ومن كلام له عليه السلام في التوحيد :
عن مقدام (1) بن شريح بن هانىء ، عن أبيه قال : إن أعرابياً قام يوم الجمل إلى أمير المؤمنين عليه السلام فقال: يا أمير المؤمنين ، أتقول ان اللّه واحد؟ قال : فحمل الناس عليه وقالوا: يا أعرابي ، أما ترى ما فيه أمير المؤمنين من تقسم القلب !؟ فقال أمير المؤمنين عليه السلام : « دعوه ، فإن الذي يريده الأعرابي هوالذي نريده من القوم» .
[ثم ](2) قال : «يا أعرابي ، إن القول في أن اللّه واحد، على أربعة أقسام : فوجهان منها لايجوزان على اللّه تعالى، ووجهان يثبتان فيه .
فأما اللذان لايجوزان عليه : فقول القائل : واحد، يقصد به باب الاعداد، فهذا مالا يجوز، لأن مالا ثاني له لايدخل في باب الم لاعداد، أما ترى أنه كفرمن قال : ثالث ثلاثة! وقول القائل : هوواحد، يريد به النوع من الجنس ، فهذا مالا يجوز، لأنه تشبيه ، جل ربنا عن ذلك وتعالى .
وأما الوجهان اللذان يثبتان فيه : فقول القائل : هو واحد ، يريد به ليس له في الأشياء شبه ولا مثل ، كذلك اللّه ربنا. وقول القائل : انه تعالى واحد، يريد أنه أحدي المعنى، يعني أنه لاينقسم في وجود ولا عقل ولا وهم ، كذلك اللّه ربنا عزوجل »(3) .
وروى أن رجلا قال له : يا أمير المؤمنين بماذا عرفت ربك ؟ قال : «بفسخ العزم ونقض الهم ، لما ان هممت فحال بيني وبين همي ، وعزمت فخالف القضاء عزمي ، علمت أن المدبرلي غيري» .
قال : فبماذا شكرت نعماءه ؟ قال : نظرت إلى بلاء قد صرفه عني وابلى به غيري ، وإحسان شملني به ، فعلمت أنه قد أباه علي فشكرته» .
قال : فبماذا أحببت لقاءه ؟ قال : «رآيتة قد اختار لي دين ملائكته ورسله ،
____________
1 - في الأصل : مقداد، وما أثبتناه هو ألصواب ، وهو المقدام بن شريح بن هانىء بن يزيد الحارثي الكوفي ، روى عن أبيه، وعنه اسرائيل . «تهذيب التهذيب 10 : 287 | 504 ، تقريب التهذيب 2 : 272 | 1349 » .
2- أثبتناه من التوحيد.
3 - رواه الصدوق في التوحيد 83: 3، والخصال 2 : 1 ، ومعاني الأخبار5 : 2 .

(67)

فعلمت أن الذي أكرمني بهذا ليس ينساني فأحبيت لقاءه »(1).

ومن خطبه له عليه السلام في التوحيد:
الحمد للّه الذي لاتدركه الشواهد، ولا تحويه المشاهد، ولا تراه النواظر، ولاتحجبه السواتر، الدال على قدمه بحدوث خلقه ، وبحدوث خلقه على وجود، ، وباشباههم على أن لا شبه له، الذي صدق في ميعاده ، وارتفع عن ظلم عباده ، وقام بالقسط في خلقه ، وعدل عليهم في حكمه، مستشهد بحدوث الأشياء على أزليته ، وبما وسمها به من العجز على قدرته ، وبما اضطرها إليه من الفناء على دوامه .
واحد لابعدد ، ودائم لابأمد، وقائم لابعمد ، تتلقاه الأذهان لابمشاعرة، وتشهد له المرائي لابمحاضرة، لم تحط به الاوهام ، بلى تجلى لها، وبها امتنع منها، وإليها حاكمها، ليس بذي كبرامتدت به النهايات فكبرته تجسيماً، ولا بذي عظم تناهت به الغايات فعظمته تجسيداً، بل كبرشأناً وعظم سلطاناً.
و أشهد أن محمداً عبده المصطفى، وأمينه الرضي صلى اللّه عليه [ واله ] وسلم ، أرسله بوجوب الحجج ، وظهور الفلج ، وإيضاح المنهج ، فبلغ الرسالة صادعا بها، وحمل على المحجة دالاً عليها، وأقام اعلام الاهتداء ومنار الضياء، وجعل امراس الاسلام متينة، وعرى الإيمان وثيقة (2).
وقال عليه السلام:
من عبداللّه تعالى بالوهم ان يكون صورة أوجسماً فقد كفر، ومن عبد الاسم دون المعنى فقد عبد غير اللّه ، ومن عبدالمعنى دون الإسم فقد دل على غائب ، ومن عبدالاسم والمعنى فقد أشرك وعبد إثنين ، ومن عبد المعنى بوقوع الإسم عليه ، يعقد به قلبه ، وينطق به لسانه ، فذلك في ديني حقاً ودين آبائي.
يقول العبد الفقير إلى رحمة ربه ورضوانه ، أبومحمد الحسن بن أبي الحسن الديلمي ، أعانه اللّه على طاعته ، وتغمده برأفته ورحمته ، وحشره مع أئمته : إن ذات اللّه تعالى معروفة بالعلم ، غيرمدركة بالإحاطة، ولامرئية بالأبصار، فهي ثابتة في العقول من غير حد ولا إحاطة ولا حلول ، قد حجب سبحانه الخلق أن يعرفوا له كنه ذات ، ودلهم
____________
1 - رواه الصدوق في التوحيد: 288 | 6.
2 - نهج ألبلاغة 2 : 137 | 180 .

(68)
عليه بآياته ودلالاته ، فالعقول تثبته ، وقلوب المؤمنين مطمئنة به غير شاكة فيه ولا منكرة له .
واني لأعجب ممن يستدل بصفات المخلوق على صفة الخالق ، وكيف يصح الاستدلال بصفات من له مثل ، على صفات من لا مثل له ولا نظير!؟
واللهّ تعالى يصدق هذا القول بقوله تعالى :( ليس كمثله شيء )(1)
** واعلم أن حقيقة المعرفة عقد الضميرفي القلب ، بإخراج ذات اللّه عن كل موهوم ومهجوس ومحسوس ، وطرق الحق واضحة، وعلاماته لائحة، وعيون القلوب مفتوحة، ولكن أعماها غشاوة الهوى، وضعف البصائر، وجماد القرائح ، وترك الطلب ، ولو استشعروا الخوف قوموا به العوج ، وسلكوا الطريق الابلج .
ودواء القلوب وجلاؤها في خمسة أشياء: قراءة القرآن المجيد بالتدبر، وخلاء البطن ، وقيام الليل ، والتضرع في السحر، ومجالسة الصالحين . وأعظم مقامات العارفين : القيام بالأوامر، والثقة بالمضمون ، ومراعاة الأسرار بالسلامة، والتخلي من الدنيا، فإذا حصلت هذه الصفات ، ضاقت على صاحبها الأرض بما رحبت ، كما قال اللّه : (ضاقت عليهم الأرض بما رحبت وضاقت عليهم أنفسهم )(2) ومن ألزم نفسه آداب الكتاب ، وسنة نبينا محمد صلى اللّه عليه وآله ، وسنن الأئمة من أهل بيته عليهم السلام ، نوراللّه قلبه بنور الايمان ، ومكن له بالبرهان ، وجعل على وجهه وأفعاله شاهد الحق . ولا مقام أشرف من متابعة اللّه الحبيب واحبائه من أنبيائه ، وائمته من أوليائه ، في أوامرهم ونواهيهم ، ومن ادعى المحبة لهم وهوعلى خلاف ذلك ، فانما يستهزىء بنفسه و يغمزها.

* * *

____________
1 - الشورى 42 : 11 .
2 - التوبة 9 : 118 .

(69)
ومن كلام الإمام علي بن موسى الرضا عليه السلام في التوحيد:
رواه عنه محمد بن زيد الطبري ، قال : كنت قائما عند علي بن موسى الرضا عليهما السلام بخراسان ، وحوله جماعة من بني هاشم وغيرهم ، وهويتكلم في توحيد اللّه تعالى، فقال :
اول عبادة الله معرفته ، وأصل معرفته توحيده ، ونظام توحيده نفي التحديد عنه ، لشهادة العقول بأن كل محدود مخلوق ، وشهادة كل مخلوق أن له خالقاً ليس بمخلوق ، الممتنع من الحدث هوالقديم في الأزل ، ليس اللّه عبد من نعت ذاته ، ولا إياه وحد من اكتنهه ، ولا حققه من مثَّله ، ولا به صدق من نهّاه ، ولا [صمد](1) صمده من أشارإليه بشيء من الحواس ، ولا إياه عنى من شبّهه ، ولا له عرف من بَعَّضه ، ولا إياه أراد من توهمه ، كل معروف بنفسه مصنوع ،(2) وكل قائم في سواه معلول .
بصنع اللّه يستدل عليه ، وبالعقول تعتقد معرفته سبحانه ، وبالفطرة تثبت حجته ، خلق الخلق بينه وبينهم حجابُ مباينته اياهم ومفارقتهم له، وابتداؤه لهم دليلهم على أن لا ابتداء له ، لعجزكل مبتدأ منهم عن ابتداء مثله ، فاسماؤه تعالى تعبير، و أفعاله سبحانه تفهيم ، قد جهل اللّه سبحانه من حده ، وقد تعداه من اشتمله ، وقد أخطأه من اكتنهه (3) .
من قال :(كيف) فقد شبهه ، ومن قال : (أين) فقد حصره ، ومن قال : (فيم) فقد وعاه ، ومن قال : (علام) فقد شبهه ، ومن قال : (متى) فقد وقته (4)، ومن قال :(لم) فقد علله (5)، ومن قال : (فيم ) فقد ضمنه ، ومن قال : (إلام ) فقد نهاه ، ومن قال : (حَتّام ) فقد غياه ، ومن غياه فقد جَزّأه ، ومن جَزَّأه فقد ألحد فيه .
لايتغير اللّه تعالى بتغاير المخلوق ، ولا يتحدد بتحديد المحدود، واحد لابتأويل عدد، ظاهر لابتأويل مباشرة، متجلِ لاباستهلال رؤية، باطن لابمزايلة، قريب
____________
1 - أثبتناه من أمالي المفيد.
2 - في الأصل : موضوع ، وما أثبتناه من أمالي المفيد.
3 - في الأصل: اكتنفه ، وما أثبتناه من أمالي المفيد.
4 - في الأصل زيادة مكررة : ومن قال فيم فقد وعاه .
5 - في الأصل زيادة مكررة: ومن قال متى فقد وقته.

(70)
لا بمداناة، لطيف لابتجسيم ، موجود لاعن عدم ، فاعل لا باضطرار، مقدر لا بفكر، مدبر لابعزيمة، شاءِ لابهمة، مدرك لابحاسة، سميع لابآلة، بصير لابأداة، لا تصحبه الأوقات ، ولا تضمه الأماكن ، ولا تأخذه السِّنات ، ولا تحده الصفات ، ولا تقيده الأدوات .
سبق الأوقات كونُه ، والعدَم وجودُه ، والابتداءَ أزله ، وبمشابهته بين الأشياء عالم أن لاشبه له ، وبمضادّته بين الأضداد علم أن لاضد له ، وبمقارنته بين الأمور عرف أن لاقرين له ، ضاد النور بالظلمة، والظل بالحرور، مؤلف بين متدانياتها(1)، مفرق بين متبايناتها، بتفريقها دل على مفرقها، وبتأليفها دل على مؤلفها.
قال سبحانه : (ومن كل شيء خلقنا زوجين لعلكم تذكرون )(2).
له معنى الربوبية إذ لامربوب ، وحقيقة الالهية إذ لامألوه ، ومعنى العالم إذ لامعلوم ، ليس منذ خلق استحق معنى الخالق ، ولا من حيث احدث استفاد معنى المحدث ، لا تنائيه (منذ) ولاتدنيه (قد) ولا تحجبه (لعل) ولا توقته (متى) ولا تشتمله (حين ) ولا تقاربه (مع )، كلما في الخلق من اثرغير(3) موجود به ، وكل ما أمكن فيه ممتنع من صانعه ، لاتجري عليه الحركة والسكون ، وكيف يجري عليه ما هواجراه ! أو يعود فيه ما هو أبداه !؟ إذاً لتفاوتت دلالته ، وامتنع من الأزل معناه ، ولما كان البارىء،غيرالمبرأ (4) ولو وجد له وراء لوجد له أمام ، ولو التمس له التمام لزمه النقصان ، كيف يستحق الأزل من لايمتنع من الحدث !؟ وكيف ينشىء الأشياء من لايمتنع من الإنشاء !؟ لوتعلقت به المعاني لقامت فيه اية المصنوع ، ولتحول من كونه دالاً إلى كونه مدلولاً عليه ، ليس في محال القول حجة، ولا في المسألة عنه جواب ، لا إله إلاّ هوالعلي العظيم (5).
____________
1 - في الأصل : متعاقباتها، وما أثبتناه من أمالي المفيد.
2 - الذاريات 51: 49 .
3 - في الأصل : عين ، وما أثبتناه من أمالي المفيد.
4 - في الأصل : المبري ، وما أثبتناه من أمالي الطوسي .
5 - رواه المفيد في أماليه : 253 | 3 ، 4 والطوسي في أماليه 1 : 22.

(71)
تفسير سورة الإخلاص
(قل هواللّه أحد) معناه أنه غيرمبعض ، ولا مُجَزّأ، ولا موهم ، ولا توجد عليه الزيادة والنقصان .
(اللّه الصمد) عني بالصمد السيد المطاع الذي ينتهي إليه السؤدد، وهوالذي تَصَمَّد على الخلائق ، وتَصمد الخلائق إليه .
(لم يلد ) كما قالت اليهود لعنهم اللّه : عزير بن الله.
(ولم يولد) كما قالت النصارى لعنهم اللّه : المسيح الله.
(ولم يكن له كفواً أحد) أي ليس له ضد، ولاند، ولاشريك ، ولا شبه ، ولا معين ، ولا ظهير، ولا نصير، سبحانه وتعالى عما يقول الظالمون علواً كبيراً.

* * *

(72)
خطبة بليغة عن مولانا أميرالمؤمنين عليه السلام ، ليس فيها ألف (1) :
«حمدت من عظمت مِنَّتُه ، وسبغت نعمته ، وتمت كلمته ، وسبقت رحمته ، ونفذت مشيئته ، وفالحت حجته ، حمد مْقِرٍ بربوبية، متخضع لعبوديته ، مؤمن بتوحيده ، و وحّدته توحيد عبد مذعن بطاعته (2)، متيقن يقين عبد لمليك ليس له شريك في ملكه ، ولم يكن له ولي في صنعه ،عجزعن وصفه من يصفه ، وضلّ عن نعته من يعرفه ، قرب فبعد، وبعد فقرب ، مجيب دعوة من يدعوه ويرزقه ويحبوه ، ذو لطف خفي ، وبطش قوي ، ورحمة موسعة،وعقوبة موجعة، رحمته جنة عريضة مونقة، وغضبهُ نقمة ممدودة موبقة .
وشهدت ببعث محمد عبده ورسوله ونبيه وحبيبه وخليله ، بعثه من خير عنصر، وحين فترة، رحمةً لعببده ، ومنةً لمزيده ، وختم به نبوته ، ووضح به حجته ، فوعظ ونصح ، وبلَّغ وكدح ، رؤوف بكل عبدمؤمن ، سخي رضي زكي ،عليه رحمة وتسليم وتكريم ، من رب غفوررحيم قريب مجيب .
وَصّيتكم - معشرمن حضرني - بوصية ربكم ، وذَكَّرتكم سنة نبيكم ، فعليكم برهبة ورغبة تسكن قلوبكم ، وخشية تجري دموعكم ، قبل يوم عظيم مهول يلهيكم ويبكيكم ، يوم يفوزفيه من ثقل وزن حسنته وخف وزن سيئته ، وليكن مسألتكم مسألة ذل وخضوع وخشوع ، ومسكنة وندم ورجوع ، فليغتنم كل منكم صحته قبل سقمه ، وشبيبته قبل هرمه ، وسعته قبل فقره ، وفرغته قبل شغله ، وحضره قبل سفره ، قبل يهرم ويمرض ويمل ويسقم ، ويمله طبيبه ، ويعرض عنه حبيبه ، وينقطع منه عمره ، ويتغيرعقله وسمعه وبصره ، ثم يصبح ويمسي وهوموعوك وجسمه منهوك ، و حُدِيَت نفسه ، وبكت عليه عرسه ، ويتم منه ولده ، وتفرق عنه جمعه وعدده ، وقسم جمعه ، وبسط عليه حنوطه ، وشدّ منه ذقنه ، وغسل وقمص وعمم ، وودع وسلم ،
____________
1 - ذكر الكنجي الشافعي في كفاية الطالب : 393،بسنده عن أبي صالح ، قال : جلس جماعة من أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم يتذاكرون فتذاكروا الحروف وأجمعوا ان الألف اكثر دخولاً في ألكلام من سائر الحروف ، فقام مولانا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام ،فخطب هذه الخطبة على البديهة فقال : .. .
2 - كذا في الأصل ، وفي مواضع اُخر وهومخالف لشرط الخطبة، ولم يرد المقطع الأخير في شرح النهج لابن أبي الحديد وكفاية الطالب وكتزالعمال ومصباح الكفعمي ، فتأمل .

(73)
وحمل في سرير، وصُلي عليه بتكبير، ونقل من دور مزخرفة، وقصور مشيدة، وحجر منضدة، وفرش ممهدة، فجعل في ضريح ملحود، وضيق مسدو فى بلبنٍ جلمود، وهيل عليه عفره ، وحثي عليه مدره ، ومحي منه اثره، ونسي خبره ، ورجع عنه وليده وصفيه و حبيبه وقريبه ونسيبه ،فهو حشو قبره ، ورهين سعيه ، يسعى في جسمه دود قبره ، ويسيل صديده من منخره وجسمه ، ويسحن (1) تربه لحمه ، وينشف دمه ، ويرم عظمه ، فيرتهن بيوم حشره ، حتى ينفخ في صوره ، وينشرمن قبره ، فلاينتصر بقبيلة وعشيرة، وحصلت سريرة صدره ، وجيء بكل نبي وشهيد وصديق ونطيق ، وقعد للفصل عليم بعبيده خبير بصير. فحينئذ يلجمه عرقه ، ويحرقه قلقه ، وتغزرعبرته ، وتكثر حسرته ، وتكبرصرعته ،حجته غيرمقبولة، نشرت صحيفته ، وتبينت جريمته ، ونظرفي سوء عمله ، فشهدت عينه بنظره ، ويده بلمسه ، وفرجه بمسه ، ورجله بخطوه ، ويهلكه منكرونكير، وكشف له حيث يصير، فسلسله وغلغله ملكه بصفد من حديد، وسيق يسحب وحده فورد جهنم بكرب شديد، وغم جديد، في يد ملك عتيد، فظل يعذب في جحيم ، ويسقى من حميم ، يشوى به وجهه ، وينسلخ منه جلده ، بعد نضجه (2) جديد.
فمن زحزح عن عقوبة ربه ، وسكن حضرة فردوس ، وتقلب في نعيم ، وسقي من تسنيم ، ومزج له بزنجبيل ، وضُمِّخ بمسك وعنبر، مستديم للملك مقيم في سرورمحبور، وعيش مشكور، يشرب من خمور، في روض مغدق ، ليس يصدع عن شربه .
ليس تكون هذه إلاّ منزلة من خشي ربه ، وحزن نفسه ، وتلك عقوبة من عصى منشئه وربه ، وسولت له نفسه معصيته ودينه (3)، ذلك قول فصل ، وحكم عدل ، خيرقصص قص ، [ووعظ نص ، تنزيل من حكيم حميد، نزل به روح قدس مبين على قلب نبي مهتد رشيد](4) صلت عليه رسل سفرة مكرمون بررة، ورب كل مربوب ، وعلى درسه ذوي طهرغيرمسلوب ، وعلى كل مؤمن ومؤمنة، والسلام »(5) .
____________
1 - سحنت الحجر: كسرته (الصحاح 5: 2133).
2 - كذا في الأصل : ولعل الصواب ما في الشرح الحديدي : ويعود جلده بعد نضجه كجلد جديد.
3 ـ كذا، ولعل الصواب : وذنبه .
4 - أثبتناه من شرح نهج البلاغة .
5 - وردت الخطبة في شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 19 : 140 ، وكفاية الطالب : 393، ومصباح الكفعمي : 741، وكنزالعمال 16: 208 | 44234 .

(74)
** يقول العبد الفقير أبومحمد الحسن بن أبي الحسن بن محمد ألديلمي ، أعانه اللّه على طاعته ، وأمده اللّه برأفته ورحمته ، ممل هذه الخطب المتقدمة : اني وجدت كلمات بليغة في توحيد اللّه وتمجيده - جل وعز- فأضفت إليها ما سنح من فتوح اللّه تعالى في خاطري، فأحببت إثبات ذلك ، وهي :
إن نفي العلل عن اللّه تعالى، يشهد له بحدث خلقه ، وإخراجه له من العدم ، إذ العلل لاتحل إلا معلولاً، ولايكون المعلول إلا محدثا، للزوم صفات الحدث فيه ، والقديم سبحانه وتعالى لاتحل فيه الصفات لسبب ، لأن السبب لازم للمتوقع الزيادة، والخائف النقص من غيره ، الفقيرإلى الموجد ذلك فيه ، الذي باتحاده يجد ما يتوقع .
والقديم هوالغني الحميد، الذي لاوقت له ، ولا حال من احلها كان ، ولا كانت له صفة من احل الحال ، والأحوال لاتجوزعليه ، ولايدخل تحت الصفة والدوائر، ولا عليه حجب وسواتر، ولا ساعات وشعاثر، ولاحاجة به إلى الكون ، إذ وجوده كفقده ، لم يأنس به ، ولم يستوحش لفقده ، ولا فقد عليه ، ومرجع كل شيء إليه ، كما هوالمبدىء المعيد، الفعال لما يريد، أزلي أبدي ، أزلي القدرة والعلم والحكم والنظر والإحاطة، أزلي الوجود والبقاء، مستحق لها بحقائقها، وله الشأن الأعظم ، والجد المتعالي ، والعلو المنيع ، والإمتناع القاهر، والسلطان الغالب ، والغلبة النافذة، والقوة الذي (1) لايعجز، إذ لافترة ولا مانع ، و(لاثم )(2) ليس لمراده دافع ، ولايستصعب عليه شيء أراده ، ولا به إلى ما أراد تكوينه وطر، إذ هوالغني غاية كل غاية، متفضل بما فطر، من غير قضاء وطر، فطر ما فطر، وعنصر العناصر، لإظهار قدرته وملكه ، وإظهار جوده وطوله وإحسانه ، وفيض الكرم الباهر، والجود الفائض ، وهوالجواد الفياض ، وليعرفوه ولايجهلوه ، ولم يك قط مجهولاً، ولاعلمهم به محيط .
لايقدر أحد قط حقيقة قدره ، إذ قدره لايقدر، ووصفه لايقرر، وهوالقدير الأقدر، المتعزز عن كون مع أزل له مقرر، المتعالي عن مدبرمعه دَبَّر، قدر الكون بتقديره ، حتى أخرجه إلى التكوين بتدبيره ، وليس للتقدير والتدبير فكر ولا خاطر، ولا حدوث عزم ، ولا يضمر في إرادة، ولايهم في مشيئته ، ولا روية في فعل ، ولا غلبة فوت ، عزَّ أن يستصعب عليه شيء أراده ، أيفوته شيء طلبه !؟ قدّم وأخّر حسب حكمته وهو المقدم
____________
1 - كذا والظاهر أن الصواب : التي .
2 - كذا ، والظاهر زيادتها .

(75)
المؤخر، وجعل الإوقات والفضاء وألجو والمكَان حاجة الكون ومستقر العالم ، وشاء الكون وشاء وقته كل كائن ، فهو موجوده على ما يشاء ويريده من أفعاله سبحانه ، وحسن افعال خلقه لا قبيح افعالهم ، ولا يكون إلآ كذلك ، ولا خروج للشيء عنه بغلبة، وذلك كمال الملك ، وتمام الحكم ، وإبرام ألأمر، وكل غيب عنه شهادة، وهوالمفيد ولا يتوقع إفادة، ومزيد ولا يتوقع زيادة، ومحدث ولا عليه حدث ، مخترع ولا كذلك غيره ، ومبدع ولا معه بديع ، بل هوبديع السماوات والأرض وما بينهما وما خرج عنهما، وصانع لابآلة، وخالق لابمباشرة، وسميع بصير لابأداة،علا عن الخصماء والأنداد، وتقدس عن الأمثال والأضداد، وجلّ عن الصاحبة والأولاد، حكمته لاكحكمة الحكماء، سبحانه ما أقدره وأيسر القدرة عليه ! وما أعزه وأعز من اعتمد عليه ! وذكره واستسلم إليه ! إذ العزة له وهو العزيز بعزته تعالى عن المثل والشبه ، إذ الشبه ذل ونقص ، وهو العزيز الأجل ذوالجلال والاكرام ، قمع بعزته وجلاله عزة كل متكبر جبار، لايتغير أبدا، ولايفاوت في صفاته الذاتية، ولا يحيط له بحقيقة ذات ، إذ الحقيقة والمائية(1) لايقع إلا على المحدودات ، وهو سبحانه محدثها ، وهوعلى كمال تعجز عن وصفه الألباب ، وتندحض الافهام والأوهام عن درك صفاته ، العزيز الأعز ذي المفاخر، الذي افتخر بفخره كل فاخر، اتضعت (2) بقدرته وقوته كل ذي قدرة وقوّة، وتاه كل ذي كمال وجلال في كماله وجلاله ، وخضعت الرقاب لعظمته وسلطانه ، وذل كل متجبرلجبروته وكبريائه ، لم يجبر الخلق على ما كلفهم ، بل جبل القلوب على فطرة معرفته .
سبق المكان فلا مكان ، لأنه سبحانه كان ولا مكان ، ثم خلق المكان ، فهوعلى ما كان قبل خلق المكان ، وهو القريب بلا التصاق ، والبعيد من غير افتراق ، حاضر كل خاطر، ومخطرصحيح كل خاطر، ومشاهد كل شاهد وغائب ، مدرك كل فوت ، و مؤنس كل أنيس ، وأعلى من كل عال ، وهوعلى كل شيء عال علوه على ما تحت التحت كعلوه على ما فوق الفوق ، صفاته لاتستشعر بالمشاعر، وأوصافه لا تكيف بتكيف ، وهو الشيء لا كالأشياء، ثابت لايزول ، وقائم لايحول ، سبق القبل فلاقبل
____________
1 - كذا، والظاهر أن الصواب : والماهية.
2 - كذا، ولعل الصواب : اتضع .

(76)
والبَعد فلا بَعد، تقدم العدَم وجودُه ، والكونَ أزلُه ، قيوم بلاغاية، دائم بلا نهاية، ذوالنور الأكبر، والفخر الأفخر، والظهور الأظهر، والطهور الأزهر، مدهرالدهور ، ومد بر الاُمور، باعث من في القبور، وجاعل الظل والحرور، ذواللطف اللطيف ، والعلم المطيف ، والنور المتلالي ، والكبرياء المتعالي ، الذي لايسأم من طلب إليه ، ولا يتبرم من حاجة الملح عليه ، إذ لايجوزعليه الملال ، إذ لاشغل له بشيء عن شيء ، ولا آلة ولا فكرولا مباشرة، مدور الأفلاك ، ومملك الأملاك ، لايضع شيئاً على مثال ، صنعه موقوف على مراده ، وأمره نافذ في عباده ، لايسعه علم عالم ، ووسع هو كل شيء علما، وأحاط بكل شيء خبرا، كلما ينسب إليه - سبحانه - فهوالمتفرد بمعناه ، إذ يستحيل أن يشاركه أحد في شيء ، لا إله الاّ إياه ، سبحانه ما أعلمه ! وفي العلم ما أحلمه ! وفي القدرة على الخلق ما ألطفه ! له المشية فهم (1) مع سعة العفو والصفح عنهم ، لهم به لطف خفي ونظر حفي ، حليم كريم مهول ، وينتقم ممن يشاء عدلاً منه فلم يظلم أحدا، ولم يجرفي حكمه أبدا .
** فله الحمد على ما ألهم ، وله الشكرعلى ما وفق وفَهّم ، وعلى ماجاد وأنعم ، وله المن على ما قض وأبرم ، وعلى ما أخَّر وقدٌم ، وله الثناء والمجد الأعظم ، نحمده سبحانه حمدأ لايماثل ، ونسأله أن يوفقنا لحمد يرضاه وشكر يهواه ، لايشوبه عارض ، وأن يعينناعلى حمده وشكره ، فإننا نعجزعن بلوغ أمده وقدره ، ونكل عن إحصاء عدده ووصفه .
اللهم ألهمنا محامدك ، ووفقنا لصفاء خدمتك ، واكشف لنا عن حقائق معرفتك ، وواصلنا بصاف من تمجيدك ووظائف تحميدك ، وانلنا من خزائن مزيدك ، وصَف لنا الأواني ، وكمل لنا منك الأماني ، وحقق لنا المعاني ، ورضٌنا بما تُقَدِّر مما هو فاَنٍ ، وارزقنا سريرة نقية، والات طاهرة نقية، وعافية وفية، وعاقبة مرضية، ونعمة كفية، وعهودا وفية، وعيشة هنية، وحيطة من كل البرية، وأقبِل بنا عليك بالكلية، واعصمنا من الزيغ والهوية، ومن كل مارق غوية، وكل قواطع منسية، يا بارىء البرية، وقاضي القضية، ومجزل العطية، ورافع السماوات المبنية،
____________
1 - كذا والظاهر أن الصواب : فيهم .
(77)
وماهد الأرض المدحية، صلى الله على محمد سيد البرية، وعلى اله الأئمهَ الراضين المرضية، بأفضل صلواتك وأتمّ تحياتك وبركاتك .

***

(78)
دليل آخر على حدوث العالم وقدم محدثه :
ومما يستدل به على محدث العالم ،أنا نجد الأجسام مشتركة في كونها أجساماً، هي مع ذلك مفترقة في اُمور أُخر: كونها تراباً وماءً وهواءً وناراً، فلا يخلوهذا في الإفتراق في الصور والصفات اما أن يكون لأمر من ألاُمور اقتضى ذلك أولا لأمر، فإن كان لا لأمر، لم تكن الأجسام بأن تفترق أولى من أن لا تفترق ، ولم يكن بعضها بكونه أرضاً وِبعضها هواءً أو ماءً بأولى من العكس ، فثبت أنه لابد من أمر أقتضى افتراقها، ولإيصج أن يكون ذلك ألامر هوكونها أجسامآَ لأنها مشتركة في ذلك ، فكان يجب أن تشترك في صفة واحدة، أو يكون كل بعض منها على جميع هذه الصفات المتصلات ، فلابد أن يكون الأمر المقتضي لأمر إنما هوغيرها، ولا يصح أن يكون مثلها ولا من جنسها، ثم لايخلو أن يكون موجباً أو مختاراً، فإن كان موجباً فلم اوجب النار كونها ناراً، دون أن يوجب للماء أن يكون ناراً، وللأرض أن تكون هواءً؟ وكيف يصح وجود صورمتضادة ولا موجب لها؟ وفي فساد هذا دلالة على أنه مختاراً، وإذا ثبت ذلك فهو المحدِث القديم، الذي ألايجوزأن يكون محدِ ثا إلا وهو حي قا در.

دليل آخر:

ومما يستدل به على أنه لابد للعالم من محدث ، ما تجد فيه [من ](1) إحكام الصنعة وإتقان التدبير، فلوجازأن يتفق ذلك لابمحدث أحدثه ، لجاز أن يجتمع ألواح وقار ومسامير وتتألف سفينة بغير جامع ولا مؤلف ، ثم تعبربالناس في البحربغيرمعبر ولا مدبّر، فلما كان ذلك ممتنعاً في العقل ، كان ذلك في العالم أشد امتناعاً وأبعد وقوعاً.

دليل آخر:

ومما يستدل به على وجود المدبر الصانع ، أمر الفيل وأصحابه ، الذين أخبر الله تعالى عنهم وعما أصابهم ، مما ليس لملحد في تخريج الوجوه له حيلة، ولايكون ذلك إلاّ من الصانع سبحانه ، وليس إلى إنكاره سبيل لاشتهاره وقرب عهده ، فلأنه يجوز أن يقوم
____________
1 - أثبتناه لضرورة السياق .
(79)
رجل فيقول للناس في وجوههم ويتلوعليهم : ( ألم تركيف فعل ربك بأصحاب الفيل )(1) ويقص عليهم قصتهم ، وهم مع ذلك لم يروا هذا ولم يصح عندهم، وليس من الطبائع التي يذكرها الملحدة ما يوجب قصة أصحاب الفيل ، ولا علم في العادات مثله ، ولا يقع من الآثار العلوية والسفلية نظيره ، وهو أن يجيء طيركثير في منقاركل واحد حجر، فيرسله على كل واحد من الوف كثيرة، فيهلكهم دون العالمين ، هذا مالا يكون إلا من صانع حكيم قادر عليهم ، ولا يصح أن يكون إلا رب العالمين .

أبيات في التوحيد:
يا من يجل بأن أراه بناظري * ويعز عن أوصاف كنه الخاطر
لوكنت تدركك العلوم تقدراً * وتفكراً وتوهماً للخاطر
ما كنت معبوداً قديماً دائماَ * حيأَ ولا صمداً وملجأحائر(2)
وبما وكيف ترى وتعلم في الورى * عظم العظيم وسرقهرالقاهر
لكن عظمت بأن تحاط جلالة * أبداً فسبحان القديم الآخر

* * *

____________
1 - الفيل 105: 1.
2 - في الأصل : الحائر، والوزن الشعري يقتضي ما في المتن.

(80)
** يقول العبد الفقير إلى رحمة ربه ورضوانه ، أبومحمد الحسن بن أبي الحسن الديلمي ، أعانه اللّه على طاعته ، وتغمده برأفته ورحمته :
اني حيث اثبت المعارف صدر الكتاب ، لوجوب تقدمها على جميع العلوم ، اقتضت الحال ارداف ذلك بذكر فضل العلم وأهله ، ولم ألتزم ذكرسند أحاديثها، لشهرتها في كتبها المصنفة المروية عن مشايخنا - رحمهم اللّه تعالى- بأسانيدهم لها، وأشير عند ذكر كل حديث مذكور أو أدب مسطور، إلى كتابه المحفوظ منه المنقول عنه ، إلاّ ماشذ عني من ذلك ، فلم أذكرإلا فص القول دون ذكركتابه والراوي له .
فمن ذلك ما حفظته من كتاب كنز الفوائد إملاء الشيخ الفقيه أبي الفتح محمد ابن علي الكراجكي رحمه اللّه تعالى :
عن النبي صلى اللّه عليه واله قال : «من خرج يطلب باباً من أبواب العلم ، ليرد به ضالاً إلى هدى، أو باطلاً إلى حق ، كان عمله كعبادة أربعين يوماً» .
وقال عليه واله السلام : « لساعة من العالم متكئاً على فراشه ينظرفي علمه ، خير من عبادة ثلاثين عاماً».
وقال عليه واله السلام : «إذا استرذل اللّه عبداً، حظرعليه العلم » .
وقال النبي صلى اللّه عليه وآله : «ما أهدى أخ إلى أخيه هدية أفضل من كلمة حكمة، يزيده الله بها هدى، أويرده عن ردى».
وقال صلى اللّه عليه وآله : «ما أخذاللّه الميثاق على الخلق أن يتعلموا، حتى أخذ على العلماء أن يعلموا».
وروى أمير المؤمنين عليه السلام ، عن النبي صلى اللّه عليه واله ، أنه قال : «من طلب العلم للّه ، لم يصب منه باباً إلا ازداد(1) في نفسه ذلاً، وفي الله تواضعاً، وللّه خوفاً، وفي الدين اجتهاداً، فذلك الذي ينتفع بالعلم فليتعلمه ، ومن طلب العلم للدنيا، والمنزلة عند الناس ، والحظة عند السلطان ، لم يصب منه باباً إلآ ازداد في نفسه عظمة، وعلى الناس استطالة، وباللهّ اغتراراً، وفي الدين محقاً، فذلك الذي لم ينتفع بالعلم فليكف عنه (2) الحجة عليه والندامة والخزي يوم القيامة».
____________
1 - في الأصل : أزاد وما أثبتناه هو الصواب .
2 - في الأصل : عند، وما أثبتناه هو الصواب .

(81)
وقال صلى اللّه عليه وآله : «يبعث اللّه تعالى العالم والعباد يوم القيامة، فإذا اجتمعا عند الصراط ، قيل للعابد: ادخل الجنة فانعم فيها بعبادتك ، وقيل للعالم : قف هاهنا في زمرة الأنبياء، فاشفع فيمن أحسنت أدبه في الدنيا».
وقال صلى اللّه عليه واله : «فضل العالم على العابد، كفضلي على سائر الأنبياء » .
وقال أمير المؤمنين صلى اللّه عليه واله : «العلم وراثة كريمة، والاداب حلل حسان ، والفكر مراة صافية، والاعتبار منذر ناصح ، وكفى بك أدباً لنفسك تركك ماتكرهه لغيرك »(1).
وقال النبي صلى اللّه عليه وآله : «طلب العلم فريضة على كل مسلم ».
وقال : «العلم علمان : علم في القلب فذلك العلم النافع ، وعلم في اللسان فذلك (2) حجة على العباد».
وقال :«أربع تلزم كل ذي حجى من اُمتي ، قيل : وما هن يا رسول اللّه ؟ قال : استماع العلم ، وحفظه ، والعمل به ، ونشره ».
وقال صلى اللّه عليه واله : «العلم خزائن ومفاتيحها السؤال ، فسلوا يرحمكم اللّه ، فإنه يؤجر فيه أربعة : السائل ، والمجيب ، والمستمع ، والمحب له (3)» .
وقال عليه السلام : «من يرد اللّه تعالى به خيراَ يفقهه في الدين ».
وقال : «إن اللّه لايقبض العلم انتزاعا ينزعه من الناس ، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، حتى إذا لم يبق عالم ، اتخذ الناس رؤساء جهالاً فسئلوا(4) فأفتوا بغير علم فضلّوا وأضلّوا» .
وقال : «من ازداد فى العلم رشداً، ولم يزدد في الدنيا زهداً، لم يزدد من اللّه إلاّ بعداً»(5).
وقال : «انما مما أخاف على اُمتي زلات العلماء».
____________
1 - النسخة المطبوعة من كنزالفوائد خالية من الأحاديث المتقدمة الذكر.
2 - في الأصل : وذلك ، وما أثبتناه من المصدر.
3 - في المصدر: لهم .
4 - في الأصل : فسألوا، وما أثبتناه من المصدر.
5 - كنز الفوائد: 239، من : وقال النبي (ص) : «طلب العلم فريضة. . . ».

(82)
وقال : «قيدوا العلم بالكتابة».
وقا ل أميرالمؤمنين عليه السلام : «تعلموا العلم ، فإن تعليمه حسنة، وطلبه عبادة، والبحث عنه جهاد، وتعليمه لمن لايعلمه صدقة، وبذله لأهله قربة، لأنه علم الحلال والحرام ، وسبيل منازل (1) الجنة، والأنيس في الوحشة، والصاحب في الغربة، والمحدث في الخلوة، والدليل على السراء والضراء، والسلاح (2) على الأعداء، والزينة عند الأخلاء، يرفع به أقواماً فيجعلهم للخير قادة وأئمة، وتقتص آثارهم ،و يُقتدى بفعالهم ، ويُنتهى إلى رأيهم ، ترغب الملائكة في خُلَّتِهم ، وبأجنحتها(3) تمسحهم ، ويستغفرلهم كل رطب ويا بس ، لأن العلم حياة القلوب ، ومصابيح الأبصارمن الظلم ، وقوة الأبدان من الضعف ، ويبالغ به العباد(4) منازل الأخيار، والدرجات العلى، وبه توصل الأرحام ، ويعرف الحلالَ من الحرام ، وهو إمام العمل والعمل تابعه ،يلهمه(5) اللّه تعالى أنفس السعداء ويحرمه الأشقياء».
وقال عليه السلام : «الكلمة من الحكمة، يسمع بها الرجل فيقولها أو يعمل بها، خيرمن عبادة سنة».
وقال عليه السلام : «تعلموا العلم ، وتعلموا للعلم السكينة والوقار والحلم ، ولا تكونوا جبابرة العلماء، فلا يقوم علمكم بجهلكم ».
وقال عليه السلام : «شكرالعالم على علمه أن يبذله لمستحقه (6) ».
وقال عليه السلام : «لاراحة في عيش ، إلا لعالم ناطق ، أو مستمع واع » .
وقال عليه السلام : «اغد عالماً، أو متعلماً، ولا تكن الثالث فتهلك (7) ».
وقال عليه السلام : «إن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم ، رضاً بما يصنع».
____________
1 - في الأصل: منار، وما أثبتناه من المصدر.
2 - في الإصل : الصلاح ، وما أثبتناه من المصدر.
3 - في الأصل : بأجنحتهم ، وما أثبتناه من المصدر.
4 - في المصدر: بالعباد.
5 - فى الأصل زيادة: إلى، وصوابه ما في المتن كما في المصدر.
6 - في المصدر: لمن يستحقه.
7 - في المصدر : فتعطب.

(83)
وقال عليه السلام : «لوأن حملة العلم حملوه بحقه ، لأحبهم اللّه وملائكته وأهل طاعته من خلقه ، ولكن (1) حملوه لطلب الدنيا، فمقتهم اللّه ، وهانوا على الناس » .
وقال عليه السلام : «العلوم أربعة : الفقه للأديان ، والطب للأبدان ، والنجوم لمعرفة الأزمان ، والنحو للسان » .
وقال محمد بن علي الباقرعليه السلام : «عالم ينتفع بعلمه ، أفضل من سبعين ألف عابد» .
وقال عليه السلام : «من أفتى الناس بغيرعلم ولا هدى، لعنته ملائكة السماء، وملائكة الرحمهّ ، وملائكة العذاب ، ولحقه وزر من عمل بفتياه » .
وقال الصادق عليه السلام : «تفقهوا في دين اللّه ولاتكونوا أعراباً، فإنه من لم يتفقه في دين اللّه ، لم ينظر اللّه إليه يوم القيامة، ولم يزك له عمل ».
وقال عليه السلام : «العامل على غيربصيرة، كالسائرعلى غير الطريق ، ولا يزيده سرعة السيرإلاً بعداً».
وقيل (له عليه السلام )(2): أيحسن بالشيخ أن يتعلم ؟ فقال : «إذا كانت الجهالة تقبح منه ، (حسن منه التعلم )(3)»(4).
وقال الصادق علبه السلام : «تعلموا العلم ، وأثبتوه ، واحكموه بالدرس ، وإن لم تفعلوا ذلك يَدرس ».
وقال عليه السلام لخيثمة : «أبلغ موالينا السلام ، واوصهم بتقوى الله والعمل الصالح ، وأن يعود صحيحهم مريضهم ، وليعد غنيهم على فقيرهم ، وليحضر حيهم جنازة ميتهم ، وأن يتآلفوا في البيوت ، ويتذاكروا علم الدين ، ففي ذلك حياة أمرنا، رحم اللّه من أحيا أمرنا.
واعلمهم - يا خيثمة - أنا لانغني عنهم من الله شيئاً، إلاّ بالعمل الصالح، و أن ولايتنا لا تنال إلا بالورع والإجتهاد، وأن أشد الناس عذاباً يوم القيامة، من
____________
1 - في المصدر: ولكنهم .
2 - في المصدر: لأحد الحكماء.
3 - في ألمصدر: فإن التعلم يحسن منه .
4 - كنزالفوأئد : 239 - 240 ، من : وقال أمير المؤمنبن (ع): «تعلموا العلم ، فإن تعليمه . . . » .

(84)
وصف عدلاً ثم خالفه إلى غيره ».
وروي أن أمير المؤمنين عليه السلام ، أوصى ولده الحسن ، فقال : «يا بني ، احرزحظك من الأدب وفرغ له قلبك ، فإنه أعظم من أن تخالطه (1) دنس ، واعلم أنك إن أعوزت غنيت به ، وإن اغتربت كان لك الصاحب الذي لاوحشة معه ، الأدب هو لقاح العقل ، وذكاء القلب ، وزينة اللسان ، ودليل الرجل على مكارم الأخلاق ، وما الإنسان لولا الأدب إلا بهيمة مهملة، للّه درّ الأدب ! إنه يسود غير السيد، فاطلبه واكسبه تكتسب القدروالمال ، من طلبه صال به ، ومن تركه صيل عليه ، يلزمه اللّه السعداء، ويحرمه الأشقياء، والدنيا طوران : فمنهما لك ، ومنهما عليك ، فما كان منهما لك أتاك على ضعفك ، وما كان منهما عليك لم تدفعه بقوتك ».
وقال عليه السلام : « قيمة كل امرىء ما يحسن ، والناس أبناء ما يحسنون ».
وقال عليه السلام : «المرء مخبوء تحت لسانه ».
وقال عليه السلام : «العلم وراثة مستفادة، ورأس العلم الرفق ، وآفته الخرق ، والجاهل صغير وإن كان شيخاً ، والعالم كبير وإن كان حدثاً ، والأدب يغني عن الحسب ، ومن عرف بالحكمة لحظته العيون بالهيبة والوقار، والعلم مع الصغركالنقش في الحجر، وزلّة العالم كانكسار السفينة تغرق وتغرق ، والآداب تلقيح الأفهام ومفتاح (2) الأذهان » .
وقال : «وتحزم ، فإذا استوضحت فاعزم ، ولوسكت من لا يعلم سقط الإختلاف ، ومن جالس العلماء وقّر، ومن خالط الأنذال حقّر، لاتحتقرن عبداَ اتاه اللّه الحكمة والعلم ، فإن اللّه تعالى لم يحقّره حيث اتاه إيّاه ، والمودة أَشبك الأنساب ، لاتسترذلنّ حسب ذي العلم فإن اللّه تعالى لم يحقره حيث اتاه أشرف الأحساب ، ولا كنزأنفع من العالم ، ولا قرح سوء شرّ من الجهل ، والعلم خير من المال ، لأن العلم يحرسك ، وأنت تحرس المال ، والعلم يزكوعلى الانفاق ، والمال (تنقصه النفقة)(3)، والعلم حاكم ، والمال محكوم عليه ، فعليكم بطلب العلم ، فإن طلبه فريضة، وهو صلة بين الإخوان ، ودال على المروّة، وتحفة في المجالس ،
____________
1 - كذا، ولعل الصواب: تخلطه بدنس.
2 - في المصدر: ونتائج.
3 - في المصدر: ينفذ بالنفقة.

(85)
صاحب في السفر، واُنس في الغربة، ومن عرف الحكمة لم يصبرعن الازدياد منها، والشريف من شرَّفه علمه ، والرفيع من رفعته الطاعة، والعزيزمن أعزته التقوى»(1).
وقال رسول اللّه صلى اللّه عليه واله : «لا قول إلاّ بعمل ، ولا قول ولاعمل إلاّ بنيّة، ولا قول وعمل ونية إلاّ بإصابة السنة».
وما نقلته من نهج البلاغة تصنيف السيد الرضي الموسوي رضي اللّه عنه .
قال : كميل بن زياد: أخذ بيدي أميرالمؤمنين عليه السلام فأخرجني إلى الجبانة(2)، فلما أصحرتنفس الصُّعَداء، ثم قال : «يا كميل ، إن هذه القلوب أوعية، فخيرها أوعاها، فاحفظ عني ما أقول لك ، الناس ثلاثة: عالم رباني ، ومتعلّم على سبيل نجاة، وهمج رعاع أتباع كل ناعق ، يميلون مع كل ريح ، لم يستضيئوا بنورالعلم ، ولم يلجؤوا إلى ركن وثيق .
يا كميل ، العلم خيرمن المال ، العلم يحرسك ، وأنت تحرس المال ، والمال تنقصه النفقة، والعلم يزكوعلى الانفاق ، وصنيع المال يزول بزواله .
يا كميل بن زياد، معرفة العلم دين يدان به ، ويكسب صاحبه الطاعة في حال حياته ، وحسن الأحدوثة بعد وفاته ، والعلم حاكم ، والمال محكوم عليه ، هلك خزان الأموال وهم أحياء، والعلماء باقون ما بقي الدهر، أعيانهم مفقودة، وأمثالهم في القلوب موجودة .
ها! إن هاهنا علماً جمّاً، لوأصيب له حملة- وأشارإلى صدره - بلى أصيب له لقناً غيرمأمون عليه ، مستعملاً الة ألدين للدنيا، ومستظهراً بنعم اللّه على عباده ، وبحججه على أوليائه ، أو منقادأَ(3) لحملة الحق ، لابصيرة له في أحنائه (4)، ينقدح الشك في قلبه بأول عارض من شبهة،ألا لا ذا ولا ذاك ! أومنهوماً باللذة، سلس القياد للشهوة، أو مغرماً بالجمع والإدّخار، ليسا من رعاة الدين في شيء ،أقرب شيء
____________
1 - كنز الفوائد: 147، من : وقال عليه السلام : «قيمة كل امرىء ما يحسن . . .».
2 - الجبَانة : الصحراء، وتسمى بها المقابر، لأنها تكون في الصحراء .. . والجبّان : الصحراء أيضاً . «مجمع البحرين - جبن - 6 : 224».
3 - في الأصل : متقلدآَ، وما أثبتناه من المصدر.
4 - أحنائه : معاطفه ومطاويه . (الصحاح - حنا - 6: 1 232).

(86)
شبهاً بهما الأنعام السائمة، كذلك يموت العلم بموت حامليه .
اللهم بلى، لاتخلوالأرض من حجة قائم للّه بحجته ، إمّا ظاهراً مشهوراً، أو .خائفاً مغموراً كي لاتبطل حجج اللّه وبيّناته ، وكم ذا وأين اولئك !؟ اولئك - واللّه - الأقلّون عدداً، والأعظمون [عندالله ](1) قدراً، يحفظ الله حججه وبيّناته بهم حتى يودعوها نظراءهم ، ويزرعوها في قلوب أشباههم ، هجم بهم العلم على حقيقة البصيرة، وباشر روح اليقين ، واستلانوا ما استوعره المترفون ، وأنسوا بما استوحش منه الجاهلون ، وصحبوا الدنيا بأبدان أرواحها متعلقة بالمحل الأعلى ، اُولئك خلفاء اللّه في أرضه ، والدعاة إلى دينه سراً وجهرا ، آه آه ! شوقاً إلى رؤيتهم »(2)
وقال أيضا لكميل بن زياد: «تبذل ولا تشهر، ووار شخصك ولا تذكر، وتعلّم واعمل ، واسكت تسلم ، تسرّ الأبرار، وتغيض الفجار فلا عليك إذا علّمك الله معالم دينه ، ألاّ تعرف الناس ولا يعرفوك ».
** وبعد فقد جمع اللّه - جل جلاله - معاني ماقلناه وزيادة في كتابه العزيز، بقوله سبحانه : (هل يستوى الذين يعلمون والذين لايعلمون )(3) .
وفي قوله تعالى:( انّما يخشى اللهّ من عباده العلماءُ)(4).
وفي قوله : ( كونوا ربانيين بما كنتم تعلّمون الكتاب وبما كنتم تدرسون ) (5).
وفي قوله : (شهد الله أنه لا إله إلاّ هو والملائكة وأولو العلم) (6) فقرن شهادته بشهادتهم وشهادة ملائكته ، وهذا يدل على عظيم منزلتهم ، ورفيع مكانتهم ، وعلو درجتهم .
وقال سبحانه : (فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون )(7) .
وقال سبحانه وتعالى، حكاية عن يوسف عليه السلام : ( ذلكما مما علمني
____________
1 - أثبتناه من المصدر.
2 - نهج البلاغة 3: 186 | 147 .
3 - الزمر 39 : 9 . 4 - فاطر 35 : 28 .
5 - آل عمران 3 : 79.
6 - آل عمران 3 : 18 .
7 - النحل 16: 43، الأنبياء 21 : 7.

(87)
ربي)(1).
وقال : ( ففهمناها سليمان)(2).
وقال تعالى : ( وعلّم آدم الاسماء كلها ثم عرضهم على الملائكة فقال انبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين)(3) فرفعه عليهم بفضيلة العلم ، وأسجدهم له .
وقال سبحانه : ( قال الذي عنده علم من الكتاب)(4).
وقال تعالى : ( كفى بالله شهيداً بيني وبينكم ومن عنده علم الكتاب)(5) في كل ذلك يستشهد أهل العلم ، لايشيرإلا اليهم ، ولايعتد إلا بهم ، وكفى بذلك فضيلة وفضلاً بالعلم وأهله .
ولقد أحسن الخليل بن أحمد - رحمه اللّه - في قوله لولده : يا بني ، تعلّم العلم ، فإنه يقوّمك ويسددك صغيراً ويقدمك ويسودك كبيراً .
وقال الصادق عليه السلام لأصحابه : «احسنوا النظرفيما لايسعكم جهله ، وانصحوا لأنفسكم أ فيما لأيسعكم جهله ، ومعرفة مالا عذر لكم في تركه ، فإن للدين أركاناً لاينفع من جهلها شدة اجتهاده في ظاهرعبادته ، ولايضرمن عرفها فدان بها حسن اقتصاده» .
وقال أميرالمؤمنين عليه السلام : «العاقل يعمل بالدرايات ، والجاهل يعمل بالروايات » .
وقال عليه السلام : « كونوا درّائين ، ولا تكونوا روّائين» .
وقال عليه السلا م: «همة العاقل الدراية، وهمة الجاهل الرواية» .
ولقد صدق - صلى اللّه عليه - فإن الدراية هي العلم القطعي الذي تبرأ به الذمة على اليقين به ، وصاحب الرواية على خطر، لإقدامه على أمر لم يعرف صحة الدليل على العمل به أو الترك له ، ومن هاهنا امتنع كثيرمن أصحابنا- رحمهم اللّه - عن العمل بالخبرالواحد، المتجرّد من قرينة تعضده .
____________
1 - يوسف 12 : 37 .
2 - الأنبياء 21 : 79 .
3 - البقرة 2 : 31.
4 - النمل 27 : 40 .
5 - الرعد 13 : 43 .