بحوث في الملل والنحل ـ الجزء الرابع ::: 111 ـ 120
(111)
رسول اللّه بالمدينة ، فقال : تبّاً لهم ، إنهم يطوفون بأعودا ورمّة بالية. هلا طافوا بقصر أميرالمؤمنين عبدالملك؟ ألا يعلمون أنّ خليفة المرء خير من رسوله؟ (1).
    هذا بعض ما يمكن أن يقال حول التبرك ، ومن أراد التفصيل والتبسط فليرجع إلى كتاب « التبرك » فقد بلغ الغاية في ذلك المجال.
    هذا وقع عقد العلامة الأميني فصلا أسماه « التبرك بالقبر الشريف بالتزام وتمريغ وتقبيل » وذكر هناك نصوصاً كثيرآ تحكي عن جريان السيرة على التبرك بالقبر الشريف ، فمن أراد فليرجع إلى الجزء الخامس : ص 146 ـ 164.
1 ـ شرح نهج البلاغة ج 15 ص 242.

(112)

(113)
عقائد ابن تيمية
عقائده و آراؤه
    إنّ الآراء والمعتقدات ، مقياس شخصية الإنسان ، ومستوى عقليته وثقافته ، كما أنّ ما يمت منها الى الإسلام بصلة ، مقياس عرفانه بالكتاب والسنة ، وسلامة ذوقه وصفاء ذهنه ، وقد حان تقييم شخصية ابن تيمية عن طريق عرض آرائه على المصادر الإسلامية ، ليعلم مدى صحتها وانطباقها على المصدرين وحدّ سلامة ذوقه وصفاء ذهنه في مقام الاستضاءة بهما ، وإليك البيان :


(114)
(1)
ابن تيمية ورأيه في الصفات الخبرية
(1)
    إنّ المحنة الأُولى لابن تيمية بدأت ممّا نشره باسم « العقيدة الحموية » حيث أجاب فيها عن سؤال أهل « حماه » في آيات الصفات ، مثل قوله : ( الرَّحمنُ عَلى العَرْشِ استوى ) وقوله : ( ثُمّ اسْتَوَى إلى السّماءِ ) ، وأحاديث الصفات ، كقوله ( صلَّى الله عليه وآله وسلم ) : « إنّ قلوب بني آدم بين إصبعين من اصابع الرحمن » ، وقوله : « يضع الجبار قدمه في النار » بما هذا نصه :
     « فهذا كتاب اللّه من أوله إلى آخره ، وسنة رسوله ( صلَّى الله عليه وآله وسلم ) من أولها إلى آخرها ، ثم عامة كلام الصحابة والتابعين ، ثم كلام سائر الائمة مملوء بما هو إمّا نص وإمّا ظاهر في أنّ اللّه سبحانه وتعالى فوق كل شيء ، وعلى كل شيء ، وأنّه فوق السماء ، مثل قوله : ( إلَيْهِ يَصْعَدُ الكَلِمُ الطَّيّبُ ، وَ العَمَلُ الصّالِحُ يَرْفَعُهُ ) ، ( إنّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلىَّ ) ، ( أمِنْتُم مَنْ فِي السّماءِ أنْ يَخسِفَ بِكُمُ الأرْضَ ... ) ، ( أمِنْتُم مَنْ في السّماءِ أنْ يُرسِلَ عَلَيْكُم حَاصباً ... ) ، ( بَلْ رَفَعَهُ اللّهُ إليْهِ ... ) ( إلَيْهِ تَعْرُجُ ... وَالرُّوحُ ... ) ( يَخَافُونَ رَبَّهم مِنْ فَوْقِهِم ... ) ( ثُمَّ استَوى عَلى العَرْشِ ) (في ستة مواضع ) . ( الرّحمنُ عَلَى العَرْشِ استَوى ) ، ( يا هَامَانُ ابْنِ لي صَرْحاً لَعَلّي أبْلُغُ الأسبابَ ، أسْبَابَ السَّمواتِ ، فأطَّلِعَ إلى إله
1 ـ الصفات الخبرية ، هي الصفات الّتي أخبر عنها القرآن والسنة ، مقابل ما يدل عليه العقل كالعلم والقدرة.

(115)
موسى وَ إنِّي لاَظُنّهُ كاذِباً ... ) ، ( تَنزيلٌ مِنْ حكيم حميد ) ، ( مُنَزّلٌ مِنْ رَبِّك ) إلى أمثال ذلك مما لا يكاد يحصى إلاّ بكلفة .
    وفي الأحاديث الصحاح والحسان ما لا يحصى ، مثل قصة معراج الرسول ( صلَّى الله عليه وآله وسلم ) إلى ربّه ، ونزول الملائكة من عنداللّه وصعودهم إليه ، وقوله في الملائكة : « الذين يتعاقبون بالليل والنهار ، فيعرج الذين باتوا فيكم إلى ربهم ، فيسألهم وهو أعلم بهم » ، وفي الصحيح في حديث الخوارج : « ألا تأمنوني وأنا أمين من في السماء ، يأتيني خبر السماء صباحاً ومساء » وفي حديث الرقية الّذي رواه أبو داود وغيره : « ربنا اللّه الّذي في السماء تقدس اسمك. أمرك في السماء كما رحمتك في السماء ، اجعل رحمتك في الأرض. اغفر لنا حوبنا وخطايانا ، أنت ربّ الطيبين » ، وقال ( صلَّى الله عليه وآله وسلم ) : « إذا اشتكى أحد منكم أو اشتكى أخ من إخوانه فليقل : « ربنا اللّه الّذي في السماء ذكره » ، وقوله في حديث الأعمال : « والعرش فوق ذلك ، واللّه فوق عرشه ، وهو يعلم ما أنتم عليه » وقوله في حديث قبض الروح : « حتّى يعرج به إلى السماء الّتي فيها اللّه ».
    وقول عبداللّه بن رواحة الّذي أنشده للنبي وأقره عليه :
شهدت بأنّ وعد اللّه حقٌ وأنّ العرش فوق الماء طاف وأنّ النار مثوى الكافرينا وفوق العرش ربّ العالمينا
    وقول أُمية بن أبي الصلت الّذي أنشده للنبي ، فاستحسنه ، وقال : آمن شعره وكفر قلبه.
مجّدوا اللّه فهو للمجد أهل بالبناء الأعلى الّذي سبق النا شرجعاً (1) ما يناله بصر الـ ربّنا في السماء أمسى كبيراً س وسوىّ فوق السماء سريرا ـعين ترى دونه الملائك صوراً (2)
    إلى أمثال ذلك مما لا يحصيه إلاّ اللّه ، مما هو من أبلغ التواترات اللفظية والمعنوية الّتي تورث علماً يقينياً من أبلغ العلوم الضرورية ، إنّ الرسول المبلغ
1 ـ الشرجع : الطويل .
    2 ـ الصور ، جمع أصور : المائل العنق.


(116)
عن اللّه ألقى إلى أُمته المدعوين : أنّ اللّه سبحانه على العرش استوى وأنّه فوق السماء ، كما فطر اللّه على ذلك جميع الأُمم عربهم وعجمهم في الجاهلية والإسلام ، إلاّ من اجتالته الشياطين عن فطرته .
    ثم عن السلف في ذلك من الأقوال ما لو جمع لبلغ مئين أو أُلوفاً ، ثم ليس في كتاب اللّه ولا في سنة رسول اللّه ، ولا عن أحد من سلف الأُمة ولا من الصحابة والتابعين ، ولا عن الأئمة الذين أدركوا زمن الأهواء والاختلاف ، حرف واحد يخالف ذلك لا نصاً ولا ظاهراً ، ولم يقل أحد منهم قط إنّ اللّه ليس في السماء ولا أنه ليس على العرش ، ولا أنه ليس في كل مكان ، ولا أن جميع الأمكنة بالنسبة إليه سواء ، ولا أنه لا داخل العالم ولا خارجه ، ولا متصل ولا منفصل ، ولا أنه لا تجوز الإشارة الحسية إليه بالأصابع ونحوها ، بل قد ثبت في الصحيح عن جابر أن النبي لما خطب خطبته العظيمة يوم عرفات ، في أعظم مجمع حضره رسول اللّه ، جعل يقول : ألا هل بلّغت؟ فيقولون : نعم ، فيرفع إصبعه إلى السماء وينكبها إليهم فيقول : اللّهمّ اشهد ، غير مرة ، وأمثال ذلك كثيرة (1).
    وقد كرر ابن تيمية ما اختاره في باب الصفات الخبرية في غير واحد من آثاره ، فقال في العقيدة الواسطية : « وما وصف الرسول به ربه من الأحاديث الصحاح الّتي تلقّاها أهل المعرفة بالقبول وجب الإيمان بها ، كذلك مثل قوله : « ينزل ربنا إلى سماء الدنيا كل ليلة ، حين يبقى ثلث الليل الآخر فيقول : « من يدعوني فأستجيب له؟ من يسألني فأعطيه؟ من يستغفرني فأغفر له » وقوله ( صلَّى الله عليه وآله وسلم ) : « يضحك اللّه إلى رجلين أحدهما يقتل الآخر ، كلاهما يدخل الجنة ».
    وقوله : « لا تزال جهنم يلقى فيها وتقول هل من مزيد؟ حتّى يضع رب العزة فيها قدمه » وقوله ( صلَّى الله عليه وآله وسلم ) في رقية المريض : « ربنا اللّه الّذي في السماء ـ تقدس اسمك ـ أمرك في السماء والأرض ... ».
1 ـ العقيدة الحموية الكبرى ـ الرسالة الحادية عشرة ـ من مجموع الرسائل الكبرى لابن تيمية ص 429 ـ 432.

(117)
    وقوله : « والعرش فوق ذلك ، واللّه فوق ذلك ، واللّه فوق عرشه ، وهو يعلم ما أنتم عليه » وقوله ( صلَّى الله عليه وآله وسلم ) للجارية : « أين اللّه؟ قالت : في السماء ، قال : من أنا؟ قالت : أنت رسول اللّه. قال : أعتقها فأنها مؤمنة » وقوله : « إذا قام أحدكم إلى الصلاة فإنّ الله قِبَلَ وجهه ، فلا يبصق قبل وجهه ولا عن يمينه ، ولكن عن يساره أو تحت قدمه » ، وقوله : « إنكم سترون ربكم كما ترون القمر ليلة البدر لا تضامون في رؤيته ».
    وقد دخل فيما ذكرناه من الإيمان باللّه ، الإيمان بما أخبر اللّه به في كتابه ، وتواتر عن رسوله ، وأجمع عليه سلف الأُمة من أنّه سبحانه فوق سماواته على عرشه ، علىٌّ على خلقه ، وهو معهم سبحانه أينما كانوا » (1).
    وقال : « وقد سألوه ( صلَّى الله عليه وآله وسلم ) : هل نرى ربنا يوم القيامة؟ فأجابهم : نعم ، وسأله أبو رزين : أيضحك ربنا؟ فقال ( صلَّى الله عليه وآله وسلم ) : نعم ، فقال : لن نعدم من رب يضحك خيراً. ثم إنهم لما سألوه عن الرؤية ، قال : إنكم سترون ربكم كما ترون الشمس والقمر ، فشبه الرؤية بالرؤية (2).
    وقال رداً على نُفاة الصفات (3) : إمّا أن يكون اللّه يحب منّا أن نعتقد قول النفاة ، أو نعتقد قول أهل الإثبات ، أو نعتقد واحداً منهما; فإن كان مطلوبه منّا اعتقاد قول النفاة ، وهو أنّه لا داخل العالم ولا خارجه ، وأنّه ليس فوق السماوات ربُّ ولا على العرش إله ، وأنّ محمداً لم يعرج به إلى اللّه ، وإنما عرج به إلى السماوات فقط ، لا إلى اللّه ، فإنّ الملائكة لا تعرج إلى اللّه بل إلى ملكوته ، وإنّ اللّه لا ينزل منه شيء ولا يصعد إليه شيء ، وأمثال ذلك. وإن كانوا يعبّرون عن ذلك بعبارات مبتدعة فيها إجمال وإبهام وإيهام ، كقولهم : ليس بمتحيز ، ولا جسم ، ولا جوهر ، ولا هو في جهة ، ولا مكان ، وأمثال هذه
1 ـ العقيدة الواسطية ، الرسالة التاسعة ، من مجموع الرسائل الكبرى ، ص 398 ـ 400 بتلخيص.
2 ـ مجموعة الرسائل والمسائل ج 1 ص 203 ، طبع لجنة التراث العربي.
3 ـ المراد : الصفات الخبرية كاليد والوجه.


(118)
العبارات الّتي تفهم منها العامة تنزيه الرب تعالى عن النقائص ، ومقصدهم أنّه ليس فوق السماوات ربّ ولا على العرش إله يعبد ، ولا عُرج بالرسول إلى اللّه ، ولو كان هذا هو المطلوب كان من المعلوم أنه لا بد أن يبينه الرسول ، وقد علم بالاضطرار أنّ الرسول وأصحابه لم يتكلموا بمذهب النفاة (1).
    وقال : « إنّ المالكية وغير المالكية نقلوا عن مالك أنّه قال : اللّه في السماء ، وعلمه في كل مكان ، ولأنّ علماءهم حكموا إجماع السنة والجماعة على أنّ اللّه بذاته فوق عرشه » (2).
    وقال ـ نقلا عن ابن أبي حنيفة ـ « أنّه سئل عمن يقول : لا أعرف ربّي في السماء أو في الأرض؟ قال : كفر ، لأنّ اللّه يقول : ( الرَّحمن على العرش استوى ) وعرشه فوق سبع سماواته ، فقال السائل : إنّه يقول على العرش ، ولكن لا أدري العرش في السماء أو في الأرض؟ فقال : إنّه إذا أنكر أنّه في السماء كفر ، لأنّه تعالى في أعلى عليين ، وإنّه ليدعى من أعلى لا من أسفل (3).
    ونقل عن عبداللّه بن المبارك أنّه سئل : بماذا تعرف ربنا؟ قال : بأنّه فوق سماواته على عرشه ، بائن عن خلقه قلت بحد لا يعلمه غيره. ثم نقل عن كثير من أئمة الحديث كالثوري ، ومالك ، وابن عيينة ، وحماد بن سلمة ، وحماد بن زيد ، وابن المبارك ، وفضيل بن عياض ، وأحمد ، وإسحاق ، عن كون اللّه سبحانه فوق العرش بذاته ، وأنّ علمه بكل مكان (4).
    إلى غير ذلك مما نقله وأرسله على نسق واحد ، والكل يهدف إلى أن الصفات الخبرية يجب أن تجري على اللّه سبحانه بحرفيتها وظهورها التصوري ، من دون تفصيل وتأويل ، بإرجاعها إلى المعاني المجازية أو الكنائية.
1 ـ مجموعة الرسائل والمسائل ج 1 ص 203.
2 ـ مجموعة الرسائل والمسائل ج 1 ص 203.
3 ـ مجموعة الرسائل والمسائل ج 1 ص 207.
4 ـ مجموعة الرسائل والمسائل ج 1 ص 208 ـ 209.


(119)
الآراء المتضاربة حول الصفات الخبرية
    إنّ للمتكلمين وأهل الحديث في تفسير الصفات الخبرية مذاهب نشير إليها :
    1 ـ جريها على اللّه سبحانه كجريها على المخلوقين ، وهذا ما يعبّر عنه بالتكييف ، وعليه المجسمة وأصحاب الجهة والتشبيه ـ خذلهم اللّه سبحانه ـ وهو يستلزم أن يكون سبحانه جسماً ، أو جسمانياً جالساً على كرسي جسماني ، ناظراً من عرشه إلى تحته كنظر الملك الجبار إلى عبيده وغلمانه.
    2 ـ جريها على اللّه سبحانه بنفس المفاهيم اللغوية والمعاني الابتدائية ، والمدلولات التصوّرية ، بلا تصرف وتعليل وتدخّل فيها ، واللّه سبحانه يتّصف بها لكن بلا تكليف ، والفرق بين هذا القول و القول الأوّل هوأنّ القول الأوّل يثبت المعاني مع الكيفية ، وهذا القول يثبتها بنفس المعاني لكن بلا تكييف ، وهذا هو الّذي اختاره ابن تيمية ، ويذكر ذلك في رسائله ويقول : « والقول الفاصل هو ما عليه الأُمة الوسط من أنّ اللّه مستو على عرشه استواءً يليق بجلاله ويختص به ، فكما أنّه موصوف بأنّه بكل شيء عليم ، وعلى كل شيء قدير ، وأنّه سميع بصير ، ولا يجوز أن نثبت للعلم والقدرة خصائص الأعراض الّتي لعلم المخلوقين وقدرتهم ، فكذلك هو سبحانه فوق العرش ، ولا نثبت لفوقيته خصائص فوقية المخلوق على المخلوق ، ولوازمها » (1).
    ويقول ايضاً : « ومذهب السلف بين التعطيل والتمثيل ، فلا يمثلون صفات اللّه بصفات خلقه ، كما لا يمثلون ذاته بذات خلقه ، ولا ينفون عنه ما وصف به نفسه أو وصفه به رسوله ، فيعطّلون أسماءه الحسنى يحرّفون الكلم عن مواضعه. أمّا المعطّلون ، فإنهم لم يفهموا من أسماء اللّه وصفاته إلاّ ما هو اللائق بالمخلوق ، ثم شرعوا في نفي تلك المفهومات ، فقد جمعوا بين التمثيل والتعطيل ، مثلوا أولا وعطلوا آخراً ، وهذا تشبيه وتمثيل منهم للمفهوم من أسمائه وصفاته ، بالمفهوم من أسماء خلقه وصفاتهم ، وتعطيل لما يستحقه هو سبحانه من الأسماء والصفات اللائقة باللّه سبحانه » (2).
1 ـ العقيدة الحموية ص 428 ـ 440.
2 ـ المصدر نفسه.


(120)
    3 ـ جريها على اللّه سبحانه بمفاهيمها التصديقية ، بعد الإمعان في القرائن الموجودة في نفس الآيات والروايات الصحيحة وأمّا غيرهما ، فأكثر ما ورد في ذلك من وضع الأحبار والرهبان الذين دسّوا هذه الأحاديث بين المسلمين بخداع خاص.
    وعلى ضوء ذلك فالكل قائلون باستوائه على العرش ، لكن الطائفة الأُولى يفسرونه بالجلوس والاستقرار على العرش كاستقرار الإنسان على عرشه ، الّذي له قوائم أربع.
    والطائفة الثانية يفسرونه بنفس هذه المفاهيم ، ولكن يقولون : استقراراً وجلوساً لائقاً بحاله سبحانه ، وعرشاً لائقاً بساحته ، فهو مستقر وجالس لا كجلوس الإنسان وله عرش لا كعروشه ، بل الكل ما يليق بساحته ، من غير تكييف ولا تمثيل.
    والطائفة الثالثة يفسرونه بالاستيلاء ، أخذاً بالقرائن الموجودة في نفس الآيات ، وما ورد في كلمات البلغاء والفصحاء في استعمال نظيره في كلماتهم ومحاوراتهم.
    4 ـ وهناك طائفة رابعة يقولون بالتفويض ، وأنّه ليس لنا تفسير الآية ، بل نفوّض معانيها إليه سبحانه.
    قال الشهرستاني : « اعلم إِنَّ جماعة كثيرة من السلف ، كانوا يثبتون للّه صفات خبرية مثل اليدين والوجه ، ولا يؤوّلون ذلك ، إلاّ أنّهم يقولون : إنَّا لا نعرف معنى اللفظ الوارد فيه ، مثل قوله : ( الرَّحمن على العرش استوى ) ولسنا مكلفين بمعرفة هذه الصفات » (1).
    وقال الرازي : « إنّ هذه المتشابهات يجب القطع بأنّ مراد اللّه منها شيء غير ظواهرها ، كما يجب تفويض معناها إلى اللّه تعالى ، ولا يجوز الخوض في تفسيرها » (2).
1 ـ الملل والنحل ج 1 ص 93 بتلخيص.
2 ـ أساس التقديس ص 223.
بحوث في الملل والنحل ـ الجزء الرابع ::: فهرس