|
|||
مركز الأبحاث العقائدية ـ سلسلة الكتب الإهدائية (2)
المأتم الحسيني
مشروعيته وأسراره تأليف
السيد عبد الحسين شرف الدين الموسوي ( قدس سره )
تحقيق
فارس الحسّون
سلسلة الكتب المؤلفة في أهل البيت عليهم السلام (41)
إعداد مركز الأبحاث العقائدية (5)
إن الحسين ( عليه السلام ) ليس حُكراً على الشيعة فحسب ، وإن مأتمه ( عليه السلام ) ليس من مختصّات الشيعة ، كما قد يظنّ البعض ذلك.
بل الحسين ( عليه السلام ) حسين جميع المسلمين ، والاحرى أن يكون حسين جميع الانسانية. وإنّ مأتم الحسين ( عليه السلام ) ومأساته جرح ما زال لم يندمل ومصاب لا زال المسلمون يأنّون من ألمه حتّى يأخذ الله تعالى بثأره ( عليه السلام ). من الحسين ( عليه السلام ) ومأتمه استلهم الشيعة درس التضحية لاجل العقيدة والدفاع عنها. من الحسين ( عليه السلام ) ومأتمه استلهم المسلمون درس التضحية في سبيل البحث عن العقيدة الحقة لان المأتم الحسيني يجعل النفوس ملتهبة بالعواطف النقية ، فتكون النفوس عندئذ أقرب ما تكون لاستماع الحقيقة والتجرد عن التعصب. (6)
من الحسين ( عليه السلام ) ومأتمه استلهم جميع بني آدم درس الانسانية والرجوع إلى الفطرة.
بالحسين ( عليه السلام ) ومأتمه يمكن تبديد غيوم العصبية وغبار الجهل والافلات من الوقوع في براثن الفتن وتيارات الضلال. وبالحسين ( عليه السلام ) ومأتمه يمتلك الانسان القدرة على اجتياز الطريق الشائك لمعرفة الحق ، وتحطيم عقبة ( إنّا وجدنا آباءنا على هذا وإنّا على آثارهم مقتدون ). لان الحسين ( عليه السلام ) حسين الله ، ومأتمه مأتم أمر الله عز وجل بإحيائه. لان الحسين ( عليه السلام ) حسين الحق ، ومأتمه درس للوصول إلى الحق. لان الحسين ( عليه السلام ) حسين المصطفى ( صلى الله عليه وآله ) ، ومأتمه مأتمه. لان الحسين ( عليه السلام ) حسين علي وفاطمة وأهل البيت ( عليهم السلام ) ، ومأتمه مأتمهم. لان الحسين ( عليه السلام ) حسين الانبياء والمرسلين ( عليهم السلام ) ، ومأتمه مأتمهم. (7)
لان الحسين ( عليه السلام ) حسيننا جميعاً ، ومأتمه مأتمنا.
وقسماً بالله الذي لا إله إلاّ هو ، إن البشرية لو عرفت الحسين ( عليه السلام ) على حقيقته لاسلمت عن بكرة أبيها ، إلاّ مَن كان قد تخلّى منهم عن إنسانيته. وكذلك لو عرف المسلمون الحسين ( عليه السلام ) على حقيقته ، لاهتدوا بهديه واتبعوا نهجه وركبوا سفينة النجاة وما تركوا أهل البيت ( عليهم السلام ) طرفة عين ، إلاّ من كان منهم وفي قلبه مرض. وعليه ، فإنّ مسؤولية أتباع الحسين ( عليه السلام ) تتضاعف في إيصال حقيقة الحسين ( عليه السلام ) وأهمية إقامة مأتمه إلى الجميع ، ليؤدّي كلّ منهم هذه المهمّة على قدر وسعه. وهذا الكتاب الماثل بين يدي القارئ العزيز ، وإن كان صغيراً في حجمه ، إلاّ أنه عظيم في محتواه ، قد جمع بين دفّتيه على اختصاره زبدة ما يتعلّق بمشروعية المأتم وأسراره. وهو بقلم علَم الاعلام وسيّد السادات ـ الذي اهتدى أكثر من اهتدى إلى مذهب أهل البيت ( عليهم السلام ) بسبب كتابه (8)
المراجعات ـ آية الله السيد عبد الحسين شرف الدين الموسوي رضوان الله عليه.
وهذا الكتاب في الواقع هو مقدّمة كتابه « المجالس الفاخرة في مآتم العترة الطاهرة » الذي أحرقته الايدي الاثيمة ، ومابقي منه سوى المقدمة التي قمنا بتحقيقها والتعليق عليها واخراجها بهذا الكتاب الذي سمّيناه « المأتم الحسيني مشروعيته وأسراره » ، ليكون الكتاب الثاني من « سلسلة الكتب الاهدائية » المخصّصة لروّاد المركز من المشتركين والمساهمين في المسابقات الهادفة ، وذلك لايجاد ثقافة علمية عقائدية لمجتمعاتنا المؤمنة التي نأمل منها كل الخير في نشر مذهب أهل البيت ( عليهم السلام ) ودرء الشبهات عنه. مركز الابحاث العقائدية
فارس الحسّون (9)
الحمد لله على جميل بلائه وجليل عزائه ، والصلاة والسلام على أُسوة أنبيائه ، وعلى الائمّة المظلومين من أوصيائه ، ورحمة الله وبركاته.
أما بعد ، فهذا كتاب ( المجالس الفاخرة في مآتم العترة الطاهرة ) (1) ، وضعته تقرّباً إليهم في الدنيا ، وتوسّلاً بهم 1 ـ ألّفه في أربع مجلدات ضخمة ، تضمّنت سيرة النبي ( صلى الله عليه وآله ) وعترته ( عليهم السلام ) وحياتهم وبعض خطبهم. وقال عنه المؤلّف ( قدس سره ) : « كتاباً اجتماعياً سياسياً عمرانياً ، من أحسن ما كتب في الامامة والسياسة ». وكان ( قدس سره ) قد كتب له مقدمة حول مشروعية أصل المأتم وأسراره ، طبعت قبل طبع الكتاب ، وهذه المقدمة هي كتابنا الحاضر الذي سمّيناه « المأتم الحسيني مشروعيته وأسراره ». وأمّا أصل الكتاب ، فقد أعدّه المؤلّف للنشر ، ولكن شعلة الحرب العالمية الاولى حالت المؤلّف عن طبعه ، حتّى أصبح هذا الكتاب ومؤلّفاته الاخرى ـ ما يقرب من ثلاثين مجلداً مخطوطاً كلها بقلمه الشريف ـ طعمة حريق سلطة الاحتلال الفرنسي ، حيث سلّطت النار على داره في شحور ، وبعده احتلّت داره الكبرى في صور وأبيحت للايدي الاثيمة سلباً ونهباً. (10)
في الاخرة ، سائلاً من الله سبحانه أن يكون خالصاً لوجهه الكريم ، إنه الرؤوف الرحيم.
(11)
الاصل العملي يقتضي إباحة :
[ 1 ] البكاء على مطلق الموتى. [ 2 ] ورثائهم بالقريض. [ 3 ] وتلاوة مناقبهم ومصائبهم. [ 4 ] والجلوس حزناً عليهم. [ 5 ] والانفاق عنهم في وجوه البرّ. ولا دليل على خلاف هذا الاصل ، بل السيرة القطعية والادلة اللفظية حاكمان بمقتضاه ، بل يستفاد من بعضها استحباب هذه الامور إذا كان الميت من أهل المزايا الفاضلة والاثار النافعة ، وفقاً لقواعد المدنية وعملاً بأُصول العمران لانّ تمييز المصلحين يكون سبباً في تنشيط أمثالهم ، وأداء حقوقهم يكون داعياً إلى كثرة الناسجين (12)
على منوالهم ، وتلاوة أخبارهم ترشد العاملين إلى اقتفاء آثارهم.
وهنا مطالب : (13)
ولنا على ما اخترناه فيه ـ مضافاً إلى السيرة القطعية ـ فعل النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وقوله وتقريره :
أما الاول ، فانه متواتر عنه في موارد عديدة : منها : يوم أحد ، إذ علم الناس كافة بكاءه يومئذ على عمه أسد الله وأسد رسوله ، حتى قال ابن عبد البر في ترجمة حمزة من استيعابه : لمّا رأى النبي ( صلى الله عليه وآله ) حمزة قتيلاً بكى فلمّا رأى ما مثّل به شهق. وذكر الواقدي ـ كما في أوائل الجزء الخامس عشر من شرح نهج البلاغة (1) للعلاّمة المعتزلي ـ : أنّ النبي ( صلى الله عليه وآله ) 1 ـ في أواخر صفحة 387 من المجلّد الثالث طبع مصر « المؤلّف ». (14)
كان يومئذ إذا بكت صفية يبكي وإذا نشجت ينشج (1).
قال : وجعلت فاطمة تبكي لمّا بكى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) (2). ومنها : يوم نعى زيداً وذا الجناحين وابن رواحة ، فيما أخرجه البخاري في الصفحة الثالثة من أبواب الجنائز من صحيحه ، وذكر ابن عبد البرّ في ترجمة زيد من استيعابه : أنّ النبي ( صلى الله عليه وآله ) بكى على جعفر وزيد وقال : « أخواي ومؤنساي ومحدثاي » (3). ومنها : يوم مات ولده إبراهيم ، إذ بكى عليه ، فقال له 1 ـ قد اشتمل هذا الحديث على فعل النبي ( صلى الله عليه وآله ) وتقريره ، فهو حجّة من جهتين ، على أنّ بكاء سيدة النساء ( عليها السلام ) كاف كما لا يخفى ( المؤلّف ). 2 ـ وراجع أيضاً في بكاء النبي ( صلى الله عليه وآله ) على عمّه حمزة وتحريض النساء على البكاء : مسند أحمد 2 / 40 ، الفصول المهمّة : 92 ، شفاء الغرام 2/347 ، ذخائر العقبى : 180 ، السيرة الحلبية 2 / 247 ، الروض الانف 6/24. 3 ـ وراجع أيضاً : ذخائر العقبى : 218 ، أنساب الاشراف : 43 ، تاريخ اليعقوبي 2 / 66 ، تذكرة الخواص : 172 ، المعجم الكبير 2 / 105. (15)
عبد الرحمن بن عوف ـ كما في صفحة 148 من الجزء الاول من صحيح البخاري ـ : وأنت يا رسول الله ! قال : « يا ابن عوف ، إنها رحمة » (1) ، ثم اتبعها ـ يعني عبرته ـ بأخرى ، فقال : « إنّ العين تدمع والقلب يحزن ولا نقول (2) إلاّ ما يرضي ربنا ، وإنا بفراقك يا إبراهيم لمحزونون » (3).
ومنها : يوم ماتت إحدى بناته ( صلى الله عليه وآله ) ، إذ جلس على قبرها ـ كما في صفحة 146 من الجزء الاول من صحيح البخاري ـ وعيناه تدمعان (4). 1 ـ لا يخفى مافي تسميتها رحمة من الدلالة على حسن البكاء في مثل المقام « المؤلّف ». 2 ـ أراد بهذا : أنّ الملامة والاثم في المقام إنما يكونان بالقول الذي يسخط الرب عز وعلا ، كالاعتراض عليه والسخط لقضائه ، لا بمجرد دمع العين وحزن القلب « المؤلف ». 3 ـ وراجع أيضاً : ذخائر العقبى : 155 ، سيرة ابن إسحاق : 270 ، العقد الفريد 3/190. 4 ـ وراجع أيضاً : ذخائر العقبى : 166 ، المحلّى 5 / 145. |
|||
|