عرضت له شهوة أسلف المعصية وسوّف التوبة، وإن عرته محنة انفرج عن شرائط الملّة، يصف العبرة ولا يعتبر، ويبالغ في الموعظة ولا يتّعظ ، فهو بالقول مدلّ ، ومن العمل مقل ، ينافس فيما يفنى، ويسامح فيما يبقى، يرى الغنم مغرماً والغُرم مغنماً، يخشى الموت ولا يبادر الفوت، يستعظم من معصية غيره ما يستقل أكثر منه من نفسه ، ويستكثر من طاعته ما يحقره من طاعة غيره ، فهو على الناس طاعن ، ولنفسه مداهن ، اللهو مع الأغنياء أحب إليه من الذكر مع الفقراء، يحكم على غيره لنفسه ، ولا يحكم عليها لغيره، يرشد غيره ويغوي نفسه ، فهو يطاع ويعصي ، ويستوفي ولا يوفي ، يخشى الخلق في غير ربه، ولا يخشى ربه في(1)خلقه»(2).
وقال عليه السلام : «ذمتي بما أقول رهينة، وأنا به زعيم ، إن من صرحت له العبر عما بين يديه من المثلات، حجزه التقوى عن تقحم الشبهات»(3).
وقال عليه السلام : «كان لي أخ في الله ، وكان يعظمه في عيني صغر الدنيا في عينه ، وكان خارجاً عن سلطان بطنه ، لا يشتهي مالا يجد، ولا يكثر إذا وجد، وكان أكثر دهره صامتاَ ، فإن قال بذ(4) القائلين ، ونقع غليل السائلين، وكان ضعيفاً مستضعفاً، فإذا جاء الجد فليثٌ عاد، وصلُّ واد، لا يدلي بحجة حتى يأتي قاضياً، وكان لايشكو وجعاً إلا عند برئه ، وكان لا يلوم أحداً على ما يجد العذر في مثله حتى يسمع اعتذاره ، وكان يقول ما يفعل ولا يقول ما لا يفعل ، وكان على أن يسكت أحرص منه على أن يتكلم ، وكان إن غلب على الكلام لم يُغلب على السكوت ، وكان إذا بدهه أمران نظر أيهما أقرب إلى الهوى فخالفه ، فعليكم بهذه الخلائق فالزموها وتنافسوا فيها، فإن لم تستطيعوها فاعلموا إن أخذ القليل خير من ترك الكثير»(5) .
«ولو لم يأمر الله بطاعته لكان يجب أن لا يعصى شكراً لنعمته»(6).
____________
1 - في الأصل زيادة: غير.
2 - نهج البلاغة 3 : 189 | 150، باختلاف يسير، ووفيه: قال الرضي : لو لم يكن في هذا الكتاب إلاّ هذا الكلام لكفى [به] موعظة ناجعة، وحكمة بالغة، وبصيرة لمبصر، وعبرة لناظر مفكر.
3 ـ نهج البلاغة 1 : 42 | 15 .
4 - بذّ : غلب وفاق «الصحاح - بذذ - 2: 561».
5 - نهج البلاغة 3 : 223 | 289 .
6 - نهج البلاغة 3 : 224 | 290، وفيه : لو لم يتوعد الله على معصيته لكان يجب أن لا يعصى شكراً لنعمه .

(148)
** ومن كتاب كنز الفوائد: عن أبي سعيد الحذاء قال : كان النبي صلى الله عليه وآله يوصينا ويقول لنا: «سيأتيكم قوم يسألونكم الحديث عني ، فإذا جاؤوكم فاستوصوا بهم خيرا»(1).
وعن أنس بن مالك قال : قال رسول الله صلى الله عليه واله : «من قضى لأخيه المؤمن حاجة، كان كمن خدم الله عمره».
وعن سلمان الفارسي - رحمة الله عليه - قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله :«لا يدخل الجنة أحد إلا بجواز: بسم الله الرحمن الرحيم ، هذا كتاب من الله لفلان ابن فلان ، أدخلوه جنة عالية قطوفها دانية» .
وقال عليه السلام : «من حسن اسلام المرء تركه ما لا يعنيه ».
وعنه عليه السلام قال : «سباب المؤمن فسوق ، وقتاله كفر»(2).
و قال عليه السلام : «مما أدرك الناس من كلام الحكمة: إذا لم تستحي فاعمل ما شئت ».
وقال أبو تمام في ذلك :
إذا لم تخش عاقبة الليالي * ولم تستحي فاصنع ما تشاء
يعيش المرء ما استحيى بخير * ويبقى العود ما بقي اللحاء
فلا والله ما في العيش بخير * ولا الدنيا اذا ذهب الحياء

ومما حفظته من كتاب كنز الفوائد: عن أبي عبيدة الحذاء، عن اَبي جعفر محمد ابن علي عليه السلام قال : «قال رسول الله صلى الله عليه واله : قال الله تعالى: لايتكل العاملون على أعمالهم التي يعملونها لثوابي، فإنهم لو اجتهدوا وأتعبوا أنفسهم أعمارهم في عبادتي ، كانوا مقصرين غير بالغين في عبادتهم كنه عبادتي ، فيما يطلبون من كرامتي ، والنعم في جناني، ورفيع الدرجات العلى في جواري ، ولكن برحمتي فليثقوا، وفضلي فليرجوا، وإلى حسن الظن بي فليطمئنوا، فإن رحمتي عند ذلك تسعهم (3)، وبمنّي اُبلغهم رضواني ومغفرتي ، واُلبسهم عفوي ، فإنّي أنا الله الرحمن الرحيم بذلك تسميت»(4).
____________
1 - لم نجده في كنزالفوائد.
2 - كنز الفوائد : 97 .
3 - في المصدر: تدركهم .
4 - كنزالفوائد: 100 .

(149)
** وعن عطاء بن يسار(1) قال : قال أمير المؤمنين عليه السلام : «يوقف العبد يوم القيامة بين يدي الله فيقول : قيسوا بين نعمتي عليه وعمله ، فتستغرق النعم العمل ، فيقول : قد وهبت له نعمي عليه ، قيسوا بين الخيروالشر، فإن استوى العملان ، أذهب الله تعالى الشر بالخير، وأدخله الجنة، وإن كان له فضل أعطاه الله بفضله ، وإن كان عليه فضل - وهو من أهل التقوى ، لم يشرك بالله تعالى ، واتقى الشرك - فهو من أهل المغفرة يغفر الله له برحمته ، ويدخله الجنة إن شاء(2) بعفوه »(3).
ومن الكتاب: عن سعد بن خلف، عن أبي الحسن(4) عليه السلام قال : «عليك بالجد، ولا تخرجنّ نفسك من حد التقصير في عبادة الله وطاعته ، فإن الله تعالى لا يعبد حق عبادته »(5).
ومن الكتاب : قال عليه السلام وآله : «استحيوا من الله حق الحياء، قيل له : يا رسول الله ، إنا نستحي ، فقال : ليس كذلك ، من استحيى من الله حق الحياء، فليحفظ الرأس وماحوى، والبطن وما وعى ، وليذكر الموت والبلى، ومن أراد الاخرة، ترك زينة الحياة الدنيا، فمن فعل ذلك فقد استحيى من الله حق الحياء»(6).
وقال عليه السلام : «حب الدنيا رأس كل خطيئة»(7).
وقال عليه السلام : «إنكم لا تنالون ما تحبّون إلا بالصبر على ما تكرهون ، ولا تبلغون ما تأملون إلا بترك ما تشتهون »(8).
وقال عليه وآله السلام : «إنكم في زمان من ترك عُشر ما اُمر به هلك ،
____________
1 - في الأصل : «بشار» وما أثبتناه من المصدر هو الصواب ، وهو : عطاء بن يسار- بالياء المثناة - الهلالي ، أبو محمد المدني القاص مولى ميمونة زوج النبي صلى الله عليه وآله ، كان صاحب مواعظ ، روى عن معاذ بن جبل وأبي ذر وغيرهم ، توفي سنة 94 هـ. انظر«تهذيب التهذيب 7 : 217، تقريب التهذيب 2 : 23 | 204» .
2 - في المصدر زيادة : وبتفضل عليه .
3 - كنز الفوائد : 150 .
4 - في الأصل : عن أبي عبدالله عليه السلام ، وما أثبتناه من المصدر هو الصواب .
5 - كنز الفوائد : 101 .
6 - كنز الفوائد : 98 .
7 ، 8 - كنز الفوائد : 98 .

(150)
وسيأتي على الناس زمان من عمل به بعشر ما اُمر به نجا»(1).
** ومن كتاب قال: دخل ضرار بن ضميرة الليثي (2) على معاوية بن أبي سفيان ـ حسبه الله ـ يوماً فقال يا ضرار، صف علياً، فقال: أو تعفني من ذلك؟ فقال: لا أعفيك.
فقال: كان والله بعيد المدى، شديد القوى، يقول فضلاً، ويحكم عدلاً، يتفجر العلم من جوانبه، وتنطق من نواحيه، يستوحش من الدنيا وزهرتها، ويستأنس بالليل ووحشته.
كان - والله - غزير العبرة (3)، طويل الفكرة، (يحاسب نفسه)(4)، ويقلب كفه، ويخاطب نفسه ، ويناجي ربه ، يعجبه من اللباس ما خشن ، ومن الطعام ما جشب كان - والله - فينا كأحدنا، يدنينا إذا أتيناه ، ويجيبنا إذا سألناه، وكنا مع دنوه منا قربنا منه، لا نكلمه لهيبته، ولا نرفع أعيننا إليه لعظمته ، فإن تبسم فعن مثل اللؤلؤِ المنظوم ، يعظم أهل الدين، ويحب المساكين ، لا يطمع القوي في باطله، ولا ييأس الضعيف من عدله .
وأشهد بالله ، لقد رأيته في بعض مواقفه، وقد أرخى الليل سدوله، وغارت نجومه، وهو قائم في محرابه، قابض على لحيته، يتململ، تململ السليم (5)، ويبكي بكاء الحزين، فكأني: الآن اسمعه هو يقول: «يا دنيا ، يا دنيا، إليَّ تعرضت، أم إليّ تشوّقت (6): هيهات، هيهات، غري غيري، لا حاجة لي فيك، قد بتتك (1) ثلاثاً لارجعة فيها، فعمرك
____________
1 - كنز الفوائد : 97 .
2 - في ألمصدر: الكافي ، وقد ورد لألفاظ عديدة، منها في نهج البلاغة 3 : 166 | 77 بلفظ: الضبائي، وفي الشرح الحديدي 18: 224: الضابي، وفي الاستيعاب 42:3 الصدائي
3 ـ في المصدر: الدمعة.
4 ـ ليس في المصدر.
5 ـ السليم: اللديغ، كأنهم تفاء لواله بالسلامة « الصحاح ـ سلم ـ 1952:5».
6 ـ كذا في الاصل، والمناسب للسياق: « تشوقت»، وتشوفت الجارية: تزينت. «الصحاح ـ شوف ـ 4: 1383».
7 ـ البت: القطع.. ومنه طلقها ثلاثاً بته «الصحاح ـ بتت ـ 1: 242».

(151)
قصير، وخطرك يسير، وأملك حقير، آه آه، من قلة الزاد، وبعد السفر، ووحشة الطريق، وعظم المورد» ثم بكى حتى ظننت أن نفسه قد خرجت.
فوكفت دموع معاوية على لحيته [وجعل](1) ينشفها بكمّه، واختنق القوم بالبكاء، ثم قال: كان - والله - أبو الحسن كذلك، فكيف صبرك عنه يا ضرار؟ قال: صبرت من ذبح واحدها على صدرها ، فهى لا ترقأ عبرتها ، ولا تسكن حرارتها، ثم قام فخرج وهو باك.
فقال معاوية : أما إنكم لو فقدتموني، لما كان فيكم من يثني عليّ مثل هذا الثناء.
فقال له بعض من كان حاضراً: الصاحب على قدر صاحبه (2).
** وقال أمير المؤمنين عليه السلام : «ثلاث درجات، وثلاث كفارات، وثلاث موبقات ، وثلاث منجيات ، فالدرجات : إفشاء السلام ، وإطعام الطعام ، والصلاة والناس نيام ، والمهلكات : شح مطاع ، وهوى متبع ، وأعجاب المرء بنفسه. والمنجيات : خوف الله في السروالعلانية، والقصد، في الغنى والفقر، وكلمة العدل في الأرض والسخط. والكفارات : إسباغ الوضوء في السبرات (3)، والمشي بالليل والنهار إلى الصلوات، والمحافظة على الجماعات » .
وعن محمد بن مسلم ، عن أبي عبدالله عليه السلام قال : «من صدق لسانه زكا عمله ، ومن حسنت نيته زاد الله في رزقه ، ومن حسن بره بأهله زاد الله في عمره»(4).
وقال عليه السلام : «ثلاث من كن فيه زوجه الله تعالى من الحور العين كيف شاء: كظم الغيض، والصبر على السيوف في الله ، ورجل أشرف على مال حرام فتركه لله »(5).
وقال النبي صلى الله عليه واله : «ثلاثة مجالستهم تميت القلب : مجالسة
____________
1 - أثبتناه من كنز الفوائد.
2 - كنز الفوائد: 270.
3 - ألسبرات : جمع سبرة، وهي الغداة الباردة «الصحاح - سبر- 2 : 675» .
4 - الخصال : 87 | 21.
5 - ألخصال : 85 | 14 .

(152)
الأنذا ل ، والحديث مع النساء، ومجالسة الأغنياء»(1) .
وقال عليه السلام : «ثلاث فيهن المقت من اللهّ تعالى: نوم من غيرسهر، وضحك من غيرعجب ، وأكل على الشبع»(2).
وقال عليه السلام : «إن في الجنة درجة لايبلغها إلا ثلاثة : إمام عادل ، وذو رحم وصول ، وذوعيال صبور» (3) .
وقال أمير المؤمنين عليه السلام : «ما زالت نعمة عن قوم ولا غضارة عيش إلاّ بذنوب اجترحوها، فإن الله ليس بظلام للعبيد، ولو ان الناس حين تزول عنهم النعم وتنزل بهم النقم، فزعوا إلى الله بولهٍ من أنفسهم ، وصدق من نياتهم ، وخالص من سريراتهم ، لرد عليهم كل شارد، ولأصلح لهم كل فاسد».
وقال رسول الله صلى الله عليه واله : «أحسنوا مجاورة النعم بشكرها والقيام بحقوقها، ولا تنفروها، فانها قل ما نفرت عن قوم فعادت إليهم »(4).
ويقول الله تعالى في بعض كتبه : «إني أنا الله لا إله الا أنا ذو بكة(5)، مفقر الزناة، وتارك تاركي الصلاة عراة»(6).
وقال عليه السلام : «من قال : قبح الله الدنيا، قالت الدنيا : قبح الله أعصانا لربه . من عفّ عن محارم الله كان عابداً، ومن رضي بقسم الله كان غنياً، ومن أحسن مجاورة من جاوره كان مسلماً، ومن صاحب الناس بالذي يحب أن يصاحبوه به كان عدلاً»(7) .
وقال عليه وآله السلام : من اشتاق إلى الجنة سلا عن الشهوات ، ومن أشفق من النار رجع عن المحرمات ، ومن زهد في الدنيا هانت عليه المصائب ، ومن ارتقب
____________
1 - الخصال : 87 | 20
2 - الخصال : 89 |25 .
3 - الخصال : 93 | 39.
4 - كنز الفوائد : 271 .
5 - بكة: اسم من أسماء مكة المكرمة «الصحاح - بكك -4: 1576».
6 - كنز الفوائد : 271.
7 - كنز الفوائد : 271 .

(153)
الموت سارع في الخيرات»(1).
وقال عليه وآله السلام : «اجتهدوا في العمل، فإن قصر بكم ضعف فكفوا عن المعاصي»(2).

* * *

____________
1 - كنز الفوائد : 271 .
2 - كنز الفوائد : 271 .

(154)
فصل: فيما جاء في الخصال
قال رجل لأحد الزهاد: أوصني ، فقال: اُوصيك بخصلة واحدة، إن الليل والنهار يعملان فيك فاعمل فيهما(1).
ولقي حكيم حكيماً، فقال له: عظني وأوجز، قال: عليك بخصلتين: لايراك الله حيث نهاك، ولايفقدك من حيث أمرك. قال : زدني ، قال :لا أجد للحالين ثالثة(2).
وقال حكيم الفرس : ثلاث خصال لاينبغي للعاقل أن يضيعهن ، بل يجب أن يحث عليهن نفسه وأقاربه ومن أطاعه: عمل يتزود به لمعاده، وعلم طب يذب به عن جسده، وصناعة يستعين بها في معاشه (3).
وقال بعض الحكماء:أربع خصال يمتن القلب: ترادف الذنب على الذنب، وملاحاة الأحمق ، وكثرة منافثة(4) النساء، والجلوس مع الموتى .
قيل له : ومن الموتى؟ فقال: كل عبد مترف فهو ميت، وكل من لايعمل فهو ميت(5).
وقال أبن عباس رحمة الله عليه : خمس خصال تورث خمسة أشياء: ما فشت الفاحشة في قوم قط إلا أخذهم الله بالموت، وما طفف قوم الميزان إلاّ أخذهم الله بالسنين، وما نقض قوم العهد إلاّ سلط الله عليهم عدوهم، وما جار قوم في الحكم إلاّ كان القتل بينهم، وما منع قوم الزكاة إلا سلط الله عليهم عدوهم (6).
وقال لقمان الحكيم لابنه في وصيته : يا بني ، أحثك على ست خصال ، ليس منها خصلة إلأّ وهي تقربك إلى رضوان الله عز وجل ، وتباعدك من سخطه :
الأولة: أن تعبد الله لاتشرك به شيئاَ.
____________
1 - كنز الفوائد : 271 ، ومعدن الجواهر: 23 .
2 - كنز الفوائد : 271 ، ومعدن ألجواهر: 27 .
3 - كنز الفوائد : 271 ، ومعدن الجواهر: 35.
4 - منافثة النساء: ألكلام معهن ومحادثتهن «مجمع البحرين - نفث - 2 : 266 » .
5 - كنز الفوائد : 271 .
6 - كنز الفوائد : 272 ، ومعدن الجواهر: 50.

(155)
والثانية : الرضا بقدرالله فيما أحببت أوكرهت .
والثالثة : أن تحب في الله ، وتبغض في الله .
والرابعة : تحب للناس ما تحب لنفسك، وتكره لهم ماتكرهه (1) لنفسك .
والخامسة : تكظم الغيظ ، وتحسن إلى من أساء إليك .
والسادسة : ترك الهوى، ومخالفة الردى(2).
وقال بعضهم : ذوالمروة الكاملة من (3) اجتمع فيه سبع خصال : إذا ذُكّر ذكر، وإذا اُعطي شكر، وإذا ابتلي صبر، وإذا عُصي غفر، وإذا أحسن استبشر، وإذا أساء استغفر، وإذا وعد أنجز ويسر(4).
وقال بعض الحكماء: تحصن بثمان من ثمان : بالعدل في المنطق من [ملامة] (5) الجلساء، وبالرويَّة في القول من الخطاء، وبحسن اللفظ من ألبذاء، وبالأنصاف من الإعتداء، وبلين الكف من الجفاء، وبالتودد من ضغائن الأعداء، وبألمقاربة(6) من الأستطالة، وبالتوسط ، في إلاُمور من لطخ العيوب(7).
وروي أن تسع خصال من الفضل والكمال، وهي داعية إلى المحبهّ، مع ما فيها من القربة والمثوبة : الجود على المحتاج ، والمعونة لمستعين، وحسن التفقد للجيران، وطلاقة الوجه للإخوان، ورعاية الغائب فيمن يخلف، وأداء ألأمانة إلى المؤتمن ، وأعطاء ألحق في المعاملة، وحسن الخلق عند المعاشرة، والعفو عند المقدرة(8).
وأوصى إفلاطن أحد أصحابه بعشر خصال، قال: لا تقبل الرئاسة على أهل مدينتك البتة، ولا تتهاون بالأمر الصغير إذا كان يقبل النماء، ولا تلاح رجلاً غضباناً فإنك تقلقه باللجاج، ولا تجمع في منزلك نفسين يتنازعان في الغلبة، ولا تفرح بسقطة
____________
1 - في الكنز : ماتكره.
2 - كنز الفوائد: 272، ومعدن الجوهر: 55.
3 - في الاصل: لمن، وما أثبتناه من المصدر.
4 - كنز الفوائد : 272.
5 - أثبتناه من كنز الفوائد.
6 - في الاصل: وبالمفازة، وما أثبتناه من كنز الفوائد.
7 - كنز الفوائد: 272، ومعدن الجوهر:65
8 ـ كنز الفوائد : 272.

(156)
غيرك فإنك لاتدري متى يحدث الزمان بك ، ولا ينفج(1) في وقت الظفر فإنك لاتدري كيف يدور عليك الزمان، ولاتهزل بخطأ غيرك فإن المنطق لاتملكه، والق الخطأ من الناس بنوع من الصواب الذي في جوِهرك، ولا تبذلن مودتك لصديقك دفعة واحدة، وصير الحق أبداً أمامك، تسلم دهرك ولا تزال حراً(2).

***

____________
1 - كذا في الأصل ، ولعل الصواب : ولا تنفج ، والنفاج : المتكبر «القاموس المحيط 1 : 211».
2 - كنزالفوائد : 272 ، ومعدن الجواهر: 73 .

(157)
تأويل آية
إن سأل سائل عن تأويل قول الله عز وجل :( وجاؤا على قميصه بدم كذب قال بل سولت لكم أنفسكم أمراً فصبر جميل والله المستعان على ماتصفون)(1) فقال : كيف وصف الدم بأنه كذب، والكذب من صفات الأقوال، لامن صفات الأجسام؟ وما معنى قول يعقوب عليه السلام: «فصبر جميل»، وكيف وصفه بذلك؟ ونحن نعلم أن صبره لا يكون إلاّ جميلاً؟
الجواب : قيل له : أما «كذب» فمعناه في هذا الموضع مكذوب فيه وعليه ، مثل قولهم: هذا ماء سكب ، وشراب صب ، يريدون (2) مسكوباً ومصبوباً. وقولهم : رجل صوم ، وامرأة نوح، والمعنى : صائم ونائحة.
قال الشاعر:
تظل جيادهم نوحاً عليهم * مقلدة أعنتها صفوفاً

أراد نائحة عليهم.
ويقولون : مالفلان معقول، يريدون عقلاً.
وقد قال الفراء وغيره : يجوز في النحو : بدم كذباً - بالنصب على المصدر - وتقدير الكلام كذبوا كذباً.
(وأما وصف الصبر بأنه جميل، لأنه قصد به وجه الله . وقيل : انه أراد صبراً لاشكوى فيه ولا جزاء معه، وقال أهل العربية: إن ارتفاع الصبر هاهنا، فشأني صبر جميلاً) (3) وإنما ذكرنا تفسير هذه الآية لأنه ورد في سياقة الكلام (4).
____________
1 - يوسف 12: 18 .
2 - في الأصل: يريدان ، وما أثبتناه من ألمصدر.
3 - ورد في كنز الفوائد بدل مابين القوسين ما لفظه:« وأما وصف الصبر بأنه جميل فلأن الصبر قد يكون جميلاً وغير جميل ، وإنما يكون جميلاً إذا قصد به وجه الله تعالى، فلما كان في هذا الموضع واقعاً على الوجه المحمود صح وصفه بالجميل، وقد قيل: أنه أراد صبراً لا شكوى فيه ولا جزع معه، ولو لم يصفه بذلك لظن مصاحبة الشكوى والجزع له، وقد قال أهل العربية:إن ارتفاع الصبر هاهنا إنما هو لأن المعنى فشأني صبر جميل والذي اعتقده صبر جميل».
4 - كنز الفوائد : 272 ، 273 .

(158)
فصل من الأدب (1)
روي عن بعض الأدباء أنه قال لابنه : يابني ، اقتن من مكارم الأخلاق خمساً، وارفض ستاً، واطلب العز بسبع، واحرص على ثمان فإن فزت بتسع بلغت المدى، وان أحرزت عشراً أدركت (2) الاخرة والدنيا .
فأما الخمس المقتناة : فخفض الجانب، وبذل المعروف، وإعطاء النصف (3) من نفسك، وتجنب الأذى، وتوقي الذم .
وأما الستة المرفوضة: فطاعة الهوى، وارتكاب البغي، وسلوك التطاول، وقساوة القلب، وفظاظة القول، وكثرة التهاون.
وأما السبعة التي ينال بها العز: فأداء الأمانة، وكتمان السر وتأليف المُجانب، وحفظ الأخاء، وإقالة العترة، والسعي في حوائج الناس، والصفح عن الأعتذار.
وأما الثمان التي يحرص عليها: فتعظيم أهل الفضل، وسلوك طرق الكرم، والمواساة بملك اليد، وحفظ النعم بالشكر، واكتساب الأجر بالصبر، والاغضاء عن زلل الصديق، واحتمال النوائب، وترك الإمتنان بالاحسان.
واما التسع التي تبلغ بها المدى: فالأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وحرز اللسان من سقوط الكلام، وغض الطرف، وصدق النية، والرحمة لأهل البلاء، والموالاة على الدين ، والمسامحة في الاُمور، والرضا بالمقسوم.
وأما العشرة الكاملة، التي تنال بها الدنيا والاخرة: فالزهد فيما بقي، والإستعداد لما يأتي، وكثرة الندم على مافات، وإدمان الإستغفار، واستشعار التقوى، وخشوع ألقلب، وكثرة الذكرلله تعالى، والرضا بأفعال الله سبحانه ، وملازمة الصدق ، والعمل بما ينجي .
____________
1 - كنز الفوائد : 288، وفيه تمام الفضل.
2 - في المصدر : أحرزت .
3 - في المصدر : النصفة.

(159)
فصل في ذكر الغنى والفقر(1)
قال رسول الله صلى الله عليه واله : « ليس الغنى(2) كثرة الحرص، وإنما الغنى غنى النفس ».
وقال عليه واله السلام : «ثلاث خصال من صفة أولياء الله تعالى : الثقة بالله في كل شيء ، والغنى به عن كل شيء ، والإفتقارإليه في كل شيء ».
وقال صلى الله عليه وآله : «ألا اُخبركم بأشقى الأشقياء؟» قالوا: بلى يا رسول الله ، قال : «من اجتمع عليه فقر الدنيا وعذاب الآخرة» نعوذ بالله من ذلك.
وقال أميرالمؤمنين عليه السلام : «الفقريخرس الفطن عن حجته ، والمقلّ غريب في بلدته ، ومن فتح على نفسه باباً من المسألة فتح الله عليه باباً من الفقر».
وقال : «العفاف زينة الفقر، والشكر زينة الغنى» .
وقال : «من كساه الغنى ثوبه ، خفي عن الناس عيبه ».
وقال: «من أبدى إلى الناس ضره فقد فضح نفسه، وخير الغنى ترك السؤال، وشر الفقر لزوم الخضوع».
وقال : «استغن عن من شئت تكون نظيره ، واحتج إلى من شئت تكون أسيره، وأفضل على من شئت تكن أميره» [وقال عليه السلام:](3) «لاملك أذهب للفاقة من الرضا بالقنوع».
وروي أن الماء نضب عن (4) صخرة فوجد عليها مكتوباً : إنما يتبين الغني والفقير بعد العرض على الله عز وجل .
وقال رجل للصادق عليه السلام : عظني ، فقال : «لاتحدث نفسك بفقر، ولا بطول عمر».
وقيل: ما استغنى أحد بالله ، إلا افتقر الناس إليه .
____________
1 ـ كنز الفوائد : 288 ـ 289، وفيه تمام الفصل.
2 ـ في المصدر زيادة في .
3 - أثبتناه من المصدر.
4 - في المصدر: صب على.

(160)
وقيل : الفقير من طمع والغني من قنع(1).
وانشد أمير المؤمنين صلوات الله عليه :
ادفع الدنيا بما اندفعت * وأقطع الدنيا بما انقطعت
يطلب المرء الغنى عبثاً * والغنى في النفس لو قنعت

ومن قطعة أبي ذؤيب : والنفس راغبة إذا رغبتها * وإذا تردّ إلى قليل تقنع لمحمود الوراق :
أراك يزيدك الاثراء حرصاً * على الدنيا كأنك لا تموت
فهل لك غاية إن صرت يوماً * إليها، قلت: حسبي قد غنيت
تظل على الغنى أبداً فقيراً * تخاف فوات شيء لا يفوت

وله أيضاً:
يا عائب الفقرألا تزدجر * عيب الغنى أكبر لو تعتبر
من شرف الفقر ومن فضله * على الغنى إن صح منك النظر
أنك تعصي لتنال الغنى * ولست تعصي الله كي تفتقر

لغيره :
أرى اُناسا بأدنى الدين قد قنعوا * ولا أراهم رضوا في العيش بالدون
فاستغن بالله عن دنيا الملوك كما * استغنى الملوك بدنياهم عن الدين

وقال آخر:
دليلك ان الفقر خير من الغنى * وأن قليل المال خير من المثري
لقاؤك إنساناً عصى الله في الغنى * ولم تر إنساناً عصى الله في الفقر

***

____________
1 - في الأصل : اقنع، وما أثبتناه من المصدر.
(161)
فصل : مما روي في الأرزاق (1)
روي عن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله ، أنه قال : «أكثروا الإستغفار فإنه يجلب الرزق » .
وقال عليه السلام : «من رضي باليسير من الرزق (2)، رضي الله منه باليسيرمن العمل».
وروي ان الله - جل اسمه - أوحى إلى عيسى بن مريم عليه السلام : «ليحذر الذي يستبطئني في الرزق، أن أغضب فافتح عليه باباً من الدنيا».
وقال أمير المؤمنين صلوات الله عليه : «الرزق رزقان : رزق تطلبه ، ورزق يطلبك ، فإن لم تأته أتاك» .
وروي عن أحد الأئمة عليه السلام، أنه قال في الرزق المقسوم بالحركة :«إن من طلبه من غير حلّه فوصل إليه ، حوسب به من حله وبقي عليه وزره » فالواجب أن لايطلب إلا من الوجه المباح دون المحظور.
وروي عن أمير المؤمنين عليه السلام ، أنه قال : «من حسنت نيته زيد في رزقه».
واعلم أن الدليل على جواز الزيادة في الأرزاق، هوالدليل على جواز الزيادة في إلأعمار، لأن الله تعالى إذا زاد في عمرعبده، وجب أن يرزقه ما يغتذي به.
ذكروا إن إبراهيم بن هرمة إنقطع إلى جعفر بن سليمان الهاشمي، فكان يجري له رزقاً فقطعه ، فكتب إليه إبن هرمة :
إن الذي شق فمي ضامن * للرزق حتى يتوفاني
حرمتني شيئاً قليلاً فما * ان زاد في مالك حرماني (3)
فرد عليه رزقه وأحسن إليه، فأنشد لبعضهم:
التمس الأرزاق عندالذي * مادونه إن سيل من حاجب
من يبغض التارك تسآله * جوداً؟ومن يرضى عن آل طالب!؟

____________
1 - كنز الفوائد: 290 ـ 292، وفيه تمام الفضل.
2 - في الأصل : بالرزق ، وما اثبتناه من المصدر.
3 ـ في الأصل: حرمتني شيئاً قليلاً نلته * مازاد في مالك حرماني، وما أثبتناه من المصدر.

(162)
ومن [إذا] (1) قال جرى قوله * بغير توقيع إلى كاتب

ورويَ عن الصادق صلوات الله عليه ، أنه قال :«ثلاثة يدعون فلا يستجاب لهم : رجل جلس عن طلب الرزق، ثم يقول: اللهم ارزقنى، يقول الله تعالى : ألم أجعل لك طريقاً إلى الطلب! ورجل له امرأة سوء يقول : اللهم خلصني منها، يقول الله تعالى: أليس قد جعلت أمرها بيدك! ورجل سلم ماله إلى رجل [و](2) لم يشهد [عليه](3) به ، فجحده إياه ، فهو يدعو(4) عليه ، يقول الله تعالى : قد أمرتك بالاشهاد فلم تفعل» .
لابن وكيع التنيسي :
لا تحيلن على سعدك في الرزق ونحسك * وإذا أغفلك الدهر فذكّره بنفسك
لا تعجّل بلزوم البيت رمساً قبل رمسك * إنما يحمد حسن الرزق في حمده حسك

وروي في بعض الكتب : إن الله عز وجل يقول : «يابن آدم، حرك يدك أبسط لك في الرزق، وأطعني فيما آمرك فما اعلمني بما يصلحك».
قيل لبعضهم: لو تعرضت لفلان لوصلك، فقال: ما تلهفت على (أحد بشيء)(5) من أمر الدنيا ، منذ حفظت هذه الأربع الآيات من كتاب الله عز وجل : قوله : (ما يفتح الله للناس من رحمة فلا مسمك لها)(6) [وقوله سبحانه:] (7) (وان يردك بخيرفلا رادّ لفضله)(8) وقوله سبحانه : (وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها)(9) وقوله جل اسمه : ( وفي السماء رزقكم وما توعدون)(10) .
فروي أن صلة الرجل الذي قيل له : لوتعرضت له ، أتت الى منزله من غير طلب
____________
1 - أثبتناه من المصدر.
2 - أثبتناه من المصدر.
3 - أثبتناه من المصدر.
4 - في ألاصل : فيدعو، وما أثبتناه من المصدر.
5 - في المصدر: شيء .
6 - فاطر35 : 2 .
7 - أثبتناه ليستقيم السياق .
8 - يونس 107:10
9 ـ هود 11 : 6 .
10 ـ الذاريات 51: 22 .

(163)
وانشد لابن أصبغ:
لو كان في صخرة في البحر راسية * صماء ملمومة ملس نواحيها
رزق لنفس براها الله لانفلقت * عنه فأدّت إليها كل مافيها
أو كان بين طباق السبع مطلبها * لسهل الله في المرقى مراقيها
حتى يلاقي الذي في اللوح خط له * إن هي أتته [و] (1)ألاسوف يأتيها

وروي عن رسول الله صلى الله عليه وآله ، أنه قال : «مامن مؤمن إلأ وله باب يصعد منه عمله، وباب ينزل منه رزقه، فإذا مات بكيا عليه، وذلك قول الله عز وجل : ( فما بكت عليهم السماء والأرض وما كانوا منظرين) (2).

* **

____________
1 ـ أثبتناه من المصدر.
2 ـ الدخان 44: 29.

(164)
قصيدة في الآداب والأمثال لابن دريد(1)
ما طاب فرع لايطيب أصله * حمى مؤاخاة اللئيم فعله
وكل من آخا لئيماً مثله
من يشتكي الدهر يطل في الشكوى * والدهر ماليس عليه عدوى
مستشعر الحرص عظيم البلوى
من أمن الدهر اُتي من مأمنه * لاتستثر ذا لبد من مكمنه
وكل شيء يُبتغى من معدنه
لكل ناع ذات يوم ناعي * وانما السعي بقدر الساعي
قد يُهلك المرعيَّ عنف الراعي
من ترك القصد تضق مذاهبه * دل على فعل امرىء مصاحبه
لا تركب الأمر وأنت عائبه
من لزم التقوى استبان عدله * من ملك الصبر عليه عقله
نجا من العثر وبان فضله
يجلو اليقين كدر الظنون * والمرء في تقلّب الشؤون
حتى توفاه يد المنون
يارب حُلوٍ سيعود سمّا * ورب حمد سيحور ذَمّا
ورب روح سيصير همّا
من لم يصل فارض إذا جفاكا * وأوله حمداً إذا قلاكا
أو أوله منك الذي أولاكا
مالك إلا ما عليك مثله * لاتحمدّن المرء مالم تبله
والمرء كالصورة لولا فعله
ياربما أورثت اللجاجة * ماليس بالمرء إليه حاجة
وضيق أمر يتبع انفراجه

____________
1 ـ كنز الفوائد: 11، تمام القصيدة
(165)
ليس يقي من لم يق الله الحذر * وليس يفتات امرؤ على القدر
والقلب يعمى مثل ما يعمى البصر
كم من وعيد يخرق الاذانا * كأنما يعني به سوانا
أصمّنا الامهال بل أعمانا
ما أفسد الخرق اساهُ الرفق * وخير ما أنبأ عنك الصدق
كم صعقة دلّ عليها البرق
لكل ما يؤذي وإن قل ألم * ما أطول الليل على من لم ينم
وسقم عقل المرء من شر السقم
أعداءُ غيب إخوة التلاقي * ياسوءتا لهذه (1)الأخلاق
كأنما اشتقت من النفاق
أنف الفتى وهو صريم (2)أجدع (3) * من وجهه وهو قبيح أشنع
هل يستوى المحفوظ (4) والمضيَّع
ما منك من لم يقبل المعاتبة * وشر أخلاق الفتى المواربة
ينجيك مما تكره المجانبة
متى تصيب الصاحب المهذبا * هيهات ما أعسر هذا مطلبا
وشرّ ما طالبته ما استصعبا
آفة عقل الأشمط التصابي * رب مَعيب فعله عيّاب
زم الكلام حذر الجواب
لكل ما مجري جواد كبوه * مالك إلاّ ما قبلت عَدْوَه
من ذا الذي يسقيك عفواً صفوه
لا يسلك الشر سبيل الخير * والله يقضي ليس زجرالطير
كم قمرعاد إلى قمير

____________
1 - في الأصل : ياسوء مالهذه ، وما أثبتناه من المصدر.
2 - يقال : صَرَمْت الشيء صرماً من باب ضرب : قطعته «مجمع البحرين - صرم - 6 : 101».
3 - الجدع : قطع الأنف والأذن والشفة واليد «مجمع ألبحرين - جدع - 4 : 310» .
4 - في المصدر: المحظوظ .

(166)
لايجتمع جمع لغير بين * لفرقة كل اجتماع اثنين
يعمى الفتى وهو بصيرالعين
الصمت إن ضاق الكلام أوسع * لكل جنب ذات يوم مصرع
كم جارع لغيره ما يجمع
مالك إلا ما بذلت مال * في طرفة العين يحول الحال
ودون آمال الفتى الآجال
كم قد بكت عين وليس تضحك * وضاق من بعد اتساع مسلك
لاتُبرَ مَنْ أمراً عليك يُملك
خير الاُمور ماحمدت غبه * لايرهب المذنب إلاذنبه
والمرء(1) مقرون بمن أحبه
كل مقام فله مقال * كل زمان فله رجال
وللعقول تضرب الأمثال
دع كل أمر منه يوماً تعتذر * عف كل ورد غير محمود الصدر
لاتنفع الحيلة في ماضي القدر
نوم امرىء خير له من يقظه * لم ترضه فيه الكرام الحفظه
وفي صروف الدهر للمرء عظه
مسألة الناس لباس ذل * من عف لم يسأم ولم يمل
فارضَ من الاستر بالأقل
جواب سوء المنطق السكوت * قد أفلح المُتَّئدُ(2)الصموت
ماحم من رزقك لايفوت
في كل شيء عبرة لمن عقل * قد يسعدالمرء إذا المرء اعتدل
يرجو غداً ودون ما يرجو الأجل (3)
من لك بالمحض وليس محض * يخبث بعض ويطيب بعض
و ربّ أمر قد نهاه النقض

____________
1 - في الأصل : والأمر، وما أثبتناه من المصدر.
2 - التؤده: التأني والرزانة ضد التسرع « مجمع البحرين ـ تأتد ـ 18:3».
3 - في ألأصل : ألأمل ، وما أثبتناه من المصدر.

(167)
كم زاد في ذنب جهول عذره * دع أمر من يعنى عليك (1)أمره
يخشى امرؤ شيئاً ولا يضره
يارب إحسان يعود ذنبا * ورب سلم سيعود حربا
وذو الحجى يجهل إن أحبّا
قد يدرك المعسر في إعساره * ما يبلغ الموسر في إيساره
وينتهى الهاوي إلى قراره
الشيء في نقص إذا تنهاها * والنفس تنقاد إلى رداها
مذعنة تجيب سائقاها
الناس في فطرتهم سواء * وإن تساوت بهم الأهواء
كل بقاء بعده فناء
لم يغل شيء وهو موجود الثمن * مال الفتى ما فضه لا ما احتجن
إذا حوى جثمانه يرى الحبن (2)
المال يحكى الفيء بانتقاله * وإنما المنفق من أمواله
ما عمر الخلة من سؤاله (3)
من لاح في عارضه القتير (4) * فقد أتاه بالبلى النذير
ثم إلى ذي العزة المصير
رأيت غب الصبر مما تحمد * وإنما النفس (5)كما تعود
وشر ما يطلب مالا يوجد
إن أتباع المرء كل شهوة * ليلبس القلب لباس قسوة
وكبوة العجب أشد كبوة
من يزرع المعروف ما رضي * لكل شيء غاية ستنقضي
والشر موقوف لذي التعرض

____________
1 ـ في الأصل: يغني عليكم، وما أثبتناه من المصدر.
2 ـ الحبن: عظم البطن « النهاية ـ حبن ـ 335:1».
3 ـ في الاصل: نسأله، وما أثبتناه من المصدر.
4 - القتبر: الشيب «النهاية - قتر- 4: 12».
5 ـ في الاصل: المنفق، وما أثبتناه من المصدر.

(168)
لا يأكل الانسان إلا ما رزق * ما كل أخلاق الرجال تتفق
هان على النائم ما يلقى الأرق
من يلذع الناس يجد من يلذعه * لسان ذى الجهل وشيكاً يوقعه
لا يعدم الباطل حقاً يدمغه
كل زمان فله توابع * والحق للباطل ضد دافع
يغصك المشروب وهو سائغ
رب رجاء مض(1) من مخافة * ورب أمن سيعود آفة
ذو النجح لايستبعد المسافة
كم من عزيز قد رأيت ذلاً * وكم سرور مقبل تولّى
وكم وضيع شال فاستقلا
لا خير في صحبة من لا ينصف * والدهر يجفو أمره ويلطف
والموت يفني كل عين تطرف
رب صباح لامريء لم يمسه * حتف الفتى موكّل بنفسه
حتى يحل في ضريح رمسه
إني أرى كل جديد بالي * وكل شيء فإلى زوال
فاستشف من جهلك بالسؤال
إن رحيلاً فأعدّ الزادا * إن معاداً فاحذر المعادا
لايلهك العمر وإن تمادا
إنك مربوب مدين تُسأل * والدهرعن ذي غفلة لا يغفل
وكل ما قدمته محصّل * حتى يجيء يومك المؤجل

***

____________
1 ـ في الاصل: فص، وما أثبتناه من المصدر.