الغيبة ::: 31 ـ 44
(31)
    هذا المسلك أيضاً خاصٌ بالامامية الاثني عشرية ، يعني من لا يقول بالامامة الالهية لا أقول إن هذا المسلك يلزمه ، ومن يقول بأن الائمة لا يحصرون في عدد معين (1).
    أيضاً هؤلاء أنا لا ألزمهم بهذا ، وأنا لا أتكلّم مع الذين قالوا بالامامة وأنّ الامامة منصب الهي على الله سبحانه وتعالى ألزم نفسه بأن يكون هو الذي يعيّن الامام « وَرَبّكَ يَخْلُقُ مَايَشَاءُ وَيَخْتَار مَاكَانَ لَهُمُ الخِيَرَةُ » لكنّ الله سبحانه وتعالى لم يلزم نفسه بعدد معيّن كعدد الاثني عشر (2) ، وأيضاً أنا لا
1 ـ كما ينسب إلى بعض إخواننا الزيديّة : أن الله سبحانه وتعالى أخبر على لسان رسوله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) بإمامة ثلاثة ، أمير المؤمنين ( عليه السلام ) والحسن ( عليه السلام ) والحسين ( عليه السلام ) ، وباقي الائمة أخبرهم بالوصل ولا يحصرون في عدد ، بل من كان فاطمياً وقام بالسيف ودعا الى الجهاد وإحياء دين رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فهو إمام علينا أن نبايعه وأن نطيعه.
2 ـ كما يقال مثلاً : إن الاسماعيلية يشتركون معنا في أئمة ستة ، ولهذا قد يعبر عنهم بأنهم الذين يلتزمون بإمامة الستة ، وهذا خطأ ، لانهم يلتزمون بامامة عدد طويل جداً ، ستة من أئمتهم هم نفس أئمتنا الاثني عشرية ، لا أنهم يلتزمون بامامة الستة مع قطع النظر عن فرقهم بين البهرة الداودية والنزارية أتباع جماعة آغا خان ، أولئك يقولون بأن الامام مستور وأن الداعية داعية مطلق لامام غائب لا يتصل به إلاّ الداعية نفسه ، وأن الاغا خانية وهم الاسماعيلية النزارية أي الاسماعيلية الشرقية ، هؤلاء يقولون : بأن هؤلاء الذين نراهم ولو كانوا في حجم آغا خان ـ الذي مات ـ جد كريم خان ، ولو كان في حجم آغا خان في شحمه ولحمه وإلى آخر وثقته في ميزان العيارات المادية ، كلهم أئمة.


(32)
أتكلم مع الذين قالوا بأن الامام السابع سلام الله عليه غاب ولم يمت بالسمّ في سجنه.
    وإنما أتكلّم مع الذين يقولون بأن الائمة اثنا عشر لا يزيدونهم واحداً ولا ينقصونهم ، وهم نحن أعني من آمن ، ومن أقرّ على نفسه والتزم بأنه إمامي اثنا عشري.
    وهذا لا يمكنه إلاّ أن يقرّ بغيبة الثاني عشر وظهوره بعد غيبته ، والابواق التي تنعق بما لا تعقل ـ وإن كان هذا التعبير فيه لذعة ، ولكني مع الاسف الشديد قد أجد نفسي ملجأً إلى أن أقول قولاً لاذعاً ، لان الذين يعارضون ، لا يعارضون بما تسنّه الانسانيّة من أصول وقواعد للمعارضات الفكريّة ، ينعقون كالذي ينعق بما لا يسمع كما يقول القرآن الكريم ـ فهم يأتون بأقوال قالتها فرقٌ أخرى غير الشيعة وبأقوال قالها غير الاثني عشريّة من الشيعة ، فيردّون بها على الشيعة ويجعلونها مأخذاً عليهم ومطعناً فيهم ، هذا أقل ما يقال فيه أنه ليس من الانصاف ولا من العقل في البحث ولا من حسن النيّة في النقاش الفكري ، فمن يلتزم بأنه إمامي إثنا عشري لا يسعه إلاّ أن يؤمن بأن


(33)
هذا العدد قد اكتمل ، لان الائمة متناسلون إمامٌ من إمام ، وأن الثاني عشر هو الذي يكون إدامةً بحياته للامامة الالهيّة ومنجزاً ما وعد الله به خلقه ونبيّه ، وعن طريق نبيه وعدنا نحن أمته ـ ونفتخر بذلك ـ وعداً قاطعاً بأن يظهر دينه ، وأن يعلي كلمته ، وأن يحقّق الحكم الالهي العادل الذي لا يميل والرحيم الرؤوف الذي لا يتجاوز الرأفة والرحمة على الخلق.
    فحصر عدد الائمة بالاثني عشر حصر يلزمه لزوماً قطعياً واضحاً صريحاً أن يكون الثاني عشر له ظهور ، وأن هذا الظهور قطعاً يكون بعد الغيبة ، لانه لم يكن له ظهور قبل الغيبة.


(34)

(35)
    كلكم سمعتم بها ، وهذه الاحاديث أيضاً متواترة.
    ولا أتكلم عن قول القائل الذي قال بأن رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) قال : « إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وسنتي » (1) ، إن صح أن رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) قال وسنتي فهو أراد أن يلقم من قال : حسبنا كتاب الله (2) حجراً لا يقول به بعده ، ولكن مع ذلك قال ما قال ومنع الامة من كتاب نبيها الذي يقول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وهو أصدق قائل بعد الله سبحانه وتعالى : « لن تضلوا بعده أبداً » وإلاّ إيماننا بالامامة والائمة واتّباعنا للائمة واهتداؤنا بهديهم واقتداؤنا بسنتهم من العمل بسنته ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وكتاب ربّه ، قال عزّ من قائل : « إنَّما وَلِيُّكمُ الله » (3) ، آمنّا وصدّقنا وإن شاء الله نحن ممّن يتولّى الله « وَمَنْ يَتَولَّ اللهَ وَرَسُولَهُ والَّذِينَ آمَنُوا فَإنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ الغَالِبُونَ » (4) ، وقال ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ثلاث أحرف بين أن يكون ثاني الثقلين أهل بيته
1 ـ المستدرك للحاكم 1 : 93.
2 ـ صحيح البخاري 6 : 318 ح872 مرض النبي ، وأيضاً 1 : 120 ح112 باب كتابة العلم.
3 ـ سورة المائدة : 55.
4 ـ سورة المائدة : 56.


(36)
سلام الله عليهم أجمعين ، أو تكون سنّته ، نعم لو ورد سنّته ، فهو لكي يلقم من قال : حسبنا كتاب الله ، حجراً لا يقوله ، ولكن مع الاسف الشديد قالها في أسوء الظروف وأنكاها : حسبنا كتاب الله.
    فحديث الثقلين يقول : « إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي ، ألا وإنه قد نبّأني اللّطيف الخبير أنهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض ».
    هذه جملة ما معناها ؟
    الذي انطبعت عليه نفوسنا أننا نقول بأن رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يوصي كل فرد من أفراد أمته بأنّ من أخذ بالكتاب العزيز عليه أن يأخذ بعدل الكتاب العزيز وهو الائمة الذين ذكرهم وعيّنهم رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، فالامة اختلفت ، وقد يقول قائل بأن البعض أخذ بالعترة وترك الكتاب والبعض الاخر أخذ بالكتاب وترك العترة ، لكن رسول الله لا يقول هذا ، لا يقول لا تفرّقوا بينهما فتأخذوا بأحدهما وتتركوا الاخر ، « لن يفترقا » يعني القرآن مع العترة والعترة مع القرآن ، لا يفترقان حتّى يردا عليّ الحوض ، لا أنه لا تفرقوا بينهما حتّى يرد على أحدكم الموت ، يعني : لا تفرقوا بينهما حتّى يأتيكم الموت ، يقول : « لن يفترقا » ، معنى ذلك : أن من أخذ بالكتاب أخذاً كما يريده الله لا يمكن أن لا يأخذ بأهل البيت ، ومن أخذ بأهل البيت(عليهم السلام)كما أرادوه له أخذ بالكتاب كما أراد الله سبحانه وتعالى.
    فالقضية ليست قضية اختيار منّا حتّى يكون الامر الالهي بأن نجمع بين العدلين ، لا أن نأخذ بواحدة سواء أكان الكتاب العزيز أم العترة الطاهرة ، وأن نترك الاخر سواءً أكان الكتاب العزيز ام العترة الطاهرة لا ، أنهما لن يفترقا ، وذلك كقوله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : « علي مع الحق والحق مع علي لن يفترقا حتى يردا عليّ


(37)
الحوض » (1) ، يعني أن عليّاً سلام الله عليه لا يمكن أن يكون في جانب ويكون الحق في الجانب الاخر ، فإن رأيتم علياً يسير سيراً خاصّاً فاعلموا أن الحقّ يسير معه.
    إذن فحديث الثقلين لا مورد له إلاّ أن يكون للاخذ بالقرآن من قبل الامة المسلمة ولو كانت بعد الف وأربعمائة وعشرين سنة من هجرته ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، والف وأربعمائة وعشر سنين من رحلته ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، فالان رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) بالنسبة لنا كلنا نحن الاخوة المجتمعون هنا يوصينا : « إني تركت فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي الا وإنهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض فانظروا كيف تخلفوني فيهما » (2).
    فنحن أيضاً القرآن الكريم ماثل أمامنا لا في طبعته الحاضرة ، وإنما بصورته الاصلية التي تمثلها طبعات القرآن الكريم إن شاء الله كاملةً غير منقوصة ولا مزادة ، فأين العترة التي نأخذهم؟ الذين ماتوا ؟ فهم(عليهم السلام)قد انتهت أيام إمامتهم ، فلابد وأن يكون للثقل الاخر وجودٌ حي كوجود القرآن الكريم ، فعلينا نحن الامة المسلمة أن نأخذ به كما نأخذ بالقرآن الكريم.
1 ـ تاريخ بغداد 14 : 321 ، المستدرك للحاكم 3 : 119.
2 ـ انظر : صحيح الترمذي 5 : 663 ح 3788 ، مسند أحمد 3 : 17 ح 10747 ، نوادر الاصول 1 : 258.


(38)

(39)
    وهنا أستعين بما يرويه إخواننا غير الاماميّة.
    قلت بأن أحاديث المهدي كما هي متواترة عند الامامية متواترة عند غيرهم ، بحيث أنهم يرون أن الايمان بالمهدي وظهوره ايمان بما أخبر الله به خبراً قاطعاً صريحاً جاءت به الرواية أو السنة المتواترة عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، ولا أجدني بحاجة إلى أن أحكي نصوصهم بتواتر الحديث وأنّ من أنكره فقد أنكر أمراً ثبت ثبوتاً قاطعاً عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) أنه أخبر به ، وإنما أحكي نصوصاً مختارة من نصوصهم ، هذه النصوص تدلّ على أن المهدي سلام الله عليه خليفة من نوع آخر ، لا من نوع خلفائهم الذين التزموا بصحة خلافتهم وصحة إمامتهم وأنهم خلفاء هدى وسمّوهم الخلفاء الراشدين واختصّوا بثلاثة منهم تقدّموا على مولانا أمير المؤمنين سلام الله عليه.
    أنا أحكي النصوص ثم آتي بالجهة التي أريد أن أستدلّ بها ، طبعاً المجموعة طويلة ، وأنا حذفتُ الاسانيد وحذفت المصادر المتكثرة واكتفيت بمصدر واحد أو مصدرين :
    عن عبد الله بن مسعود قال : قال رسول الله صلى الله عليه [ وآله ] وسلّم : « لو لم يبق من الدنيا إلاّ يوم لطوّل الله ذلك اليوم حتى يبعث فيه رجلاً منّي أو


(40)
من أهل بيتي يملا الارض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً » (1).
    أيضاً بمثله : عن عبد الله بن مسعود بلفظ يقرب من هذا ، وعن علي بن أبي طالب ، وعن حذيفة بن اليمان ، وعن قرة بن أياس المزني ، وعن عبد الرحمن بن عوف.
    كل هؤلاء اتّفقوا في بعض ماورد من لفظ الحديث عندهم ، وبعضهم اكتفى بذلك اللفظ وحده ، نعم عبد الله بن مسعود جاء الحديث عنه بألفاظ مختلفة وفيها نوع من التناقض أو المجافاة أو عدم الملائمة بين الفاظها ، وهذا أيضاً أتركه إلى مجال آخر.
    المهم هذه الكلمة : « حتى يبعث الله » ، معنى ذلك : أن قيام المهدي سلام الله عليه وظهوره بإرادة مباشرة من الله سبحانه وتعالى ، فالله سبحانه وتعالى حينما يريد أن يخبر عن رسالة رسوله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) كيف يقول؟ « هوَ الَّذي بَعَثَ فِي الاُْمّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُم يَتْلُو عَلَيْهِم آياتِهِ وَيُزَكّيهِم وَيُعَلِّمُهُمُ الكِتَابَ والحِكْمَةَ » (2) إلى آخر الايات الكريمة ، فرسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) هنا يأتي بكلمة : « يبعث » كما قال الله سبحانه وتعالى عن رسالته ونفسه « هُوَ الَّذِي بَعَثَ » ، وكلمة بعث جاءت للتعبير عن إرسال الرسول في آي كثيرة من آي الذكر الحكيم ، لا للدّلالة على أن المهدي سلام الله عليه رسول بعد رسول الله ، بل للدّلالة على أن العمل عملٌ مباشر قام به الله سبحانه وتعالى.
    وقد يقول قائل : بأن حق الاختيار للامّة يشمل حق اختيار خليفة
1 ـ سنن أبي داود : 4 / 106 ـ 107 ح 4282.
2 ـ الجمعة : 2.


(41)
عليها ، ويقول أيضاً : بأن هذا الخليفة وإن كان قد احتل منصب الزعامة عليهم باختيار منهم وأساس الاختيار بيعتهم له ورضاهم بأن يكون هو الذي يتأمر عليهم ، ولكن حيث أن الله سبحانه وتعالى ـ هنا أحكي أقوالاً ولا أناقشها ـ قد رضي بهذه الخيرة ورضي بها رسوله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، فنكون قد نسبنا منصب من اخترناه إلى أنه خلف نبي الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ).
    أمّا هنا ، فالله سبحانه وتعالى إن أسندنا إليه الرضا ، فيكون الخليفة خليفة من قبل الله بصورة غير مباشرة ، حيث أن الله سبحانه وتعالى لم يرشدنا إلى أحد ولم يأمرنا أن ندين لاحد ولم يأمرنا بالبيعة اللازمة لمن له منصب الهي ، علينا أن نلتزم بالايمان بمنصبه والايمان بما يأتيه « يا أيُّها النَّبي إذا جَاءَك المُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَك عَلى أنْ لا يُشْرِكْنَ بِاللهِ شَيْئاً وَلا يَسْرِقْنَ » (1) إلى آخر الاية الكريمة.
    فالبيعة في القرآن الكريم جاءت كتأكيد من قبل المؤمن بإيمانه لا اختيار حرٍّ يقوم به في عالم المنافسات السياسية.
    ولاجل هذا حينما يريد أن يعبّر عن إرسال رسوله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يقول : « هوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الامِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ » (2) ، هنا أيضاً يقول : « حتى يبعث الله فيه رجلاً مني أو من أهل بيتي » ، يعني إماماً قدّر الله سبحانه وتعالى له الامامة ، مباشرة وأن الله سبحانه وتعالى قد غيّبه عن خلقه بأمر منه مباشر ، وأنه يريد له الغيبة بحكمته كما يريد ، طال الزمن أو قصر ، عاشت الامة في أمل أو خفّ
1 ـ سورة الممتحنة : 12.
2 ـ سورة الجمعة : 2.


(42)
عندها الامل ، ولكن هذا الوعد ، وعدٌ قاطعٌ بأنه لابدّ وأن يكون هذا المغيّب الذي غيّبه الله سبحانه وتعالى بأمر منه أن يكون هو الذي يأمر بظهوره حتى يملا الارض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً.
    فإذن إمامة المهدي إمامة إلهية ، لان كلمة يبعث تدلّ عليها ، وظهور المهدي ظهورٌ إلهي ، لا ظهورٌ الهي بالمعنى العرفاني ، يعني ظهوراً بأمر خاص من الله سبحانه وتعالى ، كما يعبر عنه الحديث الذي يروى عن أمير المؤمنين سلام الله عليه : « المهدي منّا أهل البيت يصلحه الله في ليلة » (1) ، معنى « يصلحه الله في ليلة » يعني حوائجه ـ وليس معناه : أن الله سبحانه وتعالى يهيّء له عرش السفر في ليلة واحدة ويأخذ له تذاكر السفر!! ـ أي بعد أن يكون عليه الصلاة والسلام لا يأمل بقرب ظهوره وانتهاء أمد غيبته في ليلة يأمر الله سبحانه وتعالى له فيظهر في صبيحتها ، هذا معنى يصلح الله أمره في ليلة.
    إذن فالمهدي هذا إمامٌ إلهي لا إمام اخترناه فرضي الله لنا ما اخترنا بخيرتنا نحن ، وغيبته غيبة الهية وظهوره ظهور إلهي ، ومثل هذا الامام لا يكون إلاّ من جنس أئمتنا نحن الامامية.
    وهنا كلمة فسّرها إخواننا حيث يقولون في عدد الائمة « الائمة بعدي اثنا عشر » ، يقولون : إن الذين يخلفون على الامة بعد رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وهم عدول لا يجورون ولا يظلمون اثنا عشر ، ويجمعون الخلفاء الراشدين ، ومعاوية هم يجرجرون به إلى الخلافة لا إلى النار وبعد ذلك يحتارون مَن ؟ قد يصلون إلى السفاح والمنصور وكذا وكذا ، هؤلاء لا تربطهم رابطة سوى أنهم انتزعوا من
1 ـ مسند أحمد 1 : 84 ح646 ، كنز العمال 14 : 264 ح 38664.

(43)
ضمن قائمة الخلافة الراشدة وغير الراشدة عندهم ، انتزعوا انتزعاً لهوى في نفوس المنتزعين ، لا لميزة في الاشخاص الذين انتزعوا وفصلوا عمّن سبقهم وهو الذي عينهم وعمّن جاء بعدهم ، وهو الذي عيّنوه هم وحكّموه على رقاب الامة. عمر بن عبد العزيز اختاره الخليفة الذي قبله هو راشد والذي اختاره غير راشد ، عمر بن عبد العزيز استخلف فلاناً ، ذلك المستخلف من قبل عمر بن عبد العزيز غير راشد ، ولكن عمر بن عبد العزيز نفسه راشد ، فان كان راشداً فمن استخلفه كان أيضاً راشداً في استخدامه ، والذي استخلفه هو على الامة ومكّنه من رقاب الامة أيضاً خليفة راشد وإن كان غير راشد ، فالحكم لكم أنتم.
    معنى ذلك : أن أحاديث المهدي عندهم فيها نص ، هذا النص يؤكد بصورة قاطعة أن المهدي ( عليه السلام ) ليس من جنس الخلفاء الذين استخلفوا على هذه الامة بعد وفاة نبيها ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، وإنما هو إمامٌ إلهي.
    وهذا لا ينسجم إلاّ مع رأي الامامية في الامامة ، ومعنى ذلك أنّ أحاديث المهدي عندهم تشير إلى أنّ إمامة المهدي سلام الله عليه إمامة إلهية وإن لم يقولوا بها في أحد غيره ممن جاؤا بعد رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) كخلفاء على الامة ، حتى في حق أمير المؤمنين سلام الله عليه ، وهو الخليفة الالهيّ عندنا نحن الامامية.
    إذن فإمامة المهدي إمامة إلهية ، هذه الامامة الالهية لا تتمّ إلاّ في ضمن سلسلة منتظمة انتظاماً إلهياً ، على النحو الذي نقول به نحن الامامية.
    فأحاديث المهدي سلام الله عليه عند إخواننا فيها ما يدل دلالةً قاطعةً على النظرة التي تنظر بها الامامية إلى المهدي سلام الله عليه.


(44)
    ويؤكّده حديث يروونه هم عن أمير المؤمنين سلام الله عليه قال : « قلت : يا رسول الله المهدي منّا أئمة الهدى أم من غيرنا ؟ » فإذن أمير المؤمنين سلام الله عليه يفرض مسبقاً أن هناك أئمة هم أئمة هدى وهدايتهم لا بالانتخاب ، لانه يسألها في حياة رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) عنه وبعد لم يمت رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) حتى يكون هناك انتخاب للخليفة ويكون الخليفة منتخباً انتخاباً شرعياً فاز في المنافسة السياسية التي كانت حرّةً قائمة لم يزيف فيها رأي ولم يفتعل فيها رأي ، ففي حياة رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يسأل أمير المؤمنين سلام الله عليه يقول : « قلت : يارسول الله المهدي منا أئمة الهدى أم من غيرنا ؟ قال : بل منّا ، بنا يُختم الدين كما بنا فُتح » (1).
    إلى هنا والحديث بعد طويل ، والحمد لله رب العالمين وصلّى الله على سيّدنا محمد وآله الطيّبين الطاهرين.
1 ـ كتاب الفتن لنعيم بن حماد 1 / 370 ح1089 ، وانظر : الحاوي للفتاوي للسيوطي 2/61.
الغيبة ::: فهرس