القول الصراح في البخاري وصحيحه الجامع ::: 226 ـ 240
(226)
    وفضله : كأحمد بن حنبل ، والترمذي ، وابن عساكر ، والطبراني ، وأبو يعلى ، والبيهقي ، والحاكم وابن سعد ، وغيرهم ، مضافاً إلى ما مرَّ من صلوة النبي عليه كما يعلم من المراجعة إلى « جمع الجوامع » ، و « كنز العمال » روى في الأخير : عمرو بن العاص من صالحي قريش (1).
    والترمذي عن طلحة : أسلم الناس وآمن عمرو بن العاص (2).
    وفي مسند أحمد والترمذي عن عقبة بن عامر الاكمال : نعم أهل البيت عبدالله وأبوعبدالله وأم عبدالله ابن عمرو بن العاص (3).
    وابن عساكر عن عمرو بن دينار عن جابر ان النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) دخل على عمرو بن العاص فقال : أن عمرو بن العاص لرشيد الأمر (4) وعن طلحة بن عبيدالله ان عمرو بن العاص لمن صالحي قريش ونعم أهل البيت عبدالله وأبو عبدالله : أحمد بن حنبل وابن عدي عن جابر يا عمرو انك لذي رأي رشيد في الاسلام.

    أبو هريرة الدوسي
    الذي ملأوا كتبهم وطواميرهم من رواياته وقد سبق نقلاً عن ابن أبي الحديد المعتزلي أن معاوية بذل له مالاً ليفتري على أمير المؤمنين صلوات الله عليه حديثاً يدل على ذمّه ففعل.
1. مسند أحمد 1 : 161 ، سير أعلام النبلاء 3 : 56.
2. مسند أحمد 4 : 155 ، سنن الترمذي رقم 3844 ، سير أعلام النبلاء 3 : 64.
3. مسند أحمد 1 : 161 ، سنن الترمذي رقم 3845 ، سير أعلام النبلاء 3 : 56.
4. سير أعلام النبلاء 3 : 64.


(227)
    ويعلم من كثير من كتب القوم أنه كان معروفاً بالتساهل في الرواية والوضع والاختلاق ، روى الحميدي في الجمع بين الصحيحين في مسند عبدالله بن عمر في الحديث الرابع والعشرين بعد المائة : من المتفق عليه أي مما اتفق البخاري ومسلم على روايته ، أن رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) أمر بقتل الكلاب الاّ كلب صيد أو كلب غنم أو ماشية ، فقيل لابن عمر : أن أبا هريرة يقول : أو كلب زرع ، فقال ابن عمر : ان لأبي هريرة زرعاً (1).
    وروى في الحديث السادس والستين بعد المائة ، في مسند أبي هريرة : من المتفق عليه أيضاً عن أبي رزين قال : خرج الينا أبوهريرة فضرب يده على جبهته وقال : ألا انكم تحدّثون عليَّ (2) أنّي أكذب على رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) لتهتدوا وأضلّ ، الحديث. (3)
    وروى في الحديث الستين بعد المأة : من المتفق عليه في مسند أبي هريرة يروي عن النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : من تبع جنازة فله قيراط من الأجر.
    فقال ابن عمر : قد أكثر علينا أبو هريرة (4).
    وقال علي القاري من أجلاء علمائهم ونحارير محققيهم وفضلائهم في المرقاة شرح المشكاة : وعنه أي عن أبي هريرة قال : إنَّكم ـ أي معشر التابعين وقيل الخطاب مع الصحابة المتأخرين ـ تقولون أكثر أبو هريرة أي الرواية عن
1. الجمع بين الصحيحين للحميدي 2 : 237.
2. ليست في النسخة المطبوعة لفظة « عليَّ ».
3. المصدر السابق رقم 2333.
4. المصدر السابق ، برقم 2327 ، صحيح البخاري3 : 192 رقم 1323 ـ 1324 ، ومسلم 2 : 653.


(228)
النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) والله الموعد ، أي موعدنا فيظهر عنده صدق الصادق وكذب الكاذب لأن الاسرار تنكشف هنالك.
    وقال الطيبي : أي لقاء الله الموعد ، أي موعدنا ، يعنى به يوم القيامة فهو يحاسبني على ما أزيد أو أنقص لاسيّما على رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) إلى ما ذكر.
    وفي المفاتيح للخلخالي ، شرح المصابيح أيضاً مايقرب مما ذكر.
    وقال عبدالله بن مسلم بن قتيبة في كتاب الردّ على من قال بتناقض الحديث : ما يدل على أن أمير المؤمنين صلوات الله عليه وعمر وعثمان وعائشة كانوا يكذبون أبا هريرة واعتذر عنه بما لا يجدي ، قال : فأما طعنه على أبي هريرة بتكذيب عمر وعثمان وعلي وعائشة ، فإن أبا هريرة صحب رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) نحواً من ثلاث سنين وأكثر الرواية عنه ، وعمر بعده نحواً من خمسين سنة ، وكانت وفاته تسع وخمسين ، وفيها توفيت أم سلمة زوجة النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، وتوفيت عائشة قبلها بسنة ، فلما أتى من الرواية عنه ، بما لم يأت بمثله من صحبه من أجلة أصحابه والسابقين الأولين إليه اتّهموه وأنكروا عليه وقالوا : كيف سمعت هذا وحدك ومن سمعه معك وكانت عائشة أشدّهم انكاراً عليه ، حتى تطاولت الأيّام بها وبه وكان عمر شديداً على من أكثر الرواية.
    وروى الطبراني في المعجم الاوسط ان أبا هريرة روى أن رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) قال : من لم يوتر فلا صلاة له ، فقالت : ومن سمع هذا من أبي القاسم ما بعد العهد وما نسينا ، إنّما قال أبو القاسم : من جاء بالصلوات الخمس يوم القيامة ، حافظاً على وضوئها ومواقيتها ، وركوعها ، وسجودها ، لم ينتقص منه شيئاً كان


(229)
له عهد أن لا يعذبه ، ومن جاء وقد انتقص منهن شيئاً فليس له عهد عند الله ان شاء رحمه وان شاء عذّبه.
    وروى شمس الأئمة في كتاب الاصول : أنه لما سمعت ـ أي عائشة ـ أبا هريرة يروى أن ولد الزنا شرّ الثلاثة ، قالت : كيف يصح هذا ! ؟ وقد قال الله تعالى : ( ولا تزر وازرة وزر أخرى ( رحمهما الله ) (1).
    وفي كنز العمال عن ميمون بن مهران أنه شهد ابن عمر صلّى على ولد الزنا ، فقيل له : أن أبا هريرة لم يصل عليه ، وقال : هو شرّ الثلاثة ، فقال ابن عمر : هو خير الثلاثة.
    وروى أيضاً بعد الرواية السابقة ، أن عائشة قالت : لابن أختها ألا تعجب من كثرة رواية هذا الرجل أي أبي هريرة ؟ ورسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) حدّث بأحاديث لو عدّها عاد لأحصاها.
    وفي الجمع بين الصحيحين للحميدي أن أبا هريرة روى أن رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) قال : « لا يمش أحدكم في نعل واحدة لينعلهما جميعاً أو ليخلعهما جميعاً » (2).
    وروى الحافظ أبوزرعة العراقي في كتاب شرح الاحكام عن ابن أبي شيبة عن ابن عيينة عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه ان عائشة كانت تمشي في خفّ واحد وتقول لاخيفنّ أبا هريرة قال واسناده صحيح.
1. الاسراء : 15.
2. الجمع بين الصحيحين 3 : 123 رقم 2333.


(230)
    وروى أيضاً في كتاب المذكور أنه روى ابن عبد البر في « التمهيد » عن عائشة رضي الله عنها أنها أخبرت أبا هريرة يحدّث عن النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) أنه قال الشوم في الثلاث : الفرس ، والمرأة والدار ، فطارت شقة منها في السماء وشقة في الارض ، ثم قالت : كذب والذي أنزل الفرقان على أبي القاسم من حدث عنه بهذا ؟ ولكن رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) كان يقول : كان أهل الجاهلية يقولون الطيرة في المرأة والدار والدابة ، ثم قرأت عائشة : ( ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلاّ في كتاب من قبل أن نبرأها إنَّ ذلك على الله يسير ) (1) (2).
    وذكر ابن الاثير في النهاية : ومنه حديث عائشة : « فطارت شقة منها في السماء وشقة في الارض » هو مبالغة في الغضب والغيظ (3). وأورد هذا الحديث بعينه وبتمامه عبدالله بن قتيبة في كتاب الردّ على من قال بتناقض الحديث أيضاً.
    ورواه أيضاً أحمد بن حنبل وابن خزيمة والحاكم قال ابن حجر العسقلاني في فتح الباري : روى أحمد وابن خزيمة والحاكم من طريق قتادة عن أبي حسان ، أن رجلين من بني عامر دخلا على عائشة فقالا : أن أباهريرة قال : ان رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) قال : الطيرة في الفرس ، والمرأة ، والدار ، فغضبت غضباً شديداً وقالت : ما قاله ؟ وانما قال : ان أهل الجاهلية يتطيرون من ذلك (4).
1. الحديد : 22.
2. التمهيد لما في الموطأ من المعاني 9 : 289.
3. النهاية لابن الاثير 3 : 151 في « طير » وفيها : ومنه حديث عائشة : أنها سمعت ان الشوم في الدار والمرأة ، فطارت شقة منها في السماء وشقة في الارض » أي كأنها تفرّقت وتقطَّعت قطعاً ، من شدّة الغضب.
4. فتح الباري 6 : 401.


(231)
    وفي كتاب الاصول للسرخسيّ أنه لما بلغ عمر أن أبا هريرة يروي بعض مالا يعرف ، قال : لتكفن عن هذا أو لالحقنك بجبال دوس (1).
    وفي كنز العمال عن السائب بن يزيد ، قال سمعت عمر بن الخطاب ، يقول لابي هريرة : لتتركنّ الحديث عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) أو لألحقنّك بأرض دوس وقال لكعب لتتركنّ الحديث أو لألحقنّك بأرض القردة (2).
    وذكر علاّمتهم الزمخشري في الفائق : أن أبا هريرة استعمله عمر على البحرين فلما قدّم عليه قال : يا عدوّ الله وعدوّ رسوله سرقت من مال الله فقال : لست بعدوّ الله ولا عدوّ رسوله ، ولكني عدوّ من عاداهما وما سرقت ، ولكنها سهام اجتمعت ونتاج خيل فأخذ منه عشرة آلاف درهم فألقاها في بيت المال ثم دعاه إلى العمل فابى.
    فقال عمر : فان يوسف قد سئل العمل ، فقال : ان يوسف مني بريءٌ وأنا منه برآء وأخاف ثلثا واثنتين ، قال : أفلا تقول خمساً؟ قال : أخاف أن أقول بغير حكم واقضى بغير علم ، وأخاف أن يضرب ظهري ويشتم عرضي ويؤخذ مالي.
    البراء : البري المراد بالبرائة بعده عنه في المقايسة لقوة يوسف على الاستقلال باعباء الولاية وضعفه عنه ، وأراد بالثلاث والاثنتين : الخلال المذكورة وانما جعلها قسمين لكون الثنتين وبالاً عليه في الآخرة والثلاث بلاء أو ضرراً في الدنيا.
    ويظهر من رسالة الفخر الرازي في تفضيل الشافعي ، أن الحنفية كانوا
1. أصول السرخسي 1 : 341.
2. تاريخ مدينة دمشق 67 : 343.


(232)
يطعنون في أبي هريرة ، قال : وأما أصحاب الرأي فان أمرهم في باب الخبر والقياس عجيب ، فتارة يرجحون القياس على الخبر ، وتارة بالعكس.
    أما الأول : فهو أن مذهبنا ، أن التصرية سبب مثبت للرَّد ، وعندهم ليس كذلك ، ودليلنا : ما أخرج في الصحيحين عن أبي هريرة ، أن النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) قال : لا تصرّوا الإبل والغنم ، فمن ابتاعها بعد ، فإنه يخيّر النظرين بعد أن يحلبها ثلاثاً ان رضيها أمسكها وان سخطها ردّها ، وردّ معها وصاعاً من تمر (1).
    واعلم أن الخصوم لمّا لم يجدوا لهذا الخبر تأويلاً البتة بسبب ، أنه مفسر في محل الخلاف ، اضطروا إلى أن يطعنوا في أبي هريرة ، وقالوا : انه كان متساهلاً في الرواية ، وما كان فقيهاً ، والقياس على خلاف هذا الخبر ، لأنه يقتضي تقدير خيار العيب بالثلاث ، ويقتضي تقويم اللبن بصاع من تمر من غير زيادة ولا نقصان ، ويقتضي اثبات عوض في مقابلة لبن حادث بعد العقد ، فهذه الاحكام مخالفة للاصول فوجب ردّ ذلك الخبر لأجل القياس.
    وذكر ابن حجر في فتح الباري في كتاب البيوع : أنه قال الحنابلة : واعتذر الحنفية عن الأخذ بحديث المصراة باعذار شتى ، فمنهم من طعن في الحديث لكونه من رواية أبي هريرة ، ولم يكن كابن مسعود وغيره من فقهاء الصحابة ، فلا يؤخذ بما رواه مخالفاً للقياس الجليّ (2).
1. صحيح البخاري كتاب البيوع ، باب النهي للبايع أن لا يحفل الإبل ... رقم 2148 و 2150.
2. فتح الباري ، كتاب البيوع 4 : 290.


(233)
    أبوحنيفة يطعن على أبي هريرة
    وذكر الزندويستي (1) وهو من أجلّة علماء الحنفية وأعاظم مشايخهم وأثنى عليه الكفوي في « كتائب الاعلام الاخيار » في كتابه المسمى بـ « روضة العلماء » روى عن أبي حنيفة رضي الله عنه أنه سئل ، فقيل له : اذا قلت قولاً وكان كتاب الله يخالف قولك ؟ قال : أترك قولي بكتاب الله ، فقيل : اذا كان خبر الرسول يخالف قولك ؟ قال : أترك قولي بخبر الرسول ، فقيل : اذا كان قول الصحابي يخالف قولك ؟ قال : أترك قولي بقول الصحابي ، فقيل له : اذا كان قول التابعين يخالف قولك ؟ قال : اذا كان التابعي رجلاً فأنا رجل ، ثم قال : أترك قولي بجميع قول الصحابة الاّ ثلاثة منهم : أبوهريرة ، وأنس بن مالك ، وسمرة بن جندب.
    قال : قال الفقيه أبو جعفر الهندواني : انما لم يترك قوله بقول هؤلاء الثلاثة لأنهم مطعونون الى آخر ما ذكره.
    وحكى أيضاً عن عيسى بن أبان أنه قال : أقلّد أقاويل جميع الصحابة الاّ ثلاثة منهم : أبوهريرة ، و وابصة بن معبد (2) ، وأبو سنابل بن بعكك.
    والقضية السابقة أعني مطعونية أبي هريرة عند أبي حنفية مذكورة في « كتائب الأعلام الأخيار » أيضاً.
    ويظهر من ابن حزم الاندلسي من أعيان محققي القوم الذي ذكروا أنه بلغ
1. الحسين بن يحيى البخاري الزَّنْدوِيستيّ له كتاب روضة العلماء ونظم الفقه وترجمته في الجواهر المضية 1 : 621 باسم « علي بن يحيى » والفوائد البهية : 225 وتاج التراجم : 94 رقم 103 وكشف الظنون 1 : 928.
2. أسد الغابة 6 : 156 رقم 5979.


(234)
رتبة الاجتهاد فكان لا يقلّد أحداً من الأئمة الأربعة ، وذكر محيى الدين في الفتوحات أنه رآه صار متّحداً مع الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) في كتاب « المحلى » في مسألة أحقيّة البايع بمتاع المبتاع اذا أفلس : ان محمد بن الحسن الشيباني مقلّد الحنفية وتلميذ إمامهم الأعظم ، والذي نقلوا في حقه من الشافعي : أن اليهود والنصارى لو نظروا في تصانيف محمد بن الحسن لآمنوا من غير اختيار ، كان يطعن في أبي هريرة ، ولايحتج بروايته.
    قال ابن حزم : روينا من طرق أبي عبيدة ، أنه ناظر في هذه المسألة ، محمد بن الحسن ، فلم يجد عنده أكثر من أن قال : هذا من حديث أبي هريرة.
    قال علي : نعم والله من حديث أبي هريرة البر الصادق ، لا من حديث مثل محمد بن الحسن الذي قيل لعبدالله بن المبارك : من أفقه أبو يوسف أو محمد بن الحسن ؟ فقال : قل أيهما أكذب (1).
    وليت شعري أن الحنفية لماذا يعتمدون على رواية أبي هريرة بعد ما صدر في حقه عن إمامهم الأعظم وتلميذه الأفخم ما صدر ؟!
    ومن مطاعنه : أنه كان يلعب بالشطرنج ، ذكر الدميري في حياة الحيوان في لغة العقرب ما لفظه : وروى الصعلوكي تجويزه ، أي الشطرنج عن عمر بن الخطاب ، وأبي هريرة ، والحسن البصري ، والقاسم بن محمد ، وأبي قلابة ، وأبي مجلز ، وعطاء ، والزهري وربيعة بن عبدالرحمن ، وأبي الزياد ، والمروي ، عن أبي هريرة من اللعب به مشهور في كتب القوم.
    وذكر ابن الاثير في النهاية : وفي حديث بعضهم قال رأيت أبا هريرة
1. المحلى ، كتاب البيوع ، باب : أحكام التفليس 8 : 178 ـ 179.

(235)
يلعب السُّدر ، السُّدر لعبة يقامر بها ، تُكسر سينها وتضُمّ ، وهي فارسية معربة عن ثلاثة أبواب (1) ، يعني « سه در ».
    وقال ابن تيمية المتعصب الناصب في منهاجه : ان مذهب جمهور العلماء أن الشطرنج حرام وقد ثبت عن علي بن ابي طالب انه مرَّ بقوم يلعبون الشطرنج فقال : ( ما هذه التماثيل التي أنتم لها عاكفون ) ؟ (2).
    وكذلك النهي عنها معروف عن أبي موسى وابن عباس وابن عمر وغيرهم من الصحابة ، وتنازعوا في أن أيهما أشدّ تحريماً ؟ الشطرنج أو النرد ، فقال مالك : الشطرنج أشدّ من النرد.
    وهذا منقول عن ابن عمر لأنها تشغل القلب بالفكر ، والذي يصدّ عن ذكر الله وعن الصلاة ، وقال أبو حنيفة وأحمد : النرد أشدّ (3).
    واعترف بصحة هذا الحديث المروي عن أمير المؤمنين ( عليه السَّلام ) ، ابن روزبهان في كتابه.
    وفي كنز العمال : ملعون من لعب الشطرنج ، والناظر إليها كالآكل للحم الخنزير ، رواه عبدان ، وأبوموسى ، وابن حزم ، عن حبة بن مسلم وفيه أيضاً : اذا أمرتم بهذا ، الذين يلعبون بهذه الأزلام ، والشطرنج ، والنرد ، وما كان من هذه فلا تسلّموا عليهم ، وإن سلّموا عليكم فلا تردّوا عليهم.
    والديلمي عن أبي هريرة : ويكفي في ذمّ اللعب به هذا الحديث الذي
1. النهاية لابن الاثير 2 : 354.
2. الأنبياء : 52.
3. منهاج السنة 2 : 98.


(236)
حدّث به أبو هريرة نفسه ، وروى في كنز العمال روايات أُخر كثيرة دالة على حرمته وذم فاعله ، و « أنه من أهل النار » ، و « انه من شرار خلق الله » ، و « لا ينظر الله إليه يوم القيامة » ، نقلاً عن الديلمي وابن أبي شيبة ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وابن ماجة ، وعبد بن حميد ، وابن أبي الدنيا ، وهؤلاء كلهم من أساطين دينهم ومذهبهم ، وسوّدوا في اثبات فضائلهم ومحامدهم أوراقاً طويلة. ومن قبائح أبي هريرة وشنائعه الفظيعة ، انه كان منحرفاً عن أمير المؤمنين صلوات الله عليه ، مولياً لعدوه ، معاد لوليّه.
    ولما نبهه على ذلك الأصبغ بن نباته استرجع ولم يحر جواباً.
    قال سبط ابن الجوزي في تذكرة خواص الأمة : قال اصبغ : فقلت يا معاوية لا تقتل بقتلة عثمان ، فإنك لاتطلب إلاّ الملك والسلطنة ، ولو أردت نصرته لفعلته ، ولكنك تربصت به وتقاعدت لتجعل ذلك سبباً إلى الدنيا ; فغضب ، فأردت أن أزيده ، فقلت يا أباهريرة أنت صاحب رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) أقسم عليك بالله الذي لا إله إلاّ هو ، وبحقّ رسوله هل سمعت رسول الله يقول يوم غدير خم في حقّ أمير المؤمنين : « من كنت مولاه فعليٌّ مولاه » ؟
    فقال : إي والله لقد سمعته يقول ذلك.
    فقلت : إذن أنت يا أباهريرة واليت عدوّه وعاديت وليّه ، فتنفس أبوهريرة وقال : إنا لله وإنا إليه راجعون ، فتغير وجه معاوية ، وقال : يا هذا كفّ عن كلامك فلا تستطيع أن تخدع أهل الشام عن الطلب بدم عثمان ، فإنه قتل مظلوماً.


(237)
    سبط ابن الجوزي
    ومن المناسب جدّاً ان نتعرّض هنا اجمالاً لحال سبط بن الجوزي ، وشطر من محامده واثبات انه من أعاظم علماء القوم ، وان تذكرته من الكتب المعتمدة ، فإنّا ننقل كثيراً عن تذكرته فربما يجرّ أحد المتعصبين الجاهلين على ازرائه والقدح في جلالته أو في كتابه ، أو عدم صحة انتساب الكتاب إليه.
    فنقول : هو من أعيان علمائهم المحققين وأجلاء محدّثيهم المنقّدين ولا يزال سلف علمائهم وخلفهم يستندون إلى إفاداته ويحتجون بكلماته كإمامهم الذهبي ، وابن حجر العسقلاني ، والسيوطي والصفدي ، وابن خلكان ، وتقي الدين الفاسي ، ونور الدين السمهودي ، وصاحب الصواعق ، وغيرهم.
    وقد اعتمد على كتابه المذكور جماعة ، منهم : السمهودي وغيره ، حتى أن علاّمتهم المتعصب نقل عن كتابه هذا ـ أعني تذكرة خواص الأُمة ـ في الصواعق.
    واعتمد على كلامه جماعة ، منهم : الحافظ أبو المؤيد الخوارزمي ، من أوائل مسند أبي حنيفة ، عند دفع الإشكالات عن أبي حنيفة.
    قال : وأما قوله : أن أبا حنيفة لحن حيث قال في مسألة : القتل بالقتل ، ولو رماه بأباقبيس ، فالجواب عنه بوجوه ثلاثة : الأول : أنه ذكر الإمام الحافظ سبط بن الجوزي انه افتراء على أبي حنيفة.
    وجعله الكابلي في الصواعق من قرناء الطبري ، والبخاري ، واحتج بكتاب تاريخه عند الجواب عن طعن درء الحد عن المغيرة.


(238)
    والذهبي أثنى عليه في العبر في أخبار من غبر (1) لكن عابه وازدري عليه في كتاب الميزان (2) ، وعابه في كتاب تاريخه ، فقال : انه ألّف مرآة الزمان فتراه يأتي بمناكير الحكايات ، وما أظنه بثقة بل يحيف ويجازف ثم انه يترفض.
    وقال في موضع آخر كان حنبلياً وتحوّل حنفياً للدنيا ، وتعقّبه العلامة الكفوي في كتائب الاعلام الاخيار وقال : واعلم ان صاحب « مرآة الزمان » قد كان ناقلاً عمن تقدمه في التاريخ ووظيفته الرواية والعهدة على الراوي فنسبته إلى المجازفة جور عليه فان غالب التاريخ لا يشترط فيه الأسانيد التي لا غبار عليها ، على أن صلاح الدين الصفدي والشيخ الحافظ شمس الدين الذهبي ومن بعدهما تطفلوا على تاريخه ونقلوا من « مرآة الزمان » شيئاً كثيراً فان لم يكن ثقة فهم ليسوا بثقات.
    وقال ابن خلكان في تاريخه بعد ذكر عبدالرحمن بن علي المعروف بابن الجوزي وكان سبطه شمس الدين (3)... أبو المظفر يوسف بن قُزُغلي الواعظ المشهور ، حنفي المذهب ، وله صيت وسمعة في مجالس وعظه مقبول عند الملوك وغيرهم ، وصنّف تاريخاً كبيراً رأيته بخطه في أربعين مجلداً سمّاه
1. العبر 3 : 274 سنة 654 هـ ، وفيه : وابن الجوزي العلامة الواعظ المؤرخ شمس الدين أبو المظفر يوسف بن قزأُغلي التركي ثم البغدادي العوني الهبيري الحنفي ، سبط الشيخ جمال الدين أبي الفرج بن الجوزي ، سمّعه جده منه ، ومن ابن كليب وجماعة ، قدم دمشق سنة سبع وست مائة ، فوعظ بها ؛ وحصل له القبول العظيم للطف شمائله وعذوبة وعظه ، وله تفسير في « تسعة وعشرين » مجلداً و « شرح الجامع الكبير » وجمع مجلداً في « مناقب أبي حنيفة » ودرّس وأفتى ، وكان في شبيبته حنبلياً ، توفي في الحادي والعشرين من ذي الحجة وكان وافر الحرمة عند الملوك.
2. ميزان الإعتدال 4 : 471 رقم 9880.
3. والنسخة التي كانت بايدينا من الكتاب تختم بهذه الكلمة والأسف أنها سقيمة.


(239)
« مرآة الزمان » وتوفي ليلة الثلاثاء ، حادي عشرين ذي الحجة سنة أربع وخمسين وستمائة بدمشق بمنزله بجبل قاسيون ودفن هناك ، ومولده سنة احدى وثمانين وخمسمائة ببغداد ، رحمه الله تعالى ، وكان يقول : أخبرتني أمي أن مولدي سنة اثنتين وثمانين (1).
    وذكره الذهبي في كتبه وأثنى عليه ، قال في سيره : الشيخ العالم المتفنّن الواعظ البليغ المؤرخ الاخباري ، واعظ الشام شمس الدين أبو المظفر يوسف بن قُزُغلي بن عبدالله التركي العوني الهبيري البغدادي الحنفي سبط الامام أبي الفرج ابن الجوزي ، انتهت إليه رئاسة الوعظ وحسن التذكير ومعرفة التاريخ ، وكان حلو الايراد ، لطيف الشمائل ، مليح الهيئة ، وافر الحرمة ، له قبول زائد ، وسوق نافق بدمشق ، أقبل عليه أولاد الملك العادل ، وأحبّوه ، وصنّف « تاريخ مرآة الزمان » وأشياء ، ورأيت له مصنّفاً يدلّ على تشيّعه ، وكان العامة يبالغون في التغالي في مجلسه ، سكن دمشق من الشبيبة ، وأفتى ودرّس.
    توفي بمنزله بسفح قاسيون ، وشيّعه السلطان والقضاة وكان كيّساً ظريفاً متواضعاً ، كثير المحفوظ ، طيّب النغمة ، عديم المثل ، له تفسير كبير في تسعة وعشرين مجلداً ، توفي في ذي الحجة سنة أربع وخمسين وستمائة (2).
1. وفيات الاعيان 3 : 142.
2. سير أعلام النبلاء 23 : 296 رقم 203 ، وترجمته في ذيل مرآة الزمان 1 : 39 ـ 43 ، تاريخ الاسلام للذهبي وفيات 650 ـ 660 ، العبر 4 : 220 ، ميزان الاعتدال 4 : 471 ، فوات الوفيات 4 : 356 ـ 357 رقم 592 ، مرآة الجنان 4 : 136 ، الجواهر المضيئة 2 : 230 ـ 232 رقم 719 ، البداية والنهاية 13 : 194 ، العسجد المسبوك : 623 ، لسان الميزان 6 : 328 رقم 1968 ، النجوم الزاهرة 7 : 39 ، شذرات الذهب 5 : 266 ، الفوائد البهية : 183.


(240)
    قد تمّت الرسالة المسماة بالقول الصراح فنسأل اللّه سبحانه وتعالى أن يوفقنا بالشكر دائماً و لاداء الحق و التمسك بحبل اللّه المتين قائماً على ( ومن يَهدِ اللّهُ فَمالَهُ مِنْ مُضَلٍّ )
والحمدللّه ربّ العالمين
القول الصراح في البخاري وصحيحه الجامع ::: فهرس