المجالس الفاخرة في مآتم العترة الطاهرة ::: 46 ـ 60
(46)
    ووقف أميـر المؤمنين عليه السلام على قبر خباب بن الأرت (1) في ظهـر الكـوفة (2) ، وهو أوّل من دفن هناك ـ كما نصّ عليه ابن الأثير في آخر تتمة صفّين ـ فقال عليه السلام :
    رحم الله خباباً ، قد أسلم راغباً ، وهاجر طائعاً ، وعاش مجاهداً ، وابتلي في جسمه أحوالاً ، ولن يضيع الله أجر من أحسن عملاً. (3)
    ولمّا توفّي أمير المؤمنين قام الخلف من بعد أبو محمد الحسن الزكي عليهما السلام خطيباً فقال ـ كما في حوادث سنة 40 من تاريخ ابن جرير وابن الأثير وغيرهما ـ فقال :
    لقد قتلتم الليلة رجلا والله ما سبقه أحد كان قبله ، ولا يدركه أحد يكون بعده ، والله إن كان رسول الله صلى الله عليه وآله ليبعثه في السرية ، وجبرئيل عن يمينه ، وميكائيل عن يساره ، [ والله ] ما ترك صفراء ولا بيضاء ... الخ. (4)
    ووقف الإمام زين العابدين على قبر جدّه أمير المؤمنين عليهما السلام فقال :
1 ـ خباب بن الأرت ـ بتشديد المثناة ـ بن جندلة بن سعد بن خزيمة بن كعب بن سعد بن زيد بن مناة بن تميم التميمي ، ويقال : الخزاعي.
روى الباوردي أنّه أسلم سادس ستّة ، وهو أوّل من أظهر اسلامه وعُذّب عذاباً شديداً لأجل ذلك ، شهد بدراً وما بعدها ، ونزل الكوفة ومات بها سنة سبع وثلاثين. انظر : الإصابة 1 : 416 ترجمة رقم « 2215 » ، أسد الغابة 2 : 114 ـ 117.
2 ـ الكوفة ـ بالضم ـ : المصر المشهور بأرض بابل من سواد العراق ؛ قيل : سمّيت الكوفة لاستدارتها. معجم البلدان 4 : 222.
3 ـ الكامل في التاريخ 3 : 215 ، وقعة صفّين : 283 ، العقد الفريد 2 : 66.
4 ـ تاريخ الاُمم والملوك 5 : 157 ، الكامل في التاريخ.


(47)
    أشهد أنّك جاهدت في الله حقّ جهاده ، وعملت بكتابه ، واتّبعت سنن نبيّه صلى الله عليه وآله ، حتى دعاك الله إلى جواره ، فقبضك إليه باختياره ، لك كريم ثوابه ، وألزم أعداءك الحجّة [ في قتلهم ايّاك ] مع ما لك من الحجج البالغة على جميـع خلقه. (1)
    وعن أنس بن مالك ـ كما في العقد الفريد وغيره ـ قال : لمّا فرغنا من دفن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم [ أقبلت عليّ فاطمة فقالت : يا أنس ، كيف طابت أنفسكم أن تحثوا على وجه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم التراب ؟ ثمّ بكت ونادت : يا أبتاه أجاب ربّاً دعاه ، يا أبتاه مِن ربّه ما أدناه ، يا أبتاه إلى جبرئيل ننعاه ، يا أبتاه جنّة الفردوس مأواه. (2)
    ولو أردنا أن نستوفي ما كان من هذا القبيل لخرجنا عن الغرض المقصود ، وحاصله أن تأبين الموتى من أهل الآثار النافعة بنشر مناقبهم ، وذكر مصائبهم ، ممّا حكم بحسنه العقل والنقل ، واستمرت عليه سيرة السلف والخلف ، وأوجبته قواعد المدنية ، واقتضته اصول الترقي في المعارف ، إذ به تحفظ الآثار النافعة ، وبالتنافس فيه تعرج الخطباء إلى أوج البلاغة ، والقول بتحريمه يستلزم تحريم قراءة التاريخ وعلم الرجال ، بل يستوجب المنع من تلاوة الكتاب والسنّة لاشتمالها على جملة من مناقب الأنبياء ومصائبهم ، ومن يرضى لنفسه هذا الحمق ، أو يختار لها هذا العمى ، نعوذ بالله من سفه الجاهلين.
1 ـ العقد الفريد 2 : 71.
2 ـ العقد الفريد 3 : 23 ، وانظر مسند أحمد 3 : 197.


(48)
    وحسبك في رجحان ذلك ما تواتر عن رسول الله صلى الله عليه وآله من الحزن الشديد على عمّه أبي طالب وزوجته الصدّيقة الكبرى ام المؤمنين عليهما السلام ، وقد ماتا في عام واحد فسمّي « عام الحزن » وهذا معلوم بالضرورة من اخبار الماضين.
    وأخرج البخاري ـ في باب من جلس عند المصيبة يعرف فيه الحزن من الجزء الأول من صحيحه ـ بالاسناد عن عائشة قالت : لمّا جاء النبي صلى الله عليه وآله قتل زيد بن حارثة وجعفر وابن رواحة جلس ـ أي في المسجد كما في رواية أبي داود (1) ـ يعرف فيه الحزن.
    وأخرج البخاري في الباب المذكور أيضا عن أنس قال : قنت (2) رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم شهراً حين قتل القرّاء (3) فما رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله حزن حزناً قطّ أشد منه. (4) الحديث.
1 ـ ارشاد الساري 2 : 393.
2 ـ القنوت : الإمساك عن الكلام ؛ وقيل : الدعاء في الصلاة ، لسان العرب 2 : 73.
3 ـ والقُراء : هم الذين كانوا يتعلّمون القرآن في صفة المسجد أرسلهم النبي صلى الله عليه وآله الى أهل نجد فقتلوا في الطريق.
4 ـ ارشاد الساري 2 : 396.


(49)
    والأخبار في ذلك أكثر من أن تحصى او تستقصى.
    والقول بأنّه انّما يحسن ترتيب آثار الحزن إذا لم يتقدّم العهد بالمصيبة مدفوع بانّ من الفجائع ما لا تخبو زفراتها ولا تخمد لوعتها ، فقرب العهد بها وبعده عنها سواء.
    نعم ، يتمّ قول هؤلاء اللائمين إذا تلاشى الحزن بمرور الأزمنة ولم يكن دليل ولا مصلحة يوجبان التعبّد بترتيب آثاره ، وما أحسن قول القائل في هذا المقام :
خلي اُميمـة عن ملا ما لراقد الوسنان مثـ سهران من ألم وهـ ذوقي اُميمـة ما أذو مك ما المعزّي كالثكول ل معذّب القلب العليـل ذا نائم الليـل الطـويل ق وبعده ما شئت قولي
    على انّ في ترتيب آثار الحزن بما أصاب رسول الله صلى الله عليه وآله عن تلك الفجائع ، وحلّ بساحته من هاتيك القوارع حكماً توجب التعبّد بترتيب آثار الحزن بسببها على كلّ حال ، والأدلة على ترتيب تلك الآثار في جميع الأعصار متوفّرة وستسمع اليسير منها ان شاء الله تعالى.
    وقد علمت سيرة أهل المدينة الطيبة (1) واستمرارها على ندب حمزة وبكائه مع بعد العهد بمصيبته فلم ينكر عليهم في ذلك أحد حتى بلغني انّهم لا يزالون إلى
1 ـ مدينة رسول الله صلى الله عليه وآله ، وهي يثرب ، مساحتها نصف مكة ، وهي في حرّة سبخة الأرض ، ولها نخيل كثيرة ومياه ، والمسجد في نحو وسطها ، وقبر النبي في شرقي المسجد وللمدينة أسماء كثيرة ، منها : طيبة ويثرب والمباركة. انظر : معجم البلدان 5 : 82.

(50)
الآن إذا ناحوا على ميّت بدأوا بالنياحة عليه ، وما ذاك الامواساة لرسول الله صلى الله عليه وآله بمصيبته في عمّه ، وأداءاً لحقّ تلك الكلمة التي قالها في البعث على البكاء عليه وهي قوله : « لكنّ حمزة لا بواكي له ».
    وكان الأولى لهم ولسائر المسلمين مواساته في الحزن على أهل بيته والاقتداء به في البكاء عليهم ، وقد لام بعض أهل البيت عليهم السلام من لم يواسيهم في ذلك ، فقال : يا لله لقلب لا ينصدع لتذكار تلك الاُمور ، ويا عجباً من غفلة أهل الدهور ، وما عذر أهل الاسلام والايمان في اضاعة أقسام الأحزان ، ألم يعلموا أنّ محمدا صلى الله عليه وآله موتور وجيع ، وحبيبه مقهور صريع.
    قال وقد أصبح لحمه صلوات الله عليه مجرّداً على الرمال ، ودمه الشريف مسفوكاً بسيوف أهل الضلال : فياليت لفاطمة وأبيها عيناً تنظر إلى بناتها وبنيها ، وهم ما بين مسلوب وجريح ، ومسحوب وذبيح ... إلى آخر كلامه.
    ومن وقف على كلام أئمة أهل البيت عليهم السلام في هذا الشأن ، لا يتوقّف في ترتيب آثار الحزن عليهم مدى الدوران ، لكنّا منينا بقوم لا ينصفون ، فإنّا لله وإنّا إليه راجعون.


(51)
    ويكفي في استحبابه عموم ما دلّ على استحباب المبرّات والخيرات على انّ فعل النبي صلى الله عليه وآله وقوله ، دالان على الاستحباب في خصوص المقام ، وحسبك من فعله ، ما أخرجه البخاري ومسلم في صحيحهما (1) بطرق متعدّدة عن عائشة : ما غرت على أحد من نساء النبي صلى الله عليه وآله ما غرت على خـديجة (2) وما رأيتها ، ولكن كان النبي صلى الله عليه وآله يكثر ذكرها ، وربما ذبح الشاة ، ثمّ يقطعها أعضاء ، ثمّ يبعثها في صدائق خديجة ، فربما قلت له : كأن لم يكن في الدنيا الا خديجة ، فيقول : انّما كانت وكان لي منها ولد. (3)
1 ـ البخاري باب تزويج النبي خديجة ، مسلم : باب فضائل خديجة.
2 ـ خديجة بنت خويلد بن أسد بن عبد العزى ، من قريش ، زوج رسول الله صلى الله عليه وآله ، وكانت أسنّ منه بخمس عشرة سنة ، ولدت بمكة ، كانت ذا مال كثير وتجارة تبعث بها إلى الشام ، تستأجر الرجال ، فلمّا بلغ رسول الله صلى الله عليه وآله الخامسة والعشرين من عمره خرج في تجارة لها فعاد رابحاً ، تزوجها رسول الله صلى الله عليه وآله قبل النبوّة ، دعاها رسول الله صلى الله عليه وآله إلى الإسلام ، فكانت أول نساء هذه الامة إسلاماً ، وكانت تصلّي مع النبي صلى الله عليه وآله سرّاً ، توفيت خديجة بمكّة لثلاث سنين قبل الهجرة.
انظر : الطبقات الكبرى 8 : 7 ـ 11 ، صفة الصفوة 2 : 2 ، تاريخ الخميس 1 : 301 ، الأعلام 2 : 302.
3 ـ صحيح البخاري 4 : 231 باب تزويج النبي صلى الله عليه وآله خديجة ، وج 6 : 157 باب الغيرة.


(52)
    قلت : وهذا يدلّ على استحباب صلة أصدقاء الميّت ، وأوليائه في الله عزّ وجل بالخصوص.
    ويكفيك من قوله صلى الله عليه وآله ، ما أخرجه مسلم في باب وصول ثواب الصدقة عن الميّت إليه ، من كتاب الزكاة ، في الجزء الأول من صحيحه بطرق متعدّدة ، عن عائشة : أنّ رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال : يا رسول الله إنّ اُمّي افتلتت (1) نفسها ولم توص ، [ وأظنّها لو تكلّمت تصدّقت ] ، أفلها أجر إن تصدّقت عنها ؟
    قال : نعم (2).
    ومثله : ما أخرجه أحمد من حديث عبد الله بن عباس في ص 333 من الجزء الأول من مسنده ، من انّ سعد بن عبادة قال : انّ ابن بكر أخا بني ساعدة توفّيت أمّه وهو غائب عنها ، فقال : يا رسول الله انّ اُمّي توفّيت ، وأن غائب عنها ، فهل ينفعها إن تصدّقت بشيء عنها ؟
    قال : نعم.
    قال : فإنّي أشهدك انّ حائط المخرف صدقة عليها (3).
    والأخبار في ذلك متضافرة ، ولا سيّما من طريق العترة الطاهرة. (4)
1 ـ افتلتت ـ بالفاء ـ ، ونفسها ـ بالضم ـ نائب فاعل ، أو ـ بالنصب ـ مفعول به ؛ أي : ماتت فجأة.
2 ـ شرح النووي لصحيح مسلم ـ بهامش ارشاد الساري ـ 4 : 377.
3 ـ مسند أحمد 1 : 33.
4 ـ قال رحمه الله : وربّما كان المنكر عليه فيما تفعله من المبرات عن الحسين عليه السلام ، لا ، يقنع بأقوال النبي صلى الله عليه وآله ولا بأفعاله ، وانّما تقنعه أفعال سلفه وأفعالهم ، وحينئذ نحتجّ


(53)
    كلّ من وقف على ما سلف من هذه المقدّمة ، يعلم أنّه لا وجه للانكار علينا في مآتمنا المخصّة بسيد الشهداء عليه السلام ، ضرورة انّه لا تشتمل الافي تلك المطالب الخمسة ، وقد عرفت اباحتها بالنسبة إلى مطلق الموتى من كافة المؤمنين وما أدري ، كيف يستنكرون مآتم انعقدت لمواساة النبي صلى الله عليه وآله وأسّست على الحزن لحزنه ؟ أيبكي بأبي هو واُمّي قبل الفاجعة ، ونحن لا نبكي بعدها ؟ ما هذا شأن المتأسّي بنبيّه ، والمقتصّ لأثره ، إنّ هذا الاخروج عن قواعد المتأسّين ، بل عدول عن سنن النبيّين.
    ألم يرو الامام أحمد بن حنبل من حديث عليّ عليه السلام ، في ص 85 من الجزء الأول من مسنده بالاسناد إلى عبد الله بن نجا ، عن أبيه انّه سار مع عليّ عليه السلام ، فلمّا حاذى نينوى وهو منطلق إلى صفّين نادى : صبراً أبا عبد الله ، صبراً أبا عبد الله بشطّ الفرات.
    قال : قلت : وما ذاك ؟
    قال : دخلت على رسول الله صلى الله عليه وآله ذات يوم وعيناه تفيضان ، قلت : يا نبي الله ، اغضبك أحد ، ما شأن عينيك تفيضان ؟
عليه بما فعله الوليد بن عقبة بن أبي معيط الأموي ، إذ مات لبيد بن ربيعة العامري الشاعر ، فبعث الوليد إلى منزله عشرين جزوراً ، فنحرت عنه ، كما نصّ عليه ابن عبد البر ، في ترجمة لبيد من الاستيعاب.

(54)
    قال : قام من عندي جبرئيل قبل ، فحدّثني إنّ الحسين يقتل بشط الفرات.
    قال : فقال : هل لك إلى أن أشمّك من تربته ؟
    قال : قلت : نعم ، فمدّ يده ، فقبض قبضة من تراب ، فأعطانيها ، فلم أملك عيني إن فاضتا (1).
    وأخرج ابن سعد ، كما في الفصل الثالث من الباب الحادي عشر من الصواعق المحرقة لابن حجر ، عن الشعبي قال : مرّ عليّ رضي الله عنه بكربلاء (2) عند مسيره إلى صفّين وحاذى نينوى ، فوقف وسال عن اسم الأرض ؛ فقيل : كربلاء ، فبكى حتى بلّ الأرض من دموعه.
    ثم قال : دخلت على رسول الله صلى الله عليه وآله وهو يبكي فقلت : ما يبكيك ( بأبي أنت وأمي ) ؟
    قال : كان عندي جبرئيل آنفاً ، وأخبرني أنّ ولدي الحسين يقتل بشاطئ الفرات ، بموضع يقال له : كربلاء ... (3). الحديث.
    وأخرج الملأ ( كما في الصواعق أيضاً ) انّ علياً مرّ بموضع قبر الحسين عليه السلام فقال : ها هنا مناخ ركابهم ، وها هنا موضع رحالهم ، وها هنا مهراق دمائهم ، فتية من آل محمد ، يقتلون بهذه العرصة ، تبكي عليهم السماء
1 ـ مسند أحمد 4 : 242.
2 ـ كربلاء ـ بالمدّ ـ : الموضع الذي قتل فيه الحسين عليه السلام في طرف البرية عند الكوفة.
روي : أنّه عليه السلام اشترى النواحي التي فهيا قبره من أهل نينوى والغاضرية بستّين ألف درهم ، وتصدّق بها عليهم ، وشرط عليهم أن يرشدوا إلى قبره ويضيّفوا من زاره ثلاثة أيام. انظر : معجم البلدان 4 : 249 ، مجمع البحرين 5 : 641 ـ 642.
3 ـ الصواعق المحرقة : 193.


(55)
والأرض (1). انتهى.
    ومن حديث امّ سلمة (2) قالت : كان عندي النبي صلى الله عليه وآله ومعي الحسين ، فدنا من النبي صلى الله عليه وآله فأخذته ، فبكى فتركته ، فدنا منه ، فأخذته فبكى فتركته ، فقال له جبرئيل : أتحبّه يا محمد ؟!
    قال : نعم.
    قال : أما إنّ اُمّتك ، ستقتله وان شئت أريتك من تربة الأرض التي يقتل بها ، [ فبسط جناحيه ، فأراه منها ، ] فبكى النبي صلى الله عليه وآله وسلم (3).
    وروى الماوردي الشافعي ، في باب انذار النبي صلى الله عليه وآله بما سيحدث بعده ، من كتابه ( أعلام النبوّة ) عن عروة ، عن عائشة ، قالت : دخل الحسين بن علي على رسول الله صلى الله عليه وآله وهو يوحى إليه ، فقال
1 ـ قال رحمه الله : وهذا الحديث رواه أصحابنا ، بكيفية مشجية ، عن الباقر عليه الصلاة والسلام ، ورووه عن هرثمة ، وعن ابن عباس ، وان أردت الوقوف عليه ، فدونك ص 108 وما بعدها إلى ص 112 من الخصائص الحسينية.
2 ـ قال رحمه الله : كما نص عليه ابن عبد ربّه المالكي ، حيث ذكر مقتل الحسين في الجزء الثاني من العقد الفريد.
3 ـ العقد الفريد 5 : 132.
وللاطّلاع أكثر على روايات امّ سلمة في هذا الموضوع انظر : مجمع الزوائد 9 : 190 ، الخصائص الكبرى 2 : 124 ، الصراط السوي للشيخاني المدني : 91 ، جوهرة الكلام : 118 ، ذخائر العقبى : 147 ، طرح التثريب للحافظ العراقي 1 : 42 ، المواهب اللدنية 2 : 195 ، نظم الدرر : 215. مسند أحمد 3 : 242 و 265 ، دلائل النبوة لأبي نعيم 3 : 202 ، مختصر التذكرة للقرطبي : 119 ، الصواعق المحرقة : 115 ، ضوء الشمس 1 : 97 ، كنز العمّال 6 : 221 ، جوهرة الكلام : 117 ، شرح بهجة المحافل لعماد الدين العامري 2 : 236 ، مقتل الحسين للخوارزمي 1 : 162.


(56)
جبرئيل : انّ اُمّتك ستفتتن بعدك وتقتل ابنك هذا من بعدك ، ومدّ يده فأتاه بتربة بيضاء ، وقال في هذه يقتل ابنك اسمها الطف ، قال : فلمّا ذهب جبرئيل ، خرج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى أصحابه والتربة بيده ، وفيهم : أبو بكر ، وعمر ، وعليّ ، وحذيفة (1) ، وعثمان (2) ، وأبو ذر ، وهو يبكي فقالوا : ما يبكيـك يا رسول الله ؟!
    فقال : أخبرني جبرئيل : إنّ ابني الحسين يقتل بعدي بأرض الطف ، وجاءني بهذه التربة ، فأخبرني إنّ فيها مضجعه. (3)
1 ـ حذيفة بن اليمان ، من أصحاب الرسول صلى الله عليه وآله ، وكان من المنقطعين إلى أمير المؤمنين عليه السلام والعارفين بحقّه.
روى الحاكم في المستدرك ( 3 : 428 ح 5626 ) ... قال : لمّا حضر حذيفة الموت وكان قد عاش بعد عثمان أربعين ليلة قال لنا : أوصيكم بتقوى الله والطاعة لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام.
2 ـ في المصدر : وعمّار.
3 ـ أعلام النبوّة : 83 ، وانظر : كامل الزيارات : 61 ، أمالي الطوسي 1 : 321 ـ 324 ، المنتخب للطريحي : 63 و 88 ، تاريخ مدينة دمشق لابن عساكر ـ ترجمة الإمام الحسين ـ : 167 و 183 ، تاريخ أبي الفداء 2 : 48 ، أخبار النحويين للسيرافي : 89 ـ 93 ، الكامل لابن الأثير 5 : 364 ، تاريخ ابن كثير 11 : 29 ـ 30 ، تذكرة الحفّاظ للذهبي 2 : 164.
أقول : ولا بدّ أن يكون الصحابة لمّا رأوا رسول الله صلى الله عليه وآله يبكي لقتل ولده وتربته بيده ، وأخبرهم بما أخبره به جبرئيل من قتله ، وأراهم تربته التي جاء بها جبرئيل ، أخذتهم الرقّة الشديدة ، فبكوا لبكائه ، وواسوه في الحزن على ولده ، فإنّ ذلك ممّا يبعث على أشد الحزن والبكاء لو كانت هذه الواقعة مع غير النبي صلى الله عليه وآله والصحابة فكيف بهم معه ؟! والظاهر انّ هذا أول مأتم أقيم على الحسين عليه السلام يشبه مآتمنا التي تقام عليه ، وكان الذاكر فيه للمصيبة رسول الله صلى الله عليه وآله ، والمستمعون أصحابه.


(57)
    أخرج الترمذي (1) ـ كما في الصواعق وغيرها : ـ إنّ امّ سلمة رأت النبي صلى الله عليه وآله وسلم ( فيما يراه النائم ) باكياً ، وبرأسه ولحيته التراب فسألته ، فقال : قتل الحسين آنفاً.
    قال في الصواعق : وكذلك رآه ابن عباس نصف النهار ، أشعث أغبر ، بيده قارورة ، فيها دم يلتقطه فسأله ، فقال : دم الحسين وأصحابه ، لم أزل أتتّعه منذ اليوم.
    قال : فنظروا فوجدوه قد قتل في ذلك اليوم. (2)
    وأمّا صحاحنا فإنّها متواترة في بكائه صلى الله عليه وآله ، على الحسين عليه السلام في مقامات عديدة ، يوم ولادته وقبلها (3) ، ويوم السابع من مولده (4) ، وبعده في بيت فاطمة (5) ، وفي حجرته (6) ، وعلى منبره (7) ، وفي بعض أسفاره (8) ، تارة يبكيه وحده يقبّله في نحره ، ويبكي ، ويقبّله في شفتيه
1 ـ سنن الترمذي 13 : 193.
2 ـ الصواعق المحرقة : 193.
3 ـ انظر : ذخائر العقبى : 119 ، مقتل الحسين للخوارزمي 1 : 87 ، الفصول المهمّة لابن الصبّاغ : 154 ، الخصائص الكبرى للسيوطي 2 : 125.
4 ـ انظر : المستدرك الصحيح 3 : 176 ، دلائل النبوة 1 : 213 ، الصواعق المحرقة : 115 ، الخصائص الكبرى 2 : 125 ، الفصول المهمّة 154 ، كنز العمّال 6 : 223.
5 ـ انظر : مقتل الخوارزمي 1 : 163 ، ذخائر العقبى 149 ، الصراط السوي للشيخاني المدني : 93.
6 ـ انظر : مجمع الزوائد 9 : 190 ، الخصائص الكبرى 2 : 124 ، الصراط السوي للشيخاني المدني : 91 ، جوهرة الكلام : 118.
7 ـ انظر : مسند احمد 3 : 242 ، و 265 ، دلائل النبوة لأبي نعيم 3 : 202 ، طرح التثريب 1 : 41 ، مجمع الزوائد 9 : 187 و 190.
8 ـ انظر : مختصر التذكرة للقرطبي : 119 ، الصواعق المحرقة : 115 ، نظم الدرر : 217 ، ضوء الشمس 1 :


(58)
ويبكي ، وإذا رآه فرحاً يبكي ، وإذا رآه حزناً يبكي ، بل صحّ انّه قد بكاه آدم ، ونوح ، وإبراهيم ، وإسماعيل ، وموسى ، وعيسى ، وزكريا ، ويحيى ، والخضر ، وسليمان عليهم السلام ، وتفصيل ذلك كلّه موكول إلى مظانه من كتب الحديث.
    وأمّا أئمّة العترة الطاهرة الذين هم كسفينة نوح (1) ، وباب حطّة (2) ، وأمان أهل الأرض (3) ، وأحد الثقلين (4) اللذين لا يضلّ من تمسّك بهما ، ولا يهتدي
97 ، المواهب للحافظ القسطلاني 2 : 195 ، الخصائص الكبرى 2 : 125 ، كنز العمّال 6 : 221 ، جوهرة الكلام : 117 ، شرح بهجة المحافل لعماد الدين العامري 2 : 236 ، مقتل الحسين للخوارزمي 1 : 162.
1 ـ مجمع الزوائد 9 : 168 ، الصواعق المحرقة : 152 ، تلخيص المستدرك للذهبي : 235 ، ينابيع المودّة : 30 ، الصواعق المحرقة : 184 و 234 ، اسعاف الراغبين : 109 ، فرائد السمطين 2 : 246 ح 519 ، كفاية الطالب : 378 ، المعجم الصغير 2 : 22 ، حلية الأولياء 4 : 306 ، ذخائر العقبى : 20.
2 ـ صحيح مسلم 2 : 261 ، مجمع الزوائد 9 : 168 ، الصواعق المحرقة : 152 ، نظم الدرر : 232 ، ذخائر العقبى : 17 ، الاصابة 2 : 152.
3 ـ الصواعق المحرقة : 91 ، منتخب كنز العمّال ـ بهامش مسند أحمد ـ 5 : 93 ، ينابيع المودّة : 298 ، جواهر البحار 1 : 361 ، ذخائر العقبى : 17 ، نظم الدرر : 112 ، الجامع الصغير 2 : 161 ، الفتح الكبير 3 : 267 ، اسعاف الراغبين : 128 ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 3 : 451.
4 ـ حديث الثقلين من الأحاديث المتواترة وقد أخرجه علماء السنّة في كتبهم من الصحاح والسنن منها : مسند أحمد بن حنبل 3 : 14 و 17 وج 4 : 26 و 59 وج 5 : 182 و 189 ، صحيح مسلم 4 : 1874 ح 37 ، سنن الترمذي 2 : 307 ، خصائص النسائي : 30 ، ينابيع المودة : ب 4 ص 30 ، فرائد السمطين 2 : 142 ح 436 ـ 441 ، الصواعق المحرقة لابن حجر : 149 و 228 ، مصابيح السنّة 2 : 278 ، نظم الدرر : 231 ، تفسير الخازن 1 : 40 ، تفسير ابن كثير 4 : 113 ، مشكاة المصابيح 3 : 255 ، اسعاف الراغبين : 100 ، السيرة النبويّة لأحمد زيني دحلان المطبوع بهامش السيرة الحلبيّة 3 : 330 ، مناقب الإمام علي لابن المغازلي : 236 ح 284 ، الاتحاف بحبّ الأشراف : 6 ، ذخائر العقبى : 16 ، كفاية الطالب : 53 ، بحار الأنوار للمجلسي 23 : 108 ح 11 و 12 وص 134 ح 72 ، وص 147 ح 109.


(59)
إلى الله من صدّ عنهما فقد استمرت سيرتهم على الندوب والعويل ، وأمروا أوليائهم بإقامة مآتم الحزن ، جيلاً بعد جيل ، فعن الصادق عليه السلام ( فيما رواه ابن قولويه في الكامل ، وابن شهراشوب في المناقب وغيرهما ) انّ عليّ بن الحسين عليهما السلام ، بكى على أبيه مدّة حياته ، وما وضع بين يديه طعام الابكى ، ولا اُتي بشراب الابكى ، حتى قال له أحد مواليه : جعلت فداك ، يا ابن رسول الله إنّي أخاف أن تكون من الهالكين ، قال عليه السلام : « إنّما أشكو بثّي وحزني إلى الله وأعلم من الله ما لا تعلمون » (1) [ إنّي لم اذكر مصرع بني فاطمة الاخنقتني العبرة ]. (2)
    وروى ابن قولويه ، وابن شهراشوب ايضاً ، وغيرهما أنّه لمّا كثر بكاؤه ، قال له مولاه : أما آن لحزنك أن ينقضي ؟
    فقال له : ويحك ، إنّ يعقوب النبي عليه السلام كان له اثنا عشر ولداً ، فغيّب الله واحداً منهم ، فابيضّت عيناه من كثرة بكائه ، واحدودب ظهره من الغمّ ، وابنه حي في الدنيا ، وأنا نظرت إلى أبي وأخي وعمومتي وسبعة عشر من أهل بيتي مقتولين حولي ، فكيف ينقضي حزني ؟! (3)
    وعن الباقر عليه السلام قال : كان أبي ( علي بن الحسين صلوات الله عليه ) يقول : أيّما مؤمن دمعت عيناه لقتل الحسين بن علي عليه السلام دمعة حتى تسيل على خدّه ، بوّأه الله [ بها ] في الجنّة غرفاً يسكنها أحقاباً.
1 ـ سورة يوسف : 86.
2 ـ كامل الزيارات : 107 ح 1 ، المناقب لابن شهراشوب 4 : 60.
3 ـ كامل الزيارات : 107 ح 1 ، المناقب لابن شهراشوب 4 : 62 ، بحار الأنوار 45 : 227.


(60)
    وأيّما مؤمن دمعت عيناه حتى تسيل على خده فينا ، لأذى مسّنا من عدوّنا في الدنيا بوّأه الله في الجنّة مبوأ صدق.
    وأيّما مؤمن مسّه أذى فينا ، فدمعت عيناه حتى تسيل على خده ، صرف الله عن وجهه الأذى ، وآمنه يوم القيامة من سخطه والنار. (1)
    وقال الرضا ( وهو الثامن من أئمة الهدى ، صلوات الله وسلامه عليهم ) :
    إنّ المحرّم شهر كان أهل الجاهلية يحرّمون فيه القتال ، فاستحلّت فيه دماؤنا ، وهتكت فيه حرمتنا ، وسبيت فيه ذرارينا ونساؤنا ، واُضرمت فيه النار في مضاربنا ، وانتهب ما فيها من ثَقلنا (2) ، ولم ترع لرسول الله صلى الله عليه وآله حرمة في أمرنا.
    انّ يوم الحسين أقرح جفوننا ، وأسبل دموعنا ، وأذلّ عزيزنا [ بأرض كرب وبلاء ، وأورثنا الكرب والبلاء إلى يوم الانقضاء ، ] فعلى مثل الحسين فليبك الباكون ، فإنّ البكاء عليه يحطّ الذنوب العظام.
    ثم قال عليه السلام : كان أبي إذا دخل شهر المحرّم لا يُرى ضاحكاً ، وكانت الكآبة تغلب عليه [ حتى تمضي عشرة أيّام منه ، ] فإذا كان يوم العاشر ان ذلك اليوم يوم مصيبته وحزنه وبكائه ، [ ويقول : هو اليوم الذي قُتل فيه الحسين عليه السلام ]. (3)
1 ـ تفسير القمي 2 : 291 ، كامل الزيارات : 100 ح 1 ، ثواب الأعمال : 108 ح 1.
2 ـ الثقل : متاع السفر ، وكلّ شيء نفيس مصون.
3 ـ أمالي الصدوق : 111 ح 2 ، بحار الأنوار 44 : 283 ح 17.
المجالس الفاخرة في مآتم العترة الطاهرة ::: فهرس