المدرسة الاسلامية ::: 31 ـ 45
(31)
الطبيعية التي يمارسها المجرب نفسه ـ إلا ان نثير السؤال الأخير في مجال المسألة التي ندرسها ( مسألة مدى قدرة الإنسان في حقل التنظيم الاجتماعي ، واختيار النظام الأصلح. ) ، وهذا هو السؤال : ما هي قيمة المعرفة العلمية في تنظيم حياة الجماعة وإرساء الحياة الاجتماعية ، والنظام الاجتماعي على أساس علمي من التجارب الطبيعية ، التي تملك من الدقة ما تتسم به التجارب في مجال الفيزياء والكيمياء ، ونتخلص بذلك من نقاط الضعف التي درسناها في طبيعة التجربة الاجتماعية ؟؟.
    وبكلمة اخرى : هل في الامكان الاستغناء ـ لدى تنظيم الحياة الاجتماعية والتعرف على النظام الأصلح ـ عن دراسة تاريخ البشرية ، والتجارب التي مارستها المجتمعات الإنسانية عبر الزمن ، والتي لا نملك تجاهها سوى الملاحظة عن بعد ، ومن وراء ستائر الزمن التي تفصلنا عنها .. هل في الامكان الاستغناء عن ذلك كله ، باقامة حياتنا الاجتماعية في ضوء تجارب علمية نعيشها ونمارسها بأنفسنا على هذا أو ذاك من الأفراد ، حتى نصل الى معرفة النظام الأصلح ؟؟.
    وقد يتجه بعض المتفائلين الى الجواب على هذا السؤال بالايجاب ، نظراً الى ما يتمتع به انسان الغرب اليوم من امكانات علمية هائلة : أوَ ليس النظام الاجتماعي هو النظام الذي يكفل اشباع حاجات الإنسانية بأفضل طريقة ممكنة ؟؟. أوليست


(32)
حاجات الإنسان اشياء واقعية قابلة للقياس العلمي والتجربة كسائر ظواهر الكون ؟!. أوَ ليست اساليب اشباع هذه الحاجات تعني اعمالاً محدودة ، يمكن للمنطق العلمي أن يقيسها ويخضعها للتجربة ، ويدرس مدى تأثيرها في اشباع الحاجات وما ينجم عنها من آثار ؟!. فلماذا لا يمكن ارساء النظام الاجتماعي على أساس من هذه التجارب ؟!. لماذا لا يمكن ان نكتشف بالتجربة على شخص أو عدة اشخاص ، مجموع العوامل الطبيعية والفسيولوجية والسيكولوجية ، التي تلعب دوراً في تنشيط المواهب الفكرية وتنمية الذكاء ، حتى إذا أردنا أن ننظم حياتنا الاجتماعية ، بشكل يكفل تنمية المواهب العقلية والفكرية للافراد ، حرصنا على أن تتوفر في النظام تلك العوامل لجميع الأفراد ؟!!
    وقد يذهب بعض الناشئة في التصور الى أكثر من هذا فيخيل له : أن هذا ليس ممكناً فحسب ، بل هو ما قامت به أوروبا الحديثة في حضارتها الغربية ، منذ رفضت الدين والأخلاق وجميع المقولات الفكرية والاجتماعية ، التي مارستها الإنسانية في تجاربها الاجتماعية عبر التاريخ .. واتجهت في بناء حياتها على اساس العلم ، فقفزت في مجراها التاريخي الحديث ، وفتحت أبواب السماء ، وملكت كنوز الأرض ...
    وقبل ان نجيب على السؤال الذي أثرناه : ( السؤال عن مدى


(33)
امكان إرساء الحياة الاجتماعية على أساس التجارب العلمية ) يجب ان نناقش هذا التصور الاخير للحضارة الغربية ، وهذا الاتجاه السطحي الى الاعتقاد : بأن النظام الاجتماعي ، الذي يمثل الوجه الأساسي لهذه الحضارة ، نتيجة للعنصر العلمي فيها. فان الحقيقة هي : ان النظام الاجتماعي الذي آمنت به اوروبا والمبادئ الاجتماعية التي نادت بها وطبقتها ، لم تكن نتيجة لدراسة علمية تجريبية ، بل كانت نظرية أكثر منها تجريبية ومبادئ فلسفية مجردة أكثر منها آراء علمية مجربة ، ونتيجة لفهم عقلي وايمان بقيم عقلية محدودة ، أكثر من كونها نتيجة لفهم استنتاجي وبحث تجريبي في حاجات الإنسان وخصائصه السيكولوجية والفسيولوجية والطبيعية ، فان من يدرس النهضة الاوروبية الحديثة ـ كما يسميها التاريخ الاوروبي ـ بفهم يستطيع ان يدرك : ان اتجاهها العام في ميادين المادة ، كان يختلف عن اتجاهها العام في الحقل الاجتماعي والمجال التنظيمي للحياة. فهي في ميادين المادة كانت علمية ، إذ أقامت افكارها عن دنيا المادة على أساس الملاحظة والتجربة ، فأفكارها عن تركيب الماء والهواء او عن قانون الجذب او فلق الذرة افكار علمية مستمدة من الملاحظة والتجربة. وأما في الميدان الاجتماعي : فقد تكوّن العقل الغربي الحديث على أساس المذاهب النظرية ، لا الأفكار العلمية. فهو ينادي مثلاً : بحقوق


(34)
الإنسان العامة ، التي اعلنها في ثورته الإجتماعية ، ومن الواضح ان فكرة الحق نفسها ليست فكرة علمية ، لأن حق الإنسان في الحرية مثلاً ليس شيئاً مادياً قابلاً للقياس والتجربة ، فهو خارج عن نطاق البحث العلمي ، وانما الحاجة هي الظاهرة المادية التي يمكن أن تدرس علمياً.
    وإذا لاحظنا مبدأ المساواة بين أفراد المجتمع ، الذي يعتبر ـ من الوجهة النظرية ـ أحد المبادئ الأساسية للحياة الاجتماعية الحديثة .. فاننا نجد أن هذا المبدأ لم يستنتج بشكل علمي من التجربة والملاحظة الدقيقة ، لأن الناس في مقاييس العلم ليسوا متساوين ، إلا في صفة الإنسانية العامة ، ثمّ هم مختلفون بعد ذلك في مزاياهم الطبيعية والفسيولوجية والنفسية والعقلية ، وانما يعبر مبدأ المساواة عن قيمة خلقية هي من مدلولات العقل لا من مدلولات التجربة.
    وهكذا نستطيع بوضوح : ان نميز بين طابع النظام الإجتماعي في الحضارة الغربية الحديثة ، وبين الطابع العلمي. وندرك أن الإتجاه العلمي في التفكير الذي برعت فيه أوروبا الحديثة .. لم يشمل حقل التنظيم الإجتماعي ، وليس هو الأساس الذي استنبطت منه اوروبا انظمتها ومبادئها الإجتماعية ، في مجالات السياسة والإقتصاد والإجتماع.
    ونحن بهذا إنما نقرر الحقيقة ، ولسنا نريد أن نعيب على الحضارة


(35)
الغربية اهمالها لقيمة المعرفة العلمية ، في مجال التنظيم الاجتماعي أو نؤاخذها على عدم اقامة هذا النظام على أساس التجارب العلمية الطبيعية ، فان هذه التجارب العلمية لا تصلح لأن تكون أساساً للتنظيم الإجتماعي.
    صحيح أن حاجات الإنسان يمكن إخضاعها للتجربة في كثير من الأحايين ، وكذلك أساليب اشباعها .. ولكن المسألة الاساسية في النظام الاجتماعي ، ليست هي اشباع حاجات هذا الفرد او ذاك ، وانما هي ايجاد التوازن العادل بين حاجات الافراد كافة وتحديد علاقاتهم ضمن الإطار الذي يتيح لهم اشباع تلك الحاجات. ومن الواضح ان التجربة العلمية على هذا الفرد او ذاك ، لا تسمح باكتشاف ذلك الاطار ، ونوعية تلك العلاقات ، وطريقة ايجاد ذلك التوازن .. وانما يكتشف ذلك خلال ممارسة المجتمع كله لنظام اجتماعي ، اذ تتكشف خلال التجربة الاجتماعية مواطن الضعف والقوة في النظام ، وبالتالي ما يجب اتباعه لإيجاد التوازن العادل المطلوب ، الكفيل بسعادة المجموع.
    اضف الى ذلك : ان بعض الحاجات أو المضاعفات لا يمكن اكتشافها في تجربة علمية واحدة ، فخذ اليك مثلاً هذا : الشخص الذي يعتاد الزنا ، فقد لا تجد في كيانه ـ بوصفه انساناً سعيداً ـ ما ينقصه أو يكدره ، ولكنك قد تجد المجتمع الذي عاش ـ كما يعيش هذا الفرد ـ مرحلة كبيرة من عمره ، وأباح لنفسه


(36)
الانسياق مع شهوات الجنس .. قد تجده بعد فترة من تجربته الاجتماعية منهاراً ، قد تصدع كيانه الروحي ، وفقد شجاعته الادبية ، وارادته الحرة وجذوته الفكرية.
    فليست كل النتائج ، التي لا بد من معرفتها لدى وضع النظام الاجتماعي الاصلح .. يمكن اكتشافها بتجربة علمية ، نمارسها في المختبرات الطبيعية والفسلجية ، او في المختبرات النفسية .. على هذا الفرد او ذاك وانما يتوقف اكتشافها على تجارب اجتماعية طويلة الأمد.
    وبعد هذا استخدام التجربة العلمية الطبيعية ، في مجال التنظيم الاجتماعي ، يمنى بنفس النزعة الذاتية التي تهدد استخدامنا للتجارب الإجتماعية. فما دام للفرد مصالحه ومنافعه الخاصة التي قد تتفق مع الحقيقة التي تقررها التجربة وقد تختلف .. يظل ممكناً دائماً أن يتجه تفكيره اتجاهاً ذاتياً ، ويفقد الموضوعية التي تتميز بها الافكار العلمية ، في سائر المجالات الاخرى.
    والآن وقد عرفنا مدى قدرة الإنسان على حل المشكلة الإجتماعية والجواب على السؤال الاساسي فيها .. نستعرض أهم المذاهب الاجتماعية التي تسود الذهنية الإنسانية العامة اليوم ويقوم بينها الصراع الفكري أو السياسي ، على اختلاف مدى


(37)
وجودها الإجتماعي في حياة الإنسان. وهي مذاهب اربعة :
    1 ـ النظام الديمقراطي الرأسمالي.
    2 ـ النظام الاشتراكي.
    3 ـ النظام الشيوعي.
    4 ـ النظام الإسلامي.
    والثلاثة الاولى من هذه المذاهب تمثل ثلاث وجهات نظر بشرية ، في الجواب على السؤال الاساسي : ما هو النظام الاصلح ؟. فهي أجوبة وضعها الإنسان على هذا السؤال ، وفقاً لامكاناته وقدرته المحدودة التي تبينا مداها قبل لحظة.
    وأما النظام الإسلامي فهو يعرض نفسه على الصعيد الاجتماعي ، بوصفه ديناً قائماً على أساس الوحي ومعطى إلهياً ، لا فكراً تجريبياً منبثقاً عن قدرة الإنسان وامكاناته.
    ويتقاسم العالم اليوم اثنان من هذه الانظمة الاربعة : فالنظام الديمقراطي الرأسمالي هو أساس الحكم في بقعة كبيرة من الارض ، والنظام الاشتراكي هو السائد في بقعة كبيرة اخرى. وكل من النظامين يملك كياناً سياسياً عظيماً ، يحميه في صراعه مع الآخر ، ويسلحه في معركته الجبارة التي يخوضها أبطالها في سبيل الحصول على قيادة العالم ، وتوحيد النظام الاجتماعي فيه.
    وأما النظام الشيوعي والإسلامي ، فوجودهما بالفعل فكري


(38)
خالص. غير ان النظام الإسلامي ، مر بتجربة من أروع تجارب النظم الاجتماعية وانجحها ، ثمّ عصفت به العواصف بعد ان خلا الميدان من القادة المبدئيين او كاد ، وبقيت التجربة في رحمة اناس لم ينضج الإسلام في نفوسهم ، ولم يملأ أرواحهم بروحه وجوهره فعجزت عن الصمود والبقاء ، فتقوض الكيان الإسلامي ، وبقي نظام الإسلام فكرة في ذهن الأمة الإسلامية وعقيدة في قلوب المسلمين ، وأملاً يسعى الى تحقيقه ابناؤه المجاهدون.
    واما النظام الشيوعي فهو فكرة غير مجربة حتى الآن تجربة كاملة ، وانما تتجه قيادة المعسكر الاشتراكي اليوم الى تهيئة جو اجتماعي له بعد ان عجزت عن تطبيقه حين ملكت زمام الحكم ، فأعلنت النظام الاشتراكي ، وطبقته كخطوة الى الشيوعية الحقيقية.
    فما هو موضعنا من هذه الانظمة ؟
    وما هي قضيتنا التي يجب ان ننذر حياتنا لها ، ونقود السفينة الى شاطئها ؟.


(39)

(40)


(41)
    ولنبدأ بالنظام الديمقراطي الرأسمالي ، هذا النظام الذي أطاح بلون من الظلم في الحياة الاقتصادية ، وبالحكم الدكتاتوري في الحياة السياسية ، وبجمود الكنيسة وما اليها في الحياة الفكرية وهيأ مقاليد الحكم والنفوذ لفئة حاكمة جديدة حلت محل السابقين وقامت بنفس دورهم الاجتماعي في أسلوب جديد.
    وقد قامت الديمقراطية الرأسمالية : على الايمان بالفرد ايماناً لا حد له ، وبأن مصالحه الخاصة بنفسها تكفل ـ بصورة طبيعية ـ مصلحة المجتمع في مختلف الميادين .. وان فكرة الدولة انما تستهدف حماية الافراد ومصالحهم الخاصة ، فلا يجوز لها أن تتعدى حدود هذا الهدف في نشاطها ومجالات عملها.
    ويتلخص النظام الديمقراطي الرأسمالي : في إعلان الحريات الأربع : السياسية ، والاقتصادية ، والفكرية ، والشخصية.
    فالحرية السياسية : تجعل لكل فرد كلاماً مسموعاً ورأياً محترماً في تقرير الحياة العامة للأمة ، ووضع خططها ورسم قوانينها ، وتعيين السلطات القائمة لحمايتها. وذلك لأن النظام الإجتماعي للامة ، والجهاز الحاكم فيها ، مسألة تتصل اتصالا


(42)
مباشراً بحياة كل فرد من أفرادها ، وتؤثر تأثيراً حاسماً ، سعادته او شقائه ، فمن الطبيعي حينئذ ان يكون لكل حق المشاركة في بناء النظام والحكم.
    واذا كانت المسألة الإجتماعية ـ كما قلنا ـ مسألة حياز موت ، ومسألة سعادة او شقاء للمواطنين ، الذين تسري عم القوانين والانظمة العامة. فمن الطبيعي ، أيضاً ان لا الاضطلاع بمسؤوليتها لفرد. او لمجموعة من الأفراد ـ مهما كانت الظروف ـ ما دام لم يوجد الفرد الذي يرتفع في نزاهة ؟؟؟ ورجاحة عقله ، على الاهواء والاخطاء.
    فلا بد إذن من اعلان المساواة التامة في الحقوق السياسية المواطنين كافة ، لأنهم يتساوون في تحمل نتائج المسألة الاجتماعية والخضوع لمقتضيات السلطات التشريعية والتنفيذية. وعلى هذا الاساس قام حق التصويت ومبدأ الانتخاب العام ، الذي يفتن انبثاق الجهاز الحاكم ـ بكل سلطاته وشعبه ـ عن أكثرية المواطنين.
    والحرية الاقتصادية ترتكز : على الإيمان بالاقتصاد الذي قامت عليه سياسة الباب المفتوح ، وتقرر فتح جميع الأبواب وتهيئة كل الميادين. أمام المواطن في المجال الاقتصادي فيباح التملك للاستهلاك وللانتاج معاً ، وتباح هذه المللة الانتاجية التي يتكون منها رأس المال من غير حد وقد


(43)
وللجميع على حد سواء. فلكل فرد مطلق الحرية في انتاج أي اسلوب وسلوك أي طريق ، لكسب الثروة وتضخيمها ومضاعفتها ، على ضوء مصالحه ومنافعه الشخصية.
    وفي زعم بعض المدافعين عن هذه الحرية الاقتصادية : ان قوانين الاقتصاد السياسي ، التي تجري على أصول عامة بصورة طبيعية ، كفيلة بسعادة المجتمع وحفظ التوازن الاقتصادي فيه .. وان المصلحة الشخصية ، التي هي الحافز القوي والهدف الحقيقي للفرد في عمله ونشاطه ، هي خير ضمان للمصلحة الاجتماعية العامة وان التنافس الذي يقوم في السوق الحرة ، نتيجة لتساوي المنتجين والمتجرين في حقهم من الحرية الاقتصادية ، يكفي وحده لتحقيق روح العدل والانصاف ، في شتى الاتفاقات والمعاملات. فالقوانين الطبيعية للاقتصاد ، تتدخل ـ مثلا ـ في حفظ المستوى الطبيعي للثمن ، بصورة تكاد أن تكون آلية وذلك : أن الثمن اذا ارتفع عن حدوده الطبيعية العادلة ، انخفض الطلب بحكم القانون الطبيعي الذي يحكم : ( بأن ارتفاع الثمن يؤثر في انخفاض الطلب. ) ، وانخفاض الطلب بدوره يقوم بتخفيض الثمن ، تحقيقاً لقانون طبيعي آخر ، ولا يتركه حتى ينخفض به الى مستواه السابق ، ويزول الشذوذ بذلك.
    والمصلحة الشخصية تفرض على الفرد دائماً التفكير في كيفية زيادة الانتاج وتحسينه ، مع تقليل مصارفه ونفقاته. وذلك


(44)
يحقق مصلحة المجتمع ، في نفس الوقت الذي يعتبر مسألة خاصة بالفرد أيضاً.
    والتنافس يقضي ـ بصورة طبيعية ـ تحديد أثمان البضائع وأجور العمال والمستخدمين بشكل عادل ، لا ظلم فيه ولا اجحاف لان كل بائع او منتج يخشى من رفع أثمان بضائعه او تخفيض اجور عماله ، بسبب منافسة الآخرين له من البائعين والمنتجين.
    والحرية الفكرية تعني أن يعيش الناس احراراً في عقائدهم وأفكارهم ، يفكرون حسب ما يتراءى لهم ويحلو لعقولهم ويعتقدون ما يصل اليه اجتهادهم أو ما توحيه اليهم مشتهياتهم وأهواؤهم بدون عائق من السلطة. فالدولة لا تسلب هذه الحرية عن فرد ، ولا تمنعه عن ممارسة حقه فيها والإعلان عن أفكاره ومعتقداته ، والدفاع عن وجهات نظره واجتهاده.
    والحرية الشخصية تعبر عن : تحرر الإنسان في سلوكه الخاص من مختلف الوان الضغط والتحديد. فهو يملك ارادته وتطويرها وفقاً لرغباته الخاصة ، مهما نجم عن استعماله لسيطرته هذه على سلوكه الخاص من مضاعفات ونتائج ، ما لم تصطدم بسيطرة الآخرين على سلوكه. فالحد النهائي الذي تقف عنده الحرية الشخصية لكل فرد : حرية الآخرين. فما لم يمسها الفرد بسوء فلا جناح عليه أن يكيف حياته باللون الذي يحلو


(45)
له ويتبع مختلف العادات والتقاليد والشعائر والطقوس التي يستذوقها. لأن ذلك مسألة خاصة تتصل بكيانه وحاضره ومستقبله. وما دام يملك هذا الكيان فهو قادر على التصرف فيه كما يشاء.
    وليست الحرية الدينية ـ في رأي الرأسمالية التي تنادي بها ـ إلا تعبيراً عن الحرية الفكرية في جانبها العقائدي ، وعن الحرية الشخصية في الجانب العلمي ، الذي يتصل بالشعائر والسلوك.
    ويستخلص من هذا العرض : ان الخط الفكري العريض لهذا النظام ـ كما المحنا اليه ـ هو : ان مصالح المجتمع مرتبطة بمصالح الأفراد فالفرد هو القاعدة التي يجب أن يرتكز عليها النظام الإجتماعي ، والدولة الصالحة هي الجهاز الذي يسخر لخدمة الفرد وحسابه ، والأداة القوية لحفظ مصالحه وحمايتها.
    هذه هي الديمقراطية الرأسمالية في ركائزها الأساسية ، التي قامت من أجلها جملة من الثورات ، وجاهد في سبيلها كثير من الشعوب والامم ، في ظل قادة كانوا حين يعبرون عن هذا النظام الجديد ويعدونهم بمحاسنه : يصفون الجنة في نعيمها وسعادتها وما تحفل به من انطلاق وهناء وكرامة وثراء وقد اجريت عليها بعد ذلك عدة من التعديلات ، غير انها لم تمس جوهرها بالصميم بل بقيت محتفظة بأهم ركائزها واسسها.
المدرسة الاسلامية ::: فهرس