وجاء في رواية البخاري ومسلم ، عن عبدالله بن الحارث ، قال : خَطَبنا ابنُ عبّاس في يوم ذي ردغٍ ، فأمرَ المؤذّن لمّا بلغ (حيّ على الصلاة) قال قل : « الصلاة في الرحال » ، فنظر بعضهم إلى بعض ، فكأنّهم أنكروا ، فقال : كأنّكم أنكرتم هذا ، إنَّ هذا فَعَلُه مَن هو خير منّي ـ يعني النبيّ صلى الله عليه وآله ـ وإنّها عزمة ، وإنّي كرهت أن أُحرجكم(1).
     وجاء عن الإمام الباقر عليه السلام أنّه كان يزيد في الفجر جملة « الصلاة خير من النوم »(2)!
     فعلى أي شيء تدل هذه النصوص ؟ وما المعني بها ؟ وكيف يمكن تطابقها مع القول بتوقيفية العبادات ؟
     وهل أنّ توقيفية الأذان تختلف عن غيره من الأحكام فيجوز إعادة (حيّ على الفلاح) ثلاث مرات أو أكثر في الأذان ، ولا يجوز الزيادة والنقيصة في أمر عبادي آخر ؟
     وهل هناك فرق بين الواجب التوقيفيّ والمستحبّ التوقيفيّ ؟
     إن التوقيفيّ معناه هو التعبّديّ ، أي التعبّد بما جاء به الشارع المقدّس دون زيادة ولا نقصان ، فلو صحّ مجيء « حيّ على الفلاح » في الأذان ثلاثاً فهو شرعيّ ويحمل إما على التخيير أو الرخصة لضرورة خاصة.
     ولو لم يصح الخبر فلا يعمل به ، وليس هناك فرق بين التوقيفيّ في العبادات والتوقيفيّ في المعاملات ، وكذا لا فرق بين التوقيفيّ في الواجبات والمستحبّات ، فعلى المكلف أن يؤدّي ما سمعه وعقله على الوجه الذي أمر به
____________
(1) صحيح البخاري 1 : 324 ـ 325 ، كتاب الأذان باب هل يصلي الإمام بمن حضر...في المطر ح 629 ، صحيح مسلم 1 : 485 ح 699 ، كتاب صلاة المسافرين وقصرها.
(2) التهذيب 2 : 63 ح 222.

( 167 )

الشارع فقط ، ففي كمال الدين للصدوق ، عن عبدالله بن سنان ، قال : قال الصادق عليه السلام : ستصيبكم شبهة فتبقون بلا عَلَم يُرى ولا إمام هدىً ، لا ينجو منها إلاَّ من دعا بدعاء الغريق.
     قلت : وكيف دعاء الغريق ؟
     قال : تقول : يا الله يا رحمن يا رحيم يا مقلّب القلوب ، ثبّت قلبي على دينك..
     فقلت : يا مقلّب القلوب والأبصار ثبّت قلبي على دينك.
     فقال عليه السلام : إن الله عزّوجلّ مقلّب القلوب والأبصار ، ولكن قُل كما أقول : يا مقلب القلوب ثبّت قلبي على دينك(1).
     بهذا النهج يتعلم المسلم لزوم التروّي والتأنّي والحيطة والحذر في النقل وضرورة رعاية النص كما هو دون زيادة ونقصان ، هذا ما علّمنا الشارع المقدّس التمسّك به.
     نعم ، قد يختلف توقيفي عن توقيفي آخر ، وبلحاظ زاوية خاصة ، بمعنى أنّ توقيفية الأذان قد تختلف عن توقيفية الزواج والطلاق ، أي : أنّ توقيفية الزواج والطلاق تتعلّق بامر كلي لا بجزئيته ، أي يجب على المطلِّق أو العاقد أن يُنشئ عقدة الزواج والطلاق في كلامه دون التعبد بصيغة واحدةٍ خاصة ، فله أن يقول : ( أنكحت ) أو ( زوّجت ) أو ( متّعت ) ، فلو أتى العاقد بأي صيغة منها صح زواجه.
     وكذا الحال بالنسبة إلى الطلاق فلو قال المطلِّق : زوجتي طالق ، أو فاطمة طالق ، أو امرأتي التي في ركن الدار طالق ـ لو كانت هناك مثلاً ـ صح طلاقه ، لأنّ المطلوب هو إنشاء علقة الزوجية في الزواج ، وقصد الإبانة في الطلاق
____________
(1) كمال الدين وتمام النعمة 2 : 351 باب 43 ح 49 وعنه في بحار الأنوار 52 : 148 ح73.

( 168 )

دون التعبّد بصيغة مخصوصة ، وهذا بخلاف التعبد بنصوص القرآن وما شابهه ، لأن الثاني يأبى التغيير والتبديل ، فلا يجوز تقديم جملة من القرآن على أخرى ، فلا يجوز أن تقول : ( الرحيم الرحمن ) بدل ( الرحمن الرحيم ) ؛ لأن المطلوب أداء النصّ السماوي كما هو.
     اذاً توقيفيات الأمور تختلف بحسب تعلّق الأحكام ، فتارة : تتعلّق بالحقيقة وذات الأمر ، وأخرى بلزوم التعبد بالنص المعهود دون زيادة ونقيصة ، وقد وضّحنا قبل قليل بأنّ توقيفية الزواج والطلاق مثلاً تتعلق بالحقيقة الكلية دون التعبد بصيغة بخصوصها ، بخلاف توقيفية القرآن فإنّها توقيفية بالنص فلا يجوز الزيادة والنقصان والتقديم والتأخير ، ومن القبيل الأوّل الأذكار المستحبة في القنوت ، فالقنوت مستحبّ يقيناً لكن لا يلحظ فيه ذكر مخصوص ، فللقانت أن يقنت بما شاء من تسبيح وتحميد وشكر و...
     والآن نتساءل عن توقيفية الأذان وأنّه من أي القسمين ، وهل يجوز فيه الزيادة والنقيصة وتبديل كلمة باختها أم لا ؟ ولو جاز فإلى أي حد يسمح لنا الشارع بالتصرف ؟ وهل أنّه من قبيل الذكر المسموح به في القنوت أو من قبيل اختلاف صيغ التشهد وصلاة الخوف عند أهل السنة والجماعة أم هو شيء آخر ؟
     نترك القارى معنا إلى الابواب اللاحقة كي نوقفه على حقيقة الأمر وما نريد قوله بهذا الصدد.




( 169 )

     الخلاصة

     بعد أن بيّنّا معنى الأذان لغة واصطلاحاً ، والأقوال التي قيلت في تأريخ تشريع الأذان ، عرضنا أشهر الأقوال الموجودة عند أهل السنة والجماعة في بدء الأذان فكانت ستّة :
     1 ـ تشريعه باقتراح من الصحابة وخصوصاً عمر بن الخطّاب.
     2 ـ تشريعه بمنامات رآها بعض الصحابة مثل أبي بكر وعمر وعبد الله بن زيد وغيرهم.
     3 ـ نزول الأذان تدريجياً ، ثمّ إضافة عمر الشهادة بالنبوّة.
     4 ـ الأذان وحي من الله تلقّاه الرسول من جبرئيل في المعراج.
     5 ـ إنّ عمر أوّل من سمع أذان جبرئيل في السماء ثمّ سمعه بلال.
     6 ـ إنّ تشريع الأذان نزل به جبرئيل على آدم لمّا استوحش.
     ثمّ أتينا برؤية أهل البيت في بدء الأذان ، وأكّدنا اتّفاقهم على كون تشريعه كان في المعراج ، ونقلنا نصوصاً عن :
     1 ـ الإمام عليّ بن أبي طالب.
     2 ـ الإمام الحسن بن عليّ.
     3 ـ الإمام الحسين بن عليّ.
     4 ـ محمّد بن عليّ بن أبي طالب (ابن الحنفية).
     5 ـ الإمام عليّ بن الحسين زين العابدين.
     6 ـ الإمام محمّد بن عليّ الباقر.
     7 ـ الإمام جعفر بن محمّد الصادق.


( 170 )

     8 ـ الإمام عليّ بن موسى الرضا.
     ثمّ ذكرنا أقوال بعض أعلام الإمامية كي نؤكّد إطباقهم على هذا الأمر وأنه مأخوذ من الوحي النازل على النبيّ دون الرؤيا.
     وحيث أن القول بكونه وحياً قد ورد عند الفريقين بعكس القول بكونه مناماً الذي انفردت به أهل السنة والجماعة ، ألقينا بعض الضوء على هذه الرؤية فكانت لنا وقفة مع أحاديث الرؤيا ، ثمّ تحقيق في دواعي نشوء مثل هذه الفكرة عندهم ، واحتملنا ارتباط هذا الأمر مع قوله تعالى ( وما جعلنا الرؤيا التي أرَيناكَ إلا فتنةً للناس ) المرتبط بلعن بني أميّة ، موضحين هناك بعض معالم الخلاف وجذوره ، مؤكدين على أن أهل البيت كانوا يشيرون في كلماتهم ومواقفهم إلى أن بني أميّة جدّوا للوقوف أمام انتشار ذكر محمّد وآله في الأذان والتشهد والخطبة ، ساعين للتقليل من مكانة الإسراء والمعراج والادّعاء بأنّه كان بالروح فقط ، أي أنّه كان في المنام لا في اليقظة ، وذلك طمساً لذكر الرسول المستتبع طمس ذكر مكارمه صلى الله عليه وآله وفضائله ، والأنكى من ذلك أنهم أغفلوا وجود الإمام عليّ بن أبي طالب عليه السلام ضمن المضطجعين مع النبيّ عند العروج أو البعثة وحرفوا نصوصاً ومشاهدات اُخرى كانت في المعراج وتسميتها بأسماء آخرين.
     ومثله تناسيهم ذكر وجود مثاله في الجنَّة مع أنّهم ذكروا وجود أمثلة مَن هم أقلّ شأناً ومنزلة من عليّ بكثير وقد قلنا بأن فكرة الرؤيا استحكمت عند القوم بعد صلح الإمام الحسن مع معاوية لقول سفيان بن الليل : فتذاكرنا عنده ، فقال بعضنا : إنّما كان الأذان برؤيا عبدالله بن زيد ، فقال له الحسن بن عليّ : أنّ شأن الأذان أعظم من ذلك ، أذّن جبرئيل...
     ثمّ ذكرنا ما حكي عن الإمام الحسين وأنّه سئل عما يقول الناس


( 171 )

فقال عليه السلام : الوحي ينزل على نبيكم وتزعمون أنّه أخذ الأذان عن عبدالله بن زيد.
     وما نقل عن محمّد بن الحنفية أنّه فزع لمّا سمع ما يُقال عن تشريع الأذان بالرؤيا وقوله : وعمدتم إلى ما هو الأصل في شرائع الإسلام ومعالم دينكم فزعمتم أنّه كان رؤيا رآها رجل من الأنصار في منامه يحتمل الصدق والكذب وقد تكون أضغاث احلام.
     قال [ الراوي ] : فقلت : هذا الحديث قد استفاض في الناس ؟
     قال : هذا والله هو الباطل.
     ثمّ نقلنا بعد ذلك كلمات الإمام عليّ والزهراء والحسن والحسين وعليّ بن الحسين وزينب ، المصرّح أو الملوّح فيها ببني أميّة ومن قبلهم ممن كانوا قد تصدو للخلافة!
     ثمّ ركّزنا على خطبة الإمام السجاد في الشام فذكرنا قسماً منها إلى أن أذن المؤذن فقال (اشهد أن محمّداً رسول الله) فالتفت عليّ بن الحسين من اعلى المنبر إلى يزيد وقال : يا يزيد ، محمّدٌ هذا جدي أم جدك ، فإن زعمت أنّه جدك فقد كذبت ، وإن قلت أنّه جدي فلم قتلت عترته ، ولاحظنا سير محاولة الطمس وامتدادها إلى العصر العباسيّ من جانب الحكومات ، وفي مقابلها حرص ائمّة أهل البيت عليهم السلام على إتمام النور ورفع الذكر والافتخار باسم محمّد المرفوع في الأذان.
     وأخيراً أشرنا إلى مطلبين آخرين :
     أحدهما : أنّ الأذان ليس إعلاما محضاً للصلاة ، بل له أكثر من واقع في الحياة الإسلامية ، إذ تنطوي ألفاظه على معاني الإسلام وأصول العقيدة من التوحيد والنبوة والإمامة ـ بنظر الإمامية ـ ثمّ ذكرنا الأذان وآثاره في الحياة الإجتماعية.


( 172 )

     ثانيهما : توقيفية الأذان..! وقد تركنا القارئ دون جواب متكامل هنا ، وذلك لأنّ هذا المطلب يحتاج إلى مقدمات ومزيد بيان للملابسات وما زيد في الأذان وما نقص منه ، فلابّد من مسايرة البحث للوقوف على الحقيقة . والآن مع أوّل باب من هذه الدراسة :


( 173 )

البابُ الأَوَّل

حيَّ عَلى خَيْرِ العَمَلِ

الشرعية والشعارية


     أنّها جزء على عهد رسول الله
     تأذين الصحابـة وأهل البيت بها
     رفع الخليفــة الثانــي لهـا
     بيان لمعنى الحيعلة وسبب حذفها
     تاريخ المسألة والصراعات فيها


( 175 )

    
( 176 )

     ويقع الكلام في هذا الباب في أربعة فصول :

     الفصل الأوّل : الكلام في شرعيّة حيَّ على خير العمل ، وأنّها كانت جزءاً على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله .
     الفصل الثاني : في تحديد زمن حذف هذه الحَيعَلة ، وامتناع بلال عن التأذين.
     الفصل الثالث : في بيان معنى حيّ على خير العمل ، والأسباب التي دَعَتِ عمر بن الخطاب إلى حَذْفِها من الأذان.
     الفصل الرّابع : بيان تاريخ المسألة وكيف صارت شعاراً لنهج التعبّد المحض ، وحذفُها شعاراً سياسيّاً لخصومهم في العصور المتأخّرة بعد ثبوت شرعيّتها على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله .
    
    
( 177 )

    
( 178 )
    

الفصل الأوّل
    
في
    
جزئية حيَّ على خير العمل



( 179 )

    
( 180 )

     ويتلّخص الكلام فيه في ثلاثة أقسام :

     القسم الأوّل : بيان اتّفاق الفريقين على أصل شرعيّة « حيَّ على خير العمل » وانفراد أهل السنة والجماعة بدعوى النَّسخ فيها من بعد.

     القسم الثاني : أسماء من أذّن بـ « حيَّ على خير العمل » من الصَّحابة والتّابعين وأهل البيت.
    
     القسـم الثالث : إجماع العترة.
    
    
( 180 )

    
( 181 )

القسم الأوّل

اتّفاق الفريقين على أصل شرعيّتها

     من الثابت المسلّم الذي لا يقبل الشكّ هو ثبوت جزئيّة « حيَّ على خير العمل » في الأذان على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله ؛ لأنّها مضافاً إلى وجودها في روايات الإمامية الاثني عشرية وفي روايات الزيّدية والإسماعيليّة ، رواها أهل السنة والجماعة بطرقهم ، وأنّ بلالاً كان يؤذّن بها في الصبح خاصّة ، بل كان جمّ غفير من الصحابة يؤذّنون بها.
     وحكي عن بعض أئمّة المذاهب الأربعة أنّهم قالوا بالتأذين بها ، لكنّ عامّتهم ادّعوا أنّ رسول الله أمر بلالاً بحذفها من الأذان ووضع مكانها جملة « الصلاة خير من النوم ».
     من هذا يتبيّن أنّهم لا ينكرون شرعيّتها في مبدأ الأمر ، لكنّهم يقولون بنسخها ، فما هو الناسخ إذاً ؟ ولِمَ تُنسخُ هذه الجملة بالخُصوص من الأذان ؟
     للإجابة عن هذا السؤال لابدّ من ملاحظة أنّ أهل السنّة والجماعة انقسموا ـ في هذه المسألة ـ إلى فريقين ؛ فمنهم من قال إنّ الناسخ هو قول رسول الله صلى الله عليه وآله لبلال : « اجعل مكانها الصلاة خير من النوم »(1) ، في حين لم يَرَ الفريقُ
____________
(1) انظر : مجمع الزوائد 1 : 330 ، « وفيه : « رواه الطبراني في الكبير ، وفيه عبدالرحمن بن عمّار بن سعد وقد ضعّفه ابن معين ». والجدير بالذكر أن المتّقي الهندي ذكر رواية الطبراني في كنز العمال 8 : 342 ح 23174 بعد ذكر إسنادها قال : كان بلال يؤذّن بالصبح فيقول : حيَّ على خير العمل ، ولم يذكر فيه : « اجعل مكانها الصلاة خير من النوم ».

( 182 )

الآخر منهم بُدّاً من السُّكوت عن بيان الناسخ ؛ لضعف تلك الأخبار وعدم دلالتها على المقصود ، بل لاحتواء تلك الأسانيد على وقفات علميّة ؛ سَنَديّة ودلاليّة ، يجب بيانها إن اقتضى الحال.
قال السيّد المرتضى في الانتصار : وقد روت العامّة أنّ ذلك [ أي « حيّ على خير العمل » ] مما كان يقال في بعض أيام النبيّ ، وإنّما ادّعي أن ذلك نُسخ ورُفع ، وعلى مَن ادّعى النسخ الدلالة له ، وما يجدها(1).
وقال ابن عربي في الفتوحات المكية : ... وأمّا من زاد في الأذان حيَّ على خير العمل فإن كان فُعل في زمان رسول الله ـ كما روي أنّ ذلك دعا به في غزوة الخندق ؛ إذ كان الناس يحفرون ، فجاء وقت الصلاة وهي خير موضوع كما ورد في الحديث ، فنادى المنادي أهل الخندق « حيَّ على خير العمل » ـ فما أخطأ مَن جعلها في الأذان ، بل اقتدى إن صحّ الخبر ، أو سنّ سنّة حسنة(2).
وجاء في الروض النضير عن كتاب السنام ما لفظه : الصحيح أنّ الأذان شرّع بحيّ على خير العمل ، لأنّه اتُّفِق على الأذان به يوم الخندق ، ولأنّه دعاءٌ إلى الصَّلاة ، وقد قال صلى الله عليه وآله « خير أعمالكم الصلاة »(3). كما وردت روايات أخرى تفيد أنّ مؤذّني رسول

____________
(1) الانتصار 137 ، باب « وجوب قول حيّ على خير العمل في الأذان ».
(2) الفتوحات المكية 1 : 400.
(3) هذا ما حكاه عزّان محقّق كتاب ( الأذان بحيّ على خير العمل ) 12 عن الروض النضير 1 : 542.

( 183 )

الله صلى الله عليه وآله وغيرهم من الصحابة استمرّوا على التأذين بها حتّى ماتوا(1).
     وعليه فالفريقان شيعةً وسنةً متّفقان على ثبوت حكمها في الصدر الأوّل وعلى كونها جزء الأذان في بدء التشريع ، لكنّ أهل السنة والجماعة انفردوا بدعوى النسخ ، وهو كلام قُرِّر في العهود اللاحقة لأسباب تقف عليها لاحقاً.
     فهذا الأمر يشير إلى أنّ شرعيتها وجزئيتها كانت ثابتة عند الفريقين من لدن عهد الرسول الأكرم ، ويضاف إلى ذلك أنّ الشيعة الإمامية والزيدية والإسماعيلية لهم طرقهم الخاصَّة والصَّحيحة وكُلُّها تُؤكّد ثبوتها على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وعدم نَسْخها في حياته صلى الله عليه وآله ، « وأنّ رسول الله أمَرَ بلالاً أنْ يُؤذّن بها فلم يَزَلْ يُؤَذِّنُ بها حتّى قَبَضَ اللهُ رَسولَهُ »(2).
     وهذا نص صريح يدل على عدم نسخ « حَيّ على خير العمل » وعلى كونها جُزء الأذان حتّى قَبَضَ الله رسوله.
     ويؤيِّد هذا المروي عندنا عن بلال ما رواه الحافظ العلوي الزيدي(3)
____________
(1) المصدر نفسه 50 ـ 56..
(2) انظر : من لا يحضره الفقيه 1 : 284/ ح 872 وعنه في وسائل الشيعة 5 : 416 ، والاستبصار 1 : 306 ح 1134 ، والأذان بحيّ على خير العمل للحافظ العلوي 91 .
(3) وهو أبو عبدالله محمد بن علي بن الحسن العلوي الشجري الكوفي ( الإمام المحدّث الثقة العالم الفقيه مسند الكوفة ) كما نصّ عليه الذهبي في العبر 3 : 212 وسير أعلام النبلاء 17 : 636 وابن العماد الحنبلي في شذرات الذهب 3 : 274. مات بالكوفة في ربيع الأول سنة 445هـ ، ومولده في رجب سنة 367هـ .
قال ابن النرسي : ما رأيت من كان يفهم فقه الحديث مثلَه. وقال : كان حافظاً خرّج عنه الحافظ الصوري وأفاد عنه وكان يفتخر به ( سير اعلام النبلاء 17 : 636 ). وفي

( 184 )


____________
( طبقات الزيدية 2 : 292 ) : الثقة العابد مسند أهل الكوفة ، وقد ترجم له الطهراني في طبقات أعلام الشيعة (أعلام القرن الخامس 170 ـ 172).
له كتاب « فضل الكوفة » و« فضل زيارة الحسين » و« تسمية من روى عن الإمام زيد من التابعين » ، و« التاريخ » ، و« التعازي » وكتاب « الجامع الكافي » وقد جمعه من بضع وثلاثين كتاباً من كتب الإمام محمد بن المنصور المرادي الزيدي ، وهو من أجلّ ما كتب في الفقه ونصوص الأئمّة الزيديّة ، وفيه بحث الأذان. وله كتاب على انفراد باسم « الأذان بحيَّ على خير العمل » له طرق متعدّدة عند الزيديّة ، وقد أشار محمد يحيى سالم عزّان إلى بعض طرقه إلى هذا الكتاب في مقدّمة تحقيقه ص (32) ، وكذا العلاّمة السيّد محمّد بن حسين بن عبدالله الجلال ، حيث قال في آخر نسخته : يقول الفقير إلى الله المعترف بالذنب والتقصير محمد بن حسين بن عبدالله الجلال :
أروي كتاب « الأذان بحيَّ على خير العمل » من عدّة طرق عن مشايخي رحمهم الله بطريق الإجازة العامّة ، وأرويه عن سيّدي العلاّمة قاسم بن حسين أبو طالب بالسماع من فاتحته إلى خاتمته إلاّ اليسير منه فبالإجازة العامّة ، وهو يرويه عن عدد من مشايخه ذكرتهم في مؤلّفي المسمّى ( الأنوار السنيّة في إسناد علوم الأمة المحمديّة )منهم شيخه العلاّمة عليّ بن حسين المغربي عن شيخه السيّد العلاّمة عبدالكريم بن عبدالله أبو طالب عن شيخه العلاّمة بدر الال... إلى آخر مشايخه ـ عن المؤلّف أبي عبدالله محمد بن عليّ بن الحسن بن عليّ بن الحسين بن عبدالرحمن بن القاسم بن الحسن بن زيد بن الحسن بن عليّ بن أبي طالب رضوان الله عليهم جميعاً.
وقد طبع هذا الكتاب في اليمن في شهر صفر عام 1399هـ ، السيّد يحيى عبدالكريم الفضل عن نسخة العلاّمة الجلال . قال المحقق في مقدّمته للكتاب : وقد روى التأذين بـ « حي على خير العمل » ، أكثر من عشرة من الصحابة ، وجاءت رواية الأذان من أكثرمن مائة طريق ، وكلّ منها بإسناد متصل ( انظر : المقدمة 5 ـ 6 ).
وقد نقل عن هذا الكتاب كثير من الأعلام أمثال الإمام القاسم بن محمّد في كتاب الاعتصام ، والشوكاني في نيل الأوطار ، وأخرج مسنده في كتابه ( إتحاف الأكابر ) ، ورواه وأخرج مسنده العلاّمة عبدالواسع الواسعي في كتابه ( درر الأسانيد ) ، وكذا العلامة مجد الدين المؤيد والعلامة الجلال وغيرهم .
ومن المؤسف أن النسخة المطبوعة التي بأيدينا مغلوطة ، ولم تعرض وتقابل مع نسخ خطية أخرى للكتاب ، وإن كتب على المطبوع حققه السيد يحيى عبد الكريم الفضل . ولأجله استعنت في بعض الأحيان بنسخة أخرى من تحقيق محمد يحيى سالم عزان ، وفي أحيان أخرى بكتاب الاعتصام بحبل الله المطبوع فيه كتاب الأذان بكامله . وقد أراني المحقق الحجة السيد محمد رضا الجلالي نسخة من كتاب ( الأذان بحي على خير العمل ) بخط العلامة المحدث السيد محمد بن الحسين الجلال مجيزاً له رواية هذا الكتاب ، وقد أخبرني بأنه يعزم على تحقيقه وطبعه فسرني عزمه آملين له التوفيق والسداد .

( 185 )

مسنداً إلى أبي محذورة من أنَّ رسول الله علّمه الأذان ، وفيه التَّأذين بحيَّ على خير العمل(1).
     ومن المعلوم أنَّ أبا محذورة تَعَلَّمَ الأذان من رسول الله ـ حسبما يقولون ـ في أواخر السَّنَة الثامنة من الهجرة بعد رجوعه من حُنَين(2) ، ومعناه ثبوتُ حيّ على خير العمل وشرعيتُها حتّى ذلك التأريخ ، ولم يَأمر رسولُ الله بإبدالها بـ « الصلاة خير من النوم ».
     ويضاف إلى ذلك أنَّ رواية الحافظ العَلوي عن بلال تنفي الزيادة التي جاء بها الطبراني والبيهقي عنه رضوان الله تعالى عليه ؛ لأنَّ الحافظ العَلوي كان قد
____________
(1) انظر : « الأذان بحيّ على خير العمل » للحافظ العلوي 26 ـ 27 ،29. وكذا : تحقيقعزّان 50 ـ 54.
(2) سبل السلام 1 : 120 ، كتاب المسند للشافعي 31 ، مسند أحمد 3 : 408 ، سنن النسائي 2 : 5.

( 186 )

قال :
حدّثنا عليّ بن محمّد بن إسحاق المقري الخزّاز ، أخبرنا أبو زرعة أحمد بن الحسين الرازي ، حدّثنا أبو بكر بن تومردا ، أخبرنا مسلم بن الحجّاج ، حدّثنا إبراهيم بن محمّد بن عرعرة ، حدّثنا معن بن عيسى ، حدّثنا عبدالرحمن بن سعد المؤذِّن ، عن محمّد بن عمّار بن حفص بن عمر ، عن جدّه حفص بن عمر بن سعد ، قال : كان بلال يؤذِّن في أذان الصبح بحيَّ على خير العمل(1).
     في حين نرى نفس هذا الحديث قد ورد في الطبراني والبيهقي(2)من طريق يعقوب بن حميد عن عبدالرحمن بن سعد [ المؤذّن ] عن عبدالله بن محمّد وعمر وعمّار ابنَي حفص ، عن آبائهم ، عن أجدادهم ، عن بلال : أنّه كان ينادي بالصبح فيقول : « حيَّ على خير العمل » ، إلاّ أنّ فيما أخرجه الطبراني والبيهقي زيادة :
فأمره النبيّ صلى الله عليه وآله أن يجعل مكانها « الصلاة خير من النوم » وترك « حيَّ على خير العمل ».
     والمتأمِّل في رواية معن بن عيسى عن عبدالرحمن بن سعدٍ التي أوردها الحافظ العلوي يراها أوثق من رواية يعقوب بن حميد التي أوردها الطـبراني والبيهقي باتفاق الجميع ؛ لأنَّ معن بن عيسى ثقة ثبت وكذا غيره من رجال
____________
(1) الأذان بحيّ على خير العمل 28. وبتحقيق عزّان 56. والاعتصام بحبل الله 1 : 290.
(2) المعجم الكبير 1 : 353 والنصّ عنه ، وفي السنن الكبرى 1 : 425 وفيه قال الشيخ : هذه اللفظه لم تثبت عن النبيّ صلى الله عليه وآله فيما علّم بلالاً وأبا محذورة ونحن نكره الزيادة فيه وبالله التوفيق.

( 187 )

السند.
     وممّا يحبذ هنا هو أنّ نقوم بتحقيق بسيط عن رجال الإسنادين وما رَوَوه عن بلال وأبي محذورة ، واختلاف النقل عنهما ، كي نتعرف على ملابسات مثل هذه الأمور في الشريعة والأحكام :
     وقفه مع الحديثَين(1)
     ذكرت كتب الحديث والتاريخ أسماء أربعة من الذين أذنوا على عهد رسول الله ، وهم :
     1 ـ بلال بن رباح الحبشي
     2 ـ أبو محذورة القرشي
     3 ـ عبدالله بن أمّ مكتوم
     4 ـ سعد القرظ
     وقد أذّن أبو محذورة بعد السنة الثامنة من الهجرة(2) ، وقيل بعد فتح
____________
(1) أحدهما : الذي رواه الطبراني والبيهقي بإسنادهما عن عبدالرحمن بن سعد القرظ ، وفيه : كان بلال يؤذّن في أذان الصبح بحيّ على خير العمل ، وأنّ رسول الله أمره أن يجعل مكانها الصلاة خير من النوم ، وهو يخالف ما رواه الحافظ العلوي من طريق مسلم بن الحجّاج والذي يخلو من هذه الزيادة.
الثانية : حديث أبي محذورة المختلف فيه ، والذي رواه رجال الصحاح والسنن ليس فيه « حيّ على خير العمل » ، أمّا الحافظ العلوي وأحمد بن محمّد بن السري فقد رَوَياه وفيه التأذين بحيّ على خير العمل ، وهو الذي يتّفق مع مرويّات أهل البيت ، وعليه إجماع العترة حسبما ستعرف بعد قليل.
(2) سبل السلام 1 : 120 ، كتاب المسند للشافعي 31 ، مسند أحمد3 : 408 ، سنن النسائي 2 : 5.

( 188 )

مكّة(1) ، ونقل عن سعد القرظ أنّه كان يؤذّن بِقُبا(2).
     وربّما تكـون روايـات الأذان عند المـذاهب الأربعـة والاختلافات في فصوله وأعداده ، راجعة إلى اختلاف عمل هؤلاء الصـحابة في الأذان أو اختلاف النقل عنهم ، مضافاً إلى ما جاء عن عبدالله بن زيد بن ثعلبة بن عبدربه فيه.
     فالاختلاف أمر ملحوظ في الأحاديث ، وقد يُنقَل عن الصحابي الواحد نقلان متخالفان ؛ فالتكبيرتان والأربع في أوّل الأذان مثلاً ورد كلّ منهما عن عبدالله بن زيد ، والتثويب وعدمه جاءا عن أبي محذورة ، واختص خبر الترجيع(3) بأبي محذورة دون غيره من المؤذنين ، فما سبب كلّ هذا الاختلاف والكل ينسب فعله إلى الصحابه ؟
     « فمالك والشافعي ذهبا إلى أنّ الأذان مثنى مثنى والإقامة مرّة مرّة ، إلاّ أنّ الشافعيّ يقول في أوّل الأذان ( الله أكبر ) أربع مرات ويرويها محفوظاً عن عبدالله بن زيد وأبي محذورة ، وهي زيادة مقبولة والعمل بها في مكّة ومن تبعهم من أهل الحجاز.
     لكن مالكاً وأصحابه ذهبا إلى تثنية التكبير ، وقد رووا ذلك من وجوهٍ صحاحٍ من أذان أبي محذورة ومن أذان عبدالله بن زيد وعليه عمل أهل المدينة من آل سعد القرظ »(4).

____________
(1) الطبقات الكبرى لابن سعد 5 : 450.
(2) تلخيص الحبير 3 : 199 ، تهذيب الأسماء للنووي 1 : 55.
(3) الترجيع في الأذان هو تكرير الشهادتين جهراً ، هكذا فسره الصاغاني ، انظر : تاج العروس 5 : 351.
(4) انظر : فتح المالك 1 : 7.

( 189 )

     واتفق مالك (1) والشافعي (2) على الترجيع في الأذان ، لكن الحنابلة (3) والأحناف (4) قالوا : لا ترجيع في الأذان . وكل استند فيما ذهب إليه إلى نقله عن بعض الصحابة !!
     قال الأثرم : سمعت أبا عبدالله [ يعني أحمد بن حنبل ] يسأل : إلى أيّ الأذان يذهب ؟ قال : إلى أذان بلال...
     قيل لأبي عبدالله : أليس حديث أبي محذورة بعد حديث عبدالله بن زيد ؛ لأنّ حديث أبي محذورة بعد فتح مكّة ؟
     فقال : أليس قد رجع النبيّ إلى المدينة فأقرّ بلالاً على أذان عبدالله بن زيد(5).
     بلى ، إنّ فِعل الصحابي كان هو الحجة رغم الاختلافات ، لكن لنا أنّ نتساءل عن هذا الاختلاف هل أنّه حصل بالفعل في زمن الصحابي ، أم أنّه من صنع المتأخرين ، وما هي ملابسات هذه الأحاديث المختلفة ؟ بل ما هي قيمة رجال إسنادها ؟!
     ونحن إيماناً بضرورة دراسة مثل هذه الأمور سلّطنا بعض الضوء على رجال خبري بلال وأبي محذورة.
     فقد ادّعي في طريق الطبراني والبيهقي أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله قال لبلال : « اجعل مكانها الصلاة خير من النوم » ، مع أنّ هذه الزيادة غير موجودة في طريق
____________
(1) فتح المالك 1 : 8.
(2) المجموع للنووي 3 : 90.
(3) المغني لابن قدامّة 1 : 416.
(4) المبسوط للسرخسي 1 : 128 ، الهداية شرح البداية 1 : 41 باب الأذان.
(5) المغني لابن قدامة 1 : 416 ـ 417.

( 190 )

الحافظ العلوي.
     وفي رواية أبي محذورة « فاجعل في آخرها : الصلاة خير من النوم » ، وهي أيضاً غير موجودة في طريق الحافظ العلوي.
     فأيّ النقلين هو الصواب إذن ؟!
     مع ما رواه الطبراني والبيهقي عن بلال
     قد مر عليك قبل قليل(1)ما رواه الطبراني عن شيخه محمّد بن عليّ الصائغ ، والبيهقي بإسناده عن أبي الشيخ الإصفهانيّ ـ في كتاب الأذان ـ عن محمّد بن عبدالله بن رسته ، كلاهما عن يعقوب بن حميد بن كاسب :
حدّثنا عبدالرحمن بن سعد بن عمّار بن سعد القرظ ، عن عبدالله بن محمّد ، وعمر وعمّار ابنَي حفص ، عن آبائهم ، عن أجدادهم ، عن بلال...
     وفي هذا الإسناد : يعقوب بن حميد بن كاسب ، فهو أبو يوسف ، مدنيّ الأصل ، مكيّ الدار ؛ هذا ما قاله ابن أبي حاتم الرازي ، ثمّ قال : سألت يحيى بن معين عن يعقوب بن كاسب ، فقال : ليس بشيء.
     وقال أبو بكر بن خيثمة : سمعت يحيى بن معين يقول وذكر ابن كاسب ، فقال : ليس بثقه ، قلت : من أين قلت ذلك ؟ قال : لأنّه محدود(2).
     قلت : أليس في سماعه ثقة ؟ قال : بلى.
     أخبرنا عبدالرحمن ، قال : سمعت أبي يقول : ضعيف الحديث.

____________
(1) مرّ في صفحة : 182.
(2) المحدود : من أقيم عليه الحدّ.

( 191 )

     أخبرنا عبدالرحمن قال : سألت أبا زرعة عن يعقوب بن كاسب ، فحرّك رأسه ، قلت : كان صدوقاً في الحديث ، قال : لهذا شروط . وقال في حديث رواه يعقوب : قلبي لا يسكن إلى ابن كاسب(1).
     وقال أبو بكر : سمعت يحيى بن معين وذكر ابن كاسب يقول : ليس بثقة ، فقلت له : من أين قلت ذاك ؟ قال : لأنّه محدود ، قلت : أليس هو في سماعه ثقة ؟ فقال : بلى ، فقلت له : أنا أعطيك رجلاً تزعم أنّه وجب عليه حدٌّ وتزعم أنّه ثقة ، قال : من هو ؟ قلت : خلف بن سالم ، قال : ذلك إنما شتم بنت حاتم مرّة واحدة ، وما به بأس لولا أنّه سفيه.
     قلت لمصعب الزبيري : إنّ يحيى بن معين يقول في ابن كاسب : إنّ حديثه لايجوز لأنّه محدود ، فقال : ليس ما قال ، إنما حده الطالبيّون في التحامل وليس حدود الطالبيين عندنا بشيء لجورهم ، وابن كاسب ثقة مأمون صاحب حديث ، أبوه مولى للخيزران ، وكان من أمناء القضاة زماناً(2).
     وقال الذهبي في تذكرة الحفاظ : تفرّد بأشياء وله مناكير ، حدّث عنه البخاري وابن ماجة وعبدالله بن أحمد وإسماعيل القاضي ، وأبو بكر بن أبي عاصم وطائفة ، ذكره البخاري فقال : لم نرَ إلاّ خيراً ، وقال أبو حاتم : ضعيف(3).
     وفي ميزان الاعتدال : قال البخاري : لم نرَ إلاّ خيراً ، هو في الأصل صدوق وشذّ مضر بن محمّد الاسدي فروى عن ابن معين : ثقة ، وروى عبّاس عن يحيى : ليس بثقه(4) ، فقلت : لم ؟
____________
(1) الجرح والتعديل 9 : 206.
(2) التعديل والتجريح للباجي 3 : 1425.
(3) تذكرة الحفّاظ 2 : 466.
(4) في تهذيب الكمال 32 : 322 عن عباس الدوري عن ابن معين : ليس بشيء.

( 192 )

     قال : لأنّه محدود...
     والنسائي : ليس بشيء.
     وأبو حاتم : ضعيف.
     قال الذهبي : كان من علماء الحديث لكن له مناكير وغرائب ، وحديثه في صحيح البخاري في موضعين : في الصلح ، وفيمن شهد بدراً...
     قال الحلواني : رأيت أبا داود السجستاني قد جعل حديث يعقوب بن كاسب وقايات على ظهور كتبه ، فسألته عنه ، فقال : رأينا في مسنده أحاديث أنكرناها ، فطالبناه بالأصول فدافعنا ، ثم أخرجها بَعدُ فوجدنا الأحاديث في الأصول مغيَّرة بخطِّ طَرِيّ ؛ كانت مراسيل فأسنَدَها وزادَ فيها(1).
     وفي سير أعلام النبلاء :
     « ... وكان من أئمّة الأثر على كثرة مناكير له ـ إلى أنّ يقول ـ : وقال ابن عدي : لا بأس به وبرواياته ، هو كثير الحديث ، كثير الغرائب ، كتبت مسنده عن القاسم بن عبدالله عنه ، صَنّفه على الأبواب ، وفيه من الغرائب والنسخ والأحاديث العزيزة ، وشيوخ أهل المدينة ممّن لا يروي عنهم غيره... »(2).
     وقال ابن حبّان في الثقات : مات سنة أربعين أو أحد وأربعين ومائتين ، كان ممّن يحفظ وممّن جمع وصنّف ، واعتمد على حفظه فربّما أخطأ في الشيء بعد الشيء ، وليس خطأ الإنسان في شيء يَهِمُ فيه ما لم يفحش ذلك منه بمُخْرِجِهِ عن الثقات إذا تقدّمت عدالته(3).
     قلت : كيف يقول ابن حبّان هذا وهو يعلم بأن الخدشه فيه جاءت لكونه
____________
(1) ميزان الاعتدال 7 : 276 ـ 277. وانظر : الضعفاء الكبير للعقيلي 4 : 446.
(2) سير أعلام النبلاء 11 : 158 وانظر : كلام ابن عدي في الكامل 7 : 151.
(3) الثقات لابن حبّان 9 : 285.

( 193 )

محدوداً لا من جهة حفظه ؛ لأنّ الثابت عدم قبول شهادة الفاسق وخصوصاً لو أفحش في التحامل على أهل البيت ، وخصوصاً الإمام عليّ بن أبي طالب ، وهذا يشير إلى نصبه بلا أدنى شك ؛ لأنّ الطالبيين حدّوه لنصبه ، وقد وقفت على سرّ الحد لقول الزبيري « إنّما حده الطالبيون في التحامل » وقول ابن معين في خلف بن سالم « ... إنّما شتم بنت حاتم مرّة واحدة وما به بأس » ، وهما يرشدان إلى أنّ الخدشة جاءت فيه من هذه الجهة ، وهي فسق بلا شك ، لا من جهة نسيانه ، وكيف لا يكون فاسقاً غير معتمد الرواية وهو يغير الأصول ويسند المراسيل ؟! أضف إلى كلّ ذلك أنّه كان « أبوه مولى للخيزران وكان من أمناء القضاة زماناً » ؟
     وأما عبدالرحمن بن سعد بن عمار بن سعد المؤذّن.
     فقد قال ابن أبي حاتم عنه : سئل يحيى بن معين عن عبدالرحمن المؤذّن ، فقال : مديني ضعيف ؛ روى عن أبي الزناد(1).
     وقال ابن حجر في تقريب التهذيب : ضعيف من السابعة(2).
     وقال الشوكاني في نيل الأوطار : وعبدالرحمن ضعيف(3).
     وقال ابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني : ضعيف(4).
     وقال البخاري في تاريخه الكبير : عبدالرحمن بن سعد فيه نظر ، مولى بني مخزوم(5) .
____________
(1) الجرح والتعديل 5 : 238.
(2) تحرير تقريب التهذيب 2 : 321.
(3) نيل الاوطار 3 : 346.
(4) الآحاد والمثاني 1 : 65.
(5) تاريخ البخاري الكبير 5 : 287.

( 194 )

     وقال المارديني الشهير بابن التركماني في الجوهر النقي : منكر الحديث(1).
     وضعّفه ابن أبي حاتم ، وقال ابن القطان : هو وأبوه وجدّه مجهولو الحال(2).
     وقال الألباني في إرواء الغليل : عبدالرحمن بن سعد ضعيف وأبوه وجده لايعرف حالهم(3).
     وأما عبدالله بن محمد فقد ضعفه ابن معين(4).
     وسئل يحيى بن معين عن عبدالله بن محمّد وعمّار وعمر ابني حفص بن عمر بن سعد عن آبائهم عن أجدادهم كيف حال هؤلاء ؟ قال : ليسوا بشيء(5).
     وأما عمر بن حفص بن عمر بن سعد القرظ .
     فقد قال ابن معين : ليس بشيء(6).
     وقال ابن حجر في تقريب التهذيب : عمر بن حفص بن عمر بن سعد القرظ المدني المؤذن فيه لين ، من السابعة(7).
     وأما عمار بن حفص بن عمر بن سعد القرظ ، فهو أخو عمر ، وهو والد محمّد ،
____________
(1) الجوهر النقي 3 : 286.
(2) الجوهر النقي 1 : 394.
(3) إرواء الغليل 3 : 120.
(4) الجوهر النقي 1 : 394 ،3 : 287.
(5) انظر : تاريخ ابن معين (الدارمي) 169 ، الكامل في الضعفاء 5 : 73 ، الضعفاء للعقيلي 2 : 300 ـ 301 ، والجرح والتعديل 6 : 103.
(6) الجوهر النقي 3 : 287 الجرح والتعديل 6 : 102 ، المغني في الضعفاء 2 : 464 ، تهذيب الكمال 21 : 302 ، تهذيب التهذيب 6 : 183.
(7) تحرير تقريب التهذيب 3 : 68.