بحوث في الملل والنحل ـ الجزء الرابع ::: 171 ـ 180
(171)
يوم القيامة ، ومن مات في أحد الحرمين بعث آمناً ».
    أخرجه أبو الحسين يحيى بن الحسن الحسني في كتابه « أخبار المدينة » كما في « شفاء السقام » للسبكي ص 30 ، و « وفاء الوفاء » للسمهودي ، ج 3 ص 402.
(14)
    عن عبداللّه بن عمر مرفوعاً : « من زارني بعد موتي فكأنما زارني في حياتي » أخرجه :
    1 ـ الحافظ سعيد بن منصور النسائي أبو عثمان الخراساني المتوفى سنة ( 227 هـ ) .
    2 ـ الحافظ أبو القاسم الطبراني المتوفى سنة ( 360 هـ ) .
    3 ـ الحافظ أبو أحمد ابن عدي المتوفى سنة ( 365 هـ ) .
    4 ـ الحافظ أبو الشيخ الأنصاري المتوفى سنة ( 369 هـ ) .
    5 ـ الحافظ أبو الحسن الدارقطني المتوفى سنة ( 385 هـ ) .
    6 ـ الحافظ أبو بكر البيهقي المتوفى سنة ( 458 هـ ) .
    7 ـ القاضي عياض المالكي المتوفى سنة ( 544 هـ ) .
    8 ـ قاضي القضاة الخفاجي الحنفي المتوفى سنة ( 1069هـ ) ، في شرح الشفاء ج 3 ص 565 نقله عن البيهقي ، والدارقطني ، والطبراني ، وابن منصور.
    9 ـ زين الدين عبد الرؤوف المناوي المتوفى سنة ( 1031 هـ ) ، في « كنوز الحقائق » ص 141 بلفظ : « من زار قبري بعد موتي ».
    10 ـ العجلوني المتوفي سنة ( 1162 هـ ) في « كشف الخفاء » ج 2 ص 251 ، نقلا عن أبي الشيخ ، والطبراني ، وابن عدي ، والبيهقي.
(15)
    عن ابن عباس مرفوعاً : « من حجّ إلى مكة ثم قصدني في مسجدي كتبت له حجتان مبرورتان ».
    أخرجه الفردوس في مسنده كما في « وفاء الوفاء » ج 2 ص 401 و « نيل الأوطار » ج 4 ص 326.


(172)
(16)
    عن رجل من آل الخطاب مرفوعاً : « من زارني متعمداً كان في جواري يوم القيامة ، ومن مات في أحد الحرمين بعثه اللّه في الآمنين ( من الآمنين ) ». وزاد الشحامي عقب قوله « يوم القيامة » : « ومن سكن المدينة وصبر على بلائها كنت له شهيداً وشفيعاً يوم القيامة » روي بأسناده. فيه من الحفاظ. :
    1 ـ الحافظ أبو جعفر العقيلي المتوفى سنة ( 322 هـ ) .
    2 ـ الحافظ أبو الحسن الدارقطني المتوفى سنة ( 385 هـ ) .
    3 ـ الحافظ أبو عبداللّه الحاكم المتوفى سنة ( 405 هـ ) .
    4 ـ الحافظ أبو بكر البيهقي المتوفى سنة ( 458 هـ ) ، في « شعب الإيمان ».
    5 ـ الحافظ ابن عساكر الدمشقي المتوفى سنة ( 571 هـ ) .
    6 ـ الحافظ أبو محمد بن المؤمن الدمياطي المتوفى سنة ( 705 هـ ) ، وأخرجه من طريق هؤلاء الحفاظ.
    7 ـ ولي الدين الخطيب العمري التبريزي في « مشكاة المصابيح » المتوفى سنة ( 737 هـ ) في باب حرم المدينة في الفصل الثالث.
    8 ـ تقي الدين السبكي المتوفى سنة ( 756 هـ ) ، في « شفاء السقام » ص 24 وقال : مرسل جيد ، ورواه عنه السيد نور الدين السمهودي في « وفاء الوفاء » ج 2 ص 399.
(17)
    عن عبداللّه بن عمر مرفوعاً : « من زارني بالمدينة كنت له شهيداً وشفيعاً » ، أخرجه الحافظ الدارقطني بأسناده في « السنن » كما في « وفاء الوفاء » ج 2 ص 398.


(173)
(18)
    روي عن رسول اللّه ( صلَّى الله عليه وآله وسلم ) ، قال : « من وجد سعة ولم يفد « يغد » إلي فقد جفاني ».
    ذكره ابن فرحون في مناسكه ، والغزالي في « الإحياء » ج 1 ص 246 ، والقسطلاني في « المواهب اللدنية » ، والعجلوني في « كشف الخفاء » ج 2 ص 278.
(19)
    قال رسول اللّه ( صلَّى الله عليه وآله وسلم ) : « من زارني بعد وفاتي وسلم علىّ رددت عليه السلام عشراً ، وزاره عشرة من الملائكة ، كلهم يسلمون عليه ، ومن سلم علىّ في بيته رد اللّه تعالى علي روحي حتّى أسلم عليه ».
    ذكره الشيخ شعيب الحريفيش المتوفى سنة ( 801 هـ ) في « الروض الفائق » ج 2 ص 137.
(20)
    عن أبي عبداللّه محمد بن العلاء رحمه اللّه قال : دخلت المدينة وقد غلب علي الجوع ، فزرت قبر النبي ( صلَّى الله عليه وآله وسلم ) وسلمت عليه وعلى الشيخين رضي اللّه عنهما وقلت : يا رسول اللّه جئت وبي من الفاقة والجوع ما لا يعلمه إلاّ اللّه عزّوجلّ ، وأنا ضيفك في هذه الليلة ، ثم غلبني النوم فرأيت النبي ( صلَّى الله عليه وآله وسلم ) في المنام فأعطاني رغيفاً فأكلت نصفه ثم انتبهت من المنام وفي يدي نصفه الآخر ، فتحقق عندي قول النبي ( صلَّى الله عليه وآله وسلم ) : « من رآني في المنام فقد رآني حقاً ، فإنّ الشيطان لا يتمثل بي ». ثم نوديت : يا أبا عبداللّه : « لا يزور قبري أحد إلاّ غفر له ونال شفاعتي غداً ».
    ذكره الشيخ شعيب الحريفيش في « الروض الفائق » ج 2 ص 138 فقال في المعنى
من زار قبر محمد باللّه كرر ذكره واجعل صلاتك دائماً نال الشفاعة في غد وحديثَهُ يا منشدي جهراً عليه تهتدي



(174)
فهو الرسول المصطفى وهو المشفع في الورى والحوض مخصوص به صلى عليه ربنا ذو الجود والكف الندي من هول يوم الموعد في الحشر عذب المورد ما لاح نجم الفرقد
(21)
    مرفوعاً عنه ( صلَّى الله عليه وآله وسلم ) : « لا عذر لمن كان له سعة من أُمتي ولم يزرني ». رواه الشيخ عبدالرحمن شيخ زاده في « مجمع الأنهر » في شرح ملتقى الأبحر ص 157 ، وَعَدّهُ من أدلة الباب من دون غمز فيه.
(22)
    عن أميرالمؤمنين علىّ ( عليه السَّلام ) : « من زار قبر رسول اللّه ( صلَّى الله عليه وآله وسلم ) كان في جواره » أخرجه ابن عساكر كما في « نيل الأوطار » للشوكاني ج 4 ص 326.
    وبعد هذه النصوص المتضافرة لا حاجة إلى نقل كلمات أعلام المذاهب الإسلامية حول زيارة النبي الأقدس ، وهي وافرة ، وقد نقلنا شطراً منها عند البحث عن شدّ الرحال إلى زيارته ، فمن أراد أن يقف على تلك النصوص فليرجع إلى الأثر القيم « الغدير » للعلامة الأميني (1).
    وأخيراً نذكر كلام محمد بن عبدالوهاب ، مجدد مذهب ابن تيمية في المقام قال : « تسن زيارة النبي إلاّ أن لا تشد الرحال إلاّ إلى زيارة المسجد والصلاة فيه » (2).
    انظر كيف يسير إثر أُستاذه في المنهج حذو النعل بالنعل.
    إلى هنا اتضح الحق بأجلى مظاهره ، وبقي هنا أمر وهو دفع ما أثار ابن
1 ـ الغدير ج 5 ص 109 ـ 129.
2 ـ الهدية السنية ، الرسالة الثانية..


(175)
تيمية من الشبهة في زيارة النبي الأكرم الّتي أشرنا إليها في صدر البحث وهي :
    1 ـ كون الزيارة على هذا الوجه المخصوص بدعة.
    2 ـ كون الزيارة من تعظيم غير اللّه المفضي إلى الشرك.
    أمّا الشبهة الأُولى فهي باطلة من رأس ، وذلك لأنّ البدعة هي إدخال ما ليس من الدين في الدين ، فهل يمكن لأحد بعد هذه النصوص المتضافرة ، التقوّل بأنّه لم يرد في الدين شيء حول زيارة النبي ( صلَّى الله عليه وآله وسلم ) لم يامر بها؟ كيف وقد أمر هو بزيارة القبور؟ فهل يُتصوّر أنه لا يعادل زيارته زيارة قبر مسلم؟ ( كَبُرَت كَلِمةٌ تَخْرُجُ مِنْ أفواهِهِم ) وقد أمر النبي بزيارة قبور المؤمنين.
    وأمّا الشبهة الثانية فنقول : كيف تكون زيارة النبي مفضية إلى الشرك مع أنّ زيارة قبر نبي التوحيد ، استشعار لحقيقته ، وتقديس لمعناه؟ فإنّ التقديس الّذي يتصل بالرسل إنما هو من فكرتهم وهدايتهم. فالتقديس لمحمد ( صلَّى الله عليه وآله وسلم ) تقديس للمعاني الّتي دعا إليها وَحَثَّ عليها ، فكيف يتصوّر من مؤمن عرف حقيقة الدعوة المحمدية أن يكون مضمراً لأي معنى من معاني الوثنية ، وهو يستعبر ويستبصر ببصيرته عند الحضرة الشريفة والروضة المنيفة؟
    فإذا كان خوف ابن تيمية من أن يؤدي ذلك إلى الوثنية بمضي الأعصار والدهور فإنه خوف من غير جهة ، لأنّ الناس كانوا يزورون قبر الرسول إلى أول القرن الثامن ، ثم باتوا إلى العصور من بعده إلى يومنا هذا ، ومع ذلك لم ينظر أحد إليه نظر عبادة أو وثنية ، ولو أفرط بعض العوام فذلك لا يمنع تلك الذكريات العطرة ، بل يجب إرشادهم وتفهيمهم لا منعهم من الزيارة ولا تكفيرهم.
    قال الشيخ محمد زاهد الكوثري :
     « إنّ سعي ابن تيمية في منع الناس من زيارته يدل على ضغينة كامنة فيه نحو الرسول ( صلَّى الله عليه وآله وسلم ) وكيف يتصوّر الإشراك بسبب الزيارة ،


(176)
والتوسل في المسلمين الذين يعتقدون في حقّه أنّه عبده ورسوله ، وينطقون بذلك في صلاتهم نحو عشرين مرة في كل يوم على أقل تقدير ، إدامة لذكرى ذلك ، ولم يزل أهل العلم ينهون العوام عن البدع في كل شؤونهم ، ويرشدونهم إلى السنة في الزيارة وغيرها إذا صدرت منهم بدعة في شيء ، ولم يعدّوهم في يوم من الأيام مشركين بسبب الزيارة أو التوسل ، وأول من رماهم بالإشراك بتلك الوسيلة هو ابن تيمية ، وجرى خلفه من أراد استباحة أموال المسلمين ودماءهم لحاجة في النفس » (1).
    ثم إنّ آخر ما في كنانة ابن تيمية وأتباعه في عدّ الزيارة بدعة وتقسيمها إلى قسمين ، ما رواه أحمد في مسنده ، وهو أنّ النبي ( صلَّى الله عليه وآله وسلم ) قال : أللّهمّ لا تجعل قبري وثناً يعبد (2).
    وسيوافيك الكلام في معنى الحديث عند البحث عن الاحتفال بميلاد النبي ، ولا صلة لهذا الحديث بالزيارة ، والزائر المسلم لا يعبد النبي ولا يعبد قبره ، كما هو واضح ، بل يعبد اللّه سبحانه ، وإنما يزور قبر نبيه كما يزور قبور آبائه وأجدادهم من غير فرق ، غير أنّه يترتب على زيارة قبر نبي التوحيد ما لا يترتب على غيره.
    ( أُولَئِكَ الَّذينَ هَدَى اللّه فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِه ) (3).
1 ـ تكملة السيف الصقيل ص 158.
2 ـ مسند أحمد ج 3 ص 248.
3 ـ سورة الأنعام : الآية 90.


(177)
(4)
ابن تيمية والبناء على القبور
    إنّ إبن تيمية هو أول من أفتى بحرمة البناء على القبور ، سواء أكان صاحب القبر صالحاً أم طالحاً ، وإليك نصه :
    قال : وقد اتفق أئمة الإسلام على :
    1 ـ أنّه لا يشرع بناء هذه المشاهد الّتي على القبور.
    2 ـ ولا يشرع اتخاذها مساجد.
    3 ـ ولا تشرع الصلاة عندها.
    4 ـ ولا يشرع قصدها لأجل التعبد عندها بصلاة واعتكاف ، أو استغاثة وابتهال ، ونحو ذلك ، وكرهوا الصلاء عندها ، ثم كثير منهم قال : الصلاة باطلة لأجل النهي عنها ... إلى أن قال : وإنما دين اللّه تعالى تعظيم بيوت اللّه وحده ، وهي المساجد التي تشرع فيها الصلاة جماعة وغير جماعة ، والاعتكاف وسائر العبادات البدنية والقلبية من القراءة والذكر والدعاء له.. وذكر بعض الآيات الواردة في تعظيم المساجد ، وعدّ منها قوله تعالى :
     ( في بُيُوت أذنَ اللّهُ أنْ تُرْفَعَ وَ يُذْكَرَ فيها اسْمُهُ ، يُسَبّحُ لَهُ فيها بِالغُدُوِّ والآصالِ* رِجَالٌ لاَ تُلْهِيهم تِجارَةٌ وَلاَ بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللّهِ وَإقامِ الصّلاةِ وإيتاءِ الزَّكاةِ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلّبُ فِيه القُلُوبُ وَ الأبْصَارُ ) (1).
1 ـ سورة النور : الآية 36 ـ 37 وقد أفتى في كلامه هذا بحرمة أمور اربعة ، سنبحث عنها واحداً بعد واحد إلاّ مسألة قصد المشاهد ، لما استوفينا الكلام فيه عند البحث عن قصد السفر إلى زيارة النبي ( صلَّى الله عليه وآله وسلم ) .

(178)
    وأمّا اتّخاذ القبور أوثاناً فهو من دين المشركين (1).
    يقول تلميذه ابن القيم : يجب هدم المساجد الّتي بنيت على القبور ، ولا يجوز إبقاؤها بعد القدرة على هدمها وإبطالها يوماً واحداً (2).
    وعلى هذا الأصل لمّا استولى السعوديون على الحرمين الشريفين هدموا المراقد المقدسة في البقيع ، وبيوت أهل البيت ، بعدما رفعوا سؤالا إلى علماء المدينة المنورة ، وإليك السؤال والجواب :
    السؤال : ما قول علماء المدينة المنورة ـ زادهم اللّه فهماً وعلماً ـ في البناء على القبور ، واتخاذها مساجد ، هل هو جائز أم لا؟ وإذا كان غير جائز بل ممنوع منهي عنه نهياً شديداً ، فهل يجب هدمها ، ومنع الصلاة عندها أم لا؟.
    وإذا كان البناء في مسبلة كالبقيع ، وهو مانع من الانتفاع بالمقدار المبني عليه ، فهل هو غصب يجب رفعه لما فيه من ظلم المستحقين ومنعهم استحقاقهم أم لا؟
     الجواب : أمّا البناء على القبور فهو ممنوع إجماعاً ، لصحة الأحاديث الواردة في منعه ، ولذا أفتى كثير من العلماء بوجوب هدمه ، مستندين بحديث علىّ ( رضي اللّه عنه ) أنّه قال لأبي الهياج :
     « ألا ابعثك على ما بعثني عليه رسول اللّه ، أن لا تدع تمثالا إلاّ طمسته ، ولا قبراً مشرفاً إلاّ سويته » (3).
    والامعان في الاستفتاء يعرب عن أنه لم تكن الغاية منه الوقوف على حكم
1 ـ مجموعة الرسائل والمسائل ج 1 ص 59 ـ 60 طبع مصر ، تحت إشراف السيد محمد رشيد رضا.
2 ـ زاد المعاد في هدى خير العباد ، ابن القيم ص 661.
3 ـ جريدة أم القرى ، وقد نشرت نص الإستفتاء وجوابه في العدد الصادر بتاريخ 17 شوال سنة 1344 هـ.


(179)
اللّه ، سواء أكان جائزاً أم حراماً ، وإنما كانت الغاية هي أخذ الاعتراف منهم على الحظر ، ولأجل ذلك أدرج المستفتي الجواب في السؤال وقال : « بل هو ممنوع منهي عنه نهياً شديداً » وهذا إن دل على شىء فإنما يدل على أن المستفتي قام على رأس المفتين فأخذ منهم الجواب بالتخويف والتهديد.
    ثم إنّ المستفتي أي الشيخ النجدي المعروف بسليمان بن بليهد ، يقول في مقال نشرته جريدة « أم القرى » في عددها الصادر في شهر جمادى الآخرة من شهور سنة 1245 هجرية :
     « إنّ بناء القباب على مراقد العلماء صار متداولا منذ القرن الخامس الهجري ».
    وهذا ما يكرره علماء الوهابية في دعاياتهم ، ويضيفون إلى حديث « أبي الهياج » حديث « جابر » عن النبي الّذي سيوايك بيانه ونقده سنداً ومتناً.
    ولأجل إيضاح الحال ، نحلل ما جاء في الجواب ، من الاستدلال بالإجتماع تارة ، والحديث ثانياً ، فنقول :

هل هناك إجماع على التحريم؟
    إنّ للإجماع الوارد في كلامه احتمالات :
    1 ـ الإجماع التقديري ، بحجة وجود الحديث الصحيح في الصحاح ، بمعنى أنه لو وقف العلماء عليه لأفتوا بمضمونه كما أفتى به المجيب ، ولا يخفى أنه غير مفيد ، إذ هو فرع كون الحديث صحيحاً سنداً وكاملا من حيث الدلالة على مقصوده عند غيرهم ، وكلا الأمرين غير ثابت ، بل ثبت خلافهما كما سيوافيك بيانه.
    2 ـ الإجماع المحقق ، وأنّ العلماء أفتوا في كتبهم بالتحريم حدوثاً وبقاءً ، وهذا خلاف نصوصهم; ونكتفي بالنص الوارد في الفقه على المذاهب الأربعة الّذي اتفق عليه علماء أهل السنة في العصر الحاضر ، حيث قالوا بكلمة واحدة :


(180)
     « يكره أن يبنى القبر ببيت أو قبة أو مدرسة أو مسجد » (1) :
    وهذا شارح صحيح مسلم يقول في شرح حديث أبي الهياج : أمّا البناء فإن كان في ملك الباني فمكروه ، وإن كان في مقبرة مسبلة فحرام ، نص عليه الشافعي والأصحاب (2).
    وتحريم البناء ـ عندئذ ـ لأجل عنوان عرضي لا ذاتي ، وهو المزاحمة لأهداف الواقف وأغراضه.
    3 ـ سيرة المسلمين وعملهم منذ أن ارتحل النبي الأكرم إلى يومنا هذا ، سوى الوهابيين.
    أما سيرة المسلمين فحدّث عنها ولا حرج ، فقد دفن النبي الأكرم في بيته الرفيع ، ولم يخطر ببال أحد من الصحابة الحضور أن البناء على القبر حرام ، وأنه ( صلَّى الله عليه وآله وسلم ) نهى عنه نهياً شديداً ، ولما كان البيت متعلّقاً بزوجته ( عائشة ) جعلوا في وسطه ساتراً ، ولما توفي الشيخان أوصيا بدفنهما في حجرة النبي ( صلَّى الله عليه وآله وسلم ) تبرّكاً بذاته ومكانه ، ولم تسمع من أيّ ابن أُنثى نعيرة أنّه حرام ولا مكروه ، وعلى ذلك استمرت سيرة المسلمين في حق الصلحاء والأولياء والعلماء ، يدفنونهم في البيوت المعدة لذلك ، أو يرفعون لمراقدهم قواعد وسقفاً بعد الدفن تكريماً لهم وتقديراً لتضحياتهم ، ولم يخطر ببال أحد أنه على خلاف الدين والشرع.
    وهذا عمل المسلمين وسيرتهم القطعية في جميع الأقطار والأمصار ، ملء المسامع والأبصار على اختلاف نزعاتهم ، من بدء الإسلام إلى هذا العصر من الشيعة والسنة ، وأىّ بلاد من بلاد الإسلام من مصر أو العراق أو الحجاز أو سوريا ، وتونس ومراكش وإيران ، وهلمٌ جرّاً ليس فيها قبور مشيدة ، وضرائح منجدة وهؤلاء أئمة المذاهب : الشافعي في مصر ، وأبو حنيفة في بغداد ، ومالك بالمدينة ، وتلك قبورهم من عصرهم إلى اليوم شاهقة القباب ،
1 ـ الفقه على المذاهب الأربعة ج 1 ص 421.
2 ـ صحيح مسلم بشرح النووي ج 7 كتاب الجنائز طبع مصر.
بحوث في الملل والنحل ـ الجزء الرابع ::: فهرس