السيدة سكينة ابنة الامام الشهيد ابي عبدالله الحسين عليه السلام ::: 106 ـ 120
(106)
الموجودة خالية عن نسبتها الى الحسين عليه السلام فمن أين صح الحكم على هذه المسماة بهذا الاسم انها من هذا البيت العلوي فلعلها سكينة ابنة خالد بن مصعب بن الزبير الذي يروي ابو الفرج اجتماعها مع عمر بن أبي ربيعة والجواري يغنين لهم او الأخرى وهي سكينة ابنة مصعب التي امها فاطمة بنت عبدالله بن السائب.
    ثم هذا الشعر ورد مطلعه باسم زينب كما ورد مطلعه في ديوان ابن أبي ربيعة باسم ام طلحة عائشة بنت طلحة المخزومي وهي بنت اخت عائشة ام المؤمنين ونص المطلع في الديوان ص 140 :
يا أم طلحـة ان البيـن قـد أفدا امسى العراقي لا يدري إذا برزت قل الثواء لئن كان الرحيل غدا من ذا تطوف بالأركان او سجدا
    وليس في الأبيات اسم سكينة كما ليس في نص الحديث نسبتها إلى الحسين عليه السلام والباحث في الأغاني لم يجد التصريح بسكينة ابنة الحسين في شعر عمر بن ابي ربيعة اصلا وكلما وجد في لفظ ( سكين ) أو ( سكينة ) لم يحصل معه الجزم بأنها ابنة الحسين خصوصاً بعد أن عرفنا من نص الأغاني ان التي تجتمع مع ابن أبي ربيعة هي سكينة بنت خالد بن مصعب الزبيري ومن هذا الباب ما يرويه أو علي القالي من قول عمر بن أبي ربيعة (1)
ان طيف الخيـال حين ألمـا جدد الوصل يا سكين وجودى هاج لي ذكره وأحدث هما لمـحب رحيلـه قـد أحما
    فان لفظ سكين لا يدلنا على انه ترخيم سكينة ابنة الحسين عليه السلام على أن أبا الفرج يروي البيت الثاني (2) :
1 ـ أمالي القالي ج 2 ، ص 305.
2 ـ الاغاني ج 1 ، ص 117.


(107)
جددي الوصل يا قريب وجودى لمحب فراقه قد ألما
    ومع هذا الاجمال في اللفظ والخلاف في الرواية كيف يمكن للباحث المتحري للحقائق القطع على أن الشعر وارد في سكينة ابنة الحسين لولا العداء لهؤلاء الاطهار وقصد تشويه سمعة بيتهم الرفيع بما دب ودرج.
    ولم يكتف الزبير بن بكار في الطعن على سكينة حتى ازرى ببعض العلويين من ابناء ابيها فحدث ابوالفرج في الأغاني ج 1 ص 117 عنه ان جعفر بن محمد بن زيد بن علي بن الحسين انشد قول عمر :
ليس بين الحياة والموت الا ان يردوا جمالهم فتزما
    فطرب وارتاح وجرت دموعه وجعل يقول لقد عجلوا البين افلا يوكون قربة افلا يودعون صديقاً افلا يشدون رحلاً.
    انا لا اريد ان انزه وابرء جميع العلويين عمالاً يلتئم مع آداب الشريعة وأحكامها ولكن اقول لا يجوز الاعتماد على الزبير بن بكار وأمثاله ممن طعن فيهم العلماء ورموهم بالكذب فلا تدون روايتهم الواضعة من قيم الرجال ما لم تدعم بقرينة قوية وجعفر بن محمد بن زيد لم يرد في حقه مالا يلتئم مع شريعة جده صلى الله عليه وآله.
    وهنا نرى الاستاذ توفيق الفكيكي قد أخذه الاحتدام على آل الزبير الناشرين لهذه الأكاذيب وعلى من يدونها من دون روية فتخيل ان ( جعفر ) هذا هو الامام ابو عبدالله الصادق مهذب الأمة بنصائحه وحكمه وناشر الشريعة فاشكل عل الرواية ومن دونها ولكن صريح نصها انه حفيد ( زيد الشهيد ) بن الامام زين العابدين عليه السلام


(108)
وكونه ابن محمد بن زيد على رأي ابي الحسن العمري في المجدي وعلى رأي الداودي في عمدة الطالب هو جعفر بن محمد بن محمد بن زيد الشهيد بن زين العابدين عليه السلام.
    وعلى ما ذكرناه من أن روايات الأغاني في حق سكينة أكثرها من آل الزبير تعرف ما يحدث به أبو الفرج في الأغاني ج 14 ـ ص 159 عن الزبير بن بكار عن عمه مصعب من أن سكينة كانت برزة من النساء تجالس الأجلة وهذا كحديثه فيه عن مصعب الزبيري انها كانت تصفف جمتها حتى عرفت بالجمة السكينية.
    وكقوله فيه في التحدث عن شعيب بن أشعب الطامع وكان كأبيه في المجون والاستهتار فأصحبه الرشيد مع عمه ابراهيم بن المهدي المعني بقول أبي فراس :
منكم علية أم منهم وكان لكم شيخ المغنين ابراهيم أم لهم
    فطلب منه ابراهيم أن يحدثه عن طمع أبيه ليستريح به في قطع الليل ثم سأله ابراهيم عن أقربائه بالمدينة فقال شعيب بن أشعب انهم يعدون بالألوف وأكثر قال له ابراهيم ويلك ما بينك وبين اشعب احد فمن أين هؤلاء فاختلق شعيب حديبثاً لاثباته وتهجم به على ابنة سيد شباب أهل الجنة فأثبت زواج زيد بن عمر بن عثمان بن عفان منها كما افترى عليها باسراف المال الممقوت حتى عند العرف وانت بعد ان تتذكر ما مر عليك من كون اشعب من موالي آل الزبير من قبل أبيه وقد تربي في بيت عائشة بنت عثمان بن عفان يتجلى لك قيمة هذا الحديث المتفكه به ابنه شعيب مضافاً الى انه حديث ليل ومسامرة مع الأمراء.


(109)
    لم يبرح ابو الفرج يجمع اضغاثاً من القول المزري بكريمة بيت العصمة ويأتي من هنا وهنا كل شائنة هي اولى ببيته يحسب ان الشهوة بلغت منها كل مبلغ حتى فقدت من أجلها القواعد العرفية والشرعية والعادات فروى عن الزبير بن بكار ان لها ستة أزواج وكان فيهم من لا كفاءة فيه لهذه الحرة ثم تحدث عن مصعب الزبيري (1) ان الأصبغ بن عبد العزيز لما تزوج منها قال بعضهم :
نكحت سكينة في الحساب ثلاثة ان البـقيـع اذا تتـابع زرعه فاذا دخلت بها فأنـت الـرابع خاب البقيع وخاب فيه الزارع
    هذا ما في علبة الرجل والذي تحدث عنهم من آل الزبير وانت على يقين من أن ربائب الخدور وبنات البيوت الغيورات على انفسهن واعتبارهن لا يتنازلن الى قبول الازواج بعد ازواجهن الأولين ويرين في ذلك مساً بكرامتهن اذا كان من قضى عنهن إكفاءاً اكراماً فلا يبغين بهم بدلاً خصوصاً اذا لم يكن الخطاب اكفاءاً لهن وكثيراً ما نرى البنات يموت ازواجهن فيبقين بلا زوج حتى الموت وهن في
1 ـ نسب قريش لمصعب ص 59.

(110)
مقتبل شبابهن فهذه زوجة هدبة بن حشرم لما قدم زوجها ليقاد منه أخذت مدية وجدعت انفها حتى لا يكون للرجال طمع فيها (1).
    ومن اجل ذلك امتنعت ( الرباب ) من التزويج بعد سيدها الحسين المظلوم عليه السلام قالت لا اتخذ حماً بعد رسول الله صلى الله عليه وآله (2) اذا فابنتها سكينة سيدة الكرائم اولى بهذه الأحوال من بنات البيوت جمعاء لكن ( الزبيري ) حدته احقاده على أمير المؤمنين علي عليه السلام الى ان ذكر لها من الأزواج من لا كفائة فيه ومنهم من هو شانيء للبيت العلوي أو شامت به قد دبت فيه جذور الاحقاد اترى ان ابنة سيد الاباة تتظامن لتلك الضعة نزولاً منها على حكم الشهوة.
    على أن علماء النسب والتاريخ يشهدون بان زوجها الأول عبدالله الأكبر ابن الامام الحسن المجتبى سيد شباب أهل الجنة وهو اخو القاسم أمها « رملة » استشهد يوم الطف قبل القاسم ومن هؤلاء الاعلام النسابة ابوالحسن العمري في القرن السادس في كتابه « المجدي » وابو علي الطبرسي صاحب مجمع البيان في « اعلام الورى » ص 127 عند ذكر اولاد الحسن والشيخ محمد الصبان في أسعاف الراغبين على هامش نور الابصار للشبلنجي ص 202 وقال ابو الفرج في الأغاني ج 14 ص 163 أول أزواجها عبدالله ابن الحسن بن علي بن ابي طالب قتل عنها ولم تلد منه وفي اعلام الورى قتل قبل البناء بها وقال ابن حبيب في « المحبر » ص 438 والمدائني في « المترادفات » ص 64 المجموعة الأولى من نوادر المخطوطات كان
1 ـ رسالة المغتالين ص 262 لابن حبيب في المجموعة الاولى من نوادر المخطوطات.
2 ـ كامل ابن الأثير ج 4 ص 36 وتذكرة الخواص ص 150.


(111)
عبدالله بن الحسن أبا عذرها فمات عنها ومقتضاه البناء بها لارادة هذا المعنى من المثل قال الزبيدي في تاج العروس ج 4 ص 387 مادة عذر يقال أبوعذرها وابوعذرتها اذا افترعها وأفتضها.
    ان السيدة الكريمة لم تستبد في الرأي في أمورها دون وليها « زين العابدين » ومن المقطوع به انه لا يرى لأي زبيري أو أموي كفاءة لمصاهرته كيف ونصب عينه احقاد القوم وتحزباتهم عليه وعلى الدين من يوم جده أميرالمؤمنين والى أبيه الحسين وسيوفهم تنطف من دمائهم الزاكية والشماتة بادية على جباتهم ويقذفونها في فلتات السنتهم فهل والحالة هذه يتطامن الى مصاهرة هؤلاء وكل احد يجد في قرارة نفسه التباعد عن مصاهرة من يحرش عليه ويطعن بمقدساته وان بلغ من الشرف أقصاه بل حتى لو كان شقيقه من أبيه وامه.
    وهذا الحجاج الثقفي يعذل خالد بن يزيد بن معاوية لما خطب رملة بنت الزبير أخت مصعب وقال له كيف خطبت الى قوم ليسوا لك باكفاء وكذلك قال جدك معاوية وهم الذين قارعوا أباك على الخلافة ورموه بكل قبيحة وشهدوا عليه وعلى جدك بالضلالة فاعرض خالد عن مصاهرة آل الزبير (1).
    ولما تزوج عبيد الله بن زياد بنت اسماء بن خارجة قبل ولايته الكوفة لأمه عمرو بن حريث وقال تزوجه ولا سلطان له عليـك (2).
    فالامام زين العابدين اجدر بالتباعد عن مصاهرة من جرع اباءه الغصص ونصبوا لهم الغوائل على ان أبا الفرج يحدث ان مصعب
1 ـ الاغاني ج 16 ص 85.
2 ـ انساب الاشراف للبلاذري ج 4 ص 83.


(112)
ابن الزبير تزوج منها وهو عامل أخيه بالبصرة (1) ولم يكن مسيطراً على الحجاز ليخاف السجاد عليه السلام سطوته ولم تكن الظروف تساعد الزبيريين على أخذها أغتصاباً لأن العواطف كانت وقتئذ ثائرة على كل من يمس أهل البيت بسوء حتى ان عبدالله بن الزبير نفسه نصب الهتاف بظلامة السبط الشهيد أبي عبدالله الحسين عليه السلام شركا يصطاد به البسطاء ولما حسب انه بلغ من الملك امنيته ترك ذلك وتجرأ على قدس المنقذ الأكبر رسول الله صلى الله عليه وآله فترك الصلاة عليه عند ذكره أربعين جمعة ولما عوتب قال ان له أهل بيت سوء اذا ذكرته أشرأبت نفوسهم اليه وفرحوا بذلك فلا أحب أن أقر عيونهم (2).
    وقبله معاوية بن أبي سفيان فقد تجرأ على قدس الرسول صلى الله عليه وآله لما سمع المؤذن يشهد بالرسالة فقال لله ابوك. يا ابن عبدالله لقد كنت عالي الهمة ما رضيت لنفسك إلا ان تقرن اسمك مع اسم الرب تعالى (3) وهذا الكلام منه يدلنا على تشكيكه بالرسالة مع ان الرسول في الأحكام الشرعية وغيرها « ما ينطق عن الهوى ان هو إلا وحي يوحى علمه شديد القوى » (4). والآذان من الأحكام المنزلة من آله العالمين ومصعب بن الزبير قتل بالعراق سنة 71 هـ ج قبل شهادة زين العابدين باربع وعشرين سنة وسكينة مدة حياة أخيها تسكن في بيته لا تفتر عن البكاء على أبيها المظلوم الممنوع من الورود كلما تشاهد
1 ـ الاغاني ج 14 ص 163.
2 ـ مقاتل الطالبين ص 165 طبع ايران.
3 ـ شرح النهج لابن ابي الحديد ج 2 ص 537 مصر.
4 ـ سورة النجم آية / 3 و 4 و 5.


(113)
أخاها الحجة زين العباد حزين القلب باكي العين على أبيه سيد شباب أهله الجنة والبهاليل من أهله وصحبه.
    ومما يشهد لذلك ان يزيد بن معاوية مع طغيانه وتهتكه وعدم ايمانه برسالة الإسلام والنبي المبعوث بها كما أفصح عنه شعره الدائر بين الناس ولأجله استوجب مؤاخذة العلماء عليه وحكمهم بكفره وزندقته واستحقاق اللعن (1) حتى قال العلامة الألوسي ان مجموع ما فعله مع أهل حرم الله وحرم نبيه صلى الله عليه وآله وعترته الطيبين الطاهرين في الحياة وبعد الممات ليس باضعف دلالة على عدم تصديقه من القاء ورقه من المصحف الشريف في قذر والظاهر انه لم يبث واحتمال توبته أضعف من ايمانه فانا اذهب الى جواز لعنه على التعيين ومن لم يرض بلعنه على التعيين فهو الضلال البعيد الذي يكاد يزيد على ضلال يزيد. (2)
    ومع هذه الأفعال المنكرة وعدم مبالاته بقانون الشريعة المانع منها أوصى مسلم بن عقبة لما سيرة لمحاربة أهل المدينة باحترام ( زين العابدين ) وتعزيز مقامه لأن الإسائة الى أهل هذا البيت توجب الدمار وتورد النكبات فاباح القائد المسرف حرم الرسول صلى الله عليه وآله لجيشه التمرد ثلاثة ايام (3) فافتضت العذارى وولدت عشرة آلاف امرأة من غير زوج (4) وانتهبوا بيوت المسلمين واريقت الدماء عند قبر النبي صلى الله عليه وآله
1 ـ ذكرنا في مقتل الحسين ص 8 الطبعة الثانية حكم علماء أهل السنة في لعن يزيد لتعديه على حرمات الله.
2 ـ تفسير روح المعاني ج 26 ص 73 ، آية فهل عسيتم ان توليتم.
3 ـ تاريخ الطبري ج 7 ، ص 6.
4 ـ تذكرة سبط ابن الجوزي ص 163.


(114)
ولكنه أوصى جيشه ببيت ( علي بن الحسين ) فكان أمناً لمن دخله من أهله المدينة حتى ان مروان بن الحكم الذي أثار فتنة الجمل وحرض ( المرأة ) على منع ادخال جنازة الحسن السبط الى قبر جده النبي صلى الله عليه وآله لتجديد العهد به فنهضت واصحرت عن بغضها بقولها لا تدخلوا بيتي من لا أحب (1) وكان مروان يهتز فرحا بقتل الحسين لما شاهد الرأس المقدس أمام ( ابن ميسون ) وهو ينكته بقضيب خيزران فقال متشمتاً :
يا حبـذا بردك فـي اليدين شفيت نفسي من دم الحسين ولونك الأحمر في الخدين أخذت ثاري وقضيت ديني (2)
    فلم يمسكه الحياء من هذه المنكرات التي هي نصب عين السجاد علي بن الحسين واندية أهل البيت تلهج بها فجاء بعياله الى بيت الامام زين العابدين يوم واقعة الحرة فرقاً من بطش الجيش المتمرد فرأى من ابن ( النبوة والامامة ) جاها عريضاً وخلقا واسعا وحلما راجحا كما يقتضيه عنصره الطيب الطاهر وهذا بعد أن استجار بعبد الله بن عمر بن الخطاب فزبره وطرده عن بابه وقال لا تحرقني بنارك (3) واني لا ستطرف أبيات سعد بن محمد الصيفي المعروف بحيص بيص لعلاقتها بالموضوع وأرتباطها به :
ملكنا فكان العفو منـا سجية وحللتم قتل الأسارى وطالما فحسبكم هـذا التفاوت بيننا ولمـا ملكتم سـال بالـدم ابطح غدونا عن الأسرى نعف ونصفح وكل انـاء بالـذي فيـه ينضح

1 ـ مناقب ابن شهر اشوب ج 2 ص 175.
2 ـ انظر ما كتبناه في مقتل الحسين صلى الله عليه وآله ص 426 طبعة الثانية.
3 ـ تاريخ الطبري ج 7 ص 7.


(115)
    والقصة في هذا ان نصر بن مجلى من أهل السنة رأى علي بن أبي طالب في المنام فقال له انكم لما فتحتم مكة قلتم من دخل دار أبي سفيان فهو آمن ثم يتم على ولدك الحسين يوم الطف ما تم فقال له أما سمعت ابيات ابن الصيفي في هذا قال لا فقال اسمعها منه ولما استيقظ بادر الى الحيص بيص فسأله عن الأبيات وحكى له الرؤيا فأجهش بالبكاء وحلف بالله انه نظمها في ليلته وما سمعها منه احد (1).
    ومن يقرء قصة زواج مصعب من سكينة في عيون الأخبار لابن قتيبة ج 1 ص 258 يتجلى له أنها من الخيالات وهو وان اثبتها مرسلة الا أنها لا تعد والزبير بن بكار وابن أخيه مصعب وثالثهم عروة بن الزبير لأن أبا الفرج في الأغاني أسندها اليهم.
    وأغرب منه ما يرويه ابو منصور البغدادي عن المدايني عن مجالد عن الشعبي ان سكينة نشزت على زوجها عبدالله بن عثمان بن حزام فشكتها أمه رملة بنت الزبير بن العوام الى عبدالملك (2).
    وليته نظر قبل أن يسجل هذه الفرية في نص ابن معين ويحيى بن سعيد وغيرهم من علماء الرجال عما ذكروه في حق ( مجالد ) فيعرف توقفهم عن رواية أحاديثه وأعراضهم عن جميع مروياته ثم
1 ـ الابيات مع القصة في شذرات الذهب لابن العماد لابن العماد الحنبلي ج 4 ، ص 247 ، حوادث سنة 574 ومعجم الادباء لياقوت ج 11 ص 206 ووفيات الاعيان لابن خلكان بترجمته وفي البداية لابن كثير ج 12 ص 301 توفي ببغداد / 5 شعبان سنة 574 ودفن بباب التبن وليس له عقب.
2 ـ بلاغات النساء ص 146 طبع النجف.


(116)
يعطف النظرة الى الشعبي ويدرس احواله فعندها لا يبقي له ريب في سقوطه عن قبول الرواية.
    يتحدث المؤرخون أن الشعبي من صنايع الأمويين يرتع في دنياهم ويسير على رغباتهم تولى المظالم بالكوفة من قبل بشر بن مروان أيام ولايته من قبل عبدالملك (1) وتولى القضاء بالكوفة من قبل عمر بن عبد العزيز (2) فهو مرواني النزعة لا يتحرج من كذبة ولا يبترم من خطل ولا يعرف حرمة الشريعة المطهرة فكان يسمع غناء ابن عائشة فيقول متعجباً منه يؤتي الله الحكمة من يشاء (3) وكان ابن سريج يغني له فقيل له من هذا قال هذا الذي اوتي الحكم صبيا (4) ولم ينكر ابو منصور البغدادي سماعه الغناء (5) المحرم في الكتاب والسنة واجماع الشيعة والسنة ولم يخف هذا الحكم على الشعبي ولكن « من يضلل الله فلا هادي له » (6) « وليحملن اثقالهم واثقالاً مع اثقالهم وليسألن يوم القيامة عما كانوا يفترون » (7)
    ولذلك تراه معرضاً عن الولاء لأمير المؤمنين وابنائه المعصومين يحدث ابن مطرف الكناني بسنده عن اسماعيل بن ابي خالد انه سمع الشعبي يحلف بالله ويقول دخل علي بن ابي طالب حفرته
1 ـ الاغاني ج 2 ص 120 طبعة ساسي.
2 ـ تاريخ الطبري ج 8 ص 131.
3 ـ الاغاني ج 1 ص 121 ج 2 ، ص 71.
4 ـ نيل الاوطار للشوكاني ج 8 ، ص 83.
5 ـ نيل الاوطار ج 8 ، ص 82.
6 ـ سورة الاعراف : آية / 186.
7 ـ سورة العنكبوت آية 13.


(117)
ولم يحفظ القرآن (1) وتقزز ابن فارس من هذه الجرأة على باب مدينة علم الرسول فقال هذا كلام شنيع جدا فيمن يقول سلوني قبل أن تفقدوني سلوني فما من آية إلا اعلم بليل نزلت ام بنهار في سهل ام في جبل (2).
    هذا حال الشعبي مع امير المؤمنين الذي لم يختلف اثنان في معرفته بنزول القرآن وتأويله وفيمن نزلت كما ان الاحاديث كثيرة في جمعه القرآن بعد وفاة النبي صلى الله عليه وآله فكيف حاله مع غيره من أهل البيت رجالا ونساء فحق له اذا تحدث بما شاء له الهوى.
1 ـ القرطين ج 1 ص 158.
2 ـ الصاحبي في فقه اللغة ص 170.


(118)

(119)
    وهناك سقطة اخرى باء باثمها صاحب الأغاني حيث لم تقنعه هاتيك السفاسف في خدش عواطف الخفرة فطفق يمس بكرامة أبيها الامام المعصوم عليه السلام بما ينافي العصمة أو يصادم العظمة والحفاظ فذكر في الرواية عن رجال مجاهيل لم يعرفهم علماء الرجال والتراجم ان سكينة قالت عتب عمي الحسن على أبي في أمي الرباب فقال الحسين راداً عليه (1) :
لعمرك انني لأحب داراً احبهما وابذل جل مالي تحل بها سكينة والـرباب وليس لعاتب عندي عتاب
    وزاد ابن جرير الطبري في المنتخب من الذيل ضغثا على أبالة فذيلهما بثالث :
ولست لهم وان عتبوا مطيعاً حياتي أو يغيبني التراب
    كل هذا جهل بمقام الامامة وإغضاء عن ناحية العصمة وخفوق عن جهة الشهامة والحفاظ فان الامام عندنا المنصوب من قبل الله تعالى المعصوم عن كل خطل حتى من ترك الأولى لا يصدر منه ما
1 ـ الاغاني ج 14 ، ص 157 ، ونسب قريش لمصعب الزبيري ص 59.

(120)
يوجب العتاب حتى من معصوم مثله والسبط المجتبى عليه السلام لا يعاتب أحداً على مجرد حب حليلته المرغوب فيه إلا أن يكون خارجاً عن الحدود الشرعية ولا يعقل مثله في الحسين عليه السلام.
    وعلى فرض وقوع العتاب المزعوم ( فشهيد الدين ) أبر وأتقى من أن يجابه حجة الوقت والامام على الأمة أجمع بنظم البيتين.
    ومما لا يلتئم مع حفاظه المر ووقاره المزري بشم الرواسي وعظمته المشتقة من النبوة مدح حليلته وابنته بشعر يعلم بطبع الحال انه ستسير به الركبان ثم يبث ذلك بين الناس فتلوكه الأشداق حتى يغني به المغنون في منتديات البطر ومجتمعات الفجور.
    ولكن لم يكن بدعاً من مزاعمهم بعد أن طعنوا في ( ابي الضيم ) الحامل لأعبا الامامة بما هو أعظم وانكى فذكر ابن حجر العسقلاني ان الحسن عليه السلام لما عزم على الصلح شاور عبدالله بن جعفر الطيار فيه فلم ير منه خلافاً عليه وقال للحسين يا أخي اني رأيت رأياً واحب ان تتابعني عليه ثم قصه عليه فقال الحسين عليه السلام اعيذك بالله ان تكذب علياً في قبره وتصدق معاوية.
    فقال الحسن عليه السلام :
    والله ما أردت أمراً قط الا خالفتني الى غيره والله لقد هممت ان أقذفك في بيت فاطينه عليك حتى أقضي امري (1).
    هكذا يتحدث ابن حجر ويغتر به الساذج من المتأخرين فيعد هذه المخالفة من الحسين من بواعث الشهامة والأباء وقد ذهب على المسكين ان الحسين المعصوم لا يجابه امام الوقت بتلك الشدة المزرية
1 ـ تهذيب ج 2 ، ص 299 بترجمة الحسن عليه السلام.
السيدة سكينة ابنة الامام الشهيد ابي عبدالله الحسين عليه السلام ::: فهرس