السجود على التربة الحسينية ::: 16 ـ 30
(16)
وقد فعل ذلك جابر ، وأبو ذرّ ، وزيد بن ثابت ، وابن عمر ـ رضي الله تعالى عنهم ـ » (1).
    وكانت سيرة الشـيعة الإمامية العمل بالأفضل ، لذا فهم يسـجدون على تربة تصنع من أرض طابت وطهرت ـ والأرض تشـقى وتسـعـد ـ يـأخـذونهـا مـن أرض كـربـلاء ، لِما ورد عنه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : « حسين منّي وأنا من حسين » (2) ..
    و « الحسن والحسين سيّدا شـباب أهل الجنّة » (3).
1 ـ عمدة القاري شـرح صحيح البخاري 4 / 108.
2 ـ سنن الترمذي 5 / 617 ح 3775 ، مسند أحمد 4 / 172 ، المستدرك على الصحيحين 3 / 194 ـ 195 ح 4820 ، مصنّف ابن أبي شيبة 7 / 515 ح 22 ، الإحسان بترتيب صحيح ابن حبّان 9 / 59 ح 6932 ، المعجم الكبير 3 / 32 ح 2586 و ص 33 ح 2589 و ج 22 / 273 ـ 274 ح 701 و 702 ، تاريخ دمشق 14 / 149 ح 3461 و ص 150 ح 3464 ، جامع الأحاديث الكبير ـ للسيوطي ـ 4 / 228 ح 11267 ، الجامع الصغير : 232 ح 3823.
3 ـ سنن الترمذي 5 / 614 ح 3768 و ص 619 ح 3781 ، مسند أحمد 3 / 3 و ص 62 و 64 و 82 و ج 5 / 391 ، الخصائص ـ للنسائي ـ : 99 ح 124 و 125 و ص 104 ـ 105 ح 135 ـ 137 ، مصنّف ابن أبي شيبة 7 / 512 ح 2 و 3 ، مسند أبي يعلى 2 / 395 ح 1169 ، المعجم الكبير 3 / 35 ـ 40 ح 2598 ـ 2608 و ج 22 / 402 ـ 403 ح 1005 ، المعجم الأوسط 1 / 174 ـ 175 ح 368 و ج 3 / 8 ـ 9 ح 211 و ج 4 / 520 ح 4332 ، مصابيح السُـنّة 4 / 193 ح 4827 و ص 196 ح 4835 ، تاريخ بغداد 1 / 138 و 140 و ج 4 / 207 و ج 6 / 372 ـ 373 و ج 9 / 231 و ج 11 / 90 ، الإحسان بترتيب صحيح ابن حبّان 9 / 55 ح 6920 و 6921 ، تـاريخ دمشـق 14 / 130 ـ 131 ح 3423 ـ 3425 و ص 132 ـ 137 ح 3427 ـ 3440 ، مجمع الزوائد 9 / 182 ـ 183 ، الجامع الصغير : 332 ح 3820 ـ 3822 ، جامع الأحاديث الكبير 4 / 228 ح 11267 و ص 257 ح 11472 و 11473 و ص 258 ح 11477 ، الصواعق المحرقة : 211 و 284 و 290 ، كنز العمّال 12 / 112 ـ 113 ح 34246 ـ 34249 و ص 115 ح 34259 و 34260 و ص 116 ح 34299 و ص 117 ح 34274 و ص 119 ح 34282 و ص 120 ح 34285 و 34288 و 34289 و ص 122 ح 34293.


(17)
وقد قضى الحسين مجاهداً عندما رأى أنّ الرذيلة استولت على الفضيلة ، والمادّية على الروحية ، والعدالة ذبيحـة ، والحقّ صريع ، وقد طغى على العالم الإسلامي استبداد أُمويّ ..
    فنهض هو وأهل بيته وصحبه الغرّ الميامين ، لتصحيح المسار ، والعودة بالإسلام إلى منابعه الأصلية ، حتّى تساقطوا صرعى في هذه البقعة الشـريفة التي منها يأخذ الشـيعة التربة.
    فهي إذاً توحي للمسلم الجهاد في سـبيل الله والدفاع عن حياض العقيدة ، والجهاد باب من أبواب الجنّة ، والجنّة تحت ظلال الأسنّة.
    وورد في تفسير الآية الكريمة : ( في بيوت أَذِن الله أن ترفـع ويذكـر فيهـا اسـمه ) (1) عن جـلال الديـن السيوطي في
1 ـ سورة النور 24 : 36.

(18)
« الـدرّ المـنـثـور » في تفـسير هذه الآية ، قال : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : إنّ بيت النبيّ وبيوت أهل بيتـه من أفاضلها وأعلاها (1).
    فاكتسـبت الأرض شـرافة بالأجسام الطاهرة الثاوية في رحابها ، والمكان بالمكين كما قيل.
    كما ورد في « الذخائر القدسية في زيارة خير البرية » أنّ المسلمين كانوا يستشـفون بتربة حمزة بن عبـد المطّلب ، وتربة صهيب الرومي (2) ، قال ما نصّه :
    من ذلك : الاستشـفاء بتربة حمزة ، وتربة صهيب اللذين استثنيا من حرمة نقل تراب الحرم المدني إلى غيره ، فيجوز نقلها كما سننبّه على ذلك.
1 ـ الدرّ المنثور 6 / 203.
2 ـ هو : صُهيب بن سنان بن مالك بن عتيل بن بزار الربعي النمر بن قاسط ، لقّب بالرومي لأنّ الروم سبته ، وهرب منهم إلى مكّة ، عُذّب من قبل المشركين مع عمّار وخبّاب وسلمان ، اعتنق الإسلام مع عمّار ابن ياسر ، شهد بدراً وأُحداً ، وكلّ غزوات الرسول الأكرم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، وكان لا يفارقه في كلّ غزوة ، كنّاه النبيّ ( صلى الله عليه وآله وسلم ) بأبي يحيى ، توفّي بالمدينة سنة 38 هـ ، وقيل سنة 39 هـ ، وهو ابن ثلاث وسبعين سنة ، ودفن في البقيع.
    انظر : الاستيعاب 2 / 726 ـ 733 رقم 1226 ، أُسد الغابة 2 / 418 ـ 421 رقم 2535 ، الإصابة 3 / 249 ـ 252 رقم 4108.


(19)
    أمّا الأوّل : فهو مجرّب للصداع.
    وأمّا الثاني : فقد جرّبه العلماء للشـفاء من الحمّى شـرباً وغُسلا ، لكنّ الشـرب هو الوارد في حديث ابن النجّار وغيره لمّا أصابت بني الحارث ، قال لهم النبيّ ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : أين أنتم من تراب صهيب ؟!
    قالوا : وما نصنع به ؟!
    قال : تجعلونه في الماء ... إلى آخر الحديث (1).
    ومن المعلوم أنّ مقام الحسين ( عليه السلام ) أجلّ وأسـمى من مقام الحمزة وصهيب ـ رضوان الله عليهما ـ عند الله وعند رسوله ، للأحاديث الواردة فيه من الرسول العظيم ، والتي تشـيد بذِكره وعلوّ مكانته.
    ولقائل أن يقول : لماذا لم يحمل معهم الصحابة والسلف الصالح تربة من أرض الحرمين الشـريفين (2) في سـفرهم
1 ـ الذخائر القدسية في زيارة خير البرية ـ لمؤلّفه عبـد الحميد بن محمّـد أقدس بن الخطيب ، المدرّس بالجامع الحرام بمكّة ـ : 112.
2 ـ المدينة حرم ما بين عَيْر ـ بفتح العين ، وسكون الياء ـ وهو جبل جنوبي المدينة المنوّرة ـ ، إلى ثور ـ جبل في شمالها ـ.
    ومكّة المكرّمة حرم له حدود ، ولهذه الحدود مسافات ، وهي ـ مع بيان مسافاتها ـ :
    1 ـ شمالا : من جهة ( المدينة المنوّرة ) ، المكان المسمّى بـ ( التنعيم ) أو ( مسجد العمرة ) ، والمسافة بينه وبين المسجد الحرام تعدّ بنحو أربعة أميال.
    2 ـ غرباً : من جهة ( جدّة ) ، عند المكان المسمّى ( العلمين ) أو بـ ( الحديبية ) ، والمسافة بينه وبين المسجد الحرام تقدّر بنحو عشرة أميال.
    3 ـ شرقاً : من جهة ( نجد ) ، عند المكان المسمّى بـ ( الجعرانة ) ، والمسافة بينه وبين المسجد الحرام تقدّر بنحو ثمانية أميال.
    4 ـ جنوباً : من جهة ( عرفة ) عند ( نمرة ) ، والمسافة بينه وبين المسجد الحرام تقدّر بنحو ثلاثة عشر ميلا.
    انظر : دليل الحاجّ : 49.


(20)
وحضـرهم ؟!
    نقول في جواب ذلك بما ذكره صاحب « الذخائر القدسية » من حرمة نقل تراب الحرم المدني ، وبالطبع فالحرم المكّي بطريق أَوْلى ، فقد أورد رضوان الله عليه :
    أن لا ينقل معه شـيئاً من حجارة حرم المدينة وترابها ، فإنّ ذلك حرام عند أئمّتنا ولو إلى مكّة وإنْ نوى ردّه إليه كما في ( التحفة ).
    نعم ، استثنوا من ذلك نقل تراب احتيج إليه للدواء كتراب مصرع حمزة ( رضي الله عنه ) للصداع ، وتربة صهيب ( رضي الله عنه ) كما مرّ التنبيه عليه ، لإطباق السلف والخلف على نقل ذلك ، ومنه يعلم حرمة نقل الآجر والأُكر والأواني المعمولة من تراب المدينة إلاّ إن


(21)
اضطرّ إلى آنية لحفظ الماء بأن لا يجد غيرها حسّاً وشـرعاً ، وإلاّ وجب عليه ردّها وإن انكسـرت الآنية كما استظهره في « التحفة » ، وإلاّ كان آثماً ، ولا ينقطع دوام عصيانه إلاّ بردّها ما دام قادراً عليه (1).
    وإجماع الفقهاء على المنع ـ كما ذكره صاحب « الذخائر القدسية » ـ عاق سـكّان الحرمين عن حمل تربة من هذه الديار المقدّسـة.
    ولو رجعنا إلى مذهب أهل البيت ( عليهم السلام ) الّذين ورد فيهم أنّ الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) قال : « إنّي تارك فيكم الثقلين : كتاب الله وعترتي أهل بيتي ، لن تضلّوا ما إن تمسّـكتم بهما ، ولن يفترقا حتّى يردا علَيَّ الحوض » (2) .. لرأينا فيضاً من نصوص
1 ـ الذخائر القدسية في زيارة خير البرية : 18.
2 ـ صـحيـح مسلم 7 / 122 ـ 123 ، سنن الترمـذي 5 / 621 ح 3786 و ص 622 ح 3788 ، مسند أحمد 3 / 14 و ج 3 / 17 و ج 4 / 371 و ج 5 / 182 و 189 ، فضائل عليّ بن أبي طالب ( عليه السلام ) ـ لأحمد بن حنبل ـ : 76 ح 114 ، الطبقات الكبرى 2 / 150 ، سنن الدارمي 2 / 292 ح 3311 ، أنـســـاب الأشــراف 2 / 357 ، خـصــائـص الإمام عليّ ( عليه السلام ) ـ للنسائي ـ : 69 ـ 70 ح 74 ، مسند أبي يعلى 2 / 297 ح 1021 و ص 303 ح 1027 ، المعجم الصغير ـ للطبراني ـ 1 / 131 و 135 ، المعجم الكبير 3 / 2678 و ج 3 / 65 ح 2678 و ج 5 / 153 ح 4921 و ص 154 ح 4923 و ص 166 ح 4969 و ص 170 ح 4980 و 4981 و ص 182 ح 5025 و 5026 و ص 183 ح 5028 و ص 186 ح 5040 ، المستدرك على الصحيحين 3 / 118 ح 4576 و ح 4577 و ص 160 ـ 161 ح 4711 ، حلية الأولياء 1 / 355 و ج 9 / 64 ، السنن الكبرى ـ للبيهقي ـ 2 / 148 و ج 7 / 30 و ج 10 / 114 ، تاريخ دمشق 4 / 216 ح 8702 ، مناقب الإمام عليّ ( عليه السلام ) ـ للمغـازلي ـ : 214 ـ 215 ح 283 ، مناقب الإمام عليّ ( عليه السلام ) ـ للخوارزمي ـ : 154 ، تفسير الفخر الرازي 8 / 179 ، ذخائر العقبى : 47 ـ 48 ، مختصر تاريخ دمشق 17 / 120 ، تفسير الخازن 1 / 257 ، فرائد السمطين 2 / 142 ـ 147 ح 436 ـ 441 ، مجمع الزوائد 9 / 163 ، الدرّ المنثور 2 / 285 ، كنز العمّال 1 / 172 ـ 173 ح 870 ـ 873 و ص 178 ح 898.
    يقول السيّد محمّـد تقي الحكيم في كتابه « الأُصول العامّة للفقه المقارن » ص 164 : « وهذا الحديث يكاد يكون متواتراً ، بل هو متواتر فعلا إذا لوحظ مجموع رواته من الشيعة والسُـنّة في مختلف الطبقات ».
    .. إلى أن يقول : « وحَسْب الحديث لأنْ يكون موضع اعتماد الباحثين أن يكون من رواته كلّ من صحيح مسلم وسنن الدارمي وخصائص النسائي وسنن أبي داود وابن ماجة ومسند أحمد ومستدرك الحاكم وذخائر الطبري وحلية الأولياء وكنز العمّال ، وغيرهـا ، وأن تُعنى بروايته كتب المفسّرين أمثال الرازي والثعلبي والنيسابوري والخازن وابن كثير ، وغيرهم ، بالإضافة إلى الكثير من كتب التاريخ واللغة والسير والتراجم ».


(22)
حديثية وردت عنهم ( عليهم السلام ) صريحة في أنّ ما يسـجد عليه هو الأرض أو نباتها أو القرطاس ـ الورق ـ ، وغير ذلك لا يجوز السـجود عليه ، كصحيح هشـام بن الحكم ، أنّه قال للإمام جعفر


(23)
الصـادق ( عليه السلام ) : أخـبِـرني عمّا يـجـوز السـجـود عـليـه وعمّا لا يجوز ؟
    قال ( عليه السلام ) : لا يجوز السـجود إلاّ على الأرض أو على ما أنبتت الأرض إلاّ ما أُكل أو لبس.
    فقال له : جعلت فداك ، ما العلّة في ذلك ؟
    قال ( عليه السلام ) : لأنّ السـجود خضوع لله عزّ وجلّ ، فلا ينبغي أن يكون على ما يؤكل ويلبس لأنّ أبناء الدنيا عبيد ما يأكلون ويلبسون ، والساجد في سـجوده في عـبـادة الله عـزّ وجـلّ ، فلا ينبغي أن يضع جبهته في سـجوده على معبود أبناء الدنيا الّذين اغترّوا بغرورها (1).
    والحقيقة :
    أنّ الصلاة مظهر عبودي لله علينا ، لأن نكون مخلصين له الدين ولا نشـرك بعبادة ربّنا أحداً.
    ولذا قال الفقهاء ببطلان الصلاة مع الرياء لأنّ نيّة القربة بدأت تتأرجح ، والمردَّد لا يقع ، فكذلك السـجود على الملبوس والمأكول له انعكاسات على نيّة التقرّب يمكن أن تأتي بمردود غير مستحسن تتساقط أمامه نيّة التقرّب إلى الله.
    والخلاصـة :
    يصحّ للمسلم أن يسـجد على ما يطلق عليه أرضاً ، سواءً كان تراباً أو صخراً أو رملا أو طيناً أو على الرخام
1 ـ علل الشرائع 1 / 37 ح 1 باب 42.

(24)
ـ الحجر الطبيعي ـ لأنّ كلّ ذلك يسـمّى أرضاً ، وعلى كلّ نبات بشـرط أن لا يكون مأكولا كسائر الفواكه والبقول التي اعتاد الناس أكلهما كالتمر والتفّاح والبصل والبطاطا ، أمّا النوى والقشـور وورق الأشـجار وأخشـابها وسـعف النخل فلا مانع من السـجود عليها.
    كما لا يجوز السـجود على ما يلبس كالقطن والكتّان والقنب والمنسوج منهما.
    كما ويجوز السـجود على القرطاس ـ الورق ـ ، فقد سـأل داود بن فرقد أبا الحسن ( عليه السلام ) عن القراطيس والكواغد المكتوب عليها هل يجوز السـجود عليها أم لا ؟
    فكتب ( عليه السلام ) : يجـوز (1).
    وقد يقال : لماذا لم يكن رسول الله يحمل تربة معه ؟!
    يجاب عن ذلك :
    أوّلا : بناءً على ما تقدّم من عدم جواز نقل تراب الحرمين إلى غيرهما ، حتّى من أحدهما إلى الآخر.
    وثانياً : إنّ تصرّفات الرسول الشـخصية ، كلبس ثوب خاصّ وعمامة خاصة بشـكلية خاصة ، فنحن غير ملزمين بأن
1 ـ الاستبصار 1 / 334 ح 1257 باب السجود على القرطاس فيه كتابة.

(25)
نلبس مثل ذلك لوناً وحجماً وشـكلا ، وإلاّ لَما جاز أن نحمل أقلاماً في جيوبنا لأنّ رسول الله لم يكن يحمل قلماً في جيبه ، ويقتضي أن لا يجوز لنا أن نطوّق معاصمنا بساعات يدوية لأنّ رسول الله لم يكن يطوّق معصمه بساعة يدوية ، وعلينا أن نترك العوينات الطبّية أو الشـمسية لأنّ رسول الله لم يكن يستعملهما وبطلانه واضح.
    وثالثاً : قد تقدّم أنّ كلّ الّذين نقلوا لنا كيفية سـجود رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) قالوا : إنّه كان في سـجوده يباشـر الأرض بجبهته الشـريفة ، أو يسـجد على الحصر (1).
    وقد ورد أيضاً عن أبي حُميد [ الساعدي ] أنّ النبيّ ( صلى الله عليه وآله وسلم ) كان إذا سـجد أمكن أنفه وجبهته من الأرض رواه أبو داود والترمذي وصحّحه (2).
    وكان مسـجده الشـريف في حينه مفروشـاً بالحصباء ، فلماذا يتحمّل عناء حمل تربة معه ، والتاريخ الصحيح والسُـنّة النبوية النقية ، وكبار الفقهاء يشـهدون أنّ رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ما سـجد على قطن أو صوف ؟!
1 ـ صحيح البخاري 2 / 223 ح 242 ، سنن الترمذي 2 / 153 ح 332 ، سنن أبي داود 1 / 173 ـ 174 ، سنن النسائي 2 / 56 ـ 57.
2 ـ سنن الترمذي 2 / 59 ح 270 ، وورد مؤدّاه في سنن أبي داود 1 / 234 ح 894.


(26)
    نعم ، في حالة إن صحّت الدعوى فهي اضطرارية ، فقد كانت في شـدّة حرّ أو برد كما ورد في نفس الأحاديث.
    وأمّا الروايات التي خلت من ذلك القيد وجاءت مطلقة ، فالذي يجب فيها أن تقيّد بالتي ذُكر فيها الحرّ والبرد على أُصول الجمع بين الأحاديث ، كما يقرّر ذلك أهل العلم من حمل المطلّق على المقيّد.
    وقد أورد القسـطلاني في كتابه « إرشـاد الساري شـرح صحيح البخاري » قال : روي أنّ عمر بن عبـد العزيز أنّه كان يؤتى بتراب فيوضع على الخُمرة فيسـجد عليها (1).

    مولـده :
    ولد الشيخ عبـد الحسين بن أحمد الأميني التبريزي ( قدس سره )
1 ـ إرشـاد الساري شـرح صحيح البخاري 2 / 48.
2 ـ اختصرناها من كتاب : « الغدير في التراث الإسلامي » للعلاّمة المحقّق السيّد عبـد العزيز الطباطبائي ( قدس سره ).


(27)
في عام 1320 هـ في مدينة تبريز من أُسرة علمية ، ونشأ فيها ، واتّجه إلى طلب العلم والمعرفة ، ودرس عند أساتذتها المرموقين.
    ثمّ غادرها إلى مدينة النجف الأشرف ، وأنهى دراسته فيها ، وتتلمذ على يد أكابر أعلامها البارزين آنذاك.
    رحـلاتـه :
    رحل شيخنا ( قدس سره ) إلى الهند وسوريا وتركيا ، في سبيل جمع ما لم يطبع من التراث ، من مصادر قديمة ومهمّة ، وسجّل الكثير في مجلّدين ضخمين سمّاهما « ثمرات الأسفار ».
    مـآثـره :
    ومن مآثر شيخنا الخالدة ، المكتبة العامة التي أسّـسها في النجف الأشرف باسم : « مكتبة الإمام أمير المؤمنين ( عليه السلام ) العامة ».
    واقتنى لها عشرات الأُلوف من نوادر المطبوعات ونفائس المخطوطات.


(28)
مؤلّفـاتـه :
    بعد أن أنهى علومه اتّجه إلى التأليف ، فقام يختلف إلى المكتبات القليلة التي كانت موجودة آنذاك في النجف الأشرف ، ومنها مكتبة كانت في الحسينية الشوشترية ، وأُخرى هي مكتبة كاشف الغطاء ( رحمه الله ).
    فكان يستنزف أوقات دوام المكتبة في مطالعة الكتب وسبر أغوارها والانتفاع منها ، فيختار من غضونها ما قد يحتاج إليه في بحوثه.
    ولكنّ دوام المكتبة المحدود ببضع ساعات لا تفي بهمّته ، ولا تشـبع نهمته.
    وقال ( قدس سره ) : « إنّي عزمت على قراءة كتب مكتبة الحسينية كلّها ، فاتّفقت مع أمينها أن يسمح لي بالبقاء فيها ، ويغلق علَيَّ الباب ».
    وقال الشيخ محمّـد حسين آل كاشف الغطاء ( رحمه الله ) : « إنّ الأميني لم يُبقِ في مكتبتنا كتاباً سالماً لكثرة مراجعته لها وتقليبه فيها ».
    ويضاف إلى هذا أنّه كان يراجع المكتبات الخاصة في بيوت العلماء ، والنجف الأشرف كانت يومئذ غنيّة بالمكتبات الخاصة.
    وكان ( قدس سره ) مثابراً دؤوباً ، يقرأ ويكتب في اليوم ثمانية عشر


(29)
ساعة ، وكان منقطعاً عن المجتمع.
    ومـن مؤلّفاتـه :
    1 ـ الغدير في الكتاب والسُـنّة والأدب : وهو موسوعة ضخمة غنيّة بالعلم ، مليئة بالحجج والبراهين والوثائق ، منقطعة النظير ، والكتاب آية من آيات هذا القرن.
    2 ـ شهداء الفضيلة.
    3 ـ أدب الزائر.
    4 ـ رياض الأُنس ، في التفسير.
    5 ـ سيرتـنا وسُـنّـتـنا ، الذي استُلّت منه هذه الرسالة.
    وفـاتـه :
    توفّي ( رحمه الله ) في طهران يوم الجمعة 28 ربيع الآخر سنة 1390 هـ ، وحمل إلى النجف الأشرف ، ودفن في مقبرة خاصة جنب مكتبته العامة.

(30)
وهذه الرسالة :
    كنّا نلتمس بحثاً في موضوع السجود على التربة الحسينية ، التي طالما حيكت حولها الشبهات ، وتلقّت السهام المسمومة ، حتّى لفت نظري أحد الإخوة الأفاضل وهو العلاّمة الدكتور السيّد محمّـد بحر العلوم ـ حفظه الله ـ إلى أنّ كتاب « سيرتنا وسُـنّتنا » للعلاّمة الأميني ( قدس سره ) ، صاحب كتاب « الغدير » ، يشتمل على عدّة رسائل ، وكانت إحداها في موضوع « السجود على التربة » ، وقد رجّح لي سماحته استلال هذا البحث وطبعه ، وقد وفّقني الله تعالى لذلك وأسميته : « السجود على التربة الحسينية عند الشيعة الإمامية ».
    وبعد المقدِّمة التي مرّت عليك ـ قارئي العزيز ـ وما اقتضاه المقام من التدارك كالسجود على النبات ما لم يؤكل أو يلبس ، والسجود على القرطاس ، وممارسات السجود على التربة عبر التاريخ ، وجواباً لسؤال مقدّر ، لماذا لم يتّخذ سكّان الحرمين تربة يحملونها معهم ؟
    ولمّا كانت الساحة العقائدية تفتقر إلى مثل هذا البحث ، فقد تلقّته بشغف بالغ ، وسرعان ما نفد من الأسواق ، ممّا دعاني لإعادة النظر فيه وإعادة طبعه.
    ولا أقول : إنّ هذا البحث الفقهي ممّا تفرّد به الشيخ الأميني رضوان الله عليه ، فهناك أقلام نيّرة سطّرت صحائف
السجود على التربة الحسينية ::: فهرس