سلسلة ذخائر « تراثنا »
(6)





الـرَّدُّ على
الـــوهـــّـابــيــة


تأليف

العلامة المجاهد آية الله الشيخ محمد جواد البلاغي

تحقيق

السيد محمد علي الحكيم


مؤسسة آل البيت عليهم السلام لاِحياء الثّراث


( 5 )

كلمة المؤسسة:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد الله رب العالمين، و صلى الله على محمد وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين.
و بعـد:
فلم يعد يستثير القارئ ما يطالعه ـ في عصرنا الحاضر ـ بين الفينة والأُخرى من المغالطات الباهتة، والمماحكات السقيمة التي ما انفكّ من تقوّلها البعض ممن يرتكز فكرياً و عقائدياً على قواعد مبتدعة مشوّشة تحاول جاهدة ودون جدوى أن تجد لها موطئ قدم في الساحة الإسلامية الفكرية الغنية، لازدراء الجميع واستهجانهم ما تدعيه وما تتبجح به، لمعارضته البيّنة الواضحة لجملة بديهيات تواتر الجميع على العمل بها، والتعبد بمضامينها، ولثبات صحّتها بالدليلين العقلي و النقلي، و تعاضد الخلف والسلف على صوابه.
نعم، لم يعد ذاك ليستثير أحداً الآن، لتعرض تلك الدعاوى طيلة ما مضى للردّ والمعارضة، والتفنيد والإبطال، من قبل عموم علماء المسلمين ومفكرّيهم، وعلى اختلاف فرقهم و مذاهبهم، إذ لم يترك لها منفذاً إلا أوصدته، ولا مدّعىً إلاّ أبطلته، فسقط ذلك الوهم المبتدع، وانقلب السحر على الساحر.
ولاغرو في ذلك، فالفكر الإسلامي الأصيل المتمثل بمدرسة أهل
( 6 )

البيت عليهم السلام المنبع والمعين الصافي للرسالة الإسلامية المباركة، كان و سيبقى هو الأصل الذي لا يعتوره الهزال، ولا يناله الوهم والتشكيك، لأنّه مستودع الوحي الإلهي وخزانته، وأهله تراجمته وأمناؤه، فلم ولن تنال منه المدّعيات التي تختلقها الأوهام والأهواء ما جهدت، و إن تسربلت وتجلببت بألف ستار وجلباب.
أجل، أنّ هذا التصور الواقعي لسقوط ما تشكّك به هذه الأفكار الدخيلة على العقيدة الإسلامية المباركة لم يكن ليأتي من فراغ وخواء، وذلك أمر مفروغ منه، فلا تبطل المدّعيات إلا الحجج والبراهين والدلائل الصحيحة والثابتة، وباعتماد المناهج والقنوات العلمية السليمة، والتي تعدّ الرسالة المائلة بين يدي القارئ الكريم واحدة منها، فقد سطرت بيد عالم نحرير، وعلاّمة بارع، هو المجاهد الشيخ محمد جواد البلاغي، كانت قد نشرت محقّقة من قبل السيد محمد علي الحكيم ضمن نشرة «تراثنا» الفصلية، في عدديها 35 ـ 36، ربيع الآخر ـ رمضان 1414 هـ
وباعتماد المشروع الذي شرعت به المؤسسة بتقديم جملة الرسائل المنشورة على صفحات مجلة «تراثنا» كمستلات مستقلّة، فإنّها تقدّم المستلّ الرابع من هذه الرسائل، سائلة الباري جل اسمه أن يوفقها لمواصلة هذا المشروع وإتمامه خدمة للتراث الإسلامي الأصيل، إنه نعم المولى ونعم النصير.

مؤسسة آل البيت عليهم السلام
لإحياء التراث





( 7 )

المقدمة‎:
بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة والسلام على خير خلقه محمد وآله الطيبين الطاهرين، لاسيما بقية الله في الأرضين، عجل الله تعالى فرجه الشريف.
وبعـد:
فمنذ ظهور الفرقة الضالة المضلة (الوهابية) وحتى أيامنا هذه انبرى علماء الإسلام على مختلف مذاهبهم، فكتبوا في ردهم ودحض أباطيلهم وشبهاتهم كتباً ورسائل كثيرة(1) ، كان فيها الرد الحاسم القاطع في وجه الوهابية، فانحصر وجودهم في مهد ظهورهم أرض الحجاز.
_________
(1) انظر مقال: «معجم ما ألفه علماء الأمة الإسلامية للرد على خرافات الدعوة الوهابية» للسيد عبدالله محمد علي، المنشور في مجلة «تراثنا» العدد 17، شوال 1409 هـ ، ص 146 ـ 178، فقد أحصى فيه أكثر من 200 كتاب ورسالة في الرد على الوهابية، لعلماء المذاهب الإسلامية المختلفة.

( 8 )

وما استمر وجود الوهابية في أرض الحجاز إلا بقوّة الحديد والنار، إذ لم يستطيعوا أن يقارعوا الآخرين بالحجة والبرهان.
ألا أن نشاطها الهدام ونفث سمومها وأباطيلها وشبهاتها لا يزال مستمراً، مما اقتضى أن نقوم بإحياء رسالة في الردّ عليهم، لفطحل من فطاحل علماء الإمامية الماضين، رضوان الله عليهم أجمعين، ألا وهو: العلاّمة المجاهد، آية الله العظمى، الشيخ محمد جواد البلاغي، قدس سرة الشريف.


ترجمة المؤلف (2)

نسبــه:
هو الشيخ محمد جواد بن حسن بن طالب بن عباس بن إبراهيم بن حسين بن عباس بن حسن(3) بن عباس بن محمد علي بن محمد البلاغي النجفي الربعي.(4)

مولــده:
ولد في النجف الأشرف سنة 1282 هـ في بيت من أقدم بيوتاتها وأعرقها في العلم والفضل والأدب، والمشهورة بالتقوى واصلاح والسداد، فقد أنجبت
_________
(2) اقتبست هذه الترجمة ـ بتصرف ـ ملفقة من بين عدة مصادر، أهمها:
أعيان الشيعة 4 / 255 ـ 262، شعراء الغري 2 / 436 ـ 458، نقباء البشر في القرن الرابع عشر 1 / 323 ـ 326 ، الكنى والألقاب 2 / 83 و 84، مقدمة الهدى إلى دين المصطفى 1 / 6 ـ 20، معارف الرجال 1/ 196 ـ 200، ريحانة الأدب 1/ 179، ماضي النجف وحاضرها 2/61ـ 66، ديوان السيد رضا الهندي: 125و 127، مجلة رسالة القرآن / العدد العاشر / 1413 هـ : 71 ـ 104.
(3) صاحب كتاب «تنقيح المقال» في الأصول والرجال. [ الذريعة 4/664 رقم 2069 ].
(4) نسبة إلى قبيلة ربيعة المشهورة.

( 9 )

هذه الأسرة ـ آل البلاغي ـ عدّة من رجال العلم والدين والأدب وإن اختلفت مراتبهم.

نشأته وشيوخه وسجاياه:

نشأ حيث وُلد، وأخذ المقدمات عن أعلامها الأفاضل، ثم سافر إلى الكاظمية سنة 1306 هـ وتزوج هناك من ابنة السيد موسى الجزائري الكاظمي.
عاد إلى النجف الأشرف سنة 1312 هـ فحضر على الشيخ محمد طه نجف والشيخ آقا رضا الهمداني والشيخ الآخوند محمد كاظم الخراساني والسيد محمد الهندي.
هاجر إلى سامرّاء سنة 1326 هـ فحضر على الميرزا محمد تقي الشيرازي ـ زعيم الثورة العراقية ـ عشر سنين، وألف هناك عدة كتب، وغادرها ـ عند احتلالها من قبل الجيش الإنكليزي ـ إلى الكاظمية فمكث بها سنتين مؤازراً للعلماء في الدعاية للثورة ومحرضاً لهم على طلب الاستقلال.
ثم عاد إلى النجف الأشرف وواصل نشاطه في التأليف، فكان من أولئك الندرة الأفذاذ الذين أوقفوا حياتهم وكرّسوا أوقاتهم لخدمة الدين والحقيقة، فلم ير إلا وهو يجيب عن سؤال، أو يحرر رسالة يكشف فيها ما التبس على المرسل من شك، أو يكتب في أحد مؤلفاته.
وقد وقف بوجه النصارى وأمام تيار الغرب الجارف، فمثل لهم سمو الإسلام على جميع الملل والأديان حتى أصبح له الشأن العظيم والمكانة المرموقة بين علماء النصارى وفضلائها.
كما تصدى للفرق المنحرفة الهدامة الأخرى ـ كالبابية والقاديانية والوهابية والإلحادية .. وغيرها ـ فكتب في ردهم ودحض شبهاتهم، وفضح توافه مبانيهم ومعائب أفكارهم عدة كتب ورسائل قيمة.
وقد كان من خلوص النية وإخلاص العمل بمكان حتى أنه كان لا يرضى
( 10 )

أن يوضع اسمه على تآليفه عند طبعها، وكان يقول: «إني لا أقصد ألا الدفاع عن الحق، لا فرق عندي بين أن يكون باسمي أو اسم غيري».
حتى أن يوسف إليان سركيس في كتابه: «معجم المطبوعات» ذكر كتاب «الهدى إلى دين المصطفى» لشيخنا البلاغي ـ رضوان الله عليه ـ في آخر الجزء الثاني ضمن الكتب المجهولة المؤلف (5)، وربما كان ـ قدس سره ـ يذيل بعضها بأسماء مستعارة كـ : كاتب الهدى النجفي، وعبدالله العربي، وغيرها.
ومع كل ذلك أصبح اسمه ناراً على علم، وبلغت شهرته أقاصي البلاد، وذلك لما عالجه من المعضلات العملية والمناقشات الدينية، حتى أنّ أعلام أوربا كانوا يفزعون إليه في المسائل العويصة، كما ترجمت بعض مؤلفاته إلى الإنكليزية للاستفادة من مضامينها الراقية.
كان يجيد اللغات العبرانية والفارسية والإنكليزية ـ بعد لغته الأم العربية ـ ولذلك برع في الرد على أهل الكتاب ودحض أباطيلهم وكشف خفايا دسائسهم.
كما كان متواضعاً للغاية، يقضي حاجاته بنفسه، ويختلف إلى الأسواق بشخصه لابتياع ما يلزم أله، وكان يحمله إليهم بنفسه ويعتذر لمن يروم مساعدته بحمله عنه فيقول له: «رب العيال أولى بعياله».
وكان يقيم صلاة الجماعة في المسجد القريب من داره، فيأتم به أفاضل الناس وخيارهم، وبعد الفراغ من الصلاة كان يدرس كتابه «آلاء الرحمن».
كان لين العريكة، خفيف الروح، منبسط الكف، لا يمزح ولا يحب أن يمزح أحد أمامه، تبدو عليه هيبة الأبرار، وتقرأ على أساريره صفات أهل التقى والصلاح.
له في سيد الشهداء الإمام أبي عبدالله الحسين عليه السلام عقيدة
_________
(5) معجم المطبوعات العربية والمعربة 2/ 2024.

( 11 )

راسخة، وحب ثابت، فكم له أمام المناوئين للإمام الحسين عليه السلام من مواقف مشهودة، ولولاه لأمات المعاندون الشعائر الحسينية والمجالس العزائية، ولكنه تمسك بها والتزم بشعائرها، وقام بها خيرقيام.
فكان هذا العلامة البطل ـ على شيخوخته وضعفه وعجزه ـ يمشي حافياً أمام الحشد المتجمهر للعزاء، قد حل أزراره ويضرب على صدره، وخلفه اللطم والأعلام، وأمامه الضرب بالطبل.

ومن آثاره الباقية:

إقامة المأتم في يوم عاشوراء في كربلاء، فهو أول من أقامه هناك، وعنه أخذ حتى توسع فيه ووصل إلى ما هو عليه اليوم.
وكذا تحريض علماءالدين وإثارة الرأي العام ضد البهائية في بغداد، وإقامة الدعوى في المحاكم لمنع تصرفهم في الملك الذي استولوا عليه ـ في محلة الشيخ بشار في الكرخ ـ واتخذوه حظيرة لهم لإقامة شعائر الطاغوت، فقضت المحاكم بنزعه منهم، واتخذه ـ رضوان الله عليه ـ مسجداً تقام فيه الصلوات الخمس والمآتم الحسينية في ذكرى الطف وشعائر أهل البيت عليهم السلام.

أقوال العلماء والأدباء فيه:

قال السيد محسن الأمين العاملي: «كان عالماً فاضلاً، أديباً شاعراً، حسن العشرة، سخيّ النفس، صرف عمره في طلب العلم وفي التأليف والتصينف، وصنف عدة تصانيف في الردود، صاحبناه في النجف الأشرف أيّام إقامتنا فيها ورغب في صحبة العامليين فصاحبناه، وخالطناه حضراً وسفراً عدّة سنين إلى وقت هجرتنا من النجف فلم نرمنه إلا كل خلق حسن و تقوى و عبادة وكل صفة تحمد، وجرت بيننا و بينه بعد خروجنا من النجف مراسلات
( 12 )

ومحاورات شعرية ومكاتبات في مسائل علمية».(6)
وقال الشيخ عباس القمي: «بطل العلم الشيخ محمد الجواد... ولقد كان ـ رحمه الله تعالى ـ ضعيفاً ناحل الجسم، تفانت قواه في المجاهدات، وكان في آخر أمره مكباً على تفسير القرآن المجيد بكل جهد أكيد».(7)
وقال الشيخ آقا بزرك الطهراني: «كان أحد مفاخر العصر علماً وعملاً... وكان من أولئك الأفذاذ النادرين الذين أوقفوا حياتهم وكرّسوا أوقاتهم لخدمة الدين الحنيف والحقيقة ... فهو أحد نماذج السلف التي ندر وجودها في هذا الزمن».(8)
وقال الشيخ محمد حرز الدين: «عالم فقيه كاتب، وأديب شاعر، بحاثة أهل عصره، خدم الشريعة المقدسة، ودين الإسلام الحنيف، بل خدم الإنسانية كاملة بقلمه ولسانه وكل قواه».(9)
وقال الميرزا محمد علي التبريزي المدرس: «فقيه أصولي، حكيم متكلم، عالم جامع، محدث بارع، ركن ركين لعلماء الإمامية، وحصن حصين للحوزة الإسلامية، ومروج للعلوم القرآنية، وكاشف الحقائُق الدينية، وحافظ للنواميس الشرعية، ومن مفاخر الشيعة»(10).
وقال الملا علي الواعظ الخياباني التبريزي: «هو العلم الفرد العلاّمة، المجاهد، آية الله، وجه فلاسفة الشرق، وصدر من صدورعلماء الإسلام، فقيه أصولي، حكيم متكلّم، محدث محقق، فيلسوف بارع، وكتبه الدينية هي التي أبهجت الشرق وزلزلت الغرب وأقامت عمد الدين الحنيف، فهو حامية
_________
(6) أعيان الشيعة 4/ 255.
(7) الكنى ولألقاب 2/ 83 ـ 84.
(8) نقباء البشر في القرن الرابع عشر 1/ 323.
(9) معارف الرجال 1/ 196.
(10) ريحانة الأدب 1/ 179.

( 13 )

الإسلام، وداعية القرن، رجل البحث والتنقيب، والبطل المناضل، والشهم الحكيم»(11).
وقال الشيخ جعفر النقدي: «عالم عيلم مهذب، وفاضل كامل مذرب، وآباؤه كلهم من أهل العلم»(12).
وقال الأستاذ علي الخاقاني: «من أشهر مشاهير علماء عصره، مؤلف كبير، وشاعر مجيد... أغنتنا آثاره العلمية عن التنويه بعظمته وعلمه الجم وآرائه الجديدة المبتكرة، فلقد سد شاغراً كبيراً في المكتبة العربية الإسلامية بما أسداه من فضل فيما قام به من معالجة كثير من المشاكل العلمية والمناقشات الدينية، وتوضيح التوحيد ودعمه بالآراء الحكيمة قبال الثالوث الذي هدّه بآثاره وقلمه السيال... كان عظيماً في جميع سيرته، فقد ترفع عن درن المادة، وتردى بالمثل العالية التي أوصلته في الحياة ـ ولا شك بعد الممات ـ أرفع الدرجات ... وقد حضرت(13) مع من حضر برهة من الزمن فإذا به بحر خضمّ لا ساحل له، يستوعب الخاطرة، ويحوم حول الهدف، ويصور الموضوع تصويراً قوياً... كانت حياته مليئة بالمفاخر والخدمات الصادقة»(14).
وقال الشيخ جعفر باقر آل محبوبة : «ركن الشيعة وعمادها، وعزّ الشريعة وسنادها، صاحب القلم الذي سبح في بحر العلوم الناهل من موارد المعقول والمنقلول؛ كم من صحيفة حبرها، وألوكة حررها، وهو بما حبر فضح الحاخام والشماس، وبما حرر ملك رق الرهبان والأقساس، كان مجاهداً بقلمه طيلة عمره، وقد أوقف حياته في الذب عن الدين، ودحض شبه المادّيّين والطبيعيين؛ فهو جنة حصينة، ودرع رصينة، له بقلمه مواقف فلت جيوش
_________
(11) علماء معاصرين: 162 ـ 163.
(12) شعراء الغري 2/ 437.
(13) أي: درسه في تفسير القرآن الكريم من كتابه «آلاء الرحمن».
(14) شعراء الغريّ 2/ 437 ـ 439.

( 14 )

الإلحاد، وشتتت جيوش العادين على الإسلام والطاعنين فيه ... حضرت بعض دورسه واستفدت منه مدّة، كان نحيف البدن، واهي القوى، يتكلّف الكلام، ويعجز في أكثر الأحيان عن البيان، فهو بقلمه سحبان الكتابة، عنده أسهل من الخطابة»(15).
وقال المحامي توفيق الفكيكي: «كان ـ رحمه الله تعالى ـ داعي دعاة الفضيلة، ومؤسس المدرسة السيّارة للهداية والإرشاد وتنوير الأفكار بأصول العلم والحكمة وفلسفة الوجود، فقد أفطمت جوانحه على معارف جمة، ووسع صدره كنوزاً من ثمرات الثفافة الإسلامية العالية والتربية الغالية، وقد نهل وعب من مشارع المعرفة والحكمة الصافية حتى أصبح ملاذ الحائدين الذين استهوتهم أهواء المنحرفين عن المحجة البيضاء، وخدعتهم ضلالات الدّهريّين والمادّيين...
ومن ملامحه ومخائله الدالّة على كماله النفسي هي: فطرته السليمة، وسلامة سلوكه الخلقي والاجتماعي، وحدّة ذكائه، وقوّة فطنته، وعفّة نفسه، ورفعة تواضعه، وصون لسانه عن الفضول، ولين عريكته، ورقّة حاشيته، وخفة روحه، وأدبه الجم، وعذوبة منطقه، وفيض يده على عسره وشظف عيشه»(16).
وقال عمر رضا كحّالة: «فقيه، متكلم، أديب، شاعر»(17).
وقال خير الدين الزركلي: «باحث إمامي، من علماء النجف في العراق، من آل البلاغي، وهم أسرة نجفيّة كبيرة، له تصانيف... وكان يجيد الفارسية، ويحسن الإنجليزي، وله مشاركة في حركة العراق الاستقلالية وثورة عام 1920 م»(18).
_________
(15) ماضي النجف وحاضرها 2/ 62.
(16) مقدمة الهدى إلى دين المصطفى 1/ 7.
(17) معجم المؤلّفين 3/ 164 .
(18) الأعلام 6/ 74.

( 15 )

فمن كانت هذه مآثره وصفاته وسجاياه فجدير بمتخصّصينا أن يقوموا بدراسة هذه الشخصية الجليلة وآثارها القيّمة، فهو أحد نماذج السلف التي ندر وجودها في هذا الزمن، وهو نور من الأنوار التي يهتدى بها في ظلمات الشكّ والحيرة، وهو بحق من مشاهير علماء الإمامية، علاّمة جليل، ومجاهد كبير، ومؤلف مكثر خبير.

شعـــره:

كان ـ قدس سره ـ مع عظيم مكانته في العلم وتفقّهه في الدين أديباً كبيراً وشاعراً مبدعاً، من فحول الشعراء، له نظم رائق سلس متين، تزخر أشعاره بالعواطف الوجدانية، والمشاعر الإنسانية، والتأمّلات الروحية، وأكثر شعره كان في مدح أهل البيت عليهم السلام ورثائهم، وبقيّته في تهنئة خليل، أو رثاء عالم جليل، أو في حالة الحنين إلى الأخلاّء يحتمه عليه واجب الوفاء، أو في الدفاع عن رأي علمي، أو شرح عقيدة أو فكرة فلسفية بطريقة المعارضة الشعرية.
فمّما قال في قصيدة في ذكرى مولد الإمام المهدي المنتظر عليه السلام، قوله:
حيّ شعبان فهو شهر سعودي
وعد وصلي فيه وليلة عيديُ

منه حيا(19) الصبِّ المشوق، شذا الميـــلاد فيه وبهجة المولود

بهجة المرتضى وقرة عين المــ
ــصطفى، بل ذخيرة التوحيد
رحمة الله غوثه في الورى شمـ
ــس هذاه وظله الممـدود
وهوى خاطري وشائق نفسي
ومناها وعدتي وعديـــدي
فانجلت كريتي وأزهر روضي
ونمت نبعتي وأورق عودي

_________
(19) أصله: حياء، وحذفت الهمزة للضرورة.
( 16 )

طلت فخراً يا ليلة النصف من شعـ
ـبان بيض الأيام بالتسويد
وله من قصيدة في ذكرى مولد الإمام أبي عبدالله الحسين عليه السلام في الثالث من شعبان:
شعبان كم نعمت عين الهدى فيه
لولا المحرم يأتي في دواهيه
وأشرق الدين من أنوار ثالثه
لولا تغشاه عاشورٌ بداجيه
وارتاح بالسبط قلب المصطفى فرحاً
لولم يرعه بذكر الطفِّ ناعيه
راه خير وليدٍ يستجار به
وخير مستشهدٍ في الدين يحميه
قرت به عين خيرالرسل ثم بكت
فهل نهنّيه فيه أم نعزّيه
إن تبتهج فاطم في يوم مولده
فليلة الطفّ أمست من بواكيه
أو ينتعش قلبها من نور طلعته
فقد أديل بقاني الدمع جاريه
فقلبها لم تطل فيه مسرته
حتى تنازع تبريح الجوى فيه
بشرى أبا حسنٍ في يوم مولده
ويوم أرعب قلب الموت ماضيه
وله من قصيدة في الإمام الحجة المنتظر عليه السلام ـ أيضاً ـ قوله:‎
رويدكما أيها البـاكيان
فما أنتما أوّل الوالهينا
فكم لنواه جرت عبــرة
تقلّ لها أدمع العالمينا
جرت ولهاُ قبل يوم الفراق
ولم ترحل العيس بالمزمعينا
فلا نهنه الوجد فيض الدموع
وقد شطت الدار بالظاعنينا
وبــان واودعنـــآ حسرةً
ومن لوعة البين داءً دفينا
أطال نواه ومن نأيه
رزينا بما يستخف الرزينا
نقضي الليالي انتظاراً له
فيا حسرتا، ونقضي السّنينا
نطيل الحنين بتذكاره
ويا برحاً أن، نطيل الحنينا

( 17 )

فَما لقيت فاقدات الحمام
مِنْ الوَجْدِ في نوحها ما لقينا
ومن قصيدة له يرثي بها الإمام الحسين عليه السلام قوله:
يا تريب الخدّ في رمضا الطّفوف
ليتني دونك نهباً للسّيوف
يا نصير الدين إذْ عزّ النّصير
وحمى الجار إذا عزّالمجير
وشديد البأس واليوم عسير
وثمال الوفد في العام العسوف
كيف يا خامس أصحاب الكسا
وابن خير المرسلين المصطفى
وابن ساقي الحوض في يوم الظّما
وشفيع الخلق في اليوم المخوف
ياصريعاّ ثاوياّ فوق الصّعيد
وخضيب الشّيب من فيض الوريد
كيف تقضي بين أجناد يزيد
ظامياً تسقى بكاسات الحتوف
كيف تقضي ظامياً حول الفرات
دامياً تنهل منك الماضيات
وعلى جسمك تجري الصافنات
عافر الجسم لقيً بين الّصفوف
يامريع الموت في يوم الطّعان
لا خطا نحوك بالرّمح سنان
لا ولا شمر دنا منك فكان
ماأمار الأرض هولاً بالرّجوف
سيدي أبكيك للشيب الخضيب
سيدي أبكيك للوجه التريب
سيدي أبكيك للجسم السليب
من حشا حران بالدمع الذروف
سيدي إن منعوا عنك الفرات
وسقوا منك ظماء المرهفات
فسنسقي كربلا بالعربرات
وكفا من علق القلب الأسوف
سيدي أبكيك منهوب الرحال
سيدي أبكيك مسبيّ العيال
بين أعداك على عجف الجمال
في الفيافي بعد هاتيك السّجوف
سيدي إن نقض دهراً في بكاك
ما قضينا البعض من فرض ولاك
أو عكفنا عمرنا حول ثراك
ماشفى غلّتنا ذلك العكوف

( 18 )

لهف نفسي لنساك المعولات * واليتامي إذ غدت بين الطّغاة
باكياتٍ شاكياتٍ صارخاتْ * ولّهاّ حولك تسعى وتطوف
ومن شعر الإمام البلاغي ـ رضوان الله عليه ـ الذي سارت به الركبان، قصيدته التي نظمها رداً على قصيدة أحد علماء بغداد المنكرين لوجود الإمام الثاني عشر المهدي المنتظر عليه السلام، والتي بعثها إلى علماء النجف الأشرف عام 1317 هـ ، التي يقوم فيها:
أيا علماء العصر يا من لهم خبر
بكل دقيقٍ حار في مثله الفكر
لقد حار مني الفكر في القائم الذي
تنازع فيه الناس والتبس الأمر
فأجابه العلامة البلاغي بقصيدة طويلة تقع في أكثر من مائة بيت، وهي من عيون شعره، ومطلعها:
أطعت الهوى فيهم وعاصاني الصّبر
فها أنا ما لي فيه نهي ولا أمر
أنست بهم سهل القفار ووعرها
فما راعي منهنَّ سهلٌ ولا وعر
أخا سفرٍ ولهان أغتنم الّسرى
من الليل تغليساً إذا عرّس السّفر
ومنها قوله:
وفي خبر الثقلين هادٍ إلى الذي
تنازع فيه الناس والتبس الأمر

( 19 )

إذا قال خير الرّسل لن يتفرّقا
فكيف إذن يخلو من العترة العصر
وما إن تمسّكتم بتينك إنهم
هم السادة الهادون والقادة الغرّ
ومنها قوله أيضاً:
وغاب بأمرالله للأجل الذي
يراه له في علمه وله الآمر
وأوعده أن يحيي الدين سيفه
وفيه لدين المصطفى يدرك الوتر
ويخدمه الأملاك جنداً وإنّه
يشدّ له بالروح في ملكه أزر
وإن جميع الأرض ترجع ملكه
ويملأها قسطاً ويرتفع المكر
فأيقن أن الوعد حقّ وأنّه
إلى وقت عيسى يستطيل له العمر
فسلّم تفويضاً إلى الله صابراُ
وعن أمره منه النهوض أو الصبر
ولم يك من خوف الأذاة اختفاؤه
ولكن بأمر الله خير له السّتر
وحاشاه من جبنٍ ولكن هُوَ الذي
غدا يختشيه من حوى البرّ والبحر

( 20 )

أكل اختفاءٍ خِلْتَ مِن خيفة الأذى؟!
فربّ اختفاءٍ فيه يستنزل النصر
وكلّ فرارٍ خلت جبناً فربّما
يفرّ أخو بأسٍ ليمكنه الكرّ
فكم قد تمادت للنّبيّين غيبة
على موعدٍ فيها إلى ربّهم فرّوا
وإن بيوم الغار والشعب قبله
غناءً كما يغني عن الخبر الخبر
ولم أدر لم أنكرت كون اختفائه
بأمر الّذي يعيى بحكمته الفكر؟!
أتحصر أمرالله في العجز أم لدى
إقامة ما لَفَّقْتَ أقعدك الحصر؟!
فذلك أدهى الداهيات ولم يقل
به أحدٌ إلاّ أخو السَّفَهِ الغمر
ودونك أمر الأنبياء وما لقوا
ففيهِ لذي عينين يتّضح الأمر
فمنهم فريق قد سقاهم(20) حمامهم
ـ بكأس الهوان ـ القتل والذبح والنشر
أيعجز ربّ الخلق عن نصر حزبه
على غيرهم؟! كلاّ، فهذا هو الكفر

_________
(20) أي: أمرالله.

( 21 )

وكم مختفٍ بين الشّعاب وهاربٍ
إلى الله في الأجبال يألفه النسر
فهلاّ بدا بين الورى مُتَحَمِّلاً
مشقّة نصح الخلق من دأبه الصبر
وإن كنت في ريبٍ لطول بقائه
فهل رابك الدجال والصالح الخضر؟!
أيرضى لبيبٌ أن يعمّر كافرٌ
ويأباه في باقٍ ليمحى به الكفر؟!
ومنها أيضاً:
فدع عنك وهماً تهت في ظلماته
ولا يرتضيه العبد كلا ولا الحرّ
وإنْ شئت تقريب المَدى فلربّما
يكلّ بميدان الجياد بك الفكر
فمذ قادنا هادي الدليل بما قضى
به العقل والنَقلُ اليقينان والذكر
إلى عصمة الهادين آل محمدٍ
وأنّهم في عصرهم لهم الأمر
وقد جاء في الآثار عن كلّ واحدٍ
أحاديث يعيى من تواترها الحصر
تعرّفنا ابن العسكريّ وأنّهُ
هو القائم المهديّ والواتر الوتر

( 22 )

تبعنا هدى الهادي فأبلغنا المدى
بنور الهدى والحمدلله والشّكر
وله قصيدة عينية طويلة ذات معانٍ فلسفية عالية، عارض بها عينية ابن سينا في النفس، التي مطلعها:
هبطت إليك من المحلّ الأرفع
عنقاء ذات تعزّزٍ وتمنّع
فممّا قال فيها ـ قدس الله نفسه الزكية ـ ردّاً عليه:
نعمت بأن جاءت بخلق المبدع
ثمّ السعادة أن يقول لها: (ارجعي)
خُلِقَتْ لأنفع غايةٍ يا ليتها
تبعت سبيل الرّشد نحو الأنفع
الله سوّاها وألهمها فهل
تنحو السبيل إلى المحلّ الأرفع
نعمت بنعماء الوجود ونوديت
هذا هداك وما تشائي فاصنعي
ودعي الهوى المردي لئلاّ تهبطي
في الخسر ذات توجّعٍ وتَفَجُّعِ
إن شئت فارتفعي لأرفع ذروةٍ
وحذار من درك الحضيض الأوضع
إن السعادة والغنى إن تقنعي
موفورة لك والشّقا إن تطمعي
وله قصيدة في ثامن شوّال سنة 1343 هـ ، وهو اليوم الذي هدمت فيه قبور أئمة الهدى الأطهار عليهم السلام في البقيع من قبل الوهّابيّين، ومطلعها:
دهاك ثامن شوّالٍ بما دهما
فحقّ للعين إهمال الدّموع دما
ومنها:
يوم البقيع لقد جلّت مصيبته
وشاركت في شجاها كربلا عظما
وله ـ قدس سره ـ مراسلات شعرية وغير شعرية ـ علمية ووجدانيّة ـ جرت بينه وبين السيد محسن الأمين العاملي ـ رحمه الله ـ تنمّ عن أدبه الجم

( 23 )

وخلفه الرفيع السامي، أوردها السيد الأمين في: أعيان الشيعة 4/ 257 ـ 261.
وله ـ رحمة الله واسعة ـ مراسلات شعرية أخرى جرت بينه وبين آخرين، ومراثٍ وتهانٍ وأغراض شعرية غير ذلك، مذكورة في أغلب المصادر التي ترجمت له.

تلامذته:

قد مرّ ذكر أسماء شيوخه وأساتذته، أمّا تلامذته.. فقد تتلمذ على الشيخ البلاغي ـ رضوان الله عليه ـ العديد من أعيان الطائفة وعلمائها المشهورين، فمن جملة الّذين نهلوا من معين علمه وتتلمذوا عليه، أو حضروا مجلس درسه، أو رووا عنه:
1- السيد ابوالقاسم الموسوي الخوئي، المتوفّى سنة 1413 هـ .
2- السيد شهاب الدين محمد حسين الحسيني المرعشي النجفي، المتوفّى سنة 1411 هـ .
3- الشيخ ذبيح الله بن محمد علي المحلاتي، المتوفي سنة 1405 هـ .
4- السيد محمد هادي الحسيني الميلاني، المتوفّي سنة 1395 هـ .
5- الشيخ علي محمد البروجردي، المتوفّى سنة 1395 هـ .
6- السيد محمد صادق بحر العلوم، المتوفّى سنة 1390 هـ .
7- الشيخ محمد رضا آل فرج الله، المتوفّى سنة 1386 هـ .
8- الشيخ محمد علي الأردوبادي، المتوفّى سنة 1380 هـ .
9- الشيخ مهدي بن داود الحجار، المتوفّى سنة 1358 هـ.
10- الشيخ نجم الدين جعفر العسكري، المتوفّى سنة 1397 هـ.
11- الشيخ محمد رضا الطبسي النجفي، المتوفّى سنة 1405 هـ.
12- الشيخ جعفر باقر آل محبوبة (1314 ـ 1378 هـ ).

( 24 )

13- السيد صدر الدين الجزائري (1312 ـ 1394 هـ).
14- الشيخ مجتبى اللنكراني النجفي (1313 ـ 1406 هـ).
15- الشيخ مرتضي المظاهري النجفي، المتوفّى سنة 1414 هـ.
16- الشيخ محمد المهدوي اللاهيجي، المتوفّى سنة 1403 هـ .
17- الميرزا محمد علي أديب الطهراني.
18- الميرزا محمد علي التبريزي المدرس (1296 ـ 1373 هـ).
19- الشيخ إبراهيم بن مهدي القريشي.

وفاته ومدفنه ورثاؤه:

توفّي ـ نوّرالله مرقده ـ بمرض ذات الجنب، ليلة الاثنين 22 شعبان 1352هـ ، فارتجّت مدينة النجف بأكملها واجتمعت إلى بيته، وشيّع تشييعاً يليق بمقامه، سار فيه آلاف من الجماهير يتقدّمهم عظماء المجتهدين وأساطين العلم والأدب، ودفن في الحجرة الثالثة الجنوبية من طرف مغرب الصحن الشريف لمرقد أميرالمؤمنين الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام، وهي حجرة آل العاملي.
ومن العجيب أنّ مطلع إحدى قصائده ـ المذكورة آنفاً ـ في مدح الإمام الحجّة المنتظر عليه السلام، في ذكرى مولده السعيد المبارك، قوله:
حيّ شعبان فهو شهر سعودي
وعد وصلي فيه وليلة عيدي
فكان كما أجراه الله على لسانه، إذ وصل إلى رحمة ربّه في شعبان، ففجع الإسلام بوفاته، وثلم في الدين ثلمة لايسدّها شيء، تغمّده الله بواسع رحمته.
ورثاه أكابر العلماء والأدباء بعيون الشعر الحزين الدامع، وكان في طليعتهم خاله العلاّمة السيّد رضا الهندي ـ رحمه الله ـ في قصيدة رائعة ضمّنها
( 25 )

بعض أسماء كتبه، ومطلعها:
إن تمس في ظلم اللّحود موسّدا
فلقد أضأت بهنّ (أنوار الهدى)
ولئن يفاجئك الرّدى فلطالما
حاولت إنقاذ العباد من الرّدى
هذا مدى تجري إليه فسابق
في يومه أو لا حق يمضي غدا
قد كنت أهوى أنّني لك سابق
هيهات قد سبق (الجواد) إلى المدى
فليندب (التّوحيد) يوم مماته
سيفاً على (التّثليث) كان مجردّا
وليبك دين محمدٍ لمجاهدٍ
أشجت رزيّته النّبيّ محمدا
وليجر أدمعه اليراع لكاتبٍ
أجراه في جفن الهداية مرودا
وجد الهدى أرقاً فأسهر جفنه
حرصاً على جفن الهدى أن يرقدا
أأخيّ كم نثرت يداك من (الهدى)
بذراً فطب نفساً فزرعك أحصدا
إن كنت لم تعقب بنين فكلّ من
يهديه رشدك فهو منك تولّدا
إلى آخرها، وهي طويلة وكلّها من هذا النمط العالي.
وله قصيدة أخرى في رثائه أيضاً، منها:
قد خصّك الرحمن في (آلائه)
فدعاك داعيه لدار لقائه
عمّت رزيّتك السّما والأرض يا
داعي هداه بأرضه وسمائه
يا محيي الدين الحنيف تلافه
فالدين أوشك أن يموت بدائه
أوقدت (أنوار الهدى) من بعدما
قد جدّ أهل الكفر في إطفائه
ورفعت للتوحيد راية باسلٍ
ردّ الضلال منكسا للوائه
يا باري القلم الذي إن يجر في
لوح أصاب الشّرك حتم قضائه
ما السّمر تشبه منه حسن قوامه
كلاّ ولا الأسياف حدّ مضائه
عجباّ له يملي بيانك أخرساً
وترى الأصم ملبّياً لدعائه

( 26 )

هو معجز طوراً ويسحر تارةً
أهل الحجى إن شاء في إنشائه
ورثاه العالم الأديب الشيخ محمد رضا المظفر في قصيدة مطلعها:
يا طرف جد بسواد العين أو فذرً
ماذا انتفاعك بعد الشمس بالنظر؟!
ومنها:
قد كان كالبدر في ليل الشتاومضى
كالشمس معروفة بالعين والأثرً
وفي رثاثه قال السيد مسلم الحلي قصيدة، منها هذا البيت:
إني أرى الموت الزّؤام ممثّلاًًّ
للناس فعل الصّيرف النّقّادً
وقد أرخ عام وفاته السيد محمد الحلي بأبيات، فقال:
دهــي الإســــلام إذ
بـــه تداعــــــى سورُهُ
شرع طـــه أسفـــــاً
لمّــا مضــى نصيـــرهً
مذ غاب أرّخـــت ألاً
غاب (الهــدى) و (نوره)
وقال أحد معارفه:
في ذمّة الله نفس بالجهاد قضتً
فكان آخر شيءٍ فارقت قلمً
ورثاه الشيخ محمد تقي الفقيه ـ أحد علماء جبل عامل ـ بمرثية، منها:
أفنيت نفسك بالجهاد و طالماً
بدمائها روى اليراع الظاميً
حتى تراءت في الجنان مهيضةً
هتف الملائكة: (ادخلي بسلام)
ومنها:
صيّرت قلبك شمعةً وحملتهُ
ضَوْءً أمام الدين للإعظامِ
فأذبته فإذا المدامع أسطر
والنور معناها البديع السامي
ورثاه الشيخ محمد علي اليعقوبي بقصيدة مطلعها:
سلوا قبّة الإسلام ماذا أمادها؟!
متى قوّضت منها الليالي عمادها

( 27 )

و قد أحسن أحد الأدباء فخاطبه في رثائه:
زوّدت نفسك في حياتك زادها
تقوى الإلـه وذاك خير الـزاد
ووصفه أحد البارعين فقال:
تحلّى به جيد الزمان وأصبحت
تزان به الدّنيا وتزهو الصّحائف
ورثاه كذلك السيد محمود الحبّوبي ومحمد صالح الجعفري والشيخ محمد علي الأردوبادي، وغيرهم.

مصنّفاته وآثاره العلمية:

في الحقيقة أنّه لم يمت من خلّف ما خلّفه المترجم من الآثار التي تهتدي بها الآجيال، وتحتجّ بها الأبطال، فإنّ في مؤلّفاته ثمرات ناضجة قدّمها المترجم لروّاد الحقيقة، وفيما يلي مسردلها ـ وقد أشرت إلى ما هو مطبوع منها فعلاً قدر المستطاع ـ عسى الله تعالى أن يقيّض من يعثر على غير المطبوع منها فيحييه:

1- الهدى إلى دين المصطفى .

في الردّ على النصارى، طبع لأوّل مرّة في جزءين في صيدا سنتي 1330 و 1331 هـ ، وطبع في النجف الأشرف سنة 1965 م، ثمّ أعادت طبعه دار الكتب الإسلامية في قم، بالتصوير على الطبعة الثانية.
2- الرحلة المدرسية، أو: المدرسة السيّارة.
في الردّ على اليهود و النصارى، في ثلاثة أجزاء، طبع عدّة مرّات في النجف الأشرف وبيروت.
ثمّ طبع الجزء الأول منه بتحقيق يوسف الهادي، وصدر عن مؤسّسة البلاغ في طهران سنة 1413 هـ.
كما ترجم الكتاب إلى الفارسية، وطبع في النجف الأشرف أيضاً.