الوجه الرابع :
    انهم ينكرون خلافة الشيخين ، ويريدون أن يوقعوا في الدين الشين (1) والجواب انه لا ينكر استخلاف الشيخين (رض) ذو شعور ، ولا يرتاب فيه ذو وجدان ، وقد امتدت امارتهما من سنة 11 الى سنة 23 وفتحت بها الفتوحات وضرب الدين فيها بجرانه ، على أن خلافتهما من الشؤون السياسية التي خرجت بانقضائها وتصرمها عن محل الابتلاء ، فأي وجه لتنافر المسلمين اليوم بسببها وأي ثمرة عملية تترتب فعلا على الاعتقاد بها.
    فهلموا يا قومنا للنظر في سياستنا الحاضرة وعرجوا عما كان من شؤون السياسة الغابرة ، فان الأحوال حرجة والمآزق ضيقة لا يناسبها نبش الدفائن ولا يليق بها اثارة الضغائن ، وقد آن للمسلمين ان يلتفتوا الى ما حل بهم من هذه المنابذات والمشاغبات التي غادرتهم طعمة الوحوش وفرائس الحشرات.
    وأي وجه لتكفير المسلمين بانكار سياسة خالية وخلافة ماضية ؟ قد اجمع أهل القبلة على انها ليست من أصول الدين ، وتصافقوا على انها ليست مما بني الاسلام عليه ، ونحن نظرنا فيما صح عند أهل السنة عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من تفسير معنى الاسلام والايمان فلم نجده (2) مقيدا بها ، وتتبعنا الأمور التي جعلها صلى الله عليه وآله وسلم سببا في احترام الدماء والأعراض والأموال فلم تكن (3) من جملتها ، واستقرأنا من نصوصه شرائط دخول الجنة فلم نجدها (4) في زمرتها ، فأي مانع
____________
(1) لم يأت بهذه الفقرة « اعني قوله ويريدون ان يوقعوا في الدين الشين » الا لمجرد السجع وال فقد عرفت انهم احوط الناس على الدين.
(2) راجع الفصل 3 المعقود لبيان معنى الاسلام من هذه الرسالة.
(3) راجع الفصل 3 المختص باحترام الموحدين من هذه الرسالة.
(4) راجع الفصل 5 المتعلق بنجاة الموحدين من هذه الرسالة.

( 154 )

بعد هذا من جريان الاجتهاد فيها ، وأي دليل كفر المتأولين من منكريها.
    فان القوم لم تكن بينهم وبين الحق عداوة وانما قادتهم الأدلة الشرعية الى القطع باشتراط أمور في القائم في مقام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والمستوى على مرقاة الخلافة عنه ، كعدم سبق الكفر منه على الايمان وكعصمته والعهد اليه وعدم كونه مفضولا ، واستدلوا على هذه الشروط بأدلة من الكتاب والسنة والعقل كثيرة لا يسع المقام بيانها ، وقد استقصيناها في كتابنا « سبيل المؤمنين ».
    وهبها شبها كما تقول لكنها توجب العذر لمن غلبت عليه لانها من الكتاب والسنة ، وقد الجأته الى القطع بما صار اليه ، فان كان مصيبا والا فقد أجمع المسلمون على معذرة من تأول في غير أصول الدين وان اخطأ كما سمعته في فصل المتأولين.
    على انه لا وجه التكفير بانكارها حتى لو فرضنا انها من أصول الدين عندهم ، لأنها ليست من الضروريات التي يرجع انكارها الى تكذيب النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولا هي في نظر منكريها من الأمور التي قد انعقد الاجماع عليها ، وقد سبقوا بشبهة من الكتاب والسنة تمنعهم من الاعتقاد بها ، ألا ترى أن الشيعة لم تكفر أهل السنة بانكرها امامة الأئمة من أهل اليت عليهم لاسلام مع أن امامتهم من أصول الدين على رأي الشيعة ، وكذلك العدلية من الشيعة والمعتزلة لم تكفر طائفة الاشاعرة بانكارها العدل مع انه من الأصول عندهم ايضا.
    وقد تأول في انكار هذه الخلافة سعد بن عبادة وحباب بن المنذر الانصاريان وتخلف عنها جمعة وأكره عليه آخرون كما ذكرناه في فصل المتأولين ، فلم يكفر أحد من أولئك بما كان منه ولا فسق بما تواتر من القول والفعل عنه ، فكيف هؤلاء وحكم الله واحد يا ايها المنصفون ؟ على أن الأحاديث المتواترة من طريق العترة الطاهرة والصحاح الوافرة من طريق أهل السنة ، ألجأت هؤلاء الى القطع بعهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم الى علي من بعده ، فدانوا بما رأوا انه الحق من دين


( 155 )

الاسلام ، فهم معذورون بل مأجورون ان اصابوا بذلك وان اخطأوا بالاجماع.
    قال ابن حزم حيث تكلم فيمن يكفر ولا يكفر في صفحة 247 من الجزء الثالث من فصله ما هذا نصه : وذهبت طائفة الى انه لا يكفر ولا يفسق مسلم بقول قاله في اعتقاد أو فتيا ، وان كل من اجتهد في شيء من ذلك فدان بما رأى انه الحق فانه مأجور على كل حال ، ان أصاب فأجران وان اخطأ فأجر واحد.
    قال : وهذا قول ابن ابي ليلى وأبي حنيفة والشافعي وسفيان الثوري وداوود ابن علي ، وهو قول كل من عرفنا له قولا في هذه المسالة من الصحابة (رض) لا نعلم منهم خلافا في ذلك أصلا.
    قلت : اجماع الصحابة وهؤلاء الأئمة يقطع دابر المشاغبين وينقض أساس المجازفين ، ضروة ان القائلين بخلافة علي والمنكرين لغيره لم يقولوا هذا القول ولم يعتقدوا هذا الأمر الا بعد الاجتهاد التام واستفراغ الوسع والطاقة وبذل الجهد في الاستنباط من الكتاب والسنة ، ولقد عز عليهم فراق اخوانهم من أهل السنة في هذه المسألة ، وقاسوا في سبيلها من أنواع البلايا وأقسام المحن والرزايا ما قد علمه جميع الناس ، ولكن ما يصنعون فيما يرونه الحق ويقطعون بأنه عين الصواب ، وقد صرح بمعذرتهم وكونهم مأجورين جماعة من أفاضل المعاصرين كالعلامة القاسمي الدمشقي حيث قال في ميزان الجرح والتعديل بعد ذكر الشيعة واحتجاج مسلم بهم في صحيحه ما هذا لفظه : لأن مجتهدي كل فرقة من فرق الاسلام مأجورون أصابوا أم اخطأوا بنص الحديث .
    قلت : ومن راجع هذه الرسالة الفصل المشتمل على فتاوى علماء السنة يجدهم مجمعين على ذلك ، ومن سبر فصل المتأولين لا يرتاب فيه. والحمد لله رب العالمين.


( 156 )

    الوجه الخامس :
    انهم يطولون السنتهم على عائشة الصديقة رضي الله عنها ويتكلمون في حقها من أمر الافك والعياذ بالله ما لا يليق بشأنها.. إلى آخر افكه وبهتانه.
    والجواب أنها عند الامامية وفي نفس الأمر والواقع أنقى جيباُ واطهر ثوبا وأعلى نفسا وأغلى عرضا وامنع صوتا وارفع جنابا وأعز خدرا واسمى مقاما من أن يجوز عليها غير النزاهة أو يمكن في حقها الا العفة والصيانة ، وكتب الامامية قديمها وحديثها شاهد عدل بما أقول ، على أن أصولهم في عصمة الانبياء تحيل ما بهتها به أهل الافك بتاتا ، وقواعدهم تمنع وقوعه عقلا ولذا صرح فقيه الطائفة وثقتها أستاذنا المقدس الشيخ محمد طه النجفي أعلى بما يستقل بحكمه العقل من وجوب نزاهة الأنبياء عن أقل عائبة ولزوم طهارة اعراضهم عن أدنى وصمة فنحن والله لا نحتاج في براءتها الى دليل ولا نجوز عليها ولا على غيرها من أزواج الأنبياء والأوصياء كل ما كان من هذا القبيل.
    قال سيدنا الامام الشريف المرتضى علم الهدى في المجلس 38 من الجزء الثاني من أماليه ردا على من نسب الخنا الى امرأة نوح ما هذا لفظه : ان الأنبياء عليهم الصلاة والسلام يجب عقلا ان ينزهوا عن مثل هذه الحال لأنها تعر وتشين وتغض من القدر ، وقد جنب الله تعالى أنبياءه عليهم الصلاة والسلام ما هو دون ذلك تعظيما لهم وتوقيرا لكل ما ينفر عن القبول منهم... الى آخر كلامه الدال على وجوب نزاهة امرأة نوح وامرأة لوط من الخنا ، وعلى ذلك اجماع مفسري الشيعة ومتكلميهم وسائر علمائهم.
    نعم ننتقد من أفعال أم المؤمنين خروجها من بيتها بعد قوله تعالى « وقرن في بيوتكن » وركوبها الجمل بعد تحذيرها من ذلك ومجيئها الى البصرة تقود جيشا


( 157 )

عرمر ما تطلب على زعمها بدم عثمان ، وهي التي أمالت حربه وألبت عليه وقالت فيه ما قالت ، ونلومها على أفعالها في البصرة يوم الجمل الأصغر مع عثمان بن جنيف وحكيم بن جبلة ونستنكر أعمالها يوم الجمل الأكبر مع امير المؤمنين ويوم البغل حيث طنت ان بني هاشم يريدون دفن الحسن المجتبى عند جده صلىالله عليه وآله وسلم فكان ما كان منها ومن مروان ، بل نعتب عليها في سائر سيرتها مع سائر أهل البيت عليهم السلام ، والناصب الكاذب بلغ عداوة الشيعة الى حد لا يبلغه مسلم وتجشم في بغضائهم مسلكا لا يسلكه موحد ، اذ وصم الاسلام واهله بما افتراه في هذا الوجه على الشيعة وهم نصف المسلمين وصمة اقر بها عيون الكافرين وفرى بها مرائر الموحدين وظلم ام المؤمنين وجميع المسلمين ، ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم.

    الوجه السادس :
    انهم يسبون الشيخين (رض).
    والجواب ان البحث يقع هنا في كل من صغرى هذا الوجه وكبراه وبعبارة اخرى هي اوضح يقع البحث في مقامين :
    المقام الأول : في أنهم هل يسبون ؟
    « اولا » يسبون ؟
    « والثاني » في انه هل يكفر الساب ( والعياذ بالله ) او لا يكفر ، وقد رأيت البحث في المقام الأول عبثا صرفا ولغوا محضا ، اذ لا يمكن اذعان الخصم ببراءة الشيعة من هذا الأمر ، ولو حلفنا له برب الكعبة ، بل لا يلتفت الى نفيه عنهم ولو جئناه بكل آية ، والامامية طالما اذنت فلم يسمع اذانها وشد ما اعلنت فلم يصغ لاعلانها ، فسد هذا الباب اقرب الى الصواب واولى بأولي الألباب ولا حول ولا قوة الا بالله.


( 158 )

    واما المقام الثاني : فالحق عدم الكفر ، ولنا على ذلك ادلة قاطعة وبراهين ساطعة نذكر منها ستة ثم نوكل الحكم بعدها لرأي المنصفين :
    « الأول » الأصل مع عدم ما يدل على الكفر من عقل او نقل او اجماع.
    « الثاني » أنا تتبعنا سيرة النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، فما رايناه يكفر أحدا يشتم واحد من أصحابه رضي الله عنهم ، وكان الصحابة يتنازعون ويتشاتمون على عهده فلم يؤثر عنه تكفير أحد منهم بسبب ذلك ، حتى تشاتموا مرة أمامه وتضاربوا بالنعال ( كما رواه البخاري في أول كتاب الصلح من صحيحه وأخرجه مسلم في آخر باب دعاء النبي الى الله من كتاب الجهاد من صحيحه ) وتقاتل الأوس والخزرج مرة على عهده صلى الله عليه وآله وسلم وأخذوا السلاح واصطفوا للقتال كما في آخر صفحة 107 من الجزء الثاني من السيرة الحلبية وكذا في السيرة الدحلانية وغيرها ، فأصلح بينهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولم يكفر بذلك أحدا منهم ، وموارد اختلافهم وتشاتمهم بل تقاتلهم وتحاربهم مسطورة في كتب الحديث والأخبار ، فهل بلغكم تكفير النبي صلى الله عليه وآله وسلم لأحدهم بهذا السبب ، أم هل سمعتم ذلك عن أحد الصحابة رضي الله عنهم ؟ وإذا كان القوم لم يثبتوا لأنفسهم هذه المنزلة فكيف أثبتها لهم المجازفون ؟
    « الثالث » ما سمعته في الفصول الثلاثة المنعقدة لبيان معنى الايمان واحترام الموحدين ونجلتهم من الأحاديث الصحيحة والنصوص المتواترة الصريحة ، فراجعها لتعلم حكمها على مطلق أهل الأركان الخمسة بالايمان والاحترام ودخول الجنة ولا يخفى على كل من لحظها بطرفه أو رمقها ببصره أو سمع بيانها أو عرف لسانها امتناع تقييدها واستحالة تخصيصها ، ولذا أجمع المسلمون على عدم تخصيصها بما أخرجه مسلم في أوائل صحيحه من الأحاديث الظاهرة بكفر التارك للصلاة من المسلمين والمقاتل منهم للمسلم والعبد الآبق والنائحة على الميت والطاعن في النسب ، بل قالوا ان الغرض من هذه الصحاح وأمثالها انما هو تغليظ الحرمة وتفظيع


( 159 )

المعصية لا الكفر الحقيقي ، فلتكن الأخبار المتعلقة في السب مثلا على فرض صحتها نظير هذه الصحاح ، ويوضع لك ما نقول اجماع الخلف والسلف من أهل السنة على أن من مات موحدا دخل الجنة ولو عمل من المعاصي ما عمل ، كما ستسمعه عن الفاضل النووي قريبا ان شاء الله تعالى.
    « الرابع » ما أورده القاضي عياض في الباب الأول من القسم الرابع من كتاب الشفا ، ان رجلا من المسلمين سب أبا بكر بمحضر منه (رض) فقال أبو برزة الأسلمي : خليفة رسول الله دعني أضرب عنقه. فقال : اجلس ليس ذلك لأحد إلا لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم . واخرجه الامام احمد من حديث ابي بكر في صفحة 9 من الجزء الأول من مسنده.
    بالله عليك إذا كان هذا حكم الصديق فيمن واجهه بالسب وهذه فتواه فيمن تسور على مقامه بالشتم فمن أين نحكم بعده بالتكفير ، وكيف نقضي بوجوب القتل أو نفتي بجواز التعزير ؟ أنحن اعرف منه بالأحكام ام احرص على اقامة الحدود ؟ كلا بل لو ارتد ذلك الساب لاقام عليه حد المرتدين ، ولو كفر بها لرتب عليه آثار الكافرين ، وحاشا ابا بكر من تعطيل حدود الله أو تبديل احكامه عز وجل.
    وقد افتدى به في ذلك الصالحون ، ونسج على منواله المتورعون كعمر بن عبد العزيز حيث كتب اليه عامله بالكوفة يستشيره في قتل رجل سب عمر بن الخطاب (رض) فكتب اليه كما في الباب المتقدم ذكره من الشفا : لا يحل قتل امرىء مسلم بسبب احد من الناس ، الا رجلا سب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فمن سبه فقد حل دمه.
    واخرج محمد بن سعد في أحوال عمر بن عبدالعزيز في صفحة 279 من الجزء الخامس من طبقاته بسنده الى سهيل بن ابي صالح قال : ان عمر بن عبدالعزيز


( 160 )

قال : لا يقتل احد في سب الا في سب نبي ـ وأخرج احمد من حديث أبي هريرة في صفحة 436 من الجزء الثاني من مسنده ان رجلا شتم ابا بكر والنبي صلى الله عليه وآله وسلم جالس فجعل النبي صلى الله عليه وآله وسلم يعجب ويبتسم... الحديث.
    « الخامس » اجماع فقهائهم على ان مجرد السب لا يوجب الكفر ، وقد نقله من علماء السنة خلق كثير فمنهم فقيه الحنفية في عصره ( الأمين ) ابن عابدين ، حيث جزم في كتابيه رد المختار وتنبيه الولاة بعدم كفر المتأولين في هذه المسألة ، وصرح في كليهما بأن القول بكفرهم مخالف لاجماع الفقهاء مناقض لما في متونهم وشروحهم ، فراجع من رد المحتار صفحة 302 من جزئها الثالث في باب المرتد لتعلم الحقيقة.
    ومنهم صاحب الاختيار حيث قال ـ كما نص عليه ابن عابدين فيما اشرنا اليه من رد المحتار ـ اتفق الأئمة على تضليل اهل البدع اجمع وتخطئتهم وسب احد من الصحابة وبغضه لا يكون كفرا لكن يضلل .
    ومنهم ابن المنذر حيث صرح ـ كما في رد المحتار ايضا ـ بما يقتضي نقل اجماع الفقهاء على عدم تكفير الخوارج ، وان استحلوا دماء المسلمين واموالهم وكفروا الصحابة رضي الله عنهم (1).
    ومنهم صاحب فتح القدير حيث قطع بعدم كفر احد من اهل البدع ، وان خاف ببدعته دليلا قطعيا كالخوارج الذين يكفرون الصحابة وسبونهم مثلا ، وذكر ان ما وقع في كلام اهل المذهب من تكفيرهم ليس من كلام القهاء الذين هم المجتهدون وانما هو من كلام غيرهم ، قال : ولا عبرة بغير الفقهاء والمنقول عن الفقهاء ما ذكرناه .
____________
(1) اذا كان هؤلاء مسلمين ، وقد مرقوا من الدين واستحلوا ما حرم الله من دماء المسلمين فالامر في غيرهم سهل يسير ، وهذا الاجماع دال على ما هو أعم من المطلوب مثبت لما هو أعظم من المقصود كما لا يخفى.
( 161 )

    ومنهم ابن حجر حيث قال كما في خاتمة الصواعق ، فمذهبنا ( فيمن يسب ) انه لا يكفر بذلك .
    ومنهم الشيخ ابو طاهر القزويني في كتابه سراج العقول حيث نقل القول بعدم كفر احد من اهل الأركان الخمسة من الروافض وغيرهم عن جمهور العلماء والخلفاء من ايام الصحابة الى زمنه ، فراجع ما نقلناه عنه في الفصل المعقود لفتاوى علماء السنة.
    ومنهم العارف الشعراني حيث قال في آخر المبحث 58 من يواقيته ما هذا لفظه : فقد علمت يا أخي ان جميع العلماء المتدينين امسكوا عن القول بالتكفير لاحد من اهل القبلة .
    وقد ارسل ابن حزم عدم الكفر ارسال المسلمات ، فقال في صفحة 257 من اواخر الجزء الثالث من فصله ما هذا لفظه : واما من سب احدا من الصحابة فان كان جاهلا فمعذور وان قامت عليه احجة فتمادى غير معاند فهو فاسق كمن زنى أو سرق ، وان عاند الله تعالى ورسوله في ذلك فهو كافر. قال : وقد قال عمر بحضرة النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن حاطب « وحاطب مهاجري بدري » : دعني أضرب عنق هذا المنافق ، فما كان عمر بتكفيره حاطبا كافرا ، بل كان مخطئا متأولا .
    قلت : حسبك في عدم كفر الموحدين بمجرد هذا ما هو معلوم بحكم البداهة الأولية من اجماع أهل السنة على أن مطلق الموحدين يدخلون الجنة على كل حال. قال الفاضل النووي « في باب الدليل على ان من مات على التوحيد دخل الجنة قطعا من شرح الصحيح » : واعلم ان مذهب أهل السنة وما عليه أهل الحق من الخلف والسلف ان من مات موحدا دخل الجنة قطعا... الى ان قال : فال يخلد في النار أحد مات على التوحيد ولو عمل من المعاصي ما عمل .


( 162 )

    « السادس » أنه لا يفتى بالتكفير عندهم إلا ان يكون الموجب للكفر مجمعا على ايجابه ، لذلك قال في شرح تنوير الأبصار : والعم انه لا يفتى بكفر مسلم أمكن حمل كلامه على محمل حسن او كان في كفره خلاف ولو كان ذلك رواية ضعيفة .
    وقال الخير الرملي كما في صفحة 398 من الجزء الثالث من رد المحتار : ولو كانت « تلك الرواية » لغير اهل مذهبنا ، واستدل على ذل باشتراط كون ما يوجب الكفر مجمعا على ايجابه لذلك.
    قلت. اذا كان التكفير مشروطا بهذا فكيف يفتى بالكفر في مسألتنا مع ما سمعت من انعقاد الاجماع على عدم الكفر فيها ؟ ولو أنكر الخصم ذلك الاجماع فصسبه وجود القائل بعد التكفير ، فانه مما لا يمكن انكره كما لا يخفي. وقد اغرب النصب اذ حكم بعدم قبول توبته مع اجماعهم على قبول توبة من يسب الله عز وجل (2).
    فهل هذا الا تحامل قبيح وظلم صريح ، وجرأة على الله عز وجل في تبديل أحكامه واستخفاف فيما شرغ الله سبحانه من حلاله وحرامه ، وما أراه الا مدفوعا على هذا الفتوى من ملوك الجور تحسينا لأفعالهم او مستأجرا عليها من ولاة الجور تصحيحا لأعمالهم.
    ولا غرو فان علماء السوء وقضاة الرشوة يبدلون احكام الله بالتافه ويبيعون الامة بالنزر القليل.
____________
(2) نسجوا في هذه الفتوى على منوال اليهود اذ اجمعت اخبارهم على ان من شتم الله تعالى يؤدب ومن شتم الاحبار يقتل ، وقد انكر ذلك عليهم ابن حزم اذ نقله عنهم في صفحة 221 من الجزء الاول من فصله قبل انتهاء الجزء بورقتين ، قم قال : فأعجبوا لهذا وأعلموا ا نهم ملحدون لا دين لهم أهـ ـ قلت : وهب ان الرافضي كافر فقد نشأ على مذهبه وتدين به من قبل البلوغ فلم لا تقبل توبته كما تقبل توبة المجوس والصابئة يا منصفون.
( 163 )

    فقاتل الله الحرص على الدنيا ، وقبح الله التهالك على الخسائس ، ما اشد ضررهما وما افظع خطرهما ، نبذ اولئك الدجالون حكم الله وراء ظهورهم طمعا في الوظائف ، وحكموا بما تقتضيه سيسة ملوكهم رغبة في المناصب ، وارجفوا في المؤمنين وفرقوا كلمة المسلمين ، ولولاهم لتعارفت الأرواح وائتلفت القلوب وامتزجت النفوس واتحدت العزائم ، فلم يطمع بالمسلمين طامع ولم يرمقهم من النواظر الا بصر خاشع ، ولكن وا أسفاه استحوذ عليهم اولئك المفسدون الذين ينحرون دين الله في سبيل الوظائف ويضحون عباده في طلب القضاء والأفتاء ، فتناكرت بفتاويهم وجوه المسلمين وتباينت بأراجيفهم رغائب الموحدين حتى كان من تفرق آرائهم وتضارب اهوائهم ما تصاعدت به الزفرات وفاضت منه العبارات ، ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم.


( 164 )

الفصل العاشر
في الشارة الى يسير مما نسبه الكذابون
الى الشيعة وبيان براءتهم منه




    والغرض من ذلك استئصال شأفة النتافر واقتلاع بذرة التدابر وازالة كل عثرة في طريق الاجتماع ودك كل عقبة في سبيل الوئام ، وقبل الشروع في المقصود نقدم جملة لا تتم بدونها الفائدة ، حاصلها : ان في اهل السنة من رمى الامامية بدواهي وفاوقر قد علم اليوم بفضل المطابع وبركة انتشار الكتب وتقلص العصبيات وبزوغ الحقائق انهم في غاية البعد عنها وتمام التقدس منها ، والرامون لهم بها على اربعة اقسام :
    « القسم الأول » طائفة من العلماء حملهم على ذلك مجرد التزلف الى ملوك بني أمية وسلاطين بني العباس ، إذ كانت الشيعة بعد صفين والطف أعداء السياسة الأموية واضداد الدولة العشمية ، يجتهدون في رفضها ويعملون على نقضها ، ففتكت بهم الحكام وقتلتهم تحت كل حجر ومدر ، ووازرهم على ذلك القراء المراؤون والعلماء الدجالون ، فبلغوا في تسويد صحائف الشيعة كل مبلغ ، والصقوا بهم كل عائبة ، تهجينا لمذهبهم وتقبيحا لمشربهم وتصحيحا لما كان يرتكبه بنوا امية من تقتيل أبنائهم واستحياء نسائهم ، وكانوا ينتظرون الفرج


( 165 )

بسقوط الدولة الأموية ، فلما ملك بنو العباس نسجوا معهم على ذلك المنوال وعملوا مع أئمة أهل البيت أفظع الأعمال ، حتى قضى ( الكاظم ) في سجونهم ، وتجرع ( الرضا ) كأس السم من يد مأمونهم ، وكربوا قبر الحسين عليه السلام ، وأبادوا نسل محمد صلى الله عليه وآله وسلم ، فعاد على شيعة أهل البيت ذلك البلاء وحلت بهم من ولاة الدولة العباسية وعلمائها تلك الأواء الولاة تقنيهم بسهامها وعلماء التزلف ترميهم بأقلامها.. بيد أن ظلم السيف لم يبق وظلم القلم مسجل ما بقيت كتب الظلال ، فالعاقل المتثبت لا يصدق في حق الشيعة علماء تلك الدولتين ، ولا يعتني بما كان في أيامهما من الأراجيف فانها أكاذيب أوجبتها سياسة الملك واقتضتها قواعد الظالمين.
    « القسم الثاني » طائفة من العلماء حملهم على ذلك مجرد الخوف من ميل الناس الى الشيعة ، ومحض الحذر من اتباع سائر المسلمين لطريقتهم ، وكأنهم قد استباحوا بذلك تنفير الناس عنهم بكل طريق ، فقالوا ما قالوا ونالوا ما نالوا ، على علم منهم بأن الامامية منزهون عما افتروه عليهم مقدسون عما نسبوه اليهم ، الا في مسألةواحدة تتعلق بمباحث الامامة والسياسة لا نتحاشى منها ، وهي على قواعد الخصم لا تعار اهتماما زائدا لو انصفوا لأنها ليست من الأصول عندهم كما لا يخفى.
    « القسم الثالث » طائفة قد التبس الأمر عليهم ، لأن اسم الشيعة غير خاص بالامامية بل مشترك بينها وبين فرق كثيرة ، كالآغا خانية والكيسانية والناووسية والخطابية والفطحية والواقفية وغيرها ، فربما وجدوا أقوالا منكرة ومذاهب مكفرة لاحدى تلك الفرق الضالة التي يطلق عليه لفظ الشيعة فظنوا أنه مذهب الجميع ، فأرسوله عنهم ارسال المسلمات ، وأعانهم على ذلك وغر في صدورهم وغيظ في نفوسهم ، يمنعانهم عن التثبت في النقل.
    ولله ورع الامامية وتثبتهم اذ يرون الكرامية وهم طائفة من أهل السنة


( 166 )

يذهبون الى ان الله سبحانه وتعالى مستقر على العرش استقرارك على الأرض ويجدون آخرين يقولون بأنه تعالى بكى على طوفان نوح حتى رمدت عيناه وعادته الملائكة ، ويلفون الحائطية والحدثية ( وهما فرقتان من المعتزلة ) يقولون بحلول الله عز وجل في بعض الأنبياء مقالة النصارى في ابن مريم عليهما السلام نص على ذلك الشهرستاني في كتابه الملل والنحل ، ومع ذلك لم ينسبوا القولين الأولين الى مطلق أهل السنة ، ولا ألحقوا المقالة الأخيرة بمطلق المعتزلة ، وانما نسبوا تلك الأقوال الى أربابها وقصروها على أصحابها ، فلم ينسب غيرهم مقالة الخطابية والناووسية مثلا الى مطلق الشيعة يا منصفون.
    « القسم الرابع » جماعة قد اعتمدا في نقل تلك الدواهي والطامات عن الشيعة على من تقدمهم من علماء سلفهم ، إذ رأوهم ينقلون شيئا فنقلوه ووجدوا أثرا فاتبعوه ، ولو رجعوا في معرفة أقوال الأمامية إلى علمائهم وأخذوا مذهبهم في الأصول والفروع من مؤلفاتهم ، لكان أقرب الى التثبت والورع وما أدري كيف نبذوا في هذا المقام كتب الأمامية على كثرتها وانتشارها واعتمدوا على نقل أعدائهم المرجفين وخصمائهم المجازفين الذين تحكموا في تضليلهم ، وسلقوهم بألسنة الافتراء وهذا عصر لا يصغى فيه الى من يرسل نقله ارسال الكذابين أو يطلق كلامه اطلاق المموهين حتى يرشدنا الى المأخذ ويدلنا على المستند ، وقد طبع في اماكن من فارس والهند ألوف من مصنفات أصحابنا في الفقه والحديث والكلام والعقائد والتفسير والاصول والارواد والاذكار والسلوك والاخلاق ، فليطلبها من اراد الاستبصار ولا يعول على كتب المهولين الذين بثوا روح البغضاء في جسم المسلمين ، ونقلوا عن الشيعة كل إفك مبين ، وإليك منه ما عقد الفصل لذكره.
    قال ابن حزم الظاهري في صفة 182 من الجزء الرابع من الفصل ما هذا نصه : ومن الامامية من يجيز نكاح تسع نسوة ، ومنهم من يحرم الكرنب


( 167 )

( وهو نوع من السلق يشبه القنبيط ) لانه انما نبت على دم الحسين(1) ولم يكن قبل ذلك.
    قلت : أما نكاح ما زاد على الاربع فاجماع الامامية قاطبة نصا وفتوى على حرمته ، وهذا الحكم من ضروريات مذهبهم بحيث لا يشتبه فيه أحد منهم ، وأما الكرنب فليس له في كلام الامامية عنوان مخصوص وحكمه عندهم حكم الخس والفجل واللفت واشباهها ، وانا انشدكم أيها الباحثون بعزة الحقيقة وناموس العدل وشرف الانصاف ان تستقصوا فقه الامامية واصولهم وتستقروا حديثهم وتفسيرهم وتتصفحوا قديم كتبهم وحديثها مختصرها ومطولها متونها وشروحها فان وجدتم أثرا لما قال فالشيعة ليست على شيء من الحق ، والا فابن حزم وأمثاله من اكذب الخلق ، وقد ارجف بالامامية في غير هذا المقام من فصله ارجافا لا يصدر من ذي دين ، وكذب عليهم اكاذيب لا تكون من ذي يقين ، وظلمهم ظلما لا يقدم عليه مؤمن بالمعاد وبهتهم بهتان من لا يخشى الله ولا يستحي من العباد. ونحن بسبب انتشار كتب الامامية في غنى عن التصدى لتزييف أقاويله وتكذيب اباطيله ، على ان الرجل لم يقتصر في طلمه على الشيعة خاصة بل ظلم أئمة اهل السنة وبهت علماء المعتزلة وكفر كثيرا من السلف ولم يكد أحد يسلم من لسانه حتى قال ابن العريف كما في ترجمة على بن أحمد بن حزم من الوفيات : كان لسان ابن حزم وسيف الحجاج شقيقين.
    وحسبك ما نقله في شنع المرجئة عن الامام الأشعري وأصحابه ، من ان اعلان الكفر باللسان وعبادة الأصنام والأوثان بال تقية وال عذر لاينفيان مقام الولاية لله عز وجل ، فراجع صفحة 204 من الجزء 4 من الفصل. ونقل في
____________
(1) الامامية اجل من أن تعول في احكام الله على الخرافات الباردة والترهات المسخنة كهذه الحكاية وأمثالها.
( 168 )

الصفحة الأولى من الجزء 4 أيضا عن الباقلاني القول بجواز كل فسق وكفر على الأنبياء ، حاشا الكذب في البلاغ. ونقل في صفحة 205 من الجزء 4 أيضا عن بعض الاشاعرة القول بجواز الكذب في البلاغ عن الأنبياء. ونقل عن السمناني وهو من أئمة الأشاعرة في صفحة 224 من الجزء الرابع تجويز الكفر على النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم ، ونسب الى محمد بن الحسن بن فورك وسليمان بن خلف الباجي ـ وهم من أئمة الأشعرية ـ أمورا عظيمة يطول المقام بتعدادها.
    والغرض أن الرجل لا يستحي من الكذب ولا يتأثم من البهتان ، وقد أجمع فقهاء عصره كما في ترجمته من الوفيات على تضليله ، وذكره ابن خلدون في الفصل الذي عقده لعلم الفقه وما يتبعه من مقدمته الشهيرة فكان مما قال فيه : ونقم الناس عليه وأوسعوا مذاهبه اسهجانا وانكارا وتلقوا كتبه بالاغفال والترك حتى انه ليحظر بيعها في الاسواق ، وربما تمزق في بعض الأحيان .
    فلا يغتر احد بما ينقله عن الامامية وغيرهم « يا أيها الذين آمنوا إن جائكم فاسق بنبأ فتبينوا ان تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين » على أن الرجل من موالي يزيد بن معاوية فالحظ نسبه في الوفيات ، ولذا فضل أم حبيبة بنت أبي سفيان على أبي بكر وعمر وعثمان حيث تكلم في وجوه الفضل والمفاضلة بين الصحابة ؛ واختار تفضيل نساء النبي صلى الله عليه وآله وسلم على جميع من عدا الأنبياء من سائر الناس ، واعتمد في ذلك على خزعبلات مسخنة وترهات باردة وتششبث بسفاسف فاضحة وتمويهات واضحة فليراجعها كل مغرور بابن حزم في صفحة 112 وما بعدها الى صفحة 134 من الجزء الرابع من الفصل وليعجب. وقد ظهر منه في تلك المقامات وما بعدها نصب عظيم لأمير المؤمنين وعداوة لأهل البيت بالغة ، حتى فضل صهيبا في صفحة 152 من الجزء الرابع على العباس وبنيه وعلى عقيل وبنيه وعلى سيدي شباب أهل الجنة الحسن والحسين عليهما السلام ، وانكر كل فضيلة لأهل البيت فراجع.


( 169 )

    ونسج على منواله في بهت الامامية جماعة كثيرون منهم الشهرستاني في الملل والنحل اذ ألحق بهم كل مستهجن والصق فيهم كل قبيح. ذكر انهم افترقوا بعد الامام أبي محمد الحسن العسكري احدى عشرة فرقة ، والله يلعم انهم لم يفترقوا في اصول الدين أو شيء من العقائد وانما أراد بتفريقهم اطفاء نورهم ، وليته اسند شيئا من الأقاويل التي نقلها عن تلك الفرق الى كتاب يتلى أو شخص خلقه الله تعالى ، وليته اخبرنا عن بلاد واحدة من تلك الفرق أو زمانها او اسمها فانه قال : وليس لهم ألقاب مشهورة ولكنا نذكر أقاويلهم. بالله عليك هل سمعت متخاصمة ونحل آراؤها متعاركة لا يعرف لهم في الأحياء والأموات رجل ولا امرأة ولا يوجد في الخارج لهم مسمى ولا اسم ؟
    وقد نقل عن زرارة بن اعين وهشام بن الحكم (2) ومؤمن الطاق محمد بن النعمان وهشام بن سالم امورا ترتعد منها الفرائص وتقشعر لها الجلود فلم يقدح ذلك في سمو مقامهم وعظيم خطرهم عند الله ورسوله والمؤمنين وما أدري كيف اختص الشهرستاني واصحابه بالاطلاع على أقوال هؤلاء الاعلام دوننا ، مع انهم سلفنا وفرطنا قد بحثنا عن رأيهم واخذنا من الدين بهديهم ، فنحن اعرف الناس بمذاهبهم وصحبحنا مشحونة من حديثهم واسفارنا مملوءة من اقوالهم في الكلام والتفسير والفقه واصوله ، وفي ايدينا جملة أحوالهم وتفاصيل اخبارهم ، فلا يجوز ان يخفى علينا من احوالهم ما ظهر لغيرنا ، مع بعده عنهم في المشرب ومخالفته لهم في المذهب وكونهم ليسوا محلا لا بتلائه في شيء من امور الدنيا والدين ، ولو رأيناهم يذهبون الى ما عزاه الشهرستاني اليهم لبرأنا منهم كما هي سنتنا فيمن نراه معوجا عن الحق او منتهجا نهج الضلال.
____________
(2) قد استوفينا الرد في هذه المسألة على الشهرستاني في كتابنا مختصر الكلام في مؤلفي الشيعة من صدر الاسلام فراجع ما نشر منه في صفحة 189 وفي صفحة 231 من المجلد الثاني من العرفان.
( 170 )

    وقد اعرضنا عن بعض اولاد ائمتنا مع شدة اخلاصنا لهذا البيت الطاهر وكفرنا جماعة ممن صحبهم وفسقنا آخرين وضعفنا قوما وامسكنا عن قوم آخرين كما يشهد به الخبير بطريقتنا ، فلو كان هؤلاء كما ذكره الشهرستاني لم يعظم علينا تكفيرهم ولألحقناهم بأبي الخطاب محمد بن مقلاص الاجدع وبالمغيرة بن سعد وعبد الله بن سبأ والمختار بن ابي عبيد وامثالهم ، لكن اعداء اهل البيت عمدوا الى اكابر اصحابهم فرموهم بهذه الطامات كي يسقطوهم من اعين الناس حسدا منهم وبغيا ، ثم جاء الشهرستاني فرأى اثرا فاتبعه ، ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم.
    وقد بلغت القحة ببصض المتعصبين الى رمي المتاولة ( وهم الامامية في عرف سوريا ) بانكار الصوم والصلاة والحج والزكاة وسائر الواجبات حتى نقل ذلك عنهم جودت باشا كما في صفحة 366 من الجزء الاول من ترجمة كتابه المطبوع في بيروت سنة 1308(3) فاعجبوا لهذه الاكاذيب الدالة على حمق الكاذب وقلة حيائه نعوذ بالله من الخذلان.
    وربما افك بعض المخرفين فنسب الى الشيعة انهم لا يأكلون لحوم الابل هذا مع ما ينحر من الجزر كل يوم في مشاهد الائمة عليهم السلام وغيرها من بلاد الامامية ولا سيما في النجف الأشرف وهي عاصمة فقهائهم ، على ان من راجع من فقههم باب الأطعمة والاشربة لا يجدهم يفتون بكراهة الابل كما يفتون بكراهة الخيل والبغال والحمير ، بل يذكرون الابل في غير المكروه قبل البقر والغنم والمعز ، وفي باب الذباحة يصرحون بأن تذكية الابل بنحرها في وهدة
____________
(2) ذكرنا في كتاب مؤلفي الشيعة كلام جودت واستوفينا المقام في رده فراجع ما نشر منه في صفحة 190 من المجلد الثاني من العرفان ، وقد سمعت في الفصل السابق حال الامامية في ايجاب الواجبات وتحريم المحرمات فلا وجه للاعادة.
( 171 )

اللبة وهذا أمر من الضروريات لا يجهله أحد منهم اصلا.
    وأعجب من هذا نسبة بعض الآفكين الى الشيعة عدم ايجاب العدة على النساء مع انهم احوط في هذه المسألة من غيرهم أن المتوفى عنها زوجها تعتد بأربعة أشهر وعشر ليال مبدؤها نفس وفاته ، وتظهر الثمرة فيما لو علمت اليوم انه مات منذ أربعة أشهر وعشر ليال أو أكثر فانها لا تتزوج على رأيهم حتى تتربص لامدة وعند غيرهم بأبعد الاجلين من وضع الحمل ومضي المدة ، فلو مضت المدة قبل وضع الحمل لاتتزوج عندهم حتى تضع حملها ، وكذا لو وضعت قبل مضي المدة.. وان اردت التفصيل فعليك بفقه الامامية وحديثهم وتفاسيرهم ، وقد ملأت انحاء الهند وارجاء فارس وانتشرت في العراقين وسوريا وسائر بلاد الاسلام ، وانا ارشدك الى أسماء بعض ما هو بطبوع منها اكمالا للفائدة وخدمة للعلم ، فمن الكتب افقهية شرائع الاسلام وجواهر الكلام ومسالك الافهام ومدارك الأحكام وكشف اللئام ومفتاح الكرامة وتذكرة العلامة والبرهان القاطع والمختصر النافع والروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية وجامع المقاصد في شرح القواعد الى ما لا يحصى من الكتب المطولة فضلا عن المختصرة ، وحسبك من حديثهم وسائل الشيعة الى أحكام الشريعة ، ومن تفاسيرهم مجمع البيان في تفسير القرآن فراجعها لتعلم الحقيقة والله المستعان على ما تصفون.