كتاب بحوث في الملل والنحل ـ جلد الثامن ::: 141 ـ 150
(141)
الفصل السابع
في
أئمة المستعلية


(142)

(143)
الاِمام الاَوّل
المستعلي باللّه
(467 ـ 495 هـ)
    قد ذكرنا ـ فيما سبق ـ أنّالمستنصر قد عهد في حياته بالخلافة لابنه « نزار » وقد بويع بعد وفاة أبيه ، ولكن خلعه الاَفضل وبايع المستعلي باللّه ، وسبب خلعه أنّ الاَفضل ركب مرّة أيّام المستنصر ، ودخل دهليز القصر من باب الذهب راكباً ، و « نزار » خارج ، والمجاز مظلم ، فلم يره الاَفضل ، فصاح به نزار : انزلْ ، يا أرمني ، كلب ، عن الفرس ، ما أقلَّ أدبَك. فحقدها عليه ، فلما مات المستنصر خلعه خوفاً منه على نفسه ، وبايع المستعلي ، فهرب نزار إلى الاسكندرية ، وبها ناصر الدّولة « افتكين » ، فبايعه أهل الاسكندرية ، وسمّوه المصطفي لدين اللّه ، فخطب بالناس ، ولعن الاَفضل ، وأعانه أيضاً القاضي جلال الدّولة ابن عمار ، قاضي الاسكندرية ، فسار إليه الاَفضل ، وحاصره بالاسكندرية ، وأخذ « افتكين » فقتله ، وتسلّم المستعلي نزاراً فبنى عليه حائطاً فمات ، وقتل القاضي جلال الدولة ابن عمار ومن أعانه. (1)
    وحيث إنّه لم يتم الاتّفاق على إمامة هوَلاء فقد عقدنا لهم فصلاً مستقلاً.
    يقول ابن خلكان : وكانت ولادة المستعلي (أحمد بن معد) لعشر ليال بقين من محرم سنة تسع وستين وأربعمائة ، بالقاهرة وبويع في يوم عيد غدير خم ، وهو الثامن عشر من ذي الحجة سنة سبع وثمانين وأربعمائة ، وتوفي بمصر يوم الثلاثاء
    1 ـ ابن الاَثير : الكامل في التاريخ : 10/237 ـ 238 ، دار صادر.

(144)
لثلاث عشرة ليلة بقيت من صفر سنة خمس وتسعين وأربعمائة ، وله من العمر ثمان وعشرون سنة وأيام (1) فكانت مدّة ولايته سبع سنين وكسراً ، وتولّ ـ ى بعده ولدُه أبو علي المنصور ، الملقب بالآمر ، وله من العمر خمس سنين وشهر وأربعة أيام ، ولم يكن في من تسمى بالخلافة قط أصغر منه ، ومن المستنصر ، وكان المستنصر أكبر من هذا ، ولم يقدر يركب وحده الفرس ، وقام بتدبير دولته الاَفضل ابن أمير الجيوش ، أحسن قيام ، إلى أن قتل. (2)

الاِمام الثاني
الآمر بأحكام اللّه
(490 ـ 524 هـ)
    هو منصور بن أحمد ، ولد في القاهرة في الثالث عشر من محرم ، وبويع بالخلافة يوم وفاة والده في الثالث عشر من صفر سنة 495 هـ ، وكان له من العمر خمس سنوات ، وفي عهده سقطت مدينة « صور » بأيدي الصليبيين ، وذلك بعد سقوط انطاكية وبيت المقدس وقيصارية وعكا وبانياس وطرابلس ، وأكثرها كانت فاطميّة.
    من آثاره العمرانية الجامع الاَقمر في القاهرة ، وتجديد قصر القرافة ، وفتح مكتبة دار العلوم للمطالعة والتدريس ، قتله النزاريون انتقاماً لاِمامهم نزار ، وكان في هودج يقوم بالنزهة بين الجزيرة والقاهرة ، وقد حُمل إلى القصر ، ولكنّه لم يلبث
    1 ـ لو كان له من العمر ثمان وعشرون عاماً عند الوفاة لكانت ولادته عام 467 ، لا ما ذكره من انّولادته 469 هـ .
    2 ـ ابن خلكان : وفيات الاَعيان : دار صادر : 1/180.


(145)
أن فارق الحياة في الرابع عشر من ذي القعدة سنة 524 هـ ، وكان عمره 34 عاماً وتسعة أشهر وعشرين يوماً. (1)
    قال ابن خلكان : ولما انقضت أيّامه ، خرج من القاهرة صبيحة يوم الثلاثاء في الثالث من ذي القعدة سنة 524 هـ ونزل إلى مصر ، وعدى على الجسر إلى الجزيرة التي قبالة مصر ، فكمُن له قوم بالاَسلحة وتواعدوا على قتله في السّكة التي يمر فيها ، فلمّا مرّ بهم وثبوا عليه فلعبوا عليه بأسيافهم ، وكان قد جاوز الجسر وحده مع عدّة قليلة من غلمانه وبطانته وخاصته وشيعته ، فحُمل في النيل في زورق ولم يمت ، وأُدخل القاهرة وهو حيٌّ ، وجيء به إلى القصر من ليلته ، فمات ولم يعقب ، وهو العاشر من أولاد المهدي عبيد اللّه القائم بسجلماسة ، إلى أن يقول : وكان ربعة ، شديدَ الاَدمة ، جاحظ العينين ، حسن الخط والمعرفة والعقل. (2)
    ومع هذا فيصفه بكونه « قبيح السيرة ، ظلم الناس وأخذ أموالهم وسفك دماءهم ، وارتكب المحذورات واستحسن القبائح المحظورات ، فابتهج الناس بقتله ». (3)
    
    ولا يخفى وجود التضاد بين الوصفين ، فلو كان حسن المعرفة والعقل لما قبحت سيرته وما أخذ أموالَ الناس ولا أراق دماءهم. واللّه العالم.
    وكان يطم ـ ع إلى عرش العباسيين في العراق ، ولكنَّ الاَحداث الداخليّة حالت بينه وبين أُمنيته.
    يقول المقريزي : و كانت نفسه تحدّثه بالسفر والغارة على بغداد ، ومن شعره في ذلك :
    1 ـ عارف تامر : الاِمامة في الاِسلام : 190 ـ 191.
    2 ـ ابن خلكان : وفيات الاَعيان : 5/301 ـ 302 ، و لاحظ الخطط المقريزية : 1/357 و 2/290.
    3 ـ وفيات الاَعيان : 5/302.


(146)
دع اللوم عني لست مني بموثق وأسقى جيادي من فرات ودجلة فلابدّ لي من صدمة المتحقق وأجمع شمل الدين بعد التفرق
    وقال :
أما والذي حجّت إلى ركن بيته لاقتحمن الحرب حتى يقال لي و ينزل روح اللّه عيسى ابن مريم جراثيم ركبان مقلّدة شهبا ملكت زمام الحرب فاعتزل الحربا فيرضى بنا صحباً ونرضى به صحبا (1)
    والمهم في تاريخه ، أنّه قتل الاَفضل الذي مَهّدَ الطريقَ لاَبيه المستعلي في زمانه ، ويقال أنّه قتل بأشارة أو موَامرة الآمر بأحكام اللّه.
    يقول المقريزي : وفي يوم الثلاثاء ، السابع عشر من صفر ، سنة خمس وتسعين ، أحضره الاَفضل بن أمير الجيوش ، وبايع له ونصبه مكان أبيه ، ونعته بالآمر بأحكام اللّه ، وركب الاَفضل فرساً ، وجعل في السّرج شيئاً ، وأركبه عليه لينمو شخص الآمر ، وصار ظهره في حجر الاَفضل ، فلم يَزلْ تحت حجره حتّى قتل الاَفضل ليلة عيد الفطر سنة خمس عشرة وخمسمائة. (2)
    وقد مرّ آنفاً قول ابن خلكان بأنّ الآمر بأحكام اللّه مات ولم يعقب ، وربَّما يقال أنّالآمر مات وامرأته حامل بالطّيب ، وربّما يقال بأنّ امرأته ولدت أُنثى ، فلاَجل ذلك عهد الآمر بأحكام اللّه الخلافة إلى الحافظ ، الظافر ، الفائز ، ثمّ إلى العاضد.
    و سنتطرق إلى حياة الاَئمة الاَربعة الذين لم يكونوا من صُلب الاِمام السابق ، بل كانوا من أبناء عمّه ، ولاَجل ذلك لا تصح تسميتهم بالاَئمة ، وإنّما
    1 ـ المقريزي : الخطط : 2/191.
    2 ـ المقريزي : الخطط : 2/290.


(147)
هم دعاة ، حيث لم يكن في الساحة إمام ، ودخلت الدعوة المستعلية بعد اختفاء الطيِّب بالستر ، وما تزال تنتظر دعوته ، وتوقفت عن السير وراء الركب الاِمامي ، واتبعت نظام الدعاة المطلقين. (1)

الاِمام الثالث
الحافظ لدين اللّه
(467 ـ 544 هـ)
    ولد بعسقلان سنة 467 هـ ، عندما مات الآمر ، وتوفي في الخامس من جمادى الاَُولى سنة 544 هـ ، فدامت دولته عشرين سنة سوى خمسة أشهر ، وعاش سبع وسبعين سنة ، وقام بعده ولده الظاهر. (2)
    عبد المجيد الملقب بالحافظ ، ابن أبي القاسم محمد بن المستنصر ، بويع بالقاهرة يوم مقتل ابن عمّه الآمر ، بولاية العهد وتدبير المملكة ، حتى يظهر الحمل المخلف عن الآمر ، فغلب عليه أبو علي أحمد بن الاَفضل ، في صبيحة يوم مبايعته ، وكان الآمر لمّا قتل الاَفضل اعتقل جميع أولاده وفيهم أبو علي المذكور ، فأخرجه الجند من الاعتقال لما قُتل الآمر ، وبايعوه فسار إلى القصر ، وقبض على الحافظ المذكور ، واستقلّ بالاَمر وقام به أحسن قيام ، وردّ على المصادرين أموالهم ، وأظهر مذهب الاِماميّة وتمسك بالاَئمّة الاثني عشر ، ورفض الحافظ وأهل بيته ، ودعا على المنابر للقائم في آخر الزمان المعروف بالاِمام المنتظر على زعمهم ، وكتب اسمه على السّكة ، ونهى أن يوَذن (حي على خير العمل) وأقام كذلك ، إلى أن وثب عليه
    1 ـ عارف تامر : الاِمامة في الاِسلام : 191.
    2 ـ ابن خلكان ، وفيات الاَعيان : 3/236 ، دار صادر.


(148)
رجل من الخاصّة بالبستان الكبير بظاهر القاهرة ، في النصف من المحرم سنة ست وعشرين وخمسمائة فقتله ، وكان ذلك بتدبير الحافظ ، فبادر الاَجناد بإخراج الحافظ ، وبايعوه ولقبوه الحافظ ، ودعي له على المنابر. (1)

الاِمام الرابع
الظافر بأمر اللّه
(527 ـ 549 هـ)
    هو إسماعيل بن عبد المجيد ولد في القاهرة يوم الاَحد منتصف شهر ربيع الآخر سنة سبع وعشرين وخمسمائة ، واغتيل في منتصف محرم سنة 549 هـ ، بويع الظافر يوم مات أبوه ، بوصيّة أبيه ، وكان أصغر أولاد أبيه سناً ، ولي الاَمر بعد أبيه وكان شاباً جميلاً.
    وهو الذي انشأ الجامع المعروف بجامع الفاكهيين ، قتله نصر بن عباس أحد أبناء وزرائه ، وقد ذكر الموَرخون سبب قتله وتفصيله ، فمن أراد فليراجع. (2)
    وعاش الظافر 22 سنة.
    1 ـ وفيات الاَعيان : 3/235 ـ 236 ، و سير أعلام النبلاء : 15/199.
    2 ـ المقريزي : الخطط : 2/30 وذكره بايجاز ابن خلكان في وفيات الاَعيان : 1/237 ، والذهبي في سير أعلام النبلاء : 15/204.


(149)
الاِمام الخامس
الفائز بنصر اللّه
(544 ـ 555 هـ)
    هو عيسى بن إسماعيل ولد عام 544 هـ ، وتسلّم الخلافة وله خمس سنين ، وبقى على سدّة الخلافة ست سنين ، ولَمّا اُغتيل أبوه ، أقامه الوزير عباس مكان والده ، تغطية لِما ارتكبه ابنُه من قتل الاِمام الظافر ، فلمّا قدم طلائع بن رزيك ، والي الاشمونين بمجموعة إلى القاهرة ، فرّ عباس ، واستولى طلائع على الوزارة ، وتلقّب بالصالح ، وقام بأمر الدولة ، إلى أن مات الفائز لثلاثة عشرة بقيت من رجب سنة 555 هـ عن إحدى عشرة سنة وستة أشهر ويومين ، منها في الخلافة ست سنين وخمسة أشهر وأيام. (1)

الاِمام السادس
العاضد لدين اللّه
(546 ـ 567 هـ)
    هو عبد اللّه بن يوسف ولد عام 546 هـ وتوفي عام 567 هـ ، وهو عبد اللّه ابن يوسف بن عبد المجيد بن محمد بن المنتصر ، أقامه طلائع بن رزيك ، بعد الفائز ، ولي المملكة بعد وفاة ابن عمّه الفائز بنصر اللّه ، وكان العاضد شديدَ التشيّع ، بويع وعمره آنذاك إحدى عشرة سنة ، وقام الصالح بن رزيك ، أخو طلائع بن رزيك ، بتدبير الاَُمور ، إلى أن قتل في رمضان سنة 556 هـ فقام من بعده
    1 ـ المقريزي : الخطط : 1/357 ، لاحظ وفيات الاَعيان : 3/291 ، رقم الترجمة 514 ، والذهبي : سير اعلام النبلاء : 15/207 رقم الترجمة 78 ، وقصد فصل الاَخيران الكلام في حياته.

(150)
ابنه رزيك بن طلائع ، وحسنت سيرته.
    يقول المقريزي : فلما قوى تمكّن الافرنج في القاهرة عام 564 هـ ، وجاروا في حكمهم بها ، وركبوا المسلمين بأنواع الاِهانة ، فسار مري ملك الافرنج يريد أخذ القاهرة ، ونزل على مدينة بلبيس وأخذها عنوة ، فكتب العاضد إلى نور الدين محمود بن زنكي صاحب الشام يستصرخه ويحثّه على نجدة الاِسلام وإنقاذ المسلمين من الافرنج ، فجهّز أسد الدين شيركوه في عسكر كثير ، وسيّرهم إلى مصر ، فلما اطّلع الافرنج على قدوم شيركوه ، رحلوا عن القاهرة في السابع من ربيع الآخر ، ونزل شيركوه بالقاهرة ، فخلع عليه العاضد وأكرمه ، وتقلّد وزارة العاضد وقام بالدولة شهرين وخمسة أيّام ، ومات في الثاني والعشرين من جمادى الآخرة ، ففوض العاضد الوزارة لصلاح الدين يوسف بن أيوب ، فساس الاَُمور ودبّر لنفسه ، فبذل الاَموال وأضعف العاضد باستنفاد ما عنده من المال ، فلم يزل أمرُهُ في ازدياد ، وأمر العاضد في نقصان ، واستبدَّ بالاَُمور ومنع العاضد من التصرّف حتى تبيّ ـ ن للناس ما يريده من إزالة الدولة ، إلى أن كان من واقعة العبيد ما كان فأبادهم وأفناهم ، و من حينئذٍ تلاشى العاضد وانحل أمره ولم يبق له سوى إقامة ذكره في الخطبة ، وتتبع صلاح الدين جُندَ العاضد ، وأخذ دور الاَُمراء ، وإقطاعاتهم ، فوهبها لاَصحابه ، وبعث إلى أبيه وإخوته وأهله فقدموا من الشام عليه ، وعزل قضاة مصر الشيعة ، واختفى مذهب الشيعة إلى أن نسي من مصر ، وقد زاد المضايقات على العاضد وأهل بيته ، حتى مرض ومات ، وعمره إحدى وعشرون سنة إلاّ عشرة أيّام ، وكان كريماً ليّ ـ ن الجانب مرّت به مخاوف وشدائد ، وهو آخر الخلفاء الفاطميين بمصر ، وكانت مدّتهم بالمغرب ، ومصر ، منذ قام عبيد اللّه المهدي إلى أن مات العاضد 272سنة ، منها بالقاهرة 208 سنين فسبحان الباقي. (1)
    1 ـ المقريزي ، الخطط : 1/358 ـ 359 باختصار ، وابن خلكان : وفيات الاَعيان : 3/109 ـ 112 ، والذهبي : سير اعلام النبلاء : 15/207 ـ 215.
بحوث في الملل والنحل ـ جلد الثامن ::: فهرس