[فصل] (1)
روي عن أحد الائمة عليهم السلام انه قال: «قال رسول الله صلى الله عليه و آله: إن الله عز وجل كتم ثلاثة في ثلاثة: كتم رضاه في طاعته، حتى لايستصغر أحداً شيئاً من الطاعات، فلعل فيه رضاه. وكتم سخطه في معصيته، حتى لايستصغر أحد سيئة، فلعل فيها سخطه. وكتم وليه في خلقه، فلا يستخفن أحدكم أخاه، فإنه لايدري لعله ولي لله »(2).
وأيضاً أخفى الصلاة الوسطى في الصلوات الخمس، ليحافظ الإنسان على، الصلوات الخمس فيحصل الوسطى، وأخفى ليلة القدر في ليالي رمضان ليحافظ الرجل على ليالي رمضان، فيحصل له ليلة القدر، وأخفى ساعة الإجابة في الليل والنهار، ليحافظ على، الدعاء في الليل والنهار.
ومن كلامه صلى الله عليه واله: «من سرته حسنته، وساءته سيئته، فهو مؤمن».
لاخير في العيش إلاّ لرجلين: عالم مطاع، ومستمع واع.
وكفى بالقناعة غنى، وبالعبادة شغلاً.
لا تنظروا إلى صغير الذنب، ولكن انظروا إلى من اجترأتم عليه.
وقال عليه السلام: آفة الحديث الكذب، وآفة العلم النسيان، وآفة العبادة الفترة، وآفة الظرف الصلف.
لاحسب إلا بتواضع، ولاكرم إلا بتقوى، ولا عمل إلا بنية، ولا عبادة إلا بيقين.
إن العاقل من أطاع الله وإن كان ذميم المنظر حقير الخطر، وإن الجاهل من عصى الله وإن كان جميل المنظر عظيم الخطر.
أفضل الناس أعقل الناس، إن الله تعالى قسم العقل ثلاثة أجزاء، فمن كانت‏
____________
1 - أثبتناه من كنز الفوائد.
2 - كنزالفوائد: 13 باختلاف يسير.

(170)
فيه كمل عقله، ومن لم تكن فيه فلا عقل له: المعرفة بالله تعالى، وحسن الطاعة، وحسن الصبر.
إن لكل شيء آلة وعدة، وآلة المؤمن وعدته العقل، ولكل شيء مطية، ومطية المرء العقل، ولكل شيء دعامة، ودعامة الدين العقل، ولكل شيء غاية، وغاية العبادة العقل، ولكل قوم راع، وراعي العابدين العقل، ولكل تاجر بضاعة، وبضاعة المجتهدين العقل، ولكل خراب عمارة، وعمارة الآخرة العقل ولكل سفر فسطاط يلجأون اليه، وفسطاط المسلمين العقل (1).

***

____________
1 - كنزالفوائد: 13، وفيه من كلامه صلى الله عليه وآله من سرته حسنته...
(171)
فصل
روي عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب صلوات الله عليه أنه قال: «العقل ولادة، والعلم إفادة، ومجالسة العلماء زيادة»(1).
وروي عنه عليه السلام أنه قال: «هبط جبريل عليه السلام على آدم صلوات الله عليه فقال له: ياآدم، اُمرت أن أخيّرك بين ثلاث، فاختر منهن واحدة ودع اثنتين.
فقال له آدم عليه السلام: وما الثلاث؟
قال: العقل، والحياء، والدين.
فقال آدم صلى الله عليه: فاني قد اخترت العقل.
فقال جبريل للحياء والدين: انصرفا، فقالا يا جبريل: انا اُمرنا أن نكون مع العقل (2) ».
** روي أن طاووس اليماني قال: رأيت في جوف الليل رجلاً متعلقاً بأستار الكعبة وهو يقول:

ألا أيهـا المأمول في كلّ حاجة * شكوت إليك الضرّ فاسمع شكايتي
ألا يارجائي أنت كاشف كربتي * فهب لي ذنوبي كلها واقض حاجتي
زادي قلـيـل مـا أراه مبلّغي * أللزاد أبكي أم لبعد مسافـتـــي
أتيت بأعمال قـبــاح رديـّة * فما في الورى خلق جنى كجنايتي
أتحرقني في النار ياغاية المنى * فأين رجائي منك أين مـخــافتي

قال فتأملته فإذا هوعلي بن الحسين عليه السلام فقلت : يا ابن رسول الله، ما هذا الجزع وأنت ابن رسول الله! ولك أربع خصال: رحمة الله، وشفاعة جدك رسول الله، وأنت ابنه، وأنت طفل صغير (3).
____________
1 ـ كنز الفوائد 13.
2 ـ كنز الفوائد 13، وفيه زيادة: حيث كان قال: فشأنكما، وعرج
3 ـ لايخفى تعارض هذه القطعة من الحديث، وما يأتي من قوله عليه السلام: « وأنما كوني طفلاً» مع ما تقدم في بدايته من قول طاووس اليماني: «رأيت في جوف الليل رجلاً متعلقاً بأستار الكعبة»، كما أن المشهور في هذه الواقعة التأريخية ان طاووس قال: رايت رجلاً يصلي في المسجد الحرام تحت الميزاب يدعو ويبكي في دعائه، فجئته حين فرغ من الصلاة فإذا هو علي بن الحسين عليه السلام فقلت له يا أبن رسول الله رأيتك على

=


(172)
فقال له: «يا طاووس، إنني نظرت في كتاب الله فلم أرلي من ذلك شيئاً فإن الله تعالى يقول: (ولايشفعون إلالمن ارتضى وهم من خشيته مشفقون)(1) وأما كوني ابن رسول الله، فإن الله تعالى يقول: (فإذا نفخ في الصور فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون، فن ثقلت موازينه فاولئك هم المفلحون، ومن خفت موازينه فاولئك الذيرت خسروا أنفسهم في جهنم خالدون)(2) وأما كوني طفلاً، فإني رأيت الحطب الكبارلايشتعل إلا بالصغار» ثم بكى عليه السلام حتى غشي عليه (3).
خبر اخر في العقل، وهو المشتهر بين الخاصة والعامة، من أن أول شيء خلق الله تعالى العقل، فقال له: أقبل فأقبل، ثم قال له: أدبر فأدبر، فقال: وعزتي وجلالي، ما خلقتك خلقاً أحب الي منك، بك اُعطي وبك أمنع، وبك اُثيب وبك اُعاقب، وعزتي وجلالي، ما أكملتك إلاّ فيمن أحببت.

***

____________
=
حاله كذا، ولك ثلاثة أرجو أن تؤمنك الخوف، أحدها: أنك ابن رسول الله صلى الله عليه وآله والثاني شفاعة جدك، والثالث: رحمة الله، فقال: يا طاووس أمّا اني ابن رسول الله صلى الله عليه وآله فلا يؤمنني وقد سمعت الله تعالى يقول: «فلا أنساب بينهم يومئذ» وأمّا شفاعة جدي فلا تؤمنني لأن الله تعالى يقول: «ولايشفعون إلا لمن ارتضى» وامّا رحمة الله فإن الله تعالى يقول انها قريبة من المحسنين، ولا علم اني محسن، اُنظر «كشف الغمة 2 : 108، وعنه في البحار 46 : 101 | 89».
1 ـ الأنبياء 21: 28.
2 ـ المؤمنون 23: 101ـ 103.
3 ـ أخرجه المجلسي في بحار الانوار 99 : 198 | 15عن اعلام الدين.

(173)
فصل: في ذم الدنيا(1)
قال رسول الله صلى الله عليه واله: «من أحب دنياه أضرّ بآخرته ».
وقال أمير المؤمنين صلّى الله عليه وآله: «الدنيا دول، فاطلب حظك منها بأجمل الطلب ».
وقال عليه السلام: «من أمن الزمان خانه، ومن غالبه أهانه ».
وقال: «الدهر يومان: يوم لك، ويوم عليك، فإن كان لك فلاَ تبطر، وإن كان عليك فاصبر، فكلاهما عنك سينحسر».
لبعض الشعراء:
وإن امرءاً دنياه أكبر همّه * لمستمسك منها بحبل غرور

وقال بعضهم: إياك والاغترار بالدنيا والركون إليها، فإن أمانيها كاذبة ومالها خائبة، وعيشها نكد وصفوها كدر، وأنت منهاعلى خطر، اما نعمة زائلة واما بلية نازلة، واما مصيبة موجعة واما منية مفجعة.
وقال اخر: صاحب الدنيا في حرب، يكابد الأهوال لتنقدع (2)، والجهالة لتنقمع، والأدواء لتندفع، والآمال لتنال، والمكروه ليزال، وبعض ذلك عن بعض شاغل، والمشتغل عنه ضائع، فلما رأى الحكماء أنه لاسبيل إلى إحكام ذلك، تركوا ما يفنى ليحرزوا ما يبقى.

* **

____________
1 ـ تمام الفصل في كنزالفوائد: 16، وفيه (ذكر)بدل (ذم).
2 - قدعت فرسي: كففته. «مجمع البحرين - قدع - 4: 376».

(174)
فصل: في ذكرالأمل (1)
روي ان الله تعالى قال: يابن آدم، في كل يوم تؤتى رزقك وأنت تحزن، وعمرك ينقص وأنت لاتحزن، تطلب ما يطغيك، وعندك ما يكفيك.
وقال رسول الله صلى الله عليه واله: «من كان يأمل أن يعيش غداً، فإنه يأمل أن يعيش أبداً».
وقال بعضهم: الآمال لاتنتهي، والحي لايكتفي.
وقيل: ما أطاع عبد أمله، إلاّ قصرعمله.
وقال اخر: لايلهك الأمل الطويل عن الأجل القصير.
وقال اخر: من جرى في عنان أمله عثر بأجله.
وقال اخر: إنك إن أدركت أملك قرّبك من أجلك، وإذا أدركك أجلك لم تبلغ أملك.
ابن الرومي:
خمسون عاماً كنت أمّلتها * كانت أمامي ثم خلفتهـا
كـنــز حياة لي أنفقته * على تصاريف تصرفتها
لو كان عمري مئة هدّني * يذكرني اني تنصفتـهـا

***

____________
1ـ كنز الفوائد: 16 ، وفيه تمام الفضل.
(175)
فصل: في ذكر الموت (1)
روي أنه كان في التوراة مكتوباً: يا ابن آدم، أنت لاتشتهي تموت حتى تتوب، وأنت لاتتوب حتى تموت.
وقال أمير المؤمنين صلى الله عليه: «من أكثر ذكرالموت رضي من الدنيا باليسير».
وقال بعضهم: لو رأيتم الأجل ومسيره، لأبغضتم الأمل وغروره، وأنشد :

نُراعُ لذكر الموت ساعة ذكره * وتعترض الدنيا فنلهو ونلعب

وقيل: إن أمراً اخره الموت لحقيق أن يخاف مابعده.
وروي أن أمير المؤمنين عليه السلام سمع إنساناً يقول: إنا لله وإنا إليه راجعون، فقال: «قولنا: إنا لله إقراراً له منا بالملك، وقولنا: إنا إليه راجعون إقراراً على أنفسنا بالهلك ».
وقيل: من عجائب الدنيا أنك تبكي على، من تدفنه، وتترك (2) التراب على وجه من تكرمه.
وقال ابو نؤاس:
غـــرّ جـهـولاً أمله * يموت من جا أجــلــه
ومن دنـــا مـن يومه * لم تغن عنه حـيـلـــه
وكـيف يبقـى آخــر * قــد غــاب عنه أولـه
لا يصـحب الانسان من * دنـيـــاه إلا عمـله (3)

أبو ذؤيب:
وإذا المنية أنشبت أظفارها * ألفيت كل تميمة لا تنفع

غيره:
ننافس في الدنيا ونحن نعيبها * فقد حذّرتناها لعمري خطوبها
ومانحسب الساعات تقطع مدة * على انها فينا سريع دبيبها

____________
1 ـ كنز الفوائد: 16 ـ 18، وفيه تمام الفصل.
2 ـ في المصدر: وتطرح.
3 ـ في الأصل: أمله، وما أثبتناه من المصدر.

(176)
كأني برهطي يحملون جنازتي * إلى حفرة يحثى عليَّ كثيبها
وباكية حرى تنوح وإنني * على غفلة عن صوتها لا اُجيبها
أيا هادم اللذات ما منك مهرب * تحاذر نفسي منك ماسيصيبها
رأيت المنايا قسمت بين أنفس * ونفسي سيأتي بعد ذاك نصيبها

لأبي إسحاق الصابي من قطعة كتبها إلى الشريف الرضي أبي الحسن الموسوي:
وإني على عيث الردى في جوانبي * وماكف من خطوى(1)وبطش بناني
وإن لم يدع إلافؤاداً مروعا * به غُبر باق من الخفقان
تلوم تحت الحجب ينفث حكمة * إلى اُذن تصغي لنطق لساني
لأعلم أني ميت عاق دفنه * ذماء قليل في غد هو فاني
وان فما للأرض غرثان حائماً * يراصد من أكلي حضور اؤان
به شرهُ عم الورى بفجائع * تركن فلاناً ثاكلاً لفلان
غدا فاغراً يشكو الطوى وهو راتع * فماتلتقي يوماً له شفتان
وكيف وحدّ الفوت منه فناؤنا * وما دون ذاك الحدِ رَدّ عنان
إذاغاضنا بالنسل ممن نعوله * تلا أولاً منه بمهلك ثاني
إلى ذات يوم لاترى الأرض وارثاً * سوى الله من انس براه وجان (2)

لغيره:
فكم من صحيح بات للموت آمنا * أتته المنايا رقدة بعدما هجع
فلم يستطع اذجاءه الموت بغتةً * فراراً ولامنه بحيلته انتفع
فأصبح تبكيه النساء مكفّناً * ولايسمع الداعي إذا صوته ارتفع (3)
وقُرّب من لحدٍ فصار مقيله * وفارق ماقد كان بالأمس قد جمع

____________
1 ـ في الأصل: خطوبي، وما أثبتناه من المصدر.
2 - رسائل الصابي والشريف الرضي: 16.
3 - في المصدر: رفع.

(177)
فصل في ذكرالموت والقتل وما
بينهما والفرق بينهما
(1)
إعلم، أن الموت غير القتل، والذي يدل على أنهما غير ان قول الله عز وجل: (أفان مات أوقتل)(2) وقوله تعالى: (ولئن متم أوقتلتم)(3) وقوله سبحانه: (ماماتوا وما قتلوا)(4) وليس يجوز أن يكون التأكيد والتكرير في لفظين يرجعان إلى معنى واحد.
ويدل على ذلك أيضاً العلم بأن الله سبحانه ليس بقاتل لمن مات حتف أنفه، ولوقال قائل في ميت: إن الله قتله، لعاب العقلاء عليه، والموت والقتل عرضان وليسا بجسمين.
وقد قال شيخنا المفيد رضي الله عنه: إن القتل متولد عن الأسباب، ومحله محل حياة الأجسام، والموت معنى يضاد حياة الفاعل المخلوق ولايصح حلوله في الأجسام، قال: وهذا مذهب يختص بي.
والقتل عند جميع أهل العدل من مقدورات العباد، والموت لايقدرعليه أحد إلاّ الله عز وجل.
ولو كان القتل هوالموت لكان من ذبح فرس غيره وإبله وغنمه قد أحسن إليه، لأن لولا ذبحه لماتت -على رأي من يقول: إن القتل هو الموت - ومعلوم خلاف ذاك، وذاك أن القتل سبب لزوال الحياة، لأن المقتول لو تعداه القتل لجاز من الله تعالى أن يبقيه أويميته، ولا دليل على أحد الأمرين.

***

____________
1 ـ كنز الفوائد: 18، وفيه إلى قول: ولو كان القتل هو الموت.
2 - آل عمران 3: 144.
3 - آل عمران 3: 158.
4 -آل عمران 3: 156.

(178)
فصل من كلام أمير المؤمنين
صلوات الله عليه
في الأخوان واداب الأخوة
في الإيمان (1)
«الناس إخوان فمن كانت اخوته في غير ذات الله فهي عداوة، وذلك قوله عز وجل: (الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلاّ المتقين)(2).
من قلب الاخوان عرف جواهر الرجال.
امحض أخاك النصيحة حسنة كانت أم قبيحة، ساعده على كل حال وزل معه حيث مازال، فلا تطلبن منه المجازاة، فإنها من شيم الدناة.
ابذل لصديقك كل المودة، ولا تبذل له كل الطمأنينة، واعطه كل المواساة، ولا تفضي إليه بكل الأسرار، توفي الحكمة حقها، والصديق واجبه.
لايكوننّ أخوك أقوى منك على مودتك.
البشاشة فخ المودة، والمودة قرابة مستفادة.
لايفسدك الظن على صديق أصلحه لك اليقين.
كفى بك أدباً لنفسك ماكرهته لغيرك.
لأخيك عليك مثل الذي لك عليه.
لاتضيعنّ حق أخيك إتكالاًعلى ما بينك وبينه، فإنه ليس لك بأخ من ضيعت حقه.
ولا يكن أهلك أشق الناس بك.
إقبل عذر أخيك، وإن لم يكن له عذر فالتمس له عذراً.
لا يكلف أحدكم أخاه الطلب إذا عرف حاجته.
لا ترغبن فيمن زهد فيك، ولا تزهدن فيمن رغب فيك.
____________
1 ـ كنز الفوائد: 34: وفيه تمام الفصل .
2 - الزخرف 43: 67.

(179)
إذا كان للمحافظة موضعاً لاتكثرن العتاب، فإنه يرث الضغينة ويجرالى البغضة، وكثرته من سوء الأدب.
إرحم أخاك وإن عصاك، وصله وإن جفاك.
إحفظ (1) زلة وليك لوقت وثبة عدوك.
من وعظ أخاه سراً فقد زانه، ومن وعظه علانية فقد شانه.
من كرم المرء بكاؤه على ما مضى من زمانه، وحنينه إلى أوطانه، وحفظ قديم إخوانه.

***

____________
1 - في المصدر: احتمل.

(180)
فصل مما جاء نظماَ في الإخوان (1)
روي أن الصادق جعفر بن محمد عليه السلام كان يتمثل كثيراً بهذين البيتين:
أخوك الذي لوجئت بالسيف عامداً * لتضربه لم يستَغِشَّك في الود
ولوجئتَهُ تدعوه للموت لم يكن * يردك إبقاءاً عليك من الرد(2)

وقال سالم (3) بن وابصة:
احب الفتى ينفي الفواحشَ سمعه * كأن به من كل فاحشة وقرا
سليم دواعي الصدرلاباسطاً أذى * ولا مانعاً خيراً ولا قائلاً هجرا
إذا ما أتت من صاحب لك زلة * فكن أنت محتالاً لزلته عذرا
غنى النفس ما يكفيك من سدّ خِلة * فإن زاد شيئاًعاد ذاك الغنى فقرا

لغيره:
إذاجمع الفتى حسبا ودينا * فلا تعدل به أبدا قرينا
ولاتسمح بحظك منه بل كن * بحظك من (4)مودته ضنينا(5)

وقال آخر:
وكنت إذا الصديق أرادغيظي * وأشرقني على حنق بريقي
غفرت ذنوبه وصفحت عنه * مخافة أن أعيش بلاصديق

لآخر:
ومن لم يغمض عينه عن صديقه * وعن بعض مافيه يعيش وهو عاتب
ومن يتتبع جاهداً كل عثرة * يجدها ولم يسلم له الدهر صاحب

وقال إياس بن القائف:
يقيم الرجال الأغنياء بأرضهم * ترمي النوى بالمقترين المراميا
فاكرم أخاك الدهرمادمتما معاً * كفى بالممات فرقة وتنائيا

____________
1 - كنزالفوائد: 34 وفيه تمام الفصل.
2 ـ في المصدر: الود.
3 ـ في المصدر: مسلم.
4 - في الأصل: في، وما أثبتناه من المصدر.
5 - الضنين: البخيل «الصحاح - ضنن - 6: 2156».

(181)
إذا زرت ارضاً بعد طول اجتنابها * فقدر صديقي والبلاد كما هيا

وقال حاتم بن عبدالله:
وما انا بالساعي بفضل زمامها * لتشرب ما في الحوض قبل الركائب
وما أنا بالطاوي حقيبة(1)رحلها * لابعثها خفاً وأترك صاحبي

لبعضهم:
بدا حين اثرى باخوانه * فقلل عنهم شناة(2) العدم
و ذكره الحزم غب الاُمور * فبادر قبل انتقال النعم

لغيره:
ألا إن عبدالله لما حوى(3) الغنى * وصار له من بين إخوانه مال
رأى خلة منهم تسد بماله * فساواهم حتى استوت بهم الحال

لموسى بن يقطين:
تتبع اخوانه في البلاد * فأغنى المقل عن المكثر

ولسلمان بن فلاح:
لي صديق مامسني عدم * مذ وقعت عينه على عدمي
قام بعذري لما قعدت به * ونمت عن حاجتي ولم ينم
أغنى وأقنى ولم يسم كرماً * تقبيل كف له ولاقدم

لبشار بن برد(4):
أذا كنت في كل ألاُمورمعاتبا * صديقك لم تلق الذي لاتعاتبه
فعش واحداً أوصل أخاك فإنه * مقارف ذنب مرة ومجانبه
إذا أنت لم تشرب مراراً على القذى * ضمئت، وأي الناس تصفومشاربه!

لزياد الأعجم:
أخ لك لاتراه الدهرَإلاّ * على العلات بسّاماً جوادا

____________
1 - الحقيبة: من أجزاء الرحل وتكون من خلف «لسان العرب -حقب - 325:1».
2 - الشناءة: مثل الشناعة: البغض، وقد خففت الهمزة هنا لإقتضاء الوزن اُنظر«الصحاح - شنأ - 1 : 57 » .
3 ـ في الأصل: جرا، وما أثبتناه من المصدر.
4 - في المصدر زيادة: ويكنى أبا معاذ ويلقب بالمرعث الأعمى.

(182)
أخ لك ليس خلته بمذق (1) إذا ما عاد فقر أخيه عادا

شّاعر:
أذا كان ذواقاً أخوك من الهوى * موجّهة في كل فج ركائبه
فخلّ له وجه الطريق ولاتكن * مطية رحّال كثير مذاهبه
تخاف المنايا أن ترحل صاحبي * كأن المنايا في المقام تناسبه

ولبشار أيضا:
خير إخوانك المشارك في المر * وأين الشريك في المرّأينا
الذي إن شهدت سرك في الناس * وإن غبت كان اُذناً وعينا
مثل سر العقيان إن مسه النار * جلاه البلاء فازداد زينا

وأنشدت لابن معمعة(2):
أيها العالم الذي * ملأ الأرض علمه
قلت لما جرحت * قلبي بحال تغمه
لا يضرّ الجواد أن * تتوطاه اُمه
ولعمري لَضَمّ * كان أحلى وشمه
لاَتَهَجَّم على الصديق * بشيء يغمه
فإذا أحوج الشجاع * بدا منه سمّه

قال: وأنشدت لغيره:
لاتوردن على الصديق * من الدعابة مايغمّه
واحذر بوادر طيشه يوماً * إذا ماطال حلمه
فالعجل تنطحه على * إدمان مص الضرع اُمّه

***

____________
1 ـ المذق: الود غير الخالص « الصحاح ـ مذق ـ 4 : 1553».
2 ـ في المصدر زيادة الخطيب مما قاله في مجلس ابن خالويه.

(183)
فصل آخر في ذكر الاخوة والإخوان (1)
قال رسول الله صلى الله عليه وآله: «إذا آخى أحدكم رجلاً فليسأله عن اسمه واسم أبيه وقبيلته ومنزله، فإنه من واجب الحق، وصافي الإخاء، وإلا فهي المودة الحمقاء».
وروي أن داود قال لابنه سليمان عليهما السلام: يا بني، لاتستبدلن بأخ قديم أخاً مستفاداً ما استقام لك، ولا تستقلن أن يكون لك عدو واحد، ولا تستكثرن أن يكون لك ألف صديق.
وأنشد لأمير المؤمنين عليه السلام:
وليس كثيرألف خل وصاحب * وإن عدواً واحداً لكثير

وروي أن سليمان عليه السلام قال: لاتحكموا على رجل بشيء حتى تنظروا إلى من يخادن، فإنما يعرف الرجل بأشكاله وأقرانه، وينسب الى أصحابه وأخدانه.
وروي أنه كانت بين الحسن والحسين صلوات الله عليهما وحشة، فقيل للحسين عليه السلام: لم لاتدخل على أخيك وهو أسن منك ؟ قال: «سمعت رسول الله صلى الله عليه واله يقول: أيّما اثنان جرى بينهما كلام فطلب أحدهما رضا صاحبه، كان سابقاً له إلى الجنة، وأكره أن أسبق أبا محمد إلى الجنة« فبلغ ذلك الحسن عليه السلام فقام يجر رداءه حتى دخل على الحسين صلوات الله عليهما فترضاه.

***

____________
1 - كنزالفوائد: 36، وفيه تمام الفصل.

(184)
فصل مما ورد في ذكر الظلم (1)
روى عبدالله بن سنان، عن أبي عبدالله الصادق عليه السلام أنه قال: «[قال](2) رسول الله صلى الله عليه واله: أوحى الله إلى نبي من أنبيائه: يا ابن آدم اذكرني عند غضبك أذكرك عند غضبي فلا أمحقك فيمن أمحق، وإذا ظلمت بمظلمة فارض بانتصاري لك، فإن انتصاري لك خيرمن انتصارك لنفسك واعلم أن الخلق الحسن يذيب السيئة كما تذيب الشمس الجليد، وان الخلق السيء يفسد العمل كما يفسد الخل العسل ».
وروي عن رسول الله صلى الله عليه واله أنه قال: «من ولي شيئاً من اُمور اُمتي فحسنت سريرته لهم، رزقه الله تعالى الهيبة في قلوبهم، ومن بسط كفه إليهم بالمعروف رزق المحبة منهم، ومن كفّ عن أموالهم وفر الله عز وجل ماله، ومن أخذ للمظلوم من الظالم كان معي في الجنة مصاحباً، ومن كثرعفوه مد في عمره، ومن عم عدله نصرعلى عدوه، ومن خرج من ذل المعصية إلى عز الطاعة، آنسه الله عز وجل بغير أنيس وأعانه بغير مال ».
وروي أن في التوراة مكَتوب: من يظلم يخرب بيته، ومصداق ذلك في كتاب الله عز وجل: (فتلك بيوتهم خاوية بما ظلموا)(3).
وقد قيل: إذا ظلم من دونك عاقبك من فوقك.
وقال رسول الله صلى الله عليه وآله: «إن الله تعالى يمهل الظالم حتى يقول (4): اهملني، ثم إذا أخذه اخذة رابية».
وقال صلى الله عليه وآله: «إن الله حمد نفسه عند هلاك الظالمين فقال:(فقطع دابر القوم الذين ظلموا والحمد لله رب العالمين)(5) ». ومن كلام إمير المؤمنين في ذلك: «لايكبرن عليك ظلم من ظلمك، فإنما سعى في مضرته ونفعك، وليس جزاء
____________
1 - كنز الفوائد : 56 - 57، وفيه تمام الفصل.
3 - أثبتناه من المصدر.
3 - النمل27: 52.
4 - في الأصل: يقال، وما أتبتناه من المصدر.
5 - الأنعام 6: 45.

(185)
من سرك أن تسوءه.
ومن سلّ سيف البغي قتل به، ومن حفر لأخيه بئراً وقع فيها، ومن هتك حجاب أخيه انهتكت عورات بيته.
بئس الزاد إلى المعاد، العدوان على العباد.
أسد حطوم خير من سلطان ظلوم، وسلطان ظلوم خير من فتن تدوم.
اذكرعند الظلم عدل الله فيك، وعند المقدرة قدرة الله عليك ».
المتنبي:
وأظلم خلق الله من بات حاسداً * لمن بات في نعمائه يتقلب

***

(186)
[فصل](1) من كلام أمير المؤمنين عليه السلام وحكمه (2):
قال أمير المؤمنين عليه السلام: «لاشرف أعلى من الاسلام، ولا كرم أعز من التقوى، ولا معقل أحرز من الورع، ولا شفيع أنجح من التوبة».
«ومن ضاق صدره لايصبرعلى أداء حق ».
«من كسل لم يؤد حق الله، ومن عظّم أوامرالله أجاب سؤاله ».
«من تنزه عن حرمات الله، سارع إليه عفوالله ».
«من تواضع قلبه لله، لم يسأم بدنه طاعة الله ».
«الداعي بلا عمل، كالرامي بلا وتر».
«ليس مع قطيعة الرحم نماء، ولا مع الفجور غنى».
«عند تصحيح الضمائر تغفر الكبائر»،«تصفية العمل خيرمن العمل ».
«عند الخوف يحسن العمل »، «رأس الدين صحة اليقين ».
«أفضل ما لقيت الله به، نصيحة من قلب، وتوبة من ذنب ».
«إياكم والجدال، فإنه يورث الشك في الدين ».
«بضاعة الآخرة كاسدة، فاستكثروا منها في أوان كسادها».
«اليوم عمل ولا حساب، وغداً حساب ولا عمل ».
«دخول الجنة رخيص، ودخول النارغال ».
«التقي سابق إلى كل خير»، «من غرس أشجار التقى، جنى ثمار الهدى».
«الكريم من اكرم عن ذل النار وجهه ».
«ضاحك معترف بذنبه، أفضل من باك مدلّ على ربه ».
«من عرف عيب نفسه، اشتغل عن عيب غيره ».
«من نسى خطيئته، استعظم خطيئة غيره ».
«ومن نظر في عيوب الناس ونسبها(3) لنفسه، فذاك الأحمق بعينه ».
«كفاك أدباً لنفسك ما كرهته لغيرك ».
____________
1 ـ أثبتناه من كنز الفوائد.
2 - كنز الفوائد: 128، وفيه تمام الفصل، إلى قوله عليه السلام: « من لزم الأستقامة لزمته السلامة»
3 ـ في المصدر: ورضيها.