كتاب بحوث في الملل والنحل ـ جلد الثامن ::: 341 ـ 350
(341)
الفصل السادس عشر
في
فرقة الدروز


(342)

(343)
الدروز هي جمع الدرزي ، والعامة تتكلّم بضم الدال ، والصحيح هو فتحها. والظاهر انّ الكلمة تركية بمعنى الخياط ، وهي من الكلمات الدخيلة على العربية حتى يقال : درز يدرز درزاً ، الثوب ، خاطه ، والدرزي : الخياط.
    والدروز فرقة من الباطنية لهم عقائد سرية متفرقون بين جبال لبنان وحوران والجبل الاَعلى من أعمال حلب.
    ولم يكتب عن الدروز شيء يصح الاعتماد عليه ولا هم من الطوائف التي تنشر عقائدها حتى يجد الباحث ما يعتمد عليه من الوثائق.
    نعم كتب عنهم المستشرقون أشياءً لا يمكن الاعتماد عليها ، وقد سبق منّا في ترجمة الاِمام الحادي عشر الحاكم باللّه انّالاِسماعيلية كانت فرقة واحدة وطرأ عليهم الانشقاق بالقول بإلوهية الحاكم وغيبته وهم اليوم معروفون بالدروز ، وقلنا : إنّ الحاكم استدعى الحمزة بن علي الفارسي الملقّب بالدرزي وأمره أن يذهب إلى بلاد الشام ليتسلم رئاسة الدعوة الاِسماعيليّة فيها ، ويجعل مقرّه « وادي التيم » ، ولقبه الاِمام بالسيد الهادي ، وتمكن الدرزيّ في وقت قليل من نشر الدعوة الاِسماعيليّة في تلك البلاد إلى أن وصلت إليه وفاة الاِمام الحاكم وتصدى ابنه الظاهر لمقام الولاية ، ولكن الدرزيّ لم يعترف بوفاة الاِمام الحاكم بل ادّعى انّه غاب وبقى متمسكاً بإمامته ومنتظراً لعودته ، وبذلك انفصلت الدرزية عن الاِسماعيليّة وكان ذلك الانشقاق عام 411 هـ . (1)
    
    1 ـ لاحظ تاريخ الدعوة الاِسماعيلية : 238.

(344)
الدروز في موسوعات دائرة المعارف
    إنّ الدروز من الفرق الباطنية التي يصعب الاطلاع على عقائدهم لاَنّهم راعوا جانب الحذر والتكتم عليها ، ومع ذلك فقد نقل أصحاب دوائر المعارف أُموراً عنهم ، ونحن نقتطف مما جاء فيها :

1 ـ الدروز في دائرة المعارف البستانية (1)
    بعد أن ذكرت الموسوعة مراكز توطّنهم وعدد نفوسهم وشيئاً من أحوالهم السياسية والآداب الاجتماعية و ما يزاولوه من المهن كالزراعة والتجارة ، والحروب التي نشبت بينهم وبين غيرهم من الطوائف ، قالت عن عقيدتهم ما هذا نصّه :
    و إيمان الدروز ، أنّ اللّه واحد ، أحد ، لابداءة له ولا نهاية ، وأنّالنفوس مخلّدة تتقمّص بالاَجساد البشرية (التناسخ)و لابدّ لها من ثواب وعقاب يوم المعاد بحسب أفعالها ، وأنّ الدنيا تكونت بقوله تعالى كوني فكانت ، والاَعمار مقدّرة بقوله : « وَ لَنْ يُوَخِّرَ اللّهُ نَفْساً إِذا جاءَ أَجَلُها » (2) وأنّ اللّه عارف بكل شيء ، وهم يكرمون الاَنبياء المذكورين في الكتب المنزلة ، ويوَمنون بالسيد المسيح ولكنّهم ينفون عنه الاِلوهية والصلب ، وأسماء بعض الاَنبياء عندهم كأسمائهم في تلك الكتب ، ولبعضهم أسماء أُخرى كالقدّيس جرجس ، فإنّه عندهم الخضر ، وأسماء أنبيائهم شعيب وسليمان وسلمان الفارسي ولقمان ويحيى ، وعندهم انّه لابدّمن العرض والحساب يوم الحشر والنشر. وتنقسم هذه الطائفة إلى : عقّال وجهّال. فالعقال هم عمدة الطائفة ، ولهم رئيسان دينيان يسمّيان بشيخي العقّال ، والاَحكام الدينية مفوضة إليهم.
    1 ـ وقد طبع الجزء الذي نقلنا الترجمة عنه عام 1883 م ، أي ما يعادل عام 1301 هـ .
    2 ـ المنافقون : 11.


(345)
    وعندهم للوصية نفوذ تام ، فإنّ الاِنسان مختار أن يوصي قبل موته بأملاكه لمن يشاء ، قريباً كان أم غريباً. ولذلك قد منحتهم الدولة العلية منذ القديم قاضي مذهب لدعاوى الوصايا.
    وقد أمر عقّالهم بتجنّب الشك ، والشرك ، والكذب ، والقتل ، والفسق ، والزنا ، والسرقة ، والكبرياء ، والرياء ، والغش ، والغضب ، والحقد ، والنميمة ، والفساد ، والخبث ، والحسد ، وشرب الخمور ، والطمع ، والغيبة ، وجميع الشهوات والمحرمات والشبهات ، ورفض كلّ منكر من المآكل والمشارب ، ومجانبة التدخين ، والهزل والمساخر والهزء والمضحكات ، وجميع الاَفعال المغايرة لاِرادته تعالى ، وترك الحلف باللّه صدقاً أو كذباً ، والسب ، و القذف ، والدعاء بما فيه ضرر الناس.
    وعندهم انّه على كلّ موَمن التحلّي بالعفاف ، و الطهارة ، و الفعل الجميل ، والكرم بالعلم ، والمال ، وخوف اللّه وطاعته ، والرصانة ، و صيانة العرض ، و صدق اللسان ، وصونه من الاِفك والاِثم والزور والبهتان مع استمرار ذكر اللّه وتسبيحه وتقديمه ، وتقديم الصلوات والتضرعات والتوسلات لعزته تعالى.
    ولا يجوز لعاقل أن يخلو بامرأة ، ولا أن يرد تحيّتها ما لم يكن بينهما ثالث.
    وشأنهم التهذيب وكره الزيف والترف. وكل عاقل ارتكب القتل أو الزنا أو السرقة أو غيرها من الآثام يطرد من مجلس العقال الذين يجلسون فيه للقيام بالفروض الدينية ويبقى مطروداً إلى أن تتحقّق ندامته وتوبته.
    ومن شأن الدروز إكرام الضيف ، و الشجاعة ، والاقتصاد بالمعيشة.
    ويسكنون الآن في جبل لبنان وقضاء « راشيا » وقضاء « حاصيا » وإقليم البلان والغوطة والشام وجبل حوران وجبل الكرامل والجبل الاَعلى ومرعش وحلب والحلة والكوفة ، ومنهم عشيرة بني لام في العراق ، وفي الغرب والهند.


(346)
    وتناولنا من أحد أُدبائهم جملة أُخرى هذا ملخصها :
    يوَمن الدروز بأنّ الدنيا حادثة وبوجود اللّه وان لا خالق سواه. وانّه قديم أزلي ، أبدي ، عادل ، لا غرض لفعله ، غني لا يحتاج ، وحاكم قادر لا يجب عليه شيء ، إن أثاب فبفضله وإن عاقب فبعدله ، غير متبعّض ، ولا له حد ولا نهاية ، ويعتقدون القرآن الشريف اعتقاد السنية إلاّأنّهم يخالفونهم في تفسير بعض آياته الكريمة. ويعتقدون أيضاً أقوال حمزة وتعاليمه ويسمّونها كتب الحكمة؛ وتتضمن علم التوحيد ، وكيفية خلق العالم وأسبابه وعلله ، وذكر الاَنبياء ، وأسمائهم وفضائلهم ، والاَمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وما يجب على الاِنسان وما لا يجب عليه ، وإثبات المعاد والحساب والعقاب واعتقاد التناسخ ، وكون النفوس معدودة محدودة لا تزيد ولا تنقص باقية أزلية لا تفنى ، مستقرة في أمكنتها غارقة في بحر عظمة اللاهوت ، تفنى الاَجساد القائمة بها وتتلاشى وهي باقية إلى الاَبد لا تفنى ولا تتغير.
    وهم ينقسمون باعتبار الطريقة المذهبية إلى قسمين :
    طائعون ويعرفون بالعقال ، وهم السالكون بمقتضى الطريقة المذهبية ، كالامتناع عن التدخين وسائر المشروبات الروحية والابتعاد عن التأنّق في المأكولات والملبوسات وسائر اللذات الدنيوية والاقتصار على التقشف في المعيشة.
    و شراحون ويعرفون بالجهال ، وهم المخالفون للعقال في الامتناع عن التدخين والمشروبات الروحية وعن الترفّه في المعيشة والتنعّم باللذات الدنيوية ، ولذلك لا يسوغ لهم مطالعة القرآن الشريف ، ولا متون الحكمة خلافاً للعقال ، لاَنّ عندهم كتباً مقدسة لا يمسّها إلاّالطاهرون. والطهارة عندهم الامتناع عن سائر المحرمات والممنوعات ، وإنّما يسوغ لهم تلاوة بعض شروح كتب دينية ، ولهذا يقال لهم شراحون.


(347)
    و يمتاز العقال عن الجهلاء بكونهم يتعمّمون بعمامة بيضاء ويلبسون الملابس البسيطة كالقباء والعباءة ، ونسبة هوَلاء العقال إلى الجهال عدداً أكثر من ثلاثة أرباع.
    أمّا شعائرهم في ختان الاَولاد والزواج والطلاق والصلاة على الجنازة فهي طبق الشعائر الاِسلامية غير انّه ليس من عوائدهم أن يتزوج أحدهم بغير امرأة واحدة ، لا يسوغ التزوّج بها ثانية بعد الطلاق على الطريقة المعروفة بالرجعة ، ولهم عيدان : عيد رمضان ويسمّونه بالعيد الصغير ، وعيد الاَضحى ويسمّونه بالكبير ، ولهم معابد كثيرة معدّة للصلوات يجتمعون فيها كلّ ليلة جمعة ، ولاَكثر هذه المعابد أوقاف مخصوصة تنفق حاصلاتها على لوازم تلك المعابد. ولهم أيضاً معابد أُخرى معدّة للاَشخاص الذين يفرغون أوقاتهم لعبادة اللّه تعالى. وتسمّى هذه المعابد بـ « الخلوات » وهي كالاَديرة عند المسيحيين عددها 40 في الجبل وخلافه. (1)

2 ـ الدروز في دائرة المعارف المصرية (2)
    هذا ما يذكره بطرس البستاني ويصور لهم صورة بيضاء ناصعة ويطهّرهم عن كلّما ينسب إليهم من المنكرات ، وفي الوقت نفسه يصوّر لنا الكاتب محمد فريد وجدي صورة مشوّهة عنهم حينما قال :
    ظلت معتقدات الدروز في طي الخفاء حتى استولى إبراهيم باشا بن محمد علي على معابدهم في جبل « حاصبيا » ووجد في كتبهم كنه مذهبهم تفصيلاً منها كلمة الشهادة عندهم : (ليس في السماء إله موجود ولا على الاَرض ربّمعبود إلاّ الحاكم بأمره).
    من معتقداتهم أنّ الحاكم بأمر اللّه هو اللّه نفسه وقد ظهر على الاَرض عشر
    1 ـ البستاني : دائرة المعارف : 7/675 ـ 677.
    2 ـ طبع سنة 1386 هجري ، 1967 ميلادي.


(348)
مرات أُولاها في العلى ، ثمّفي البارز إلى أن ظهر عاشر مرة في الحاكم بأمر اللّه ، وأنّ الحاكم لم يمت بل اختفى حتى إذا خرج يأجوج ومأجوج ـ ويسمّونهم القوم الكرام ـ تجلّى الحاكم على الركن اليماني من البيت بمكة ودفع إلى حمزة سيفه المذهب فقتل به إبليس والشيطان ، ثمّيهدمون الكعبة ويفتكون بالنصارى والمسلمين ويملكون الاَرض كلّها إلى الاَبد.
    ويعتقدون أنّ إبليس ظهر في جسم آدم ، ثمّ نوح ، ثمّ إبراهيم ، ثمّموسى ، ثمّ عيسى ، ثمّمحمد ، وأنّالشيطان ظهر في جسم ابن آدم ، ثمّ في جسم سام ، ثمّ في إسماعيل ، ثمّ في يوشع ، ثمّ في شمعون الصفا ، ثمّ في علي بن أبي طالب ، ثمّ في قداح صاحب الدعوة القرمطية.
    ويعتقدون بأنّعدد الاَرواح محدود ، فالروح التي تخرج من جسد الميت تعود إلى الدنيا في جسد طفل جديد.
    وهم يسبون جميع الاَنبياء ، يقولون : إنّ الفحشاء والمنكر هما أبوبكر وعمر ، ويقولون : إنّقوله تعالى : « إِنّما الْخَمْرُ وَ الْمَيْسِرُ وَ الاََنْصابُ وَ الاََزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطان » (1) يراد به الاَئمّة الاَربعة وانّهم من عمل محمد.
    و يعتقدون بالاِنجيل والقرآن ، فيختارون منهما ما يستطيعون تأويله ويتركون ماعداه ، ويقولون : إنّالقرآن أُوحي إلى سلمان الفارسي فأخذه محمد ونسبه لنفسه ويسمّونه في كتبهم المسطور المبين.
    ويعتقدون أنّ الحاكم بأمر اللّه تجلّى لهم في أوّل سنة (408 هـ) فأسقط عنهم التكاليف من صلاة وصيام وزكاة وحجّوجهاد وولاية وشهادة.
    لدى الدروز طبقة تعرف بالمنزهين وهم عباد أهل ورع وزهد ، ومنهم من لا يتزوج ، ومن يصوم الدهر ، ومن لا يذوق اللحم ، ولا يشرب الخمر. (2)
    1 ـ المائدة : 90.
    2 ـ محمد فريد وجدي : دائرة المعارف : 4/26 ـ 28.


(349)
عقائد الدروز
    وقد تناولت دائرة المعارف الاِسلامية ـ بعد أن استعرضت شيئاً من أحوالهم ومواطنهم وعاداتهم وحرفهم ـ جانباً من أبرز جوانب عقيدتهم ، وهو اعتقادهم بإلوهية الحاكم ، ما هذا نصّه :

1 ـ اعتقادهم بإلوهية الحاكم
    وقد قام مذهب الدروز على فكرة أنّ اللّه قد تجسد في الاِنسان في جميع الاَزمان وهم يتصورون أنّاللّه ذاته أو على الاَقل القوة الخالقة تتكون من مبادىَ متكثرة يصدر الواحد منها عن الآخر ويتجسد مبدأ من هذه المبادىَ في الاِنسان.
    فالخليفة الحاكم وفقاً لهذه العقيدة يمثل اللّه في وحدانيته وهذا هو السبب في أنّ حمزة قد أطلق على مذهبه اسم مذهب « التوحيد » وهم يعبدون الحاكم ويسمّونه « ربنا » ويفسرون متناقضاته وقسوته تفسيراً رمزياً ، فهو آخر من تجسد فيهم اللّه. وهم ينكرون وفاته ويقولون إنّه إنّما استتر وسيظهر في يوم ما وفقاً للعقيدة المهدوية.
    ويلي الحاكم في المرتبة خمسة أئمّة كبار تتجسد فيهم المبادىَ التي صدرت عن اللّه :
    فالاَوّل : تجسيد للعقل الكلي ، وهو حمزة بن علي بن أحمد الزوزني الملقب بـ « العقل » ويرمز له بـ « الاَخضر » وهو الاِمام الاَعظم وآدم الحقيقي.
    والثاني : تجسيد للنفس الكلية وهو إسماعيل بن محمد بن حامد التميمي الملقب بـ « النفس » ويرمز له بـ « الاَزرق » وهو صهر حمزة ووكيله في الدين.
    والثالث : تجسيد للكلمة التي خرجت من النفس عن طريق العقل ، وهو محمد بن وهب القرشي الملقب بـ « الكلمة » ويرمزر له بـ « الاَحمر » وهو سفير


(350)
القدرة والشيخ الرضي.
    والرابع : السابق وهو سلامة بن عبد الوهاب السَّمُري الملقب بـ « السابق » ويرمز له بـ « الاَصفر » أو « الجناح الاَيمن ».
    الخامس : التالي وهو بهاء الدين أبو الحسن علي بن أحمد السموكي الملقب بـ « التالي » أو « الجناح الاَيسر » ويرمز له بـ « البنفسجي » وهو آخر الحدود الخمسة وبه انغلقت الدعوة الدرزية وصارت سرية لا علنية.
    و يلي هوَلاء الاَئمّة الكبار آخرون أدنى منهم مرتبة موزعون على ثلاث طبقات وهم : الداعي ، والمأذون ، والمكاسر و يعرف أيضاً بالنقيب. ويعرف الداعي كذلك بالعمل ، والمأذون بالفاتح.
    ومعرفة ذات اللّه وصفاته وتجلياته في سلسلة المبادىَ المتجسدة في الاَئمّة وهي عقائد هذا المذهب. وتتلخص آدابه في سبعة أركان تقوم مقام أركان الاِسلام وهي :
    1 ـ حب الحقّ (بين الموَمنين دون غيرهم).
    2 ـ حفظ الاِخوان (الدروز).
    3 ـ التبروَ من العقيدة التي كان يدين بها الدرزي من قبل.
    4 ـ الابتعاد عن الشيطان وعن الضالين والاَبالسة.
    5 ـ التوحيد للحاكم في كلّعصر ومكان.
    6 ـ الرضا عن أفعال « ربنا » الحاكم أياً كانت.
    7 ـ الخضوع التام لاِرادته كما تتجلّى في أئمته على ما هو مفهوم.
    و هذه القواعد واجبة الطاعة على كلّ درزي رجلاً كان أو امرأة. (1)
    وقد قام بعض الباحثين بتأليف رسالة خاصة بعقائدهم أشار فيها إلى جوانب أُخرى منها ـ غير ما نقلناه آنفاً ـ وإليك نصّ المقال بتلخيص وتصرّف :
    1 ـ دائرة المعارف الاِسلامية : 9/217 ـ 218.
بحوث في الملل والنحل ـ جلد الثامن ::: فهرس