المدرسة الاسلامية ::: 136 ـ 150
(136)
بسِم اللّهِ الرحمَنِ الرّحيم
    منذ مدة ، وأنا أواجه طلباً متزيداً على المدرسة الإسلامية والحاحاً من القراء الاعزاء على اصدار حلقات جديدة منها.
    وكنت أتماهل في تلبية هذا الطلب ، رغبة في انجاز الكتاب الثاني من اقتصادنا ، والتوفر على اكماله ، وكان صدور هذا الكتاب سبباً جديداً لازدياد الطلب على اصدار حلقات صغيرة تتناول بحوثه بالتوضيح والتبسيط بقدر الإمكان ، لكي تكون متيسرة ومفهومة لعدد أكبر.
    وعلى هذا الاساس كتبت هذه الحلقة ، متوخياً فيها التبسيط ومتجنباً ذلك المستوى الذي التزمته من الدقة والتعمق في بحوث اقتصادنا. فقد آثرت في عدة مواضع توضيح الفكرة ، على اعطائها صيغتها الدقيقة التي حصلت عليه في كتبنا الموسعة.
    وسوف أحاول هنا ، وأنا أعرّف هذه الحلقة للقراء ، ان ألخص لهم أفكارها ، وأفهرس بحوثها ، ليساعدهم ذلك على فهمها ومتابعة فصولها.


(137)

(138)
    ان هذه الحلقة تشتمل على اثارة سؤال واحد ومحاولة الاجابة عليه.
    والسؤال هو : هل يوجد في الإسلام مذهب اقتصادي ؟
    ونجيب في هذه الحلقة ، على هذا السؤال بالإيجاب ، نعم يوجد في الإسلام مذهب اقتصادي.
    ونسير من السؤال الى الجواب ، بتدرج ، فبعد أن نطرح السؤال نشغل بايضاحه ، وتوضيح ما يتصل به. ثمّ ندرس الجواب ، في ضوء مفهومنا عن الإسلام. وندعم الجواب بالشواهد ونناقش ما يثار عادة من اعتراضات.
    توضيح السؤال :
    نقصد بالمذهب الإقتصادي ، ايجاد طريقة لتنظيم الحياة الإقتصادية ، وفقاً للعدالة. فنحن حين نتساءل عن المذهب الإقتصادي في الإسلام ، نريد ان نعرف هل جاء الإسلام بطريقة لتنظيم الحياة الإقتصادية ، كما جاءت الرأسمالية مثلاً ، بمبدأ الحرية الإقتصادية ، واتخذت منه طريقتها العامة ، في تنظيم الحياة الإقتصادية.
    حاجتنا الى هذا السؤال :
    وحاجتنا الى هذا السؤال ، نابعة من اسباب عديدة ، قد يكون من أهمها سلبية الإسلام تجاه الرأسمالية والماركسية ـ


(139)
النظامين الحاكمين في العالم اليوم ـ. فان رفض الإسلام لهما يجعل الإنسان المسلم ينتظر من الإسلام الاتيان بطريقة أخرى في تنظيم الحياة الاقتصادية ، لان المجتمع الإسلامي لا يستغني عن طريقة في التنظيم ، مهما كان شكلها.
    الخطأ في فهم السؤال :
    وبعد أن نطرح السؤال ، ونوضحه ، ونشرح أهميته نستعرض الخطأ الذي قد يقع فيه بعض الناس في فهم السؤال اذ لا يميزون بين المذهب الاقتصادي وعلم الاقتصاد في الإسلام مع اننا نريد المذهب الاقتصادي لا علم الاقتصاد.

    ولأجل تصحيح هذا الخطأ في فهم السؤال ، توسعنا في توضيح الفرق بين المذهب الاقتصادي ، وعلم الاقتصاد. والحقيقة ان الفرق بينهما كبير ، فان المذهب الاقتصادي ، كما عرفنا يتكفل ايجاد طريقة لتنظيم الحياة الاقتصادية ، وفقاً للعدالة وأما علم الاقتصاد ، فهو لا يوجد طريقة للتنظيم ، وانما يأخذ طريقة من الطرق المتبعة في المجتمعات ، فيدرس نتائجها وآثارها كما يدرس العالم الطبيعي نتائج الحرارة وآثارها.


(140)
    وقد استعملنا الامثلة العديدة ، لتوضيح الفرق بين المذهب الاقتصادي ، وعلم الاقتصاد. فالمذهب الرأسمالي مثلاً ينظم الحياة الإقتصادية ، على أساس مبدأ الحرية الإقتصادية ، ولذلك فهو ينظم السوق ، على أساس حرية البائعين في تعيين أثمان السلع. وعلم الإقتصاد لا يحاول الاتيان بطريقة أخرى ، لتنظيم السوق وانما مهمته أن يدرس وضع السوق في ظل الطريقة الرأسمالية ، ويبحث عن حركة الثمن ، وكيف يتحدد ، ويرتفع وينخفض ، في السوق الحرة ، التي نظمت بالطريقة الرأسمالية.
    فالمذهب يوجد طريقة للتنظيم ، وفقاً لتصوره للعدالة ، والعلم يدرس نتائج هذه الطريقة ، حين تطبق على المجتمع.

    وبعد أن سردنا الأمثلة العديدة ، لتوضيح الفرق بين المذهب والعلم ، أكدنا على أن المذهب الإقتصادي الذي نتساءل عن وجوده في الإسلام ، ونجيب بالإيجاب ، لا نعني به علم الإقتصاد لأن الإسلام بوصفه ديناً ليس من وظيفته أن يتكلم في علم الإقتصاد ، أو علم الفلك والرياضيات. وإنما هو عن إيجاد الإسلام ، طريقة لتنظيم الحياة الإقتصادية ، لا عن قيام الإسلام بدراسة علمية للطرق الموجودة ، في عصره ، ولما ينجم عنها


(141)
من نتائج ، كما يفعل علماء الإقتصاد.
    وجهة النظر في الجواب :
    وتصل الحلقة ، بعد ذلك ، إلى شرح وجهة النظر في الجواب فتعطي المفهوم الصحيح عن الشريعة ، واستيعابها وشمولها لشتى الميادين. وتستدل على ذلك ، من طبيعة الشريعة ونصوصها. ثمّ نستعرض بعد ذلك ، بعض الشبهات التي تثار في وجه الإيمان بالإقتصاد الإسلامي ، ونجيب عليها. وأخص بالذكر ، الشبهة التي تقول : أن الإسلام جاء بتعاليم أخلاقية ، ولم يجئ باقتصاد ينظم الحياة ، فهو واعظ وليس منظماً. وقد أوضحنا ، كيف أن هذه الشبهة استغلت الجانب الأخلاقي في الإسلام ، لطمس معالم التنظيم الإجتماعي ، مع أن الشريعة عالجت كلا المجالين. فقد مارست الجانب الأخلاقي ، بوصفها ديناً ، لتربية الفرد ومارست التنظيم الإجتماعي ، باعتبارها النظام المختار من السماء للمجتمع البشري.
    هذه صورة عن بحوث الرسالة وموضوعاتها ، واليكم الآن تفصيلات تلك البحوث والموضوعات.


(142)

(143)


(144)

(145)
    قد يكون من أكثر الأسئلة ، التي تتردد في كل فكر ، وعلى كل لسان ، ومع كل مشكلة تمر بها الأمة في حياتها ، ويزداد الحاحاً باستمرار ، هو السؤال عن المذهب الاقتصادي في الإسلام.
    فهل يوجد في الإسلام اقتصاد ؟
    وهل يمكننا أن نجد حلاً لهذا التناقض المستقطب ، بين الرأسمالية والماركسية ، الذي يسود العالم اليوم. في بديل جديد مستمد من الإسلام ، ومأخوذ من طريقته في التشريع وتنظيم الحياة ؟.
    وما هو مدى قدرة هذا البديل الجديد الإسلامي ، على توفير الحياة الكريمة ، واداء رسالته للامة ، التي تعاني اليوم محنة عقائدية قاسية ، في خضم ذلك التناقض الشديد ، بين الرأسمالية والماركسية.
    وليس التفكير في هذا البديل الجديد ، او التساؤل عن حقيقته ومحتواه الإسلامي ، مجرد ترف فكري ، يمارسه الإنسان المسلم للمتعة ، وانما هو تعبير عن يأس الإنسان المسلم ، من النقيضين المتصارعين ، واحساسه من خلال مختلف التجارب التي


(146)
عاشها ، بفشلهما ، ـ أي فشل النقيضين المتصارعين وهما الرأسمالية والماركسية ـ ، في ملء الفراغ العقائدي والمبدئي للأمة.
    والتفكير في البديل الإسلامي ، أو التساؤل عنه ، اضافة إلى تعبيره عن يأس الإنسان المسلم ، من النقيضين المتصارعين. يعبر كذلك أيضاً ، عن بوادر اتجاه جديد إلى الإسلام ، ويعكس وعياً اسلامياً بدأ يتبلور ، ويتخذ مختلف المستويات الفكرية في الأذهان ، تبعاً لمدى استعدادها ، ونوع تجاوبها مع الإسلام. فبذور الوعي الإسلامي ، تعبر عن وجودها في بعض الأذهان على مستوى تساؤل عن الإسلام ، وفي نفوس آخرين على مستوى ميل اليه ، وعاطفة نحوه. وفي عقول أخرى ، على مستوى الايمان به ، وبقيادته الرشيدة ، في كل المجالات ، ايمانها بالحياة.
    فالوعي الإسلامي ، الذي يتحرك الآن في عقول الأمة ويتخذ مختلف المستويات ، هو الذي يطرح الأسئلة تارة ، ويوحي بالجواب في صالح الإسلام أخرى ، ويتجسد حيناً آخر ، صرحاً ايمانياً واعياً شامخاً ، في التربة الصالحة من عقول الأمة ، التي تمثل الإسلام بين المسلمين.
    ومن ناحية أخرى ، فان الإسلام بنفسه ، يضطر المسلمين الى القاء هذا السؤال على الإسلام ، أو على علمائه الممثلين له ومطالبتهم بتقديم البديل الأفضل ، للنقيضين المتخاصمين ـ الرأسمالية والماركسية ـ. لأن الإسلام ، اذ يعلن في قرآنه ، ونصوصه


(147)
التشريعية ، ومختلف وسائل الإعلان التي يملكها ، وبشكل صريح ، عدم رضاه عن الرأسمالية والماركسية ، معاً ، فهو مسؤول بطبيعة الحال ، أن يحدد للأمة موقفاً إيجابياً ، الى صف ذلك الموقف السلبي ، وأن يأخذ بيدها في طريق آخر يتفق مع وجهة نظره ، وإطاره العام. لأن الموقف السلبي ، إذا فصل عن إيجابية بناءة ، ترسم الأهداف ، وتحدد معالم الطريق يعني الإنسحاب من معترك الحياة ، والتميع الإجتماعي نهائياً ، لا المساهمة من وجهة نظر جديدة.
    فلابد للإسلام إذن ، ما دام لا يقر الإندماج في إطارات رأسمالية واشتراكية وماركسية أن يوفر البديل او يرشد اليه ويصبح من الطبيعي ، أن يتساءل المسلمون الذين عرفوا موقف الإسلام السلبي من الرأسمالية والماركسية ، وعدم رضاه عنهما أن يتساءلوا عن مدى قوة الإسلام ، وقدرته على اعطاء هذا البديل ، ومدى النجاح الذي يحالفنا ، إذا أردنا أن نكتفي بالإسلام ذاتياً ، ونستوحي منه نظاماً اقتصادياً.
    وجوابنا على كل ذلك ، ان الإسلام قادر على امدادنا بموقف إيجابي غني بمعالمه التشريعية ، وخطوطه العامة ، وأحكامه التفصيلية التي يمكن أن يصاغ منها إقتصاد كامل ، يمتاز عن


(148)
سائر المذاهب الإقتصادية ، باطاره الإسلامي ، ونسبه السماوي وانسجامه مع الإنسانية ، كل الإنسانية ، بأشواطها الروحية والمادية ، وأبعادها المكانية والزمانية.
    وهذا ما سوف نراه في البحوث الآتية.


(149)

(150)

المدرسة الاسلامية ::: فهرس