بحوث في الملل والنحل ـ الجزء الرابع ::: 371 ـ 380
(371)
أمير مكة فأبوا عليه ، ودعاهم إلى الجهاد ضد الوهابية بعد انقضاء مناسك الحج فأعرضوا عنه ، وتعللوا بعلل واهية ، وأكثر الإلحاح عليهم فلم يجد فيهم أُذناً صاغية ، فاضطرّ إلى الجلاء عن مكة برفقة أتباعه وخزائنه وذخائره ، وكثير من أهالي مكة إلى مدينة جدة ، للأمن من غائلة سطوة الوهابيين.
    ووصل ابن سعود بقواته مشارف مكة المكرمة يومة العاشر من المحرم ، فدخلها من دون مقاومة تذكر ، ففعل بها وبأهلها ما فعله جنده بأهل الطائف (1).
    وفرض ابن سعود على علمائها تلقّي أفكار ابن عبد الوهاب ومدارسة كتبه ، كما منع مسلمي الآفاق من أداء الحج والعمرة ، فانقطع عن أهل مكة والمدينة ما كان يصل إليهم من الصدقات ، أو أسباب التجارة الّتي كانوا يتعيشون منها (2).
    وبعد استيلائهم على مكة ، قدمت جموع غفيرة من نجد من الوهابيين ، فتوجهت حشودهم بتخطيط مسبق إلى الأضرحة والمزارات ذات القباب الّتي شيدت لتكريم شخصيات صدر الإسلام فهدموها ، وكذا فعلوا بدار مولد النبيّ وقبّة السيدة خديجة وقبة زمزم (3) ، فما مضت عليهم إلاّ ثلاثة أيام حتّى محوا جميع آثار صدر الإسلام ومعالمه ، وآثار الصالحين ، فأزالوها عن بكرة أبيها (4).

طرد الوهابيين من مكة المكرمة
    كانت الوهابية مسيطرة على الحرم الشريف على نحو ما مرّ ذكره ، فدفعت جرائمهم الّتي ارتكبوها بمكة الشريف غالب إلى تصميمه على تجديد العهد بها لتطهيرها من دنس الوهابيين ، فسار برفقة الشريف باشا حاكم جدة
1 ـ جبران شامية : آل سعود ماضيهم ومستقبلهم ، ص 64 ـ تاريخ الجبرتي ، ص 93.
2 ـ أخبار الحجاز ونجد في تاريخ الجبرتي ، ص 93.
3 ـ ابن بشر : عنوان المجد ، ج 1 ص 122.
4 ـ تاريخ الجبرتي ، ص 118 بتصرف.


(372)
وكثير من العسكر والعبيد ، وتمكنوا من اقتحام متاريس الوهابيين المحيطة بها ، فدخلوها وأحكموا السيطرة عليها ، بعد أن طردوا منها كل ما تبقى من شراذم الوهابيين.
    ثم أخذ الشريف غالب يحارب كل من كان يوالي الوهابيين ممن جاور مكة من القبائل بالغارة عليهم ، حتّى تمكن من استئصالهم والقضاء على تبعيتهم وعمالتهم لهم.
    هذا غيض من فيض من جرائم عبدالعزيز بن محمّد آل سعود ، وهذه كلها حروب وفتن ، وتدمير وتخريب وضحايا ، ونهب وسلب وهتك للمقدسات الدينية ، وغارات متصلة ليل نهار على المسلمين الآمنين.
    وظلّ على هذه السيرة إلى عام 1218 هـ حتّى اغتاله رجل. قال جبران شامية الكاتب الوهابي : وانتقم الشيعة من غزوة كربلاء بعد سنتين باغتيال الإمام عبد العزيز وهو يصلّي في المسجد عام 1218 هـ وقال فيلبي : لقد تنكّر القاتل بزي « درويش » وذهب إلى « الدرعية » وبقي فيها أياماً يصلّي خلف عبد العزيز ، وفي ذات يوم ألقى بنفسه على عبد العزيز وهو يصلّي ، وطعنه بمدية في ظهره اخترقت به إلى بطنه ، وعجلت به إلى مقره الأخير ، وتكاثر الناس على القاتل وقتلوه (1).
    وقال ابن بشر : كان مقتل أمير الدرعية عبدالعزيز ضربة جديدة للوهابيين ، ففي خريف عام 1803 م قتل في مسجد الطريف بالعاصمة على يد درويش غير معروف يدعى عثمان ، وهو كردي من إحدى قرى الموصل ، وكان هذا الدرويش قد حلّ ضيفاً على البلاط ، وعندما سجد عبدالعزيز أثناء الصلاة هجم هذا الدرويش الّذي كان في الصف الثالث على الأمير وقتله بطعنة من خنجر ، ثم جرح أخاه عبداللّه ، وتفيد بعض المعلومات أن قاتل عبد العزيز شيعي هلك كل أفراد عائلته اثناء غزو كربلاء (2).
1 ـ جبران شامية : آل سعود ماضيهم ومستقبلهم ، ص 64.
2 ـ فاسيليف : تاريخ العربية السعودية ، ص 54.


(373)
    وبذلك طويت صفحات حياته السوداء ، وقد اقتصرنا في التعرض لتاريخ حياته على ما هو الجدير بالذكر منها ، وإلاّ فقد قال أحمد بن زيني دحلان : إنّ الشريف غالباً ( أمير مكة ) غزا الوهابيين ما ينوف عن خمسين غزوة ، من سنة 1205 هـ إلى سنة 1220 هـ وكانت أكثر هذه الحروب أيام سلطة عبد العزيز آل سعود ، ومن اراد التفصيل فليرجع إلى كتاب « خلاصة الكلام في أُمراء البلد الحرام » وكتاب « كشف الارتياب » للسيد الأمين ، وقد ذكر الأخير نبذاً من هذه الحروب.

3 ـ سعود بن عبدالعزيز ( 1218 ـ 1229 هـ )
    استولى سعود على السلطة في الإمارة القبلية السعودية بعد وفاة والده ، وكان أول عمل قام به غزو بلدتي الزبير والبصرة ، وأعمل فيهما القتل والسلب وهدم قبري طلحة والزبير ، وتوسعت رقعة النفوذ السعودي في عهده إلى أوجها ، فقد كثف الغزوات والغارات بقصد الاحتلال والسلب والنهب ، بشكل رهيب لم يكن له سابقاً في تاريخ دويلتهم ، وقد تمخّض عن تلك الأغراض التوسعية ضم جميع نواحي نجد والأحساء وسواحل البحر الأحمر إلى نفوذهم ، واستمر حكمه أحد عشر عاماً (1).
    وإليك بعض حروبه وغاراته على جدة ، والحرمين الشريفين على وجه الاختصار :

محاصرة الوهابيين جدة 1219 هـ
    ثم دخلت سنة 1219 هـ فاقبلت جيوش الوهابيين وعلى رأسها ابن شكبان والمضايفي باثني عشر ألف مقاتل لحصار جدة ، فأراد الشريف غالب تحصين مكة لعلمه بعدم قدرتهم على جدة ، فنادى بالنفير العام ، فخرج الناس على طبقاتهم إلى « الزاهر » حاملين السلاح ، وبقوا هناك سبع ليال.
1 ـ جبران شامية : آل سعود ماضيهم ومستقبلهم ص 62 ـ 63 بتصرف.

(374)
    أمّا الذين حاصروا جدة فبقوا ثلاثة أيام يحملون عليها حملة واحدة ، فيفرقهم المدفع ويقتل منهم فينهزمون إلى خيامهم ، حتّى قتل الكثيرون منهم وامتلأت الحفر والقنوات من جيفهم ، وكانوا يدفنون العشرة في محل واحد ، فلما رأوا ذلك ارتحلوا ، وقتلوا في طريقهم حيّاً من الأعراب ، وأخذوا إبلا للشريف غالب ، فجهز الشريف جيشاً بقيادة الشريف حسين للانتقام منهم ، فهجموا عليهم في منطقة تسمى « الليث » فغلبوهم ، وقتل كثير من الوهابيين في تلك الملحمة ، واستهشد الشريف حسين ، فعاود الشريف غالب إرسال الجند والكتائب عليهم حتّى يترصدوا لهم كل موضع ، فهزموهم هزائم ساحقة ، واقتطعوا الكثير من رؤوسهم ، وعلقت على أبواب مكة للعبرة (1).

محاصرة مكة والمدينة سنة 1220 هـ ثانياً
    يقول زيني دحلان :
    ودخلوا مكة في أواخر ذي القعدة سنة 1220 هـ وتملكوا المدينة المنورة ، على ساكنها أفضل السلام ، وانتهبوا الحجرة ( النبوية ) وأخذوا ما فيها من الأموال ، وفعلوا أفعالا شنيعة ، وجعلوا على المدينة أميراً منهم يدعى « مبارك مزيان » واستمر حكمهم سبع سنين ومنعوا دخول الحاج الشامي والمصري مع المحامل مكة ، وصاروا يصنعون للكعبة ثوباً من العباء ، وأكرهوا الناس على الدخول في دينهم ، وهدموا القباب الّتي على قبور الأولياء ، وكانت الدولة العثمانية في تلك السنة في ارتباك كثير وشدّة قتال مع النصارى ، وفي اختلاف في خلع السلاطين وقتلهم (2).
    وقال الكاتب جبران شامية : إنّ سعود بن عبد العزيز حاصر المدينة المنورة وفعل بها ما فعله بالطائف ومكة (3).
    وقال السيد جواد العاملي : في سنة 1221 هـ في الليلة التاسعة من شهر
1 ـ الأمين ـ السيد محسن : كشف الارتياب ، ص 25 ـ 26.
2 ـ زيني دحلان : فتنة الوهابية ص 72 ، تاريخ الجبرتي ص 116 ـ 118.
3 ـ جبران شامية : آل سعود ماضيهم ومستقبلهم ، ص 65 نقلا عن خطط الشام.


(375)
صفر قبل الصبح بساعة ، هجم علينا بالنجف الأشرف ونحن في غفلة ، حتّى بعض أصحابه صعدوا السور وكادوا يأخذون البلد ، فظهرت لأميرالمؤمنين الكرامات الباهرة ، فقتل من جيشه الكثير ، ورجع خائباً ، وله الحمد على كل حال (1).
    وقال أيضاً : جاء سعود بن عبدالعزيز عام 1223 هـ في شهر جمادى الآخرة من نجد بما يقرب من عشرين ألف مقاتل ، أو أزيد ، فجاءتنا النذر بأنّه يريد أن يدهمنا في النجف الأشرف غفلة ، فتحذرنا منه ، وخرجنا جميعاً إلى سور البلد ، فأتانا ليلا فرآنا على حذر قد أحطنا بالسور بالبنادق والأطواب ، فمضى إلى الحلة فرآهم كذلك ، ثم مضى إلى مشهد الحسين على حين غفلة نهاراً ، فحاصرهم حصاراً شديداً فثبتوا له خلف السور ، وقتل منهم وقتلوا منه ، ورجع خائباً ، ثم عاث في العراق فقتل من قتل ، وبقينا مدة تاركين البحث والنظر على خوف ووجل ، ولا حول ولا قوة إلاّ باللّه العلي العظيم ، وقد استولى على مكة المكرمة والمدينة المنورة ، وتعطل الحج سنين وما ندري ما يكون (2).
    ويظهر من غير واحد من المؤرخين أنّ الحج انقطع من العراق أربع سنين ، ومن الشام ثلاث سنين ، ومن مصر سنتين ، ولا يعلم هل انقطع بعد ذلك أو لا.

غزو الوهابيين لبلاد الشام
    وقد غزا سعود منطقتي عسير وتهامة ، ثم انسحب منهما وغزا كربلاء مرة ثانية عام 1223 هـ ، فاستعصت عليه لأنّ أهلها حصنوها بعد الغزوة الأُولى ، ثم هاجم البصرة والزبير وغنم بعض الأموال (3).
    وفي هذه السنة هجم ولد عبداللّه بن سعود على بلاد حوران فنهب
1 ـ العاملي ـ السيد جواد : مفتاح الكرامة ، ج 5 ص 512.
2 ـ نفس المصدر ج 6 ص 435.
3 ـ جبران شامية : آل سعود ماضيهم ومستقبلهم ص 65.


(376)
الأموال ، وأحرق الغلال ، وقتل الأنفس البريئة ، وسبى النساء وقتل الأطفال ، وهدم المنازل وعاث في الأرض فساداً (1).
    ويقول صلاح الدين المختار ، وهو من المعجبين بآل سعود :
    في السادس من ربيع الثاني عام 1225 هـ ( 1809 م ) سار الأمير سعود بثمانية آلاف مقاتل إلى الديار الشامية ، وقد بلغه أن عشائر سوريا من عنزة وبني صخر وغيرهما قد نزلوا في نقرة الشام ، فلما وصلها لم يجد فيها أحداً ، فتوجه بقواته إلى « حوران » وهاجم القرى والدساكر وبصرى ، واستولى على ما عثر عليه من مال ومتاع وطعام ، وكان أهلها قد هربوا إلى مختلف النواحي عند ما سمعوا بقدومه ، ثم هاجم الأمير قصر المزريب فاستعصى عليه ، وارتحل إلى بصرى ليلا ومنها قفل عائداً إلى بلده ومعه غنائم كثيرة.
    وقال السيد جواد العاملي : وفي سنة 1225 هـ قد أحاطت الأعراب من عنيزة القائلين بمقالة الوهابي بالنجف الأشرف ومشهد الحسين ( عليه السَّلام ) وقد قطعوا الطرق ونهبوا زوار الحسين( عليه السَّلام ) بعد منصرفهم من زيارة نصف شعبان ، وقتلوا منهم جمعاً غفيراً ، وأكثر القتلى من العجم ، وربما قيل إنّهم مائة وخمسون ، وقيل اقل ، وبقي جملة من زوّار العرب في الحلّة ما قدروا أن يأتوا إلى النجف ، فبعضهم صام في الحلّة ، وبعضهم مضى إلى الحسكة ، ونحن الآن كأنّا في حصار ، والأعراب إلى الآن ما انصرفوا وهم من الكوفة إلى مشهد الحسين بفرسخين أو أكثر (2).
    وقد بلغ تعصب الوهابيين إلى حدّ حملهم على قطع العلاقات التجارية مع غيرهم ، وكانت التجارة إلى عام 1269 هـ مع الشام والعراق محرمة (3).
    وكانوا إذا وجدوا تاجراً في طريق يحمل متاعاً إلى المشركين صادروا ماله (4).
1 ـ الشهابي : لمع الشهاب ، ص 201.
2 ـ مفتاح الكرامة .
3 ـ فاسيليف : تاريخ العربية السعودية ، ص 105.
4 ـ ابن بشر : عنوان المجد في تاريخ نجد ، ج 1 ، ص 122.


(377)
    وفي سنة 1226 هـ أرسل محمد علي باشا ، والي مصر ولده طوسون لتحرير الحجاز من الوهابيين ، فصدوه في الكرّة الأُولى ، وتغلّب عليهم في الثانية ، واستولى على مكة والمدينة ، وحاول أن يفتح نجداً ، فلم يستطع.
    يقول ابن بشر :
     « وصلت النجدات المصرية عام 1227 هـ فزحف طوسون على المدينة ، وانضم إليه كثير من عرب جهينة وحرب ، فحاصرها وقطع عنها المياه ، وكان فيها سبعة آلاف من أهل نجد ، فدخل المصريون البلد ، وقتل من النجديين نحو أربعة آلاف (1).
    ثم تابع طوسون حتّى دخل مكة والطائف بمساعدة الشريف غالب من دون قتال عام 1229 هـ ( 1883 م ) .
    وفي سنة 1228 هـ حج محمد علي باشا وعزل الشريف غالباً وأرسله منفياً إلى سلانيك ، وعيّن مكانه الشريف محمّد بن عون ، فانتقلت الإمارة من فرع إلى آخر من أُسرة الأشراف ، ومحمد بن عون هو جدّ الشريف حسين أبي فيصل ملك العراق وعبد اللّه ملك الأردن.
    يقول العلامة الشيخ محمّد جواد مغنية :
    إنّ سعود بن عبدالعزيز أقام هيئة باسم الآمرين بالمعروف ومهمتها التجول في الأسواق أوقات الصلاة ، تخضّ الناس على أدائها ، وما زالت هذه الطريقة متبعة إلى اليوم عند السعوديين ، واصبحت تحمل العصا وتجول في الأسواق والشوارع تنهال ضرباً بها على حليق الذقن و من يلمس قبر الرسول ، أو قبر إمام من أئمة البقيع ، وغير ذلك مما يخالف العقيدة الوهابية ، بل كانوا إلى الأمس القريب يضربون المدخنين علناً وإن كانوا غرباء عن الديار (2).
    وقد هلك سعود في الدرعية عام 1229 هـ وهو في الثامنة والستين من
1 ـ ابن بشر ، عثمان : عنوان المجد ، ص 160.
2 ـ مغنية ، محمد جواد : هذه هي الوهابية ، ص 127.


(378)
عمره ، وكانت ولايته إحدى عشرة سنة أي من سنة 1218 هـ إلى سنة 1229 هـ وبذلك طويت صحيفة عمره السوداء وكانت حياته كلها مليئة بالحرب والدمار.

4 ـ عبداللّه بن سعود ( 1229 هـ ـ 1234 )
    وتولى بعد سعود ابنه عبداللّه ، ونازعه عمه عبداللّه بن محمد ، وانقسمت الأُسرة على نفسها ، وفي هذه السنة ارسل الباشا عساكر كثيرة إلى ناحية القنفذة برّاً وبحراً ، فاستولوا عليها وهرب من كان فيها من الوهابيين ، وفي أول سنة 1230 هـ عاد إلى الطائف ، ووقعت بينه وبين الوهابيين حروب كان النصر له فيها عليهم ، واستولى عر تبة وبيشة ورينة ، وقتل الكثير من الوهابيين ، فاستسلم أهلها ، ومنها استولى على تربة ، وقضى فيها على آخر مقاومة وهابية ، ثم عاد إلى مكة ومنها إلى القاهرة (1).
    بقي طوسون في الحجاز بعد حملته إلى نجد.

تدمير الدرعية
    وفي أوائل سنة 1234 هـ أرسل محمد علي باشا ولده إبراهيم باشا إلى الحجاز ، لإكمال محاربة الوهابيّين والاستيلاء على « الدرعية » ، فتوجه بعساكر وأموال وذخائر كثيرة حتّى دخل مكة ، ثم خرج منها بالعساكر قاصداً « الدرعية » ، وجعل يملك كل أرض وصلها بلا معارضة ، وقتل منهم مقتلة عظيمة ، وأسر منهم وغنم خياماً ومدفعين (2).
    وفي سنة 1233 هـ ملك بلداً من بلاد الوهابيين وقبض على أميره ، ثم استولى على الشقراء ، وكان بها عبداللّه بن سعود ، فخرج هارباً إلى « الدرعية » ليلا ، وبينها وبين الشقراء يومان ، ثم استولى إبراهيم باشا على بلد كبير من
1 ـ جبران شامية : آل سعود ماضيهم ومستقبلهم ، ص 68.
2 ـ الأمين ، السيد محسن : كشف الإرتياب ، ص 45.


(379)
بلادهم ولم يبق بينه وبين « الدرعية » ، إلاّ ثمان عشرة ساعة ، ثم زحف على « الدرعية » ، فملك جانباً منها ، وحاصر الوهابيين وأحاط بهم (1).
    وقال جبران شامية : استمر الحصار خمسة أشهر ، فكانت تتوإلى على إبراهيم باشا النجدات والذخيرة من مصر ، والأرزاق والمواشي من البصرة والمدينة ، وبقيت قبائل البدو التي انضمن إليه تناصره مادامت عطاياه مستمرة ، وفي نهاية الشهر الخامس من الحصار ، أي في سنة 1234 هـ ، استسلم عبداللّه بن سعود لإبراهيم باشا فأرسله أسيراً للقاهرة ثم للآستانة ، حيث طوفوه في الأسواق ثم أعدموه ، وقتل في « الدرعية » ، عدد كبير من آل سعود وآل الشيخ ، ونفي قسم منهم إلى مصر ، وبذلك انتهت الدولة السعودية الأُولى (2).
    ثم اقام إبراهيم باشا في « الدرعية » سبعة أشهر ، ثم أمر بتدميرها فاصبحت أثراً بعد عين (3). وانتهت ستة أشهر من المعارك الطاحنة ، وفقد السعوديون أثناء تلك المعارك زهاء عشرين من اقرباء الإمام بمن فيهم ثلاثة من إخوانه ، وكتب إبراهيم باشا إلى القاهرة والآستانة بأنّ الوهابيين خسروا 14 ألف من القتلى ، و 6 آلا من الأسرى ، ومن بين الغنائم 60 مدفعاً (4).
    بسبب هزيمة الوهابيين جرت في القاهرة احتفالات بهية ، أطلقت فيها نيران المدافع ، وأجريت الألعاب النارية ، وكان الناس يسرحون ويمرحون ، وأعرب شاه إيران ( فتح علي شاه ) في رسالة إلى محمد علي باشا عن تقديره لدحر الوهابيين (5).
    وقال العلامة الشيخ محمد جواد مغنية في هذا المجال :
1 ـ المصدر السابق.
2 ـ جبران شامية : آل سعود ، ماضيهم ومستقبلهم ص 69.
3 ـ المصدر السابق.
4 ـ فاسيليف : تاريخ العربية السعودية ، ص 131 ـ نقلا عن ارشيف السياسة الخارجية لروسيا.
5 ـ الجبرتي ، طبع مصر ، ص 636.


(380)
     « وطغى إبراهيم باشا وبقي في البلاد ، وأكثر فيها الفساد ، وصادر أموال آل سعود وآل محمد بن عبدالوهاب ، وأجلى الكثير من رجالهم ونسائهم وأطفالهم من الديار ، ونفى الكثير منهم إلى مصر ، وكان هذا جزاء وفاقاً لما فعلوه من قبل بأُمّة محمد ( صلَّى الله عليه وآله وسلم ) من المظالم والمآثم ، وما ارتكبوه من الخيانة للّه وكتابه ، وللنبي ( صلَّى الله عليه وآله وسلم ) وسنّته : وهكذا كل ظالم لا بد أن يبتلى بأظلم وأغشم (1).
    ( فَاعْتَبِرُوا يا أُولي الأَبصارِ ) (2) .
1 ـ الشيخ محمد جواد مغنية : هذه هي الوهابية ، ص 129.
2 ـ سورة الحشر : الآية 2.
بحوث في الملل والنحل ـ الجزء الرابع ::: فهرس