إبراهيم بن عبد الله بن الحسن يأمر أصحابه إذ كانوا في البادية يزيدون في الأذان « حي على خير العمل » (1) .
     حدثنا الحسين بن محمد بن الحسن المقري ، حدثنا علي بن الحسين بن يعقوب الهمداني ، حدثنا علي بن إبراهيم بن وهيب القرشي ، حدثنا عباد عن سالم ، قال : كان إبراهيم بن عبد الله يأمرهم إذا كانوا في البادية أن يزيدوا في الأذان « حي على خير العمل » (2) .
     23 ـ جعفر بن محمّد الصادق ( ت 148 هـ )
     روى الحافظ العلوي من طريق معاوية بن عمّار ، قال : سمعت جعفر بن محمد يقول في الأذان « حي على خير العمل » (3) .
     وفي الاعتصام بحبل الله عن كتاب الأذان : أخبرنا أبو العباس أحمد بن زيد ابن بشار ، وعلي بن محمد الشيباني ، قالا : حدثنا الحسن بن محمد بن سعيد ابن مسلم ، حدثنا علي بن العباس وعلي بن سلامة ، حدثنا بكار بن أحمد ، حدثنا نصر بن مزاحم ، عن الثقة إبراهيم بن أبي يحيى ، عن جعفر بن محمد عليهما السلام كان يقول لكل صلاة : حي على الفلاح ، حي على خير العمل (4) .
     ومن طريق عبد الله بن سنان ، عن أبي عبد الله ، قال : سألته عن الأذان ، فذكره وقال فيه « حي على الفلاح حي على الفلاح » « حي على خير العمل حي على
____________
(1) الاذان بحي على خير العمل ، للحافظ العلوي : 88 ، وبتحقيق عزان : 147 ح 186 .
(2) الأذان بحي على خير العمل ، للحافظ العلوي : 89 ، وبتحقيق عزان : 147 ح 187 .
(3) كتاب الأذان بحي على خير العمل : 85 .
(4) الاعتصام بحب الله 1 : 293 .

( 256 )

خير العمل » (1) .
     وقد روى هذا الخبر الشيخ الطوسي بإسناده عن النضر ، عن عبد الله بن سنان ، عن أبي عبد الله [ الصادق ] في التهذيب (2) والاستبصار (3) .
     وعن الحسين بن سعيد ، عن فضالة ، عن حماد بن عثمان ، عن إسحاق بن عمار ، عن المعلى بن خنيس ، قالت ، سمعت أبا عبد الله يؤذّن فقال : الله أكبر الله أكبر الله أكبر الله أكبر ، أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن لا إله إلا الله ، أشهد أن محمداً رسول الله (ص) أشهد أن محمداً رسول الله (ص) ، حي على الصلاة حي على الصلاة ، حي على الفلاح حي على الفلاح ، حي على خير العمل حي على
____________
(1) كتاب الأذان بحي على خير العمل : 85 . وبتحقيق عزّان : 141 ، ثم قال الحافظ العلوي : وقد رى حديث الأذان عن جعفر بن محمد عن أبيه عن علي بن الحسين عليهما السلام جماعة قد تقدم أحاديثهم في باب علي بن الحسين . فاستغنينا عن إعادتها هنا ، منهم : هاني بن عمر بن علي بن أبي طالب ، وأبو مريم الأنصاري ، ومندل بن علي العثربي ، ويحيى بن العلي الرازي ، وغياث بن إبراهيم ، وسفيان بن السمط ، وعبد لله بن بكير ، وعمرو بن جميع ، وحصين بن مخارق ، وعبد الله بن سنان ، ومحمد بن المسلم ، وأبو العباس ، وتخالد بن إسماعيل المخزومي .
ورواه عن حاتم بن إسماعيل عن جعفر عن أبيه عن جدّه جماعة من الثقات منهم : حسن بن حسين المغربي ، ومخول بن إبراهيم ، وأبو غسان مالك بن إسماعيل النهدي ، وإبراهيم بن محمد بن ميمون ، ومحمد بن عبيد النحاس ، وأبو بكر بن أبي شيبة ، وعبد الرحمن بن أبي حماد ، وغسماعيل بن أبان ، وجندل بن والف [ والق ] الثعلبي ، وجعفر بن محمد السدوسي ، وموسى بن داود وقتيبة بن سعيد .
(2) التهذيب 2 : 59 ح 209 .
(3) الاستبصار 1 : 305 ح 1133 .

( 257 )

خير العمل ، الله أكبر الله أكبر ، لا إله إلا الله لا إله إلا الله (1) .
     وعن فضاله ، عن سيف بن عميرة عن أبي بكر الحضرمي وكليب الاسدي ؛ جميعاً عن أبي عبد الله أنّه حكى لهما الأذان وفيه : « حي على خير العمل حي على خير العمل » (2) .
     24 ـ الحين بن عليّ صاحب فَخّ (ت 169 هـ)
     كان الحسين يؤذن بها ويأمر أصحابه بالتأذين بها ، قال الحافظ العلوي : أخبرنا محمد بن الحسين بن النحّاس قراءة ، حدّثنا عليّ بن العباس البجلي ، حدثنا بكّأر ، حدّثنا عنترة بن حسين العصافي ، قال : كان حسين بن عليّ صاحب فخّ يقول في اذانه « حي على خير العمل » (3) .
     وروى أبو الفرج الاصفهاني خبر ( صاحب فخ ) مع الوالي العمري ، وفيه : ان الحسين بن علي ( صاحب فخ ) ويحيى بن عبد الله بن الحسن « قتل سنة 175 هـ في حبس الرشيد » .
     وسليمان بن عبد الله بن الحسن « قتل بفخ سنة 169 هـ » .
     وإدريس بن عبد الله بن الحسن « ت 177 هـ بالمغرب » .
     وعبد الله بن الحسن الافطس « قتل ما بين 171 ـ 178 هـ » .
     وإبراهيم بن إسماعيل طبابا .
     وعمر بن الحسن بن علي بن الحسن بن الحسين بن الحسن .
     وعبد الله بن إسحاق بن إبراهيم بن الحسن بن الحسن بن عليّ « قتل بفخ
____________
(1) الاستبصار 1 : 306 ح 1136 . وانظر : التهذيب 1 : 61 ح 212 .
(2) انظر : التهذيب 2 : 60 ح 211 ، والاستبصار 1 : 306 ح 1135 .
(3) الأذان بحيّ على خير العمل ، للحافظ العلوي : 89 ، وبتحقيق عزّان : 148 ح 188 .

( 258 )

169 هـ » .
     وعبد الله بن جعفر بن محمد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب .
     وجّهوا إلى فتيان من فتيانهم ومواليهم فاجتمعوا .. ستة وعشرين رجلاً من ولد علي ، وعشرة من الحاج ، ونفر من الموالي ، فكانوا جميعاً وراء التأذين العلني بحيّ على خير العمل (1) .
     وسيأتي مزيد كلام عنه وما فعله بالوالي العمري بعد قليل (2) .
     25 ـ موسى بن جعفر الكاظم ( ت 183 هـ )
     سيأتي بعد قليل (2) ما رواه الصدوق عنه في العلل عنه عليه السلام وأنّه أجاب محمّد بن أبي عمير عن العلة الظاهرة والباطنة لـ « حي على خير العمل » .
     26 ـ علي بن موسى الرضا ( ت 203 هـ )
     روى الصدوق بإسناده عن الفضل بن شاذان فيما ذكره من العلل عن الرضا عليه السلام في الأذان بالخصوص ، وقال فيما قال :... وإنّما هو نداء إلى الصلاة في وسط الأذان ودعاء إلى الفلاح وإلى خير العمل ، وجعل ختم الكلام باسمه كما فتح باسمه (4) .
     وروى في العلل وفي عيون أخبار الرضا بأسانيد أخرى قوله « إنّما هو نداء
____________
(1) انظر : مفصل الخبر في الفصل الرابع ( حي على خير العمل تأريها العقائدي والسياسي ) ومقاتل الطالبيين : 443 / 447 .
(2) في الفصل الرابع « حي على خير العمل ، تاريخها السياسي والعقائدي » .
(3) في الفصل الثالث « حي على خير العمل ، دعوة للولاية ةوبيان لاسباب حذفها » .
(4) من لا يحضره الفقيه 1 : 300 ح 914 ، علل الشرائع 1 : 259 .

( 259 )

إلى الصلاة ، فجعل النداء إلى الصلاة في وسط الأذان ، فقدّم قبلها أربعاً : التكبيرتين والهادتين ، وأخّر بعدها أربعاً يدعو إلى الفلاح حثّاً على البرّ والصلاة ، ثم دعا إلى خير العمل مرغباً فيها وفي عملها وفي أدائها ، ثم نادى بالتكبير والتهليل ليتم (1) ...» .
     27 ـ علي بن جعفر بن محمد بن علي ( ت 210 هـ )
     قال الحافظ العلوي : حدثنا أبي رضي الله عنه ، حدثنا محمد بن جعفر المقري ، حدثنا محمد بن الحسين الأسناني (2) ، حدثنا أحمد بن جناب ، عن علي بن جعفر بن محمد ، قال : قال في الأذان : « حي على خير العمل ، حي على خير العمل » (3) .
     28 ـ أحمد بن عيسى ( ت 247 هـ )
     قال الحافظ العلوي : أخبرنا أبو عبد الله أحمد بن علي العطار البجلي ، ومحمد بن علي بن الحسين بن غزال الحارثي قراءةً عليهما ، قالا : حدثنا علي ابن أحمد بن عمرو الحسني (4) ، حدثنا محمد بن منصور المقري ، قال : سألت أحمد بن عيسى ، قلت : إذ أذّنت تقول : « حي على خير العمل حي على خير العمل » ؟ قال : نعم .
____________
(1) علل الشرائع 1 : 259 / الباب 182 . والنصّ نه ، عيون أخبار الرضا 2 : 104 . علة تشريع لاأذان .
(2) في تحقيق عزان : الاشناني .
(3) الأذان بحيّ على خير العمل ، للحافظ العلوي : 89 ، وبتحقيق عزّأن : 149 .
(4) في تحقيق عزّأن : الجبان .

( 260 )

     قلت : في الاذان والإقامة .
     قال : نعم ولكنّي أخفيها (1) .
     وأخرى : قلت لأحمد بن عيسى ، تقول إذا أذّنت « حي على خير العمل » ؟
     قال : نعم .
     قلت : في الأذان والإقامة ؟
     قال : نعم (2) .
     29 ـ الحسن بن يحيى بن الحسين بن زيد بن عليّ ( ت 260 هـ )
     قال الحافظ العلوي : أخبرنا أبو عبد الله أحمد بن عليّ بن الحسن الهذلي قراءةً ، حدثنا علي بن أحمد بن عمرو الحسني ، حدثنا الحسن بن يحيى بن الحسين بن زيد بن علي ، قال : أجمع آل رسول الله (ص) على أن يقولوا في الأذان والإقامة : « حي على خير العمل » وأن ذلك عندهم سنة . وقد سمعنا في الحديث أن الله سبحانه وتعالى بعث ملكاً من السماء إلى الأرض بالأذان وفيه « حي على خير العمل » . ولم يزل النبيّ (ص) يؤذّن بحيّ على خير العمل حتى قبضه الله ، وكان يُؤذَّن بها في زمن أبي بكر ، فلمّا ولي عمر قال : دعوا « حي على خير العمل » لئلّا يشتغل الناس عن الجهاد ، فكان أوّل من تركها (3) >
     وبعد كلّ هذا نقول : لو صح النسخ فلماذا نرى إصرار بعض الصحابة
____________
(1) الأذان بحيّ على خير العمل ، للحافظ العلوي : 90 ، وبتحقيق عزّأن : 149 الحديث 190 .
(2) المصدر السابق .
(3) الأذان بحي على خير العمل ، للحافظ العلوي : 91 ، وبتحقيق عزّأن : 150 الحديث 192 .

( 261 )

والتابعين وكل أهل البيت على شرعيتها وضرورة الإتيان بها ؟
     وهل يصح أن ينسخ حكم « حي على خير العمل » ولا يعلمه عبد الله بن عمر وعلي بن الحسين وأبو أمامة بن سهل بن حنيف سنوات بعد رسول الله ، فلو كان ثمة نسخ لَمَا خَفِي عليهم ، وما معنى كلام الإمام علي بن الحسين : « هذا هو الأذان الأول » ؟ أليس المعنيّ به هو الأذان الأول قبل الترحيف ؟
     إنّ إجماع أهل البيت وتأذين بعض الصحابة بـ « حي على خير العمل » لَيؤكّد شرعيّة الإتيان بها وعدم نسخها .


( 262 )



( 263 )

القسم الثالث
إجماع العترة

     مرّ عليك سابقاً في ( في تاذين الصحابة وأهل البيت ) أن الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام كان يقول ويأمر مؤذّنه أن يقول : حي على خير العمل .
     والمدقق في حديث تشريع الأذان الذي رواه الإمام علي عن النبي يقف على جزئية « حي على خير العمل » فيه ، إذ جاء في حاشية الدسوقي ما نصه : ( كان علي يزيد حي على خير العمل بعد حي على الفلاح ، وهو مذهب الشيعة الآن ) (1) .
     ومعنى كلامه أنّه عليه السلام كان يأتي بأمر أعرض عنه الخلفاء ، وهو فعل أبنائه من بعده كذلك حتى استقرّت السيرة به عند الشيعة للاعتقاد بعدم الفصل بين فعل الإمام علي ومذهب الشيعة الآن ، لأنّ الشيعة يستقون فقههم وأحكامهم من الإمام علي وأبنائه المعصومين عليهما السلام .
     وقد روى الحافظ العلوي ( أبو عبد الله ) بإسناده عن عبيدة السلماني ، قال : كان علي بن أبي طالب ، والحسن ، ولاحسين ، وعقيل بن أبي طالب ، وابن عباس ، وعبد الله بن جعفر ، ومحمد بن الحنفية يؤذنون إلى أن فارقوا الدنيا فيقولون بـ « حي على خير العمل » ويقولون : لم تزل في الأذان (2) .
____________
(1) حاشية الدسوقي 1 : 193 .
(2) الأذان بحي على خير العمل : 109 الحديث 107 . والاعتصام 1 : 294 .

( 264 )

وعنه كذلك عن الإمام الباقر عليه السلام قوله :
     أذاني وأذان آبائي ـ علي ، والحسن ، والحسين ، وعلي بن الحسين ـ حي على خير العمل حي على خير العمل (1) .
     وجاء في معجم الأدباء لياقوت الحمودي في ترجمة عمر بن إبراهيم بن محمد المتوفى سنة 539 ـ من أحفاد الإمام زيد الشهيد ـ نقلاً عن السمعاني أنّه قال :
     وكان خشن العيش ، صابراً على الفقر ، قانعاً باليسير ، سمعته يقول : أنا زيدي المذهب ولكنّي أفتي على مذهب السلطان ـ يعني أبا حنيفة ـ إلى أن يقول السمعاني : وكنت ألازمه طول مقامي بالكوفة في الكور الخمس ، ما سمعت منه طول ملازمتي له شيئاً في الاعتقاد أنكرته ، غير أنّي كنت يوماً قاعداً في باب داره وأخرج لي شذرة من مسموعاته وجعلت أفتقد فيها حديث الكوفيين فوجدت فيها جزاءاً مترجماً بتصحيح الأذان بحي على خير العمل ، فأخذته لأطالعه ، فأخذه من يدي وقال : هذا لا يصلح لك ، له طالب غيرك ، ثم قال : ينبغي للعالم أن يكون عنده كل شي ، فإنّ لكلّ نوع طالباً (2) .
     فلو جمعت هذا النص مع الذي مر عليك من كلام أنّ زيداً كان يأمر مؤذنه بالحيعلة الثالثة عندما يأمن أهل الشام ، وما مرّ من أنّ يحيى بن زيد كان يأمر مؤذنه بها أيام ثورته بخراسان ، وما مرّ من كلام إبراهيم بن عبد الله بن الحسن وأنه كان يأمر أصحابه ـ غذا كانوا بالبادية ـ أن يزيدوا في الأذان حي على خير العمل (3) .
____________
(1) مقدمة الأذان بحي على خير العمل لعزّان : 18 .
(2) معجم الأدباء 15 : 259 .
(3) حي على خير العمل بتحقيق عزّان : 147 ح 186 و 187 .

( 265 )

وما قاله أحمد بن عيسى في جواب من سأله عن التأذين بحيّ على خير العمل ؟
     قال : نعم ، ولكن أُخفيها (1) .
     فلو جمعت هذه النصوص بعضها إلى بعض لوقفت على الظروف التي كان يعيشها الطالبيون ، وهي ظروف لم تكن مؤاتية لإبداء آرائهم ، حتى ترى عمر ابن إبراهيم رغم كونه زيدياً يفتي على مذهب السلطان ؛ لأن الفقه السائد يومئذ كان فقه أبي حنفية ، فلا يرتضي أن يطّلع السمعاني على الجزء المصحّح بالأذان بحيّ على خير العمل ، فيأخذه منه ويقول له : « هذا لا يصلح لك ، وله طالب غيرك » ثمّ يعلل سر وجود مثل هذه الكتب والأجزاء مصحّحة عنده بأنّه ينبغي « للعالم أن يكون عنده كلّ شيء ، فإن لكل نوع طالباً » لأن عمر بن إبراهيم كان يعرف السمعاني واهتماماته ، وقد أشار السمعاني نفسه ÷إلى توجهاته الشخصية بقوله « ... وجعلت أفتقد فيهاه حديث الكوفيين فوجدت ... » وفي هذا كفاية لمن أراد التعرف على ملابسات التشريع وما دار بين الكوفة والشام والحجاز و.. من التخالف والتضاد .
     هذا شيء عن ملابسات ( حي على خير العمل ) ، وهي تدلّ على دور الحكومة بعدم التأذين بها . والآن مع أقوال بعض العلماء عن إجماع العترة على التأذين بحيّ على خير العمل .
     قال الشوكاني في نيل الأوطار : ( ... والتثويب زيادة ثابتة فالقول بها لازم ، والحديث ليس فيه ذكر « حي على خير العمل » ، وقد ذهبت العترة إلى إثباته وأنّه بعد قول المؤذّن « حي على خير العمل » ، قالوا : يقول مرّتين : حي على خير
____________
(1) حي على خير العمل بتحقيق عزّأن : 150 ح 190 وأخرجه محمد بن منصور في الامالي [ لابن عيسى ] 1 : 194 رقم 237 قال سألت أحمد ... الخ .
( 266 )

     العمل ، ونسبه المهديّ في البحر إلى أحد قولي الشافعي ، وهو خلاف ما في كتب الشافعية ، فإنّا لم نجد في شيء منها هذه المقالة (1) ، بل خلاف ما في كتب أهل البيت (2) .
     قال في الانتصار : إن الفقهاء الأربعة لا يختلفون في ذلك ، يعني في أنّ « حي على خير العمل » ليس من ألفاظ الأذان ، وقد أنكر هذه الرواية الإمام عزّ الدين في شرح البحر وغيره ممّن له اطلاع على كتب الشافعيّة .
     « احتج القائلون بذلك » بما في كتب أهل البيت ـ كامالي أحمد بن عيسى ، والتجريد ، والأحكام ، وجامع آل محمد ـ من إثبات ذلك سنداً إلى رسول
____________
(1) يؤيّد صحّة كلام المهدّي ما قاله القاسم بن محمد بن علي نقلاً عن وضح المسائل للمقري « قد ذكر الروياني أنّ للشافعي قولاً مشهوراً بلاقول به » ، وما قاله الشافعي عن التثويب وأنّه لم يثبت عن أبي محذورة . ولو جمعنا هذين القولين وضممنا أحدهما إلى الآخر لاتّضح لنا ما نريد قوله من الملازمة وعدم الفصل بين القول ( بحي على خير العمل ) وعدم القول ( بالصلاة خير من النوم ) ، وكذا العكس ، إذ قد ثبت عن ابن عمر تأذينه بـ ( حيّ على خير العمل ) وكراهيته للتثويب ، ومثله الأمر بالنسبة إلى الإمام علي ، فالقائل بشرعية « حي على خير العمل » لا يقبل شرعية « الصلاة خير من النوم » ، والقائل بشرعية « الصلاة خير من النوم » ينكر شرعية « حي على خير العمل » ، فإنكار الشافعي للتثويب يرجع المنسوب إليه من القول بـ « حي على خير العمل » .
هذا وقد اشار الإمام المهدي أحمد بن يحيى المرتضى ( المتوفى 840 هـ ) في البحر الزخار 2 : 191 إلى أنّ أخير قولي الشافعي هو القول بالحيعلة الثالثة وذلك بعد أن اشار إلى إجماع العترة بذلك فقال : ( .. العترة جميعاً وأخير قولي الشافعي حيّ على خير العمل ) فتامل .
(2) هذا قصور أو تقصير من الشوكاني ، فقد عرفت إجماع العترة على التأذين بـ « حي على خير العمل » ، وكان ينبغي له أن يحقّق في المسألة قبل أن يقط برأيه هذا .

( 267 )

الله (ص) .
     قال في الأحكام : وقد صحّ لنا أنّ « حي على خير العمل » كانت على عهد رسول الله يؤذّن بها ، ولم تطرح إلّا في زمن عمر . وهكذا قال الحسن بن يحيى ؛ روي ذلك عنه في جامع آل محمّد .
     وبما أخرج البيهقي في سننه الكبرى بإسناد صحيح عن عبد الله بن عمر أنّه كان يؤذّن بحيّ على خير العمل أحياناً .
     وروى فيها عن عليّ بن الحسين أنّه قال : هو الأذان الأوّل .
     وروى المحبّ الطبري في أحكامه عن زيد بن أرقم أنّه أذّن بذلك . قال المحب الطبري : رواه ابن حزم ورواه سعيد بن منصور في سننه عن أبي أمامة ابن سهل البدري ، ولم يَرِو ذلك من طريق غير أهل البيت مرفوعاً ، وقول بعضهم : وقد صحّح ابن حزم والبيهقي والمحبّ الطبري وسعيد بن منصور ثبوت ذلك على عليّ بن الحسين ...» (1) .
     توجاء في كتاب الاعصام بحبل الله : ... وفي الجامع الكافي : قال الحسن بن يحيى بن الحسين [ بن زيد المتوفّى 260 ] : أجمع آل رسول الله على أن يقولوا في الأذان والإقامة ( حيّ على خير العمل ) وأن ذلك عندهم سنّة ، قال : وقد سمعنا في الحديث أنّ الله سبحانه بعث ملكاً من السماء إلى الأرض بالأذان ، وفيه : حيّ على يخر العمل .. ولم يزل النبيّ (ص) يؤذن بحيّ على يخر العمل حتى قبضه الله إليه ، وكان يؤذّن بها في زمان أبي بكر ، فلما وَلِيَ عمر قال : دعوا حيّ على خير العمل لا يشتغل الناس عن الجهاد . وكان أوّل من تركها (2) .
     وقال الاستاذ عزّان في مقدمة كتاب ( الأذان بحيّ على خير العمل ) :... وقال
____________
(1) نيل الاوطار 2 : 43 ـ 44 .
(2) الاعتصام بحبل الله 1 : 278 عن الجامع الكافي مخطوط .

( 268 )

الإمام المؤيد بالله أحمد بن الحسين الهاروني ( المتوفى 411 هـ ) : ومذهب يحيى ت يعني الهادي ـ وعامة أهل البيت التأذين بحيّ على يخر العمل (1) .
     وقال القاضي زيد بن محمّد الكلاري ـ وهو من أتباع المؤيد با لله ولم يعاصره ـ : التأذين به ـ أي بحيّ على خير العمل ـ إجماع أهل البيت لا يختلفون فيه ، ولم يرد عن أحد منهم منعه وإنكاره ، وإجماعهم عندنا حجّة يجب اتّباعها (2) .
     وقال الإمام محمد بن المطهر المتوفى 728 هـ : ويؤذن بحيّ على خير العمل ، والوجه في ذلك اجماع أهل البيت (3) .
     وقال العلامة صلاح بن أحمد بن المهيد المتوفى 1048 هـ أجمع أهل البيت على التأذين بحيّ على خير العمل (4) .
     وقال العلامة الشرفي المتوفى 1055 : وعلى الجملة فهو ـ أي الأذان بحيّ على خير العمل ـ إجماع أهل البيت ، وإنّما قطعه عمر (5) .
     وقال العلامة المحقق الحسن بن أحمد الحلال المتوفى 1084 هـ ـ بعد أن ذكر اتفاق العترة على التأذين بحيّ على خير العمل ـ : وإجماع العترة
____________
(1) شرح التجريد مخطوط .
(2) شرح القاضي زيد لتحرير مخطوط .
(3) المنهج الحلي شرح منسد الإمام زين بن علي 1 : 77 مخطوط .
(4) شرح الهداية : 294 .
(5) ضياء ذوي الابصار مخطوط 1 : 61 .

( 269 )

وعليّ عليهم السلام ، وهما معصومان عن تعمد البدعة (1) .
     وقال شيخنا (2) السيّد العلامة مجد الدين حفظه الله : وقد صحّ إجماع أله البيت عليهم السلام على الأذان بحي على خير العمل (3) .
     وذكر في أمالي أحمد بن عيسى : ذهب آل محمد أجمع إلى أثبات حيّ على خير العلم مرّتين في الأذان بعد حيّ على الفلاح .
     وفي شرح الأزهار : ومنهما : حيّ على خير العمل ، يعني أنّ من جملة ألفاظ الأذان والإقامة حي على خير العمل ؛ للأدلّة الواردة المشهورة عند أئمة التعترة وشيعتهم وأتباعهم وكثير من الأمّة المحمديّة التي شحنت بها كتبهم .
     قال الهادي إلى الحق يحيى بن الحسن في الأحكام : وقد صحّ لنا أن حيّ على خير العمل كانت على عهد رسول الله يؤذّنون بها ، ولم تطرح إلّا في زمن عمر بن الخطاب ـ فإنه أمر بطرحها قال : أخاف أن يتّكل الناس عليها ويتركوا الجهاد ، وفي المنتخب : وأمّا « حي على خير العمل » فلم تزل على عهد رسول الله حتى قبضه الله ، وفي عهد أبي بكر حتّى مات ، وانما تركها عمر وأمر بذلك فقيل له : لم تركتها ؟ فقال : لئلا يتّكل الناس عليها ويتركوا الجهاد (4) . انتهى ما قاله عزّان .
     وقال الصنعاني : إن صحّ إجماع أهل البيت ـ يعين على شرعية حيّ على خير
____________
(1) ضوء النهار 1 : 469 .
(2) الكلام لعزّان .
(3) المنهج الاقوم في الرفع والضم : 35 .
(4) الأحكام 1 : 84 ، شرح الازهار 1 : 223 ، البحر الزخار 2 : 191 ، الأذان للعلوي بتحقيق عزّأن : 153 .

( 270 )

العمل ـ فهو حجة ناهضة (1) .
     وقال المقبلي عن أئمة الزيدية ، ولو صح ما ادعي من وقوع إجماع أله البيت في ذلك لكان أوضح حجّة (2) .
     ونحن في الفصل الرابع « حي على خير العمل وتاريخها العقائدي والسياسي » من هذا الباب سنوكّد هذا الإجماع عند أهل البيت ، وعند الشيعة بفرقها الثلاث ، ونوضح سير هذه المسألة وكيف صارت شعاراً لنهج التعبد المحض في العصور المتأخرة بعد أن اُذّن بها على عهد رسول الله (ص) ، وكيف صار حذفها وإبدالها بـ « الصلاة خير النوم » شعاراً لخصومهم ، وهو دليل قوي على ما نريد قوله من وقع الملابسات في هذه الشعيرة الإسلامية .
     موكّدين بأنّا ببيانا لهذه الأقسام الثلاثة أردنا أن نوضح وجهة نظرنا في جزئية هذا الفصل من فصول الأذان ، ولا نريد أن نحكّم آراءنا فوق كلام الباري وأقوال الرسول كما يفعله بعض متعصبي المذاهب الذين يرجّحون كلام إمام مذهبهم على القرآن والسنة المطهرة ، مثل ما فعله الصاوي في حاشيته على تفسير الجلالين إذ قال :
     « ولا يجوز تقليد ما عدا المذاهب الأربعة ولو وافق قول الصحابة ، والحديث الصحيح ، والآية ، فالخارجُ عن المذاهب الأبعة ضالٌّ مضلٌّ ، وربّما أدّاه ذلك للكفر ؛ لأنّ الأخذ بظواهر الكتاب والسنة من أصول الكفر » (3) .
____________
(1) هذا ما حكاه عزّان في كتابه « حي على خير العمل بين الشرعية والابتداع » : 68 عن كتاب منحة الغفار المطبوع بهامش ضوء النهار .
(2) انظر : مقدمة الأذان بحيّ على خير العمل لعزّان : 17 .
(3) حاشية الصاوي على تفسير الجلالين 3 : 10 ط دار احياء التراث العربي ، وقد رد الشيخ أحمد بن حجر آل بوطامي القاضي الأول بالمحكمة الشرعية بدولة قطر على كلام الصاوي في كتاب أسماه ( تنزيه السنة والقرآن عن كونهما مصدر الضلال والكفران ) هذا ما قاله العلّامة الخليلي مفتي سلطنة عمان في كتابه الحق الدامغ : 10 .

( 271 )

     يستبين ممّا سبق أنّ الشيعة لم ينفردوا بهذا القول ، بل هناك نقول عن الشافعي وبعض الأعلام في القول بجزئية « حي على خير العمل » . ومن المفيد أن نقف قليلاً عند هذا الأمر لنؤكد على صحة ما قلناه من أنّ هذا الفصل « حي على خير العمل » كان جزءاً من الأذان على عهد رسول الله إذ أمر النبيّ مؤذّنه بالتأذين به ، لكن المقدرات السياسية بعد رسول الله (ص) شاءت محوه وإزالته .
     ومما يؤيد قولنا هذا ما قاله القاسم بن محمد بن عليّ نقلاً عن « توضيح السمائل » لعماد الدين يحيى بن محمد بن حسن بن حميد المقرئ ما لفظه : ومنها غثبات حي على خير العمل ، قال : رواه الإمام المهدي أحمد بن يحيى في بحره عن أخير قولَي الشافعي قال : وقد ذكر الروياني أنّ للشافعي قولاً مشهوراً بالقول به . وقد قال كثير من علماء المالكية وغيرهم من الحنفية والشافعية إنّه كان « حي على خير العمل » من ألفاط الأذان .
     قال الزركشي في كتابه المسمى بالبحر ما لفظه :
     « ومنها ما الخلاف فيه موجود [ في المدينة ] كوجوده في غيرها ، وكان ابن عمر ـ وهو عميد أهل المدينة ـ يرى إفراد الاذان ويقول فيه « حي على خير العمل » انتهى بلفظه (1) .
     إلى أن قال القاضي يحيى بن محمد بن حسن بن حميد [ المقري ] : فصحّ ما رواه الروياني أنّ للشافعي قولاً مشهوراً في إتيان « حي
____________
(1) الاعتصام بحبل الله المتين 1 : 307 .
( 272 )

على خير العمل » (1) .
     وفي الروض النضير : وقد قال كثير من علماء المالكية وغيرهم من الحنفية والشافعية أنّه كان « حي على خير العمل » من ألفاظ الأذان (2) .
     وفي الاعتصام بحبل الله : وروى الإمام السروجي عن شرح الهداية للحنفية أحاديث « حي على خير العمل » بطرق كثيرة (3) .
     وبعد هذا اتضح سقم ما انفرد به أله السنة والجماعة من القول بكراهة الإتيان بحيّ على خير العمل في الأذان ؛ لأنّ فعل ابن عمر وإن قلنا بعدم دوامه فهو بيان لجواز الإتيان بها ، وفعل أبي أمامة بن سهل بن حنيف يؤكد جزئيتها وأنّها كانت على عهد النبي (ص) وكذا تاذين الإمام عليّ وعليّ بن الحسين ، فهو دليل على مشروعية هذا الفصل ، ويضاف إليها أقوال العلماء فإنها تدل في أقل التقادير على عدم حرمة الإتيان بها .
     ففي كتاب « الكبريت الأحمر في بيان علوم الشيخ الأكبر » على هامش
____________
(1) الاعتصام بحبل الله 1 : 308 .
(2) الروض النضير 1 : 542 .
(3) الاعتصام 1 : 311 .

( 243 )

يواقيت الجاهر للشعراني ، التصريح بعدم الكراهية ، قال فيه [ أي الشيخ الأكبر في الفتوحات المكية ] : ما عرفت مستند من كره قول المؤذن « حي على خير العمل » فإنّه روي أنّ رسول الله (ص) أمر بها يوم حفر الخندق ...
     وحكى الشيخ فخر الدين التلمساني عن صاحب ( حاشية منهية ) من علماء الهند ، إنّ ابن تميمة زعم في منهاجه على بدعة « حي على خير العمل » في الأذان ، فهذا تشدّد منه نحن لا نوافق معه في ذلك (1) .
     وقال مهمّش مراتب الإجماع ما هذا نصه : فلا يكون هذا : حيّ على خير العمل ـ بدعة الروافض كما يزعم ابن تيمية (2) .
     وبهذا عرفت أنّ « حي على خير العمل » فصل قد أُذِّن به على عهد رسول الله (ص) وعمل به الصحابة وأهل البيت ، وذهب بعض الأعلم إلى شرعيته وعدم كراهة الإتيان به .
     نعم ، إنّ أتباع النهج الحاكم تركوه ، ولم يرووا فيه إلّا القليل ، وقالوا عن الموجود أنّه قد نسخ ؟!
     هذا وقد تمخض من كل ما سبق أُمور :
     1 ـ اتفاق الفريقين على أصل شرعيتها في عهد رسول الله (ص) ، وانفراد أهل السنة والجماعة بدعوى النسخ ، وقد تحدى السيّد المرتضى أن يأتوه بالناسخ ، بقوله :
     وإنّما ادعي أنّ ذلك نُسخ ورفع ، وعلى من ادعى النسخ الدلالة وما يجدها .
     2 ـ ذكرنا في القسم الثاني الدليل الثاني من أدلّتنا على زئية الحيعلة الثالثة وهو فعل الصحابة وأهل البيت ، فذكرنا فيه اسم ثلاثين شخصاً أذّنوا بـ « حيّ
____________
(1) حاشية منهية : 2 . انظر : كلام ابن تيمية في منهاج السنة النبوية 4 : 165 .
(2) مراتب الاجماع لابن حزم : 27 ، انظر : منهاج السنة النبوية 6 : 293 ـ 294 .

( 274 )

على خير العمل » من الصحابة والتابعين وأهل البيت .
     3 ـ إجماع العترة واتفاق الشيعة بفرقها الثلاث على الحيعلة .
     4 ـ واخيراً ختمنا الكلام عن جزئية الحيعلة الثالثة بما حكي عن الشافعي وبعض الاعلام من القول بجزئيتها . وسوف نُثبت لاحقاً ـ إن شاء الله ـ وجود ملازمة بين القول بـ « حي على خير العمل » وعدم القوب بـ « الصلاة خير من النوم » ؛ لأنّ القائل بشرعية أحدهما لا يقول بشرعية الآخر . وحيث ثبت عن الشافعي رجوعه ـ في أواخر أيام حياته ـ عن التثويب لعدم ثبوت صحة حديث أبي محذورة عنده يرجح المنسوب من القول بـ « حي على خير العمل » إليه ، ومثله الكلام عن مالك وغيرهم من الأحناف والمذاهب الأخرى .