 147 كما في بحار الأنوار 81 : 162 ، ومستدرك وسائل الشيعة 4 : 62.

( 164 )

جنّ ولا إنس ولا شيء إلاَّ وشهد له يوم القيامة »(1).
     وقال الخطاب الرعيني في مواهب الجليل نقلاً عن الناشري من الشافعيّة في الإيضاح : يستحبّ الأذان لمزدَحَم الجنّ ، وفي أُذُن الحزين ، والصبيّ عندما يولد في اليمنى ويقيم في اليسرى ، والأذان خلف المسافر والإقامة(2).
     فتلخّص مما سبق ومن أقوال بعض علماء أهل السنّة والجماعة ، وجميع الشيعة بفرقها الثلاث أنَّ تشريع الأذان كان في المسرى وأنَّ تشريعه لم يكن لتعيين وقت الصلاة خاصّة ؛ لاكتناف هذه الشعيرة الإسلاميّة أسراراً عالية ومعاني باطنيّة عميقة ذكرنا بعضها ، وستقف على غيرها لاحقاً ، وستعرف بأنَّ السِّرَّ في رفع « حيّ على خير العمل » لم يكن لما علّلوه ، وكذا المقصود من جملة « الصلاة خير من النوم » لم يكن كما يفهمه عامّة الناس من العبارة ، بل هناك أسرار ومسائل تكتنف هذه الفصول سنرفع الستار عنها بإذن الله تعالى.
     2 ـ توقيفيّة الأذان
     وصل البحث بنا إلى طرح سؤال آخر وهو : هل الأذان توقيفيّ بمعنى لزوم إتيان فصوله كما هي ، أم إن لنا الحق في الزيادة والنقصان حسب ما تقتضيه المصلحة وهو المعني بعدم توقيفيته كما مرّت الإشارة إليه ؟ وهل هناك فرق بين الأمور التوقيفية العباديّة وغيرها ، وبين الواجبات والمستحبات ، أم لا ؟
     بل ما هو حكم الأذان ، وهل توقيفيته كالقرآن لا يمكن الزيادة والنقيصة فيها ؟ أم أن توقيفيته هي بشكل آخر ؟
____________
(1) صحيح البخاري 1 : 306 كتاب الأذان باب رفع الصوت بالأذان ح 575 ، سنن النسائي 2 : 12 كتاب الأذان باب رفع الصوت بالأذان.
(2) مواهب الجليل 2 : 85.

( 165 )

     من الثابت المعلوم أن الأذان توقيفيّ ، وقد مرت عليك نصوص أهل بيت النبيّ الدالّة على أنّه شرّع في الإسراء والمعراج ، ومثله جاء في كتب بعض أهل السنة والجماعة.
     لكن من حقّنا أن نتساءل : لو كان كذلك فكيف لنا أن نتعامل مع بعض الأحاديث والنصوص المشعرة بعدم التوقيفية ، وذلك لما فيها من الزيادة والنقصان ، وعلى أيّ شيء تدل ، هل على التخيير أم الرخصة أم على شيء آخر ؟
     روى أبو بصير عن أبي عبدالله الصادق عليه السلام ، قال : لو أنّ موّذناً أعاد في الشهادة وفي حيّ على الصلاة أو حيّ على الفلاح المرتين والثلاث وأكثر من ذلك إذا كان إماماً يريد به جماعة القوم ليجمعهم لم يكن به باس(1).
     وعن أبي عبيدة الحذَّاء ، قال : رأيت أبا جعفر عليه السلام يكبّر واحدة واحدة في الأذان ، فقلت له : لِمَ تكبر واحدة واحدة ؟ فقال : لا باس به إذا كنتَ مستعجلاً في الأذان(2).
     وروى الشيخ في الصحيح عن عبدالله بن سنان ، قال : سألت أبا عبدالله عن المرأة تؤذّن للصلاة ؟ فقال : حَسَنٌ إن فعلت ، وان لم تفعل أجزأها أن تكبّر وأن تشهد أن لا إله إلاَّ الله وأن محمّداً رسول الله(3).
     وعن أبي مريم الأنصاري في الصحيح ، قال : سمعت أبا عبدالله عليه السلام يقول : إقامة المرأة أن تكبّر وتشهد أن لا إله إلاَّ الله وأنّ محمّداً عبده ورسوله صلى الله عليه وآله (4).
____________
(1) الكافي 3 : 308 ح 34 والنصّ عنه ، وعنه في وسائل الشيعة 5 : 428.
(2) التهذيب 2 : 62 ح 216 ، الاستبصار 1 : 307 /1140 ، وسائل الشيعة 5 : 425.
(3) التهذيب 2 : 58 ح 202 ، وسائل الشيعة 5 : 405.
(4) الكافي 3 : 305 ، كتاب الصلاة باب بدء الأذان والإقامة.