«فصل في مسائل العدل»
ثبوت ما بيناه من كونه تعالى عالماً لايصح أن يجهل شيئاً،غنياً لا يصح أن يحتاج إلى شيء ، يخقتضي كونه سبحانه عادلاً لايخل بواجب في حكمته سبحانه ولا يفعل قبيحاً، لقبح ذلك وتعذر وقوع القبيح من العالم به وبالغني (1)عنه ،وذلك فرع لكونه قادراً على القبيح .
وكونه تعالى قادرا لنفسه ، يقتضي كونه قادرا على الحسن ، يقتضي كونه قادرا على القييح ، اذ كان الحسن من جنس القبيح ، وذلك مانع من كونه مريدا للقبيح ، لأنا قد بينا أنه لا يكون مريداً إلا بإرادة يفعلها، وإرادة القبيح قبيحة، لأن كل من علم مريداً للقبيح علم قبح إرادته واستحقاقه الذم ، ومقتض لكونه مريدا لما فعله - تعالى - وكلَّفه ، لاستحالة فعله مالا غرض فيه ، وتكليفه مالا يريده ، وكارهاَ للقبيح لكونه غيرمريدله (وفساد حلوما كلفه)(2) ، واحسانه من الارادة والكرامة، لأن ذلك يلحقه بالمباح ، وموجب لكون المكلف قادراً على ما كلفه - فعلاً وتركاً- من متماثل الأجناس ومختلفها ومضادها قبل وقوع ذلك ، ومزيح لعلته بالتمكين من ذلك والعلم به واللطف فيه ، ومقتض لحسن أفعاله وتكاليفه ، لأن خلاف ذلك ينقض كونه عادلاً وقد أثبتناه .
ولا يعلم كون كل مكلم (3) قادراً لصحة الفعل منه ، ومتعلقا بالمتماثل والمختلف والمتضاد، لصحة وقوع ذلك من كل قادر .
وفاعلاً لوجوب وقوع التأثيرات المتعلقة به من الكتابة والبناء وغيرهما بحسب أحواله ، ولتوجيه المدح إليه على حسنها والذم على قبحها، وثبوت القادر على الفعل قبل وقوعه ، لثبوت حاجة المقدور في حال عدمه إلى حال القادر، واستغنائه في حال وجوده عنها كحال بقائه ، ومتمكناً بالايات (4) من جميع ما يفتقر إليها، وبكال العقل من العلم بذوات الأشياء واحكامها، وبالنظر من العلوم المكتسبة، بدليل حصول الأول
____________
1 - كذا، والظاهر أن الصواب : والغني .
2 - كذا في الأصل .
3 - كذا، ولعل الصواب : مكلف .
4 - كذا ، ولعل الصواب : بالآلات .

(50)
لكل عاقل ، والثاني لكل ناظر، ووجوب اصطلاح المريد من غيره ما يعلم أويظن كونه مؤثراً في اختياره ، ولوجوب تمكينه .
وعلمنا بأنّه تعالى لايخل بواجب في حكمته ، وظهور الغرض الحكمي في أكثرها أوجده سبحانه على جهة التفضل ، وثبوت ذلك على الجملة فيما لايظهر لنا تفصيل المراد به كأفعال سائرالحكماء .
وحسن التكليف لكونه تعريضا لما لايوصل إليه إلا به من الثواب .
وكون التعريض للشيء في حكم ايصاله من حسن وقبح ، لأنه لاحسبة له بحسن التكليف غيره ، وعلمه سبحانه بكفر المكلف أو فسقه لا يقتضي قبح تكليفه ، لكونه تعالى مزيحاً لعلته ومحسنا إليه كإحسانه إلى من علم من حاله انه يؤمن ، اُتي من قبل نفسه فالتبعة عليه دون مكلفه سبحانه .
وحسن جميع ما فعله تعالى من الالام أو فعل بأمره أو إباحته ، لما فيه من الاعتبار المخرج له من العيب ، والعوض الزائد المخرج له عن قبيل الظلم والاساءة، إلى حيز العدل والاحسان .
ووجوب الانتصاف للمظلوم من الظالم ، لوقوع الظلم عن تمكينه تعالى، وان كان كارها له تعالى .
** ووجوب الرئاسة، لكون المكلف عندها أقرب من الصلاح ، وأبعد من الفساد .
ووجوب ماله هذه الصفة لكونه لطفاً، ووقوف هذا اللطف على رئيس لا رئيس له ، لفساد القول بوجود ما لا نهاية له من الرؤساء، ومنع الواجب في حكمته تعالى .
ولا يكون كذلك إلاّ بكونه معصوما، كون الرئيس أفضل الرعية وأعلمها لكونه إماما لها في ذلك ، وقبح تقديم المفضول على الفاضل فيما هوأفضل منه فيه .
ووجوب نصبه بالمعجزات والنص المشير.(1) إليه ، لوجوب كونه على صفات لا سبيل إليها إلاّ ببيان علام الغيوب سبحانه .
وهذه الرئاسة قد تكون نبوة، وقد تكون إمامة ليست بنبوة .
فالنبي هو المؤدي عن اللّه سبحانه بغير واسطة من البشر، والغرض في تعينه بيان
____________
1ـ كذا، والظاهر أن الصواب : المشير.
(51)
المصالح من المفاسد.
** والدلالة على حسن البعثة لذلك قيام البرهان على وجوب بيان المصالح والمفاسد للمكلّف في حق المكلّف ، فلا بد متى علم سبحانه ماله هذه الصفة من بعثه مبيناً له ، ولابد من الموت (1) المبعوث معصوماً فيما يرد به من حيث كان الغرض في تعينه ليعلم المكلف المصالح والمفاسد من جهته ، فلوجازعليه الخطأ فيما يؤديه لارتفعت الثقة بادائه ، وقبح العمل بأوامره واجتناب نواهيه.
ولابد من كونه معصوماً من القبائح ، لوجوب تعظيمه على الإطلاق وقبح ذمه ، والحكم بكفر المستخف خيط به مع وجوب ذم فاعل القبيح .
ولا يعلم صدقه إلا بالعجز، ويفتقرإلى شروط ثلا ثة :
أولها : أن يكون خارقاً للعادة، لأنه إن كان معتاداً- وإن تعذر جنسه - كخلق الولد عند الوطء ، وطلوع الشمس من المشرق ، والمطرفي زمان مخصوص ، لم يقف على مدع من مدع .
وطريق العلم بكونه خارقاً للعادة، اعتبار حكمها وما يقع فيها ويميزه من ذلك على وجه لا لبس فيه ، أو بحصول تحد وتوفر دواعي المتحدي وخلوصا(2) وتعذر معارضته .
وثانيها: أن يكون من فعله تعالى، لأن من عداه سبحانه يصح منه ايثارالقبيح فلا يؤمن منه تصديق الكذاب ، وطريق العلم بكونه من فعله تعالى، أن يكون متعدد الجنس كالجواهر والحياة وغيرهما من الأجناس الخارجة من مقدور المحدثين ، أو يقع بعض الاجناس المختصة بالعباد على وجه لايمكن إضافته إلا إليه سبحانه .
ثالثها: أن يكون مطابقاً للدعوى، لأنه إن كان منفصلاً عنها لم يكن مدع أولى به من مدع ، وطريق ذلك المشاهدة أو خبرالصادق .
فتمى تكاملت هذه الشروط ثبت كونه معجزا، إذ (لاصدق من)(3) اقترن ظهوره بدعواه لأنه جارمجرى قوله تعالى : صدق هذا عليَّ فيما يؤديه عني ، وهوتعالى لايصدق الكذابين .
____________
1 - كذا ، والظاهر أن الصواب : كون .
2 - كذا، ولعل الصواب : وخلوصه .
3 - كذا، ولعل الصواب : لا أصدَقَ ممّن .

(52)
فإذا علم صدقه بالمعجز، وجب اتباعه فيما يدعوإليه ، والقطع على كونه مصلحة، وينهى (1) عنه والقطع بكونه مفسدة .
ولا طريق إلى نبوة أحد من الانبياء عليهم السلام الان ، إلا من جهة نبينا صلوات اللّه عليه وآله ، لانسداد طريق التواتر بشيء من معجزاتهم بنقل من عدا المسلمين لفقد العلم باتصال الأزمنة مشتملة على متواترين فيها بشيءٍ من المعجزات ، وتعذر تعين الناقلين لها .
وطريق العلم بنبوته صلى اللّه عليه واله القران وما عداه من الايات ، ووجه الاستدلال به ، أنه تحداهم به على وجه لم يبق لهم صارف عن معارضته ، فتعذرت على وجه لايمكن اسناده إلى غيرعجزهم ، اما لأنه في نفسه معجز، أو لأن اللّه سبحانه صرفهم عن معارضته ، اذ كل واحد من الأمرين دال على صدقه .
وقد تضمن القران ذكر أنبياء على جهة التفصيل والجملة، فيجب لذلك ألتدين بنبوتهم ، وكونهم على الصفات التي يجب كون النبي عليها .
وان رسول اللّه صلوات اللّه عليه أفضلهم وخاتمهم والناسخ لشرائعهم ، بشريعة يجب العلم والعمل بها إلى يوم القيامة .
** والامام هوالرئيس المتقدم المقتدى بقوله وفعله والغرض في نصبه فيه من اللطف للرعية في تكاليفهم العقلية، ويجوزأن يكون نائبا عن نبي أو إمام في تبليغ شريعة .
ومتى كان كذلك فلابد من كونه عالما بجميعها، لقبح تكليفه الاداء وتكليف الرجوع إليه ، مع فقد العلم بما يؤديه ويرجع إليه فيه .
ويجب أن يكون معصوما في ادائه ، لكونه قدوة، ولتسكن النفوس إليه، لتسلم بعظمة الوأجب خلوصه من الإستخفاف .
ويجب أن يكون عابدا زاهداً لكونه قدوة فيهما، وإن كان مكلفاً [ب ](2) جهاد أوجب كونه أشجع الرعية لكونه فئة لهم .
ويجوز من طريق العقل أن يبعث اللّه سبحانه إلى كل واحد من المكلفين نبياً وينصب له رئيساً ويكون ذلك في الأزمنة، وإنما ارتفع هذا ألجائزفي شريعتنا، بحصول
____________
1 - لعل الصواب: وفيما ينهى.
2 - أثبتناه ليستقيم السياق .

(53)
العلم من دين نبينا صلى اللّه عليه واله : أن لا نيي بعده ، ولا إمام في الزمان الا واحد .
** ووضح البرهان على تخصيص الإمامة بعده بأمير المؤمنين علي بن أبي طالب ، والحسن ، والحسين ،علي بن الحسين ، ومحمد بن علي ، وجعفر بن محمد، وموسى بن جعفر، وعلي بن موسى، ومحمد بن علي ،وعلي بن محمد، والحسن بن علي ، والحجة بن الحسن صلوات اللّه عليهم .
لا إمامة لسواهم ، بدليل وجوب العصمة للأمام فيما يؤديه ومن (1) سائر الصالح (2)، وكونه أعلم الخلق وأعظمهم وأعدلهم وأزهدهم وأشجعهم ، وتعدى(3) من عاداهم من منتحلي الإمامة من تكامل هذه الصفات دعوى، وتخصصهم عليهم السلام وشيعتهم بدعواها لهم ، في ثبوت النص من الكتاب والسنة المعلومة على إمامتهم ، وتعريهما [عن] (4) ذلك فيمن عداهم حسب ماذكرناه في غير موضع ، وذلك مقتض لضلال المتقدم عليهم ، وكفر الشاك في إمامة واحد منهم .
وغيبة الحجة عليه السلام ليست بقادحة في إمامته ، لثبوتها بالبراهين التي لا شبهة فيها على متأمل ، وامان المكلف من خطأ به في ظهور فاستتارو غيرهما لعصمته .
ويلزم العلم بجملة الشريعة فعلاً وتركاً لكون ذلك جملة الايمان ، والعلم بتفصيل ما تعين فرضه منها وايقاعه للوجه الذي شرع على جهة القربة، لكون ذلك شرطاً في صحته ، وبراءة الذمة منه ، واستحقاق الثواب عليه .
وهي على ضروب أربعة: فرائض ، ونوافل ، ومحرمات ، وأحكام .
فجهة وجوب الفرائض كون فعلها لطفاً في فعل الواجب العقلي . وترك القبيح ، وقبح تركها لأنه ترك الواجب .
وجهة الترغيب في السنن ، كونها لطفا في المندوب العقلي ولم يقبح تركها، وكما لايقبح ترك ماهي لطف فيه .
وجهه قبح المحرمات ، كونها مفسدة في ترك الواجب وفعل القبيح ، ووجب تركها لأنه ترك القبيح .
____________
1 - كذا، والظاهر أن الصواب : من .
2 - كذا، والظاهر أن الصواب : المصالح .
3 - كذا، والظاهر أن الصواب : وتعرّي .
4 - أثبتناه ليستقيم السياق.

(54)
وجهة الأحكام ، ليعلم مكلفها الوجه الذي عليه يصح التصرف مما لايصبح .
فوضح ذلك علمنا ضرورة من حال فاعل العبادات الشرعية ومجتنب المحرمات كونه أقرب لنا ، للأنصاف والصدق وشكرالنعمة وردّ الوديعة وسائر الواجبات ، والبعد من الظلم والكذب وسائر القبائح .
ومن حال فاعل المحرمات الشرعيات والمخل بالعبادات ، كونه أقرب [من ](1) القبيح العقلي وابعد من الواجب .
ولا شبهة أن من بلي بالتجارة فلم يعلم أحكام البيوع ، لم يكن على يقين من صحة التملك .
وكذلك من بلي بالإرث مع جهله بأحكام المواريث ، لايكون على ثقة مما يأخذ ويترك .
وكذلك يجري الحال في سائر الأحكام ، وقد استوفينا الكلام في هذا القدح في مقدمة كتاب (2) «العمدة» و«التلخيص » في الفروع ، وفي كتابي «الكافي في التكليف» وفيما ذكرناه هاهنا بلغة . .
** ولا طريق إلى اثبات الأحكام الشرعية والعمل بها إلا العلم دون الظن ، لكون التعبد بالشرائع مبنياً على المصالح التي لايوصل إليها بالظن ، ولا سبيل إلى العمل بجملتها إلا من جهة الأئمة المنصوبين لحفظها، المعصومين في القيام بها، المأمونين في ادائها، لحصول العلم بذلك من دينهم لكل مخالط ، وارتفاع الخوف من كذبهم لثبوت عصمتهم عليهم السلام .
ولابد في هذه التكليف من داع وصارف ، وذلك مختص بالمستحق عليه من المدح والثواب والذم والعقاب والشكر.
فالمدح :هو القول المنبىء عن عظم حال الممدوح ، وهو مستحق بفعل الواجب والمندوب واجتناب القبيح .
والثواب : هوالنفع المستحق الواقع على جهة التعظيم والتبجيل ، وهو مستحق من الوجوه الثلاثة بشرط المشقة .
____________
1 - أثبتناه ليستقيم السياق.
2 - كذا، والظاهر أن الصواب: كتابي.

(55)
والذم : هوالقول المنبئ عن إيضاح حال المذموم ، وهو مستحق بفعل القبيح والإخلال بالواجب .
** والعقاب : هوالضرب المستحق من الوجهين بشرط زائد .
والشكر: هو الاعتراف بالنعمة مع ضرب من التعظيم ، وهومستحق بالإحسان خاصة .
والوجه في حسن التكليف ، كونه تعريضاً للثواب الذي من حقه ألا يحسن الابتداء به من دون العلم باستحقاق العقاب ودوامه .
وانما يعلم ان الثواب دائم والعقاب مستحق ودائم بالكفر، ومنقطع بما دونه ، من جهة السمع .
والمستحق من الثواب ثابت لا يزيله شيء ، لأنه حق واجب في حكمته سبحانه ، لايجوز فيها منعه ، (والا سقوط بندم او زائد)(1) عقائد، لاستحالة ذلك ، لعدم التنافي بين الثواب وبينهما لعدم الجميع ، وإحالة التنافي بين المعدومات .
وعقاب الفسق يجوز اسقاطه تفضلاً بعفومبتدأ وعند الشفاعة لجوازه ، وعند التوبة لأنه حق له تعالى إليه قبضه واستيفاؤه ، واسقاطه إحسان إلى المعفو عنه .
وقد ورد الشرع مؤكداً لاحكام العقول ، فمن ذلك تمدحه سبحانه في غير موضع من كتابه بالعفو والغفران ، المختصين باسقاط المستحق في اللغة والشرع .
ولا وجه لهذا التمدح إلا بوجهه (2) إلى فساق أهل الصلاة، بخروج (3) المؤمنين الذين لا ذنب لهم والكفار عنه باتفاق ، اذ لا ذنب لأولئك يغفر، والعفو عن هؤلاء غير جائز .
ولأن ثواب المطيع دائم ، فمنع من دوام عقاب ما ليس بكفر، لإجماع الاُمة على أنه لا يجتمع ثواب دائم وعقاب دائم لمكلف ، وفساد التخالط بين المستحقين مما(4) بيناه .
ولا أحد قال بذلك ، إلا جوز سقوط عقاب العاصي بالعفو، أوالشفاعة المجمع
____________
1 - كذا في الأصل .
2 - كذا، ولعل الصواب : توجهه .
3 - كذا، ولعل الصواب : لخروج .
4 - كذا ، والظا هر أن الصواب : بما .

(56)
عليها، ويخصصها بإسقاط العقاب ، ولا يقدح في ذلك خلاف المعتزلة، لحدوثه بعد انعقاد الاجماع بخلافه .
وآيات الوعيد كلها وآيات الوعيد(1) مشترطة بالعفو ومخصصة بآيات العفو وعموم آيات الوعد، ولثبوت ثواب المطيع وفساد التخالط ، وكون ذلك موجبا لتخصيصها بالكفار ان كان وعيدها دواماً أو كون عقابها منقطعا إن كان عاماً، من حيث كان القول بعمومها للعصاة ودوام عقابها ينافي ماسلف من الأدلة .
والمؤمن : هو المصدق بجملة المعارف عن برهانها، حسب ما خاطب به من لسان العرب ، المعلوم كون الايمان - فيه - تصديقا، والكفر اسم لمن جحد المعارف أو شك فيها أو اعتقدها عن تقليد أو نظر لغير وجهه .
والفسق إسم لمن فعل قبيحا ، أو أخل بواجب من جهة العقل أو السمع ، لكونه خارجاً بذلك عن طاعة مكلفه سبحانه .
والفاسق في اللغة : هوالخارج ، [و](2) في عرف الشريعة هوالخارج عن طاعته سبحانه .
ومن جمع بين إيمان وفسق ، مؤمن على الاطلاق فاسق بما اتاه من القبيح ، لثبوت كل واحد منهما، ومن ثبت إيمانه لا يجوزأن يكفر« لدوام ثواب الإيمان وعقاب الكفر وفساد اجتماعهما لمكلف واحد، وثبوت المستحق منهما وعدم سقوطه بندم أو تحابط .
و قوله تعالى : (إن الذين آمنوا ثم كفروا)(3) مختص بمن أظهر الايمان أو اعتقده لغير وجهه ، دون من ثبت إيمانه ، كقوله تعالى : (فتحرير رقبة مؤمنة)(4) يعني مظاهرة(5) للإيمان باتفاق ، ومدح المقطوع على إيمانه مطلق مقطوع بالثواب ، والمظهر مشترط بكون الباطن مطابقاً للظاهر واقعا موقعه .
و ذم الكافر ولعنه مطلق ، مقطوع له بالعقاب الدائم .
____________
1 - كذا، والظاهر أن الصواب : الوعد.
2 - أثبتناه ليستقيم السياق .
3 - النساء 4 : 137 .
4 - النساء 4 : 92 .
5 - كذا، والظاهر انّ الصواب : مظهرة.

(57)
وذم الفاسق مشترط الا بعفا(1) عن مستحقه ابتداءاً أو عند شفاعة ، وإذا ظهر كفر ممن كان على الإيمان ، وجب الحكم على ما مضى منه على المظاهرة (به النفاق)(2)، أو كونه حاصلاً عن تقليد، أو عن نظر لغير وجهه ، لما بيناه من الأدلة الموجبة لذلك .
ولابد من انقطاع التكليف ، والا انتقض الغرض المجرى به إليه من التعريض للثواب ، ولا يعلم بالعقل كيفية انقطاعه وحال (3) أيضاً أو جنسه وكيفية فعله ، وإنما يعلم ذلك بالسمع .
وقد حصل العلم من دينه صلى اللّه عليه ضرورةً، ونطق القران بأن اللّه تعالى آخر بعد فناء كل شيء ، كما كان أولاً قبل وجود شيء ، حسب ما أخبرسبحانه من قوله : ( هو الأول والآخر ) (4) ينشؤهم بعد ذلكُ ويحشرهم ليوم لاريب فيه ، مستحق الثواب خالصاً والعقاب الدائم ، ليوصل كلاً منهما إلى مستحقه على الوجه الذي نص عليه تعالى، ومن اجتمع له الاستحقاقان فإن(5) يستوفي منه سبحانه ما يستحقه من العقاب ، أو يعفو عنه ابتداءاً، أو عند شفاعة، ثم يوصله إلى ثواب إيمانه وطاعاته الدائم والمولم (6) به تعالى أو بغيره ، ليوصله إلى ما يستحقه من العوض عليه تعالى أوعلى غيره ، ثم يدخله الجنة إن كان من أهلها أو النار، أو يبقيه ، أو يحرمه إن كان ممن لا يستحقها من البهائم والأطفال والمجانين ومن لا يستحق العوض ، ليتفضل عليه .
وهذا - اجمع - جائز من طريق العقل لتعلقه بمبتدئهم تعالى، والنشأة الثانية أهون من الأولى، وهي واجبة لما بيناه من وجوب ايصال كل مستحق إلى مستحقه من ثواب أو عقاب أو عوض .
ولا تكليف على أهل الآخرة باجماع ، ولأن العلم بحضور المستحق من الثواب والعقاب وفعله عقيب الطاعة والمعصية ملج ، والالجاء ينافي التكليف ، وأهل الآخرة
____________
1 - كذا، والظاهر ان الصواب : باعفاء.
2 - كذا، والظاهر أن الصواب : بالنفاق .
3 - كذا، والظاهر أن الصواب : وحاله.
4 - الحد يد 57 : 3 .
5 - كذا، والظاهر أن الصواب : فإنه .
6 - كذا .

(58)
عالمون باللّه تعالى ضرورةً، ليعلم المثاب والمعاقب والمعوض وصوله إلى ما يستحقه على وجهه ، ويعلم المتفضل عليه كون ذلك النفع نعمة له تعالى .
وقلنا أن هذه المعرفة ضرورية، لأنا قد بينا سقوط تكليف أهل الآخرة، فلم يبق مع وجوب كونهم عارفين إلا كون المعرفة ضرورية .
** هذه جمل يقتضي كون العارف بها موقناً مستحقا للثواب الدائم وايصاله ،إليه ، ومرجوله العفوعما عداهما من الجوائر(1). ويوجب كفر من جهلها، أوشيئاً منها، أوشك فيها، أو اعتقدها عن غير علم ، أو شيئاً منها، أو لغير وجهها، قد قربناها بغاية وسعنا، من غير اخلال بشيء يؤثر جهله في ثبوت الايمان لمحصلها، وإلى اللّه سبحانه الرغبة في توفير حظنا- ومن تأملها أو عمل بها- من ثوابه وجزيل عفوه ، بجوده وكرمه انه قريب مجيب . تم الكتاب .

* * *

____________
1 - كذا، والظاهر ان الصواب : الجرائر.
(59)
ومن خطبة له في التوحيد(1)
ما وحّده من كيّفه ، ولا حقيقتَهُ أصاب من مثّله ، ولا إياه عنى من شبّهه ، ولا صمده من أشارإليه وتوهمه ، كل معروف بنفسه مصنوع ، وكل قائم في سواه معلول ، فاعل لاباضطراب آلةٍ ، مقدر لابجول فكرة، غنيْ لاباستفادة، لم لا تصحبه الأوقات ، ولا ترفده الأدوات ، سبق الأوقات كونه ، والعدم وجوده ، والابتداء ازله، بتشعيره المشاعرعرف ألاّ مشعرله ، وبمضادته بين الاُمورعرف ألا ضد له ، وبمقارنته بين الأشياء عرف الاّقرين له ، ضا د النور بالظلمة ، والوضوح بالبهيمة ، والجمود بالبلل ، والحرور بالصرد ، مؤلف بين متعادياتها، مقارن (2) بين متبايناتها، مقرب بين متباعداتها، مفرق بين متدانياتها، لايُشمل (3) بحد، ولايحسب بعد ، وأنما تحد الادوات أنفسها ، وتشير الآلات (4)إلى نظائرها ، منعتها(منذ) القدمية ، وحمتها (قد) الأزلية ، وجنبتها (لولا) التكملة، [بها ](5) تجلى صانعها للعقول ، و(6) بها امتنع عن نظرالعيون ، لايجري عليه السكون والحركة ، وكيف يجري عليه ما هو أجراه ؟ ويعود فيه ما هو ابداه ؟ ويحدث فيه ما هو أحدثه ؟ إذاً لتفاوتت ذاته ، ولتجزأ كنهه ، ولامتنع من إلأزل معناه ، لو كان له وراء لوجد له امام ، ولا لتمس التمام اذ لزمه النقصان ، وإذاً لقامت آية المصنوع فيه ، ولتحول دليلاً بعد أن كان مدلولاً [عليه ](7) ، وخرج بسلطان إلامتناع من أن يؤثر[فيه ما يؤثر ](8) في غيره ، الذي لايحول (9) ولا يزول ، ولا يجوزعليه الافوال ، لم يلد فيكون مولوداً، ولم يولد فيكون (10) محدوداً، جل عن اتخاذ الأبناء، وطهرعن ملامسة النساء.
____________
1 - رواها الشريف الرضي في نهح البلاغة 2 : 142 | 181، وقال : وتجمع هذه الخطبة من أصول العلم مالا تجمعه خطبة غيرها.
2 - في الأصل : مقارب ، وما أثبتناه من النهج .
3 ـ في الأصل : لايشتمل ، وما أثبتناه من النهج.
4 - في النهج: الالة.
5 - أثبتناه من النهج .
6 - في الأصل : في ، وما أثبتناه من النهج.
7ـ 8 - أثبتناه من النهج .
9 - في الأصل : لايحرك ، وما أثبتناه من النهج.
10 ـ في النهج : فيصير.

(60)
لا تناله الأوهام فتقدره ، ولا تتوهمه الفطن فتصوره ، ولا تدركه الحواس فتحسه ، ولا تلمسه الأيدي فتمسه ، لايتغير بحال ، ولا يتبدل بالأحوال (1) ، لاتبليه الليالي والأيام ، ولا يغيره الضياء والظلام ، ولا يوصف بشيء من الاجزاء، ولا بالجوارح والأعضاء، ولا بعرض من الأعراض ، ولا بالغيرية والابعاض .
ولا يقال له حد(2) ولا نهاية، ولا انقطاع ولا غاية، ولا ان الأشياء تحويه فتقله أوتهويه ، أو ان شيئاً يحمله فيميله أو يعدله، ليس في الأشياء بوالج ولا عنها بخارج ، يخبر بلا لسان ولهوات ، ويسمع بلا خروق وأدوات ، يقول ولا يلفظ ، ويحفظ ولا يتحفظ ، و يريد ولا يضمر، يحب ويرضى من غير رقة، ويبغض ويغضب من غير مشقة .
يقول لما(3) أراد كونه كن فيكون ، لابصوت يقرع ، ولانداء(4) يسمع ، وإنما كلامه(5) فعل منه أنشأه ومثله ، لم يكن من قبل ذلك كائناً، ولوكان قديما لكان إلهاً ثانيأ لايقال كان بعد أن لم يكن فتجرى عليه الصفات المحدثات ، ولا يكون بينها وبينه فصل [ولا له عليها فضل، فيستوي الصانع والمصنوع ، ويتكافأ المبتدىء والبديع ](6) .
خلق الخلائق على غير(7) مثال خلا من غيره ، ولم يستعن على خلقها بأحد من خلقه .
وأنشأ الارض فأمسكها من غير اشتغال ، وأرساها على غيرقرار، وأقامها بغير قوائم ، ورفعها بغير دعائم ، وحصنها من الأود والإعوجاج ، ومنعها من التهافت والانفراج ، أرسى أوتادها ، وضرب أسدادها ، واستفاض عيونها ، وخد أوديتها ، فلم يهن ما بناه ، ولا ضعف ماقواه ، هوالظاهرعليها بسلطانه وعظمته ، وهوالباطن لها بعلمه ومعرفته ، والعالي [على](8) كل شيء منها بجلاله وعزته ،لا يعجزه شيء منها يطلبه (9)،
____________
1 - في الأصل ،: من الأحوال ، وما أثبتناه من النهج .
2 - في الأصل : عد، وما أثبتناه من النهج.
3 ـ في النهج : لمن .
4 - في النهج : ولا بنداء.
5 - في النهج زيادة: سبحانه .
6 - أثبتناه من النهج .
7 - في الأصل : خير، وما أثبتناه من النهج.
8 - أثبتناه من النهج .
9 - في النهج : طلبه .

(61)
ولا يمتنع عليه فيغلبه ، ولا يفوته السريع منها فيسبقه ، ولا يحتاج إلى ذي مال فيرزقه ، خضعت الأشياء له فذلت (1) مستكينة لعظمته ، لاتستطيع الهرب من سلطانه إلى غيره فتمتنع من نفعه وضره ، ولا كفؤله فيكافئه ، ولانظيرله (2) فيساويه .
هو المفني لها بعد وجودها، حتى يصيرموجودها كمفقودها، وليس فناء الدنيا بعد ابتداعها، بأعجب من إنشائها واختراعها، وكيف ولو اجتمع جميع حيوانها من طيرها وبهائمها، وما كان من مراحها(3) وسائمها، وأصناف أسناخها وأجناسها، ومتبلدة اممهاو اكياسها،على احداث بعوضة ماقدرت على احداثها، ولا عرفت كيف السبيل إلى إيجادها، ولتحيرت عقولها في علم ذلك وتاهت ، وعجزت قواها وتناهت ، ورجعت خاسئة حسيرة، عارفة بأنها مقهورة، مقرة بالعجز عن إنشائها، مذعنة بالضعف عن إفنائها .
وأنه يعود سبحانه بعد فناء الدنيا وحده لاشيء معه ، كما كان قبل ابتدائها، كذلك يكون بعد فنائها، بلاوقت ولا مكان ، ولا حين ولا زمان ، عدمت عند ذلك الآجال والأوقات ، وزالت السنون والساعات ، فلا شيء الا الواحد القهار، الذي إليه مصير جميع الاُمور .
بلا قدرة منها كان ابتداء خلقها، وبغير امتناع منها كان فناؤها، ولوقدرت على الامتناع لدام بقاؤها، لم يتكاءده (4) صنع شيء منها [ إذ](5) صنعه ، ولم يؤده منها خلق ما برأه وخلقه ، ولم يكونها لتشديد سلطان ، ولا لخوف من زوال ونقصان ، ولا للاستعانة بها على ند مكاثر، ولا للاحتراز بها من ضد مثاور، ولا للازدياد بها في ملكه ، ولا لمكاثرة شريك في شركه ، ولا لوحشة كانت منه (6) فأراد أن يستأنس إليها .
ثم هو يفنيها بعد تكوينها، لالسأم دخل عليه في تصريفها وتدبيرها، ولا لراحة واصلة إليه ، ولا لثقل شيء منهاعليه ، لايمله طول بقائها فيدعوه إلى سرعة افنائها ، لكنه
____________
1 - في النهج : وذلت .
2 - ليس في النهج .
3 - في الأصل : مراحمها، وما أثبتناه من النهج .
4 - في وصفه تعالى «لابتكاءده صنع شيء كان » أي لايشق عليه «مجمع البحرين 3 :135».
5 - أثبتناه من النهج .
6 ـ في الأصل : منها، وما أثبتناه من النهج.

(62)
سبحانه دبرها بلطفه ، وأمسكها بأمره ، وأتقنها بقدرته ، ثم يعيدها بعد الفناء من غير حاجة منه إليها، ولا أستعانة(1) بشيء منها عليها(2)، ولا لانصراف من حال وحشة إلى حال استئناس ، ولا من حال جهل وعمى إلى [حال](3) علم والتماس ، ولا من فقر وحاجة إلى غنى وكَثرة، ولا من ذل وضعة إلى عز وقدرة .
* * *

____________
1 - في الأصل : ثم لا لاستعانة، وما أثبتناه من النهج .
2 - في الأصل : عليه ، وما أثبتناه من النهج .
3 - أثبتناه من النهج .

(63)
ومن خطبة له في المعنى(1) :
الحمد للّه المتجلي لخلقه بخلقه ، والظاهر لقلوبهم بحجته ، خلق الخلق من غير روية، إذ كانت الرويات لاتليق إلآ بذوي الضمائر، وليس بذي ضمير في نفسه ، خرق علمه باطن غيب السترات ، وأحاط بغموض عقائد السريرات.
و أشهد أن لا إله اللّه وحده لا شريك له ، الأول فلا شيء قبله ، [و](2)الآخر لأنهاية له ، لاتقع القلوب له على، غاية، ولا تعقد القلوب منه على كيفية، لاتناله ألتجزئة والتبعيض ، ولا تحيط به الأبصار والقلوب (3)، بطن خفيات الامور، ودلت عليه أعلام الظهور، وامتنع على عين البصير، فلا عين من لم يره تنكره ، ولاقلب من اثبته يبصره ، سبق في العلو فلا شيء أعلى منه ، وقرب في الدنو فلا شيء أقرب منه ، فلا أستعلاؤه باعده عن شيء من خلقه ، ولا قربه ساواهم في المكان به ، لم يطلع العقول على تحديد صفته ، ولم يحجبها عن واجب معرفته ، فهو الذي تشهد له اعلام الوجود على اقرار قلب ذي الجحود، تعالى اللّه عما يقول المشبهون به والجاحدون له علوا كبيراً(4).
* * *

____________
1 - رواها الشريف الرضي في نهج البلاغة 1 : 206 | 104، إلى: عقائد السريرات .
2 - أثبتناه من النهج.
3 - نهج البلاغة 1 : 81 | 146، من : وأشهد أن لا إله إلا اللّه .
4 - نهج ألبلاغة 1 : 94 | 48، من : بطن خفيات الاُمور.

(64)
ومن خطبة له في التوحيد عليه السلام :
الحمد للّه الدال على وجوده بخلقه ، وبمحدث خلقه على، أزليته ، وباشتباهم على أن لا شبه له ، لا تشتمله (1) ألمشاعر، ولا تحجبه السواتر، لافتراق الصانع والمصنوع ، والحاد والمحدود، والرب والمربوب.
الأحد لا بتأويل عدد، والخالق لا بمعنى حركة ونصب ، والسميع لابأداة، والبصير لابتفريق الة، والشاهد لابمماسة، والبائن لابتراخي مسافة، والظا هر لابرؤية، والباطن لا بلطافة، بان من الأشياء بالقهر لها والقدرة عليها، وبانت الأشياء منه بالخضوع له والرجوع إليه .
من وصفه فقد حده ، ومن حده فقد عده ، ومن عده فقد أبطل ازله ، ومن قال : (كيف) فقد استوصفه ، ومن قال : (أين) فقد حَيّزه ، عالم إذ لا معلوم ، ورب إذ لا مربوب ، وقادر إذ لا مقدور.
منها: قد طلع طالع، ولمع لامع ، ولاح لائح ، واعتدل مائل ، واستبدل اللّه بقوم قوماً، وبيوم يوماً وانتظرنا الغِيَر انتظارالمجدب المطر، وانما الأئمة قوام اللّه على خلقه ، وعرفاؤه على عباده ، لا يدخل الجنة إلا من عرفهم وعرفوه ، ولا يدخل النار إلا من أنكرهم وأنكروه.
إن اللّه خصكم بالاسلام واستخلصكم له ، وذلك لأنه اسم سلامة وجماع كرامة، اصطفى اللّه تعالى منهجه وبين حججه ، من ظاهر علم وباطن حكم ، لا تفنى غرائبه ، ولا تنقضي عجائبه ، فيه مرابيع النعم ومصابيح الظلم ، لاتفتح الخيرات إلا بفاتحهم (2)، ولا تكشف الظلمات إلا بمصابحهم (3)، قد أحمى حماه وأرعى مرعاه ، فيه شفاء المشتفي وكفاية المكتفي (4).
____________
1 - في النهج : لاتستلمه .
2 - في النهج : بمفاتيحه .
3 ـ في النهج: بمصابيحه.
4 - نهج البلاغة 2 : 53 | 148 .

(65)
ومن كلام له في المعنى :
قاله لذعلب اليماني ، وقد سأله : هل رأيت ربك ؟ فقال . أفأعبد من (1)لا أرى؟ ! قال : وكيف تراه ، قال : لاتدركه العيون بمشاهدة العيان ، ولكن تدركه القلوب بحقائق الايمان ، قريب من الأشياء غير ملامس ، بعيد منها غير مباين متكلم لا بروية، مريد لا بهمة، صانع لا بجارحة، لطيف لايوصف بالخفاء، كبير لايوصف بالجفاء، بصير لا يوصف بالحاسة، رحيم لايوصف بالرقة، تعنو الوجوه لعظمته ، وتوجل (2) القلوب من مخافته (3).
الذي (4) لم يسبق له حال حالا، فيكون أولا قبل أن يكون اخرا، ويكون ظاهرا قبل أن يكون باطناً كل مسمى بالوحدة غيره قليل ، وكل عزيز غيره ذليل ، وكل قوي غيره ضعيف ، وكل مالك غيره مملوك ، وكل عالم غيره متعلم ، وكل قادر غيره يقدر ويعجز، وكل سميع غيره يصم عن لطيف الأصوات ويصمه كبيرها ويذهب عنه مابعد منها، وكل بصير غيره يعمى عن خفي الألوان ولطيف الأجسام ، وكل ظاهرغيره غير باطن ، وكل باطن غيره غير ظاهر، لم يخلق ما خلقه لتشديد سلطان ، ولا تخوف من عواقب زمان ، ولا استعانة على ند مثاور، ولا شريك مكاثر(5)، ولا ضد منافر، ولكن خلائق مربوبون وعباد داخرون ، لم يحلل في الاشياء فيقال : هوفيها كائن ، ولم ينأ عنها فيقال : هو منها بائن ، لم يؤده خلق ما ابتدأ، ولا تدبير ماذرأ، ولاوقف به عجزعما خلق ، ولا ولجت عليه شبهة فيما قدر وقضى ، بل قضاء متقن ، وعلم محكم ، وأمر مبرم ، المأمول مع النقم ، المرهوب مع النعم (6).
____________
1 ـ في النهج : ما.
2 ـ في النهج: وتجب .
3 ـ نهج البلاغة 2 : 120 | 174 .
4 ـ في النهج : الحمد لله الذي.
5 ـ في النهج : مكابر.
6 ـ نهج البلاغة 1: 107 | 62 . وفيه من : الذي لم يسبق .